رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم مريم غريب
رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الجزء الثالث والعشرون
رواية كرسي لا يتسع لسلطانك البارت الثالث والعشرون
رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الحلقة الثالثة والعشرون
الفصل الثالث و العشرون _ إلا هي _ :
قبل خمس سنوات ..
كان من السهل كثيرًا في بعض الأحيان أن تنسى “شمس البحيري” أنها تتسكّع برفقة صديق أخيها المقرّب.. كم لها تواعده منذ تلك الليلة في الفندق ؟
لقد عرض عليها “رامز الأمير” أن تبقى معه شهرًا.. فإذا بها تقضي معه ثلاثة أشهرٍ كاملة.. ثلاثة أشهر من الشغف.. الإثارة.. و الغراميات المتأججة ..
مكثا بالإسكندرية بضعة أسابيع.. ثم أقنعها “رامز” بالسفر معه إلى القاهرة لعلّة عمله.. أقامت بفندق شهير.. و كانا يلتقيان يوميًا منذ بكرة الصباح و لا يفترقا إلا بعد منتصف الليل ..
و اليوم.. وعدها بأن يأخذها إلى مكانٍ خاص.. لم ترى مثله بالبلد قط ..
كان الحماس يملؤها حقًا.. و تأنقت لأجله كالعادة.. فما إن رآها حتى خلبت لبّه مجددًا و هو يتفحصها بنظراته الجائعة لجمالها الفريد ..
فتاته.. بل امرأته المستقبلية لها ذوق متحرر قليلًا سواء في اختيار أزيائها و أسلوب حياتها أيضًا ..
أمام باحة الفندق هلالية التصميم.. كان “رامز الأمير” يقف مستندًا إلى مقدمة سيارته.. أسفل سماء النهار الصيفي المعتدل ..
تظهر “شمس البحيري” فجأةً فتصطادها عيناه فورًا.. ينتزع نظّارته الشمسية و هو يمسحها ببصره في بطءٍ من رأسها لأخمص قدميها ..
الجنيّة الصغيرة ..
سوف تجلب لنفسها وابلًا من عبارات التوبيخ لتعمّدها الظهور هكذا.. في كنزة زرقاء بلا أكمام احتضنت جزعها المنحوت.. و سروال جينز كان بمثابة جلد آخر فوق جلدها أبرز شكل ردفيها و منحنيات ساقيها بوضوحٍ.. و بالطبع لا يمكنها السير على نعلٍ مسطّح أبدًا.. فدائمًا ما يكون الحذاء عالي الكعبين هو اختيارها لتثبت أنوثتها حتى في طريقة سيرها المتمايلة يمنة و يسرة ..
الشيطانة.. إن كان للغواية مرادف.. فهي حتمًا “شمس” ..
إن أسمها فقط يُشكّل غواية بمجرد نطقه …
-شمس ! .. قال “رامز” اسمها بهدوءٍ فور وصولها أمامه
ابتسمت له “شمس” متمتمة :
-حبيبي.
-انتي نهـارك أسـود إنهـاردة !!
أجفلت منتفضة بفزعٍ لعلو صوته المفاجئ.. و اضطربت بشدة و هي تعاتبه :
-رامز.. انت بتزعق في وشي جامد !
رامز بغضبٍ شديد :
-احمدي ربنا إن مافيش حد حوالينا يبحلق فيكي و انتي بالمنظر ده.. كنت طرّمت لك سنانك.. إللي فرحانة بيها دي.. إيه يا هانم الهدوم العريانة دي ؟
أنا مش قلت اللبس ده ماشوفوش عليكي تاني !؟؟
بررت “شمس” في الحال و هي تهدئه :
-طيب اهدى شوية و اسمعني.. أنا مش بلبس كده غير و أنا معاك
لما بخرج لوحدي لبسي بيكون مقفول و واسع.
رامز بخشونة : شمـس.. أنا معاكي.. مش معاكي لبسك طول الوقت يبقى مقفول و واسع
انتي تنسي جو لندن ده خالص.. خلاص من وقت ما ظهرت في حياتك بقى في نمط تاني هاتمشي طول عمرك.. انتي فاهمة ؟؟
أومأت له بالإيجاب قائلة :
-حاضر.. أوعدك مش هالبس كده تاني !
-لأ يا ماما مش هاتهبطيني بالوعود.. امشي أطلعي غيّري المسخرة دي
خمس دقايق و ألاقيكي قدامي.. و حسّك عينك ألمح فتحة صدر كده و لا حاجة قصيرة.. هانكّد عليكي يا شمس.
لم ترد له كلمة و انصرفت من أمامه دون أن تنبس ببنت شفة ..
عادت بعد بضعة دقائق مرتدية ثوب زيتوني طويل من قماش الكريب التركي.. بأكمام قصيرة مفتوحة.. واسع للغاية يتوّسطه حزام عريض من قشّ الكتّان.. و حقيبة يد من نفس النسيج ..
شملها “رامز” بنظرة راضية.. فتح لها باب السيارة و دعاها لتركب.. ثم استدار ليتخذ مكانه خلف المقود …
-هاتفضلي قالبة وشك ؟
لم تلتفت إلى سؤاله و لم تلقي عليه نظرةً واحدة منذ أقلعا من الفندق ..
تنهد “رامز” ناظرًا إلى الطرق ثانيةً.. و قال بهدوء يسترضيها :
-أنا آسف عشان زعقت في وشك.. بس مش آسف على غيرتي عليكي يا شمس
و مقدرش أوعدك إني مش هانفعل و لا أبهدل الدنيا لما يحصل تاني و تستفزيني زي ما عملتي.
و هنا أدارت “شمس” رأسها لتنظر إليه و تقول :
-انت كده مش بتغير يا رامز.. انت كده بتخوّفني
المعاملة الحادة دي أنا مقدرش أستحملها كتير.. ده بابي نفسه عمره ما زعق لي مرة واحدة !
رد عليها مبتسمًا بسخرية :
-الله يرحمه.. يمكن موته بدري ده إللي مصبرني عليكي لحد دلوقتي و مخلّيني مسايسك بالشكل ده.
عقدت حاجبيها معقّبة :
-مش فاهمة تقصد إيه !؟
حانت منه نظرة نحوها و هو يقول :
-انتي تربية واحدة ست يا شمس.. و وحيدة
مافيش راجل في حياتك يعلّمك و يرشدك صح.. بس خلاص بقى.. أنا جيت.
نظرت إليه “شمس” مليًّا.. تمعنت بحزنٍ جمّ بكلماته.. إنها فعلًا قد حرمت من أبيها في سنٍ مبكرة.. و لها أخًا ..
لكنها حرمت منه أيضًا بأمرٍ من “يحيى البحيري” والدها الراحل ..
و أجل هو محق.. إنها لم تشعر قطّ بالحماية و الاحتواء إلا حين ظهوره بحياتها.. لقد شغف قلبها أمنًا و غرامًا.. و هي بالفعل على وشك الوقوع تمامًا بعشقه ..
هذا الرجل.. “رامز الأمير”.. هو فارس أحلامها.. من دون كل الرجال.. تختاره هو ..
-سرحتي في مين !؟؟
صحّاها صوته ذي النبرة الغيّورة ..
نظرت إليه منتبهة.. ثم سألته مباشرةً :
-احنا رايحين فين صحيح ؟
رأت ابتسامته الجانبية تنمو على ثغره و هو يقول :
-بصي حواليكي.
إنصاعت لكلمته و نظرت حولها عبر زجاج السيارة.. لتجد شيء مذهل ..
واحة في قلب الصحراء ..
طريق مرصوف بالأسفلت.. يحدّه من الجانبين نخيلٍ و أشجار.. و من حوله الرمال الذهبية مترامية على مدّ الأبصار ..
عاودت “شمس” النظر نحو “رامز” من جديد و قالت مبهورة الأنفاس :
-ايه المكان ده يا رامز ؟
جاوبها “رامز” بعد لحظاتٍ حين انعطف بغتةٍ إلى ممر جانبي :
-سقّارة يا روحي.. أهلًا بيكي في مزرعة الأمير !
دقيقة واحدة.. و استقرت السيارة أمام مبنى من طابقٍ واحد.. عبارة بيت حجري كبير المساحة.. تطوّقه أرض واسعة انقسمت لقسمين.. قسم به حديقة جمعت أجمل و أزكى أنواع الزهور و الأشجار.. و قسم آخر فقط للفروسية.. أكشاك للخيول و حقول خاصة محجّزة …
-إيه رأيك ؟ .. سألها و هي تترجل من من سيارته متمسّكة بيده
كانت تجول بناظريها مستكشفة المكان الغني بالطبيعة.. مصريّ صِرف.. من موضعها تلمح هرم “سقّارة” حقًا يلوح من البعيد ..
إلتفتت “شمس” بجسدها كليًا صوب “رامز”.. لتصير محاصرة بينه و بين باب السيارة.. ثم سألته بخفوتٍ و صوتها الهادئ لا يخفي إنبهارها :
-المكان ده بتاعك يا رامز ؟
أسند “رامز” كفّيه على جانبيّ رأسها.. و دنى بوجهه من وجهها مدمدمًا :
-كان بتاعي.. دلوقتي مزرعة الأمير.. و الأمير نفسه
ملكك انتي لوحدك يا شمس.
-لأ بجد.. انت طلعت غني يا رامز ؟؟
أرجع “رامز” رأسه للوراء مقهقهًا.. نظر لها من جديد و قال :
-يعني تقدري تقولي كده يا شمس.. أنا كمان وحيد أبويا و أمي الله يرحمهم
بعد ما ماتوا سوا في الحادثة إللي حكت لك عنها.. ورثتهم الاتنين.. المزرعة دي كانت ملك لأبويا.. و البيت و شوية مجوهرات و مدخرات ورثتهم عن أمي.. تحبي تعرفي إيه تاني عني ؟
هزت رأسها مجفلة :
-مش قصدي حاجة.. انت بس إللي كنت غامض شوية
و بتحكيلي قصة حياتك بالعافية !
ابتسم لها رامقًا محيّاها و جسدها باشتهاءٍ و ردد :
-حياتي قبلك مالهاش أي معنى يا شمس.. أنا بعتبر نفسي اتولدت من جديد أول ما شوفتك
مايهمكيش الماضي بتاعي.. إللي جاي بتاعنا.. و انتي بتاعتي أنا ..
و بدون سابق إنذارٍ.. حتى رأسه بلحظةٍ آخذًا شفتيها بين شفتيه في قبلة عميقة.. جائعة.. من هولها لم تستطع “شمس” حراكًا ..
فهذه حقيقةً القبلة الأولى لهما.. الأولى لها مطلقًا ..
ارتعشت و هي تحسّ بساعديه يطوّقانها الآن.. و يشددّ عليها ملصقًا إيّاها به دون أن يتوقف عن تقبيلها بشدة متمعنًا و متلذذًا بمذاقها العذب و الحلو في آنٍ ..
حاولت “شمس”.. حاولت كثيرًا أن تبعده.. أو تبتعد عنه على الأقل.. لكنه كان يمتلك سلطة أشدّ بطشًا منها على جسدها.. بل كيانها برمّته ..
فلم تتحرر من سطوته إلا عندما أراد هو ..
أعتقها أخيرًا بعد أن بعثرتها قبلته على الأخير …
-بحبك يا شمس ! .. همس “رامز” مضطرب الأنفاس فوق شفتيها المتوّرمتين
تشبثت الأخيرة بتلابيب قميصه السماوي محاولة تنظيم أنفاسها المختلجة بعد أن سرقها كلها في جوفه.. رفعت وجهها متطلعة إليه.. تود أن تلومه على ما فعله ..
لكنها لا تقدر.. فقد شعرت بشيء لا يمكنها وصفه.. و قد ازداد انتمائها إليه أكثر …
-رامز ! .. غمغمت بأسمه بلا هدفٍ
فباغتها : تتجوزيني ؟
حدقت فيه مأخوذة بالكلمة لبرهةٍ.. ثم ابتسمت فجأة.. و تحولت الابتسامة لضحكة متقطعة و هي تقول :
-رامز.. انت فاجئتني !!
رد بسرعة و هو يحتضن وجهها بين كفّيه :
-أنا بحبك.. و عايزك.. أقدر أخدك منغير جواز ؟؟
أجابته في الحال بحدة :
-لأ طبعًا.. أنا قلت إني وعدت مامي عمري ما هاعمل علاقة برا الجواز.
-خلاص يبقى نتجوز.. و حالًا.
-حالًا إزاي يا رامز ؟
و مامي.. أجيبها منين حالًا ؟
لازم مامي تكون معايا.
رامز بصرامة : أنا عايزك تباتي في حضني الليلة دي.. مش هاسيبك تبعدي عني الليلة دي يا شمس.. بجواز أو منغيره انتي فاهمة !؟
رأى تعبيرها ينقلب مذعورًا.. فطمأنها مبادرًا قبلها :
-مش قصدي إللي فهمتيه.. أنا مش هاغتصبك أكيد
و لا عايز منك أي حاجة.
ارتسمت الحيرة على ملامحها و سألته :
-مش فاهمة.. يعني انت عايز إيه بالظبط !؟
-تعالى معايا ..
و شبك يده في يدها ساحبًا إيّاها ورائه صوب البيت ..
فتح الباب بمفتاحه الخاص.. و أخذها رأسًا إلى الجناح الرئيسي.. و هو ما كان مؤلفًا من غرفة نومٍ كبيرة و صالون أثري الطراز.. كل شيء هنا مترف.. الفرش السندسي و السجاد الإيراني الثمين ..
أجلسها “رامز” فوق أحد المقاعد و ذهب أمام عينيها نحو الخزانة.. عبث بها للحظات.. ثم عاد حاملًا مجلّد كبير و قلم ..
جلس بجوارها و قرّب الطاولة منهما.. و على مرآى منها فتح المجلد و باعد بين ورقتين قائلًا :
-أنا و انتي هانمضي على العقدين دول.. و كل واحد فينا هايكون معاه نسخة.
شمس بتساؤل : إيه العقود دي ؟
نظر لها مفصحًا :
-دي عقود جواز.. عرفي.
لم تفهم ما عناه فتساءلت من جديد :
-يعني إيه جواز عرفي !؟
تنهد “رامز” و شرح لها بصبرٍ :
-الجواز العرفي زيه زي الجواز المدني بالظبط.. يعني مش محتاجين مأذون يكتب الكتاب عشان نتجوز.. بمجرد ما نمضي العقدين دول ممكن نوثّق جوازنا في المحكمة و يكون جواز رسمي 100%.. و على فكرة في اتنين شهود ماضيين هنا أهو.. مش ناقص غير توقيعي أنا و انتي.
-طيب و ليه ؟
ليه يا رامز نعمل كده لما ممكن نستنى لحد ما نتكب الكتاب في وجود مامي !؟
تحلّى “رامز” بمزيدًا من الصبر و رد عليها بهدوء :
-يا حبيبتي انتي بنفسك قولتي مامتك مش هاتقدر تنزل مصر إلا على أخر السنة.. و ده لسا بعيد جدًا.. أنا مش هاستحمل تكوني بعيدة عني المدة دي كلها.. و مش كل ما أقولك تعالي في حضني مثلًا تقوليلي عيب و الكلام ده.. أنا عايزك تبقي ملكي.. في أي وقت.. في أي لحظة.
رمقته بترددٍ و هي تعض على شفتها.. و قالت :
-أنا حاسة إن دي حاجة غلط يا رامز.. و بعدين انت وعدتني إنك هاتنفذلي كل شروطي من أول يوم.. و أنا شرطي الأساسي ان مافيش أي علاقة هاتحصل بيني و بينك غير بعد الجواز.. قصدي يعني كتب الكتاب و في وجود مامي !
-تمام يا حبيبتي.. و أنا عند وعدي ليكي.. مش هالمسك يا شمس أطمني
الحكاية كلها بس إني عايز أطمن.. و عايز أحس إنك بتاعتي و إنك هاتفضلي جنبي علطول.. لو مش واثقة فيا كفاية ماتمضيش على الورق ..
و أكفهرّ وجهه فأحسّت إنها لو رفضت فمن الممكن أن تخسره.. أو أن يقلّ حبه لها تدريجيًا حتى يتلاشى نهائيًا ..
و هذا أخر شيء تريده ..
بل إن هذا لو حدث فستموت حقًا.. لن تتحمل فكرة ابتعاده عنها أو أن يتخلّى عنها ..
رأته يسحب الورقة من أمامها.. فخفق قلبها وجلًا.. لتسارع مجتذبة منه الورقة معيدة إيّاها إلى مكانها.. أخذت القلم من يده.. ثم وقّعت بأسمها الثلاثي أمام عينيه المترقبتين ..
دفع لها بالورقة الأخرى.. وقّعتها بدون تردد.. ثم تركت القلم من يدها مسندة ظهرها إلى ظهر المقعد الوثير ..
راقبته و هو يطوي ورقتها و يضعها بحقيبتها.. ثم يطوي نسخته و يقوم آخذًا إيّاها إلى الخزانة خاصته ..
عاد إليها مسرعًا.. أمسك برسغيها و شدّها لتقف قبالته.. ضمّها إلى صدره بشدة.. اعتصرها بداخل أحضانه هامسًا بتوقٍ شديد :
-مبروك يا حبيبتي.. بقيتي ليا
قطعنا نص الطريق يا شمس !
**
ظنّت “هالة” إن العالم أجمع قد توقف.. و الكرة الأرضية كفّت عن الدوران ..
إذ لم يبدو على “فادي” بأنه سيأتي بأيّ حركة لقرابة الدقيقتين.. ظل يحدق فيها فقط بعد أن بلّغته بخبر زفاف خالها الوشيك.. و بقرارها أيضًا بأنها سوف تحضر ..
لقد قررت.. فلماذا تسأله إذن !؟
-المطلوب مني إيه بعد ما قررتي ؟
أخيرًا تحدث ..
سحبت “هالة” نفسًا عميقًا و أتقّت قدر استطاعتها الغضب الكامن بنظراته رغم إدعائه الهدوء :
-أنا عارفة إنك واخد منه موقف.. بس ده خالي يا فادي.. و انت أجبرتني أقاطعه سنين طويلة.. كفاية كده أرجوك.
فادي بتهكم : لأ و انتي شهادة لله احترمتي إرادة جوزك أوي
واضح إنك ماكنتيش بتتواصلي معاه.. العصفورة قالت لك على معاد الفرح.. و لا لأ عشان ماظلمكيش.. أكيد عرفتي من الأخبار صح ؟
هالة بضيق : فادي من فضلك.. أنا مش بطلب منك تتقبّله في حياتنا
و لا حتى تشوفه أو تسمع عنه.. كل إللي بطلبه منك ماتصممش على رأيك و تمنعني عنه
سيبني أشوفه و أكلمه براحتي.. ده خالي.. نبيل الألفي خالي شقيق أمي الله يرحمها.
ضرب “فادي” الطاولة بقبضته السليمة بعنفٍ مجفلًا إيّاها و صاح :
-و هو نفسه إللي حاول يغتصب أختي.. شقيقتي !!!
ساد الصمت طويلًا هذه المرة.. قطعته “هالة” بهدوء مصمم :
-أنا هاحضر فرح خالي يا فادي.. مهما كان قرارك !
حدق فيها بصمتٍ و لم يعقّب ..
قام واقفًا فجأة.. جمع أدواته و حاسوبه في حقيبته الخاصة.. ثم ذهب من أمامها دون إضافة كلمةً ..
راقبته “هالة” حتى اختفى بالردهة الداخلية.. تشعر بالصدمة و الجزع ..
لكنها تمسّكت بقرارها ..
مهما كان حجم خسارتها أمام هذا القرار.. سوف تذهب إلى خالها.. لا مزيد من التحدث إليه أو إلتقائه خفية بعد الآن …
**
بمجرد أن تركها لم تصدق نفسها ..
إنها كانت تعيش كابوسًا لم تتخيّل وقوعه عليها.. ثلاث ساعاتٍ من الانتهاك لحرمها المنزّه.. ثلاث ساعاتٍ من العذاب النفسي قبل الجسدي ..
كانت على وشك أن تفقد الوعي.. لو لا أن كفّ عنها أخيرًا و نهض متجهًا إلى الحمام الملحق بالجناح ..
أرادت أن تقاوم ثقل جسدها.. قبل أن يعود في أيّ لحظة.. يتعيّن ان تقوم الآن و تهرب من قبضته ..
هل أتى هذا اليوم فعلًا ؟
هل تخاف “صالح البحيري” ؟
هل تخافه ؟ .. زوجها و حبيبها.. والد طفلتها !!!
بأعجوبة.. تمكنت “صفيّة البحيري” من مغادرة السرير.. لافة جسدها في روب إلتقطته من حقيبة سفرها ..
تعثّرت و هي تقطع منتصف الجناح و وقعت بالفعل.. متأوهة.. منتحبة بمرارة.. لم يعد بها جهد.. كأنما قضى “صالح” على قواها و حطّمها تحطيمًا ..
عاندت “صفيّة” التعب الكاسح و قامت متكئة على الأثاث.. وصولًا إلى باب الجناح ..
مدت يدها إلى المقبض لتفتحه.. لم يفتح !
حاولت مرةً.. إثنان.. ثم اكتشفت بأنه موصد بالمفتاح ..
اللعنة !!
أين هو المفتاح ؟
أين هو ؟؟؟
-على فين يا روحي ؟
فزعت “صفيّة” لسماع صوته بالبادئ ..
لكنها سرعان ما تجاسرت.. بل استعادت قوة شخصيتها التي ضيّعتها صدمتها فيه و في كل من حولها ..
تمالكت رباطة جأشها و استدارت نحوه.. كان يقف على مقربة منها.. في روب الاستحمام و الماء يقطر من شعره الغزير ..
ابتسم لها قائلًا بلهجته القاسية :
-عاوزة تخرجي ؟
للأسف مش مسموح لك.. مش هاتخرجي من هنا إلا لما أنا أقرر إنك تخرجي
أنا لسا ماشبعتش من مراتي حبيبتي.
ترد “صفيّة” بصوتها القوي الجاف :
-صالح.. أنا لأخر مرة بقولك
إللي بتعمله ده نتايجه هاتكون كارثة.. أنا مش هاسمح لك تتمادى معايا أكتر من كده.. فوق و ماتنساش أنا مين !!
رمى “صالح” المنشفة الصغيرة من يده.. و أقبل عليها كعاصفةٍ.. استند بيدٍ واحدة إلى الباب من خلفها و قال بصوتٍ كالهسيس :
-أنا مش ناسي طبعًا.. انتي صفيّة البحيري.. بنت عمي و مراتي.. و ام بنتي
بس شكلك انتي إللي نسيتي أنا مين.. عشان كده و لحد ما تتعدلي هافضل افكرك بنفسي.. و الكارثة دي هاتحصل كده كده يا صفيّة.. لأني مش هاعدي كلامك على خيرو حلفت لتندمي.
لهثت “صفيّة” من شدة التعب المُلم بها.. لكنها هتفت بوجهه محتدة :
-انت إللي هاتندم يا صالح.. مابقاش في رصيدك عندي كتير
لو صممت على عمايلك دي صدقني.. مهما عملت بعدين.. مش هاتصعب عليا.. مش هاتصعب عليا حتى بنتنا !!
كزّ على أسنانه مغمغمًا بغضبٍ محتدم :
-انتي لسا ليكي عين تهدديني ؟
انتي ناوية على خراب البيت ده كله يا صفيّة.. ماتراهنيش على صبري عشان أنا على شعرة ..
صفيّة بعصبية مباغتة :
-هاتعمل إيه أكتر من إللي عملته ؟
انت حيوان يا صالح.. سامعني ؟
زيك زي أبوك و أبويا.. كلكوا عيّنة واحدة و أنا بكرهك.. بكرهكوا كلكــوووا …
صارت الدماء بعروقه بدرجة الغليان.. و تضرج وجهه بالحمرة الشديدة و هو يقول مرتجفًا من قمة الغضب :
-خلاص اختارتي يا صفيّة.. و مش هاتخلّيني أندم لحظة على إللي هاعمله فيكي !!!!
صرخت بالرفض ما إن أحكم قبضته عليها و أحاط خصرها …
-أنا مابقتش طايقاك.. مش عايزاااك
لو لسا عندك ذرة كرامة طلّقني.. طلّقني يا صالح !!!
كان يسحبها الآن صوب السرير و هو يقول بلهجةٍ قاتمة :
-أنا هاخلّيكي ماتطيقنيش أكتر.. أنا هاخليكي تكرهيني أكتر و أكتر يا صافي ..
طرحها هناك فوق الفراش المبعثر.. و إلتقط حزامه من فوق الأرض عائدًا إليها بسرعة قبل أن تفر من جديد.. ساعدته قوتها الواهية على إدراكها باللحظة المناسبة ..
أخذ معصميها فوق رأسها بينما كانت تصرخ.. قيّدها بحزامه إلى عارضة السرير الخشبية.. ثم انحنى قابضًا على فكها بقسوة و هو يردد متوّعدًا بكلماته و نظراته الانتقامية :
-هاسيبك زي ما طلبتي.. هاسيبك يا صافي.. بس مش قبل ما أحوّلك لأبهت نسخة منك.. و أمحي فيكي كل لمحة حبيتها في يوم من الأيام.. أوعدك.. حتى إللي انتي عايزة تسبيني عشانه.. بمجرد ما أرميكي من إيدي.. مش هايبص لك !
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كرسي لا يتسع لسلطانك)