رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم مريم غريب
رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الجزء الرابع والثلاثون
رواية كرسي لا يتسع لسلطانك البارت الرابع والثلاثون
رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الحلقة الرابعة والثلاثون
الفصل الرابع و الثلاثون _ نحو القدر _ :
كما لو أن غيابها لم يستغرق سوى لحظةً ..
فتحت عيناها بتثاقلٍ.. تشعر بتعبٍ حمّ.. ظمأ شديد.. فمها جاف للغاية و هذا ما شغلها أكثر من صحوتها ..
لم تنتبه حتى إلى المكان الذي استفاقت به.. لم يتسنّى لها الوقت لتدرك أيّ شيء.. اخترق الصوت العزيز مسامعها متلهفًا متلوّعًا :
-فريال هانم.. ماما.. ماما انتي سمعاني.. فتحي عنيكي و بصيلي.. أرجوكي.. ماما ..
لسانها الثقيل تحرّك بصعوبةٍ كبيرة و هي تترجم شعورها بالواقع إلى كلماتٍ.. و الحقيقة إنها كانت كلمةً واحدة.. اسمه هو :
-عـ.ـثـ..ـمـ.ـان !
سمعته يتأوه كما لو إنه يتألم بالفعل.. ثم أحسّت بذراعيه تحيطان بها.. إنه يحتضنها الآن.. يضمها إلى صدره الخافق متمتمًا :
-روح عثمان.. روح عثمان و قلبه يا فريال هانم.. انتي كويسة ؟
كلّميني.. سمعيني صوتك أرجوكي.. قولي أي حاجة.. كلّميني يا ماما !!
أخذت النقاط السوداء في التلاشي أمام عينيها.. لترى وجهه بوضوحٍ.. و يسعد قلبها بلقائه أخيرًا.. فهذا فلذة كبدها.. ابنها.. رجلها و المعنى الوحيد لحياتها هو و شقيقته ..
أين هي “صفيّة” يا ترى ؟
-عثمان !
نطقت اسمه بطريقة أفضل هذه المرة ..
تشكلت ابتسامة متألمة على ثغر “عثمان”.. مسّد على رأسها بحنوٍ قائلًا و دموعه تنهمر غزيرة من عينيه :
-أنا هنا.. أنا جنبك.. أنا معاكي يا ماما.. مش هاسيبك من إنهاردة.. مش هاسيبك أبدًا.. و هاعملك كل إللي انتي عايزاه.. شمس هاتمشي.. مش هاتشوفيها و لا تسمعي عنها تاني.. أوعدك.
ابتسمت ابتسامة لم تصل لعينيها و قالت بصوتٍ هامس :
-لأ.. أوعدني انها تفضل.. و انك ترعاها و تاخد بالك منها.. طول ما انت عايش.. دي أختك يا عثمان.. شمس أختك.. زي صافي بالظبط !
عبس “عثمان” مدهوشًا.. لوهلةٍ خشى أن تكون أمه لا تزال تحت تأثير المخدر.. لكنه سمعها تؤكد من جديد و هي تضغط على يده القابضة على يدها :
-انت راجل العيلة دي.. انت مكان ابوك.. عمرك ما خيّبت ظنّه.. و لا ظنّي يا حبيبي.. انا آسفة يا عثمان.. آسفة عشان انا اللي خيّبت ظنّك ..
-ششششش ! .. اسكتها واضعًا اصبعه فوق شفاهها
و أردف مداعبًا خدّها برقةٍ :
-انتي عمرك ما خيّبتي ظنّي.. انتي اجمل و انقى واحدة شافتها عنيا.. انتي فريال هانم.. ست الهوانم.
ابتسمت له ثانيةً.. و قالت :
-ممكن أطلب منك حاجة ؟
رد فورًا : اؤمريني.. اللي انتي عايزاه مهما كان أجيبه تحت رجليكي و حالًا !!
بللت دموع خفيفة عينيها و هي تقول :
-لما وقعت و كنت هموت.. خفت اموت و انا لوحدي.. و لسا خايفة ..
احضنّي يا عثمان.. خدني في حضنك عشان يختفي الشعور ده.
تلوّى وجهه من شدة الألم الذي أحسّه على إثر كلامها.. تمالك رباطة جأشه من أجلها.. و بدون أن يتركها اعتلى السرير الطبّي بجوارها.. كان بالحجم الكافِ ليسع كليهما ..
أحاط “عثمان” كتفيّ أمه بذراعٍ.. وسّع لها حضّنه.. توسّدت صدره مغمضة العينين.. راحت تستنشق رائحته الذكية الدافئة.. بينما يمسح “عثمان” برتابةٍ على رأسها و كتفها ..
و الحقيقة أن هذا العناق لم تكن وحدها التي تحتاجه.. لقد كان هو بأمسّ الحاجة إليه.. أكثر منها.. و أكثر من أيّ وقتٍ مضى بحياته كلها ..
لقد عادت له أمه …
**
في صبرٍ و أناة.. جلس “أدهم عمران” يستمع إلى التاريخ الطبّي الخاص بـ”فريال المهدي” من ابنتها “صفيّة البحيري” ..
هنا بكافيتيريا المشفى.. حدّه من الجانبين كلًا من شقيقته “إيمان” و زوجها “مراد” و الصغار قد جلسوا بطاولة أخرى أمام أعينهم …
-ده تاريخها الطبّي زي الفل ما شاء الله.. اللي حصل وقت وفاة والدك يا مدام صفيّة كان أسبابه نفسية.
أومأت “صفيّة” قائلة :
-أيوة الدكاترة كلهم قالوا كده.. بس المرة دي.. أنا مش فاهمة ايه اللي حصلها !
ابتلع “أدهم” ما تبقّى بكوب قهوته في جرعةٍ واحدة.. نظر لها و هو يشرح باسلوبٍ علمي مبسّط :
-اللي حصل المرة دي مش هانصنفه بعيد عن نفس الأسباب النفسية.. و لكن ده أثر عليها عضويًا.. نوبة قلبية اتطوّرت و حصل ارتخاء في عضلة القلب.. القلب وقف لمدة من الوقت لكن اللي فادنا ان درجة حرارة الجسم كانت منخفضة ف الدورة الدموية كانت بطيئة و بالتالي حافظت على الأعضاء الحيوية و ده بسببه كسبنا وقت لحد ما عملنا اللازم و أسعفناها ..
برز صوت ” مراد” محتدًا :
-أيوة يا أدهم بس الفريق الطبّي هنا يتحمل مسؤولية الأخطاء دي كلها.. فريال هانم كانت ممكن تروح من بين أيدينا بسبب اهمالهم.. لازم يتحاسبوا أنا متأكد عثمان مش هايعدي إللي حصل ده.
وافقه “أدهم” قائلًا :
-أنا معاك نص الخطأ اهمال.. و لازم اللي غلط يتحاسب ..
منغير ما تقول عثمان ناوي على ايه.. أنا بنفسي هارفع تقرير عن المستشفى و هاذكر كل فرد من الفريق قصّر في شرف مهنته.
و نهض بغتةً مكملًا :
-استأذكوا.. عندي استدعا في العمليات.. هاخلص و أمرّ تاني عليكوا عشان اطمن بنفسي على فريال هانم.
قامت “صفيّة” بدورها لتعرب له عن امتنانها مرةً أخرى :
-انا فعلًا متشكرة أوي ليك يا دكتور أدهم.. انت انقذتنا انهاردة.
أدهم بحزمٍ : الله المنقذ يا مدام صفيّة.. انا مجرد سبب.. و بعدين ده واجبي.. عن اذنكوا.
و ذهب رأسًا إلى عمله ..
تنهدت “صفيّة” شاعرة بشيءٍ من الراحة.. لتنتبه فجأةً إلى الصغيرة “فريدة” التي شدّت يدها متسائلة :
-أنطي صافي.. هي مامي راحت فين ؟
مدت “صفيّة” يدها تمسح على رأس الصغيرة و جاوبتها برقةٍ :
-سمر راحت البيت تجيب هدوم و شوية حاجات لفريال هانم و أخدت يحيى معاها.. زمانها جاية يا روحي.. مش هاتتأخر.
**
مرّ اسبوعًا ..
في ساعة الظهيرة.. ها هي “فريال المهدي” تغادر المشفى برفقة ابنها “عثمان البحيري”.. تسير معه عبر البوابات متأبطة ذراعه ..
خرجت مجددًا إلى الحياة.. في كامل أناقتها و بهائها.. برغم التعب الواضح عليها.. لكنها لم تكن أقل جمالًا قط عن السابق ..
تركها “عثمان” للحظة ريثما يفتح لها باب السيارة الخلفي.. استقلّت سامحةً له بمساعدتها.. تأكد من استقرارها جيدًا.. ثم استدار ليستقلّ بجوارها ..
نزع نظّارته الواقية من الشمس و هو يهتف آمرًا سائقه الخاص :
-أطلع على القصر يا محروس.
أومأ السائق الشاب قائلًا و هو ينظر عبر المرآة الأمامية :
-أمرك يا عثمان بيه.. حمدلله على السلامة يا فريال هانم الدنيا كلها نوّرت انهاردة برجوع حضرتك لينا.
ابتسمت له “فريال” و قالت بصوتها العذب :
-ميرسي يا محروس.
أقلعت السيارة أخيرًا متجهة إلى قصر “البحيري”.. تمر بطرقات المدينة المتألقة ببحرها أسفل زرقة السماء المشمسة ..
تخفض “فريال” زجاج النافذة لتستنشق ملء رئتيها عبير البحر.. و توقن أن لا مكان على هذه الأرض يُضاهي أصالة و جمال هذه البقعة تحديدًا ..
هذه المدينة التي قضت فيها عمرها كله تقريبًا.. إنها تعتبرها موطنها الأصلي و إن لم تكن مسقط رأسها.. هنا عاشت.. أحبّت.. تزوّجت.. و أنجبت أغلى شخصان على قلبها.. هما الآن كل عائلتها و كل ما تملك.. و قد عادت لأجلهما فقط …
-نوّرتي حياتي انهاردة يا فريال هانم !
تلتفت “فريال” نحو ابنها عقب سماعها كلماته.. ابتسمت بينما يرفع يده الممسكة بيدها ليقبّلها مطوّلًا.. ثم يقول :
-كل حاجة حواليا كانت ضلمة.. دلوقتي بس قادر اتنفس.. و انتي جنبي يا ماما.
شددت “فريال” قبضتها حول يده متمتمة :
-ربنا يخليك ليا يا حبيبي.. انت فعلًا حبيبي يا عثمان.. اكتر حد بحبه في حياتي.. هو انت.
ابتسم “عثمان” مقبّلًا يدها مرةً ثانية.. ثم قال بجدية :
-على فكرة.. أنا أجلت كل حاجة لحد ما تخرجي و ترجعي البيت بالسلامة.. معاد الـLaunching و حفلة شـ …
بتر عبارته مسرعًا قبل أن يتمّ ذكر اسمها.. حثته “فريال” بلطفٍ :
-كمل يا عثمان.. تقصد حفلة تقديم شمس ؟
أنا قريت عنها في المجلات.. ايه المشكلة ؟
عثمان باقتضابٍ : انا مش هاعمل أي حاجة تسبب لك ازعاج.. لو حابة قبل نوصل هاتكون شمس مشيت من القصر.. و اعتبري حفلتها ملغية كمان كفاية اعلان في المجلات و الصفحات الرئيسية و خلاص.
تنهدت “فريال” و قالت :
-حبيبي.. انت مش فاكر كلامنا قبل أسبوع واحد ؟
شمس أختك.. و مكانها معاك.. جنبك في بيت أبوها.
عثمان بترددٍ : أيوة يا ماما بس ..
قاطعته بإشارة من يدها قائلة :
-مافيش بس يا عثمان.. أنا عارفة انك كده كده مش هاتتخلّى عن اختك.. و لو فعلا هاتمشيها من القصر ف هايبقى عشاني انا لكن في نفس الوقت هتأمنلها مكان تاني و تاخد بالك منها.. بس دلوقتي انا اللي بقولك.. شمس مكانها معانا.. و انا مش هاسمح لك تمشيها من القصر و لا تلغي حفلة تقديمها.
حدجها “عثمان” بنظرة غير واثقة.. و قال لآخر مرة :
-انتي متأكدة يا فريال هانم.. هو ده اللي انتي عايزاه ؟
فريال بجدية تامّة :
-هو ده اللي انا عايزاه يا عثمان.
أومأ لها مرتان.. ثم قال بهدوء :
-أوكي.. بكرة هايكون معاد الـLaunching و حفلة تقديم شمس.. و بعدها يا فريال هانم هايكون لينا قاعدة طويلة مع بعض.. و هاتفهميني ايه اللي حصل طول الفترة اللي فاتت.
الآن و قد سبب لها حديثه اضطرابًا حاولت اخفاؤه قدر استطاعتها.. تساءت مدّعية الجهل بقصده :
-مش فاهمة قاعدة ايه ؟ .. و ايه اللي عايز تفهمه أصلًا يا عثمان !؟
ارتبكت من نظرته المطوّلة ذات المعنى.. و سمعته يقول بنفس الهدوء :
-فريال هانم.. انتي فاهماني كويس.. جه الوقت اللي لازم أحط حد لأي مهازل بتحصل من ورا ضهري.. لو كنتي مفكرة يا ماما انك لما تخبي عليا و تحاولي تتصرفي من ورايا هاتبقي بتحلّي أي مشكلة معاكي أو أي حاجة انتي واقعة فيها تبقي غلطانة.. انا مش بس ابنك.. انا عثمان البحيري.. لو المعلومة دي كانت بعيدة عنك.. انا بأكدها عليكي دلوقتي ..
و تابع بصرامةٍ :
-بكرة بعد ما كل حاجة تخلص.. هانقعد مع بعض.. و هاتصرحيني بكل حاجة.. يا إما هاعرف بنفسي.. أوعدك.
بقيت تتظاهر أمامه بالثبات و التظاهر كما لو إنها لا تعلم عمّا يتحدث بالضبط ..
لكنها علمت من ملامحه الجامدة أن أي شيء ستحاول فعله أو قوله لن ينطلي عليه.. لذلك أشاحت بوجهها نحو النافذة من جديد.. مطمئنة نفسها بأن ما من دليلٍ على أيّ شيء ..
لن يجد خيطًا يتتبعه.. و “صفيّة” وعدتها ألا تفشي لها سرًا.. لهذا هو لن يعلم أبدًا ..
أجل.. لن يعلم شيئًا …
**
يـوم الحفــل …
العمل قائم بالقصر منذ مطلع الفجر على قدمٍ و ساق.. تحت إشراف منسّقة الحفلات الأشهر و إحدى صديقات “عثمان البحيري”.. “سلوان البدري” ..
خلال الأيام الماضية كان مكوثها بالمنزل اعتياديًا.. لكن لم يكن لـ”سمر” أن تغار منها.. خاصةً كلّما التقت بـ”عثمان” و تشاورت معه بشأن تفاصيل الاحتفال ..
في الحقيقة لا يمكن لأيّ امرأة أن تغار من “سلوان البدري”.. لأنها حتى و إن كانت جميلة و تمتلك وجهًا كالقمر.. إلا إن هذا الجمال لن يفعها ما دامت تجلس على كرسي متحرك لعلّة شللًا جزئيًا أصاب كلتا قدماها ..
الفتاة الشابة البالغة من العمر ثلاث و عشرون عامًا.. لم يمنعها مرضها من خوض حياتها و ممارسة العمل الذي تهواه ..
الشي الوحيد الذي استغربته “سمر”.. هو أنّى لـ”عثمان” أن يصادق فتاة صغيرة مثلها ؟
و هو الرجل الأربعيني الناضج ؟ .. كيف حصل على صداقتها !؟
لم تمتنع عن سؤاله.. و بدوره لم يحجب عنها جوابه الذي كان ببساطةٍ :”سلوان البدري مش مجرد بنت عادية.. دي من عيلة كبيرة و بيني و بين اخوها مصالح و شغل مهم.. من هنا اتعرفت عليها و عرفت حبها و شغفها بشغلها.. و على فكرة كنتي معايا لما شوفتها أول مرة في حفلة عيد ميلادها الـ20.. و حبتيها جدًا” ..
الفتاة لم تكن فقط جميلة.. إنها كالملاك.. و محال لأيّ انسان أن يراها دون أن يعجب بها.. إنها تمثل نوعًا فريدًا من النقاء ..
و بفضل جهودها.. تحوّلت مساحة القصر الخلفية بحديقتها الشاسعة إلى بقعة مقتبسة من أروع اللوحات الفنيّة.. كل شيء هنا مثالي ..
الإضاءة المتعددة.. الطاولات و المقاعد حديثة الطراز.. المفروشات.. الأواني و الكؤوس.. الخزف و الأزهار ..
لقد صممت ديناميكة متفرّدة.. حيث ان الضيوف بإمكانهم أن يمتعّوا جميع حواسهم بالأمسية.. حاسة النظر مرافقة للديكور و التصميم الرائع.. حاسة السمع بالموسيقى المختارة بعنايةٍ على ذوقها.. و حتى حاسة الشم.. لقد اختارت باقاتها المفضلة من الأزهار الفوّاحة و أمرت بتوزيعها في كل مكانٍ ..
هذه الفتاة العجيبة.. صنعت أمسية الأحلام الليلة …
**
كلمات غنوة “ماريا كاري” الأيقونية “My All” تتردد في أذنيها.. تصدح من خلف زجاج شرفتها معلنة بدء الحفل.. و مثيرة بداخلها عواصف عاتية من المشاعر ..
فهذه الغنوة تحديدًا تحتلّ أهم ذكرياتها مع حب حياتها.. يا للصدف !
لطالما غنّتها بصوتها له.. و تراقصا عليها.. و تنزّها و هما يستمعان إليها ..
تطايرت دمعة من عين “شمس البحيري”.. مسحتها بسرعة و خفةٍ كي لا تفسد مكياجها الصارخ المتقن ..
لقد غادرت خبيرة التجميل منذ دقائق.. و ها هي تقف أمام امرآة.. بعد أن ارتدت فستانها الذي اختارته أمها لأجلها ..
فستانًا بسيطًا للغاية.. من الحرير الليلكي.. يضيق على جسدها في الأماكن المثالية.. مزوّد بشريطين عريضين يحملان نهديها المكتنزين و يشدهما معًا جيدًا منتهيًا بعقدة وراء عنقها ..
هذا التصميم الجريئ ليس جديدًا عليها.. يمنحها مظهرًا واثقًا و مثيرًا في الآن ذاته.. مِمّا جعلها تتساءل.. ترى ماذا ستكون ردة فعل أخيها عندما يراها هكذا ؟
مبتذلة.. بعيدةً عن الاحتشام !
لم تتعمّد ذلك.. و سيُفاجأ.. إلا إنها لم تلقي بالًا لتوبيخه لها فيما بعد.. كانت مشغولة البال بأشياء أخرى.. أشياء تتعلّق بعاطفتها المجروحة.. و قلبها المستنزف ..
لقد طال الفراق.. فراقها عن حبيبها الوحيد.. متى يعودا ؟
متى يسمح لهما القدر باللقاء و العيش معًا أخيرًا ؟
متى !!؟؟؟
-شمس !
خرجت “شمس” من شرودها مستجيبة للنداء المباغت ..
استدارت متسعة العينين.. لترى أختها.. نصف الشقيقة.. “صفيّة البحيري” قد وقفت علىأعتاب الغرفة مستأذنة :
-أنا خبطت 3 مرات.. قلقت عليكي.. ممكن ادخل ؟
أومأت لها “شمس” مرةً واحدة ..
ابتسمت “صفيّة” و هي تلج مغلقة الباب من خلفها.. هي الأخرى لا تقل جمالًا عنها أبدًا.. بل الواقع إنها تفوقها في الجمال بكثير.. و لكن “شمس” الأشدّ جاذبية و أنوثة ..
أقبلت عليها “صفيّة” متأنقة بثوبها الأسود اللامع.. كان على قدر من الاحتشام.. طويل و مفتوح الأكمام.. شفافٌ حول منطقة الصدر مبرزًا عقد الألماس الذي دفعته إليها أمها بعيد ميلادها السابق ..
و أيضًا تسريحة شعرها القصير كانت رائعة.. بعد أن ذهبت إلى الصالون و عدّلت قصّته.. كانت جميلة عندما كان شعرها طويلًا.. لكنها صارت أجمل بالشعر القصير …
-عثمان بعتني اشوفك جهزتي و لا لسا ! .. قالتها “صفيّة” مبتسمة بخفةٍ
جاوبتها “شمس” بخفوتٍ :
-أنا جاهزة.
العلاقة بين الأختان لم تكن شديدة التوتر.. هذه المرة الثانية التي تلتقيان فيها حقيقةً.. المرة الأولى كانت يوم عودة “فريال” من المشفى إلى القصر.. حيث بقيت العائلة بانتظارها في الأسفل.. و بأمر من “عثمان البحيري” نزلت “شمس” من جناحها لتستقبل مع بقية أفراد العائلة سيدة المنزل ..
رغم تخوّفها من الالتقاء بزوجة أبيها الراحل.. لكنه مضى على خير.. و لم تبدي “فريال” أيّ امتعاض منها.. بل لدهشتها ابتسمت ما إن رأتها.. و صافحتها بلطفٍ ..
كان تصرفها ضربًا من الخيال.. حتى في أحلامها لم تتخيّل أن يأتي اليوم و تتلقّى معاملة لطيفة من زوجة أبيها.. “رحمة” أيضًا أبدت ذهولًا عندما سمعت من ابنتها.. و لولا هذا ما تشجعت و قررت المجيئ لحضور الحفل ..
ما كانت ستحضر.. لكن استنادًا إلى حالة “فريال” المرنة و تقبّلها أخيرًا لوجود “شمس”.. ما كان هناك داعٍ لانسحابها من حياة ابنتها خلال فترة تواجدها بقصر عائلتها.. هذا ليس معناه أن تظل معها.. سوف تحضر الحفل فقط و تغادر بعدها.. فبغض الطرف عن أيّ اعتبارات.. إن “رحمة” تكنّ الاحترام إلى “فريال”.. و لا يمكن أن تفكر بمضايقتها بأيّ شكل من الأشكال …
-انتي ايدك ساقعة أوي ! .. علّقت “صفيّة” و هي تمسك بيد أختها فجأةً
ردت “شمس” بلهجةٍ جوفاء :
-الجو بارد انهاردة.
وافقتها “صفيّة” : عندك حق.. الشتا شادة اليومين دول.. بس ماتقلقيش الحركة تحت مش هاتحسسك بالبرد.. كمان ربع ساعة و يبدأ الدفيليه بتاع سمر.. عثمان عاوز يقدمك للناس الأول.. يلا بينا ؟
سحبت “شمس” نفسًا عميقًا و هي تومئ لها قائلة :
-يلا !
و لا تعرف لماذا تشعر بأنها ليست ذاهبة لمواجهة المجتمع فقط.. بل يراودها شعورٌ قوي بأنها تسير نحو القدر.. قدرها المحتوم ! …………………………………………………………………………….
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كرسي لا يتسع لسلطانك)