روايات

رواية كاليندا الفصل السادس 6 بقلم ولاء رفعت

رواية كاليندا الفصل السادس 6 بقلم ولاء رفعت

رواية كاليندا الجزء السادس

رواية كاليندا البارت السادس

رواية كاليندا الحلقة السادسة

يتأمل مياه النهر الجارية، يري صورتها تطفو وهي تبتسم إليه ثم تحولت تلك الإبتسامة المشرقة إلي وجوم ووجه عابس، عبرة تساقطت من ذهبتيها التي لن ينساها بتاً، أنتشله من لحظات تأمله صوت لم يعتد عليه بعد، قائلة له:
_ أحمد؟، مالك من ساعة ما جينا وأنت سرحان ولا حتي عبرتني بكلمة.
حدق إليها بامتعاض وكأنه مُجبر علي جلوسه برفقتها، أجاب:
_عايزاني أقول إيه يعني يا مروة.
بادلته بنظرة عتاب وقالت:
_أول خروجة لعريس وعروسته بعد خطوبتهم وكتب كتابهم، المفروض يقولها إيه؟!، ده أنت حتي مهنش عليك تقولي أزيك، إمبارح قاعد جمبي في الكوشة ونازل عليك سهم الله واللي يجي يبارك لنا ما تردش عليه، لما خليت شكلي وحش وسمعت تعليقات سخيفة.
زفر بضيق وينبلج علي ملامحه الضجر قائلاً:

 

_معلش حقك عليا، أصلي مضغوط في الشغل اليومين دول وساعات بنطبق شيفتات زيادة، فببقي مصدع ومش مركز خالص.
أقتربت منه ووضعت يدها علي يده قائلة بلهفة:
_خلاص تعالي روح عندنا ريحلك ساعتين أو زي ما أنت عايز ولما تصحي نقضي باقي اليوم مع بعض وأعملك الأكل اللي بتحبه.
سحب يده مما جعلها تشعر بالحرج وقال:
_خليها مرة تانية أحسن.
جاء النادل يحمل كأسين من عصير المانجو الطازج وطبقين يعلوهما قطعتين من الحلوي، قام برص الكأسين والأطباق ثم سأله:
_أي خدمات تاني يا فندم؟
_لاء، شكراً.
بينما هي نظرت إلي طبق الحلوي بإشتهاء وقالت:
_الله، شكل التشيز كيك يجنن، أنا بحبه أوي.
غرزت الشوكة وحملت قطعة صغيرة وأبتلعتها بإستمتاع، فأردفت:
_أنا عارفة إنك بتحبه أوي، عشان كده هاتعلم طريقته وأعمله لك لما نتجوز.

 

كان هو شارداً في موقف مشابه تماماً، عندما كان يتنزه مع شمس برفقة شقيقته التي كانت تتركهم بمفردهما وتجلس علي بُعد مسافة تاركة لهما الخصوصية.
(مشهد سابق)
يقطع أحمد قطعة بالشوكة خاصته و يمدها أمام فمها، فقالت له شمس بخجل ووجنتيها شديدة الحمرة من الخجل:
_بتعمل إيه، الناس بتبص علينا.
ضحك وقال:
_واحد بيأكل حبيبته اللي هاتبقي مراته، فيها إيه ما بنعملش حاجه حرام.
أومأت له وأجابت:
_عارفه بس بتكسف أوي، و بعدين ما بحبش الجاتوه.
سألها بنبرة رومانسية حالمة:
_طيب بتحبي إيه وأنا هاجيبه لك حالاً؟
أجابت وتنظر في الفراغ تفكر:
_حاجة حلوة كدة دوقتها في مرة عند واحدة صاحبتي، إسمها إيه يا شمس، إسمها إيه، آه، أفتكرت، إسمها تشيز كيك.
نهض ووقف ثم أنحني في عرض مسرحي قائلاً:
_طلباتك أوامر يا مولاتي.

 

أعتدل وقام بمناداة النادل، فجاء له مُسرعاً:
_أمرك يافندم.
سأله الآخر:
_عندكم تشيز كيك؟
أجاب النادل:
_اه يافندم، عندنا كذا نوع بالفروالة أو الشيكولاتة والمانجا وبالتوت.
نظر أحمد إلي شمس وسألها:
_بتحبيها بطعم إيه؟
إبتسمت بسعادة وأجابت:
_بالمانجا.
قال أحمد للنادل:
_أتنين بقي وصاية وكتر المانجا.
اومأ له النادل قائلاً:
_تمام يا فندم.
(عودة للوقت الحالي)
عاد من شروده وتذكره للموقف القديم، ليجد مروة تنهض وتلملم هاتفها وحقيبتها، تتمتم بكلمات غير مفهومة، وهنا أنتبه إلي خطأه الفادح وهو التجاهل.
أمسك معصمها وسألها:
_بتعملي إيه؟

 

جذبت يدها بحدة وأجابت:
_بعمل اللي المفروض يتعمل من ساعة ما جينا، وعماله أكلم فيك وأحاول أغيرلك مزاجك وبرضو متجاهلني كأني هوا قاعد قدامك.
قال لها بنبرة يستعطف سجيتها وقلبها النقي:
_عشان خاطري أقعدي بس و ما تفهمنيش غلط.
صاحت في وجهه بحنق:
_لاء فهماك صح يا إبن خالي، وأنت فاهم وأنا فاهمة، بس كنت بقول لنفسي أصبري عليه يابت يا مروة لما يفوق من الصدمة اللي هو فيها، لسه مش هينساها بسهولة ده مكنش بينهم خطوبة يوم ولا أتنين ده سنين غير عِشرة الجيرة اللي ما بينهم.
أفرغ تنهيدة بقوة نابعة من أعماق صدره وقال:
_وفرتي عليا اللي كنت هقولهولك، و زي ما قولتي كده بالظبط، فعلاً لسه ما نستهاش وقلبي مهوش كارت ميموري أمسح اللي أنا عايزه وقت ما أحب.
أبتسمت بتهكم وتحدق إليع بنظرة سخط قائلة:
_ولما الحكاية كده، ليه جيت طلبت إيدي وعارف ومتأكد إن أنا زي الهبلة هوافق، وطبعاً مرات خالي واثقة من كده، فقالت لما أجوزه بنت عمته العبيطة اللي هاتموت عليه من زمان خليها تنسيه البنت اللي كان خاطبها.
كاد يجيب ولكن قاطعته بنبرة حادة قوية تثأر بها لكرامتها:
_و لما أنت بتحبها أوي، مكملتش معاها ليه؟!، ولا عشان الهانم خلاص ما بقتش تنفع بعد ما علم لك عليها ابن حماد السفوري وخلاك لبانة في بوء أهل البلد.
و ما كان ينقصه تلك الكلمات التي حولته من حمل وديع إلي وحش ثائر أو يمكننا قول أصبح كالبركان الذي أنفجر لتوه، تتقاذف من عينيه الحمم والجمار المشتعلة، شعرت بلهيب علي وجنتها بعدما هبط علي وجهها بلطمة قوية أخرج فيها ما يكمن من غضبه وهو يصيح بها:
_أخرسي.

 

غرت فاها وأتسعت عينيها التي كادت تخرج من محجريهما، و إنها لثوان مرت حتي أدركت ما فعله بها، صرخت به وهي تخلع خاتم الخطبة ثم ألقته في وجهه:
_طلقني، أنا بكرهك.
※※※
و في اليوم التالي قام محمد بتوديع أشقائه مُتعللاً بعمله حيث لم يستطع التغيب عنه أكثر من ذلك، وترك لهم ابنته أمانة لديهم مع كثير من التوصيات عليها إلي شقيقه محمود وزوجته.
بينما شمس كانت تجلس مع ابنة عمها رحاب التي تكبرها بعامين، وتدرس في الجامعة.
_بجد مش مصدقة نفسي، يعني كان لازم عمو محمد يجيبك بنفسه وإلا كده مكنتش شوفتك خالص، ده غير طبعاً إن كلها أيام وهتتجوزي، و زي أصحابي مش هاشوفك غير في المناسبات وإن جوزك خلاكي تحضري.
تبدلت ملامح شمس من الإبتسامة إلي الحزن وهي تنظر إلي بنصرها في يدها اليمني فارغاً من خاتم الخطبة الذي ترك أثره ولم يزول بعد، ردت بتوتر:
_ ماتضايقيش ياستي، أنا قاعدة معاكي و مطولة شوية، وبالنسبة للفرح خلاص، مليش نصيب أكمل.
عقدت ما بين حاجبيها باستفهام ثم أقتربت منها و سألتها بترقب:
_هو إيه اللي حصل؟
رغماً عنها ذرفت عينها عبرة بلورية أنسدلت علي وجنتها، جعلتها تشيح وجهها وغير قادرة علي التحدث، وقفت رحاب أمامها، رفعت وجهها من طرف ذقنها.

 

_ شمس أنا آسفة، وحقك عليا لو سؤالي زعلك وخلاكي تعيطي، بس أعذريني أنا سألتك عشان عارفة اللي كان مابينك أنتي و أحمد مكنتش مجرد خطوبة، ده حب عمره سنين، فاكرة لما كنتي بترغي معايا بالساعات عنه و عن نظرات حبه ليكي لحد ما جه طلب إيديكي، كل ده راح إزاي؟
تريد الإجابة لكن ماذا عساها أن تخبرها، ما حدث ليس بالأمر البسيط يمكن ذكره وكأنها قصة عابرة، فابنة عمها صديقتها الثانية بعد إسراء و موضع ثقة و بئر أسرارها منذ الطفولة، ودت لو أن تحكي وتبوح بكل شئ لكنها تخشي تلك النظرة التي تجدها في أعين كل من يعلم بما حدث معها، هذه النظرة كالسكين المشتعلة فوق قطع الفحم المتوهجة، يمسك بها صاحبها ويغرزها بداخل فؤادها الواهن.
أنفتح باب الغرفة وظهرت زوجة عمها لتنقذها من الإجابة علي سؤال رحاب، لكن لهجة تلك المرأة أعلنت عن ناويها الخفية التي تضمرها وتتظاهر بعكسها.
_والله عال، سايبيني طالع عيني في شغل الشقة وعمايل الأكل، والهوانم قاعدين يتساهروا.
تأففت ابنتها وقالت:
_ مش الشقة دي لسه عملاها لك أول إمبارح ومخليها لك فلة.
صاحت بها وهي تزجرها بنظرة حادة:
_وأنتي بتسمي شغل الطلسئة ده ترويق، قومي منك ليها وقسموا الشغل علي بعض وتلموا السجاد والمشايات وتغسلوها في المدخل.
أجابت ابنتها بسخرية:
_إيه كل ده يا ماما هو العيد بكرة، وإحنا ما نعرفش!
لكزتها والدتها بعنف وقالت:
_ لاء يا حلوة يا أم لسانين، أهل خطيبة أخوكي محمد جايين بعد بكرة، وبعدين هنا كل واحد لازم يخدم نفسه أنا مش الخدامة اللي جبهالكم أبوكم.
ألتفت رحاب إلي شمس وهي ترفع أكمامها عن ساعديها قائلة:
_ معلش يا شمس أستنيني أخلص اللي ورايا وجاية لك، ما تنميش بقي.
صاحت شوقية بإعتراض وكأن حدثت كارثة:
_ ده مين دي اللي تستناكي وما تنمش؟!، مش بنت زيها زيك، وده بيت عمها مش حد غريب، ده غير إنها مش ضيفة وقعدتها هتطول، يعني زيها زينا في البيت وتروق وتكنس وتمسح وتغسل زينا، ولا ما بتعمليش مع أمك كده يا شمس؟
أجابت الأخري وهي تزدرد لعابها بتوتر:

 

_طبعاً بساعد ماما، ومن غير ما تقولي يا طنط كنت هساعد رحاب.
_طيب يلا بقي خلصوا بسرعة قبل ما عمك ما يطلع من الدكان، وأكون أنا خلصت الغدا.
ذهبت شوقية، فأقتربت إبنتها من شمس تربت عليها:
_ حقك عليا أنا يا شمس، لو كلام ماما زعلك، هي شديدة وقوية بس قلبها طيب.
هزت الأخرى رأسها بابتسامة ساخرة:
_واضح، واضح.
※※※
و بعد عناء يوم من الأعمال الشاقة تمددت كلتيهما علي التخت، زفرت رحاب بتعب وقالت:
_اه يا وسطي اللي أتقطم في غسيل السجاجيد، وأنا كان مالي ومال أهل خطيبة أخويا اللي جايين.
قالت شمس بتعب أيضاً:
_ معلش إحنا برضو كنا بنعمل كدة برضو أيام ما كنت مخطوبة.
إستدارت إليها الأخري بانتباه وقالت:
_ فكرتيني صح، قوليلي بقي سبب فسخ خطوبتك ولو ده هيضايقك خلاص، أعتبريني مسألتش.
زفرت من التعب الجسدي والنفسي فأجابت:
_ هقولك، بس أوعديني اللي هاحكيهولك سر ما بينا لحد ما أرتب أموري وأخد حقي.
و في الغرفة المقابلة، تتمدد شوقية بجوار زوجها الذي يتصنع النوم هروباً من وصلة ثرثرتها التي تنتهي بألم شديد في الرأس لم يزول ولو بألف فنجان قهوة.
_ آه ياني، جسمي أتدغدغ من شغل طول النهار.
تمتم محمود دون أن يوضح كلماته إليها:

 

_ اللي يسمعك مايشوفش البنات اللي طلعتي عينيهم النهاردة وفاكراني مش عارف، ولية مفترية أعوذب بالله.
مالت عليه وسألته:
_ بتقول حاجة يا حاج؟
أجاب بصوت مصتنع يغلبه النعاس:
_ بقول أذكار قبل النوم.
_ اممم، طيب كنت عايزاك في موضوع كدة بخصوص بنت أخوك.
سألها بسخرية دون يلتفت إليها:
_مالها، لحقتي تزهقي من قاعدتها؟
أجابت باستنكار:
_ لاء، بالعكس جت في وقتها أهي هي والبت رحاب يشيلوا عني شغل الشقة شوية، أنا خلاص عضمتي كبرت ومابقتش قادرة علي طلباتكم زي الأول.
تمتم مرة أخري:
_ده أنتي عليكي صحة تهد جبال، كلنا هانموت وأنتي اللي هاتفضلي عايشة في الآخر.
لكزته في كتفه:
_ بصي لي كده وأنتبه ليا.
أستدار إليها بتأفف:
_ أخلصي يا شوقية، عشان أنا صاحي من الفجر وعايز أتخمد.
أجابت بامتعاض:

 

_ مابراحة عليا يا حاج، اللي هاقوله لك فيه خير لينا ولأخوك، بص بقي وأسمعني للآخر، الولاه حمدي خلاص قرب يخلص الجيش بعد خمس شهور ونازل أجازة الأسبوع الجاي، وبما أن شمس خلاص فسخت خطوبتها، إيه رأيك ما نخطبها للولاه، ونبني لهم شقة الدور الخامس، و أهي بنت اخوك ومتربية علي إيدينا.
رفع إحدي حاجبيه الكثيفين وقال بتهكم:
_أنتي قصدك تجوزيها لإبنك ومنها تبقي ليكي خدامة، صح؟
_ أنا ماقولتش كده، وفيها إيه لما تخدمني أنا هابقي حماتها غير ما أنا أصلاً مرات عمها الكبير.
تنهد بسأم وضجر منها:
_ أسمعيني أنتي كويس يا شوقية، أنا عارف وأنتي عارفة إن زينب عمرها ما هتديكي بنتها وخصوصاً بعد اللي عملتيه فيها زمان وبسببه خليتي أخويا ما يجيش يعيش معانا ويبني له شقة في البيت وأشتري مننا حقنا في بيت أبويا عشان يعيش فيه هو و بنته ومراته ويكفيها من شر أذيتك ليها، ولا ناسية سنتين العذاب اللي عاشتهم وأخويا يجري بيها علي الدكاترة و مايعرفوش إيه اللي عندها غير لما جاب لها شيخ موثوق فيه و عرف إن معمولها سحر أسود وقدر يعرف مين الدجال اللي ورا المصيبة دي و لولا أنه راح بلغ عنه الحكومة وأعترف بمصايبه مكنش حد عرف إنك اللي ورا اللي حصل ليها، كل ده بسبب الغيرة والحقد اللي بتتظاهري إنهم راحوا من قلبك، لكن أنا متأكد إنك لسه مليانة بالسواد، والأمارة عايزة البت لإبنك اللي عارفه عمره ما هيعترض ولو هيقولك كلمة حتي لو شافك بتدبحي مراته قدام عينيه، فأتقي الله أنتي عندك بنت والدنيا سلف ودين، يوم ليك ويوم عليك.
كانت تستمع إليه بصدمة، فأجابت بعدما أنتهي:
_يا ليلة طين، أنت شايفني بالوحاشه دي كلها!
صاح يبوخها:
_أنا مش شايف حاجة قدامي وعايز أنام، أطفي النور وأتخمدي.
وألتف للجهة الأخري مُدثراً جسده بالغطاء، تاركاً أياها كالنيران المندلعة ولم تجد شيئاً تحرقه فاحترقت هي، قالت في داخل عقلها:
_ و ربي و ما أعبد ما هاكون شوقية بنت الجزار غير لما أجوز البت شمس للولاه حمدي إبني، ويا أنا يا أنت يا حاج.
※※※
يصدح صوت تلاوة آيات سورة الكهف من المآذن بأعذب الأصوات، فهذا يوم الجمعة يذهب الرجال إلي المساجد والإستماع إلي الإمام وهو يلقي عليهم الخطبة من حكم ومواعظ وتفسيرات لأمور دينهم الدينية والدنيوية، و بعد الإنتهاء يُرفع آذان الإقامة فينهض الجميع ويصطفون في صفوف متساوية إستعداداً لأداء الصلاة.

 

وبالأعلي في منزل الحاج محمود، تُصيح شوقية بصوتها الجهوري علي الفتاتين:
_ ما تقومي ياختي منك ليها، ولا مستنين الخدامة تحضرلكم الفطار وأنتم نايمين لي زي الهوانم.
نهضت رحاب بتأفف قائلة:
_ أستغفر الله العظيم أهو إبتدينا علي الصبح.
نظرت تبحث عن شمس وجدتها تؤدي فرضها في إحدي الأركان و قد أنتهت للتو، نهضت وهي تقول بهدوء يشوبه السخرية:
_ قومي يا رحاب أتوضي وصلي الضهر، وحصليني قبل ما مرات عمي تدخل ترمينا من الشباك.
هزت الأخري رأسها وهي تضحك علي كلماتها فأجابت:
_ أنتي بتقولي فيها، أمي وأنا عارفها لما بتهب منها ممكن تعملها.
خرجت شمس وتتصنع البسمة تلقي التحية علي زوجة عمها المتسلطة:
_ صباح الخير يا مرات عمي.
رفعت الأخري زاوية فمها بتهكم وأجابت:
_ قصدك مساء الخير يا عينيا، فين المزغودة التانية، أدخلي أندهيلها و روحوا حضروا الفطار زمان أعمامك خلصوا صلاة و طالعين علي هنا.
أومأت إليها دون أي رد وذهبت إلي المطبخ، خرجت رحاب من الغرفة متجهة نحو المطبخ أيضاً فوجدتها تُعد الطعام، فأخذت تتمتم بصوت لا يسمعه سواهما:

 

_ كل يوم جمعة الموال اللي ما بيخلصش ده، ومرتات أعمامي قاعدين هوانم في شققهم مابينزلوش غير لما أعمامي يطلعوا ويجوا ياكلوا علي الجاهز.
قالت الأخري:
_ وفيها إيه يا رحاب؟، دول مهما كان ضيوف عندكم مش إلزام ولا فرض عليهم ينزلوا يعملوا الأكل، وبتكسبي ثواب في إكرامهم.
أجابت الأخري بسخرية:
_ أسكتي يا شمس أنتي ما تعرفيش حاجة، لولا بابا هو اللي مجمعهم وحاكم عليهم يوم الجمعه ده مقدس الكل بيتجمع عندنا، كان زمان كل واحد بقي في حاله وأنا أرتحت.
_ برضو ما فهمتش قصدك، يعني دي حاجة حلوة ولا وحشه، بس أنا شايفة لمة العيلة دي أجمل حاجة بتعمل ترابط وبتألف القلوب وتقربهم من بعض وبيفضل الود والحب مابين الأخوات وعيالهم.
أجابت الأخري و تقطع حبات الفلفل:
_ ده كان زمان يا شمس، أيام ما كنا في البيت القديم في البلد ولما كان جدو وتيتا الله يرحمهم عايشين، دلوقت كل واحد فيهم يلا نفسي، ما أنكرش إن ماما أسلوبها يطفش مرتات أعمامي منها حبتين أو نقول أربع حبات بس قلبها أبيض.
رمقتها الأخري بإستنكار وفي داخلها قالت:
_ أنتي هتقوليلي، ده أنا من ساعة ما جيت وهي عماله ترمي لي كلام زي الدبش.
أجفلهم صوت شوقية من الخلف:
_ خلصتم ولا عاملين ترغوا؟
أجابت شمس:
_ أنا عملت البيض والفول والجبنة فاضل الطعمية هقليها قبل الأكل علي طول عشان ماتبردش.
وقالت ابنتها:
_ وأنا بعمل السلطة أهو، وهاحشي البتنجان بالتتبيلة.

 

أجابت عليهما وهي تلتقط مفرش حراري كان مُعلقاً علي مشجب معدني في الحائط:
_ وأنا هاروح أفرش السفرة عقبال ماتخلصوا وتطلعوا الأطباق، شكلهم طالعين علي السلم.
جلس الجميع حول المائدة ويترأسها الحاج محمود، فكان وجهه مكفهر ولم ينطق بحرف منذ أن عاد من المسجد، بينما أشقائه الآخرين يتبادلون الأحاديث مابين الأخبار والفكاهة، و زوجاتهم تتحدثن مع شمس التي تشعر بانقباضة في قلبها لاتعلم ماهية مصدرها لاسيما كلما تلاقت عينيها بعينين عمها محمود لن تجد سوي نظرات الغضب والتجهم.
نهضت باكراً بعد أن انتهت من طعامها:
_ الحمدلله.
قالت لها رشا زوجة عمها حجازي:
_ كملي أكلك يا شمس، ده أنتي مكملتيش ربع رغيف.
أجابت بخجل:
_ أكلت وشبعت الحمدلله دي أكلتي.
فقالت شوقية بأسلوبها الفظ:
_ ياختي البنات اليومين دول ماسكين في أبصر إيه اللي أسمه دايت، لحد ما بقوا شبه خلة السنان ويقولوا لك دي الموضة.
عقبت السيدة محاسن زوجة عمها الأخر يحيي:
_ هم بيحافظوا علي جسمهم بس أهم حاجة يكون تحت إشراف دكتور تغذية عشان ميأثرش علي الصحة.
عقبت رشا:
_ فعلاً صح، مفيش أحسن من الواحد ياخد باله من صحته.
فقالت شوقية عن عمد:
_ الكلام ده يا رشا ياختي لواحده زيك كده ولا وراها عيل ولا تيل، لكن ياختي إحنا ورانا عيال عايزين صحة من حديد فلازم تاكلي وتتغذي.
أكتسي الشحوب وجه الأخري من كلمات سلفتها اللاذع، فنهضت تاركة ما بيدها من طعام وقالت:
_ عن إذنك يا شمس أنا طالعة فوق عشان حاسة بصداع، أبقي تعالوا أنتي و رحاب نقعد مع بعض شوية.
اومأت لها وقالت:

 

_ حاضر يا طنط.
غادرت رشا المنزل و زوجها يرمق شوقية بامتعاض ثم نظر إلي زوجها ليجده في عالم آخر، لكن محاسن لم تصمت لتقول:
_ عمرك ما هتبطلي كلامك الجارح ده يا شوقية، ده أنتي عيالك علي وش جواز المفروض تعقلي كلامك قبل ما تطخي في وش اللي قدامك و تراعي شعورهم.
نهضت هي أيضاً وقبل أن تذهب قالت:
_ أبقي تعالي يا شمس أقعدي معانا بيت عمك يحيي مفتوح لك في أي وقت.
أنفضت المائدة واحد تلو الآخر، وهم يحيي بالمغادرة قائلاً:
_ عن أذنك يا حاج محمود أنا نازل أقعد علي القهوة شوية.
وتبعه حجازي بالقول أيضاً:
_ وأنا كمان نازل، خدني معاك.
وهنا تخلي محمود عن صمته الرهيب وأمرهم بحدة:
_ أستنوا عندكم، عايزكم في موضوع مهم.
كانت شمس تشغل نفسها بجلي الصحون لتتجنب كلام زوجة عمها، و بينما هي شاردة صوت هذه الحيزبون شوقية أفزعها:
_ بت يا شمس.
أنتفضت الأخري، فأردفت زوجة عمها:
_ عمامك عايزينك في أوضة الجلوس.
كانت دقات قلبها البائس تقرع كالطبول، تركت ما في يديها وقامت بغسلها من الصابون ثم تجفيفها بالمنشفة، وذهبت تخطو بحذر وتاركة شوقية التي يتآكلها الفضول خاصة بعدما حذرها زوجها من الوقوف والتصنت وأن تلتزم غرفتها ريثما ينتهي من هذا الإجتماع.
وقفت شمس علي الباب بإستحياء، فأشار لها عمها وقال:
_ أدخلي.
وقفت أمامهم وتنظر إلي أسفل، فنظرات ثلاثتهم لا توحي بخير بتاً، لماذا يريدونها، هل علموا ما حدث لها؟
قاطع حدسها صوت عمها الغليظ:
_ بصي يا بنت أخويا من غير لف ولا دوران هسألك سؤال واحد وتجاوبي عليه.
أزدردت لعابها بخوف وتوتر، فأجابت بخفوت:
_ أتفضل يا عمي.
تنهد وكأنه يحمل ثقلاً كالجبل فوق عاتقه، سألها:
_ ابن حماد السفوري غلط معاكي زي ما الكل بيحكي في البلد؟
صاحت بدفاع عن نفسها عندما أدركت إتهامه لها بأن ما حدث كان بإرادتها وليس عنوة عنها:
_ لاء ماحصلش.

 

صمتت لثوان وهي تنظر ليديها وهي تفركهما في بعضهما البعض وأردفت:
_ وحصل.
أقترب منها عمها يحيي و الغضب يسطو عليه، صاح بها:
_ هو إيه اللي حصل واللي ما حصلش يا بت؟!، ما تجاوبي علي عمك عدل بدل ما أرزعك كف يعدلك.
أمسك حجازي به لتهدأته قائلاً:
_ أهدي يا يحيي، وأسمعها للآخر.
ترقرقت دموعها علي وجنتيها وبصوت متحشرج أخبرتهم:
_ هو خدني بالقوة وعمل اللي عمله وصورني فيديو وبعته لخطيبي عشان يكسرني ويكسروا زي ما كان بيهددني ديماً.
لم تشفع لها عبراتها لدي قلوبهم القاسية، لطالما والدها عاني من صرامتهم وقسوتهم وعدم إنصافهم للمظلوم لذا أثر الإبتعاد عنهم وفضل المكوث في القرية تجنباً للمشكلات، كما إنه لايريد خسارتهم، فهما أن كان سيظلون أخوته إلي الأبد.
وبالعودة إلي التي تنتظر ردود أفعالهم حيث سوف يثأرون لشرفهم ويقتصون من الطاغية حمزة و أهله هكذا ظنت، ولا تعلم إنها ستتلقي العكس، وإذا بصفعة هاوية هبطت علي وجنتها من كف عمها الغليظ، جعلها لم تري شيئاً سوي الظلام، فسقطت مُغشي عليها.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كاليندا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى