روايات

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم مريم غريب

موقع كتابك في سطور

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم مريم غريب

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الجزء الثامن والعشرون

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك البارت الثامن والعشرون

كرسي لا يتسع لسلطانك
كرسي لا يتسع لسلطانك

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الحلقة الثامنة والعشرون

الفصل الثامن و العشرون _ ليلة العمر _ :
كيف يمكن لامرأة واحدة أن تحرز كل سوء الحظ هذا !؟
حقيقةً إن كان لسوء الحظ مصطلحٌ فهو بالتأكيد “مايا عزام”.. ولدت لأم مفسدة.. ساحرة شريرة.. و أب أناني.. وغد لعين تخلّى عنهم مدمرًا سنوات الزهور لصغاره.. حتى إنه لم يكن هناك عندما مات ابنه البِكر.. لم يستطع إنقاذه من البؤرة الحالكة التي زج نفسه بها ..
و ابنه الصغير.. تركه لشياطينه التي أودت به إلى السجن الذي سرق من عمره و شبابه سنواتٍ طوال.. لم يتعلّم من أخطائه قط ..
و ها هو اليوم يضيف جرمًا آخر إلى صحيفة إجرامه.. يجبرها على الاقتران برجلٍ سحق شموخها.. و دعس شرفها ..
لعلها صدّرت عن نفسها أمامه أحطّ التصوّرات.. و لكنها أبدًا لا تستحق ما فعله بها.. مهما كانت.. ليس لديه أيّ حق ليبيح لنفسه التعدّي عليها متذرّعًا بالتهمة التي لبستها بالباطل لتثأر _ كما في اعتقادها _ من جنس الرجال ..
لقد خسرت.. لم يخسر أحدٌ ها هنا سواها.. و يظن “نبيل” بأنه قادرٌ على تحطيم ما تبقّى من كبريائها.. ألا يعرف ؟
هل يضر الشاه سلخها بعد ذبحها !؟
بعد تفكيرٍ عميق و ليالٍ أمضتها بلا نوم.. قررت “مايا” أنها ستتزوج من “نبيل الألفي”.. ليس لأنها مغلوبةً على أمرها.. إن لم تكن تريد هذا الزواج فلا أبيها و لا “نبيل” و لا العالم بأسره كان ليقدر على إجبارها ..
و لكنها في النهاية تقبّلت.. لأنها لن تترك ثأرها و تدفن رأسها بالرمل كالنعام.. لن تهرب.. و “نبيل الألفي”.. سيدفع ثمن ما فعله بها غاليًا ..
طرق أحدهم باب الغرفة.. لتخرج “مايا” من شرودها داعية أيًّا ما كان للدخول :
-ادخل !
كانت تقف أمام مرآتها بثوب الزفاف الكبير الذي ابتلع ثلث مساحة الغرفة.. برز الآن من وراء الباب شقيقها الذي يصغرها بعامٍ واحد ..
كان يرتدي حلّة رسمية.. فابتسمت بعفوية.. لا يمكنها أن تصف مدى اشتياقها لرؤيته على هذه الصورة.. أنيقًا و مرتبًا كما كان بالماضي.. قبل أن يقتصّ منه القدر بذنوب أمه و ذنوبه أيضًا …
-وااااو !
هذا كل ما صدر عنه.. صيحة الاعجاب تلك.. و هو ينظر إلى شقيقته بسعادةٍ و اعتزاز كبيرين ..
دلف “مالك عزام” مغلقًا باب الغرفة خلفه ..
سار نحو “مايا” ببطءٍ ضامًا يديه أمام وجهه.. أسفل عينيه اللتان تبللتا بطبقةٍ رقيقة من الدموع ..
و لا تعرف كيف و لماذا ..
لكن عيناها دمعتا أيضًا.. بينما يقف “مالك” قبالتها الآن حريصًا ألا يطأ طرف فستانها بحذائه …
-أنا مش مصدق يا مايا ! .. نطق بصوتٍ أجش يُغالب مشاعره
ضغطت على شفتيها بشدة تمنع نفسها بصعوبةٍ من البكاء ..
يسحب “مالك” نفسًا عميقًا مررًا يده في شعره المصفف و هو يقول بعاطفة أخوية صادقة :
-لما كنت مسجون و بعيد عنك.. كنت اتأكدت خلاص انك هاتتجوزي و مش هكون جنبك.. مش هشوفك و انتي بفستان الفرح.. ماكنتش متخيل اني هشوف اليوم ده يا مايا ..
و مد يده ممسكًا بيدها.. ضمّها بكفّيه إلى صدره مرددًا :
-أنا شايف قصادي أحلى عروسة.. ست البنات.. أختي
ألف مبروك يا حبيبتي.. ربنا يسعدك و تكون فرحة عمرك كله الليلة دي.. خلاص جهزتي ؟
أومأت له مشددة على باقة الزهور البيضاء بيدها الأخرى ..
تنهد “مالك” بحبورٍ و علّق يدها بذراعه.. ثم خطى بحذر معها جنبًا إلى جنب إلى خارج الغرفة.. حيث ضرب صخب الاحتفال أذنيها ما إن تخطّت الرواق المؤدي للدرج ..
**
احتفظ بجهازٍ واحد فقط من أجهزة اختبار الحمل الخمسة التي استخدمتهم زوجته ..
ثم لملم البقيّة و ألقاهم بسلّة المهملات المنزوية بركنٍ ما بالمرحاض.. و إلتفت نحوها.. كانت لا تزال رابضة فوق الأرض.. شعرها مهوّوش و دموعها تسحّ حتى اللحظة فوق خدّيها ..
تنهد “عثمان البحيري” و انحنى حاملًا زوجته على ساعِديه الشديدين.. إنها بحالةٍ مزرية حقًا.. و تعبّ الهواء إلى رئتيها على شكل شهقات قصيرة متقطعة ..
عاد بها إلى الغرفة.. وضعها بالسرير و جلس أمامها.. مرر يديه على كتفيها العاريين صعودًا و هبوطًا و هو يقول بهدوء :
-إيه يا سمر.. مالك يا حبيبتي ؟
ممكن أفهم إيه سبب الانهيار ده كله ؟
لم تستجيب له فورًا.. فقال بلهجةٍ آمرة :
-بصيلي يا سمر.
انبثقت دمعتين من عيناها.. و هي ترفع بصرها ليستقر على وجهه حاد الوسامة ..
بدا تعبيره جاد تمامًا و هو يعاود سؤالها :
-إيه المشكلة انك طلعتي حامل ؟
انتي ست متجوزة.. و خلّفتي مرتين.. زعلانة أوي كده ليه بسبب الحمل ده ؟
ردي عليا !!
تدلّى فكّها.. و استغرقت ثوانٍ لتعثر على صوتها.. ثم قالت بأسى واضح :
-مش زعلانة.. بس.. بس ..
-بس إيـه ؟ .. استنطقها ضاغطًا عليها
أفصحت بهدوء بغتةً :
-أنا افتكرت.. افتكرت.. انت ضربتني ..
عبس بشدة و لم يفهم ما الذي تحاول قوله ..
فأردفت و عينيها تسكبان مزيدًا من الدموع :
-لما كنت حامل أول مرة.. ضربتني.. كسّرت جسمي
أنا كنت هموت يومها ..
الآن فهمها ..
رفع “عثمان” يديه عنها.. و إلتزم الصمت و هو يسمعها تستطرد بنشيجٍ مكتوم :
-مش فاكرة السبب.. بس فاكرة إنك انت.. انت مارحمتنيش
أنا عملت إيه ؟ .. أنا عملت إيه عشان انت تعمل فيا كل ده.. عملت إيـه ؟؟؟؟
كانت تفاصيل تلك الحادثة تُعاد مجددًا أمام عينيه بينما تتكلم.. كان قد نساها.. كلاهما نسياها.. و لم يتصوّر أن تتذكرها بهذا الشكل أو تأتي على ذكرها مرةً أخرى ..
تنفس “عثمان” بعمقٍ و قال بثباتٍ :
-سمر.. دي حاجة كويسة انك بتفتكري الجزء إللي مرّينا بيه واحدة واحدة
بس مش عارف ليه مصممة تفتكري ذنوبي معاكي.. أيوة إللي افتكرتيه حصل.. أنا عملت فيكي كده.. بس صدقيني.. الموضوع ماكنش بسيط.. و أنا ماكنتش في وعيي.. أبويا كان لسا ميت و في ناس حاولوا يوقعوا بينّا.
لم تعبأ “سمر” بمحاولاته لتهوين الأمر.. و رددت مشدوهة :
-أنا إزاي وافقت اتجوزك ؟
بعد ما عملت فيا كل ده.. إزاي خلّفت منك ؟
مرتين !!!
عثمان بثقة : مش بس خلّفتي..انتي حبتيني.. زي ما أنا حبيتك بالظبط.
هزت رأسها قائلة بمرارةٍ :
-إللي تحب واحد عمل فيها كل ده.. تبقى مجنونة.. تبقى آ ..
قاطعها مكممًا فاها بكفّه ..
ابتعلت شهقتها و هي تحدق فيه بقوة.. بينما يضغط مؤخرة رأسها بيده الأخرى مانعًا إيّاها من الابتعاد أو التحرّك قيد أنملة.. و قال بخفوتٍ :
-كانت المرة الوحيدة.. كانت أول مرة.. و أخر مرة.. انتي عشتي معايا 14 سنة
لما تفتكري باقي حياتك معايا.. هاتعرفي أد إيه كنتي أسعد واحدة في الدنيا
و اني سخّرت كل يوم.. كل لحظة من عمري عشان أسعدك و أعوضك عن أي غلطة عملتها معاكي قبل.. قبل ما أحبك.
سالت دموعها على يده.. و أقحمت يدها بين قبضته و فمها لتبعده عنها.. لكي تقول بصوتٍ مهزوز :
-انت حبتني ؟ .. طيب لو كرهتني كنت عملت فيا إيه زيادة عن كده ؟؟
أغمض “عثمان” عينيه و هو يدلّك قصبة أنفه قائلًا :
-سمر.. أرجوكي.. مش هانعيده تاني
أنا ما صدقت حياتنا استقرت.. ليه مصممة تخربي كل حاجة ؟
ليه مش بتبصي للحاجات الحلوة.. بتشوفي الوحش بس.. بصي حواليكي.. بصي لنفسك.. معقول مش عايزة تفتكريلي غير الذكريات إللي وجعتك بس ؟
و نظر لها مكملًا :
-أنا كام مرة فرحتك ؟ .. قدمت لك كل حاجة عندي.. اسمي.. و بيت.. ليكي و لأختك.. ابني.. بنتي.. اخترتك انتي مش حد غيرك عشان تكون أم ولادي.. عملت كل ده عشانك.. و مش فاكرة غير الفترة دي.. إللي ماكنتش لسا واخد أي فرصة عشان أثبت لك أد إيه انتي غالية عندي.. و مهمة.. و إني بحبك.. بحبك يا سمر !
نطق أخر كلماته من بين أسنانه المطبقة ..
و هب واقفًا فجأة.. فرك مؤخرة رأسه بعصبيةٍ و هو يتحرك حول نفسه بلا هدفٍ ..
ثم جمد لبرهةٍ و نظر إليها قائلًا بجمودٍ :
-أنا وعدتك اني هفضل جنبك لحد ما تتخطي الأزمة دي يا سمر.. بس أعذريني.. في الوقت الحالي ماعنديش جهد و لا وقت أقعد أشرح لك تاريخ علاقتنا.. كل إللي اقدر أقوله ان انتي في بيتك.. جنبي و في وسط ولادك.. كل حاجة و أي حاجة تحتاجيها ماديًا أو معنويًا متوفرالك هنا حتى من قبل ما تطلبي.. هاسيبك الليلة دي لوحدك و مش هحاول أزعجك.. و أتمنى الصبح أشوفك و تكوني في حالة أحسن من كده.. تصبحي على خير.
و أولاها ظهره في الحال ماضيًا إلى خارج الغرفة ..
هل قال بأنها ستكون جيدة إن تركها وحدها ؟
إنها تشك في ذلك …
**
كانت زفّة بازخة ..
أُقلّت خلالها العروس من منزل أبيها.. في سيارة خاصة و قد رافقها شقيقها فقط.. وسط مجموعة من السيارات الملأى بفرق عربية شعبية أحدثوا عرضًا مبهرًا طوال الطريق إلى الفندق المُقرر إقامة العرس به ..
كان “حسين عزام” يقف عند البوابة الرئيسية.. في انتظار وصول ابنته.. و قد كان متأنقًا بدوره و بدا أشبه بنجوم هوليوود الكبار.. ربما “ريتشارد جير” في وسامته.. و بشاشته الآخاذة ..
استقبل “حسين” ابنته من ابنه مقبلًا خديّها و هو يهنئها بلطفٍ :
-تجنني يا حبيبتي.. زي القمر.. ألف مبروك يابنتي
تعالي يلا.. كل الناس مستنيينك !
استسلمت “مايا” لأبيها و هو يسوقها على مهلٍ عبر أبواب الفندق.. مستقلًا بها المصعد الخاص بطابق العُلية.. حيث أكبر و أفخم قاعة احتفال بالمدينة قاطبةً ..
وصل المصعد إلى وجهته في غضون ثوانٍ.. انفتح على مصراعيه.. لينكشف أمام ناظريّ “مايا” كوكب منفصل.. يضج بالاحتفال ..
ألوان ساطعة.. أضواء برّاقة.. موسيقى صاخبة.. و أُناس من كل الجنسيات تقريبًا.. جميعهم في أتم الأناقة و قد تجلّى الثراء على مظهرهم و أشكال بعضهم المصطنعة.. فمعظم الجمال هنا زائفًا.. لا يمكن أن يكون طبيعيًا ..
انطلقت مجموعة من الصيّحات بمجرد ظهور العروس برفقة أبيها ..
شعرت “مايا” بالقلق يزحف إلى معدتها.. قبل أن حتى أن تستقر عيناها عليه.. من بين الحشد الكبير ..
سهل على “نبيل الألفي” أن يشق طريقه بسلاسةٍ من بينهم.. نحوها ..
كان يبدو كعريسٍ حقيقي.. وسيم و متألقًا في بذلةٍ بيضاء ناصعة كالثلج.. لم يكسر لونها قليلًا سوى ربطة عنقه السوداء.. و تلك الزهرة القرمزية المعلّقة على جيب سترته ..
انتزعها “نبيل”.. ليمد يده بها صوب خطيبته مقدمًا لها إيّاها.. إلا إنها لم تتكبّد عناء تلقّيها منه.. فابتسم “نبيل” بتلك الطريقة التي تؤذي مشاعرها.. و علّق الزهرة وراء أذنها ..
طلب الاذن من أبيها.. فتنحى “حسين عزام” جانبًا على الفور ليستلمها “نبيل” عنه ..
أمسك بيدها مستشعرًا نبضات قلبها المتسارعة.. و جعلها تتأبط ذراعه قسرًا عنها و هو يقول مبديًا إعجابه بفستانها الفضّي الجميل.. و شعرها الطويل المنسدل ببراعةٍ على طول ظهرها :
-الفستان تحفة عليكي.. ماتخيّلتش إنك هاتحليه للدرجة دي.. شعرك كمان.. تسريحته حلوة أوي.
لم ترد عليها و بقيت تعابيرها جامدة.. لكنه لم يهتم لعدائيتها المبطنة.. طالما إنهما وصلا إلى هذه المرحلة.. و قد ضمنها في قبضته أخيرًا ..
يصل “مالك عزام” في هذه اللحظة.. بينما يمضي “نبيل الألفي” بعروسه صوب ساحة عقد القران.. متلقّيًا عن كليهما التهنئات من شركاء العمل تارة.. و بعض الأصدقاء و الضيوف تارةً أخرى ..
تم العقد خلال نصف ساعةٍ تقريبًا.. و توافد المقرّبين نحو العريس بأحر التهاني.. ليُفاجأ بقدوم ابنة أخته الراحلة أمامه ..
-هـالة !! .. هتف “نبيل” غير مصدقًا
استقرت “هالة البحيري” بين أحضان خالها “نبيل الألفي” دامعة العينين ..
ضمّها “نبيل” بشدة متمتمًا :
-ماصدقتش لما قولتيلي جاية.. افتكرتك بتجامليني.
هالة بصوتٍ يخالجه بكاء طفيف :
-وحشتني أوي.. ألف مبروك يا بيلي
أخيرًا شوفتك عريس !
و لم تتحكم بضحكتها تأثرًا بالدعابة.. فضحك معها “نبيل” ..
كل هذا على مرآى و مسمع من “مايا” التي وقفت ورائهما.. تحدق في المشهد الحميمي باضطرابٍ.. و تحس كأنما الكل هنا يصوّب نظراته عليها ..
انتظرت حتى تباعدا.. و عاد إليها “نبيل” بوجهٍ مشرق.. ليلاحظ هزال عينيها ..
فتتلاشى ابتسامته فورًا و هو يسألها ممسكًا بيدها :
-مالك ؟
لم تجيبه بكلمة.. و رغمًا عنها سرحت نظراتها تجاه “هالة” التي سارت نحو إحدى الطاولات مع فتاة يافعة لا تقل عن رفيقتها جمالًا و فتنةً ..
تبع “نبيل” نظراتها.. فأدرك على الفور علّتها.. عاود النظر إليها و قال مواريًا نبرة الخبث بصوته :
-آه.. انتي فهمتي غلط.. دي هالة رفعت البحيري
بنت أختي رضوى الله يرحمها.
صفعها الإدراك من الداخل.. لكنها ظاهريًا اكتسبت مظهرًا ساخرًا و هي تنظر إليه باستخفافٍ.. قبل أن تشيح بعينيها عنه ..
ابتسم “نبيل” لتصرفاتها الطفولية.. و رفع يده مشيرًا لمنسّق الموسيقى الذي أبقى ناظريه على العريس كما أتفقا ..
و في الحال.. صدحت موسيقى لغنوة بيطئة مميزة.. و أرتعدت “مايا” حين قبضت أصابع “نبيل” على رسغها ..
تطلّعت إليه بنظراتٍ حانقة.. ليقابلها بنظراتٍ باردة و هو يقول :
-تعالي يا حياتي.. الـFirst Dance.. بتاعتنا !
**
بعد انتهاء الرقصة الأولى التي افتتحها العروسين و أدياها بحميميةٍ جديرة لإثارة المشاعر ..
بدأت الأغاني الرائجة في الانتشار عبر جنابات القاعة المفتوحة.. كلٌ يستمتع بوقته.. و انشغل قسمًا من الرجال ببعضهم يتداولون أحاديث العمل.. و كذلك قسمًا من النساء يطرحن أخبار المجمتع الراقي و أخر الأحداث المثيرة ..
و بين هذا و ذاك ..
كان “مالك عزام” يقف وحيدًا.. غير مرئيًا.. وراء والده.. لا يستطع الإشاحة بعينيه عن كتلة الجمال هذه.. فتاة.. جمعت بين الفتنة و البراءة ..
تبدو صغيرة للغاية.. لكنها جميلة جدًا.. تبدو كاللعبة.. كالدمية متقنة المعايير الجمالية لشدة مثاليتها ..
شعر عسلي مجعّدٌ بنعومةٍ و لمعانٍ.. بشرة حليبية.. عينيان متسعتيّ البؤبؤين خضراوين اللون.. و ملامح دقيقة للغاية ..
هذه الفتاة حتمًا تذكره بزوجة ابن خاله.. فهو أبدًا لا ينسى أجمل فتاة رآها بحياته.. كانت “سلاف البارودي”.. زوجة “أدهم عمران” التي لاذت بأحضان عمتها بعد وفاة أبيها ..
لينتهي بها الأمر كنّةً و زوجة لابنها ..
كانت شديدة الفتنة.. هو يتذكرها جيدًا رغم إنها منتقبة الآن.. لكنه لا يمكن أن ينساها.. كان جمالها غير عادي.. مثل تلك التي ينظر إليها الآن …
-واقف لوحدك ليه يابني ؟
أخرجه من شروده صوت أبيه ..
تطلّع “مالك” نحو “حسين” قائلًا :
-قلت حاجة يا بابا !
أعتذر “حسين” من محدثه الآخر و استدار قليلًا صوب ابنه :
-تعالى أعرفك على الشيخ حميد القصيمي.. ده أهم شريك ليا هنا.. و كمان جوز بنته راجل مهم في الدولة ..
لم يكن “مالك” منتبهًا لحديث أبيه.. فوبخه “حسين” منزعجًا :
-بتبص على إيه يابني.. ركز معايا أنا هاسيب لك الشغل كله في رقبتك الفترة الجاية
عايزك تبقى أد المسؤلية.
-مين دي ؟ .. تساءل “مالك” بغتةً و قد عجز عن الصمت أكثر
نظر “حسين” حيث أشار له ابنه.. تمكن من تحديد النقطة بسهولةٍ لتميّزها.. و جاوبه بهدوء :
-دي ملك حفظي.. أخت مرات عثمان البحيري.. بس محدش متأكد !
عبس “مالك” :
-يعني إيه !؟
تنهد “حسين” و شرح أكثر :
-عثمان طلّق مراته الأولى جيجي الحداد ليلة فرحهم. ماكنش حد عارف السبب بالظبط و الحكايات كانت كتيرة. كانت فضيحة ساعتها. بعد كام شهر صحينا على خبر جوازه من بنت ماتساواش قرش زي ما بيقولوا إلا إنها حلوة. خدها من البيئة الفقيرة إللي كانت فيها و عملها هانم و خلّف منها ولاده الاتنين. بس ملك.. في إشاعة طلعت إنه كان متجوز سمر مراته عرفي و من قبل ما يخطب جيجي و حملت منه و خلّفت ملك. عشان كده طلّق جيجي و اتجوز سمر.. و بصراحة أنا مصدق الإشاعة دي !!
ارتفع حاجبيّ “مالك” و هو يواصل النظر إلى الفتاة.. أثارت القصة اهتمامه إلى حدٍ كبير.. و جرى السؤال على لسانه تاليًا :
-عيلة البحيري دي بتاعة الإسكندرية صح ؟
نبيل مناسب منهم !
-أخت نبيل الله يرحمها كانت متجوزة رفعت البحيري.. رفعت عم عثمان.. إللي قاعدة جنب ملك دي تبقى هالة بنت رفعت.. و نبيل يبقى خالها.
أومأ “مالك” برأسه مستوعبًا الحكاية أكثر الآن ..
إلا إن اهتمامه أدهش “حسين”.. و سأله مباشرةً :
-انت بتسأل و مهتم أوي بالبنت دي ليه ؟
نظر له “مالك” في هذه اللحظة.. أظهر له مزيدًا من الانتباه و رد ببساطةٍ :
-أبدًا.. شكلها مُلفت بس.
صمت “حسين” لهنيهةٍ.. و قال بلهجةٍ ذات مغزى :
-آه فعلًا.. شكلها يمكن أكبر من سنها.. بس كل إللي هنا عارفينها و عارفين أد إيه هي صغيرة.. ملك كانت طول عمرها ضل عثمان البحيري.. وماكنش بيفارقها في أي مناسبة.. مش فاهم إزاي جت هنا لوحدها !!
و ترك حديثه مع ابنه عالقًا.. ليعود ملبيًا نداء شركاؤه إلى حديثٍ آخر ..
أما “مالك”.. فأحس بدفقاتٍ من الأدرينالين تسري بعروقه مع الدماء ..
لقد راودته أفكار جنونية في هذه اللحظة !!!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كرسي لا يتسع لسلطانك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى