رواية ما بين الألف وكوز الذرة الفصل الثالث 3 بقلم رحمة نبيل
رواية ما بين الألف وكوز الذرة الجزء الثالث
رواية ما بين الألف وكوز الذرة البارت الثالث
رواية ما بين الألف وكوز الذرة الحلقة الثالثة
صمت طويل ساد عقب صوت الرصاصة الذي رنّ في الأجواء، ومن ثم صراخ ذلك الرجل بعنف كبير في وجه تلك الفتاة الجريئة التي اعترفت للتو وبكل شجاعة تُحسد عليها أنها هي من احضرت الشرطة للقبض عليهم ..
عادت تسبيح للخلف برعب ظهر جليًا في عينيها، بعدما تلاشت شجاعتها المزعومة والتي استمدتها من وجود الشرطة، ورغم خوفها لم تتوقف عن رمق أخاها بشرٍ وكأنها بلومها له ستنقذ نفسها :
” عاجبك ؟؟ عاجبك اللي أنت فيه ده ؟! عاجبك اللي وصلنا ليه يا عبدالعظيم ؟! يا رب يكون عاجبك ذُلنا والقرف اللي عيشنا فيه بسببك يا …”
زفر الرجل بحنق يقطع حديثها ساخرًا :
” خلاص يا سنيورة مش وقته العتاب، ده حتى بيقولوا لو كان العتاب حلًا لما أسرّها يوسف ”
امتصت تسبيح شفتيها بتأثر مصطنع، بينما عينيها تحدق في اخيها ساخرة مما هم به وما وصلوا إليه :
” شايف اهو المعلم اللي خلاك تسيب التعليم من اعدادي، غفلك واخد دورات حكم وامثال من وراك ”
أنهت حديثها ترمق الرجل مجددًا بشر قبل أن يقاطعهم محسن الذي تمالك نفسه بعدما حدج رائد بغضب جراء دفعه، قائلًا :
” آسفين على قطع اللحظة الجميلة دي، بس فيه بوكس برة مستني المعلم والأخوة الكرام عشان ينوروه بطلّتهم”
استغل رائد ما يحدث مخرجًا هاتفه يطلب الدعم من اجلهم، علّهم يأتون في الوقت المناسب ناجدين إياهم من شِرك ذلك الرجل، خاصة بعد رؤيته لاعدادهم والأسلحة التي يمتلكون، منا زاد حيرته حول هوية من يمولهم…
تحركت تسبيح صوب عبدالعظيم ودون كلمة كانت تهبط بيديها على كتفه، جاذبة إياه من ثيابه بعنف :
” قدامي على البيت يلا حسابك معايا لما نروح ”
وقبل أن تتحرك أوقفها رائد بسخرية لاذعة مما تفعل :
” لا معلش اسبقيه أنتِ واحنا هنخلص الـ game ده ويحصلك، على البيت فين يا آنسة ؟! هو احنا بنهزر ؟! كل العصابة هنا هيتقبض عليها بما فيهم اخوكِ واهو نربيه ليكم بدل ما هو ناقص رباية ”
رمقت تسبيح عبدالعظيم بغل :
” سامع جايب لينا الكلام، والله يا عبدالعظيم لاسيبك تتعفن في السجن ولا هعبرك ”
وبسبب انشغال الجميع في الحديث لم ينتبه أحد لانسحاب المعلم من بينهم وفجاة أُطفئت انوار المكان كله ليعم الظلام وتتعالى أصوات الرصاص والصراخ من كل مكان دون تمييز ..
وكان أول ما فعله رائد أن ركض صوب صوت تسبيح لتغطيتها، لكن فجأة شعر بضربة قوية على رأسها اسقطته ارضًا دون أن يعي ما حدث والأصوات بدأت تتلاشى شيئًا فشيء…
____________________
ترددت كلمات محمود المجنونة في عقل صالح مرارًا وتكرارًا، حتى انتفض بفزع من مكانه رافضًا تلك الفكرة بالمرة، بحق الله أي مؤتمر هذا الذي سيتولى مسؤولية تقديمه، يقدم مؤتمر ادبي، وهو الذي لا يُخرج ثلاث كلمات، إلا وكانت اثنتان منهم جارحة_ ودون شعور منه _ هو لا يستطيع ذلك، هذا ليس بمجاله، هو لا يستطيع التحدث لساعات عن الكتب والأدب، كل ما يفقه به في هذه الحياة هو وظيفته ودراسته؛ لذلك الوقوف بين جموع غفيرة من الأدباء وأصحاب الألسنة الفصيحة والاقلام الراقية والتحدث كان مستحيلًا له .
” أنت السجارة لحقت تعمل مفعول في عقلك ؟! مؤتمر ايه اللي أقدمه ؟؟ مش معنى أننا توأم يبقى زي بعض ”
اقترب منه محمود يردد بجدية لا تتناسب مع حالته في تلك اللحظة :
” يابني أنت مكبر الموضوع ليه ؟؟ ده مؤتمر هتقف تقدم فيه الشخصيات المهمة، وهما هيدوك ورقة بالاسماء عادي مش هتقول حاجة من دماغك يعني، مش احسن ما يروح على اخوك ويصحى يطين عيشتك ”
ابتلع صالح ريقه بصوت مسموع، يفكر فيما قاله رفيقه بينما يردد بشرود :
” زي الإذاعة المدرسية كده ؟؟ يعني اقول والآن مع النشيد والآن مع المعلومة وهكذا ؟؟”
” أيوة بالضبط اديك فهمت الدنيا ماشية ازاي، ويا عم لو انت قلقان أنا هاجي معاك ولو شوفتك اتزنقت اوي هتدخل وانقذك أنت عارف إني ايام الجامعة كنت بحب اقرأ واثقف نفسي كتير فمش موضوع كبير ”
تشنجت ملامح صالح مخرجًا صوتًا ساخرًا من حنجرته يتذكر تلك الأيام التي يتحدث عنها محمود :
” لما كنت بتقرأ مجلة ميكي ؟؟ هو ده أخرك في الثقافة ؟!”
” وهي الثقافة ايه غير قراءة ؟؟ ده انا مخلص اعداد كتير من المجلة دي ”
امتص شفتيه بحسرة على تلك الأيام التي ولت آخذةً معها واحدًا من خيرة الشباب المثقفين :
” ده انا كنت اقعد على المجلة مقومش غير لما اخلصها واحل اللغز، ايام والله ”
ضرب صالح وجهه بيده وهو يستمع لغناء صلاح ورقصاته بينما يتحرك بين غرف المنزل كالكرة المطاطة :
” شكلها مش هتعدي على خير، هنسيب صلاح مع مين طيب ؟؟”
سحب محمود بعض الأنفاس من سيجارته يفكر بجدية :
” اتصل برائد خليه يجي يقعد معاك، قوله إن صلاح سافر اسكندرية، وانت قاعد في البيت لوحدك وتعبان، وهو يجي ياخد باله من اخوك على أساس أنه أنت ”
أشار صالح صوب أخيه بصدمة :
” أنت عايزة يفكر صلاح أنا ؟؟ ليه اهبل مش هيعرفنا من بعض ؟!”
” والله يا صاحبي اخوك في اللحظة دي اسوء منك بمراحل، وبقى حالته زي الزفت اكتر منك، فلا مش هيعرفكم من بعض، ولخص بقى عشان الوقت بيعدي واحنا عندنا سفر ”
نظر صالح نظرة أخيرة لصلاح الذي كان يستند بذراعه أعلى طاولة المنزل حاملًا على أذنه الهاتف متحدثًا به بكلمات إحدى الأغنيات الغريبة …
نفخ بضيق :
” يارب عديها على خير ”
__________________________
كانت تقف في حديقة القصر الخاص بعائلة الاشموني الموقرة، تضع أمامها لوحة تصويب بينما تضع أعلى ظهرها حاملة سهام، فـ ميمو بكل وقت فراغها منذ رحيل زوجها العزيز وهي تعلمت العديد من الرياضات الغريبة والفروسية والمبارزة و السهام، ربما ذلك بسبب تأثرها بحكايات والدها قديمًا عن الملوك والأمراء الذين كانوا يجيدون هكذا رياضات .
ابتسمت تجذب السهم للخلف أكثر وأكثر، تغمض عين واحدة والأخرى مثبتة أعلى لوحة التصويب، ثم في ثواني تركت السهم يدور في الهواء بسرعة كبيرة، ليتوسط اللوحة بكل مهارة، مما جعلها تبتسم بسمة جانبية فخورة .
سحبت سهمًا آخر من غمدها تعيد نفس فعلتها الأولى، لكن قبل قذفه لمحت سعيد يهبط من سيارته يتحدث بهاتفه في اهتمام كبير، ارتسمت بسمة مخيفة أعلى فمها تُحرّك السهم ببطء مغيرة اتجاه قذفه حتى استقر على نقطة محددة لتتركه يطير في الهواء صوب هدفه والذي كان هاتف سعيد الذي اصطدم فيه السهم بقوة جاعلًا إياه يطير في الهواء بشكل جلب صرخات سعيد .
” ايه اللي بيحصل ده ؟!”
رفع سعيد عينه لميمو التي كانت تقف وقفة مثيرة ترمش ببراءة :
” يووه هو جه فيك يا سعودي، يقطعني الظاهر كده فلت مني بالغلط ”
اشتعلت عين سعيد بشر بعد اهانتها له وأمام عمال الحديقة ورجال الأمن خاصته، واشتعال عينه لم يحرك شعرة واحدة من ميمو التي تحركت بعبث تنحني ممسكة بالهاتف مرددة :
” شكلك كده هتحتاج تشتري تليفون تاني ”
وقبل أن تنهض شعرت بيد تجذب شعرها بقوة مجبرة إياها على الوقوف لتقابل عينها عين سعيد المشتعلة والذي همس من بين أسنانه بشر :
” فكرك أنا ممكن استحملك لامتى ؟!”
ورغم الوجع الذي امتد من خصلات شعرها ليشمل رأسها بأكملها جالبًا تنميل غير مرغوب به هناك إلا أنها ابتسمت تعبث بأزرار سترته :
” لغاية ما ربك يسترد أمانته ”
افتر ثغر سعيد عن بسمة مقيتة جعلتها تنظر له بتحدي كبير :
” وفكرك ربك هيسترد أمانته امتى يا ميمو ؟!”
” الاعمار بيد الله ودي كلها غيبيات يا سعودي، لكن ربنا يطول في عمري وعمرك يا غالي لغاية ما اشوفك والع قدامي ”
ترك سعيد شعرها بقوة ملقيًا إياها ارضًا في شكل مهين أمام جميع الرجال، ثم هوى على وجهها بصفعة عالية وصوته خرج بفحيح :
” متحلميش كتير يا تربية الحواري، يوم ما نهايتي تيجي اكيد مش هتكون على ايدك يا زبالة ”
كانت رأس ميمو منخفضة ارضًا بشكل يوحى للجميع أنها تبكي، إلا أنها رفعتها ببساطة تبعد خصلاتها على وجهها مبتسمة بشكل مستفز :
” كده برضو يا سعودي تمد ايدك على امك ؟! لو جاد كان عايش دلوقتي كان زمانه زعل اوي على فكرة، بعدين مش ميمو حبيبتك أولى من الغريب ؟؟ يعني تموت على ايد غيري وانا موجودة ؟! والله عيب عليك ده احنا حتى عيلة يا اخي ”
استفزته ؟! نعم وبشدة، بل جعلته يحترق وهي تحدق فيه بتحدي، تلك المرأة كانت أكثر امرأة متمردة عرفها في حياته، وستكون نهاية تمردها على يده.
إلا أنه لن يتخلص منها الآن، ليس حتى يفعل ما يفكر به.
اعتدل سعيد في وقفته يتحرك صوب الداخل بخطوات مهرولة جعلت ميمو تردد بفزع وخوف :
” على مهلك يا حبيبي لاحسن تتكفي على وشك تتخنق ونخلص منك، يا ام منصور اعملي كوباية لمون لسعودي لاحسن الحالة رجعتله تاني ”
أنهت حديثها تبتسم بشكل مخيف واضعة يدها أعلى وجنتها الساخنة قبل أن تنتفض على رنين هاتفها، رفعته أمام عينها بتعجب تراقب اسم ذاك الصحفي يتراقص على شاشتها…
ابتسمت بسمة جانبية خبيثة وهي تنظر لباب المنزل ثم أجابت على الهاتف تقول بصوت عابث :
” الو يا حبوب لحقت اوحشك ؟!”
وكل ما وصل لها من صلاح هو صوت غير متزن وانفاس بطيئة جعلتها تفكر فيما يحدث بريبة وقبل أن تبادر في التحدث مجددًا سبقها صلاح بالقول :
” معاكِ لبان ؟!”
” لبان ؟!”
وصل لها همهات غريبة وصوت صلاح يقول :
” اممم، عايز اقابلك عشان حاجة مهمة ”
” بخصوص ؟!”
” سعيد ….”
_______________________
بعد ساعات كان يجلس في مركز الشرطة حيث يعمل برابطة أعلى رأسه مكان الجرح، وأمامه يقبع قائده، بعد تسليم جميع المجرمين عدا المعلم الذي استطاع الهرب، بعدما قام أحد صبيته بقطع الانوار عن المنزل لتأمين هروبه، وكان ذلك كله قبل وصول الدعم بدقائق، ليتم القبض على الباقيين .
صوت اللواء يعلو في ممرات القسم بأكمله صارخًا بهم أنهم اخفقوا جميعًا وقد هرب الرجل الذين شنوا لأجله خصيصًا تلك الحملة .
رفع رائد عينه لمحسن يردد بصوت خافت ساخر :
” ايه يا محسن؟! يعني مش سامعلك صوت ولا نطقت حتى ؟! مش أنت القائد ولا ايه ؟؟”
نظر له محسن ثواني قبل أن يهز رأسه بالموافقة على حديثه، ثم تقدم الجميع نافخًا صدره بشجاعة غريبة جعلت رائد يبتسم بعدم تصديق :
” ده باينه هيعملها ولا ايه ؟! لا محسن اوعى تفدينا بنفسك كده هضطر احبك ”
ابتسم محسن يقول بكل هدوء وعملية :
” يا فندم أنا كنت المسؤول عن الفرقة دي، وكل شيء تم في العملية كان بأمر مني ”
فتح رائد عينه بانبهار وهو يردد :
” والله الواد محسن ده جواه انسان صغير كده ”
لكن ما كاد يتم جملته حتى سمع صوت محسن يهتف بجدية اكبر :
” ماعدا هروب رئيس العصابة، كان بسبب النقيب رائد ومخالفته للأوامر ولولا اللي عمله كان زمان الراجل الكبير معانا دلوقتي، وعشان كده يافندم أنا برفع التقصير عن فريقي وبحمله بالكامل للنقيب رائد ”
تنفس رائد الصعداء في لفتة غريبة على هكذا موقف، لكنه فقط وضع يده أعلى منطقة قلبه مرددًا براحة شديدة :
” الحمدلله يا محسن لحقتني قبل ما احبك، لسه الكلب اللي جواك عايش، مخيبتش املي فيك ”
نظر اللواء لرائد :
” ايه ردك على الكلام ده يا سيادة النقيب ؟؟”
” يا فندم أنا سبق وبلغت الكل أن اساسا المهمة دي من الاول فخ، يعني ايه نروح الحارة وندخل مقرهم بدون ما يعترضنا حد؟! ثم العيال دي لا يمكن تكون مجرد عيال بتوزع مخدرات كده عادي، لا دول وراهم ناس مسنودين اوي وإلا مكانوش وقفوا في وشنا من غير ما يهمهم حاجة ”
نظر اللواء لهم ثواني قبل أن يهز رأسه في حركة غامضة لم يستشف منها أحد شيئًا، ثم أشار لهم جميعًا:
” تمام اتفضلوا على شغلكم لحين استدعائكم مرة تانية ”
أدى الجميع تحيته العسكرية ورحل عدا رائد الذي نظر لهم، ثم عاد ونظر لقائده واردف برجاء وبسمة صغيرة :
” بالنسبة للترقية يا فندم كنت …”
صرخ اللواء في وجهه بحنق :
” ترقية ايه يا حضرة الظابط وعلى ايه ؟! نص العصابة بزعيم العصابة هربوا، اديك ترقية على ايه بالضبط ؟!”
” على نيتي يا فندم، والله انا نيتي كانت خير وانا رايح المهمة دي وكلي امل ارجع بالترقية”
أشار اللواء دون كلمة للباب واعينه ترسل رسالات تحذير لرائد الذي تحرك نحو الباب بتردد وهو يقول بحزن :
” طب نسر واحد يا فندم، إن شاء الله عصفور كناريا حتى بدل ما الكتافة كلها نجوم كده ”
” بـــــــرة ”
ركض رائد للخارج بآمال محطمة وكل ذلك بسبب ذكر الخرتيت الذي رافقه لتلك المهمة، والتي لم ينل منها سوى ضربة رأس ستترك ذكرى لوقتٍ طويلٍ.
وعلى ذكر تلك الضربة لمح رائد تسبيح تقف مع أخيها أمام مكتب الشرطي الذي تولى التحقيق معهم وهي تصرخ في وجهه وتضربه على كتفه بحنق :
” عجبك كده ؟؟ عجبك البهدلة دي ؟! والله يا عبدالعظيم لو طلعت من الليلة دي سليم لأكون مكسرة رجولك عشان تبقى تمشي في طريق الحرام، أنا عايزاك تاخد جزاك و…”
وقبل أن تكمل كلمتها لمحت بطرف عينها صورة رائد يقف بعيدًا ينظر لها بشر وعداء واضح، ابتلعت ريقها تتراجع خلف الجميع متذكرة كيف طرحته ارضًا ظنًا أنه أحد أفراد العصابة ..
اقترب منهم رائد ومازال يرمقها بشر، لكنه لم يقف عندها، بل تجاوزها ببساطة هامسًا بصوت وصل لها واضحًا :
” ده السجن لاخوكِ ارحم من عيشته مع واحدة زيك يا شيخة ”
شهقت تسبيح بصوت عالي وظلت متصنمة ثواني حتى فاقت على صوت العسكري يسحب أخيها رفق من مُسك معهم من العصابة وهي ما تزال تنظر للممر الذي اختفى به رائد وغضبها يشتعل أكثر من وقاحته .
________________________
بعد ساعتين من السفر تقريبًا استقرت سيارة صالح الصغيرة والمشابهه لخاصة أخيه أمام مبنى كبير مخصص للمؤتمرات الهامة والاجتماعات .
تعلقت أنظاره بالمكان وكأنه سيتحول لوحشٍ وينقض عليه ملتهمًا إياه، لمح في المرآة المجاورة له جزء من وجهه وتسريحة شعره المرتبة بشكل يستفز أنامله لافسادها، فتح باب السيارة ثم هبط منها بهدوء يحاول أن يصطنعه، امتدت يده تسحب بنطال البذلة المزعجة العائدة لأخيه والذي تركه يرقص مع بعض الاشباح في المنزل .
تنفس بعمق يحاول منع يده من نزع تلك السترة ودهسها بأقدامه في عنف كبير، ثم يفسد تلك التسريحة المقيتة التي تعلو رأسه وبعدها يخلع بنطاله ويسير بالبنطال القصير الذي يرتديه اسفله ( الشورت ) .
لكنه تنفس مجددًا يذّكر نفسه أنه الآن صلاح السقاري الراقي واللبق والهادئ و..
وقبل أن يكمل كلماته لنفسه وجد فتاة تصطدم به بحدة كبيرة جعلته يلوي فمه صارخًا بصوت عالي :
” جرا ايه يا ماما ما تبصي قدامك ولا اتعميتي !!”
ركض له محمود بسرعة ينظر حوله في رعب جلي وهو يكتم فم ذلك الرجل الذي يخفي في حنجرته سلة مهملات يلقي بها كل من يراه :
” اششش الله يسامحك هتودينا في داهية، حد يتكلم كده مع بنت يا غبي وعشان خبطت فيك غصب عنها ”
أبعد صالح يد محمود عنه بغيظ :
” غصب عنها ؟! هتشيل كتفي وتقول غصب عنها ؟! دي مركبة حديد خرسانة في كتفها مش معقول يكون ده لحم وعضم عادي ”
مسح محمود وجهه بغيظ يخرج إحدى سجائره فهو في حالته العادية لن يتمكن من احتمال تلك القنبلة الموقوتة التي نبت لها أيدي وأرجل ولسان، اشعل سيجارته يقول وهو ينفخ الدخان بعيدًا :
” كنت بتقول ايه بقى ؟؟”
رمقه صالح بغيظ كبير وقبل أن يصرخ في وجهه سمع صوت خلفه ينادي اسمه :
” دكتور حضرتك هنا ؟!”
فتح صالح عينه بصدمة يمسك بثياب محمود :
” اتكشفنا، واحد عرفني قولتلك نزود جل شعر، حد كشفني ”
رفع محمود عينه صوب ذلك الرجل الذي اقترب منهما مرتديًا بذلة منمقة فخمة بشكل كبير ليقول بصوت منخفض :
” واحنا من امتى عارفين ناس نضيفة كده، اكيد قصده اخوك مش أنت ”
” ده بيقول دكتور، صلاح مش دكتور، ده كان ادبي ”
وقف الرجل أمامه يقول ببسمة مادًا يده :
” دكتور صلاح، سعيد بوجودك هنا انهاردة المؤتمر اكتمل بوجودك والله ”
اجابه صالح بأقصى كلماته رقيًا وبشكل ظنه مثقفًا لبقًا :
” الله يكرمك ”
شعر بضربة قوية في خصره من محمود الذي هتف من بين أسنانه :
” الله يكرمك ايه ؟! هو أنت بتشحت منه حسنة يا غبي ؟! اديله رد مثقف علمي، ابهره بمصطلحاتك اللغوية”
ابتسم صالح يحاول تطبيق كلمات رفيقه في رأسه، يبحث في عقله عن تلك المصطلحات اللغوية التي يجب الاستعانة بها اليوم، لكن كل ما خرج به من عقله هو بعض الردود الغبية الخاصة به و بعض الشتائم التي يحاول الاقلاع عنها، و شطيرة بطاطس ومخلل .
ظهر العجز واضحًا على وجه صالح مما جعل محمود يتدخل وهو يمد يده قائلًا بعدما أخفى سيجارته خلفه :
” أهلًا بحضرتك، أنا محمود الصديق المقرب للدكتور صالح ”
ابتسم له الرجل يبادله المصافحة وهو يردد بجدية :
” اهلا يا استاذ محمود، اتشرفت بمعرفتك، حضرتك كاتب كتب برضو ؟؟ ”
” امال يا فندم أنا ليا مؤلفات كتير مشهورة في السوق ”
وظهر الانبهار جليًا أعلى وجه الرجل الذي اعتدل في وقفته يطالع محمود بشغف :
” بجد ؟! اتشرف باسم مؤلفات حضرتك، لعلي أنال يومًا شرف مطالعتها ”
رمقه محمود ببلاهة لأول مرة في حياته يسمع كل تلك الكلمات المنمقة في جملة واحدة مما تسبب له بحدوث عطل في أسلاك عقله :
” ها ؟!”
” مؤلفات حضرتك، اسمها ايه ؟؟”
نظر محمود لصالح الذي كان يبتسم بتشفي يحاول أن يكتم ضحكته على صديقه والذي كان منذ ثواني يوبخه لعدم تحدثه بلباقة والآن ينظر للرجل وكأنه يتلو عليه لوغاريتمات معقدة .
ابتلع محمود ريقه يقول اول ما جاء في رأسه:
” اه مؤلفاتي، اكيد ليها اسم يعني، كتبت سلسلة كتب بتناقش تفكير الشخص اللي مش واعي بالدنيا، وايه اللي بيحس بيه تحت عنوان ( الحل الصايع في العقل الضايع)”
وبمجرد انتهاء كلماته حتى فغر الرجل فمه يردد ببلاهة :
” عفواً ؟؟”
في تلك اللحظة سمع الجميع صوت أحد الرجال يركض صوبهم بلهفة :
” استاذ صلاح فكرت حضرتك مجتش، اتفضل لأن المؤتمر هيبدأ وحضرتك اللي هتفتتحه ”
نظر صالح لمحمود بصدمة ليبتسم له محمود بغباء يشعر الآن وفي تلك اللحظة بخطورة ما أقدموا عليه …
_______________________
دسّ مفتاحه في باب منزله، لا يدري ما يحدث لكن مكالمة صالح له بأنه مريض جعلته يهرع للمنزل في خوفٍ كبير، خاصة لمعرفته أن صلاح قد سافر بالفعل للإسكندرية لأجل مؤتمره، فترك إحدى غاراته واوكلها لصديقه وجاء لأجله.
فتح رائد الباب وبمجرد أن خطى داخل المنزل، حتى تراجع للخلف مرتعبًا مما حدث فقد كان المنزل كما لو أن اعصارًا ضربه للتو، أخرج سلاحه بأيدي ثابتة، وخطواته أضحت حذرة أكثر، يخطو واحدة ويتمهل قليلًا..
أخرج هاتفه يجهزه على الاتصال بالمركز الخاص به حتى إذا احتاج طلب الدعم، فما يظهر أمامه هو محاولة سرقة واضحة، كما لو أن شخصًا عكف على البحث في أرجاء المنزل عن شيءٍ ما .
تحرك صوب غرفة صلاح والتي كان يخرج منها صوت صاخب، ابتلع ريقه يختبأ جوار الباب عد لثلاثة، ثم خرج بشكل مفاجئ يرفع سلاحه في الهواء صارخًا :
” ايدك فوق …بوليس ”
لكن فجأة تصنم جسده وعينه متسعة بشكل مثير للضحك لا يفهم ما يحدث أمامه، انزل سلاحه ببطء يراقب جسد صالح _ صلاح _ يقفز على الفراش وهو يغني بصوت مرتفع يرتدي ثياب خاصة بصلاح غير منمقة، فقد كان يرتدي بنطال من الجينز قصير على فانلة بيضاء ورابطة عنق وسترة خاصة بالثياب الرسمية .
كان صلاح يرقص أمام المرآة الخاصة به وهو يغني بسعادة وقد ارتفع مستوى هرمون الادرينالين في جسده بشكل مرعب ..
اقترب رائد من صلاح ظنًا أنه صالح وقد اصابه مسٌ من جنون :
” صالح أنت اتجنيت ؟؟ انت اللي عملت كده في البيت ؟!”
التفت صلاح لرائد الذي كان يحدق فيه بشك وقال بسعادة :
” ها ايه رأيك ؟! حلو ؟! اصل مستني صاحبة الحصان ”
رفع رائد حاجبه يقترب بشكل خطير من صلاح، ثم ودون انذار جذب ذقنه بين أصابعه بشكل قوي يقترب بأنفه من وجهه يشتمه بشك :
” أنت شارب ايه؟! ؟! شارب مخدرات ؟؟”
” لا، عصير ”
فتح رائد عينه بصدمة من نبرته الغير متزنة وعينه الزائغة ليتأكد في تلك اللحظة أن صالح مخمور، وبدلًا أن يستاء ويغضب ويشعر بالحزن لأجله، رسم بسمة واسعة على فمه، والترقية تلوح له بالأفق، تردد صوته بخبث وسعادة في المكان :
” واخيرًا سأنال الترقية .”
______________________
مكبر الصوت على بُعد انشات صغيرة من فمه أعلى مسرح يتوسط ذلك المكان المهيب وأمامه يجلس العديد من الرجال ببذلات كان يرى أخاه يرتدي الكثير منها سابقًا .
دار صالح بعينه في المكان يحاول أن يستدعي كل ذرة ثقافة تلقاها بالخطأ أثناء حياته البائسة تلك، تذكر صالح أنت طبيب، نلت درجة علمية عالية، لا بد أنك خلال حياتك تلك قد تعرضت للعديد من الكلمات الفصحى الراقية بعيدًا عن مجال الطب.
ابتلع ريقه يضرب أعلى مكبر الصوت وهو يردد بتلقائية اعتادها أثناء مزاحه سابقًا :
” Test , test , test … الله الله”
وفجأة ارتفع تصفيق حاد في القاعة ولم يكن بحاجة للبحث عن مصدره ليعلم أنه خرج من محمود الذي كان يرتاح بظهره على مقعد جلدي فخم، يكاد ينام عليه هاتفًا بثقة :
” عظيم، عظيم ”
ابتسم له صالح يتذكر كلمات الرجل الذي استقبله وأخبره أنه فقط عليه تقديم المؤتمر والحديث عن آخر أعماله بشكل عام، لذلك استهل حديثه وهو يقول :
” السلام عليكم جميعًا، يارب تكونوا بخير وكل عيلتكم بخير، احب ارحب بيكم انهاردة في المؤتمر الادبي، و…”
صمت ينتظر مساعدة من عقله، لكن كل ما وصل له هو فراغ ولا شيء سواه، لذلك انتقل من تقديم المؤتمر للحديث عن الكتاب الخاص بأخيه والذي يقبع بين يديه نسخة منه، لوح صالح بالكتاب في الهواء وهو يردد بفخر كبير اصطنعه :
” الحمد لله الذي رزقني نعمة اللسان لكي أتحدث به وأعبر عن وجهة نظري في كل الأمور، والحمد لله الذي رزقني نعمة العقل لأفكر به وأستوعب كل ما حولي من موضوعات مختلفة، وأفكر في حلًا لها، والذي سوف يمكني من الحديث عن هذا الكتاب الشيق الذي تمنيت كثيرًا أن أتحدث به ”
نظر محمود حوله ليشعر لوهلة أنه سمع صوت صرصار الحقل يرنّ صداه في المكان بعد ما قاله رفيقه، نهض من مكانه يبتسم للجميع متحركًا صوب المسرح يسحب يد صالح بعيدًا عن المكبر قائلًا بحنق :
” أنت ياض متخلف ؟؟ هو موضوع تعبير ؟؟ ده أنت ناقص ترصلهم افكار الموضوع وتتكلم عن كل فكرة وفي الآخر تقولهم ( أتمنى من الله أن تكون كلماتي نالت إعجابكم) ”
همس صالح من بين أسنانه بغيظ فكل ما بهم هو خطأه ورغم ذلك يحدثه هكذا :
” وأنا اعمل ايه يعني ؟! ده أخري في الفصحى واللباقة والأدب ومن بعد كده انت عارف، وبعدين ما أنا قولت دي احسن مقدمة عشان اتكلم عن الكتاب ”
نظر محمود للحضور وقد بدأ بعضهم يتاهمس ويتململ في جلسته بشكل جعله يرسم بسمة غبية وهو يقول :
” نط من المقدمة وأبدأ قدم الناس، اخلص خلي يومنا يعدي ”
هز صالح رأسه وهو يعود صوب المكبر، بينما تحرك محمود لمقعده مجددًا يستمع لكلمات رفيقه الذي قال :
” ولأن خير الكلام ما قل ودل، فدعونا نرحب بالاستاذ دانيال بطرس المتحدث ”
أنهى حديثه ليعلو تصفيق وتصفير من فم محمود محفزًا الباقيين لتحية دانيال ذلك والتغاضي عما حدث، بينما صالح ابتسم للجميع بغباء ..
وبين مقاعد الضيوف كانت تجلس ترمق ما يحدث ببلاهة وهي تتحدث لمروة التي أصرت عليها بالمجئ لحضور مؤتمرًا ادبيًا لكاتبها المفضل، واعدة إياها أن تنبهر بفصاحته ومهاراته :
” هو ده اللي جيباني عشان اقعد ساعتين اسمع فصاحة لسانه واقول الله ؟؟”
كانت هذه كلمات رانيا التي خرجت مستنكرة لما تفعله مروة فهي لم تكتفي باحضارها هنا، بل تحدتها أن تذهب صوب ذلك الكاتب العظيم وتطلب منه صورة وتوقيع جراء خسارتها في لعبتهما ..
قالت مروة بتعجب :
” مش عارفة هو حصله ايه، والله كان فصيح وبيتكلم زي الفل، مش فاهمة ماله كده ؟!”
ابتسمت رانيا بسخرية :
” ياستي مكانش كده ايه، ده واقف على المسرح ولا كأنه بيقدم إذاعة مدرسية، ده المؤتمر بقى مهزلة ”
هزت مروة رأسها بعدم اهتمام :
” ميهمنيش المهم هاخد صورة معاه المرة دي عشان المرة اللي فاتت ملحقتش، وأنتِ كمان هتعملي اللي قولتلك عليه ”
زفرت رانيا بحنق تنظر لذلك الكتاب الذي يقبع بين اصباعها بغيظ شديد تتمنى لو تذهب وتطبع عليه وجه ذلك الذي يُسمي نفسه كاتبًا ظلمًا وتخبره أنه فاشل .
وبعيدًا على أحد المقاعد الخلفية كان يجلس يراقب ما يحدث ببسمة ترتسم على وجهه وشعور بالكره يتولد داخله لذلك الغبي الذي يستمر في مهاجمته في مقالاته وكتبه، نظر جانبه لأحد الرجال يشير له بالتحرك، وقد فعل بعدما ابتسم له ثم نهض ينتظر خارجًا لينفذ ما أُمر به منصور الاحمدي، ثاني الاسماء الذين عكف صلاح على مهاجمتهم بعد سعيد الاشموني، فذلك الحقير حرص على صنع عداوة له في كل مدينة .
وعلى المسرح حيث شقيق الأبله، كان دانيال بطرس يتحدث بألفاظ منتقاه عن أحدث أعماله بفخر شديد وجواره صالح يهز رأسه ببسمة وكأنه يهتم لما يتحدث به :
” حتى أن عملي الاخير قد نال شرف أن يُقرأ بواسطة الكاتب الشاب صلاح السقاري، وقد نبت منه وعدًا بمراجعة أدبية عنه في هذا المحفل؛ لذا فها أنا اطالبه برأيه ”
أنهى دانيال حديثه وهو ينظر ببسمة لصالح الذي كان ينظر لاظافره وهو يلوي شفتيه لا يعي ما يحدث قبل أن يسمع صوت تصفيق حار ليرفع عينه ظنًا أن دانيال أنهى كلماته، فابتسم وهو يصفق له، لكنه تفاجئ من دانيال يسحبه بلطف :
” اتفضل يا استاذ صلاح ”
فتح صالح عينه بصدمة وهو يحاول الأفلات من يده فبدا كما لو أن دانيال يسحبه للمذبح وهو يقول :
” مش حضرتك وعدتني هتقول رأيك في كتابي الاخير ؟!”
وجد صالح نفسه فجأة أمام مكبر الصوت مرة أخرى والجميع ينظر له ببسمة، نظر جواره لدانيال :
” اقول ايه مش فاهم ؟!”
” المراجعة الأدبية بتاعة حضرتك حول كتابي الاخير”
شعر صالح بالتشويش وهو يبتعد عن المكبر هامسًا :
” معلش مش فاهم برضو، حضرتك مش خلصت كلمتك خلاص ؟! انادي على اللي بعدك ؟!”
ضحك دانيال وهو يربت على كتفه صالح ظنًا أنه يمزح :
” أيوة بس قبلها مستني رأيك في كتابي الاخير زي ما وعدتني ”
حدق به صالح، قبل أن ينظر نحو الجمهور يحاول معرفة ما يجب فعله، ثم عاد لدانيال يقول :
” كان جميل تسلم ايدك ”
ضحك دانيال بصوت عالٍ أثار فضول جميع الحضور لمعرفة سبب ضحكاته، بينما دانيال يردد ببسمة :
” صدقني أنك على الحقيقة ذو حس فكاهي عظيم، ارشحك وبقوة للاتجاه إلى الأعمال الكوميدية ”
” الله يخليك، المرة الجاية باذن الله ”
ابتسم دانيال يقترب من المكبر وهو يتحدث بجدية وبسمة :
” نعتذر يا سادة على التأخير، ولكن الاستاذ صلاح صاحب دعابة وحس فكاهي عظيم، ودلوقتي هو هيبلغكم رأيه في الكتاب الاخير بتاعي، اتفضل يا استاذ صلاح”
نظر صالح حوله للوجوه المبتسمة والثياب الراقية، يحاول أن يتذكر آخر مرة وقف هكذا في أحد المؤتمرات الطبية، يحاول أن يتجاهل تلك الاضواء التي كادت تصيبه بالعمى، حدق بدانيال المبتسم وهو يقول :
” الحقيقة الكتاب كان جميل وخفيف على القلب كده، ويخلص في قعدة مع كوباية شاي، واحب اشكر استاذ دانيال على كلماته الجميلة اللي كتبها واقوله أن الكتاب ساعدني إني اعدي محن كتير اوي وحسيت كأن الكتاب بيوصفني بالضبط وكأنه اتكتب عشاني ”
نظر له دانيال بدهشة وقبل أن يعلق على حديثه، سمع صوت تصفيق حار يصدر من أحد أركان القاعة وصوت تصفير :
” احسن واحد يقول رأيه والله، كاتب بالفطرة وأديب عالمي يا خويا ”
ابتسم صالح بسمة واسعة لمحمود، ثم أمسك الورقة أمامه يقدم الشخص التالي بسرعة قبل أن يقاطعه أحدهم ويطالبه بما لا يملك قدرة على فعله .
في الوقت الذي توقف تصفيق محمود وعينه ثُبتت على الشاشة التي تعرض خلفه غلاف ذلك الكتاب الخاص بدانيال بطرس تحت عنوان ” مشاكل النساء في الالفينات ”
________________________
يقود سيارته بسرعة الملهوف صوب حلم انتظره سنوات، وقد كان ذلك هو أدق وصف لحالة رائد الذي يقود السيارة وهو يصفر ويغني بسعادة كبيرة، فها هو على أعتاب نيل ترقيته العزيزة ..
نظر جواره لجسد صلاح الذي يعتقده صالح ليجده قد سقط في غفوة طويلة منذ أجبره على الخروج من المنزل بعدما ساعده في تبديل ثيابه لأخرى آدمية .
أخرج رائد هاتفه يتحدث بجدية مع زميل له :
” الو يا جَميل، بقولك لو قبضت على متعاطي مخدرات ممكن أخد ترقية ؟؟…..صعب ؟! طب لو تاجر مخدرات ممكن ترقية ؟؟”
نظر جواره لصالح قبل يضيف بجدية :
” هياخد وقت ازاي يعني ؟! هو لازم يكون خطير عشان اعمل إنجاز لما اقبض عليه ؟! ….طب بقولك لو قاتل متسلسل عادي ؟؟ ”
ابتسم بسمة واسعة يغلق الخط مع صديقه، ثم مال قليلًا على صلاح يهمس له :
” بقولك يا صالوحة يا حبيبي عادي لو غيرنا الاتفاق وبقيت قاتل متسلسل ؟! صدقني هي العقوبة مش هتفرق كتير، وانا هساعدك تاخد مؤبد مش اعدام ماشي ؟؟”
لم يصل له سوى صوت تأوهات خافته من فم صلاح الذي بدأ يشعر كما لو أن العالم يدور حوله، كلمات ونغمات تتردد في أذنه دون أن يعي شيئًا، عقله مشوش وعينه لا تطيعه فلا يستطيع فتحها .
اعتدل رائد في جلسته وهو يتوقف بالسيارة أمام مركز الشرطة بسعادة، ثم استدار ينظر لوجه صلاح بامتنان :
” مش هنسى ليك الجِميل ده يا صالح ابدا ”
___________________________
انتهى المؤتمر على خير، أو هذا ما ظنه صالح قبل أن يجد هجوم من أشخاص كُثر يحملون كتب عديدة يركضون صوبه، ليركض هو في الإتجاه المعاكس بسرعة ظنًا أن هناك خطر أجبر الجميع على الركض، لكن أوقفه جسد محمود الذي قال بحنق :
” أنت رايح فين ؟! وقع للناس يا بني ”
نظر له صالح بجهل، ثم أعاد نظره للخلف حيث جمع كبير من الشباب يطالبونه بتوقيعه على كتب، رمش وهو يحاول الركض بعيدًا عنهم لولا يد محمود الذي كبله بحنق :
” يا عم ابوس ايدك امضي وخلص مجاتش على دي خلينا نروح ”
ابتعد عنه صالح وهو يرى شاب يقترب منه يقول بسعادة :
” أنا مش مصدق اني واقف قدام حضرتك ”
خفف صالح من اشتداد رابطة العنق وهو يحرك يديه في خصلات شعره بقوة حتى افسدها :
” حبيبي تسلم والله، اديني الكتاب عشان اكتبلك اسمي عليه ”
نظر له الشاب بتعجب ليمنحه صالح بسمة بلاستيكية :
” قصدي يعني اوقع”
ابتسم الشاب يمد يده بالكتاب له بينما صالح يهمس بحنق بينه وبين نفسه :
” بعد مسك المشرط بقينا نمسك اقلام ”
دفع صالح بالكتاب لصدر الشاب بقوة حتى كان يخترقه به، ثم تحرك بعيدًا وصوت الشاب يناديه بتعجب :
” بس أنت كتبت اسمك بس ”
توقف صالح بتعجب ينظر للكتاب بجهل :
” هو المفروض اكتب حاجة غير اسمي ؟! اكتب رقم تليفوني كمان ؟؟”
رمقه الشاب بتهكم يشعر أنه يسخر منه، لكنه رغم ذلك مدّ الكتاب بصبر فهو لم يضع ساعة في الطريق فقط لأجل كتابة اسمه على الكتاب :
” لا المفروض حضرتك تكتب اهداء ليا باسمي كمان ”
امسك منه صالح الكتاب بعنف شديد، ونظراته تطلق شرارًا كأنه يود ضربه، ثم انتزع من يد الشاب قلمه قائلًا:
” اسمك ايه يا حبيبي !!”
” عبدالمنعم محمد ”
خط صالح بعض الكلمات في الكتاب وهو يكتب بكل إيجاز ( اهداء لعبدالمنعم محمد ) ثم اغلق الكتاب وأعطاه القلم ورحل سريعًا قبل ان يستوقفه مجددًا، لكن بدلًا من ذلك أوقفته فتاة وهي تقول بسعادة :
” بجد مش مصدقة اني شيفاك دلوقتي، أنا حاسة إني بحلم ”
مال صالح هامسًا بحنق في أذن محمود :
” هو كلهم مش مصدقين أنهم شايفيني ليه ؟؟ هو صلاح بيكلمهم من وراء حجاب، لابس طاقية الاخفاء عشان كل دول مش مصدقين أنهم شافوه ؟!”
” يا حبيبي اخوك كاتب مشهور وله معجبين، حاول تتعامل معاهم براحة بدل ما يكرهوا اخوك وتكون أنت السبب ”
افاق صالح على صوت الفتاة تخبره بحماس شديد :
” ممكن صورة مع حضرتك ؟!”
اعتدل صالح في وقفته يمنحها ابتسامة صغيرة ينظر للهاتف الذي تحمله فتاة أخرى، ثم ابتسم له حتى تم التقاط صورة لهما، وقبل الرحيل أوقفته مجددًا :
” معلش كمان صورة بالفلتر ده ”
أنهت حديثها وهي تختار مؤثر بصري في هاتفها، ثم منحته لصديقتها مجددًا تقول متخذة وضعية غريبة في الوقوف :
” خدي يا الهام بس هاتيها بالطول احسن ”
وبعد أن انتهت الهام من التقاط الصورة اقتربت منهم لتريهم إياها فابتسم لهما صالح يتحدث بهدوء اصطنعه بصعوبة :
” تمام كده عن اذنكم ..”
أمسكت الفتاة مرفقه بسرعة وهي تردد في لهفة :
” لا لحظة الهام هتتصور معاك، يلا يا الهام اقفي”
أشار صلاح جواره لالهام، ثم ابتسم للصورة الاولى والثانية والثالثة، وقبل أن يرحل أخيرًا، أمسكته الفتاة من يده مجددًا وهي تقول :
” لا لحظة الصورة دي الإضاءة مش كويسة فيها خلينا نلف ”
هنا ولم تستطع بدلة صلاح الراقية أن تحتوي رجل الكهف داخل صالح والذي صرخ هائجًا بحنق :
” يابنتي بقى ما كلها صور ارحمي امي، اقولك اعملي لينا صورة فوتوشوب ياستي، الله …مش معقولة كده”
اقترب منهم محمود بسرعة يجذب صالح بعيدًا بعدما فقد كل الهدوء الذي عمل جاهدًا على اصطناعه :
” الله يسامحك دمرت اسم اخوك ”
تحرك صالح صوب السيارة يخلع رابطة عنقه بحنق ثم خلل خصلاته بأصابعه يصيح في حنق وسأم :
” يا عم مش طبيعي بجد، الناس دي عايشة ازاي كده، ميت صورة وصورة ولا دي مش حلوة، لا دي مش مظبوطة، فيه ايه ما كلها صور، دي مصوراني بروج وحطالي احمر خدود ”
جذبه محمود للسيارة يحاول أن يخفض من حدة صوته :
” اششش وطي صوتك مش كده، ده الطبيعي يا بني آدم، بس أنت اللي شخص لا تطاق ”
زفر صالح ولم يكد يصعد سيارته حتى استوقفه صوت بدا له رقيقًا يتخلله بعض الحدة :
” استاذ صلاح لو سمحت ممكن توقيعك ؟؟”
استدار صالح لذلك الصوت ليبصر فتاة قصيرة بعض الشيء ترتدي حجاب يتماشى مع لون بشرتها الشاحبة قليلًا، تقف وترمقه بعدائية واضحة كأنها لا تطيق النظر لوجهه، حاملة كتاب أخيه، فتح صالح فمه ليرفض لكن قاطعته فتاة أخرى جوار الاولى وهي تقول :
” استاذ صلاح حضرتك فاكرني ؟؟”
نظر لها صالح بجهل دون حتى أن يحاول الابتسام مجاملًا أو التحدث بشكل لبق :
” لا مش فكرك ”
بُهت وجه مروة بصدمة تتجاهل يد رانيا التي حاولت جذبها بعيدًا:
” أنا مروة اللي قابلت حضرتك في القاهرة، واللي قولتلها على المؤتمر ده، وأنه خبر حصري ليا ”
نظر لها صالح ثواني بجهل، لكن فجأة وجد الكتاب بيد رانيا يُدفع لصدره بقوة وحدة لا تناسب فتاة بحجمها :
” اتفضل يا استاذ اعملي اهداء هنا، وعايزة اتصور معاك اصل انا بحب كتاباتك اوي ”
كانت ملامح رانيا مقتضبة ونظراتها تكاد تقتله ليمسك من يدها الكتاب قبل أن يكسر عظام صدره من دفعاتها :
” في ايه يا امي ما تدخليه في بُقي أحسن ”
نفخ بحنق يخط اسمه على الكتاب دون كتابة كلمة واحدة إضافية، بينما رانيا ترمقه بنظرات مشتعلة لا تصدق أنها أضاعت من حياتها ساعات فقط لأجل ذلك المدعي الاحمق .
انتهى صالح مما يكتب، وقبل أن يفعل شيء أخرجت هاتفها تعطيه لمحمود بعدما وجدت أن مروة مازالت في صدمتها أن ذلك المتعجرف الوقح لم يتعرف عليها :
” اتفضل يا استاذ خد صورة ليا مع كاتبي المفضل ”
خرج صوتًا ساخرًا من حنجرة صالح وهو يردد بغباء :
” كاتبك المفضل ؟! امال لو مكنتش مفضل كنتِ طلعتي عليا السلاح ؟؟”
انتهى محمود من أخذ صورة بشكل عشوائي للاثنين ثم ودون أن يعي وضع الهاتف في جيبه بحركة معتادة ظنًا أنه خاصته..
سحبت رانيا الكتاب من يد صالح وهي تقول من بين أسنانها لا تهتم لشيء سوى الرحيل قبل انهيار صديقتها التي تنظر لهم بحسرة:
” فرصة سعيدة يا استاذ صلاح ياريت نشوفك تاني في اسكندرية ”
أنهت حديثها تمسك يد مروة، ثم سحبتها خلفها وهي تردد بغيظ كبير وصوت حانق غاضب :
” اول واخر مرة العب معاكِ الالعاب اللي فيها تحديات مقرفة كده، أنا رانيا اروح لكاتب زي ده واتحايل عليه عشان صورة وتوقيع ؟؟ عجبت لك يا زمن ”
أنهت رانيا حديثها تدفع صديقتها لسيارة أخيها الحبيب والذي كعادته جاء ليقلهما، لكنه انتبه لملامح مروة الباهتة فخفق قلبه بقوة :
” مالها مروة يا رانيا ؟؟”
نظرت رانيا لمروة وهي تقول بسخرية :
” اخدت صدمة في الكاتب الاهبل بتاعها، اتحرك يا عبدالجواد معلش وصلنا لبيت رانيا هقعد عندها انهاردة عشان حالتها زي ما انت شايف كده وبلغ بابا بكده ”
في ذلك الوقت صعد صالح لسيارته وهو يردد بحنق :
” ايه البنت الهبلة دي، دي كانت ناقص تديني بالقلم وهي بتطلب التوقيع”
صعد معه محمود يلقي بجسده على مقعد السيارة :
” يا عم اهو يوم وعدى، امشي خليني اروح ارتاح مش قادر ”
” حياة الناس المثقفة طلعت صعبة اوي الصراحة، وطلع مفيش احسن من التعامل مع الجثث على الأقل مش بتسمع ليهم صوت ولا بيطلبوا منك سيلفي قبل التشريح ”
ضحك محمود على كلمات صديقه يضيف بتعب وتيه وهو يستند برأسه للخلف :
” وحكايتهم حلوة والله، بكرة هنشوف حكاية جديدة ”
انطلق صالح بالسيارة يشق طريقه صوب القاهرة في الوقت الذي تحركت به سيارة أخرى سوداء خلفه وصوت الرجل بها يردد بجدية :
” أيوة يا منصور باشا، عربية الصحفي قدامي اهي أول ما يدخل الطريق الصحراوي هبلغه رسالتك …..”
____________________
فتح عينيه ببطء مؤلم يستشعر أنه فقد النظر لسنين وها هو يواجه الضوء بعد سنوات من العتمة، الأمر كان مؤلمًا لدرجة أنه أطلق تأوهًا عاليًا، يعتصر رأسه بين قبضتيه .
ورائد يراقب ما يحدث فقد مرت ساعات منذ جاء به للمركز ينتظر أن يفيق :
” صالح أنت سامعني ؟! هتعترف أنك قاتل ؟؟”
تأوه صلاح أكثر وهو يدفع جسد رائد بعيدًا عنه يصرخ بأعصاب مرتجفة :
” صالح مين ؟؟ أنا صلاح ”
لكن رائد لم ينتبه لكلماته التي خرجت خافتة بشكل كبير، ضيق عينيه يقترب منه مجددًا متجاهلًا حالته التي كانت تسوء وهو يزفر بتعب :
” اسمع شوية وهعرضك على الطب الشرعي هنعمل فحص لدمك ونثبت أنك متعاطي، ولو أنت بتحب اخوك هتقول أنه اتجار مش تعاطي بس، ماشي ؟؟”
وبحركة واهنة دفع صلاح رائد صارخًا :
” تعاطي ايه، ابعد عني مش طايق نفسي ”
اعتدل رائد في وقفته مستندًا على مكتبه بينما صلاح كان جالسًا على أريكة غير مريحة البتة مقابله، فتح عينه يفركها عدة مرات حتى اعتاد الأمر، ثم حرك نظره في الإرجاء وهو يقول بتعجب :
” أنا فين ؟؟ وايه اللي حصل ؟!”
رمقه رائد بحسرة مصطنعة وهو يتحرك صوب صلاح يجلس على الطاولة أمامه :
” كده يا صالح، بقى اخوك فنى عمره بيحارب المخدرات وتيجي أنت تتعاطى ؟؟ حالة صلاح دلوقتي هتبقى عاملة ازاي ؟؟ اكيد هيموت بحسرته ”
رمقه صلاح من بين أجفانه شبه المغلقة وقال بتأوه متعجبًا :
” أنت غبي ؟! ما أنا صلاح ”
” اهو بدأنا الإنكار ومحاولة رمي الجريمة على غيرنا، صلاح ازاي؟؟ وصلاح مش بيكره في حياته قد المخدرات واللي بيشربوها، ده غير إن صلاح مش بيمشي في البيت من غير تيشرت ومنكوش، واخيرا وليس اخرا صلاح يا حبيبي في المؤتمر في اسكندرية ”
أنهى رائد حديثه ملوحًا بهاتفه أمام أعين صلاح وقد أبصر صورًا على صفحته التي انشأها لكتاباته توثق حضوره للمؤتمر، كيف ذلك وهو لا يتذكر شيئًا :
” ازاي؟ أنا مش فاكر اني روحت المؤتمر، أنا آخر حاجة فاكرها اني كنت بجهز ليه ”
” وهتفتكر ازاي وأنت مروحتش اساسا؛ لأن صلاح الحقيقي هو اللي راح يا ……. صالح ”
اتسعت حدقات أعين صلاح بصدمة كبيرة، ما الذي يحدث حوله الآن ؟! وما الذي حدث قبلًا ليصل إلى هذه اللحظة؟! مسح وجهه يحاول التذكر لكن فجأة انتبه لما يرتدي، انطلقت صرخة عالية من فمه ينتفض من مكانه يحدق بثياب صالح الغير مرتبة تغطي جسده :
” ايه ده ؟؟ ايه القرف ده ؟؟”
كان يتحدث وهو يحاول إبعاد تلك الثياب الغير منمقة عن جسده الذي اعتاد الثياب الفاخرة والمرتبة :
” ايه اللي جاب اللبس ده عليا ؟؟”
” اهو حاجة احسن من القرف اللي كنت لابسة في البيت قبل ما أجيبك”
رفع صلاح عينه كالصاروخ ملقيًا بإحدى نظراته المرعبة على رائد والذي تراجع للخلف خوفًا منه :
” أيوة ؟! تجيبني فين وليه ؟!”
كاد رائد يجيبه لولا ارتفاع رنين هاتف صلاح الذي يستقر على الطاولة أمامه والذي كان يمسك به بقوة أثناء قدومهم، لمح رائد صورة امرأة تظهر أعلى شاشته لينتزع الهاتف يقرأ ما ظهر على شاشته والتي كانت من امرأة باسم ميمو الاشموني ( أنت فين ؟؟ استنيتك كتير مجتش )
رفع رائد عينه ببطء وبشكل مثير للضحك يردد بصدمة :
” وكمان نسوان ؟؟ طب والله يا صالح ما هنسالك حركة الجدعنة دي، ده انا كده هترقى بالدبل”
انتزع صلاح الهاتف من يده يحاول معرفة ما يقصده لتتسع عينه بصدمة مما رأى فقد كانت المحادثة بينه وبين ميمو توحي كما لو أن شبحًا تلبسه ..
مسح وجهه وشعره الذي كان في هذه اللحظة هائجًا وكأنه تآمر عليه ككل شيء لإثبات أنه صالح .
أغمض عينه بشر ثم قال بصوت مخيف :
” فين صالح ؟؟؟”
______________________
سقط محمود في غفوة طويلة يحاول تمرير وقت رحلتهم المملة تلك، بينما صالح يزيد سرعته لا يصدق متى يصل للمنزل ويلقي بجسده على الفراش، وفجأة رنّ هاتفه باسم صلاح.
فتح عينه يبتلع ريقه بخوف يفكر ألا يجيب الآن فهو سينال تقريعًا على كل حال، لذا ربما يؤجل الأمر قليلًا، لكنه تنهد قليلًا رغم ذلك قبل أن يضعه على أذنه مجيبًا :
” الو ”
وكل ما وصل له من الطرف الآخر هو صراخ عالي مرتفع :
” أنت فين يا صالح، والله العظيم يا حيوان لاوريك أنت والحشاش صاحبك، أنت فين انطق ؟!”
لوى صالح شفتيه بحنق :
” بالله عليك تسكت أنا شوفت يوم بسببك أنت والمؤتمر بتاعك ده ما يعلم بيه إلا ربنا، أنا مش عارف متحمل القرف اللي أنت فيه ده ازاي ؟!”
وصل له صراخ صلاح بنبرة محتدة أكثر وصوت مخيف :
” يعني روحت المؤتمر بدالي ؟؟ ثم بتسمي حياتي قرف؟! شكلك مشوفتش هدومك عاملة ازاي عشان تعرف القرف اللي بجد ”
” بقولك ايه انا مش ناقص صداع كفاية الصداع اللي اضطريت استحمله وكل واحد طالع على المسرح يتكلم عن نفسه في ساعتين، اقفل يا صلاح اقفل عشان مش طايقك اساسا دلوقتي ”
أنهى حديثه وما كاد ينهي المكالمة كذلك حتى استمع لصوت اصطدام عنيف جاءه من الخلف، ألقى صالح الهاتف جانبًا يحاول التحكم في السيارة التي أخذت تدور على الطريق بشكل مخيف لدرجة أنها أيقظت دبًا يقضي بياته الشتوي كـ محمود .
فتح محمود عينه بفزع يحاول استيعاب ما يحدث حوله، لكن داهمه دوار عنيف حينما دارت سيارة صالح بقوة .
وفجأة وباعجوبة كبيرة تمكن صالح من إيقاف السيارة ملقيًا برأسه على المقود بتعب وانفاسه تخرج حارة متعبة، بينما محمود كان يتمسك بالمقعد كهر على وشك السقوط، يحاول أن يعلم ما يحدث .
ثواني قبل أن يبصر الاثنان سيارة سوداء توقفت أمامهم وهبط منها رجال ببذلات سوداء يتحركون صوبهم بشكل جعل وجه صالح يتشنج بقوة.
فتح الباب المجاور له بقوة هابطًا من السيارة بعنف، يتحرك بسرعة كبيرة صوب مؤخرة السيارة يتفحصها لتتسع عينه بصدمة يراها محطمة تقريبًا، ودون لحظة تفكير مدّ يده في جيب سترته يخرج رفيقته الدائمة وحبيبته الأبدية ” مديته الغالية “، يتشدق بصوت خرج اجشًا وقد سقط قناع الرقي المؤقت وطاف صالح الغوغائي على السطح :
” لا مش عشان لبست بدلة ابقى راقي ”
وتزامنًا مع انتهاء كلماته كان يفتح المدية بحركة متقنة متمرسة يلوح بها في الهواء وهناك بسمة بدائية ترتسم على فمه :
” هتدفعوا حق العربية اللي اتبهدلت دي وإلا هسففكم التراب تحتكم ……”
______________________
لكلٍ منهم طريقته في إدارة حربه الخاصة، لذلك أما أن تكون سيء الحظ فتقابل عقلًا، أو تكون سيء الحظ أيضًا وتقابل جسدًا، الاختيار لك ……
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ما بين الألف وكوز الذرة)