روايات

رواية أشرقت بقلبه الفصل الخامس 5 بقلم دفنا عمر

رواية أشرقت بقلبه الفصل الخامس 5 بقلم دفنا عمر

رواية أشرقت بقلبه الجزء الخامس

رواية أشرقت بقلبه البارت الخامس

أشرقت بقلبه
أشرقت بقلبه

رواية أشرقت بقلبه الحلقة الخامسة

غرفتها مظلمة مثل القبور
و رضيعًا يبكي بين يديها
أعتصر قلبها قبضة وهمية كادت تختنقها وشح الهواء برئتيها
تحتضن صغيرها الباكي بقوة فتؤلمه دون أن تشعر
عيناها الزائغة برهبة تدور في المكان الحالك سواده.
لا تزال تختنق و وجها يزدد شحوبًا.
تبحث عن بقعة ضوء كى ترى وجه طفلها وتطعمه.
لكن للعجب ملامحه مبهمة لكنها على يقين أنه صغيرها.
الصغير جائع وثديها ناضب من حليبه
تحاول البحث له عن شئ ولا تجد
هل ستترك رضيعها يموت جوعا ويعانى مثلها؟
ألن يغيثها أحدًا؟

_هاتى الولد، أنتى ما تستاهليش تكونى أمه.
_عشان يعيش لازم انتى تموتي.
_هاتى أبنك، سيبي أبنك، أنسي ابنك، مش هتشوفيه تاني.

الرعب دب بأوصالها بغتة لترتجف وضميرها يتسأل
من أين أتوا وحاصروها
الجملة الأولى بصوت عزت
والثانية انبعثت من والدته البغيضة
تبعتها قمر التي تحاول نزع الصغير من بين ذراعيها.
الصراخ يملأ صدرها لكن الغريب صوتها لا يتجاوز حلقها، تتشبث بصغيرها أكثر.
وكلما فعلت تكالبوا عليها ليأخذوه عنوة.
عزت..والدته..قمر.
جميعهم يقتربون منها بوجوه مخيفة
لتدرك أخيرًا الضي الذي تسرب لغرفتها دون أن تنتبه
أذرعهم الطويلة ينعكس خيالها المخيف على الجدران
تمتد لتنتزع الصغير منها وهي تقاوم متشبثة به
عزت كأنه تبدل و كفه تحاول زهق أنفاسها معتصرًا عنقها بتلذذ، من جديد تحاول التخلص منهم والدفاع عن الصغير و تفشل.
أنتصر جبروتهم ونزعوه مبتعدين.
وصدى ضحكاتهم الشامتة تدوي بأذنيها.
هنا فقط تمرد صوتها وصرخت
صرختها كانت هادرة وهي تنادي طفلها
تصرخ وهم يبتعدون
جسدها يستسلم لشبح الموت.
لينتهى كل شيء بلحظة واحدة.
ربما الأن في عداد الاموات.
حتما هي كذلك.

انتفض جسدها واستعادت وعيها دفعة واحدة.
العرق يسيل من جانبي وجهها بغزارة.
حلقها شديد الجفاف، تلهث وهي تتلفت حولها، لا تصدق أنها كانت تحلم، لا ليس حلم، بل كابوس بشع.
وجع قلبها وهم ينتزعون الصغير عنوة من أحضانها لا يزال يؤلمها، العجيب أن شعور أمومتها بين زوايا حلمها كان حقيقي، نصل الحرمان شق صدرها نصفين.

_ أنتي صحيتي يا أشرقت؟”
كنتي بتصرخي بصوت مكتوم، شكلك كنتي بتحلمي
خدي اشربي مية”
نظرت لعزت بخوف لا تدري من أين أتى، مطالعة وجهه ذكرها به وهو يخنقها في الحلم، أثر رهبتها منه لا يزال محفورا في عقلها.

وبينما هي تصارع خوفها كان يرمقها بنظرة عجيبة.
ومضة ندم طفيف برقت بعيناه ليهمس لها:
عارف إن أمي زودتها معاكي في الضرب المرة دي، بس انتي برضو السبب يا بنت الناس عصبتيني وخرجتيني عن شعوري.

بلحظة استعادت ذاكرة أشرقت كل شيء حدث ليلة أمس
صدمتها بخداعه واحتياله ليأخذ مصوغاتها ويعربد بثمنها
تعديه عليها لتأتي والدته الشمطاء وتستأسد عليها
لتصبح عصفورة بين صقران ينهشان لحمها حية.

_ أنسي اللي حصل ومش هخليها تمد ايدها عليكي تاني.

أي نسيان هذا الذي يترجاه منها هذا المعتوه؟!
كيف تنسى؟ كيف تغفر؟ كيف تواصل حياتها بعد ما كان؟

_ قومي يلا روقي واعمليلنا فطار خلينا نفطر سوا قبل ما انزل شغلي، وبالليل هخرجك أمشيكي في حتة حلوة.

استجابتها له كانت معدومة، نظرة عيناها الرافضة له أخافته.
للمرة الأولى يرى شبح التمرد يتجلى بحدقتاها.
وللمرة الأولى كذلك يقرر أن يترك لها مساحة لتهدأ
غاب عنها ملقيا نظرته الأخيرة علي جسدها الراقد بإعياء متدثرا بغطائه، ليغلق الباب كما أسدلت هي عيناها لتنام.
________
ثلاث أيام مروا دون أن تتحدث أشرقت، لا تفعل شيء، نظرتها الزحاجية تبرق ذاك البريق الغامض، الجمود هو قشرتها التي يراها الجميع، أما جوفها تفور حممه وتشتعل مع كل لحظة تمر عليها، مجرد سماع أصواتهم حولها يأجج نيرانها.
النيران؟!
لما لا تحرقهم جميعا كما حرقوا روحها؟
لا يهم مصيرها لو فعلتها، بل ستتفاخر انها خلصت البشرية من أمثالهم، لينقذها خاطرًا ومض بعقلها بصوت المنطق.
وهل يستحقون ان تفقد حياتها ومستقبلها لأجلهم؟
ألن يقيدها طوق المشنقة وتفيض روحها؟
لا لن تختم حياتها كفرا وتخسر ما تبقى لها.
استعاذت من الشيطان ونهضت تتوضأ وتصلي، وبينما هي ساجدة، راحت تناجي ربها وتبكي بحرقة وهي تدعوه ليخلصها من هذا العذاب ويعطيها الشجاعة لترحل، لن يستقيم الأمر ثانيا، ستموت كل يوم وهي هنا، أصبحت تكره حتي الهواء الدي يحمل أنفاسهم، تبغض الجميع وتتمنى الخلاص في أقرب وقت، ولكي يتحقق هذا يجب ان تخطط لرحيلها، هي أضحت لا تملك شيء.
وسوف تستعيد من خسرته قبل أن ترحل للأبد.
________

رواية “أشرقت بقلبه” بقلم دفنا عمر
________

أخيرًا حدثته أشرقت ونظرت لوجهه، حتى لو كانت نظرتها باردة يكفي أنها بدأت تستجيب، طلبت منه استعادة مصوغاتها؟ فليكن، لا يزال يتبقى معه بعض النقود من ثمنها، سوف يبتاع لها شيئا لترضى، والأن عليه أن يمهد الأمر لوالدته.

گ عادة الأخيرة بهذا التوقيت تكون جالسة فوق الأريكة القديمة، تتجرع أرجيلتها بهدوء ليقترب منها عزت ملاطفا: صباح الخير علي ست الناس.
ابتسمت بعد أن نفثت سُحب دخانها: صباحك قشطة، كنت فاكراك نزلت شغلك.
ثم لوت شفتيها ساخرة: أمال المحروسة مراتك فين؟ ولا استحلت الراحة و الأنتخة و لسه نايمة؟
أهتزت حدقتيه بتوتر طفيف قبل أن يستعيد قدر يسير من ثباته أمامها هاتفا:
بقولك ايه ياما، البت أشرقت صعبانة عليا أوي بعد اللي حصل أخر مرة، دي مراتي برضو وانتي ضربتيها و عدمتيها العافية، كان حقك تحوشيني عنها مش تكملي عليها معايا.

شهقت باستخفاف وهي تلقي عصا أرجيلتها بحدة: جري ايه يا واد مالك خرع ليه ما تنشف كده و تسترجل، عايزني أسمي عليها وهي بتعلي صوتها عليك وتبجح فيك وتمد ايدها؟ عايزني اسيبها تركبنا وما نعرفش نمشيها بعد كده؟
واسترسلت تمطره بحدتها الساخرة: ولما المحروسة صعبانة عليك و قلبك رهيف من ناحيتها كده، معملتش اللي طلبته منك ليه يا عنيا؟ بعت دهبها وكل يوم تشرب به الهباب بتاعك عشان مزاجك، ولا انت فاكرني نايمة علي وداني، وتلاقيك خلصت كل الفلوس كمان.

اسرع ينفي بقوله: لا لا مش كلها والله، لسه فاضل معايا مبلغ حلو.
وواصل مطرقًا الحديد و هو ساخن: بصراحة انا ضميري واجعني عشانها، و قلت اجيبلها باللي باقي من فلوسها حتتين دهب، وكده هراضيها تاني و تفوق لينا وترجع تخدمك زي الأول، قلت ايه ياما؟ وغلاوتي عندك ما تمنعيني، البيت بقى كله نكد وأنا عايز كل حاجة ترجع لأصلها.

زفرت أسراب دخانها المتراقص بعيون شاخصة وهي تفكر مليا بعمق وعزت يرمقها بترقب قبل ان تنظر اليه قائلة: خلاص يا أبو قلب “حنين” عشان تعرف بس ان قلب أمك مش يهون عليه زعلك، هات الفلوس اللي باقية معاك، وانا هجيبلها بيهم حتتين دهب علي ذوقي نصالحها بيهم.

حدجها بريبة لتنهره بحدة: جري ايه يا واد بتبصلي كده ليه؟ انت مستخون امك؟ هو انا لو مش موافقة كنت ألف وادور عليك ليه؟ ما انت عارف انا مابيهمنيش حاجة ولو مش عايزاك تجيب حاجة كنت همنعك وأنت عارف.
واستطردت بما فاقم من ريبته: انا بعترف إني ضربت مراتك جامد ومفيهاش حاجة اما نراضيها، خليها ترجع تشوف البيت وتقوم بطلباتنا، بس علي الله يطمر فيها.

أيًا كان غرضها لا يهمه، الأهم لديه أنها وافقت علي اقتراحه فغمغم براحة: متحرمش منك ياما، خلاص بالليل هتكون الفلوس عندك، بس تشتري الدهب بكرة الصبح، اتفقنا؟
أومأت له وهي ترتشف أرجيلتها وأفكار شتي تختمر برأسها تلك اللحظة.
_______
تجول كثيرًا قبل أن يعود لمنزله مساءً حتي ابتاع لها قميص بلونها المفضل، وزجاجة عطر وبعض الحلوي وشطائر لحم الشاورما التي تحبها، هو في قرارة نفسه يعلم انه ظلمها هو و والدته، الغريب ان مع قسوته معها يشعر بافتقادها، زوجته جذابة و جميلة مثل وجه الشمس حين يُشرق بعد العتمة، أنوثتها ترضي عطش رجولته العنيفة رغم برودتها معه، ربما لم يقف لحظة مع نفسه ليتسائل هل ينجح في إرضائها حين تكون معه؟ لا يهمه مادام هو نال راحته و أشبع رغبته بها.
رؤيتها مكتئبة ونور الحياة مطفأ بعيناها جعله للمرة الأولى ينتبه لها و يتألم لأجلها، سيفعل ما تريد، ان كانت تريد طفلا سيسعي معها في الخفاء لإنجابه كي يسلم من نقد والدته اللاذع وسخريتها منه، هو الرابح لو رضيت عنه زوجته، ارتاح لهذا القرار وعاد لبيته بروح جديدة، مر علي غرفة والدته ليأخذ بغيته.
منحته علبة قطيفة حمراء وهي تقول: اتفصل يا اخويا، نزلت مخصوص اشتري لمراتك دهب عشان تصالحها به، ولعلمك أنا حطيت من جيبي “خمسميت” جنيه بحالهم عشان اجيبلها حاجة عليها القيمة، يا رب يطمر فيها وألاقيها الصبح قايمة و شايفة اللي وراها، البيت بقا زي ” الزريبة” وأنا مقدرش انضفه.
لثم كفها بحماس: هيطمر ياما والله وهتلاقيها الصبح مزاجها رايق و زي الحصان، دي أشرقت مرات ابنك برضو وطول عمرها طوع أمرك.
بمسحة غيرة لمحت حقيبتي الشطائر والحلوى العالقين بين أصابعه، رائحة الطعام تزكم أنفها، ابنها يطاطي رأسه كي يرضي زوجته” يا خسارة الرجالة”، هكذا همست بصوت ضميرها لتردف بامتعاض واضح: ماشي يا اخويا، يلا هوينا و روح للبرنسيسة بتاعتك وسبني انام، عشان من النجمة هروح أزور أختك قمر واطمن عليها واخد معايا شوية حاجات من السوق.

تركها منتعشًا براحة طاغية، عبر لغرفتها فوجدها بنفس الجمود الذي لم يفارقها منذ ما حدث، لا تلتفت له رغم علمها بوجوده، روحها تعف عن رؤيته وتشعر بالغثيان، أقترب لها هامسا: أشرقت، أنا عارف انك لسه زعلانة ومش طايقة تبصي في خلقتي، بس انا ما يهونش عليا زعلك وحالتك دي.
ثم قدم لها العلبة الحمراء قائلا: وعشان تعرفي اني ندمان علي اللي حصل من امي، انا خليتها هي بنفسها تشتريلك حتتين الدهب بالفلوس اللي فضلت معايا، واعتبري باقي دهبك دين عليا يا ستي، وان شاء الله هجيبوه في أقرب وقت.
مازالت عيناها زجاجية لا تبصره، حركت حدقتاها الباردة فقط لترمق الذهب الذي احضره بشرود، ليواصل علي أمل ان تستجيب: بصي كمان يابت يا أشرقت اشتريتلك ايه؟ قميص باللون اللي بتحبيه، وإزازة ريحة أصلي معتبرة، وكمان الحلويات والشاورما اللي بتحبيهم،.وغلاوتك حاجة نضيفة عشان عيونك، يلا بقا يا بت قومي البسي القميص و الدهب و فرفشي القعدة كده وخلينا ناكل لقمة ونسهر سوا سهرة عنب.

لا استجابة لكنه لم ييأس مواصلا: طب ايه رأيك كمان بكره هفسحك واخليكي تغيري جو طول اليوم، وهتتغدي وتتعشي برة كمان، بس انتي فوقي كده وكلميني يا أشرقت.
ثم همس وهو يحاول لمسها: يابت انا مشتاقلك افهمي يا غشيمة.
هنا نفضته عنها وهي ترمقه باشمئزاز تخطاه وهو يوصل أغرائها بعروضه كي ترضى:
ولو علي موضوع الخلفة والعيال خلاص يا ستي هنروح انا وانتي لدكتور، بس من وري امي عشان مش عايزين وجع دماغ، ولما يحصل وتحملي نبقي نعرفها انه حمل طبيعي من غير ما نعمل حاجة، ايه رأيك بقا؟ أظن كده أنا وافقت علي كل مطالبك، ركزي معايا شوية ليلتنا هتعدي على الفاضي وأنا مكلف وصارف قد كده.

اتسعت حدقتي عزت بذهول وهو يراها تفرغ ما في جوفها علي غلالتها الحمراء التي ابتاعها لأجل مِزاجه، ترجم بوضوح رفضها القاطع لعطايا رجولته، لم يرضيها شيء مما فعلها، تأجج غضبه منها وتألمت كرامته لرفضها وفاض به الكيل و لوهلة تحكم به شيطانه كي يأخذ حقه منها عنوة كما أعتاد معها كثيرا مادامت لا تستجيب لرغبته، بلحظة جنون تملكته شق ثوبها كاشفا عن فتحة صدرها وهم بأخذ حقه، ليتفاقم ذهوله وهي تلتقط شيا من أسفل وسادتها شاهرة في وجهه سكين حاد موجهه إياه لصدره، نقل بصره ذاهلا بين السكين وبين نظرتها القاسية وهي تحدجه ببغض يقطر من عيناها، أشرقت زوجته تبدلت لأخري لا يعرفها.
أين خنوعها المعهود له؟
أين ضعفها معه؟

لم يجد “مفرًا” من تركها في التو، رمق سلاحها باستهانة ثم تركها وولج المرحاض، فتح الصنبور وترك المياه تنهمر فوقه علها تطفيء لهيب غضبه، ولم يري من خلفه نظرتها التي تحررت أخيرا من جليدها ورمقت علبة الذهب الحمراء، فتحتها لتجد إسوارة واحدة وخاتم صغير الحجم، أغلقت العلبة ثانيا ورمقت أثار تقيؤها علي الغلالة الحمراء، و ببرود أزاحت ملاءة الفراش بما عليها ورمتها أرضا واعتدلت لتنام بفراشها تستدعي النوم كي ترتاح من رؤيته، كي تنسي أنها مازالت هنا، خرج ليجدها نائمة بهدوء عجيب والقميص الأحمر ملقى أرضا، أقترب منها وحمم الغرور تفور بروحه ومد كفه ليقبض شعرها بقسوة و يجبرها على معاشرتها قبل أن يتوقف بأخر لحظة، حسنًا سيترك لها فرصة أخري لتعود وتتقبله من جديد، بإرادة جبارة قبض لملم أصابعه مبتعدا عنها واقفًا بين إطار النافذة ينفث غليونه بشرود، ومن حين لأخر يرمقها بنظرة غائمة، لمح أثار ضرب والدته الأزرق أعلى ذراعها، تذكر أنه لم يدافع عنها ويمنع الأخيرة عنها، قدر يسير ونادر من الخزي تسرب لنفسه، كما صار يقينه بقرب خسارتها أقوى مما أرقه، لا، لن يفقدها، هكذا نوى وعزم النية كي يعيدها لحالتها من جديد مهما كلفه الأمر.
___________

الأن يشعر بها؟ بعد أن تمزقت بأنصال ظلمهم لها وأضحت روحها تسكن كيان فقد نبض الحياة، الأن لم تعد تريد شيء، وأول ما صارت تلفظه روحها فكرة أن تنجب منه أطفالا، ممن تنجب؟ من رجل سقط من عيناها وأصبح گ فتات الزجاج يستحيل تجميعه لما كان عليه؟ عزت لم يحميها يوما من بطش والدته وبطشه هو ذاته؟ رجل لا يحمل من الرجولة أكثر من مجرد حروف مكتوبة فوق السطور، قصتها معه خُطت بأحبار الوجع والذل والقهر، رجل لا يثمن ولا يغني من جوع، لا يصلح گ جدار تميل عليه حين تتعثر خطواتها، لن تجد له ظلا يحميها من غدر الأيام، لم تعد تريد سوي الرحيل،
نظرت للذهب الذي يقول ان والدته ابتاعته لأجلها، سيطر عليها الشك وأخذت قرارها أن تتأكد من ظنها، أنقضي الليل سريعا وتنفست شمس الصباح ودون تباطؤ ارتدت عبائتها وراحت تتأكد من ظنها، قبل أن تستيقظ العجوز الشمطاء من نومها.

” الغويشة والخاتم دول دهب صيني يا مدام”
لم يتجلى على أشرقت اي أثر للمفاجأة، هذا تماما ما توقعته، وهل يعقل أن إمرأة ظالمة متجبرة مثلها تبتاع لها جرام واحد من الذهب؟ المحتالة گ أبنها عزت تحايلوا عليها وخدعوها، لكن لن تكون أشرقت أن لم ترد لها الصاع صاعين، شخصيتها الخانعة الضعيفة المستسلمة، لم يعد لها وجود بهدا العالم، لقد ماتت طيبتها على أيديهم، ولن يعود وجهها الطيب ثانيا، لا يستحقه أحد.
________

“ايه ياما الدهب ده كله؟ معقولة علشاني ؟!”
عبرت قمر عن فرط فرحتها بعطية والدتها لها ولا تصدق أنها تهديها ذهبا، لتغمغم الأخيرة: أيوة علشانك يا عين امك، امال لمين غيرك؟ قبضت جمعية و اشتريتهم ليكي، أهي حاجة تتشال للزمن من وري رفعت جوزك، بس حسك عينك تعرفي اخوكي عزت اني اشتريتلك دهب.
تسائلت متعجبة: طب ليه يا أمي؟
ضللتها بقولها: يعني ممكن يقول اشمعني وليه مش جابت حاجة لمراتي، اصل أخوكي اليومين دول مدلوق عليها حبتين وعايش دور الحنين، وانا قلت بنتي أولى من مرات ابني.
رغم حديث والدتها الريبة تملكتها نحوها، فتسائلت بحذر:
“أما” ده أنا قمر بنتك يعني عاجناكي وخبزاكي، الموضوع ده فيه ” إنة” ولا اعرفها.
ترددت قليلا قبل أن تحسم أمرها، هي ابنتها وسرها ومستفيدة مما فعلته، فقصت عليها بعض الحقيقة، لترد قمر بتهكم: يا سلام؟! بقا أخويا عزت أداكي فلوس تشتري دهب يصالح به مراته؟! عجايب يا ولاد.
_ أمال أنا مفروسة ليه يا بت، دي حتي مش جايبة حتة عيل للواد يفرحه زي الرجالة وأل ايه عايزاه يعالجها عشان تخلف، واستطردت بتجبر: المهم يا بت قلت لنفسي لا يمكن يحصل ابدا إني اشتري لبنت “فتحية” جرام دهب واحد، بنتي قمر أولى من مرات ابني وهي اللي تتهني بخير اخوها.

قبلتها وهي تحتضن الأساور الذهبية:
حبيبتي يا أمي، عين ما عملتي وطبعا أنا أهم من أشرقت، أنا اللي بنتك حبيبتك، هشيلهم ومحدش هيعرف عنهم حاجة.
ربتت علي كتفها هاتفة: شاطرة يا ضنايا، هاتي بقا الواد ابنك اما ابوسه و اشبع منه قبل ما امشي.
قالت برجاء: وحياة النبي تخليكي وتتغدي معانا ياما، حماتي شوية وهتطلع بالغدا جاهز، أصلها بقيت تعمل حسابنا معاها كل يوم.
_ هي كل يوم بتطبخ ليكم؟
_ أومال ايه! منا عملت بنصايحك و بدلع علي حس الواد ابني من يوم ما اتولد، ومشغلة اسطوانة الواد مسهرني ومش بنام، وفضلت كمان ازن علي رفعت يجيب واحدة تنضف الشقة كل أسبوع لحد ما ابننا يكبر شوية و ترجعلي صحتي.
و واصلت بحرص: أصل بصراحة خوفت يعرف ان أمه بتنضفلي البيت من وراه، ده لو عرف يبهدلني، واهو بالحيلة اللي نفسي فيه بيجي لحد عندي.
صاحت والدتها بفخر: شاطرة يابت تربيتي فيكي فلحت، وطلعتي ناصحة لأمك.
ثم. غامت عيناها وهي تهتف كأنها شاردة: دايما انتهزي الفرص اللي قدامك وخدي من اللي حواليكي مصلحتك منهم قد ما تقدري، أوعي تسمحي لحد يجي عليكي، الدنيا عايزة القوي والضعيف فيها ينداس بالرجلين يا بنتي.

أنصتت لها قمر بإهتمام وعقلها يتشرب نصائح والدتها لأخر نقطة، كأنها تحقن وريدها بمصل ضد الطيبة.
هذا الزمن لا يفلح فيه الطيبون.
هكذا ختمت قولها قبل أن ترحل عنها منتشية بما فعلته.
مقتنعة أنها أصابت التصرف حين منحت زوجة أبنها ذهب زائف، أشرقت لا تستحق أكثر مما أعطتها.
عادت لبيتها وظل ضميرها أخرس لا يعاتبها
كأنه زهد في مثلها العتاب.
_______
_ مالك يا أمي صاحية بدري ليه كده؟
غمغمت العجوز والأرق محفور بين ثنايا وجهها: معرفش يا سارة قلبي مقبوض ليه علي بنت خالتك، حاسة فيها حاجة.
هتفت بصوت حاني: مالها أشرقت بس يا أمي، ما هي عايشة و متأقلمة على حياتها هي وعزت أيه الجديد يعني؟
تهكمت بمرارة: عايشة؟ قولي مدفونة بالحيا، حسبي الله ونعم الوكيل فيهم، محدش فيهم بيتقي الله فيها، حتي أخوها جلال نفسه ظلمها لما ما سمعش كلامي.
أدركت ما ترمي إليه والدتها: قصدك عشان خلافك معاه علي جوازتها من عزت؟
_ قولتله وحذرته ساعتها أنهم مش ناس كويسة وهيتعبوا اختك، بس هو عشان مصلحته انه ينقل و يعيش في الشقة بتاعة أبوه وأمه مع مراته وعياله و يترحم من الإيجار، خلاه باع أخته بالرخيص وغمض عيونه عن الحقيقة، والمسكينة أشرقت هي اللي بتعاني دلوقت وطافحة المرار.
تألمت سارة داخلها، والدتها على حق لكن لا حيلة لأحد في الأمر، هكذا حظ أبنة خالتها عاثر، ربما يأتيها العوض في شيء أخر، من يدري الغيب؟
اقتربت وقبلت رأس والدتها بحب: روقي كده يا أمي وصلي علي النبي، ولو عايزة نروح نزور أشرقت هاجي معاكي ونطمن عليها ونرجع.
رفضت اقتراحها سريعا هاتفة بحدة: أنا أروح وأشوف الولية العقربة حماتها؟ يمين بالله لو شوفتها قصادي هقبض في زمارة رقبتها و اسيبها جثة.
ثم تنهدت بأسي مردفة: لو كنت اقدر أساعدها يا بنتي كنت عملت كده من زمان، بس للأسف الخلاص في ايدها، هي اللي تقدر تختار حياتها تكمل علي كده او لأ، و يشهد ربنا عليا لو أخدت القرار اللي بتمناه لتكون في حضني و في بيتي معززة مكرمة واحميها من أي حد و أوصلها لبر الأمان.
لتطلق تنهيدة أخيرة هامسة:
بس هي تاخد القرار قبل فوات الأوان.

انتظرت أشرقت اللحظة المناسبة لتتسرب لغرفة الشمطاء، صوت شخير حماتها أخبرها أنها في أمان من كشف أمرها و تستطيع الوصول لبغيتها، توجهت لدولاب ملابسها و بحذر أشرعت ضلفتيه لتجد صندوق صغير موصد، فالتقط من صدرها المفتاح الذي حصلت علي نسخة منه سرا و عالجت القفل لتجد مصوغات والدة عزت امامها كاملة، برقت عيناها بانتصار وبريق الذهب يتراقص أمامها و يناديها لتأخذه، نفس عدد المصوغات التي كانت تملكها، هو حقها الذي استحلته هي وأبنها، لم تكن تتخيل يومًا أن تفعل مثل هذا الأمر وتغدوا سارقة، لكن هم أجبروها أن تستعيد حقها مهما كانت الوسيلة، نفضت عن نفسها التردد وأخذت محتويات الصندوق وأعادته فارغ لموضعه الأول، ورحلت لتنفيذ باقي خطتها لتستعيد حقها المسلوب.

عادت بعد أن أتمت الكثير من مهمتها والراحة تغزوها لما فعلته، أعادت حقها وأصبحت تستطيع الرحيل الأن ولجت غرفتها وبملامحها باردة وقفت أشرقت تُقابل المرآة تتأمل وجهها الجامد، نيران التمرد تتأجج مع كل لحظة بروحها فيتأكل ضعفها لتنبت براعم القوة داخلها، تتفحص علامات الكدمات الزرقاء أعلى ذراعها وكتفها، زرقتها القاتمة لا تساوي شيئا وسط ندوب روحها المظلمة، من يداوي جراح القلب المكسور ويجبره، لا أحد، العالم كله ليس به من يستطع مداواتها، لكنها قريبا سوف تتعلم كيف تداوي نفسها، ألم يقولون ” ما حك جلدك مثل ظفرك؟” من الأن وصاعد ستكون أظافرها مخالب تخمش بها كل من يحاول كسرها.
لن تنكسر ثانيا.
هذا وعدها الخفي لنفسها أمام المرآة.

بنظرة أخيرة رمقت كل شيء حولها، كل تفصيلة بهذا المنزل حملت لها ذكري مؤلمة من العذاب، هنا أستنفذت روحها وخسرت كرامتها وشعورها بالأدمية، وها هي تضع حدا لعذابها، ستغادر دون رجعة هذه المرة، لكنها قبل أن تغادر مرت علي العجوز الشمطاء، دائما تشعل النيران بأرجيلتها وكم يليق بها أن تكون قريبة من الجحيم المتأجج بسعيره.

” خطوة عزيزة يا برنسيسة، عاش من شافك ياختي، أخيرا سبتي أوضتك اللي عاملالي فيها عروسة، يلا انجري علي المطبخ اعمليلي فطار”

للعجب لمحت ابتسامة أشرقت الساخرة تتراقص فوق شفتيها، نظرتها عجيبة بها شيء غريب لم تعتاده فيها كأنها…
_ جيت أشكرك علي الدهب اللي اشترتيه يا حماتي.
قاطعتها بقولها الذي جعل العجوز تتوتر وهي ترمقها بريبة.
تُراها كشفت أمر ذهبها المزيف؟
لا، من أين لها أن تعلم تلك الساذجة أنها خدعتها.
الذهب الحقيقي يحوط معصم أبنتها قمر، هي الأحق به.

استعادت العجوز ثباتها لتصيح بقوة لا تخلو من فظاظة كي ترهبها من جديد: يا رب يطمر فيكي يا بنت فتحية و تتعدلي و ترجعي لعقلك، وإلا المرة الجاية هرميكي برة بيتي و ارجعك لذل “رباب” و اخوكي “جلال” الخيخة الخايب.

سكنت لحظات تنظر بحقد مخيف نحو الفحم المشتعل، اقتربت و أمسكت ملقاط الأرجيلة الفضي المتسخ لتقبض جمرة فحم كبيرة بين طرفيه، ظلت تقربها من وجه العجوز التي جحظت عيناها بخوف حقيقي وأشرقت تدنوا بالفحم المشتعل بين عيناها، جف ريقها وتلاشى صوتها والعرق بدأ يسيل بغزارة علي جانبي وجهها، هنا أعتراها شعور من اللذة و تلك المتمردة حديثا تري معالم رعب من عذبتها جلية، جسدها المكتنز بشحمه يهتز من فرط هلعها، لتتحرر أخيرا كلمات مبعثرة مرتجفة من حلقها.
( أنت.. أنتي هتعملي أيه.. ي بت انتي.. أنا..! )

حديثها الخائف فاقم نشوتها أكثر، ابتسمت بخبث وقالت و لا يزال الجمر المشتعل قريب لعين العجوز:
إيه يا حماتي خايفة مني؟ خايفة من أشرقت؟ الخدامة الضعيفة اللي بقالك سنين تذلي و تمرمطي فيها، خايفة النار تحرق عيونك؟ طب ما انتي كده كده هتنكوي بيها في الأخرة، جربي في الدنيا جحيمها عشان تعرفي اللي مستنيكي يا شيطانة.
صرخت العجوز لتهتز أصابع أشرقت ويسقط الفحم المشتعل بين صدرها فتصرخ أكثر و تتلوي و الجمرة تغوص بلحمها وتحرقها حرقًا.

“انتي عملتي ايه في أمي يا مجنونة”

وصلها صراخ عزت وهو يدفعها بعيدا ويتفقد صدر والدته المحترق وهو ينزع بقايا الفحم المشتعل الذي ترك ندوبه الواضحة علي جسد العجوز المتألمة، لتستعيد بلحظة جبورتها وتنظر بوعيد مخيف لأشرقت هامسة بفحيح: وحياة أمي لأربيكي واعيشك في جحيم وأخلي حياتك حتة من جهنم.

جلجلت ضحكة أشرقت حتي رمقها عزت بدهشة حقيقية كأنها صارت مختلة، لتقترب الأخيرة بجسارة أكتسبتها مما عانته وقالت: خلاص بح، خلصنا يا حماتي، أشرقت مبقاش حد يقدر يأذيها تاني، و جهنم دي مصيرك في قبرك إن شاء الله جزاه اللي عملتيه فيا انتي وابنك.
ثم اشتعلت حدقتيها بقسوة وهي تواصل: أنا كنت اقدر أحطلك سم واموتك انتي و هو، السجن والمشنقة أهون عليا من عيشتي معاكم، بس حتى الموت خسارة فيكم، أنا هخرج من حياتكم وانقذ اللي باقي مني، وانتم ربنا كفيل ياخد حقي منكم، فوضت أمري لله فيكم، حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا عزت أنت وامك ربنا يوريني فيكم يوم أسود زي قلوبكم.

وقبل أن ترحل تحت أنظارهما الذاهلة من شجاعتها وتهديدها الغريب علي طبعها، ألقت أخر ما لديها بحسم وثبات قائلة:
ورقة طلاقي توصلني عند أخويا يا عزت، ولو محصلش هرفع عليك قضية خلع و افضحك في المنطقة كلها و اعرفهم حقيقتك اللي تعر، أوعدك مش هخليك تعرف ترفع راسك تاني وسطيهم.

ورحلت أمامهم بثبات أكبر لتخطوا أولى خطواتها نحو الحرية.
حريتها من عبوديتهم وجبروتهم وذلهم.
وتعلم أين سوف تكون وجهتها القادمة.

حين تنكسر أصفاد طالما قيدت صاحبها عن العالم
وتنقشع عن الروح غمامة الخنوع والضعف
ينطلق مارد القوة من عُقاله ويصبح لا رادع لبطشه
وأخيرًا تنتصر الإرادة بعد “عمر” مديد من الإنهزام
______
طرقًا عنيف و شديد القوة “دوى” علي باب شقة جلال الذي أصابه الفزع مع وزوجته وأطفاله، لتصيح الأولى:
في ايه يا جلال، مين بيخبط علينا كده؟!
هتف وهو بتحرك صوب الباب: معرفش يا رباب هشوف مين الغبي ده.

لتنطلق عاصفة في وجهه مع اندفاع عزت گ البركان فور ان فتح له جلال الباب،
أختك فين، أشرقت مراتي فين؟ عارف أنها عندك.
وتبع قوله الصارخ بندائه الصاخب عليها محاولا اقتحام المنزل: أشرقت، تعالي أحسنلك بدال ما أكسر الدنيا كلها فوق دماغك.
ليعرقله جلال قائلا بغضب وصدمة: تكسر الدنيا علي مين انت اتجننت؟ أشرقت أصلا مش هنا.
حدجه عزت باستخفاف لإنكاره لوجود شقيقته وحاول تخطيه ثانيا باحثا عن زوجته، ليعود ويمنعه جلال بقوة أكبر مع صياحه: انت مابتفهمش ولا هي وكالة من غير بواب؟ بقولك أشرقت مش هنا، أنا عايز افهم عملت فيها ايه يخليها تسيب البيت، أنطق عملت أيه؟
قال جلال كلمته الأخيرة وهو يمسك تلابيبه، لينفضه عنه عزت الثائر وهو يصرخ: أشرقت، أقسم بالله لو ما ظهرتي لأحول حياتكم لجحيم.

” ألحق يا جلال، خالتك اتصلت وبتقول أشرقت عندها”
تسمر عزت وجلال في موضعهما مذهولان بصدمتهما معا، الأول لم يتوقع أن يصل بها الأمر لتستنجد بغير شقيقها، هنا ربما تتغير الحسبة، أما جلال فلم يصدح بروحه غير سؤال وحيد ” لما لم تستنجد به شقيقته تلك المرة ولجأت لغيره؟!
________

لا عودة أبدا لما كانت عليه، هكذا كانت تغذي روحها طيلة الطريق متوجهه لخالتها الحبيبة، تلك الحنون التي استقبلتها بعناق جارف كم طاقت إليه أشرقت، العجيب أنها لم تبكي، كأن الدمع جف بمقلتيها، كأن روحها الجديد المستأسدة تخاف أن تُبدي أي مظاهر الضعف، لا ضعف بعد الأن، لن تتلحف بردائه ثانيا مهما أصابها برد التشتت والضياع، نعم ربما الأخير هو ما تشعر به بعد أن قررت أن تخوض معركة الحياة وحدها، معركتها ليس عزت فقط بل كل ظلم وقع أو سوف يقع عليها، صار لازامًا عليها أن تُشهر سيفها بوجه كل من يحاول كسرها، وتقسم لن تنكسر بل ستجرح وتدمي من يحاول خدشها.

“تعالي يا ضنايا كلي لقمة عشان أسيبك تنامي وترتاحي من الطريق”
ربتة الخالة الحانية مع همستها جعلت الراحة تتسرب لروحها المنهكة، كم تُقدر لخالتها أنها لم تسألها شيء منذ أتت، تشعر أن صومها عن الكلام هو ما تحتاجه الأن لترتب أفكارها وتستعد لمواجهة عزت من جديد، ليست غافلة عن طبعه، غروره سيقوده لإستعادتها وإذلالها ثانيا، لكن هيهات أن يحدث، لقد استعدت جيدا وتعرف ماذا سوف تفعل.
________

“تفتكري حصل ايه مع أشرقت يا أمي؟ حكيتلك حاجة؟”
غمغمت العجوز ردًا علي ابنتها: المسكينة مش قادرة تتكلم، أنا حاسة بيها، بس قلبي بيقولي إن بنت خالتك أخيرا أختارت تكمل حياتها صح.
سارة: يعني هتبيع عزت؟
ومضت عين العجوز ببريق هامسة: قصدك هتشتري روحها ونفسها اللي اتباعوا زمان بالرخيص.

ثم تناولت الهاتف بعزم ضاغطة رقما “قلما” هاتفت صاحبه، وما أن أتاها الصوت حتي قالت بجمود: أشرقت عندي.!
وأغلقت بحسم زهدا في سماع المزيد.
واستعدت هي الأخري للقادم، لن تترك تلك “المكسور جناحيها” تواجه عواصف الحياة وحدها.
ليس بعد أن لجأت لحصنها وطلبت الأمان.
____________
“شوفت أختك؟ ناوية تجرسنا بعمايلها السودة ومشاكلها الي مش هتخلص، أختك صنف نمرود عايزة تفصل الدنيا علي مزاجها، ماله عزت ماهو راجل زي بقيت الرجالة وضل حيطة آويها في بيته، تتفرعن ليه وتسيبه، لو فاكرة إن… “

_ أخرسي بقا مش عارف أفكر.
قاطعها صراخ جلال الحائر العاجز عما يفعله، هل ينتظر يومان لتهدأ شقيقته أم يذهب ليعيدها لبيتها بعد ان يفهم أزمتها ويعالج الموقف؟
لكنه يعترف بخوفه من مواجهة خالته، هي تبغضه منذ أن خالف رأيها وزوج أشرقت تلك الزيجة، حتما سوف تنتهز الفرصة لتعاتبه وتقلل من شأنه، لن يذهب.
لكن كيف لا يذهب ويترك شقيقته لعزت الذي توعد قبل رحيله بأخذها من هناك و لو بالقوة.
سيتوجه إليها مهما أمطرته خالته بالعتاب والسباب، كفاه ضعف وخذلان لها.
______________
“أنت رايح فين ما تسيبها تغور في ستين داهية، عايز منها ايه تاني بعد اللي عملته فيا”
غامت عيناه بحقد متأجج: ما هو عشان اللي عملته مش هسيبها، ثم ثار علي والدته بقوله: قولتلك نقدم فيها بلاغ انها حرقتك وانتي مارضتيش.

كم تتمنى لو فعلت، لكن ماذا لو قدمت بلاغًا وكان رد أشرقت كشف شراء الذهب المزيف لها؟ والأبعد لو علم أنها ابتاعت بنقوده ذهب لقمر دون زوجته، لو علم عزت ستتقزم بعينه و لن يسامحها، وربما حينها يرى سببا لإنقلاب أشرقت عليهم وتتعقد الأمور لصالحها هي، كما أن الكدمات الزرقاء بجسدها لا يزال أثرها جليا، ويكون المقابل بلاغ ممثال بتعديها عليها، القوانين تلك الأيام أصبحت تنصف مثلها، لا، فلتكن أذكي من ذلك، تذهب أشرقت إلي الجحيم وينتهي الأمر دون خسائر.

انتزعت نفسها من حديث أفكارها الصامت لتقول: أسمع يا ابني الدنيا دلوقت اتغيرت، ومراتك شكلها مبقيتش القطة المغمضة اللي انت اتجوزتها من سنين، دي بقيت زي الوحش اللي مالوش رابط، أشرقت كرهتك والست أما بتكره تخاف منها، طلقها وأنت الكسبان، ويمين بالله أجوزك ست ستها في ظرف شهر واحد، هختارلك واحدة أحلي وأصبى منها تملي البيت عيال وتنسيك بنت فتحية، قلت ايه؟

لم تُخمد نيرانه بحديث والدته العاقل، غروره يآبي أن تلفظه امرأته هكذا وتُقلل من شأن رجولته، يزهد هو بها نعم
أما هي لا و ألف لا.
_ عزت، يا ابني رايح فين اسمعني.
لم يبقي له أثرا مندفعا نحو ببت الخالة.
عازما العودة بزوجته..
_____________
وصل أما منزل خالته واقفا بتردد، هل يطرق بابها أم يهرب من مسؤوليته گعادته؟ لتنتصر رغبته في تصحيح الأمور طارقا الباب بقوة.

“ممكن أدخل يا خالتي؟”
رمقته الأخيرة بثبات جالسة بهدوء شديد فوق أريكة مقابلة لباب الشقة المنفرج، أشارت له بالسماح، عبر إليها والخوف يرجف فرائصه، خوفا من العتاب وكشف وجهه الحقيقي الذي طالما “زيف” ملامحه بريشة الأسباب والظروف، لقد باع شقيقته وهو يعلم.
باعها وهي وحدها من تكفلت بالسداد، كل دمعة وكل ذل وإهانة تجرعتها، كان لجلال أخيها “يدًا” بها.

_ جاي ليه يا جلال؟
صوتها العميق القوي قاطع أفكاره، ليجيبها بثبات وهمي:
جيت أشوف أختي يا خالتي وأعرف مالها.
ضحكة ساخرة جلجلت جلدته أكثر، لتجيبه بعدها:
بجد ماتعرفش مالها يا جلال؟.
ثم ضاقت نظرتها بقسوة مردفة: ولا كنت عارف وساكت ومغمي عيونك عن عيشة اختك، المسكينة اللي كانت أمانة أمك وأبوك وانت جيت عليها ورميتها في النار عشان مصلحتك.
سياط عتابها يمزق روحه ويهز ضميره، ومع هذا تمسك بأمل أن يضللها مبررًا: يا خالتي ده كان حظها، أنا في النهاية سترتها وصونتها بالجواز.

_ أختك عمرها ما حست انها مستورة ومتصانة في بيت عزت، فضلت شاربة كاسات المر واحد وري التاني وساكتة وبتحاول تعيش، بس للأسف محدش سابها تعيش، جوزها وحماتها واخته وانت، كلكم دفنتوها بالحيا من كتر ظلمكم.

ثم نهضت لتقف قُبالته هامسة: فاكر قولتلك ايه يوم فرحها؟
حملتك ذنبها وإني مش مسامحاك علي اللي مستنيها.
ثم نكست رأسها بخزي وهمهمت لنفسها: يا ريتني أخدتها ومنعتك وربيتها في حضني وسط عيالي، أنا كمان سبتها لوحدها، أتلهيت في ولادي وخوفت جوزي يرفض اتكفل بيها.

_ عمري ما كنت هرفض.
ألتفت جلال لزوج خالته الذي غادر غرفته متعرجا علي عكاز خشبي، ليُسرع بمساعدته، شكره الرجل الطيب ثم قال بعد ان استقر بمقعده:
تسمحولي اتدخل واقول كلمتي؟
باحترام جم ردت الخالة: كلمتك علي العين والراس يا حاج “سلامة”
ليؤگد علي قولها جلال الذي اتخذ من تدخله هدنه ورحمة له من توبيخ خالته له: ياريت يا عمي، و قول لخالتي تخف عليا شوية بلاش تحسسني اني شيطان.
منحته خالته رمقة جانبية مستخفة به، قبل ان يبادر الرجل بقوله الذي نم عن لباقة واضحة: زي ما قالوا اللي سبقونا، ايه فايدة البكى علي اللبن المسكوب؟ خلاص مهما كانت الأسباب اللي حصل حصل، دلوقت خلينا في الوضع اللي احنا محطوطين فيه.
ثم وجه حديثه لجلال تحديدا مستطردا: أظن كلنا أذكية كفاية عشان نفهم ان أشرقت فاض بيها الكيل وأخيرا جت تستنجد بينا، ياتري هتقف جنب أختك وتساعدها ولا هتخذلها تاني يا جلال؟ وقبل ما ترد اعرف إنها فرصتك الأخيرة تحسن صورتك في عيونها هي وخالتك، قلت ايه؟

أي قول يُقال بعد؟!
حقًا هي فرصته ليرتاح ضميره نحو شقيقته
كفى خنوعا وتعللًا بظروفه واستسلاما لوسوسة زوجته رباب، هي مثله شاركته في ظلمها، وكلما لجأت لبيته استقوت هي عليها واستغلتها، كفاه خذلان لتلك اليتيمة شقيقته.
_ اللي أختي تأمر به هيحصل يا عمي، خليها تيجي وتقول طلبتها وأنا كفيل انفذها.

_ بجد يا جلال!

صوتها المرتجف وشى بتأثرها بما سمعته من الجميع مختبئة خلف باب “موارب”، أخيرا يعدها أخيها بالخلاص، أخير أدرك كم ظلمها ويريد تصحيح ما فعل.
وليس أحلي من اندفاعه نحوها وغمسها بين ذراعيه.
هل يبكي بكتفيها؟
هل يتأسف لها بصوته الخافت؟
عناقه كان بمثابة وعد بألا يؤذيها أحد بعد الأن.
وعد صامت سمعته بقلبها.
وعد كم تمنته وانتظرته.
ليتها استجارت وتمردت علي ما تكابده منذ زمن
حلاوة الأمان الذي تتذوقه الأن يساوي عمرا عاشته مقهورة.
أخيها، خالتها وزجها.
جميعهم يلتفون حولها و يعدوها بالأمان.

_ مش هترجعي لعزت تاني.
كانت همسة أخيها بعد ان ابتعد عنها ولا يزال يحتبسها بين ذراعيه مواصلا: وسامحيني يا أشرقت، أنا ظلمتك وخليتك تتعذبي بسبب طمعي وأنانيتي وضعفي، بس خلاص من دلوقت محدش هيغصبك علي حاجة تاني، أوعدك.
كفاها وعده لتبتسم بعين مغرورقة.
لكن سريعا ما تسرب لأسماعهم طرقًا عنيف عرفوا صاحبه الذين ينتظروه ببسالة، وأولهم جلال.
_______________
الشرود يغشاها بعد ان ذهب ثائرا يحضر الحمقاء زوجته، مازال لا يعي أنها زهدت العيش معه، لم تعد تلك العجينة اللينة بين أيدبهم، أصابها داء التمرد الذي أخبرها أن أشرقت لن تعود وهذا ما يوافق هواها هي الأخرى، فلتذهب إلى الجحيم، ألف فتاة تتمني رجلا مثل أبنها عزت.

رنين الباب أجفلها فأسرعت لعله عزت.
_قمر؟ ايه جايبك السعادي؟
الأخيرة بقلق: جابني اللي سمعته، أل البت أشرقت سابت البيت؟ طفشت يعني؟
_ غارت في ستين داهية، والمحروس اخوكي رايح يحاول يجيبها.
_ طب فهميني حصل ايه، يكونش موضوع الدهب اللي اشترتيه ليا بدالها هو السبب؟
كممت فمها سريعا محذرة: اششش، أخرسي وماتجبيش سيرة القصة دي نهائي، لسه أخوكي ميعرفش وحتي هي مش متأكدة عرفت ولا لأ.
_ طب والحل، وتفتكري هترجع مع عزت. غامت عيناها بشخوص: مش هترجع، وإذا رجعت هتكون كتبت نهايتها بإيدها لأني هحول حياتها لجحيم.

_ ايه اللي في صدرك ده ياما؟؟
انتبهت قمر للبقعة القاتمة بصدر والدتها التي صاحت وهي تلملم طرفي ثوبها: مفيش.
_ إزاي ده كأنه…
_ قولتلك مفيش، طرطشة زيت جت علي عليا وحرقتني.
رمقتها قمر بريبة، قلبها يخبرها أن هناك ما يخفي عنها.
_ أسمعي يا بت يا قمر، عايزة اديكي أمانة تحفظيها عندك لوقت العوزة.
_ أمانة ايه؟
ذهبت لتحضر علبة مصوغاتها التي أشرعتها أمام قمر ليُقابلها بريق قطعها الذهبي مغمغمة: عايزاكي تاخدي علبة الدهب دي تشيلها عندك.
_ إشمعنى؟ وليه ماتفضلش معاكي هنا.
باحت ببعض خواطرها هاتفة: مش مطمنة من اللي جاي، عزت أخوكي لما بيزعل بيشرب الهباب ده ليل نهار و بيكون مش في وعيه، اللي عملته أشرقت هيخليه زي المجنون، وانا مش مستعدة افرط في دهبي بالساهل، عشان كده عايزاه بعيد عن عينه.
أومأت دون اعتراض: حاضر يا “اما”، اللي يريحك.
واستطردت: أنا همشي بقا عشان سايبة الواد لحماتي، وبكرة هعدي عليكي واعرف موضوع عزت رسي علي ايه، فوتك بعافية.
______________

ترجى جلال خالته وزوجها تركه هو وشقيقته “صاحبة الشأن” يستقبلان عاصفة هذا المختل، خوفا عليهما أن يتجاوز معهما ذاك الأحمق، أشرع الباب ليجد أمامه وجهه تفور الحمم من أحداقه وهو يحاول الولوج، ليعرقله جلال بقول:
“جاي ليه يا عزت”
تمتم وعيناه لا تحيد عن أشرقت: جاي لمراتي واطلع انت منها خالص.
ضحك جلال بتهكم: أطلع منها إزاي يعني وانا أخوها؟
بادله عزت نظرة استخفاف أخري ساخرا:
طب وسع انت و ماتدخلش بنا، روح عند مراتك رباب احسن تغضب عليك.
بغضب أمسك جلال كتفيه بعنف وهو يحذره: لو قليت في أدبك تاني ومش أخدت بعضك ومشيت من هنا، قسما عظما هقطع لسانك اللي بيحدف توب واكسرك ميت حتة.

صمت عزت يقيمه بنظرة ثاقبة وكأنه يري شخص أخر غير ذاك الخانغ الضعيف الذي كان عليه جلال من قبل، من اين اتي بتلك القوة والشجاعة؟

كانت واقفة ترمقه بجمود، بينما طال صمته ونظرته إليها وهو يطالعها بنظرة احتارت أشرقت كيف تفسرها، كأنه يلومها! يترجاها ألا تبتعد؟ لا تدري وأخر همها تفسير نظراته، هي قطعت مسافة لن تتراجعها ثانيا، عزت صار ماضي، الغبي لا يعلم أن قلب المرأة يتحمل ويتحمل، لكن حين ينفذ الصبر لا يعيدها شيء؟ فإن عاد الكوب المكسور لما كان عليه، تعود هي له.

وجدها تنظر نحوه بثقة وثبات وكأنها تتحداه، حاول الاقتراب منها فمنعه جلال ان يقترب منها، گ حائط منيع يحميها منه، صاح بنبرة أكثر هدوءً وعيناه لا تزال لا تحيد عنها: سبني اتكلم مع مراتي ياجلال.
تبادل الأخير مع شقيقته النظرات، قبل أن تقترب حتي وقفت أمامه قائلة بثبات: عايز تتكلم في ايه يا عزت؟ قولي اللي عندك عشان نخلص.

_ ليه؟! ليه سبتيني؟
تساؤله جعلها تضحك وتضحك حتي ظن أخيها أنها غير واعية، لتصمت وتتحول ضحكتها الساخرة لدموع تحجرت بمقلتيها قبل ان تجيبه: بتسأل ليه؟ بجد مش عارف؟
عشان انت عمرك ما كتت مصدر أمان ليا، عمرك ما نصفتني وجبت حقي من أمك اللي ليل نهار ظالماني ومطلعة عيني في بيتها، البيت اللي عمري ما حسيته بيتي، كام مرة قولتلك هات لي شقة ولا حتي أوضة اعيش فيها براحتي من غير ما حد يتحكم فيا؟ وانت ولا فارق معاك راحتي وحياتي اللي بتضيع وأنا مش متعة بأقل حقوقي، انت و والدتك عاملتوني بمنتهي التناقض قبلتوا عليا اللي مش ترضوه علي اختك قمر، ولما طلبت منك نروح لدكتور عشان نتعالح لو في عندنا موانع اننا نجيب طفل واديتك دهبي تبيعه، ضحكت عليا وخدعتني و روحت تشرب و تسكر بيه، ولما طالبت بحقي ودهبي أمك ضربتني وعدمتني العافية قدام عيونك وانت ساكت.
واستطردت تجلد كرامته دون رحمة: أكتر وقت نزلت فيه من نظري ياعزت كان في اللحظة دي، انت ماتستاهلش تكون جوزي ولا حتي تنفع تكون أبو عيالي، ها؟ عرفت كده أسبابي ولا نقول كمان؟

صمت يطالعها ومشاعر شتى تتصارع بعقله، يستنكر ما قالته وغاضب لنعتها له بعدم رجولته، لكنه لن ينكر انه فعل ما تفوهت به للتو وهذا ما يضعفه في قرارة نفسه.
اقترب نحوها خطوة وغمغم بأخر ما توقعت ان يقوله:
ولو قولت اني هجيبلك شقة لوحدك وهبعد عنك أمي ومش هخليها تدخل في حياتك تاني، و هسعى مع الدكاترة عشان نخلف؟

هنا اتسعت عين جلال بدهشة حقيقية، أهذا عزت المتعجرف. المغرور يتنازل لهذه الدرجة؟ أمعقول انه يحب شقيقته حقا؟ ان كان كذلك لما رضي بعذابها طيلة الفترة الماضية؟ نظر لأشرقت يستشف منها رد فعل، لتقول الأخيرة بثبات: تعرف عيب كل راجل ظالم زيك يا عزت؟ انه بيفتكر ان العبدة اللي اشتراها بعقد جواز شيء مضمون في حياته، كيان مركون علي الرف وقت ما يحب يراضيها بيعمل كده، ووقت ما يغضب عليها يذلها و يقهرها، في كل الأحوال فاكرها هتفضل معاه مكسورة جناح وضعيفة، وده غلطك، عزت انت بالنسبالي مرحلة وعدت، مرحلة لازم انساها عشان اقدر اكمل واعيش.
ثم صمتت هنيهة لتلقي ورقتها الأخيرة:
طلقني باللي باقي من كرامتك لأن مفيش أختيار تاني.

لا تدري كيف تخطي عزت أخيها جلال وأحاط عنقها وحاول خنقها وهو يصيح بجنون: مش هسمح تسيبيني يا أشرقت، مش هسيبك تفضحيني وسط الناس وتخلعيني في المحكمة و يتقال عليا الراجل اللي مراته خلعته، هتعيشي معايا غصب عنك.

تدراك جلال المفاجأة سريعا وهو يحاول تخليص شقيقته من قبضتي عزت، ونجح بدفعه بعيدا عنها وهو يصرخ عليه: لو ما احترمتش المكان اللي أنت فيه والله لابلغ عنك البوليس واعملك محضر تعدي والجيران هنا هتشهد معانا، خلاص يا عزت اختي قالت كلمتها، انت مقدرتش تصونها في بيتك يبقا ما تستاهلش تكمل عمرها معاك، أرمي عليها اليمين و طلقها دلوقت و روح لحالك وانساها، أو انتظر إخطار المحكمة بقضية الخلع الي هنرفعها وهنكسبها وأنت عارف.

كان يلهث من فرط انفعاله وعيناه لا تحيد عنها و تتوعدها بالويل وأشرقت تسعل بقوة وتمسك عنقها بألم، لقد كاد يُسلب أنفاسها لولا تدخل شقيقها الذي واصل ليمنحها مزيد من القوة أمام عزت مستغلا ما علمه منها قبل مجيء داك الوغد: معلومة ليك، أختي راحت المستشفى وأخدت تقرير إثبات حالة التعدي والضرب منك أنت وأمك، وحبايبها كتير هيقفوا يدعموها قصاد القاضي اللي هيطلقها منك من أول جلسة.
كل مرة يصيبه الذهول والدهشة لما أضحت عليه أشرقت.
كيف لها أن تكون بكل هذا الدهاء والمكر.
لم تهمل شيء بخدم هدفها للانفصال عنه.
والدته محقة فيما قالته.
زوجته تكرهه ولن ترضى بالعيش معه ثانيا.
هذا ما صار علي يقين به.
______________
نظرة الفخر بعين شقيقته، والرضا في مقلتي خالته أشعرته هو ذاته بمزيد من الراحة، الأن أستراح ضميره، سيظل ظهرًا يحمي شقيقته وذراعين تحتوي كتفيها إلي أن تتخلص من زوجها الظالم، أقسم لها علي ذلك قبل أن يتركها في رعاية خالته و زوجها.

لم يكن الأمر سهلا لكنه أخيرا تحقق.
نصفها القضاء واستعادت حريتها من عزت وأصبح ماضي لن تذكره، أيقنت أشرقت انه لن ينصفها أحد غير ذاتها، هذا درس جديد تعلمته في الحياة بعد تلك التجربة المريرة ”
مكثت تراجع حياتها التي مضت مستخلصة منها قوانين صارمة لحياتها القادمة.
أهمها لا رجال تستحق ان تتنازل وتضحي لأجلهم.
عالمها لن يطأ أرضه رجلا.
ستعيش لنفسها فقط.
_________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أشرقت بقلبه)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى