رواية في هواها متيم الفصل الخامس عشر 15 بقلم سماح نجيب
رواية في هواها متيم الجزء الخامس عشر
رواية في هواها متيم البارت الخامس عشر
رواية في هواها متيم الحلقة الخامسة عشر
قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: ليس الزاهد من ألقى غم الدنيا واستراح فيها، إنما الزاهد من ألقى غمها وتعب فيها لآخرته.
١٥– ” إعتراف سخيف”
قاد فاروق سيارته بسرعة قصوى ، فكان على وشك فقدان السيطرة على أعصابه ، وتفادى الاصطدام بالمارة عدة مرات ، حتى وصل الأمر بزوجته أن تطلق صرخات عالية من الخوف بسبب تلك السرعة الزائدة ، التى يقود بها ، فبعد معرفتهما بزواج ليان ومجئ المحامى وإخبارهما بالحقيقة كاملة ،وأن ليان حقاً زوجة رفيق ، وجدوا أنفسهما راحلان من المنزل ، وتركا ليان واخيها مع رفيق ، ليغادر بهما الى منزله
فوضعت إلهام يدها على صدرها وهى تقول بخوف :
– :” حاسب يا فاروق انت كده هتموتنا”
ضرب فاروق المقود بغيظ وهو يقول :
–:” فى ايه يا إلهام انتى كمان متوجعيش دماغى بصويتك ده “
ندت عن إلهام زفرة حارة مرتجفة وهى تقول:
–:” سوق بالراحة انت هتموتنا يا فاروق والعصبية بتاعتك دى مش هتفيدك بحاجة “
جز فاروق على أسنانه مغمغماً بغيظ عظيم :
–:” شوفتى الولية القرشانة لعبتها صح ازاى “
أماءت إلهام برأسها وهى تقول:
–:” أنا مجاش فى دماغى أنها ممكن تعمل كده ابدا”
–:” واهى عملت ودلوقتى مش هنقدر ناخد بنتك منه لانها مراته حتى باسم هى اتنازلت له عن وصايته ”
قال فاروق عبارته وعاد ينظر للطريق أمامه
بينما إلهام زفرت بشعور من الراحة وهى تقول:
– :” بس تصدق كده أحسن انها اتجوزت وتبقى فى حماية راجل علشان مبقاش قلقانة عليها”
صاح بها فاروق بغضب :
–:” وهى معانا مكنتش هتبقى فى حمايتنا”
نظرت إلهام من نافذة السيارة وهى تتحاشى النظر إليه وقالت :
–:” انت كنت عايزها تغنى عندك فى الصالة يا فاروق وانت كنت عمال تقنعنى بالموضوع بس من جوايا مكنتش موافقة كده أحسن”
قبض على المقود بقوة وهو يرد جواباً على قولها :
–:” هو أنتى كان صعبان عليكى إن إحنا نبقى اغنيا ونعيش فى مستوى كويس”
لوت فمها وهى تقول:
–:” بأنك تخلى بنتى عرض عندك فى الصالة”
زاد حنقه منها ، فصرخ بوجهها قائلاً :
–:” خلاص اكتمى بقى اهى خلاص الفرصة ضاعت من ايدنا”
ردت إلهام قائلة بعدم إكتراث :
–:” أحسن برضه أنها ضاعت”
كف فاروق عن الحديث ، فكلام تلك المرأة ، يصيبه بالضيق فهو الآن يلعن حظه العاثر ، الذى جعل ذلك الرجل المدعو رفيق يظهر بتلك اللحظة الحاسمة ، ولكنه لن يجعل اليأس يصيبه ، فتلك الفتاة لابد أن يأتى الوقت المناسب ، وستكون تحت قبضة يده ، وهو سيعمل جاهداً لتحقيق ذلك الهدف
_______________
نفخ رفيق بضيق فلقد سأم حقاً من الحديث معها ، فهو منذ ساعة تقريباً وهو يقنع تلك الفتاة العنيدة ، أن تحزم امتعتها ،حتى يعودوا الى منزله ، وهى تقابل مطلبه بالرفض القاطع
فألتمعت عيناها بالشرار وهى ترد قائلة :
–:” قولتلك مش هاجى معاك يعنى مش هاجى معاك انت مبتفهمش”
فهى لم يعد لديها ما تخسره ، فهى خسرت كل شئ دفعة واحدة ، ولم يعد يعنيها ما سيحدث لاحقاً
برزت عروقه بجبهته وهو يقول بغضب شديد:
–:” احترمى نفسك احسن والله العظيم اوريكى وشى التانى وانتى لسه متعرفنيش”
ردت قائلة بسخرية :
–:” لاء ما أنا اعرفه يا استاذ انت”
تركها رفيق وأقترب من باسم قائلاً بلين :
–:” باسم روح انت جهز شنطتك على ما اتكلم مع ليان شوية”
لم يرد باسم كلمته ، بل قال بإستسلام تام :
–” حاضر”
ذهب باسم لتنفيذ ما قاله رفيق ، فنظرت اليه بتلك النظرات الكارهة والتى قد سأم منها ، وهى تقول بإصرار :
–:” أنت بتقوله يجهز شنطته ليه أخويا هيقعد معايا ومش هيروح ف حتة انت فاهم”
رفع سبابته بوجهها محذراً إياها من مغبة الإستمرار بعنادها الطفولى وهو يقول :
–:” بقولك ايه انا مش فاضى للعب العيال بتاعك ده بقى انا زهقت من تصرفات العيال بتاعتك دى يا أنسة يا محترمة”
نظرت ليان لأظافرها ، لتتجاهل حديثه لها ، فردت قائلة ببرود :
–:” هو ده اللى عندى اذا كان عاجبك واخبط دماغك فى الحيطة”
جذبها بغتة من مرفقيها ، حتى أستقامت بوقفتها ، فصاح بوجهها غاضباً:
–:” أنتى قليلة الادب ومحتاجة تربية من اول وجديد وانا هربيكى يا ليان واعلمك الأدب”
لوت ثغرها بسخرية وقالت:
–:” حلوة النكتة دى اعلى ما فى خيلك اركبه يا استاذ انت”
فتاة سليطة اللسان حقاً ، لاذعة كبرتقالة مرة تناولها عن طريق الخطأ ، إذا لم تكف الآن عن حديثها السخيف والمهين ، فربما سيخرسها هو بطريقة تعجزها عن الحديث أياماً ، فماذا يفعل معها أيصفعها على وجهها ام يعانقها كما حلم بها بين يديه؟
لاحظت أنه كف عن الحديث ، وكأنه يضمر لها نية سيئة ، لا تعلم لما شعرت بالخوف عندما رأت نظراته تتجول على وجهها ؟ كأنه يخطط لشئ يريد تنفيذه ولكنه يرتب افكاره اولاً
نبضة تلو نبضة ، و رجفة تلو رجفة ، وخوف تملك من فؤادها رأته يقترب بوجهه منها ، فأرتد رأسها للخلف وهى تنظر له بذعر ، وكأن يديها أصبحت عاجزة عن دفعه قبل ان يصل اليها
فأستطاعت أن تفلت من بين يديه ، وظلت ترتد بخطواتها للخلف ، حتى اصطدمت بمقعد خلفها ، فوجدت نفسها تجلس عليه وهى ترفع عينيها اليه كأرنب مذعور
فجف حلقها وهى تقول :
–:” فى ايه مالك انت بتقرب منى ليه كده ابعد عنى”
قال رفيق بتسلية :
–:” أصل ما سمعتش منك الكلام كويس فقربت علشان اسمع بتقولى ايه”
وجدته يقترب أكثر كأنه وجد شئ مسلى، فوجدته يضع يديه على طرفى المقعد ينحنى اليها ، فأصبح وجهه مقابل لوجهها ، لا تفصلهما سوى سنتيمترات قليلة ، لا تكفى أن تستنشق هواءاً ،حتى صار كل منهما يسمع صوت انفاس الآخر ، فأنفاس مضطربة خائفة ، وأنفاس مشتاقة هادئة
نظرت اليه بعيون جاحظة ، فماذا سيفعل ذلك الرجل الآن بها ، فهى من وضعت نفسها بهذا المأزق منذ البداية
فكأنها نسيت كل شئ ، تستنشق رائحة عطره ، الذى فاح من ثيابه قاصداً أنفها ، من إقترابه الحميمى منها ، فما ذلك العطر الذى يستخدمه ، فهو كأنه يضع عطر للتنويم المغناطيسى فأطرافها اصابها الخدر ، تشعر بعقلها يصيبه الشلل ، فتسمرت عينيها على وجهه ، وكأنه إذا أخبرها الآن ، بأى أمر ستوافق بدون أى مناقشة او اعتراض
فهتف بها بصوت هادئ :
–:” هتقومى تجهزى شنطتك وتيجى معايا ولا ايه يا ليان”
اللعنة على تلك الثقة التى يملكها ، و تلك النبرة الهادئة التى يتحدث بها هذا الرجل ، كأنها ستهرول سريعا الى غرفتها وتقوم بتنفيذ ما قاله ، ولكن لا لن ترضح لاوامر ذلك المتغطرس ، فهى حرة وستظل كذلك ، فكل هذا الكلام يتردد بداخلها ، تريد أن ترمى به فى وجهه ، ولكن كأن تلك الكلمات فى مكان ما بعيد مهجور ، لا تجد الطريق الى الخروج فأفكارها اصبحت تائهة فى صحراء عقلها الآن
–:” لاء”
كلمة واحدة خرجت من حلقها ، فأعصابها مشدودة كوتر على وشك الانقطاع ، اذا استمرت على تلك الحالة ، رفع احدى حاجبيه تعجباً من قوة ارادة تلك الفتاة ، التي لا تنصاع أبدا لأى كلمة يقولها
روح متمردة وعينان ملتمعة بقوة ، يقبع خلف تلك القوة الواهية ، فتاة هشة كالقطن الذى إذا ضغط عليه ينكمش بين أصابعه مطيع ولين
فقال تلك المرة بهدوء مثير :
–:” ليان أنا مش فاضى للعب العيال بتاعك ده انا ورايا شغل كتير ولازم امشى ومينفعش اسيبك انتى وباسم هنا افهمينى يا حبيبتى”
نقمت عليه بأنها أستمعت لتلك الكلمة من فمه ، وهى كانت تريد سماعها من ماجد ، فردت قائلة بحدة :
–:” وانا قولتلك مش هاجى معاك وأنا مش حبيبتك وانت لازم تطلقنى بسرعة”
مد يده وداعب وجنتها بلطافة وهو يقول:
–:” هو احنا لحقنا نتجوز علشان اطلقك ياليان”
خفض يديه يتحسس فكها ، لمسة من نار احرقت بشرتها ، فلماذا هى عاجزة عن ردع يده حتى تكف عن التجول على صفحة وجهها؟
غائباً هائماً بما يفعله ، فما الذى يحدث معه؟ فربما هو أصبح مغيب أو ربما تلبسته شياطين الجن ، فيتصرف هكذا ، فمن يراه الآن لا يصدق انه منذ عدة أيام ، كان لا ينظر إلى أى امرأة كانت أو فتاة
فلم تستهويه بنات حواء ، منذ ذلك الموقف السخيف الذى حدث معه منذ سنوات ، عندما كان ببداية ريعان شبابه ، أما الآن فيده تتجول على وجه تلك الفتاة ، لا تكف عن تحسس أدق تفاصيل وجهها ، كأنه اعمى يتحسس طريقه فى الظلام
فأزاحت ليان يده بغضب ، تحاول أن تدارى ذلك الضعف الذى بدأ يسير بأوردتها ، فهى لم يلمسها أحداً من قبله ، ويبدو عليه أنه خبير بفنون إغواء عقلها وقلبها
فعادت وتذكرت ما كان من أمرها سابقاً ، فهتفت به بحدة :
–:” انا مش مراتك دا كلام وخلاص والورقة اللى بتثبت ده ملهاش لازمة انت أبقى تبلها وتشرب مايتها”
عوضاً عن أن تثير مزيداً من حنقه ، جاءها صوته هيناً ليناً :
–:” دى مش ورقة وبس يا ليان دى قسيمة جوازنا يعنى انتى دلوقتى بقيتى ليان رفيق رسلان عارفة يعنى ايه كلامى ده”
أقترب منها ثانية ، فظل الصراع بداخلها على أشده، فهل جهلها بتلك الأمور ، جعلها لا تحسن التفكير مع أول مرة تشعر بإقتراب رجل منها ، خاصة إذا كان يملك ما يخوله أن يفعل ما يشاء
فردت ليان بصوت شابه الضعف :
–:” مش عارفة ومش عايزة أعرف وابعد بقى عنى”
–:” انتى عيزانى ابعد دلوقتى يا ليان”
نبرته دافئة هادئة هامسة مثيرة للضعف ، الذى يسرى الآن فى مفاصلها ، فهى حتى إن إستطاعت أن تنهض من مكانها فقدميها لن تتحمل وزن جسدها على الرغم من ضعف بنيتها الجسدية ، فربما ستسقط جالسة فى مكانها مرة أخرى
ما تلك الافكار التى تزاحمت بعقلها الباطن حول ذلك الرجل ؟ فتلك هى المرة الاولى ، التى تشعر بأحد قريب منها الى هذا الحد ، الذى يجعلها ترى ذلك النبض اسفل عنقه ، فهى ترى عظمة نحره تجرى صعوداً وهبوطاً ، وكأنه يبتلع ريقه ليبلل حلقه الذى ربما أصابه جفاف شديد
فزاد بالأمر حتى أقترب هامساً أمام وجهها :
–:” ها مردتيش عليا يا ليان”
أصطدمت عيناها بحركة شفتيه ، وتلك الأنفاس الدافئة تضرب وجهها بدون رحمة أو هوادة ، فبالكاد خرج صوتها وهى تقول:
–:” عايزنى ارد عليك بخصوص ايه”
لم ينتبه رفيق من قبل على تلك الشامة الصغيرة أسفل شفتها السفلى ، فقال وعيناه عالقة بها :
–:” ليان أنا مش هفضل طول النهار مستنيكى توافقى تيجى معايا أنا طولت بالى معاكى بما فيه الكفاية لازم تسمعى كلامى بقى “
أجابته ليان بتلعثم :
– :” ماهو أصل فى حاجة أنت متعرفهاش وهى أن أنا بحب واحد تانى
لم تكد تنهى حديثها ، وإعترافها السخيف ، الذى لم تتفوه به إلا من أجل أن تثير غضبه وحنقه ، وربما يتركها بحالها ،حتى لمحت ماجد يقف على عتبة ذلك الباب المفتوح على مصراعيه ، وكأنهما تناسوا أمره بعد رحيل والدتها وزوجها
وجدها تنظر لشئ خلفه ، فتتبع نظراتها وإستدار برأسه و نظر من خلف ظهره ،وجد ذلك الشاب يقف أمام الباب ، يرى ذلك المشهد الحميمى ، الذى لو رأه أى احد ، سيظن انهما عاشقان كانا على وشك تبادل العناق ، فهو رأى يد رفيق تحتضن وجهها ، وهى جالسة مطيعة ولا تبدى إعتراضاً
نيران شبت فى قلبه وكل حواسه ، ماذا يفعل ذلك الرجل؟ وكيف تسمح له بذلك؟ كيف تسمح له بلمس شئ من المفترض ان يكون له هو ؟
استقام رفيق بوقفته ووضع يده بجيبه ينظر إليه نظرة باردة مستفهمة من وجوده هنا فى هذا الوقت
فهتف به ببرود :
–:” افندم فى حاجة يا ايه معلش انت اسمك ايه”
رد ماجد بغيظ :
–:” اسمى ماجد محسن”
أماء رفيق برأسه كأن الأمر ليس يعينيه ، ولكنه رد قائلاً :
:” اه خير يا ماجد محسن فى حاجة”
تجاهل ماجد قوله ، فنظر لليان وهو يقول:
–:” ليان انا عايز اتكلم معاكى شوية ممكن”
تجاهل ماجد ذلك الرجل عمداً ، ووجه حديثه لتلك الفتاة الجالسة بقوى واعصاب على وشك الانهيار ، فما ذلك المشهد السخيف الذى رأها فيه الآن
فلم تحسن خروج حروفها من فمها وهى تقول:
–:” ااايوة يا ماجد كنت عايزنى فى ايه “
أشار ماجد بيده للخارج وهو يقول :
–:” عايز أتكلم معاكى على انفراد ممكن نخرج الجنينة”
ما الذى يهذى به هذا الشاب الآن ؟ وكيف له ان يتحدث معها هكذا ؟ فهو لا يحسب له حساباً ، كأنه ليس له أهمية
وجدها تقف تمر بجواره ذاهبة مع ذلك الشاب ، فمد يده التقط معصمها قبل ان تتجاوزه وتخرج إلى الحديقة
فصاح بها بغضب :
–:” أنتى راحة فين حضرتك هوا واقف وسطكم “
حاولت نفض يده عن معصمها فلم تفلح بذلك ، فقالت وعيناها على وشك البكاء :
–:” سيب ايدى وانا خارجة الجنينة هشوف ماجد عايز ايه”
حدجها رفيق بنظرة مفاداها أنها يجب أن تطيعه بما يقول ، فهتف بها بحدة :
–:” بس انا مسمحش لمراتى تقعد مع حد غريب حتى لو كان معرفة”
تبسمت ليان قائلة بسخرية وقالت :
–:” مراتك! سيب ايدى بقولك”
نفضت يده عن معصمها تريد أن تتحدى ذلك الكبرياء اللعين الذى يملكه هذا الرجل ، الذى يظن انها ستطيعه فيما يقول ولكن قبل ان تخرج ، وجدته يجذبها من حجابها بطريقة مؤلمة ، فهو قد اكتفى من عناد تلك الفتاة ، فهو لم ينسى غضبه من تصريحها الغبى منذ دقائق ، فكيف لها بإخباره أنها تحب شخص أخر ، فتلك الفتاة تجاوزت كل الحدود التى تأمن سلامتها
تأوهت تحت يده فشعرها مشدود مع حجابها ، فهتف بها رفيق ببرود :
–:” هقولهالك لأول واخر مرة يا ليان كلمتى متتردش انتى فاهمة وانت يا استاذ الكلام اللي عايز تقوله قولهولها فى وجودى مش كده يا ليان”
خفف من قبضة يده على حجابها ، فتنفست بعمق محاولة تهدئة تلك العواصف التى تعصف بقلبها الآن ، مرددة كلمة واحدة ” بكرهك” ، فياليت السماء تسقط على رأسك الآن ، تنهى حياتك أيها الرجل ، أمنية يتردد صداها فى قلبها يعجز لسانها عن قولها ، ولكن عوضاً عن تركها أحاط كتفها يقربها منه يلصقها به ، فلغرابتها استكانت بوقفتها ولم تتفوه بكلمة اعتراض ، فهو كأنه يسلبها حتى حق الإعتراض
فحاولت أن يخرج صوتها طبيعياً وهى تقول:
–:” كنت عايز تقولى إيه يا ماجد”
رأى ماجد خضوعها له ، فأعتلت نظرة إشمئزاز وجه وهو يقول:
–:” مبقاش له لازمة الكلام يا ليان واه نسيت اقولك مبروك على الجوازة ربنا يسعدكم”
حاولت ليان أن تبرر له موقفها من تلك الزيجة فقالت بما يشبه الرجاء :
–:” ماجد بس اسمعني”
أولاها ماجد ظهره قائلاً:
– :” مبقاش له لازمة أنك تتكلمى يا ليان عن اذنكم”
خرج ماجد من الباب مهرولاً ، كأنه ينفر ان يجمعه سقف واحد مع تلك الفتاة ، التى يرى الآن انها مخادعة
رأت هى ذلك فدفعت ذلك الواقف بجوارها بكل ما تحمله من قوة وهى تصرخ بوجهه :
–:” عاجبك كده ارتحت”
أخذ وجهها بين يديه وعيناه تطلق شرار وهو يقول بغيرة عاصفة ، لا يعلم كيف إجتاحت حواسه بتلك اللحظة:
–:” وهو عايز منك ايه ده كمان وانتى ايه علاقتك بيه اصلاً ها انطقى قولى ردى عليا”
صار قلبه كالجمر المحترق ، فهل يشعر بالغيرة ؟ نعم فهو يغار بشدة ، ففتاة وبضعة أيام فعلوا به ، ما لم تفعله سنوات طوال من البرود والصقيع الذى كان يحيى به ، أما الآن فهو أصبح لهيباً حارقاً ربما يطالها يحرق ما تبقى من روحها المتمردة ، فحصون كالصخر أصبحت هشة كأوراق الشجر فى يوم خريفى تتساقط من على اغصانها
رمقته بكره كعادتها عندما تنظر إليه فردت قائلة بشعور من القهر :
–:” أنت عارف أنا عمرى ما هسامحك أبدا على أى حاجة وعلى حياتى اللى هتدمر على إيدك وعلى حياتى اللى انتهت من قبل ما تبتدى “
تغضن جبينه بتساؤل قائلاً:
–:” وأنا عملتلك ايه لده كله دى كانت رغبة جدتك قبل ما تموت”
طالعته بصمت ولكن سرعان ما قالت :
–:” وانت وافقت ليه ها لو كنت رفضت كان هيبقى كويس ومكنتش تيتة هتضغط عليا علشان اوافق بس انت ما صدقت ووافقت وخليتنى اضطر اوافق علشان تيتة متزعلش بس عارف خلاص اللى كنت خايفة عليها خلاص راحت فأنت تطلقنى بهدوء كده وتروح لحالك ولا كأنك شوفتنى ولا عرفتنى وانا همسحك من ذاكرتي باستيكة”
–:” خلصتى اللى عندك يلا بقى خلينا نمشى”
قالها رفيق ببرود متجاهلا حديثها ومطلبها ، فهى إن كانت تظن أنه سيستمع لما قالته فهى واهمة
فكزت على أسنانها وهى تقول:
–:” انا نفسى اعرف انت جنسك ايه بالظبط يا بارد انت”
بدون مقدمات وجدت نفسها محمولة على كتفه ، كمتاع مهمل تصرخ بصوت عالى وتضربه بقبضة يدها على ظهره ، فلم يتأثر بوابل ضرباتها له ، حتى وصل إلى غرفتها ، فأطلق سراحها بوسط الغرفة ، تنظر اليه كقطة شرسة على وشك غرز مخالبها فى وجهه
فتتابعت أنفاسها وهى تقول:
–:” ايه اللى انت عملته ده وازاى تشيلنى كده ها “
–:” قدامك نص ساعة متزدش دقيقة تكونى جهزتى شنطتك أحسن وقسما بربى لهاجى اخدك زى ما انتى حتى لو مكنتيش مكملة لبسك وده اخر كلام عندى”
بعد ان ألقى حديثه ، أو بالأصح تهديده لها ، خرج من الغرفة فركضت الى الباب تغلقه خلفه بقوة ، وكأنها تريد تحطيم الباب على رأسه ، وتجعل جسده حطاماً ،ذلك الجسد الصلب الذى لم يتأثر حتى بحملها فهى شعرت كأنه معتاد على حمل أثقال تفوقها وزناً بكثير
فدمدمت بغيظ :
–:” روح يا شيخ منك لله “
أرتأت أنه من الأفضل لها ، أن تسايره قليلاً حتى لا تصدر منه أفعالاً ، ربما ستجعلها نادمة لما تبقى من عمرها ، فهى لم ترى بعد شئ من قسوته ، فهى كانت تظن انه سيتعامل معها بالحديث فقط ، ولكن ربما تفكيرها الساذج هو من جعلها تظن أنه ربما يكتفى بالحديث وحسب
_______________
أوشك على الانتهاء من عمله والعودة للمنزل ، فوجد نفسه يخرج من مكتبه ،و يدلف الى مكتبها ، متذرعاً بأى حجة ليتحدث معها ويراها
فحمحم قليلاً ورفعت هى وجهها عن الأوراق أمامها
فابتسمت ابتسامة خفيفة تهب واقفة من على مقعدها قائلة:
–:” ايوة يا مستر أكمل حضرتك عايز منى حاجة”
حاول إيجاد ما يسعفه من حجة يستطيع قولها ، فرد قائلاً بجدية :
–:” أه كنت بسأل على ورق اخر مناقصة علشان عايز اراجعه قبل ما امشى”
ردت سارة قائلة:
–:” بس حضرتك الورق جبتهولك على المكتب من بدرى هو حضرتك مشفتهوش”
قال أكمل بحرج :
–:” ايه ده بجد أنتي جبتيلى الورق بجد”
أماءت سارة برأسها وهى تقول:
–:” أيوة حضرتك وحتى حضرتك قولتلى سبيه اراجعه”
دلك أكمل مؤخرة عنقه قائلاً بشعور طفيف الإحراج:
–:” اه الظاهر ان انا عندى زهايمر بقى”
أطرقت سارة برأسها أرضاً وهى تقول:
–:” ألف سلامة على حضرتك”
عاد أكمل ووضع يده بجيبه وهو يقول :
–” الله يسلمك وعلى فكرة كنزى بتسلم عليكى”
تبسمت سارة إبتسامة وضاءة وقالت :
–:” الله يسلمها وربنا يباركلك فيها ويجعلها ذرية صالحة إن. شاء الله”
أمن أكمل على دعاءها بقوله :
–:” اللهم آمين طب أنتى مش هتمشى الوقت خلاص وقت الانصراف”
رفعت سارة ملف من الأوراق وهى تقول بمهنية جادة :
– :” انا كنت براجع ورق العملاء اللى هييجوا بكرة ان شاء الله علشان يبقى جاهز على الاجتماع”
نظر إليها أكمل قائلاً بإعجاب :
–:” أنتى شاطرة فى شغلك أوى يا سارة “
ردت سارة قائلة بخجل من إطراءه لها :
–:” شكرا يا مستر أكمل وإن شاء الله دايما أكون عند حسن ظن حضرتك”
اصطبغ وجهها بذلك اللون الاحمر ، وهى تراه ينظر اليها هكذا ، فهى غير معتادة على ان يحدق بها احد أو أن يطيل النظر إليها هكذا ، فتمنت أن ينصرف الآن ، فوجهها على وشك ان تنفجر منه الدماء من فرط خجلها
ولكنه لم يتزحزح من مكانه وكأن قدميه تيبست فى ذلك المكان ، متناسى بذلك تلك المرأة التى تنتظره فى المنزل الآن فأفاق على حاله المرير ، فهو يجب ان يذهب الآن
فهتف بها قائلاً:
–:” عن اذنك يا سارة أسيبك تكملى شغلك”
–:” أتفضل يا مستر أكمل”
قالتها سارة وعادت لتنهى عملها ، بينماخرج هو سريعاً من مكتبها ، يلعن تفكيره وتلك الافعال ، التى يفعلها كالمراهقين ولما لا فهو لم يختبر الحب من قبل ، فهو تزوج من إمرأة لجمالها وحسبها ونسبها ، وليس لأن قلبه دق لها
فظن انه بعد زواجهما ، ستجعله عاشقا لها ، ولكنها لم تفعل سوى ان تميت بداخله كل المشاعر الجميلة التى يشعر بها الرجل تجاه محبوبته ، وكل هذا بسبب انانيتها التى ليس لها حد
فبعد خروجه وأنهاءها إعداد الورق المطلوب لإجتماع الغد ، لملمت سارة اغراضها ، لتذهب الى منزلها ، ولكنها تفكر فيما ألت اليه حياتها منذ عملها هنا ، فهى الآن تخطو فى طريق وعر محفوف بالمخاطر ، اذا تجرأت وفكرت بأكمل بشكل آخر يتنافى مع المفترض ان يكون بين مدير و فتاة تعمل لديه
__________________
إستطاعت التسلل من الباب الخلفى للمنزل ، وخرجت للشارع ، فهى بعد إنتهاءها من إعداد وترتيب حقيبتها ، أرادت الذهاب لرؤية تلك الأرض التى كانت ملكاً لأبيها سابقاً ، وملكاً لزوجها حالياً ، فهى خشيت ألا يجيب مطلبها بتوديعها ، بحجة أنه لا يملك الوقت الكافى لذلك ، بل يريد العودة إلى منزله
سارت على الأرضية الترابية ، وهى تنظر خلفها لتتأكد من عدم مجيئه خلفها ، سواء هو أو شقيقها ، فهى ستذهب على أن تعود سريعاً قبل أن يكتشفا أمر غيابها
– الحمد لله محدش شافنى
تلك هى الجملة الوحيدة التي قالتها بإرتياح ، وهى تقف أمام ذلك الممر المائي الفاصل بين الطريق والأرض ، فنظرت بحزن لجدول الماء ، فهى ستحرم من هذا الهدوء والجمال ، فتذكرت أوقاتها السعيدة ،وأمنايتها واحلامها التى نسجتها سراً وهى جالسة بهذا المكان
أنحنت وقبضت قبضة من تراب الأرض ، تفركه بين أصابعها ، لتشعر بملمسه ، فتلك البقعة توارثتها عائلتها جيل من بعد أخر ، ولكنها بالنهاية آلت للغريب ، ولكن ذلك الغريب زوجها ، وبإمكانها أن تظل الأرض ملكاً لها ، ولكنها لم تفكر مطلقاً بشأن إستغلال ذلك
على بعد عدة أمتار ، لمحت ليان بكر الذى جاء للبلدة لرؤية عائلته سراً ، مثلما يفعل منذ أن تم طرده من منزله ومن البلدة بأكملها ، فهو يحاول أن يوارى وجهه ، ولكنها إستطاعت أن تميزه ، عندما طار الوشاح الملثم به
فكأنه أنتبه على وجودها ، خاصة بذلك الوقت ، الذى بدأ الفلاحين يعودون لمنازلهم ، فالليل أوشك على إسدال ستائره بعد وقت ليس بالكثير
حاولت أن تطلق ساقيها للريح ، قبل وصوله إليها ، فهى رأته يأتى مهرولاً بخطواته ، كأنه يريد أن يلحق بها قبل أن تلوذ بالفرار ، فركضت تحاول العودة للمنزل ، قبل أن يدركها وربما يحدث ما لا يحمد عقباه
ولكن حظها عسيراً ، فهى الآن تسير بذلك الدرب الضيق الخالى من وجود إناس بإمكانهم أن يساعدوها
داست بدون إنتباه على حجر ، فكانت على وشك السقوط ، فوجدت يد غليظة تقبض على ذراعها
فأستدارت برأسها وجدت بكر ينظر لها بمكر :
– عاش من شافك يا بنت إلهام ، أنتى مفكرة نفسك كده راحة تجرى على فين ها
حاولت الإفلات من بين يده ، وهى تصرخ عالياً:
– سيبنى وأبعد عنى ألحقونى يا نااااااس
كمم فمها بيده ، ليمنع صراخها ، فتبسم بشر قائلاً :
– ناس مين اللى هيلحقوكى دا أحنا هنا الحتة يعتبر مقطوعة يعنى محدش هيحس بيكى خالص
كادت عيناها تقفز خارج مقلتيها ، فما رأته من سيمات الشر البين على وجهه ، جعلها تتيقن من أنه لن يفلتها من يده ، فأنسكبت دموعها غزيرة من عينيها ، فهى حقاً حمقاء ، فلما تركت المنزل وجاءت لهنا ؟ فمن بإمكانه أن يساعدها الأن
أزاحت يده بصعوبة من على فمها وهى تنادى قائلة بصوت مستغيث ، تعلم أنه لن يجدى نفعاً ، ولكنها لم تجد ضرراً من المحاولة :
– رفيييييييق ألحقنى
قطب بكر حاجبيه قائلاً بغرابة:
– مين رفيق ده كمان اللى بتنادى عليه ، وفرى صوتك يا حلوة ، علشان لسه هندمك على اللى عملتيه فيا وطردى من البلد بسببك
جرها خلفه لذلك المنزل المهجور ، فلا أحد يسكن هنا ، فالمكان خاوياً منذ سنوات طوال ، وأمتلأ بالقمامة والغبار وسكن به القطط والكلاب ، دفعها للداخل ، فلم تتحمل دفعه لها ، فسقطت على الأرض يكاد وجهها يتهشم بأكمله من إرتطامها بسطح الأرض الصلب ، فأصابها جرح صغير بجبهتها
ولكن قبل أن يأتى بأى حركة ، وجد من يقبض على ثيابه من الخلف ، فلم يمهله رفيق فرصة ليعى ما يحدث ، فبدأ بلكم وجهه ، وتسديد الضربات بوجهه وباقى أنحاء جسده ، بعد جهد إستطاع بكر أن يتفادى تلك اللكمة التى كانت ستصيب عينيه اليمنى ، ولكن رفيق طرحه أرضاً ، وجثم على صدره ، وهو يسدد له اللكمات بقرب فمه ، فكلما يتذكر ما كان ينتوى فعله بزوجته ، يزداد غضبه أكثر
فصرخ به بجماع صوته :
– أنت كنت هتعمل فيها إيه يا كلب
رأت ليان بكر يبصق الدماء من فمه ، فشعرت بالخوف ، فهى تخشى أن يقتله بثورة غضبه وهو لا يعى ما يفعل ، فنهضت من مكانها وحاولت جذب رفيق وهى تقول بصوت أقرب للتوسل :
– سيبه دا ممكن يموت فى ايدك وتروح فى داهية سيبه
كللت محاولتها بالنجاح ، وهى تراه يتركه ولكن نظرته لها ، لم تكن بأقل شراسة من تلك التى كان يرمق بها بكر
حاول أن يلتقط أنفاسه اللاهثة ، فأغتنم بكر الفرصة وفر هارباً من المكان ، قدر ما أمكنه جسده المصاب
فلم يبالى رفيق بهروبه ، بل قبض على ذراعها وهو يقول :
– كويس كده اللى كان ممكن يجرالك لو أنا ملحقتش أنقذك منه أنتى عايزة تعملى فيا إيه بالظبط ، وليه تخرجى من ورايا وتخلينى أفضل أدور عليكى ولولا باسم قالى على المكان اللى دايما تقعدى فيه مكنتش جيت وشوفت الكلب ده من بعيد وهو بيحاول يجرى وراكى وجابك على هنا
لم تجد ما تبرر به فعلتها سوى البكاء ، فكأنه أنتبه على قطرات الدماء التى تساقطت من جبهتها ، فتحسس جبينها وأخرج من جيبه محرمة ورقية ومسح دماءها ، وبعد إنتهاءه لم يعى ما يفعل ، إلا بعدما جذبها إليه وطوقها بذراعيه ، وشد بساعديه حولها
فغمغم وهو يقترب برأسه من أذنها قائلاً بصوت مرتجف :
– أنتى عايزة توصلينى لإيه بالظبط يا ليان ، أنتى لو كان جرالك حاجة كنت هتجنن يلا علشان نروح بيتى قصدى بيتنا
بتردد رفعت يدها وحطت بها على ظهره ، فقواها منهكة للغاية ، و لم يعد لديها طاقة على مجادلته أو أن تتحداه ، فتلك هى المرة الاولى التى تشعر بالإمتنان والراحة لرؤيته ، فهو حال بين وقوعها بأكثر الأمور شراً ، فحتى وإن كانت تمقته ، فهى لن تنكر شعورها بالراحة وهو يحتويها هكذا بحنان مثلما كان يفعل والدها الراحل ، فهل إستكانت هى للطفه حالياً ، لأنها بتلك اللحظة تفتقد والدها ، أم أن هناك شئ أخر ، لا تستطيع هى تفسيره بوقتها الحالى
_________________
وقفت منى بمطبخها ، تعمل بجد فى تجهيز وتحضير أشهى المأكولات ، فولدها الحبيب سيصل إلى المنزل اليوم ، فهو هاتفها يخبرها بحضوره ، وأنه بطريقه الآن للمنزل ، فأصرت هى ان تعد له كل الأطباق الشهية التى يتناولها من يدها هى فقط
فأقتربت منها الخادمة تقول بإحترام :
–:” ياست منى خليكى انتى وانا هعمل كل حاجة”
تبسمت لها منى وهى تقول :
–:” لاء انا رفيق بيحب يأكل الاكل ده من ايدى وانا اللى هعمله”
ردت الخادمة قائلة :
–:” يوصل بالسلامة إن شاء الله يا ست منى “
ساعدتها الخادمة قدر سماحها لها بذلك ، فهى منهمكة بتحضير الاطباق ، كأنه كان غائباً منذ سنوات طويلة ، وليس من عدة أيام فقط
دلفت رهف الى المطبخ ، تغمض عينيها تتلذذ برائحة الطعام الشهى الذى تراه الآن امامها والذى يتصاعد منه البخار
فقالت رهف بإعجاب :
–:” الله ايه الروايح اللى تخلى الواحد يموت من الجوع دى”
ردت منى قائلة بحماس وسعادة:
–:” اخوكى رفيق قرب يوصل البيت يا رهف”
صفقت رهف بيدها وهى تقول :
–:” بجد ابيه رفيق قرب يوصل أنا هطلع فريرة اغير هدومى انا هستناه على البوابة اصلا”
ذهبت رهف سريعاً الى غرفتها ، واغتسلت وأنتقت ثوباً أنيقاً لترتديه ، فأخيها سيصل اليوم ، فهى قد اشتاقت اليه كثيرا واشتاقت الى دلاله لها
فبعد ان انتهت من ارتداء ثيابها ، هرولت سريعاً إلى الأسفل لتكون باستقباله عندما يصل ، فكانت والدتها انتهت هى الأخرى من اعداد الطعام ، وأبدلت ثيابها تنتظره هى الأخرى بلهفة وشوق
قاد رفيق سيارته وجلس بجواره باسم ، بينما تجلس تلك العنيدة فى المقعد الخلفي ، فهو يتذكر ملامح وجهها وهى تخرج من غرفتها وبيدها حقيبتها تجرها خلفها ، تكاد تضرب الأرض بقدميها كطفلة صغيرة ، أجبرت على تناول دواء لاذع ضد رغبتها، فعلى الرغم من هدوءها معه بعد إنقاذه لها من بين براثن بكر ، فبمجرد عودتهما للمنزل لأخذ الحقائب ، عادت ثانية لعنادها ، وكأنها ليست تلك التى أرتجفت بين ذراعيه وهو يحتضنها ، كأنها مصابة بإنفصام فى الشخصية
نظر إليها فى مرآة السيارة ، فعقدت حاجبيها وتحولت ببصرها عنه سريعاً ، ونظرت من نافذة السيارة ، فهى تريد أن تفتح باب السيارة وتفر هاربة ، قبل ان تصل الى بيت ذلك الرجل الذى اصبح يسمى زوجها
فتبسم رفيق لباسم قائلاً بمودة :
–:” البيت هينور ياباسم”
رد باسم قائلاً بخجل :
–:” منور بيك يا استاذ رفيق”
إبتسم له رفيق إبتسامة تشجيع وهو يقول:
–:” بلاش تقولى يا أستاذ دى ممكن تقولى يا أبيه رفيق زى اخواتى ما بيقلولى انت دلوقتى زيهم”
أماء باسم برأسه قائلاً
–:” شكراً يا ابيه رفيق”
–:” الشكر لله يا باسم بس انا معرفش لدلوقتى انت فى سنة ايه”
قالها رفيق وعاد ينظر للطريق أمامه ثانية ، بينما أسرع باسم بإجابته :
–:” فى اولى ثانوى وناوى إن شاء الله أدخل كلية هندسة”
نظر له رفيق نظرة خاطفة وهو يقول:
– :” ان شاء الله انا اخويا خريج هندسة وممكن يساعدك هو كان شاطر أوى فى الرياضيات هو اسمه مالك”
–:” ان شاء الله وانت يا ابيه رفيق خريج ايه”
قالها باسم بفضول ، فهو لا يعلم عنه شيئاً سوى أنه أتى لشراء ارض أبيه وعاد وهو زوجاً لشقيقته وواصياً عليه
فأجابه رفيق بهدوء :
–:” انا خريج تجارة وكمان دكتور فى كلية تجارة جامعة القاهرة”
رفع باسم حاجبيه قائلاً:
–:” ايه ده دا انت كده تبقى ليان ….
صاحت به ليان قبل أن يكمل حديثه قائلة :
–” باسم خلاص بقى اسكت وبطل كلام دماغى وجعتنى”
فهى لا تريده ان يخبر رفيق بكونها طالبة فى كلية التجارة جامعة القاهرة، فهى لاتريد أن تفسر أى شئ حولها الآن ، فهى تجد استمتاع بمضايقته
فنظر لها بالمرآة قائلاً :
– :” أنتى سكتيه ليه متخليه يكمل كلامه حتى اعرف انتى فى كلية ايه ولا مدخلتيش كلية واكتفيتى بالثانوية”
زفرت ليان بضيق وهى تقول:
– :” اه اكتفيت بالثانوية علشان اقعد احلب الجاموسة فى بلدنا عايز حاجة بقى”
تبسم رفيق على قولها وهو يقول:
–:” الله يكون فى عون الجاموسة منك يا ام لسان اطول منك”
غمغمت ليان بصوت منخفض ولكنه إستطاع سماعها وهى تقول :
–:” استغفر الله العظيم يارب صبرنى يارب على ما بلتنى”
– :” والله دا انا اللى مفروض ادعى ربنا يصبرنى عليكى”
قالها رفيق رغبة منه فى أن يثير غضبها ،كما تفعل هى دائماً معه
فردت قائلة:
–” ممكن تسوق وانت ساكت ولا اقولك انا هحط الهاند فرى فى ودنى بلاش قلبة دماغ”
وضعت سماعات هاتفها فى اذنها ، حتى لا تسمع صوته ، فقامت بتشغيل القرآن الكريم ، حتى شعرت بثقل فى اجفانها فبالأونة الأخيرة لم تنل القسط الكافى من النوم
ظل يتأملها وهى نائمة هادئة جميلة ، ولكن رأى دموع تذرف من عينيها ، فهى تشبه وردة يبللها قطرات الندى المتساقط من عينيها ، لو بيده الآن لكان مسح دموعها ، وأخبرها الا تبكى ، فدموعها لا يجب ان تبلل وجهها ، حتى وان كانت تشبه حبات اللؤلؤ المتناثر على وجهها
شد بيده على مقود السيارة بقوة ، حتى شعر بألم في يديه ، عندما تذكر تصريحها بأنها تحب شخص أخر ، فحاول تهدئة نفسه ، حتى يصل الى منزله ، الذى افتقد به أمه وإخوته ، فكم اشتاق لرؤيتهم المحببة إليه
وصل رفيق الى ذلك الحى الراقى الذى يقطن به ، فقام بالضغط على زمور السيارة ، الذى أطلق صوتا عالياً ، جعلها تنتفض من نومها بفزع ، فوجدت رجل يهرول سريعاً لفتح تلك البوابة الحديدية الكبيرة
فمسحت وجهها وهى تقول :
–:” ايه ده ايه الصوت المزعج ده”
إبتسم رفيق إبتسامة صفراء وهو يقول:
– :” ده صوت الكلاكس علشان الحارس بتاع الكومباوند يفتح البوابة وندخل البيت علشان ده كومباوند مغلق “
لوت ثغرها وهى تقول:
–:” مش تعمله براحة انت فزعتنى وانا نايمة الله يسامحك”
حاول أن يجارى نبرة السخرية بصوتها فرد قائلاً:
–:” معلش المرة الجاية هبقى اعملهولك صامت”
كل هذا وباسم جالس يتابع الحوار بين شقيقته وزوجها ولا يفقه شيئاً ، فشقيقته أصبحت حادة الطباع ، وتلك ليست من عادتها ، فهى كانت هادئة دائما ، فلماذا الآن تتصرف بهذا الاسلوب الخالى من الأدب والذوق ، والذى إذا سمعها احد سيظن أنها فتاة وقحة تفتقر إلى حسن الأخلاق
وصلوا الى المنزل الخاص به ، فترجل رفيق اولاً من السيارة و تقدم بضع خطوات ، لمحته رهف التى كانت تنتظره بشوق كبير ، فركضت اليه وارتمت بين ذراعيه تتعلق بعنقه ، فهى كانت على وشك اسقاطه أرضاً من اندفاعها نحوه ، فحملها عن الأرض ودار بها بسعادة ، فاثناء تقبيله لرأسها ، علقت عيناه بدون قصد بالمنزل المجاور له ، الذى يفصل بينه وبين منزله سياج حديدى ، فرآى إمرأة تقف بالشرفة ، فظن أنها ربما تكون المالكة الجديدة ، فهو كان يعلم أن صاحب المنزل كان يريد بيعه
ولكن عندما دقق النظر بها ووجدها تلوح له بطرف أصابعها ، فغر فاهه بصدمة وقال :
– معقولة دى ليلى وإيه اللى جابها هنا
_______________
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في هواها متيم)