روايات

رواية في هواها متيم الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم سماح نجيب

رواية في هواها متيم الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم سماح نجيب

رواية في هواها متيم الجزء الخامس والعشرون

رواية في هواها متيم البارت الخامس والعشرون

رواية في هواها متيم الحلقة الخامسة والعشرون

قال الذهبي: إن العلم ليس بكثرة الرواية، ولكنه نور يقذفه الله في القلب، وشرطه الاتباع، والفرار من الهوى والابتداع
٢٥– ” ثأر صغيرته ”
انتظر أن تجيبه الممرضة على ما سألها إياه ، فهو يريد أن يبعث به أى أحد الأمل ، من أنها ستكون بخير ، وأن يطمئن قلبه على تلك الفتاة ، التى ترقد بالداخل ، وكأن ما يرقد قلبه فهى حقاً اصبحت قلبه النابض بالحياة ، فاليوم كان يضع مخططه لاخبارها بحل اللغز ، فهو كان سيجعلها تعترف بما تكنه له فى قلبها مراراً وتكراراً ، فكان عازماً على أن يبدأ حياتهما سوياً ، وأن يحيا معها تلك الحياة التى كان يرسمها بمخيلته منذ أن رأها ، وأن تصبح زوجته بصورة فعلية و ينجب منها أطفالاً ، يرثوا ذلك الجمال والعناد والتمرد الذى لم يزيد قلبه إلا تعلقا بها
فعاد من جديد يسألها بلهفة عما ألت إليه أمور معشوقته :
– :” أرجوكى طمنينى هى عاملة ايه دلوقتى”
إبتسمت الممرضة بهدوء وردت قائلة:
–: الحمد لله ربنا كتبلها عمر جديد وهتبقى كويسة إن شاء الله
ملأت السعادة جنبيه فهتف قائلاً:
–:” الحمد لله الف حمد وشكر لك يا رب طب ممكن أشوفها”
أماءت الممرضة برأسها وهى تقول:
– إن شاء الله شوية كده و تشوفها لما الدكتور يخرج من جوا ونوديها الأوضة اللى هتقعد فيها وألف سلامة عليها مرة تانية
شكرها رفيق بل أنه أخرج كل النقود التى كانت بجيبه ، فوضعها بيدها شاكراً إياها ، فنظرت الممرضة للنقود بيدها بشئ من الذهول ، فمن يدفع مبلغ كهذا من أجل الإطمئنان على مريض ، فلابد أنها فتاة ذات قيمة لديه ، فوضعت النقود بجيبها وتبسمت له ورحلت من أمامه ، بينما هو رفع كفيه يحمد الله على نجاتها ، وأرتمى بعد ذلك على المقعد وهو يزفر بإرتياح ، فلو كان أصابها مكروه ، لم يكن يعلم ما سيصيبه حينها ، فليس بعد أن وجدها ، تذهب هكذا من بين يديه ، فالله قد من عليه اليوم وأعادها إليه
فبعد أن تم نقلها لإحدى غرف المشفى ، دلف رفيق الى الغرفة وجدها تتوسط الفراش بوجه شاحب ، يسمع صوت انفاسها المنتظمة ، فهى الآن بعالم اخر
فجلس بجوارها يمرر يده على وجنتها بحب قائلاً:
–:” بعد الشر عليكى يا قلب رفيق انا ليا حساب مع الكلب جوز امك ده والله لاندمه ندم عمره ان فكر يأذيكى أو قرب منك ومبقاش رفيق رسلان الا لو وديته فى ستين داهية ”
نظر لمعصمها الملفوف حوله ضماد أبيض ، فأخذ يدها بين كفيه وقبل ظاهرها وباطنها ، يضغط عليها برفق ، وأنزلقت دمعة من إحدى عينيه وهو يقول:
– أنتى عارفة يا ليان لو كنتى روحتى منى ، كان جرالى حاجة أنتى متعرفيش أنتى بقيتى إيه بالنسبة ليا أنتى روحى وأنتى عمرى وفرحتى اللى جت ليا بعد سنين
ظل يحدثها بما في قلبه ، وهو جالساً على المقعد بجوار الفراش ، فتارة يمسد على وجنتها ، وتارة أخرى يقبل رأسها ، فهو ينتظرها أن تفيق
فأعتصرت ليان جفنيها بألم ، فهى تشعر بثقل برأسها ، وبالخدر فى أطرافها ، ولكن إستطاعت بجهد إبتلاع لعابها وهى تقول بصوت واهن :
– رفيق
سمعها تناديه ، فرد قائلاً بلهفة وهو يقترب بوجهه منها ويمسد على رأسها :
– نعم يا قلب رفيق حاسة بإيه يا حبيبتى
أغلقت عينيها كأنها تشعر بحرق بجفونها ، وربما ذلك عائد لتلك الدموع ، التى بدأت تتجمع بمآقيها ، فبكت رغماً عنها وخرج صوتها متحشرجاً بألم :
– كان عايز يبعنى يا رفيق هو قالى كده وأنه قبض تمنى كمان كانوا هيبعدونى عنك
أقترب رفيق أكثر من الفراش ، ورفع ذراعه يحيطها به ، يقربها منه كأنه يريد إدخالها بين أضلعه ، فقبل جبينها وهو يقول:
– محدش يقدر يبعدك عنى يا قلبى اطمنى وإن كان على اللى عمله جوز أمك والله ما هسيبه فى حاله وهدفعه التمن غالى
ألقت برأسها على ذراعه وأقتربت منه أكثر ، فمازال خوفها متملكاً من حواسها ، فتريد أن تشعر بالأمان بإقترابها منه وسماع صوته ، فظل يهدهدها ويهمس بأذنيها ليشعرها بالأمان والطمأنينة ، حتى سمع صوت إنتظام أنفاسها ثانية ، فوضع رأسها على الوسادة ، وخرج من الغرفة ، فأوصى إحدى الممرضات أن ترعاها حتى يعود ، فهو لديه مهام أخرى سيؤديها ويعود إليها ثانية
_______________
يرتجف بدنه من الخوف ، فهو منذ هروبه من تلك الشقة ، بعد عراكه مع رفيق ، ورؤية ليان مسجية بدماءها ، وهو لا يعلم ماذا يفعل ؟ فكلما تصور أن ليان ربما تلقى حتفها وينتهى به الأمر بالزج فى السجن ، يتملك الخوف من قلبه أكثر فأكثر
فعاد للملهى الخاص به ، فالوقت مازال باكراً على توافد الزبائن ، فالعاملين فقط هم المتواجدين ، ويعملون على الاستعداد للعمل ، ولج فاروق غرفة مكتبه بالطابق الثانى
وماكاد يجلس على مقعده خلف المكتب ، حتى رآى الباب يفتح ويلج ذلك الرجل الذى تم الاتفاق بينه وبين فوفا على الاستيلاء على الملهى
فصاح به فاروق قائلاً بصوت جهورى :
– أنت ايه اللى جابك هنا دلوقت يلا أمشى غور على الصالة تحت
– لاء دا أنت اللى هتغور من هنا خالص يا فاروق
قالها الرجل ببرود ، وجلس على المقعد أمام المكتب واضعاً ساق على الأخرى
فأنتفض فاروق من مكانه ، وأقترب منه وقبض على ثيابه وجذبه حتى وقف أمامه وهو يصرخ بوجهه:
– أنت أتجننت ياض أنت ولا إيه يلا غور أنا مش فايقلك
أزاح يديه القابضة على ثيابه ، فإلتوى ثغره بإبتسامة ساخرة وهو يقول:
– لاء ما اتجننتش يا فاروق خلاص المحل ده كله بقى بتاعى وكله بالقانون أنت زمان ضحكت عليا وخدت القرشين اللى حيلتى ونصبت عليا بس دلوقتى أخدت المحل وهنصفى حسابنا مع بعض
أخرج الرجل من جيبه ورقة التنازل الخاصة بالملهى ، فأخذها فاروق يمعن النظر بها ، فأتسعت مقلتيه مما يقرأه ، فأراد تمزيق الورقة
فضحك الرجل قائلاً :
– قطعها يا فاروق دى نسخة من التنازل مش الأصل عبيط انا علشان اديك الأصل تقطعه
أثارت ضحكته جنون فاروق ، فنشب بينهما عراك وشجار ، وبدأ كل منهما فى محاولة منه للنيل من الاخر ، ولكن قبل أن يتأزم الأمر أكثر ، رأى فاروق رجال الشرطة يطوقون المكان
فتقدم منه شرطى شاهراً سلاحه النارى بوجهه قائلاً :
– سلم نفسك يا فاروق أنت مطلوب القبض عليك
نظر فاروق خلف الضابط وجد رفيق ينظر له بتحدى سافر ، فتصنع الجهل قائلاً :
– مطلوب القبض عليا ليه هو أنا عملت إيه
– حاولت تخطف مراتى وكنت ناوى تتاجر بيها وخليتها كانت هتنتحر دا غير البلاوى التانية اللى مستنياك والاعمال الغير مشروعة اللى كنت بتعملها
لم يعد لديه منفذ أو مهرب ، فالضابط أسرع بوضع الأصفاد الحديدية بيديه ، ودفعه ليتقدمه بالمسير ، فمر فاروق بجوار رفيق
فنظر إليه رفيق بعمق ونظرة نارية وهو يقول:
– هدفعك تمن اللى عملته فيها غالى
قبل أن يتمكن فاروق من الرد على ما قاله رفيق ، كان الشرطى يدفعه ليكمل سيره ، شعر رفيق بالراحة من أنه حرص على التخلص من شرور ذلك الرجل ، فبعد إلقاء القبض على فاروق ، عاد رفيق للمشفى ثانية
_______________
ولج رفيق الغرفة وهو يحملها بعد جلبه لها من المشفى ، تريح هى رأسها على منكبه العريض ، وتحيط عنقه بذراعيها ، تغمض عينيها تشعر بالراحة من وجوده قريباً منها ، فوضعها بالفراش ، ورآى والدته ورهف وباسم يدلفون الغرفة لرؤيتها ، فهو لم يخبرهم بشأن ماحدث لها إلا وهو عائداً بها للمنزل
فأقتربوا ثلاثتهم منها بخوف ولهفة وكل منهم يسرع بسؤالها عما حدث لها
فجلست والدته بجوارها وضمتها إليها قائلة :
– بعد الشر عليكى يا حبيبتى وألف سلامة كده يا رفيق متقولناش على اللى حصل إلا وانت راجع بيها كده
دلك رفيق مؤخرة عنقه بإرهاق وهو يقول:
– محبتش أخضكم يا أمى لأن عارف أنكم كنتوا هتصمموا تروحوا ليها المستشفى
فأخذت رهف دورها بالتعبير عن خوفها لصديقتها ، فجلست على الجانب الاخر من الفراش وهى تحتضنها بحب وقالت :
– ألف سلامة عليكى يا ليان أنا لما شوفتك كده خوفت عليكى أوى والله
تبسمت لهما ليان وهى تقول :
– ربنا ما يحرمنى منكم ابدا يارب
فنظرت لشقيقها الذى يحاول أن يكبت دموعه ، فأشارت له بالاقتراب ، فتركت رهف مكانها لتسمح له بالجلوس بجانبها ، فأنهار باسم بين ذراعيها باكياً بصوت مسموع وهو يغمغم :
– ازاى ده حصل يا ليان بعد الشر عليكى
مازال جسده يرتجف من أثر بكاءه وهى تضمه إليها وتربت عليه ، لعله يهدأ ويكف عن البكاء كالطفل الصغير الذى يبكى من أجل والدته ، فقبلت رأسه وهى تقول:
– إهدى يا حبيبى بالله عليك أنا كويسة أهو قدامك فمتعيطش يا باسم بس يا حبيبى
لم تأتى محاولتها لتهدئته بأى نتيجة ، فما كان من رفيق سوى جذبه إليه حتى إستقام بوقفته ، فقربه منه وهو يربت عليه قائلاً :
– خلاص يا باسم أهدى اختك الحمد لله كويسة وطول ما أنا عايش مش عايزكم تخافوا من حاجة ويلا روح أغسل وشك
امتثل باسم لأمره وخرج من الغرفة ، فنهضت والدته وهى تقول:
– أرتاحى أنتى دلوقتى يا ليان على ما هروح أعملكم حاجة تاكلوا يلا يا رهف علشان تساعدينى
ردت رهف بتفكه كالعادة :
– المساعد ربنا يا حاجة مش حمل فرهدة فى المطبخ أنا هقعد انا وليان نرغى وناكل لبان
ناداها شقيقها قائلاً :
– رهف
علمت هى مغزى نداءه لها ، فإبتسمت له قائلة:
– إما كنتش تحلف بس يا أبيه يلا بينا يا مامتى
إبتسم بخفوت على قولها ، فمدللته لن تغير من سلوكها الممازح أبداً ، فبعد خروج والدته وشقيقته ، جلس على طرف الفراش مقابل لها ، فتلاقت أعينهما بحوار صامت ، فبعد إكتفاءه من الصمت ، رفع يده يتلمس وجنتها بحنان وهو يقول:
– حاسة بإيه دلوقتى يا حبيبتى لسه جرح إيدك بيوجعك
حركت رأسها وهى تقول:
– شوية بس أحسن من الاول
قبل أن يعمل على سحب يده ، رفعت هى يدها ووضعتها عليها وقربتها من فمها تقبل باطنها وهى تقول بحب :
– شكراً يا حبيبى على كل حاجة ربنا ما يحرمنى منك ابدا يارب ، كل مرة كنت بقع فى مشكلة بسبب عدم تفكيرى ، كنت أنت بتنقذنى ، عارفة أن غلطت لما سمعت كلام جوز ماما ورحت معاه من غير ما اقولك بس والله افتكرت ماما كانت تعبانة بجد وعايزة تشوفنى ، بس خلاص حرمت مش هعمل حاجة تانى من غير ما أقولك
أسرته بفعلتها وكلماتها الرقيقة ، فما كان منه سوى أن أخذ كفيها بين يديه ، ومن ثم وضعهما على صدره موضع فؤاده وهو يقول:
– الحمد لله عدت على خير يا حبيبتى ، أنتى حاسة بدقات قلبى دى ، كانت هتقف من الخوف عليكى لو كنتى روحتى منى ، ليان أنا عايز نتجوز من أول وجديد وأعملك فرح كبير ، فرح يليق بيكى يا حوريتى بس تخفى بسرعة وكمان نشوف هيعملوا ايه مع جوز مامتك
بتذكرها فاروق ، اغتمت ملامحها ، فهى لا تريد تذكره ولا تذكر ما حدث ، فرفيق أخبرها بشأن القبض على زوج والدتها ، فشعرت بالراحة كونه سينال جزاءه جراء فعلته ، ظلا يتحدثان حتى وجدا رهف تلج الغرفة تحمل لهما الطعام ، فتركت الصينية وغادرت
فوضع رفيق الطعام أمامها قائلاً بحزم :
– يلا علشان تاكلى يا حبيبتى ، ومش عايزك تقولى لاء أنا مش جعانة ماشى
هزت رأسها وقالت بطاعة :
– حاضر هاكل
بعد أنتهاءها من تناول طعامها ، وجدت مازال جالساً بجوارها ، فأستلقت على الفراش واضعة رأسها على ساقه ، وعادت من جديد تتذكر ما حدث معها ، فدمعت عيناها ولكن حرصت أن لا يعلو صوت بكاءها ، فيكفى ملمس كف يده الدافئ وهو يمرره على وجنتها وبين خصيلاتها ، علاوة صوته الهادئ ، الذى راح يدوى اصداؤه بأذنيها وهو يهدئ من روعها ، محاولاً أن يصرف عنها شعورها بالخوف
______________
أستند أكمل بثقل على عصا يستخدمها للمشى ، حتى يتماثل للشفاء بشكل نهائى من تلك الكسور ، التى ألمت بجسده من جراء الحادث ، فهو يحمد الله على نجاه ابنته ، فلو كان أصابها مكروه ، ربما كان سيفقد رغبته بالحياة ، نظر الى ذلك القبر الذى يضم جسد زوجته ، التى قضت على حياتها بسبب تهورها
فندت عنه زفرة مرتجفة يتبعها نهدة حارة ، ودمعة فرت من عينيه ، فحاول أن يسيطر على إرتجاف صوته وهو يقول:
–:” الله يرحمك يا شهيرة ، متفتكريش أن مش زعلان على موتك ، كان نفسى تكون ليا الزوجة اللى كنت بتمناها ، وجايز أنا كمان مذنب زيك ، بس ربنا يشهد أن أنا حاولت أن حياتنا تبقى كويسة بس للأسف كنت لما أقرب منك خطوة تبعدى عشرة ، بس استفدتى ايه يا شهيرة من اللى عملتيه خسرتى حياتك ربنا يرحمك ويغفر لك”
بعد ان تم دعاءه لها بالرحمة والمغفرة ، عاد للسيارة ثانية ، فأسرع السائق بفتح الباب الخلفى له ، فهو وظف سائق لديه ، لأنه لن يقوى على قيادة سيارته بالوقت الحالى ، فجلس بإرتياح بالمقعد الخلفى ، فأشار للسائق بالذهاب للمشفى ، الذى مازال يرقد به عامر الرفاعى والد زوجته
فقاد السائق السيارة حتى وصل للمشفى ، فترجل أكمل منها بحرص ، وولج للداخل حتى وصل لتلك الغرفة التى يقبع بداخلها عامر
فطرق الباب وأدار مقبضه ، نظر بداخل الغرفة ولكنه وجد الفراش خالياً ، فأستوقف إحدى الممرضات ليسألها عن والد زوجته
فهتف بها بتساؤل :
– لو سمحتى المريض اللى كان هنا راح فين
نظرت الممرضة إليه وردت بهدوء :
– البقاء لله أتوفى الفجر وجم قرايبه أستلموه
نطق أكمل بصدمة:
– مات
أماءت الممرضة برأسها وهى تقول:
– أيوة بعد ما كانت حالته إستقرت شوية جاتله أزمة قلبية حادة وأتوفى الله يرحمه
غادرت الممرضة بعدما قالت ما لديها ، فلم يحتمل أكمل الوقوف كثيراً فجلس على أقرب مقعد وجده ، فأستند بيديه على عصاه وأحنى رأسه عليهما وهو يبكى بصمت ، فبعد أن أخذ كفايته من الجلوس ، هب واقفاً ليخرج من المشفى ، فعاد لسيارته ، وأنطلق عائداً لبيته ، فقبل أن يلج للداخل وجد سيارة أجرة تقف أمام المنزل ، فترجل من سيارته ، وألتفت خلفه وجدها تقف بجوار السيارة ممسكة بيد طفلته
فابتسم ابتسامة خفيفة لها فهى عندما علمت بالحادث الذى ألم به وبطفلته هرولت سريعاً الى المشفى لتكون بجواره بتلك المحنة ، فتعلقت الصغيرة بها أكثر من شدة عنايتها بها ، فربما كانت كنزى أكثرهما حظاً بالشفاء سريعاً من ذلك الحادث الأليم
فتقدمت صغيرته منه ببطئ ، فساقيها مازالتا بحاجة لمزيد من الوقت ، حتى تلتئم وتعود مثلما كانت ، فسارة أخذت على عاتقها مهمة ذهابها بها للمعالجة الفيزيائية ، حتى تلتئم كسور جسدها سريعاً
فنظر أكمل إليها شاكراً صنيعها وهو يقول:
–:” شكرا يا سارة على أنك واخدة بالك من كنزى وبتراعيها”
أقتربت سارة خطوتين ومدت يدها تداعب رأس الصغيرة قائلة:
–:” متقولش كده كنزى فى عينى وربنا يتم شفاكم على خير يارب”
–:” وكنزى محتاجة أم محتاجة أم بمعنى الكلمة يا سارة”
قالها أكمل فجأة ، فإستحال وجهها للون الأحمر ، فربما هو عاد راغباً فى الزواج منها ثانية
فأولته ظهرها وهى تقول محاولة الفرار من أمامه :
–:” لو أنت لسه عند وعدك أنا ممكن اكون الأم دى”
لم تنتظر دقيقة أخرى ، بل أسرعت بالابتعاد قبل سماع رده ، فتجدد الأمل بداخله ثانية ، فهى تصرح له الآن بأنها راغبة فى تأدية هذا الدور لتلك الطفلة ، وهو لم يكن أحمق ليضيع من يده تلك الفرصة التى أتته بعد عناء
______________
إستطاعت ليان تجاوز محنتها التى ألمت بها مؤخرًا ، وبعد إمتثالها للشفاء ، أصرت على زوجها بالذهاب للمحكمة ، فهى علمت بموعد الحكم على زوج والدتها ، الذى كشفت التحقيقات عن تورطه بأعمال منافية للأداب ، وكل هذا بمساعدة أحد رجال السياسة ، والذى تم القبض عليه أيضاً هو وتلك المرأة المدعوة توحة ، فأرادت رؤيته خلف القضبان لينال جزاء جريرته بحقها وبحق كل من تسبب بإيذائهم
فبالمحكمة… وقف ذلك الرجل ، يحاول أن يتوارى من اضواء تلك الكاميرات ، التى تلتقط لهم الصور ، فأخبارهم ستتصدر الصفحات الأولى من الجرائد ، فتلك ليست أى قضية ، فهى قضية المتاجرة بالفتيات ، والمتاجرة بالأعضاء البشرية ، التى تورط بها ذلك الرجل المدعو الباشا ، فما هو إلا أحد كبار رجال السياسة والأعمال ، الذى كان يستخدم سمعته ستارا يوارى خلفه حقيقة بشعة ، فهو يتذكر ذلك اليوم الذى وجد رجال الشرطة يقتحمون غرفة مكتبه ويلقون القبض عليه فاتحاً بذلك الطريق ، للقبض على تلك العصابة ، التى تستخدم الفتيات فى أعمال غير مشروعة
فنطق القاضى بالحكم وقال بصوت جهورى سمعه كل من كان بالمكان :
–:” حكمت المحكمة على صابر منصور وشهرته الباشا وفاروق المعداوى وتحية الزيات وشهرتها توحة بالسجن خمسة عشر عاماً مع الشغل والنفاذ رفعت الجلسة”
بعد نطق الحكم ، شعرت ليان بالسعادة ، من أن ذلك الرجل سيلقى ذلك المصير الذى يستحقه ، فقامت بوضع كفها الصغير فى قبضة يده القوية ، تنظر اليه بابتسامة صافية ، ترسل رجفات بقلبه ، تجعله يقبض بيده على كفها يكاد يعتصره بين أصابعه ، يريد أن يصدق أن ما يحدث حقيقة وأنها بجواره الآن
وعندما همت بالخروج من قاعة المحكمة ، اعترضت والدتها طريقها بعيون باكية وهى تقول:
–:” سامحينى يا ليان”
نظرت إليها ليان بجمود وقالت :
–:” المسامح ربنا بس أسامحك على إيه ولا إيه على أنك السبب فى موت بابا الله يرحمه ، وعلى علشان رمتينى أنا وأخويا ولا علشان عرفت أنك كنتى موافقة أن جوزك يشغلنى عنده فى الكباريه ويستفاد من ورايا أسامحك على ايه بالظبط”
حدقت بها إلهام بدهشة وقالت :
–:” انتى عرفتى الكلام ده كله منين”
كزت ليان على أسنانها لتكافح دموعها وهى تقول:
–:” هو ده اللى هامك عرفت منين ربنا يسامحنا كلنا عن إذنك”
قامت ليان بسحب يد زوجها ، لتخرج من ذلك المكان ، قبل أن تخونها دموعها ، ولكنه لم يعى حتى الآن من أين علمت بذلك الأمر الخاص بأبيها ،فبعد أن أستقلا السيارة ، نظر إليها وتساءل :
–:” ليان أنتى عرفتى منين موضوع أن مامتك السبب فى موت باباكى”
مسحت ليان طرف عينيها بإصبعها وقالت :
–:” أنا عارفة من يوم ما تيتة دخلت المستشفى وأنت دخلتلها تتكلم معاها ف الوقت ده فضولى خلانى أقف أسمع كلامك وساعتها اتصدمت لما عرفت وعرفت موضوع جوزها لما أنت حكيتلى عن تحقيقات النيابة ”
غمر خدها بكفه وهو يقول:
–:” وليه مقولتليش أنك عرفتى بموضوع باباكى”
أحنت رأسها قليلاً فقال بصوت منخفض:
–:” أنا كنت فى وقت حسيت أن الدنيا كلها أتقلبت جدتى بتموت والمفروض أتجوزك وأعرف أن ماما السبب فى موت بابا حسيت الدنيا كلها اتكركبت على دماغى دنيتى اللى كنت عايشة فيها بهدوء وراحة بال انقلبت ١٨٠ درجة ”
إبتسم لها قائلاً :
–:” طب ودلوقتى يا ليان”
ردت ليان قائلة بحب :
–:” دلوقتى دنيتى رجعتلى لما الغزالة رجعت لصيادها تانى”
خيم صمت جميل ، غلف الأجواء بتيارات عارمة من المشاعر الجميلة ، المتغلغلة بداخل قلبين وجدوا الراحة بعد عناء البحث الطويل ، فقاد السيارة وهو يدنيها منه ، تضع رأسها على كتفه ، تنعم بقربها منه ، حتى غلبها النعاس دون أن تدرى
عوضاً عن ذهابهما للمنزل ، أخذها لأحد المطاعم الفاخرة لتناول الغداء ، فصف السيارة أمام المطعم وناداها برفق قائلاً:
– ليان ليان أصحى
فتحت ليان عينيها ومسحت وجهها وهى ترد قائلة بإبتسامة ناعسة :
– خلاص وصلنا البيت
نظرت من نافذة السيارة وعقدت حاجبيها قائلة بدهشة:
– إحنا مروحناش البيت ، جبتنى هنا ليه
– حبيت نتغدا هنا ، تعالى هأكلك أحلى أكلة سمك
أتسعت مقلتيها بعد سماع قوله ، فهى لا تتناول المأكولات البحرية ، ودائماً ما كان شقيقها باسم يغيظها بذلك الأمر ، بأن يجلب العديد من أنواع السمك لتطهيه له ولجدتها الراحلة ، فقبل أن تقول شئ ، ترجل رفيق من السيارة وحثها على الخروج من السيارة ، فتبعته للداخل حتى وصلا لإحدى الطاولات
أشار رفيق للنادل ، الذى جاءه على وجه السرعة ودون ما أراده وذهب لجلب الطعام ، فإبتسم رفيق لها قائلاً:
– السمك هنا حلو جدا وهيعجبك
أماءت برأسها بهدوء ، ولم تشأ إفساد مزاجه ، فوضع النادل الأطباق ، فكلما تنظر للأطباق ، تنقبض قسماتها كأنها ستتقئ ، بدأ رفيق تناول طعامه ، ولكنه أنتبه على أنها لم تضع شيئاً بفمها
فعقد حاجبيه متسائلاً:
– مالك يا حبيبتى مبتكليش ليه ؟
أغمضت عينيها وردت قائلة:
– رفيق أنا مبحبش السمك ولا الجمبرى والحاجات دى ، ودقيقتين كمان هتحصل حاجات مش ظريفة ، أنا هستناك فى العربية على ما تخلص أكل
وضعت يدها على فمها وركضت قبل أن تتقئ ، فنهض رفيق ووضع النقود على الطاولة وركض خلفها ، فوجدها تستند على السيارة وهى تحاول أن تلتقط أنفاسها بصورة منتظمة ، شعرت بتأنيب الضمير لأنها تسببت بتركه للطعام
فحدقت به وهى تقول بأسف :
– أنا أسفة بجد بس مبقدرش استحمل ريحة السمك ولا أكله ، بس مكملتش أكلك ليه ، أنا كنت هستناك فى العربية على ما تخلص
رد رفيق قائلاً:
– إزاى يعنى أقعد أكل لوحدى وأنا اللى عازمك على الغدا ، طب عايزة تاكلى ايه طيب
فكرت ليان وردت قائلة متفكهة :
– تعال نتمشى شوية ونبقى نروح ناكل فى البيت ، دا أكل ماما منى أحلى من أكل أى مطعم ، على الأقل نشمر كده وناكل براحتنا
ضحك رفيق على قولها ورد قائلاً بإبتسامة:
– طب تعالى الشارع ده فى محلات لفساتين الفرح ، نختار فستان ليكى علشان فرحنا
فرحت ليان بإقتراحه ، فتجولا بالمتاجر الخاصة بثياب الزفاف ، فأنتقت ثوباً أبيض أنيق ، بتصميم مميز ، فكم بدت رائعة به أثناء إرتداءها له من أجل أن ترى هل مناسباً أم لا ، فوقع رفيق بغرام الثوب وطلتها الجذابة ، التى جعلت قلبه يخفق بجنون وهو يراها تدور حول نفسها وصوت حفيف ثوبها يجعل خفقات قلبه تزداد جنوناً
فهتفت ليان بسعادة :
– حلو أوى الفستان ده يا رفيق عجبنى أوى
أماء رفيق برأسه باسماً:
– وعجبنى أنا كمان خلاص هنشتريه يا حبيبتى
حملت ليان الثوب بعدما دفع رفيق ثمنه ، فوصلا للسيارة ووضعته بالمقعد الخلفى بحرص ، كأنها تخشى عليه من التلف ، فإستقلت السيارة بالمقعد المجاور لزوجها ، وأنطلق عائداً بها لمنزله ، فكم بلغت سعادته ذروتها وهو يراها سعيدة وتلتفت برأسها تنظر للثوب وسرعان ما تعاود النظر له وتخبره بمدى سعادتها ، فهى لم تكف عن الحديث والتفكه طوال طريقهما ، فبعد وصولهما المنزل ، خرجت ليان من السيارة وأخذت الثوب وأسرعت بخطواتها للداخل ، فنادت رهف ووالدة زوجها وباسم لرؤية ثوب زفافها ، وكل هذا وهو يرمقها بصمت ، ولا يستطيع أن يصف سعادته وهو يرى حماسها وفرحتها بشراء الثوب ، فخرج من شروده على صوت الزغاريد التى راحت تطلقها والدته بصوت صادح ، لا تصدق أنها أخيراً سترى زفاف إبنها البكر ، فهى أنتظرت هذا اليوم بشوق ولهفة ، فصعد لغرفته ووجد ليان تلج الغرفة وذهبت لغرفة الثياب ووضعت ثوب الزفاف وخرجت إليه ، وجدها تتعلق بعنقه تعرب عن سعادتها البالغة بتلك الكلمة السحرية ” بحبك ” ، التى همست بها بأحد أذنيه كأنها نغمة عذبة إشتاقت لها روحه كثيراً ، فلم تكف عن قولها
_______________
بالشركة كان ينهى بعض الاعمال العالقة ، فالأيام القادمة لن يكون حراً ، فهو سيقيم حفل زفاف لحوريته ، ثم يذهب بها بعيداً لقضاء شهر العسل ، فسمع صوت طرق على باب مكتبه فأذن للطارق بالدخول وهو يقول بصوته الرصين :
–:” ادخل”
دلفت ماهيتاب بإصرار ، من أنها لابد ان تبوح له بما داخلها ، فربما يشعر بها ذلك الرجل ويعلم أنها تهيم به
فرفع رفيق رأسه ونظر إليها قائلاً بكياسة :
–:” أهلا يا ماهيتاب اتفضلى”
خطت ماهيتاب بخطواتها تجاهه وهى تقول:
–:” شكرا يا رفيق ”
لاحظ رفيق أنها ما زالت تقف مكانها ولم تجلس ، فخشى أن يكون حدث شيئاً بينها وبين شقيقه مالك وهو لا يعلم ، فترك مكانه ودار حول المكتب حتى صار وجهها لوجه معها
فنظر إليها قائلاً بإهتمام :
–:” خير يا ماهيتاب حصل حاجة ”
نظرت إليه بصمت دام لثوان معدودة ، فما لبثت أن قالت:
–:” رفيق أنا بحبك”
رفع رفيق حاجبيه ونظر أمامه بأعين متسعة و غاضبة من وقاحة تلك الفتاة ، التى تأتى إليه الآن وتخبره انها تحبه ، متناسية بذلك أنه الشقيق الأكبر لزوجها المستقبلى
فصاح بوجهها قائلاً بغضب :
–:” ماهيتاب أنتى أتجننتى إيه اللى بتقوله ده”
ردت ماهيتاب قائلة بصوت متلهف :
–:” بقول اللى مش قادرة أخبيه أكتر من كده أنا بحبك أنت مش بحب مالك”
بذلك الوقت أنفتح الباب ، ودلف منه مالك ، الذى اخترقت مسامعه ، كلمات تلك الفتاة ، فنظر رفيق الى شقيقه ، الذى وقف مكانه كأنه جسداً بلا روح ، بعد ان سمع خطيبته تصرح بحبها له ، هو شقيقه الأكبر والذى يراه دائماً مثله الأعلى وأبيه قبل أن يكون شقيقه
فنطق رفيق إسمه بصوت خافت :
–:” مالك”
نظرت ماهيتاب حيث يقف مالك ، فأعادت ما قالته ثانية ولكن تلك المرة بإصرار أكثر جنوناً :
–:” أيوة يا مالك أنا مش بحبك أنت أنا بحب رفيق بحب رفيق وعمرى ما حبيتك من ساعة ما شوفته وأنا بحبه أيوة بحبه”
طفقت تردد إعترافها بحبها لرفيق ، كأنها أصيبت بالهذيان ، فهى كأنها وصلت إلى حد الجنون أو الهوس ، غير عابئة بنتائج أقوالها وأفعالها
فلم تفيق من حالتها ، إلا على تلك الصفعة ، التى تلقتها على وجهها من يد رفيق وهو يصرخ بها قائلاً :
–:” أخرسى وأطلعى برا وأبعدى عن حياتى أنا وأخويا يلا براا براااا”
___________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في هواها متيم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى