روايات

رواية في هواها متيم الفصل التاسع عشر 19 بقلم سماح نجيب

رواية في هواها متيم الفصل التاسع عشر 19 بقلم سماح نجيب

رواية في هواها متيم الجزء التاسع عشر

رواية في هواها متيم البارت التاسع عشر

رواية في هواها متيم الحلقة التاسعة عشر

قال أبو بكر الوراق: استعن على سيرك إلى الله بترك من شغلك عن الله عز وجل، وليس بشاغل يشغلك عن الله عز وجل كنفسك التي هي بين جنبيك.
١٩–” درب الجنون ”
صمتت منى قليلاً لتعى ما ألقاه رفيق على مسامعها الآن ، فأخذت ترمش بعينيها لعلها تحصل على إجابة ستأتيها من غياهب عقلها ، فمن أصبحت زوجة إبنها يبدو أن حياتها محفوفة بخطر مجهول ، فأن تُقدم والدتها ورجل أخر على التسبب بموت أبيها وهى لا تعلم بشأن ذلك ، فهذا مدعاة للقلق
فأرادت منى كسر حاجز الصمت فرمقت إبنها بغرابة وهى تقول:
– أمها وجوز أمها كانوا السبب فى موت أبو ليان إزاى مش فاهمة هم قتلوه يا رفيق ؟
قالت شق عبارتها الأخير ، وهى تدب على صدرها ، من تصور الأمر فقط ، إلا أن رفيق أسرع بنفى أن موت والد ليان تم بتلك الصورة
فهتف بها قائلاً:
– مش قتلوه بالمعنى اللى تقصديه أنا هحكيلك على كل حاجة من ساعة ما طلبت الحاجة علية الله يرحمها جدة ليان أنها تشوفنى وهى فى العناية المركزة
عودة لوقت سابق
على فراش المشفى الأبيض ، كانت علية مستلقية تنازع أنفاسها للبقاء ، فعندما رأته يأتيها على جناح السرعة ، بعدما أبدت رغبتها برؤيته ، مدت يدها تشير له بالإقتراب ، فأسرع رفيق بالجلوس على المقعد القريب منها وأنحنى إليها قائلاً :
– أؤمرينى يا حاجة علية عيزانى فى إيه
إبتسمت علية بوهن وقالت :
–:” الأمر لله فى حاجة يا أبنى عايزة اقولك عليها”
أنصت إليها رفيق بإهتمام وقال :
–:” اتفضلى يا حاجة علية قولى انا سامعك”
بللت علية شفتيها الجافتين وهى تقول:
–:” أنا عايزة بس اسألك الأول أنت متجوز ”
أجابها رفيق وهو يحرك رأسه سلباً:
– لاء يا حاجة علية مش متجوز بس خير بتسألى على الموضوع ده ليه
قالت علية وهى ترنو إليه بحنان :
–انا عيزاك تتجوز ليان حفيدتى”
عقد رفيق حاجبيه تعجباً من مطلبها ، فلماذا تريد منه أن يتزوج حفيدتها وهى فى الأساس لا تعرفه سوى من يوم واحد ؟ فكيف لها ان تثق به حتى يتزوجها ؟
فرد رفيق قائلاً بشئ من الدهشة :
–:” انتى بتقولى ايه يا حاجة علية ، اتجوز ليان ازاى وحضرتك بتطلبى منى كده وانتى متعرفنيش غير من يوم واحد ما يمكن انا انسان مش كويس أو يمكن أتعب حفيدتك معايا ، إزاى اصلا وثقتى فيا بالسرعة دى”
إبتسمت علية وقالت :
–:” انت يا ابنى باين عليك انك من اصل طيب وانك محترم واللى يصر يدفع فلوس اكتر علشان ضميره يبقى مستريح دا يبقى انسان شريف وبيخاف ربنا ، ثم أنا لما عرفت أن فى مشترى للأرض بتاعة إبنى ، كان لازم اسأل عليه وأعرف هو إنسان أمين ولا لاء ، فسألت السمسار وكمان خليت المحامى يسأل عليك قبل ما تيجى ، وعرفت أنك محترم ومن أصل طيب ، بس مكنتش أعرف أنت متجوز ولا لاء ، فعلشان كده سألتك ، ودلوقتى أنا عيزاك تتجوزها علشان تبقى واصى عليها لحد ما تبلغ سن ٢١ سنة وبعد كده لو مش حابب تكمل جوازك منها ممكن تسيبها بس علشان أمها وجوز أمها ميخدوهاش هى وأخوها لو أنا مت ”
فكر رفيق وتساءل :
–:” بس ليه امها متاخدهاش أظنها أنها احق بيها من اى حد تانى”
كسا الحزن وجه علية وهى تقول:
–:” انت متعرفش حاجة يا ابنى دى أمها كانت السبب فى موت ابوها”
رفع رفيق حاجبيه بدهشة بعد سماع ما قالته عليه ، فأراد أن يعرف المزيد ، فقال متسائلاً:
–:” السبب ازاى مش فاهم”
وضعت علية يدها على صدرها ، كأنها شعرت بوخز مفاجئ ، ولكن إستطاعت أن تقول :
–:” أنا أبنى كان عنده القلب والهام مراته عرفت فاروق اللى هو جوزها دلوقتى لما كانت لسه على ذمة ابنى ولما هو عرف وواجهها قالتله انها بتحب فاروق وعايزة تطلق وانها بتكرهه ومش عايزة تعيش معاه تانى وانها هترميله ولاده وهتسيبهمله ، ابنى مستحملش الصدمة جاتله ازمة قلبية مفاجئة ومات فيها وبعدين هى راحت اتجوزت اللى اسمه فاروق ده وهو راجل مش تمام دا حتى فاتح كباريه والراجل ده كنت بشوف فى عينيه نظرة الدناءة لليان وكل اللى ليان تعرفه ان جوز امها فاتح مطعم مش اكتر من كده وانت ليك انك تتخيل لو ليان عاشت مع راجل زى ده فى بيت واحد ايه اللى ممكن يحصل ليها وانها ممكن تضيع يا ابنى”
استمع لحديثها بذهول تام لما تخبره به الآن ، ولكن عندما تصور ان تلك الفتاة ربما سيؤل مستقبلها الى طريق بشع ومصير اسوء وجد الكلام يخرج من بين شفتيه بدون ارادة منه
–:” وانا موافق اتجوزها يا حاجة علية”
شعرت علية براحة لقوله ، فأوصته قائلة :
–:” بس مش عايزة ليان تعرف حاجة عن اللى قولتهولك ده يا ابنى بلاش تصدمها اكتر لما تعرف ان ابوها مات بسبب عمايل امها”
اماء رفيق برأسه قائلاً:
–:” اطمنى يا حاجة علية انا مش هقولها على حاجة”
أغمضت علية عينيها ولكن سرعان ما فتحتهما ثانية وهى تقول :
–:” وكمان هكلم المحامى اتنازلك عن وصاية باسم كمان علشان يفضل معاك انت وليان”
حرك رفيق رأسه قائلاً بهدوء:
–:” اطمنى يا حاجة عليه هم فى عنيا الاتنين”
أخذت علية نفساً عميقاً وقالت:
–:” تسلم عينيك الاتنين يا ابنى”
–:” بس ممكن ليان متوافقش على الجواز يا حاجة علية أو متحبش كده”
قالها رفيق بشك ، فهو رآى أفعالها معه ،فما حال إن أصبحت زوجته
فأرادت علية طمأنته ، فقالت بثقة :
– :” انا هكلمها وان شاء الله توافق على الجواز انا عارفة هقنعها ازاى ”
أماء رفيق برأسه قائلاً :
–:” ماشى يا حاجة علية إذا كان كده انا موافق اتجوزها”
انتهى رفيق من سرد القصة كاملة وهو يختم حديثه قائلاً:
–:” وبعد كده المحامى جه هو والمأذون فى المستشفى واتجوزنا والحاجة علية اتنازلتلى عن وصاية باسم وبقيت انا الواصى على ليان بحكم ان انا جوزها هى دى كل الحكاية يا امى من طقطق للسلام عليكم”
احنت والدته رأسها وأستندت بها على يدها ، كأنها تفكر فيما قاله و تزن الأمور بعقلها وقلبها ، فهى أيضاً لديها ابنة ولا تحب ان تراها فى مأزق مثل الذى كانت ستقع به ليان ، اذا لم يتزوجها رفيق، وأنتهى بها المطاف وذهبت لمنزل والدتها وزوجها
فرفعت رأسها بعد قليل وتبسمت بوجه ولدها وهى تقول بفخر :
– :” أنت كل يوم بتثبتلى يا رفيق ان تربيتى مراحتش على الأرض وان انا خلفت راجل بجد يعتمد عليه ويستحق كلمة راجل يازين ما فكرت وعملت يا حبيبى”
رد لها رفيق إبتسامتها وهو يقول :
–:” يعنى انتى خلاص مش زعلانة منى يا امى”
تركت منى مكانها وأقتربت منه واضعة قبلة على جبينه وهى تقول:
–:” انا كنت هزعل لو كنت اتجوزت برغبتك من غير ما اعرف لكن طالما الموضوع حصل زى ما قولتيلى خلاص مش زعلانة يا حبيبي بس باين عليها هى ورهف اصحاب اوى”
نهض رفيق وأخذ يديها يقبلها بحنان وقال :
–:” أه أنتى مشفتهاش لما طردت ليان من المحاضرة خرجت وراها وقامت تدافع عنها وشكلهم هم الاتنين هيتعبوكى وهيجننونى”
إبتسمت منى ولكن إبتسامة ماكرة بعض الشئ ، فقالت:
:” سلامتك من الجنان يا حبيب أمك بس انا شايفة كده انك مبسوط مش مضايق من الجوازة دى شكلك كده هى عجباك مش كده يا رفيق”
زاغ بعيناه عن وجهها وهو يقول بتلعثم واضح :
–:” ها ماهو ماهو اصل يعنى يا أمى”
ضحكت منى على تلعثمه وقالت :
–:” أنت لسه هتمهمه يا حبيبي يلا علشان تروح شغلك ربنا يوفقك يا حبيبى ”
رد رفيق قائلاً :
–:” اه شكل مالك وأكمل محضرينلى بلاوى فى الشغل أنا عارفهم وهيطلعوا عينى”
تبسمت منى بحنان وهى تقول:
–:” بعد الشر عليك يا حبيبي ربنا يعينك ويوفقك يارب”
قبل خروجهما سمعا صوت طرقات على الباب ، فأذن رفيق للطارق بالدخول
فدلفت رهف قائلة بصياح كعادتها :
–:” هو فى ايه الاجتماع المغلق ده ”
ضيقت منى عينيها وهى تقول :
–:” عايزة ايه يا سوسة”
مطت رهف شفتيها وقالت:
–:” ماشى يا مامتى على العموم أنا كنت جاية أستأذنكم أنا وليان علشان نروح مع مدام ليلى هى جت برا دلوقتى ”
نظر رفيق ووالدته لبعضهما البعض ، كأن كل منهما يسأل الأخر بصمت عما سيحدث ، ولكن وجد والدته تسبقه القول :
– :” اه ماشى انا جاية أشوفها دلوقتى”
خرجت منى يتبعها رفيق ورهف ، وجدوا ليلى تجلس مع ليان ويبدوا عليهما أنهما منهمكتان بالحديث ، فتقدمت منى تلقى عليها تحية الصباح
________________
دلفت شيرى الى غرفة صديقتها ماهيتاب ، بعد أن هاتفتها بالصباح الباكر لتخبرها بضرورة المجئ ، لتأتى هى على وجه السرعة الى منزلها ، وجدت بها كل شئ قابل للكسر عبارة عن حطام ، فالزجاج متناثر فى كل مكان بالغرفة وماهيتاب تجلس بجوار السرير تبكى بقهر وكأنها فقدت عزيز عليها
فأقتربت منها شيرى بخوف وهى تقول:
–:” فى ايه يا ماهى انتى عاملة ايه فى الاوضة كده ومبهدلاها بالشكل ده ليه ايه اللى حصل”
عادت ماهى لبكاءها ثانية وهى تقول بصراخ :
–:” القاسى الندل الجبان يعنى أروح أعزمهم على عيد ميلادى يختفى وأول ما يشوفى يطلع اوضته ولا كأن أنا موجودة ، بقى كل ده علشانها ، حتة العيلة دى ، هى عملت فيه ايه ، علشان يتجوزها”
قالت شيرى بغرابة :
–:” هو مين ده يا ماهى اللى عمالة تشتميه وعمل فيكى ايه مش فاهمة حاجة”
علا صوتها بنحيب :
–:” رفيق اتجوز يا شيرى اتجوز”
قطبت شيرى حاجبيها قائلة بغرابة:
:” اتجوز ازاى وامتى الكلام ده انتى مش كنتى بتقولى انه مسافر وتبقى مين مراته دى وعرفها منين”
حركت ماهيتاب رأسها دليلاً على عدم فهمها لسبب تلك الزيجة :
–:” معرفش يا شيرى كل اللى أعرفه أنه راجع متجوز وجايب مراته معاه ، حاولت اتقبل الموضوع مقدرتش ، لما روحتلهم أمبارح وشوفتهم داخلين من الجنينة الغيرة ولعت فى قلبى”
ردت شيرى قائلة بعدم إكتراث:
–:” طب انتى بتعيطى ليه ما يتجوز ولا ما يتجوزش انتى مالك بالموضوع”
نظرت لها ماهيتاب نظرة نارية وهى تقول:
–:” انتى بتقولي ايه يا شيرى ما انتى عارفة ان انا بحبه ازاى واحدة تانية تاخده منى ، تبقى مراته وتقوم وتنام وهو قدام عينيها تسمعه بيتكلم تشوفه وهو بيبتسم يقرب منها يبقى جوزها بجد وييجى يوم ويخلف منها ازاى ازااااى”
أجفلت شيرى من صوت صراخها ، فحاولت تهدئتها وهى تقول:
– :” خلاص بقى يا ماهى انسى الموضوع ده ده موضوع جنان من أوله ازاى اصلا تبقى مخطوبة لاخوه وبتفكرى فيه دى تبقى خيانة”
علت وتيرة أنفاسها بغضب ساحق وهى تقول:
– :” انتى عارفة انا مبحبش مالك محبتش غير البنى ادم اللى معندوش قلب ده اللى فضلت ده كله على امل ييجى يوم وياخد باله من حبى ليه بس هو دلوقتى راح اتجوز كده بكل بساطة مع ان مالك كان دايما يقولى انه رافض الجواز ومش عايز يتجوز ابدا ايه اللى خلاه يغير رأيه دلوقتى ويتجوز”
نظرت لها شيرى وتساءلت :
– :” هو انتى شفتى مراته يا ماهى ”
قالت ماهيتاب بإستنكار :
–:” ايوة بت كده باين عليها فلاحة مش عارفة جابها من اى مصيبة لاء وكمان تطلع صاحبة اخته فى الكلية وطلعت طالبة عنده فى سنة أولى”
مطت شيرى شفتيها وقالت:
–:” دى باين عليها انها صغيرة بقى”
ردت ماهيتاب قائلة بغيظ :
– :” هو ده اللى لفت نظرك انها صغيرة مش انه ازاى ميبصش لواحدة زى انا بنت الاكابر واللى الكل بيحسدنى على جمالى وكتير بيتمنوا بس ان ابصلهم بصة واحدة بس ”
لوت شيرى ثغرها وهى تقول:
–:” خلاص اديكى عرفتى انه فقرى وبيحن لاصله دايما سيبك منه بقى وياريت لو تفسخى خطوبتك من أخوه أهو تكونى أرتاحتى ومتكسريش قلب مالك هو ملوش ذنب فى جنانك ده”
وضعت ماهيتاب يديها على جانبى رأسها وهى تدور حول نفسها فدمدمت قائلة :
–:” اسيبنى منه ازاى انا دماغى هتنفجر كل ما افتكر أنهم هيقعدوا مع بعض فى أوضة واحدة ،و أتخيل انها هتبقى معاه فى نفس الاوضة ، أو أنها هتنام فى حضنه وانه هيبقى جوزها بجد دماغى هتنفجر مش قادرة حاسة ان انا عايزة اشرب من دمها انها اخدت حاجة كان المفروض تبقى بتاعتى أناااااا”
تردف كلماتها بشبه صراخ هستيرى ، فمن يراها يجزم انها وصلت إلى حافة الجنون ، فحالتها لاتبشر بخير ابدا ، فحتى صديقتها استشعرت فى نبرة صوتها غضبا عارماً ، ربما يوشك على حرق ما حولها ، وهى بتلك الحالة من الهوس برجل لن يكون لها الا بأحلامها فقط
_________________
بعد أن أخذت قدح القهوة من يد الخادمة ، أرتشفت منه بضع قطرات ، فتركت أثار طلاء شفتيها على حافة القدح ، فضمت شفتيها وسرعان ما تبسمت لسيدة المنزل ، وعادت ترمق رفيق بوداعة وعيناها براقتان
فخرج صوتها ناعماً:
– أنا جيت أستأذنكم علشان أخدهم يعملوا بروفات لأن مبقاش فاضل كتير على العرض ولا أنتوا رجعتوا فى كلامكم ومش حابينهم ييجوا معايا
ردت منى قائلة بهدوء :
– لاء هيروحوا معاكى بس استأذنك أنا وباسم اخو ليان نييجى معاكم أهو منه نتفرج على البروفات وأبقى مطمنة على بناتى متأخذنيش يعنى مش أن أنا خايفة عليهم منك لا ابدا بس انا مبحبش يروحوا فى حتة من غير ما أكون معاهم فقولتى إيه
أماءت ليلى برأسها إيماءة خفيفة وهى تقول:
– دا أنتوا تنوروا وتشرفوا حتى لو الأستاذ رفيق حابب يحضر معانا مفيش مانع
– لاء معلش عندى شغل ومش فاضى
قالها رفيق وهو يجلس على طرف المقعد ، فهو يعلم مغزى تصرفات ليلى ، ولكنه أحب إقتراح والدته ، فهو لا يريد أن يطفئ حماس شقيقته بشأن العرض ، فليتركهما يفعلان ذلك ولو مرة واحدة ، فهو لن يجعلهما يستمران بالعمل مع ليلى أو مع غيرها
صعدت رهف الدرج وهى تجر ليان معها لتبديل ثيابهما ، وولجت منى غرفتها هى الأخرى ، فلم يتبقى بغرفة المعيشة سوى ليلى ورفيق ، الذى كان ينتظر شقيقه مالك أن يجلب الأوراق الخاصة بإجتماع اليوم والتى يحتفظ بها فى غرفته
تأكدت ليلى من خلو المكان ، فتركت مقعدها وأقتربت من رفيق الذى مازال جالساً على طرف المقعد وينظر ليديه ليتحاشى النظر لها
مدت يدها ورفعت وجهه لها ، فتعجب من فعلتها وقطب حاجبيه قائلاً:
– أنتى بتعملى إيه
تهدج صوتها وقالت بحنين :
– أنت اللى بتعمل فيا إيه يا رفيق وليه مقسى قلبك عليا أوى كده دا أنا ليلى قدرت تكرهنى
زفر رفيق قائلاً:
– أنتى ليه محسسانى أن أنا جنيت عليكى أو ظلمتك مش أنتى برضه اللى وقفتى فى وسط الجامعة كلها وقولتيلى أنت تبقى مين وأهلك مين وإزاى تفكر تتجوزنى وأن أبص على قدى وبلاش أبص لحاجة أعلى منى وروحتى أتجوزتى واحد غنى ، جاية دلوقتى عايزنى أعمل إيه أخدك من ايدك ونروح للمأذون مثلاً
– ياريت يا رفيق
قالتها ليلى بتمنى ، فهى تعلم أنه صعب المنال ، وتعلم فداحة فعلتها الماضية
ولكنها أكملت حديثها قائلة:
– حتى لو أنت أتجوزت أنا موافقة أن أكون ليك زوجة تانية المهم أن أفضل معاك أنت متعرفش حياتى من غيرك عاملة إزاى أنا اكتشفت بعد جوازى قد إيه كنت غبية وعبيطة أن ضيعتك من إيدى ، أنا بحبك يا رفيق
صرحت له بحبها وأمنياتها ، ولكنها لم يأتيها منه رد ، فهو لم يفعل شئ سوى الحملقة بوجهها وهو صامت ، اخذت صمته دليلاً على ترحيبه بقولها ، فعقدت ذراعيها بإبتسامة وأقتربت منه اكثر ، ولكن قبل ان تتمادى أكثر ، ولجت ليان الغرفة ، ولكن توقفت قدميها على أعتاب الغرفة
فعلى الرغم من أنها لم ترى شئ يثير الريبة بين زوجها وليلى ، ولكن شعرت بالضيق لجلوسهما بمفردهما
فعلا صوتها بضيق وهى تقول:
– هو فى إيه ؟
ألتفت لها رفيق عاقداً حاجبيه وهو يقول:
– تقصدى إيه
أزدردت ليان لعابها قائلة بغيظ :
– ولا حاجة بس كنت عايزة أتكلم معاك شوية
ترك مكانه فأرتدت ليلى بخطواتها للخلف ، فوقف أمامها قائلا بشموخ وبرود :
– نعم خير عيزانى فى إيه
لا تعلم لما شعرت برغبة بالبكاء من لهجته الجافة معها ، فهى تعلم أنها هى من جعلته يعاملها هكذا ، ولكنها شعرت الآن بالضيق لأن من تراه أمامها ، هو بذاته من قام بطردها من القاعة الدراسية ببرود ، وليس من عصف الشوق بكلماته وجعله يخبرها بكلمة الحب صريحة
فحاولت إخفاء ضيقها وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها فقالت :
– كنت عايزة أتكلم معاك على انفراد لو وقتك يسمح يعنى
بعد أن أنتهت من قولها ، نظرت خلفه لليلى التى عادت تجلس على المقعد خلفها ، فأقترب منها وسحبها من مرفقها ، وخرج من غرفة المعيشة ووصل بها لبهو المنزل
فترك ذراعها قائلاً :
– قولى كنتى عايزة إيه علشان أتأخرت على شغلى وكفاية تضييع وقت لحد كده
كزت ليان على أسنانها وهى تقول:
– طب ما روحتش شغلك ليه ولا القاعدة مع مدام ليلى مسلية وعجبتك أكتر من الشغل
– عايزة إيه يا ليان علشان مش فاضى لخنقاتك دلوقتى
قالها رفيق بحزم ، بأن تخبره بما تريد ولينتهى الأمر بدون مشادة كلامية كالعادة
فخفضت وجهها وهى تقول بإستحياء :
– كنت عايزة فلوس علشان مش معايا
ضرب جبهته وهو يعنف نفسه على عدم التفكير بذلك الأمر ، فأخرج النقود من جيبه وناولها لها وهو يقول :
– أتفضلى الفلوس أهى وإن شاء الله هعملك أنتى وباسم مصروف شهري زى رهف
أخذت منه النقود ويداها ترتعش من الخجل ، فوضعتها بحقيبتها ، ولكن قبل أن تنصرف وجدته يكمل حديثه قائلاً:
– فى أى حاجة تانية محتجاها لبس أو أى حاجة نفسك فيها لو كده خدى رهف وروحى أشترى اللى نفسك فيه ليكى ولباسم
ردت ليان قائلة:
– شكراً أنا مش محتاجة حاجة
أنصرفت من أمامه بعد رؤيتها رهف تهبط الدرج ، فظلت عيناه تتبعها ، فكم كان يود لو تخبره أنها بحاجة إليه هو ، فإن قالتها سيخبرها أنه ملكاً لها ، وأسيراً لعينيها
______________
وصل أكمل باكراً للشركة ، فهو يريد رؤيتها قبل ان تتراكم عليه الاعمال ، فدلف الى غرفة المكتب الخاص بها ، وجدها تجلس تضع رأسها بين يديها ، وكأنها تعانى من هموم العالم أجمع
تنحنح قليلاً لتعلم بوجوده فرفعت رأسها تنظر اليه وهبت واقفة إحتراماً ، فإبتسم لها أكمل قائلاً:
–:” صباح الخير يا سارة مالك كده قاعدة حاطة راسك بين ايدك وسرحانة”
تبسمت سارة بدون مرح وهو تقول :
–:” صباح النور يا مستر أكمل لا ابدا مفيش حاجة انا كويسة”
قطب أكمل حاجبيه قائلاً:
:” انتى متأكدة من كلامك طب مامتك كويسة حصل حاجة”
تنفست سارة بعمق وقالت :
:” لا ابدا بس هو موضوع كده بفكر فيه بخصوص عريس متقدملى”
سقط قلبه بين ضلوعه بعد سماع قولها ، فهل تخبره الآن بأنها على وشك الزواج
فأبتلع لعابه قائلاً بحذر وهو يقول:
:” عريس! وانتى رأيك ايه يا سارة”
مطت سارة شفتيها وهى تقول:
–:” لسه والله مشفتهوش علشان اقرر وأقول رأيى ”
رد أكمل قائلاً بغصة :
–:” مبروك يا باشمهندسة سارة ربنا يتمم بخير”
خرج أكمل من الغرفة سريعاً ، حتى قبل ان تتمكن من الرد عليه ، فجلست مكانها تشعر باليأس ، هل كانت بانتظار ان تسمع منه ما يجعلها ان تتخلى عن فكرة الزواج ؟ فلابد انها فتاة بلهاء او اصاب عقلها الغباء
ظل يدور حول نفسه بمكتبه ، يشعر كأنه طعن فى قلبه طعنة قوية ، فهل حقا ستتزوج ؟ ولن يراها مرة أخرى
وجد باب مكتبه يفتح يدلف منه رفيق بحال ليس افضل من حاله ، فأقترب رفيق من المقعد أمام المكتب وجلس عليه قائلاً :
–:” السلام عليكم جهزت كل حاجة علشان الاجتماع دول تعبونى على ما اقنعتهم ييجوا الاجتماع علشان نتمم الصفقة”
رد أكمل قائلاً:
–:” وعليكم السلام حمد الله على السلامة أيوة كل حاجة جاهزة بس انت مالك كده باين عليك ان فى حاجة حصلت خير”
خرجت أنفاسه حارة وهو يقول:
–:” الله يسلمك أصل انا اتجوزت يا أكمل”
صاح أكمل بدهشة وقال :
– :” نعم يا اخويا ات ايه”
أخذ رفيق قلم وجده على سطح المكتب فألقاه عليه وهو يقول:
–:” وطى صوتك شوية قولتلك اتجوزت ايه انت مبتسمعش”
إبتسم أكمل ببلاهة وهو يقول:
–:” الظاهر كده ان انا بقيت اسمع حاجات غريبة النهاردة يوم المفاجأت ومين دى اللى اتجوزتها”
قص رفيق لأكمل كل شئ حدث بالأيام الماضية ، فهو صديقه المقرب و الوحيد ، الذي يتحدث معه بحرية ، فأكمل هو من يعلم خباياه
فبعد إنتهاءه نظر له أكمل قائلاً:
–:” هو الفيلم ده فى سينما ايه عايز اشوفه اصل اللى انت بتحكيه ده فيلم مش حقيقة ازاى طالبة عندك وانت طردتها وطلعت جدتها صاحبة الارض اللى اشترتها وتتجوزها وترجع وتبقى واصى عليها”
أطلق رفيق نهدة عميقة وهو يقول:
–:” أنت بتهزر يا أخويا أهو اللى حصل يا أكمل ومش بس كده دا انا حاسس بوجع فى قلبى”
أشفق أكمل على حاله فأقترب منه وربت على كتفه قائلاً :
–:” انت حبيتها يارفيق”
رد رفيق بصدق :
–:” ايوة يا أكمل بس هى بتكرهنى وحتى قالتلى أنها بتحب واحد تانى وأنا بوهمها بالحب علشان أضحك عليها اه ونسيت أقولك على التقيلة بقى ليلى سكنت فى البيت اللى جمبنا ومش بس كده دا ليان ورهف هيعملولها عرض ازياء المحجبات للأتليه بتاعها”
أرتفع حاجبى أكمل لأقصى حد وهو يقول :
–:” لا يا راجل ايه الاخبار المنيلة اللى بتقولهالى دفعة واحدة دى بس أقولك تعال حط خيبتك على خيبتى وتبقى خيبة كبيرة حلوة كده تملى العين”
ضحك رفيق رغما عنه وقال :
–:”أنت قصدك ايه”
جلس أكمل على مقعده خلف المكتب ووضع وجنته على يده قائلاً :
–:” انا كمان حبيبت بس اللى حبيتها هتتجوز”
تهدلت ملامح وجه رفيق وهو يقول بصوت شابه الدهشة :
–:” أكمل انت بتقول ايه انت ناسى انك متجوز”
أرتجف صوت أكمل وهو يقول بحزن :
–:” الحب مش بايدى يارفيق وانت عارف جوازى مأساة بجد حسيت انها ممكن تبقى عوض عن اللى فات بس خلاص حظى قليل ومن ساعة ما عرفت حاسس بنار فى قلبى”
نظر له رفيق متسائلاً :
–:” وتبقى مين دى يا أكمل اللى حبيتها”
رد أكمل قائلاً بهدوء:
–:” الباشمهندسة سارة”
لم يجد رفيق ما يقوله يستطيع به صرف حزن صديقه ،ولكنه إستطاع القول :
–:” أنا الصراحة مش عارف أقولك إيه أو أنصحك بايه لأن أنا كمان مش عارف أعمل إيه أقولك قوم نشوف شغلنا هو ده اللى باقى لينا وكمان الصفقة دى مهمة جدا ومش عايزين نضيعها مننا وإلا هتبقى خسارة لينا”
نهض من مكانه هو وأكمل ، قاصدين غرفة الاجتماعات ، وكل منهما يفكر بحياته ، التى تصبح أكثر تعقيداً ، حتى بعد وقوعهما بالحب ، فربما هذا الحب سيكون سبب شقاءهما وليس سعادتهما
ولج رفيق غرفة الاجتماعات يتبعه أكمل ، فسمع صوت مالك يصيح بإنفعال بوجه أحد الرجال ، الذين من المفترض أن يكونوا الطرف الأخر بتلك الصفقة وهو يقول بحنق :
– معناه ايه الكلام بتاعكم ده دلوقتى جايين ترجعوا فى كلامكم تانى وتقولوا خلاص ورق الصفقة هتمضوه مع شركة تانية ، ثم الدكتور رفيق سافرلكم الاسكندرية وانتوا وافقتوا ، هو لعب عيال يعنى ولا ايه أنتوا مش عارفين حجم الخساير اللى ممكن تحصل لشركتنا بسببكم
_______________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في هواها متيم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى