روايات

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم مريم غريب

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم مريم غريب

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الجزء التاسع والعشرون

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك البارت التاسع والعشرون

كرسي لا يتسع لسلطانك
كرسي لا يتسع لسلطانك

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الحلقة التاسعة والعشرون

الفصل التاسع و العشرون _ اغضب _ :
كانت ما تزال ترتعش و هي داخل سيارته.. الرجل الذي يقود بجوارها هو الآن زوجها مع الأسف.. و قد مضى على إنقضاء سهرة العرس و رحيلهما إلى منزله الخاص ما يقارب النصف ساعةٍ ..
لم يسبق لـ”مايا عزام” أن شعرت بكل هذا الخوف.. و لا حتى في الليلة التي تم بها اعتداؤه عليها..
خوفها الآن منبعه إدراكها بأنها صارت ملكًا له.. ربما قبل سويعاتٍ لم يعدو الأمر معها إلا محض تحدٍ.. لكنه الآن.. شديد الجديّة.. ماذا ستفعل ؟
إنه مثل وحشٍ كاسر.. لقد جرّبت مواجهته من قبل فعلًا.. فماذا حدث لها !
لقد أخذها عنوةً.. و كم أحسّت حينها بالإذلال و الحطّ من كبريائها.. بالسنبة لرجلٍ يعرف بأنه ليس الأول بحياتها.. أباح لنفسه انتهاكها بأكثر الطرق عنفٍ و همجية.. ثم فوجئ بأنه الأول حقًا ..
لعل ندمه كان لحظيًا.. لكنه ما لبث أن عاد متجبرًا.. سافلٌ و حقير ..
ماذا ينوي لها يا ترى ما إن يُغلق عليهما بابٌ واحد !؟
الشيء الوحيد الذي تثق منه.. إنه لو استخدم قوته الجسدية عليها.. فلن تستطع صدّه أو ردعه أبدًا.. حتى لو حاولت …
-وصلنا !
رف قلبها بقوةٍ عندما أعلن وصولهما.. و مدت عنقها قليلًا نحو النافذة الجانبة لها.. لترى بنايةٍ شاهقة الارتفاع.. من الطراز الرفيع.. حتمًا لا يسكنها إلا عُلية القوم و ذوي الثراء الفاحش ..
ارتعدت “مايا” داخليًا عندما وجدته يقف أمامها فجأة.. لم تشعر به يترجل من السيارة.. و أجفلت رغمًا عنها لما اجتذب مقبض بابها و دعاها للنزول مادًا لها يده :
-يلا.. انزلي
هاتي إيدك !
كزّت “مايا” على أسنانها بحنقٍ بائنٍ.. و طبعًا لم تذعن لأوامره.. إنما ترجلت فقط دون أن تودع يدها براحته الممدودة ..
ابتسم “نبيل الألفي” بإلتواءٍ و لا زال راسخًا بمكانه حتى و هي تمر بمحاذاته.. أغلق باب السيارة و أوصدها بضغطة زر على مفتاحه الالكتروني.. ثم استدار و سار خلفها على مهلٍ صوب بوابة البناية الواسعة ..
كانت تمسك بحاشية ثوبها الكبير و تمشي بصعوبةٍ بسبب الثقل الذي يحمله جسدها.. شعرت بخطواته خلفها حتى وصلت أمام المصعد الكهربي.. لم يستوقفها أفراد الأمن أثناء دخولها.. بالطبع.. فهي جاءت برفقة أحد قاطني البناية.. و لا بد أنهم عرفوا الآن بأيّ صفة ترافقه امرأة مثلها إلى محل إقامته ..
وصل “نبيل” إليها الآن.. استدعى المصعد الذي جاء في غضون لحظاتٍ.. استقلّا و قد مرّرها أمامه أولًا.. و ها هما ..
شقتّه الخاصة التي تشغل طابقًا كاملًا.. فتح الباب و دعاها لتلج بلباقةٍ.. تقدّمت “مايا” للداخل مجيلة بصرها أرجاء المكان الفسيح ..
كما توقعت.. إنها شقة فاخرة.. مفروشة على الطراز العصري.. أثاث أنيق.. و مفروشات و تحفٍ ثمينة ..
بدت الشقة و كأنها تعرّضت لحملة تنظيف للتو.. فالرائحة زكية للغاية من حولها.. و الأرض لامعة.. كل شيء مثالي و في مكانه الصحيح ..
انتفضت فور أن سمعت صوت إغلاق الباب و إلتفتت.. لتراه مثبتًا ناظريه عليها.. كان يحدق بجسدها و تفاصيلها التي يظهرها الفستان بشفافية عالية ..
لكن ما إن استدارت هكذا.. رفع عينيه لينظر إلى وجهها.. و قال و هو يخطو نحوها ببطءٍ :
-نورتي بيتك يا عروسة.
لم ترد عليه ..
فتخطّى صمتها و اقترب واقفًا قبالتها مباشرةً.. لا يفصلهما سوى خطوةً واحدة.. و قد دفعه موقفها المتحفز للابتسام مجددًا و هو يقول :
-ماسمعتش صوتك طول السهرة.. إيه.. القطة أكلت لسانك ؟
من جديد لا تمنحه ردًا ..
تنظر إليه بعداءٍ فقط.. ليكمل بتشدّق متفرّسًا بملامحها المثيرة المغطاة بطبقاتٍ مفرطة من المكياج :
-لسانك الطويل ده.. ماكنش بيسكت.. و الليلة دي بالذات.. ماينفعش يسكت.
و رأت نيّة حديثه بعينيه.. ما أجبرها على التخلّي عن جمودها و النطق أخيرًا بحدة شديدة :
-إللي في دمغاك ده انت تنساه خالص.. انت سامعني ؟
مش معنى ان معاك ورقة تثبت شرعية العلاقة المهزلة دي يبقى تفكرني تحت أمرك.. لأ.. انت عمرك ما هاتلمسني و لا هاطّول شعرة مني.
لم يتوقف “نبيل” عن الابتسام و كأنه ينتشي بصوتها و كلماتها.. يغتبط بنفسه لأنه يثير فيها كل المشاعر العنيفة التي جعلتها تخرج عن صمتها بلحظةٍ …
-لو عايز.. ماظنش هاتقدري تمنعيني ! .. قالها بلهجةٍ كسولة نوعًا ما
عبست من غرابة ما يقوله.. لم تفهم جيدًا ما الذي يريده بالتحديد ..
بينما يتنهد “نبيل” مضيفًا و هو ينتزع ربطة عنقه كأنما يتحرر من قيدٍ :
-بصي يا مايا.. أنا يمكن فيا كل العِبر.. و أكيد إني آذيتك
بس ماتقدريش تنكري ان أي تصرف غلط عملته معاكي.. كنتي انتي سببه.. أنا مش عايز أتكلم في إللي فات.. و مش عايز آذيكي تاني.. انا غلطت معاكي.. و خلاص صلحت غلطتي و اتجوزتك.. اتجوزتك يعني بقيتي مراتي.. دي حقيقة لازم انا و انتي نتعامل معاهاو نعيش مع بعض على أساسها.
مايا باستنكارٍ فظّ :
-بالبساطة دي عايزني أعيش و اتعايش.. مع الحقيقة إللي انت بتتكلم عنها
انت فاكر إيه ؟ الموضوع تافه أد كده بالنسبة لك ؟
الغلطة إللي بتتكلم عنها دي تمنها حياتك بالنسبة لي.. انت اغتصبتني.. و في الشارع زي أي واحدة رخيصة !!!
بدا حجم الجهد الذي يبذله ليتماسك أمامها بهذا الشكل.. و رد بعد برهةٍ قصيرة بصلابةٍ :
-أولًا.. انتي إللي صدّرتي عن نفسك الصورة الرخيصة دي يا مايا.. كل مرة كنتي بتحاولي تثبتي إنك كده فعلًا.. لحد ما صدقتك.. ف بتلوميني ليه دلوقتي ؟
ثانيًا.. آه يمكن إللي حصل يكون ظاهريًا اغتصاب.. لكن انتي كنتي تقدري توقفيني بسهولة.. لو كنتي فتحت بؤك بس و اتكلمتي.. لو قولتيلي إنك لسا زي ما انتي ..
-كنت هاتعملها بردو !! .. صرخت به بانفعالٍ شديد
صمت.. بينما تمضي مكملة بنفس الطريقة العصبية :
-حتى لو كنت قولتلك إني زي ما أنا.. كنت هاتعمل نفس إللي عملته
ماكنتش هاتصدقني …
إلتزم الصمت أكثر.. أمام افتراضها الصحيح كليًا.. فعلى الأرجح كما تقول.. حتى لو كانت قد أخبرته عن عذريتها ..
ما كان ذلك ليوقفه.. لأنه كان سيعتقد بأنها تضلله ..
إنها محقة ..
و هو المذنب دائمًا …
-على أي حال.. انتي بقيتي مراتي !
كانت سترد بعنفٍ فقاطعها قائلًا بصرامة :
-مش هالمسك.. لو ده إللي هايريحك.. خلاص مش هقرب منك ..
أخذ صدرها يعلو و يهبط من شدة تنفسها.. لا تأمن له مهما قال.. مع ذلك أصغت لكلماته و هي ترمق محيّاه الحاد بقوة :
-بس في أصول للتعامل بينّا.. و في حدود في كل شيء من ساعة ما بقيتي على ذمتي
نمط حياتك إللي فاتت ده تنسيه.. مش بطلب منك غير الاحترام المتبادل.. بيه هانعيش سوا في سلام.. و هكون وفّيت الدين إللي في رقبتي لأبوكي.
ابتسمت بسخرية على توصيفه غير الموفق.. فهو لم يحفظ حتى ثقة أبيها فيه ..
أضاف “نبيل” بلهجةٍ أكثر حدة :
-حطي في بالك.. لو في يوم جرّبتي تتعدي حدودك في أي حاجة.. لبسك.. أسلوبك في الكلام سواء معايا أو مع أي حد.. مش هقولك أنا رد فعلي هايبقى إيه.. انتي هاتشوفي بنفسك !
و انتظر للحظاتٍ لكي تستوعب ما قاله.. ثم أردف :
-و بما إنك مش طايقة و لا متقبلة يكون بينا أي علاقة جوا أوضة النوم.. ف مش هاينفع ننام سوا في سرير واحد.. أنا هاخد أوضة الضيوف.. و هاسيب لك الأوضة الماستر.
نخرت “مايا” باستهجانٍ مشيحة عنه بوجهها :
-كتر خيرك و الله.. حقير !
-بتقولي حاجة ؟ .. سألها بدهشةٍ
لم تجاوبه.. فتنفس بصبرٍ نافذ و قال :
-أخر حاجة.. أمورك كلها تخصني.. خروجك و دخولك بحساب.. مافيش حاجة اسمها براحتي و حياتي و خصوصيتي.. لأ.. انتي في وشي و على أسمي يبقى لازم أعرف عنك الكبيرة قبل الصغيرة.. إنما أنا ماخصكيش نهائي.
و هنا نظرت إليه معقّبة ببلاهةٍ :
-يعني إيه !؟
-يعني عكس كل إللي ألزمتك بيه.. مالكيش دعوة بأسلوب حياتي
و لا تسأليني خارج فين و لا راجع منين.. لو مشيت مع نسوان.. مالكيش فيه.
نظرت له باسخفافٍ من أعلى لأسفل و قالت هازئة :
-ان شالله تولّع.. و أنا مالي ..
و رفعت سبابتها مكملة :
-بس ماتفكرش إن الوضع ده هايستمر يا نبيل.. مسير العلاقة دي تنتهي.. و في أقرب ممّا تتخيّل !
و انتزعت نظراتها عنه ملتفتة للوراء.. أمسكت بثوبها من الجانبين ثانيةً و مشيت للأمام هاتفة :
-منين الأوضة ؟
صاح مجيبًا إيّاها و الغضب يعتمل عميقًا بداخله :
-أخر الطرقة على الشمال.
و ظل واقفًا بمكانه.. حتى عندما اختفت بالداخل ..
أطلق أنفاسه الساخنة من صدره مسلّمًا بمآل الليلة.. فعلى كل.. هو لم يتوقّع أن يقضي شهر عسل معها ..
خلع سترته و سار بدوره نحو الغرفة التي سيشغلها من الآن فصاعدًا …
**
في الصباح الباكر ..
استقبلت مائدة الفطور بقصر “البحيري” عائلة “مراد أبو المجد”.. و قد أظهر “عثمان البحيري” كل الترحيب و الحفاوة بهم فردًا فردًا ..
أوصى منذ الأمس لهم على فطورٍ شهي.. و فطائر محلاة من أكبر المطاعم الشهيرة بالمدينة.. بعث في طلبها لأجل الصغار.. و لأجل صغيرته بالأخص ..
كان “عثمان” يجلس مترأسًا المائدة.. و قد جلست “فريدة” ابنته في حِجره.. يُطعمها بيده بعض من الدوناتس التي تعشقها.. بينما على يمينه يجلس “مراد” جنبًا إلى جنب زوجته و صغيريّه.. “لمى” و “عمر” …
-بابا فريدة أكلت دوناتس كتير !
قالها “يحيى البحيري” الابن محاولًا لفت انتباه أبيه الذي انشغل بالحديث مع صديقه ..
و بالفعل.. بترا الصديقين حديثهما و أدار “عثمان” رأسه نحو ابنه الذي تابع بكياسته المعهودة :
-ماما مش بتسمح لها بأكتر من واحدة في اليوم.. و أنا لاحظت إنها أكلت كتير.. جدًا.
وجّه “عثمان” أنظاره إلى طبق الفطائر أمامه.. فذهل فعلًا حين رأى واحدة فقط تبقّت.. من أصل أربعة.. نظر إلى اللقيمة الأخيرة بيده.. ثم إلى صغيرته التي رمقته باستعطافٍ لاعقة شفتيها الملتخطان بالشكولاتة ..
انفجر “عثمان” ضاحكًا على شكلها الطفولي المُحبب إلى قلبه.. وضع اللقيمة بالطبق و ضمّها إلى صدره بقوة مرددًا :
-بقى كده يا فيري.. ضحكتي عليا و أكلتي كل ده و أنا مش واخد بالي
مش اتفقنا واحدة بس ؟
كانت الصغيرة كلّما أنهت واحدة أمسكت بيد أبيها و وضعت الأخرى دون أن يشعر مستغلّة إنهماكه بالحديث مع العم “مراد”.. كما أوصاها أبيها بمناداته ..
حوّل “عثمان” نظراته نحو ابنه المراهق قائلًا بفخر :
-جدع يا يحيى.. يعجبني ان مركّز كده و بتاخد بالك من كل حاجة
و بالأخص أختك.. برافو عليك ..
ابتسم “يحيى” محبورًا بثناء والده.. و قال “مراد” مشيدًا بدوره :
-ما شاء الله يا عثمان.. يحيى راجل صغير
بيفكرني بيك لما كنا صغيرين و شبهك جدًا لما.. الله يبارك لك فيه.
أومأ “عثمان” موافقًا على كلماته و قال رامقًا ابنه بنظرات الاعتزاز :
-هو بالذات شاف معانا كل حاجة من أولها.. ده يحيى.. أمه تبقى سمر
يحيى.. ابن العشق !
و مد يده ليفرك رأس الصبي بعاطفة أبوية ..
قبّل صغيرته على خدّها و أنزلها عن قدمه قائلًا بلهجةٍ آمرة :
-خد أختك على أوضتها يا يحيى.. كلّم إيفون تطلع تغسل لها إيديها و تغير هدومها إللي بقت كلها Chocolate دي ..
أطاع “يحيى” في الحال :
-أوكي.. تعالي يا فيري ..
تغضّن أنف الصغيرة.. و مدت يدها على مضضٍ نحو أخيها الذي تسبّب بحرمانها من قطعة الدوناتس الأخيرة …
-عثمان بيه !
إلتفت “عثمان” إلى نداء فرد الحراسة الذي وقف على أعتاب غرفة الطعام …
-خير يا إكرامي ؟
-الأنسة رانيا محفوظ وصلت و معاها البنات سعاتك.
-تمام.. دخّلهم الـPartition إللي في ضهر البيت و أنا هاحصّلك حالًا.
أومأ الأخير مطيعًا أمر سيده و ولّى خارجًا …
-صحيح يا عثمان أنا شايف حركة في القصر من الصبح.. في حاجة و لا إيه ؟
أجاب “عثمان” سؤال “مراد” و هو يمسح يديه بمنديل :
-آه الدفيليه بتاع سمر.. قررت نعمله هنا في القصر يوم حفلة شمس
بس البروفات هاتبدأ من إنهاردة.. عن اذنك يا مراد هاخرج أقابل الـAssistant بتاعة سمر و أطمن بنفسي ان كله تمام.. البيت بيتك طبعًا.
و قام متوجهًا للخارج تتبعه نظرات “مراد” إلى أن تلاشى تمامًا ..
تتطلّع “إيمان” إلى زوجها في هذه اللحظة قائلة :
-لطيف أوي صاحبك ده يا مراد.. و ذوق جدًا.
وافقها “مراد” و هو يلتقط قطعة خبز مدهونة بالقشدة :
-مافيش حد في كرم و ذوق عثمان البحيري.. و على فكرة ده طبع فريال هانم بالذات
مش بقول أنكل يحيى الله يرحمه ماكنش زيهم.. بس فريال هانم أكتر.. شوفتي لما شوفناها في المطار عملت معانا إيه !
أومأت “إيمان” مبتسمة و قالت :
-لازم نعزمهم عندنا لما نرجع لندن.. بس أنا لحد دلوقتي ماشوفتش سمر مراته.
هز “مراد” كتفيه قائلًا :
-هاتشوفيها.. هاتروح فين يعني ؟
ما هي تعتبر ست البيت ده.. في غياب فريال هانم.
**
لم تكن جودة نومها جيدة مطلقًا ..
لم تنم أكثر من ثلاث ساعاتٍ متواصلة.. و البقيّة قضتهو تتقلّب من جنبٍ إلى جنب.. عقلها لا يكفّ عن التفكير ..
و قلبها الذي توخزه الذكريات.. لا يمكنه كراهيته تمامًا ..
أجل ..
إنها تعترف.. زوجها الذي رفضته بالبادئ.. و أبت مساكنته ببيتٍ واحد و غرفة واحدة ..
لم تستطع إغماض جفنها و هو بعيدًا عنها.. طوال الليلة الماضية.. كانت تتحسس جانبه من السرير.. رغم آلامها منه.. و من الذكريات ..
كان هنا صوتًا بداخلها يصرخ بأسمه.. إنها تحبه.. أحبّته في الماضي.. أنجبت منه.. عشات معه لسنوات فكيف لها ألا تحبّه !؟؟؟
أليس كل بني آدم خطّاء ؟
ألم تختطئ هي أبدًا ؟
بلى ..
لقد ارتكبت العديد من الأخطاء.. كلنا نخطئ.. و بالنظر إلى كل شيء جيد فعله لأجلها فإن خطؤه لا يُرى ..
هكذا صرعت “سمر” أفكارها السيئة حول زوجها ..
ما من داعي لتخرب استقرارها أكثر من ذلك.. لم يعد لها سواه.. رحلا شقيقيّها ..
و هي هنا الآن.. معه.. و مع صغيريّها ..
لتكسب ودّه من جديد.. إنها تريد هذا.. تريده بشدة ..
تحسست “سمر” بطنها و هي تقف أمام المرآة.. بعد أن صدح الصوت العربي النسائي و الأقوى على الإطلاق.. “أصالة”.. في أحب القصائد إلى قلبها “اضغب!” ..
و لا يسعها بسماع أولى مقاطعها سوى تذكر لمحةٍ أخرى من ذكرياتها المفقودة.. حين أتاها قائلًا بأنه سيزوج من أخرى ..
سالت دمعة من عينيها و هي تستمع للصوت و الألحان العذبة :
“إغضب كما تشاء..
واجرح أحاسيسي كما تشاء
حطم أواني الزهر والمرايا
هدد بحب امرأةٍ سوايا..
فكل ما تفعله سواء..
كل ما تقوله سواء..
فأنت كالأطفال يا حبيبي
نحبهم.. مهما لنا أساؤوا..”
ظلّت تتحسس بطنها فوق قماش قميصها الرقيق و هي تسير مع قوة جذبٍ غريبة صوب الشرفة.. هناك أسفل يدها.. جنينٍ ينمو بأحشائها.. طفلها.. طفل “عثمان البحيري” الثالث.. طفلهما ..
إنها تحبّه و تريده قبل أن تراه.. تحبّه كما أحبّت والده.. و تحبّه أكثر مع كل خفقة.. مع كل شعورٍ غريب تختبره للمرة الولى بذاكرتها المولودة حديثًا ..
ندت عن “سمر” نهدة عميقة و هي تقف وراء لوح الزجاج المرفق بالشرفة.. انصهرت مشاعرها العاطفية كلها لحظة وقوع بصرها عليه ..
زوجها ..
إنه يقف بالأسفل.. في الحديقة الخلفية.. يتحدّث عبر الهاتف بجديته المعهودة ..
رباه !
كم هو رزين.. كم هو آسر.. حنون.. و وسيم.. وسيمٌ جدًا ..
رافق صوتها بقيّة كلمات الغنوة الشهيرة عبر المذياع الذكي.. كما ترافق نظراتها تحركاته أمامها.. غير قادرة على الإشاحة عنه طرفة عينٍ :
“إغضب!
فأنت رائعٌ حقاً متى تثور
إغضب!
فلولا الموج ما تكونت بحور..
كن عاصفاً.. كن ممطراً..
فإن قلبي دائماً غفور
إغضب!
فلن أجيب بالتحدي
فأنت طفلٌ عابثٌ..
يملؤه الغرور..”
و هنا توقف فجأةً و رفع رأسه.. كأنما أحس بمراقبتها.. تقابلت نظراتهما مباشرةً ..
تململت “سمر” بارتباكٍ لكنها لم تهرب.. لم تتحرك من مكانها و بقيت تنظر إليه عبر زجاج الشرفة ..
كانت ابتسامته الجانبية واضحة للغاية.. مُدغدغة لأوتارها الحسّاسة.. قبل أن تتصلّب كليّة و هي تلمح تلك الشقراء ..
اللعينة ظهرت الآن مقبلة عليه من الوراء و قد مدت يدها لتحطّ بها على كتفه ..
الساقطة ..
إنها هالكة !!!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كرسي لا يتسع لسلطانك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى