روايات

رواية في قبضة الأقدار الفصل السادس والخمسون 56 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الفصل السادس والخمسون 56 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الجزء السادس والخمسون

رواية في قبضة الأقدار البارت السادس والخمسون

في قبضة الأقدار
في قبضة الأقدار

رواية في قبضة الأقدار الحلقة السادسة والخمسون

بسم الله الرحمن الرحيم
الأنشودة السادسة 💗🎼
إمَاطةُ الأذى عنِ القلوب لهُ ثوابٌ عظيم أيضاً فَخلفَ تلك الابتسامات الهادئة ندوب و تصدُّعات لا شَيء يفلح في ترميمها . و ذلك الصَّمتُ الذي يَبدو سلاماً يُخفي كمَّاً هائلًا من الحروب والنزاعات التي تُهلِك الجسد و توحش القلب الذي تأبى شمّسَهُ الشُّرُوق مُعلنة حِداداً قَدْ لا تراه لشدَّةِ بأسِ صَاحبِه.
فهناك الكثير مِمَّنْ لا يُحبِّذون الانهيار حتى ولو أضناهم الأسى ، فرِفقاً بهؤلاءِ و بِقُلوبِهم..
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
“ايه اللي رجعك تاني مش كنا اتفقنا ؟”
اخرج ورقة مطوية من جيبه وقام بمدها إليه وهو يقول بتخابث :
” وأنا سمعت كلامك و جيت عشان أشيل شيلتي كاملة ..”
هَدَرَ طارق بغضب :
” شيلة ايه و زفت ايه ؟ ما تجيب من الآخر و تخلصنا..”
بَرَقتْ عينيّ سالم حين وقعت على تلك الكلمات المحفورة في الورقة أمامه فاتَّسعت ابتسامة حازم الشامتة وهو يقول بتشفي :
” عايز أخد مراتي و ابني و امشي من هنا…”
رُبَّما هي غريزة الأم في حماية صغارها هي من دفعتها ولا تعلم كيف تحركت تتجاوزه بل تتجاوز الجميع و امتدت يدها لتنتشل الورقة من بين يد حازم فوقعت انظارها على تلك الكلمات التي جعلت عينيها تبرقان من شدّة الصدمة فخرجت حروفها مبهوتة حين قالت :
” يعني ايه الكلام دا ؟ أنا مش فاهمة حاجة ..”
بينما جذبَ طارق الورقة من يديها لمعرفة ما بها التفتت هي إليهِ مُستنجدة :
” سالم . ألحق ….”
لم يجيبها ولكن كانت ملامحه في تلك اللحظة مرعبة ، عينان مظلمتان بقسوة عروق بارزة شفاه مذمومة كل ذلك يُحيط بهِ هالة من الظلام الذي كان يحاول ابتلاعها ولكنها كانت تقاومه فجاءها صوته القاسي حين قال :
” وصلت للورقة دي ازاي ؟”
تجمهر الجميع وتعالت الشهقات من رؤيته فالتقمت عينيهِ شيرين التي كانت مدهوشة من مدى وقاحته فتجاهل الذعر الذي كان ينشب مخالبه بشراسة في قلبه وقال بثبات واهي :
” شيرين اللي ادتهالي ..”
كلماته استقرت في قلب طارق الذي خابت آماله ولم يعد يعلم مدى قدرته على الغفران لذا التفت يسألها فشاهد الحيرة على معالمها فناولها الورقة بصمت وكذلك فعلت هي حين شرعت تقرأ ما بها لتخرج منها صرخة استنكار :
” محصلش. أنا أول مرة أشوف الورقة دي دلوقتي ..”
صاحَ مُهدداً :
” كذابة . أنتِ اللي ادتيهالي عشان كنتِ عايزة تنتقمي من فرح في أختها زي ما خلتيني أسجل الفويس إياه عشان صوتي زي صوت سالم بالظبط كنتِ عايزة تِسمَّعيه لفرح و تخليها تطلّق منه ..”
تراشقت كلماته كأسهم نارية بقلب فرح التي التفتت تناظر سالم فوجدت نظراته الفولاذية فأخفضت رأسها حنقًا كان يحوي الشفقة بداخله أما حازم فصمت لثوانٍ وهو يُفرِّق نظراته بين شيرين التي كانت ترتجف خُزياً و بين طارق الذي أظلمت عينيه غضبًا تعاظم حتى وصل إلى ذروتهِ حين أضاف حازم بخبث :
” ما هو أصله حبيب القلب..”
لم يتمالك نفسه حين قام برفع قبضته و لكم حازم لكمة قوية أطاحت به إلى الخلف وهو يزأر بصوت ارعدهم جميعاً
” اخرس يا كلب .. ”
لم يَكَدْ حازم يتمالك نفسه حتى اقترب طارق ينوي إعطاءه لكمة ثانية فَجاءهُ صوت سالم الصارم :
” مكانك يا طارق …”
تراجع طارق امتثالًا لأوامر سالم الذي التفت إلى شيرين متسائلاً :
” الكلام دا صحيح ؟”
تفرقت عينيها بين سالم الجامد و حازم المتوعد فأذعنت للأخير قائلة :
” ايوا أنا ..”
” لا يا شيرين . بلاش تبقي أنتِ اللي عملتي كدا !”
كان هذا صوت سما المتوسل لشيرين أن تنفي عن نفسها حقارة ما حدث فإذا بالأخيرة تخفض رأسها قهراً و خزياً فاقترب مروان يحاوط سما من خصرها بمواساة صامتة فالتمع الغضب بعيني حازم الذي قال بِسُمّ الأنانية :
” الله دي احلوت اوي .. مروان بيحضن هو كمان ؟ دانا فاتني حاجات كتير باين ”
تجاهل ذلك الاستفزاز الذي يغلفه السخرية و شدد من عناق سما واضعاً قبلة قوية فوق خصلات شعرها وهو يقول بسعادة كمن يَزُف نبأً عظيم :
” فاتك كتير بصراحة يا حازم .. بس ملحوقة لو مكتوبلك تخرج من هنا على رجليك هنبقى نعزمك على فرحنا.. أصلنا كتبنا الكتاب ..”
نيران الأنانية و التملك تفشت بقلبه فلم تفت ذلك الذي كان يشاهد جميع انفعالاته بترقُّب ، فصاح حازم ساخراً :
” ايه دا الكل بقى يعمل موف اون بسرعة اوي . أومال فين وعود الحب و العشق و السهر و المقابلات والذي منه ؟ راحت عليه خلاص !”
صاحت همت بانفعال :
” اخرس يا كلب . أنا بنتي طول عمرها أشرف من الشرف .. ”
خطة خبيثة و مردودها لن يكون بالهَيّن ولكنه ابتلع جمرات غضبه الحارق و قال بسخرية :
” مش كبرت على حركات المراهقين دي بقي ! ولا مفكرني عيل صغير هييجي واحد هايف زيك يشككه في مراته.. ؟”
تبدلت ملامح حازم إلى أخرى واجمة فتابع مروان يضرب على أوتار كبريائه بيد من حديد :
” و عموماً أنا مقدَّر حالتك ما هو مش سهل بردو على الواحد أنه يلاقي الكل كرفه و قرف منه كدا . ”
التمعت عيني سما بالتشفي و خاصةً حين تابع مروان باحتقار يغلفه السخرية :
” أما بخصوص الموڤ اون فصدقني مخدش وقت خالص . أنت كنت أقل بكتير من إنك تسيب أثر يستدعي أي مجهود..”
تلاحقت الإهانات بصدره فلم يعد يستطيع الحديث فجاءه صوت سالم الجامد حين قال:
” نرجع لموضوعنا . وصلت للورقة دي ازاي ؟ ”
تفاجئ الجميع من استفهام سالم الذي تبلور الاحتقار على ملامحه و ازدرد حازم ريقه بصعوبة و هو يقول كاذباً :
” ما أنا قلت . شيرين….”
” اخرس … ولآخر مرة هسألك جبت الورقة دي ازاي ؟”
احنى رأسه غاضباً و قال بخفوت :
” عرفت من الكلب ناجي إن سالم نقل ميراثي باسم جنة و.. ابنها ! و كنت عايز أسرق الورق دا . جبت عربية و فيها رجالة نزلوا اتخانقوا مع مجاهد كان غرضهم يشغلوه عشان ادخل أسرق الورق من المكتب و وقتها سليم جه و ملحقتش اخده بس شفت الورقة دي و خدتها عشان كنت عارف إن ناجي هيغدر بيا!”
تعالت الشهقات حوله فلم يكن يتخيل أحد أن يصل إلى هذه الدرجة من الدناءة و خاصةً هو فصاح متألماً :
” أنتَ ازاي قادر تكون وحش كدا ؟ ”
التفت الجميع إلى سليم الذي كان يقف أمام باب المنزل و بيده جنة التي كان الاحتقار يشوه ملامحها وهي تطالع حازم الذي لمع الغضب لوهلة بعينيه و سرعان ما انطفئ حين صاح سليم بحرقة :
” دا ناجي نفسه معملش فينا اللي أنت عملته ؟ احنا عملنا فيك ايه ؟ اه أنا كنت أوقات بقسى عليك بس عمري ما كنت بتحمل عليك الهوى.. ”
تشكلت طبقة كريستالية منَ الدموع في مقلتيه وهو يقترب متابعاً بنبرة مُشجبة :
” أمك و سالم و حلا . كلهم كانوا روحهم فيك .. محدش فيهم قسي عليك أبدًا . سالم دا كان بيعتبرك ابنه . يستاهل منك كدا ؟”
تابع بحرقة أصابت قلوبهم جميعاً
” مفكرتش في أمك اللي كذا مرة كانت هتموت مننا بسببك ؟ مفكرتش في حلا . أختك مفكرتش فيها و أنت بتهتك عرض بنات الناس كدا ؟
صمت لثوان قبل أن يضيف بحرقة
“ليه ؟ ”
تساقطت العبرات من مقلتيه احتجاجاً على هذا الألم الهائل بصدره فتقدم منه و قام بدفعه بكلتا يديه وهو يزمجر بشراسة ارتعدت لها الأبدان :
” رد عليا لييييه. ..؟”
كان استفهاماً مؤلماً هربت جميع منه الإجابات فلم يلقى صدي سوى رأس مُنَكّث و قلب لأول مرة يزوره الندم فلم يجد من الكلمات ما يسعفه ولم يستطيع حتى مواجهة نظراتهم فتابع سليم بنبرة لوّعَت قلوب الحاضرين :
” معندكش إجابة يا حازم ؟ مفيش مُبرر واحد عندك تقوله يطفي نارنا ؟ حاجه واحدة تخلينا نقدر نرفع راسنا وسط الناس ..”
لم يستطِيع تحمُل المزيد فصدح صوته القاسي يبدد كل هذا القهر الذي يتشارك به مع شقيقه:
” كفاية يا سليم . هو اللي حكم على نفسه ..”
تقدم من بينهم جميعاً مروراً به و هو يأمره بجفاء :
” ورايا ..”
لم يتحدث بحرف بل تقدم خلف سالم محني الرأس فلم يحتمل سليم ما يحدث فانطلق هارباً إلى الخارج حتى أن نداءات جنة لم توقفه فاقتربت منها فرح تمسك بيدها وهي تقول بحنو :
” سيبيه يا جنة .. خليه يهدي مع نفسه شويه . ”
جنة بأسى و قلب يتقاسم وجع المحبوب:
” ازاي أنتِ مشوفتيش حالته يا فرح ؟”
تحدث مروان هذه المرة بدلًا عن فرح :
” فرح عندها حق يا جنة . سليم في أقصى مراحل ضعفه و يأسه . بلاش تروحي وراه من غير حاجة هو حاسس بالإحراج منك و مننا كلنا . سيبيه هو عارف هيتخلص من كل دا ازاي ..”
لم تستطيع احتمال كل ما يحدث معها فأحنت رأسها لتقترب منها همت بأقدام متوجسة قائلة بترقب تخشى رفضها:
” مروان عنده حق يا جنة. اللي مروا بيه يا بنتي مش سهل. ”
رفعت جنة رأسها تطالعها بحزن تجلى في إيماءة بسيطة من رأسها فاطمأنت همت قليلًا و اقتربت تُمسِّد بحنو على كتفها و تضمن لهجتها وهي تقول :
” اطلعي أنتِ ارتاحي شوية في اوضتك على ما هو يكون رجع . ولو عايزة تسيبي محمود معايا عشان تعرفي تنامي براحتك سيبيه…”
نبش القلق حوافره في قلبها فازدادت من ضمة محمود أكثر إلى صدرها فتابعت همت تطمأنها :
” متخافيش عليه يا جنة. دا في عنيا والله . وأنتِ وفرح زي سما و شيرين .. ”
انفرطت عقدة دموعها مع آخر كلمة تفوهت بها فتحمحمت فرح ثم قالت بهدوء :
” أكيد طبعًا يا حاجه همت . سيبي محمود معاها يا جنة و اطلعي ريحي فوق..”
ارَسَمَتْ ابتسامة بسيطة على محيّاها قبل أن تناولها الصغير و التفتت تناظر فرح بحزن احتوته فرح بضمة قوية وهي تهمس بأذنها برفق :
“متقلقيش .. خلي عندك حسن ظن بربنا و اعرفي إني مش هسيب أي حد أو أي حاجة تأذيكي طول مانا عايشة ..”
هَدَأ الفؤاد بكلماتها فشددت جنة من ضمها قبل أن ترفع رأسها وهي تقول بامتنان :
” ربنا ما يحرمني منك أبداً ..”
” ولا يحرمني منك ..”
كان الجميع يشاهد ما يحدث بتأثر فتقدم هو إلى حيث تقف وقال بخفوت صارم :
“تعالي ورايا عالمكتب..”
ارتجف قلب شيرين الذي كان يخشى المواجهة كثيراً ولكنها في النهاية اذعنت إلى ما طلبه و تقدمت تجرّ أقدامها المثقلة بذنوبها العظيمة وهي في طريقها إلى المكتب توقفت أمام كُلّاً من فرح و جنة و قالت بصوت مبحوح من ثقل ما تشعر به:
” فرح . لو تسمحي كنت عايزة اتكلم معاكِ شوية . ”
اومأت فرح بصمت فأردفت شيرين بخفوت
” ساعة و هعدي عليكِ في اوضتك نتكلم..”
فرح بجمود :
” تمام ..”
******************
كانت دمائه تغلي في مراجل بينما لسانه لم يكف عن إطلاق السُباب لكل ما يحدث معه و كأنما القدر يعاقبه على جميع أخطائه دفعة واحدة .
زفر بحنق وهو يستمع إلى صوت إغلاق الباب فحاول أن يستبدل ثاني أكسيد الغضب بأوكسجين نقي فأخذ يكرر عملية التنفس عدة مرات حتى جاءه صوتها المبحوح ليضرب بكل محاولاته في الهدوء عرض الحائط:
” عايزني في ايه ؟”
التفت بسائر جسده وهو يناظرها بغضب تبلور في لهجته التي كانت مرعبة تشبه عينيه حين قال :
” عايز اعرف حازم بيهددك بأيه ؟”
تراجعت خطوتان إلى الخلف من مظهره المرعب و لهجته و عينيه فحاولت أن تشحذ صوتها الهارب وهي تقول بخفوت:
” مبيهددنيش….”
زمجر بوحشية يقاطعها :
” متكذبيش….”
شهقة قوية شقَّت جوفها من صراخه فهمست بخوف :
” طارق أنت مخوفني ..”
طارق بشراسة :
” أنا لسه هخوفك لو مجاوبتنيش بصراحة .. مش عايزك تشوفي وشي التاني يا شيرين فأحسنلك جاوبيني .”
لم تتقبل طريقته ولا مخاوفها فنفضت ضعفها قائلة بجفاء :
” بأي حق بتسألني و بتعاملني بالطريقة دي؟ ”
ابتلع جمرات غضبه و أجابها بقسوة:
” موضوع حقي و حقك دا خليه على جنب عشان أنا ممكن أوجد ألف حق يخليني اكسر دماغك دلوقتي .. فجاوبيني أحسنلك ..”
شعرت بتعب كبير يغزو أطرافها فتقدمت تجلس على أقرب مقعد قبل أن تتهاوي أقدامها و تسقط أمامه و قامت بإسناد رأسها بين كفيها بتعب لامس قلبه الذي أحكم تطويقه حين قال بجفاء:
” احنا في وقت صعب . و الكلب دا محدش يأمن مكره . و اديكي شايفة جري ازاي يهددنا بورقة الجواز دي لولا أننا عاملين حسابنا كان زمانا اتفضحنا في كل حتة. ”
رفعت رأسها تطالعه باندهاش تجلى في نبرتها حين قالت :
” تقصد ايه ؟ أنا مش فاهمة حاجة .. الورقة دي اتعملت ازاي وهو كان متجوز جنة عرفي ؟ و بعدين هو أنتوا كنتوا عارفين أنه سرقها أصلاً ؟”
طارق بخشونة:
” حازم و حلا كانوا عاملين توكيل عام لسالم عشان يتصرف في الورث كله و بالتوكيل دا سالم كتب على جنة و عمل العقد بتاريخ قديم لما كان حازم مسافر انجلترا الصيف اللي فات . و دا عشان تقدر تورثه هي و محمود و محدش يقدر يتكلم عنها بحرف ..”
شيرين باندهاش :
” اها صح أنا سمعت بابا بيقول لحازم إن عشان جنة تورث فيه لازم جواز رسمي ..”
طارق بجفاء:
” بالظبط . و سالم اكتشف أن الورقة اتسرقت و دا قبل ما نعرف أن الزفت دا عايش و بعد ما عرفنا بدا شكيت أن ممكن يكون حازم سرقها بأي شكل من الأشكال و فضلنا مستنيين نشوف هيحصل ايه عشان سالم يقدر يتصرف معاه صح بعد كدا ..”
هبت من مكانها وهي تتساءل بترقب:
” تقصد ايه ؟ سالم ناوي يعمل معاه ايه ؟”
طارق بقسوة ة
” ملكيش فيه .. انجزي و قوليلي الكلب دا بيهددك بأيه ؟”
اخفضت رأسها لا تقوى على إجابته فتقدم يهزها من كتفها بعنف :
” لآخر مرة هسألك و اعرف منك أحسن ما اعرف من حد تاني . جاوبيني مش هيكون أوحش من عمايلك اللي قبل كدا ..”
غمس سموم كلماته بقلبها الذي انتفض بين يديه فنزعت نفسها من ذراعيه وهي تقول بألم :
” عمايلي دي أنت كنت هتعمل اسوأ منها لو كنت مكاني . أو شفت اللي أنا شفته .. لو اتحرقت بنار الذل و القهر كنت عملت أكتر من كدا . و على فكرة مش هجاوبك و لو حصلي كارثة بعفيك من أنك تحاول تنقذني ..”
أنهت كلماتها و التفتت مهرولة إلى الخارج فاصدمت بفرح التي كانت في طريقها الى الخارج و إذا بها تجد شيرين التي كانت في طريقها للانهيار:
” في ايه ؟ حصل ايه ؟”
هكذا تحدثت فرح بذعر من مظهر شيرين فهمست الأخيرة بحرقة :
” بدفع تمن أخطائي ..”
أنهت كلماتها و هرولت إلى الأعلى و شهقاتها تشق جدران المنزل من فرط الألم..
***************
ادينا لوحدنا اهو ياستي اتفضلي قولي اللي عندك ..”
اخفضت رأسها بخجل فقد خطت بجانبه إلى الحديقة و بداخلها الكثير و الكثير من الكلمات التي تخجل الإفصاح عنها ولا تعرف كيف تصيغها لتأتيها كلماته العابثة حين قال :
” ايه اوعي تكوني ناوي تتغرغري بيا . لا بقولك ايه شرف العيلة يا بنتي ..”
صرخت باستنكار :
” مروان ..”
مروان بلهفة:
” خلاص مرمطي شرف العيلة براحتك ولا يهمك .. أنا من ايدك دي لإيدك دي”
اغتاظت من وقاحته فقالت محذرة:
” والله لو ما بطلت هسيبك و امشي…”
مروان باندفاع :
” لا تسبيني و تمشي ايه بهزر معاكِ .. قولي سامعك ..”
تعاظم شعورها نحوه للحد الذي لم يعد شيء يستطيع إيقافه و خاصةً بعد أن احتواها و دافع عنها و عن زواجهم بشراسة أمام هجوم حازم الدنيء فقد كانت تلك الخطوة هي الفاصلة لقلبها الذي همس بعذوبة :
” أنا بحبك يا مروان ..”
ظلت ملامحهُ على جمودها للحظات فزارها القلق و لكنها تجاهلته و قالت بخفوت :
” مش هتقول حاجة ؟”
تفاجئت من تغير نظراته و ابتسامته التي توحي بمن يراه بأنه طاله مس من الجنون الذي تجلى في نبرته حين قال:
” أقول ايه؟ دا نا هعمل .. أنتِ خليتي فيها حاجة تتقال !”
تراجعت بخوف من مظهره و قالت بذعر:
” هتعمل ايه يا مجنون ؟”
قام بخلع جاكيته و إلقاءه بجانبه وهو يقول بوعيد :
” هبوسك.. تقوليلي بحبك و عيزاني أقول . دانا ههريكي بوس ..”
ارتعبت و برقت أنظارها من هذا المجنون و أخذت تتراجع للخلف وهي تقول :
“يخربيتك أنت اتجننت رسمي ..”
هرول مروان خلفها وهو يصيح:
“أنتِ لسه شفتي جنان؟ دا أنا من كام يوم بس كنت بحلم اقعد جنبك جاية تقولي بحبك في وشي وربنا أبداً. مش هعتقك النهاردة..”
صرخت وهي تهرول إلى داخل المنزل:
” خلاص والله أنا غلطانة ”
برقت عينيه و صرخ باستنكار:
“غلطانة ايه نهارك أسود أنتِ يا بت …”
تلقفت يد همت سما التي كانت تهرول لاهثة إلى أن احتمت بظهر والدتها من ذلك المجنون فصاحت همت مستفسرة :
“في ايه يا واد يا مروان بتجري ورا البت ليه ؟”
مروان بنفاذ صبر:
“اوعي يا عمتي من وشي دي حاجة بين الراجل و مراته ”
صاحت باستهجان:
“راجل مين و مراته ايه ؟أنت صدقت نفسك يا وله ؟”
مروان بانفعال :
“ايه صدقت نفسي دي يا عمتي ؟لا بقولك ايه جو الحموات القرشانات دا من أولها مش هسكتلك هبعت اجيب دولت تيجي تقفلك . مانا مش هيتاكل حقي في البيت دا .”
همت باندهاش:
“حق ايه يا ابني هوا حد جه جنبك ؟”
“ايوا حقي.. بوسة كتب الكتاب مخدتهاش ولا حتى الحضن ايه هتستعبطوني ؟ ”
همت باستنكار من حديثه :
“بوسة كتب كتاب ايه يا قليل الحيا ؟”
تشدق ساخراً :
“طبعًا ما أنتِ من أيام القدماء المصريين هتفهمي أنتِ في الحاجات دي ازاي؟ ابعدي شوية الله لا يسيئك ..”
آتاهم من الخلف صوت طارق الغاضب :
” في ايه يا ابني صوتك عالي ليه صدعتنا ؟ ”
مروان بتهكم:
“اهو شاروخان شرَّف اهوة..”
كان الغضب من نصيب سليم الذي صاح محذراً :
“مروان محدش متحمل رزالتك دي .”
صاح مهللًا بسخرية :
“ايه دا و أميتابتشان كمان شرَّف ! لا أميتابتشان ايه دا مكنش أقرع . اقولك خليك سلومة الأرع أحسن ”
تشارك الرجلان شعور الغضب و تبادلا نظرات ذات مغزى قبل أن يقتربا بمكر لون عينيهما تجاه ذلك الذي فطن لما يحدث و أنهم يبيتون نية له فصاح مُحذراً :
“في ايه يا زفت أنت وهو البصة دي مش مرتاحلها؟”
لم يَكَد ينهي جملته حتى تفاجئ منهما يقومان بحمله و التوجه به إلى الخارج فصاح مروان مستنكراً :
” الحقونااااي ..”
هرولت كلّاً من سما وهمت خلفه و قالت الأخيرة بلهفة:
” استنى يا واد أنت و هو هتعملوا في ايه؟’
صرخ مروان باستغاثة:
” الحقيني يا همت . الله يسامحك أنتِ و بنتك فقر زي بعض ..”
توقف كلّاً من طارق و سليم أمام المسبح ففطن مروان إلى نيتهم و صرخ قائلاً:
” لا بقولكوا ايه أنا لسه مستحمي و متليف الشهر اللي فات . هتعملوا ايه يا ولاد الكالللللب …”
قال جملته الأخيرة تزامنًا مع إلقاءه في المسبح بيد الرجلان و اللذان كانا ينظران إليه بتشفي فأخذ ينثر المياه عليهم وهو يصيح بغضب
بعد نصف ساعة كان مروان يلتف بشرشف ثقيل و بيده كوب من الشيكولاتة الساخنة و رأسه ملقى على كتف سما التي كانت متأثرة للغاية بحالته التي كان يدَّعيها قائلاً:
” برتعش يا سما .. كل حتة في جسمي وجعاني …”
سما بتأثر بالغ :
” معلش يا مروان اشرب الشيكولاته دي هتدفيك و هتبقى زي الفل إن شاء الله..”
مروان باستنكار :
” شيكولاته ايه اللي هتدفيني هو أنا عدمتك . دفيني أنتِ ..”
اغتاظت من حديثه وقالت بتحذير:
” هقوم و اسيبك ..”
مروان بتعب زائف:
” اه قومي و سبيني وأما الحمى تموتني ابقي ارجعي عيطي ..”
رق قلبها تأثراً بكلماته :
” حمّى هي وصلت للدرجادي ؟”
مروان بأسى مزيف:
” اومال.. دانا حاسس إن كل عظمة في جسمي وجعاني اااه منه لله اللي كان السبب..”
كان يتحدث وعينيه ترسل نظرات غاضبة لهذا الثنائي الذي يجلس براحة بعد أن قاموا بفعلتهم فلم يتأثروا بنظراته ولا كلماته فتابع متحسراً:
” ما أنتِ لو كنتي وافقتي و خلتيني أبوسك مكنش دا كله حصل لكن هقول ايه؟ بومة..”
“أنت قليل الأدب على فكرة..”
هكذا همست بخفوت فتحدث بنفس لهجتها الخافتة:
” اتنيلي على عينك أنتِ كنتِ لسه شفتي قلة أدب ..”
همست بعتاب:
” و بعدين ما أنت اللي خضتني. في حد يطلب حاجة زي دي بالطريقة الغبية بتاعتك دي؟”
ضيق عينيه بمكر تجلى في نبرته حين قال:
” اااه. يعني الطريقة بس اللي غلط . شوف ياخي وأنا اللي ظلمتك .و تقولي عليا قليل الأدب اه يا سافلة ..”
زجرته في كتفه وهي تقول بتحذير :
” والله بجد هخاصمك .”
” دا نا أموت . يرضيكي مروان حبيبك يموت ؟”
سما بخجل:
” لا ميرضنيش بعد الشر عنك ..”
رفع رأسه يناظر طارق فوجده منشغل بهاتفه و كذلك سليم فوجَّه أنظاره إلى همت التي كانت تتابع حديثهم باهتمام فقال حانقاً :
” بقولك ايه يا عمتي ما تقومي تتفسحي كدا شوية ؟”
” عايزني أقوم ليه ياخويا؟”
مروان بسخرية :
” يعني هيكون ليه يعني يا عمتي ؟ عايزك تهوي رجلك شوية هكون بطرقك يعني!”
همت بسخافة:
” لا أنا قاعدة على قلبك مش قايمة..”
ناظرها شذراً وهو يتمتم بحنق :
” ربنا عالظالم…”
******************
أنهت شيرين كلماتها مع فرح و هرولت إلى الأعلى و شهقاتها تشق جدران المنزل من فرط الألم..
أغلقت باب غرفتها و استندت بكامل ثقلها فوقه حتى خارت قواها فتلاشت أقدامها و سقطت في نوبة انهيار قوية قطعها صوت اهتزاز كان كالشوك في جوفها فقد جاء وقت المواجهة التي لن تمر مرور الكرام أبداً التقطت هاتفها السريّ وهي تجيب بغضب يحوي القهر بين طياته :
” بتتصل عليا ليه ؟ في ايه تاني عايز توحنلني فيه ؟ ولا في بلاوي تانية ناوي تلبسهالي ؟ عايز تسود وشي و تقل من كرامتي أكتر من كدا ايه ؟ بأي عين بتتصل عليا ؟”
قالت جملتها الأخيرة بصراخ أدمى حبالها الصوتية فجاءتها قهقهاته المستفزة و كذلك نبرته حين قال :
” ياااه فكرتيني بالذي مضى يا شيري .. أمك قالت نفس الكلمتين دول من كام سنة و مصعبتش عليا بردو !”
خرجت نبرتها محتقرة حين قالت:
” و مين قالك إني عايزة أصعب عليك . مين قالك إنك بقيت تفرق معايا أصلاً.”
ناجي بغضب :
” عارف إنك كلبة و دم الوزان بيجري في عروقك ..”
” و أنت عروقك بيجري فيها أيه ؟ مية ؟ ازاي قدرت تأذيني وأنا بنتك اللي من لحمك و دمك ؟”
استفهمت بقهر فأجابها بلؤم:
” متكبريش الموضوع اوي كدا يا شيري؟ و علي فكرة دم الوزان دا أوسخ حاجة فيا . و بعدين ماانتِ طلعتي اوطي مني و بعتيني عشان حبيب القلب .”
أجابته مصححة :
” بعتك لما عرفت كذبك و خداعك ليا ..”
ناجي بسخرية :
” و حتى بعد ما عرفتي كذبي هترجعي تساعديني من تاني ..”
صاحت بكل ذرة من كيانها :
” مش هيحصل أبداً .. لو عملت فيا ايه عمري ما هساعدك ولا هسمعلك حتى .. كفاية إني مش قادرة ارفع عيني في عنيهم بسببك ..”
ما أن أنهت جملتها حتى تفاجئت بفرح التي فتحت باب غرفتها دون استئذان وهي تشير لها باستمرار الحديث فأطاعتها شيرين وهي تستمع إلى كلمات ناجي الآمرة :
” هعتبر إني مسمعتش ولا حرف من اللي قولتيه عشان ردي مش هيعجبك أبداً ..”
أشارت لها فرح بالهدوء و الاسترسال معه في الحديث حتى تعلم منه ماذا يريد ففهمت شيرين و قالت بجفاء :
” أنت متصل عايز مني ايه ؟”
ناجي بقسوة
” عايز اوصل للبت مرات سالم دي . تعرفي تجيبي رجليها عشان تقابلني ؟”
شهقت شيرين و ارتعبت فرح من حديثه فاستفهمت شيرين باندهاش :
” و عايز إيه من فرح ؟ ”
ناجي بقسوة :
” عايز اكسر عينه ..”
كان ثباتها شيء تُحسد عليه ولكنها أشارت لشيرين لتجاريه فهبت الأخيرة باندهاش :
” أنت بتقول ايه ؟ دا سالم كان يدبحني !”
تشدق ساخرًا :
” لما يدبحك هو أحسن من إني أدبح أنا أمك.. ماهي كمان خانتني ولا إيه ؟”
نجح في غرس أسهم الذعر في قلبها فصاحت بقهر :
” أنت شيطان ..”
” أسوأ . أسوأ من الشيطان بمراحل . و اسمعي كلامي عشان مترجعيش تندمي بعدين ..”
كانت تود أن تذيقه ولو قطرة من بحر العذاب الذي ألقاها به :
” أنا كدا عرفت ليه سهام سابتك زمان و اتجوزت عمو صفوت . ”
اخترقت كلماتها عمق جرحاً من فرط مرارته تحول على إثرها لمسخ لا يعرف معنى الرحمة فصاح بصوتٍ جهوريّ :
” هقطع لسانك يا بنت همت . هدفنك حية أنتِ و كل اللي جه على ناجي الوزان في يوم..”
لم تحتمل كلماته ولا صراخه فقامت بإغلاق الهاتف في وجهه و سقطت فوق السرير خلفها وهي تنتحب بقهر جعل فرح تشفِق على حالها وذلك الابتلاء القاسي الذي على هيئة أب لم يعرف قلبه شعور الأبوة يوماً ، فاقتربت منها لتجلس بجانبها بصمت بينما مدت يدها تربت على كتفها برفق لامس قلب شيرين فهمست بنبرة محشوة بالوجع:
” شفتي بقي أنا اختارت ابقى وحشة ليه ؟ شفتي أبويا اللي مفروض يحميني برموش عينيه هو اللي رماني في النار بإيديه ..”
تنهدت فرح بقوة وقالت بتأثر:
” شفت . بصراحة مش عارفة اقولك ايه؟”
التفتت شيرين وهي تقول بتوسل :
” سامحيني يا فرح .. مش هقولك مكنتش أقصد اللي عملته لا كنت قاصدة بس مكنش بمزاجي . أنا مش فاكرة اذا كنت حبيت سالم في يوم ولا لأ؟ بس أنا بلف في دايرة انتقام كبيرة مش هقولك كنت ضحيتها لا أنا كنت من جوايا عايزة انتقم من اللي طردوا أبويا و ذلوه قدام عنينا . ”
لم تكن ممن يحكمون بمشاعرهم ولهذا تحدثت بعقلانية :
” بصراحة يا شيرين لو مكنتش سمعت مكالمتك معاه مكنتش هتعاطف معاكِ . يعني اللي حصل منك مش قليل . بس اللي سمعته النهاردة غير حاجات كتير جوايا..”
احنت رأسها بألم تجلي في نبرتها وهي تقول:
” أنا عارفة أن ذنوبه هتفضل طوق حوالين رقبتي العمر كله .. بس غصب عني والله . كان مزيف كل حاجة في عنيا. و للأسف مكنتش قادرة حتى احكي ولا أتكلم . مكانليش غيره . و كنت بعيد عن أمي كان صدري الحنين اللي كنت بلجأله من كل العذاب اللي بشوفه مع الزفت اللي كنت متجوزاه .. بس عارفة انا دلوقتي بسأل نفسي ليه محاولش ينقذني من العذاب دا ؟ دا مفيش مرة قالي اتطلقي منه !”
فرح بغضب من ذلك المسخ :
” علشان تفضلي محتجاه على طول و ميكونش ليكِ حد غيره ..”
شيرين بقهر:
” صح .. أنا اللي حاسبت على كل حاجة .. و اتحملت كل حاجة . حتى لما يحبوا ينتقموا منه بينتقموا فيا يا فرح ..”
قالت جملتها الأخيرة قبل أن تنخرط في دوامة بكاء مريرة فاقتربت منها فرح التي تأثرت بحالتها ولكن هناك هاجس قوي هاجمها بأن هناك مغزي خلف حديثها فقامت بالربت على يديها وهي تقول بطمأنة :
“اهدي يا شيرين و متخافيش . محدش هيقدر يقربلك و أنتِ وسط أهلك و عيلتك ..”
أخذت تهز برأسها بأسى تجلى في نبرتها حين قالت :
” أهلي و عيلتي كفاية عليهم اللي شافوه مني . ميستاهلوش أكتر من كدا ..”
صدق ظنها فهناك ما تخفيه خلف كلماتها فامتدت يد فرح تعانق يدها وهي تقول باتزان:
” شيرين لو مخبية أي حاجة قولي . أنا حسيت و احنا تحت أن حازم مهددك بحاجة و يمكن دا اللي خلاكي تسكتي و متقوليش أنه لسه عايش . اوعي تسمحي لحد أنه يبتزك . متعمليش زي ما جنة عملت فضلت مخبية سرها و اتحملت اللي ميتحملهوش بشر و في الآخر ندمت . وفري على نفسك بهدلة و عذاب أنتِ في غني عنهم ..”
أخذت تزن كلمات فرح التي بعثت الراحة بين أوردتها فتجلي ما تشعر به في عينيها فضاعفت فرح جرعة الطمأنينة أكثر حين قالت :
” متتردديش يا شيرين قولي في ايه يمكن نعرف نلحق المصيبة قبل ما تقع ..”
لا تعلم كيف تصيغ كلماتها فهمست بضياع:
” مش هقدر يا فرح أنا هتكسف احكي …”
قاطعتها فرح بقوة:
” احنا بنات زي بعض هتتكسفي من ايه ؟”
زفرت ضعفها مع ذرات الهواء الذي يحرق جوفها و أخيراً استطاعت أن تخلي سبيل مخاوفها حين قالت :
” بعد ما حازم عرف أن بابا اللي ورا كل اللي حصله قرر يأمن نفسه و في يوم اتخانقت مع أحمد و روحت أريح أعصابي عند بابا و بعدين .. ”
صمتت لثوانٍ قبل أن تتابع :
” حازم قعد يتوددلي و يقولي أنه جنبي و أنه أخويا و مش هيسبني و هيطلقني منه . و أنا صدقته و قالي تعالي هعملك عصير ليمون يهديكي وأنا مردتش اكسفه و شربت الليمون..”
احنت رأسها بألم وهي تسترجع ذكرياتها المريرة :
” و بعدها نمت ومحستش بحاجة . ولما صحيت لقيتني نايمة في اوضته وهو جنبي .. من.. من غير هدوم . و لما صرخت هددني أنه هيقول لبابا أني أنا اللي جيتله برجلي. ”
شهقت فرح و صاحت باستنكار:
” الحيوان …”
أضافت شيرين بقهر :
” و مش بس كدا دا كان مصورني وأنا نايمة جنبه.. والله ما عملت حاجة يا فرح . أنا فضلت محافظة على نفسي أقسم بالله عمري ما غلطت . والله ما كنت حاسة بحاجة، حتى لما جه يبتزني بعد كدا عشان يقرب مني رفضت و هددته إني هفضحه و أقول إنه لسه عايش ..”
شعرت و كأن كل ذرة من كيانها تصرخ بكره ذلك الشاب الذي فاق الشيطان في حقارته و دنائته . و أشفقت على تلك المسكينة التي كانت فريسة بين أنياب ذئاب لا تعرف الرحمة فاقتربت تحتضنها بقوة وهي تقول بأسى:
” اهدي يا شيرين . الكلب دا مش هيقدر يعملك حاجة. سالم مش هيسمحله ..”
انتزعت نفسها من بين ذراعي فرح وهي تقول بلهفة :
” لا يا فرح . أبوس إيدك اوعي تقولي لسالم حاجة .مش عايزة حد يعرف حاجه ارجوكي ..”
فرح بترقب :
” شيرين أنتِ خايفة حد تاني اللي يعرف صح ؟”
اومأت بصمت فزفرت فرح بحنق قبل أن تطرأ على بالها فكرة فصاحت مستفهمة :
” أنتِ شفتي أي فيديو ليكِ مع الكلب دا؟”
نفت بلهفة:
لا . هو وراني صور وأنا نايمة على السرير و أنا مقدرتش أكمّل ..”
فرح باتزان :
” يبقي تسمعيني .. في أسوأ الإحتمالات حتى لو حصل بينكوا حاجة يبقي اكيد هيبان في الفيديو إنك كنتِ متخدرة و مش بمزاجك زي ما جنة بردو مكنش بمزاجها و عشان كدا سليم سامحها و أنا واثقة أن طارق هيسامحك لو عرف . طارق أصلاً اوبن مايند و متربي بره و هيتفهم أن اللي حصل دا كان غصب عنك ..”
شيرين بلهفة :
” تفتكري يا فرح ؟”
” افتكر اوي و دلوقتي يالا عشان ورانا مشوار مهم لازم نعمله ..”
شيرين باستفهام :
” مشوار ايه ؟”
فرح بعجالة وهي تمسك بهاتفها:
” هتعرفي كل حاجه بعدين ..”
لم تخمد ثورة استفهاماتها فقالت بلهفة :
” طب و هنعمل ايه مع بابا ؟ اللي هو بيقوله دا..”
قاطعتها فرح باستهجان :
” اللي هو بيقوله دا يبله و يشرب ميته . هو مفكر إننا اغبية . ”
” تقصدي ايه ؟”
فرح وهي تحاول إجراء مكالمة هاتفية :
” دا فخ . بيلهينا عشان منركزش في اللي هو ناوي يعمله . ”
شيرين بتعب:
” أنا مش فاهمة حاجة يا فرح ..”
فرح بنفاذ صبر :
” هو مش هيكشف أوراقه قدامك كدا بصراحة . عشان عارف إنك مليون في المية مش هتعملي كدا . خصوصاً بعد ما بان وشه الحقيقي . هو يا إما بيعمل فخ لسالم يا إما بيعمل تمويه على مخططه الحقيقي ..”
أنهت كلماتها حين أتاها صوت مروان على الطرف الآخر فقالت بلهفة :
” مروان جهز نفسك عشان تيجي معايا مشوار أنا و شيرين ..”
مروان باستنكار:
” أنتِ و شيرين ! ايه هتمصوا دم بعض ولا ايه ؟لا أنا مش فاضي لشغل الحريم دا . احنا ممكن نفضيلكوا الجنينة اللي ورا نعملها حلبة و قطعوا شعور بعض براحتكوا..”
ابتلعت حنقها من ذلك المستفز وهي تقول من بين أسنانها :
” اخلص يا أبو لسان عايز قطعه . أنا لسه مش حاسبتك على اللي عملته قدام سالم من شوية . اتفضل جهز العربية هروح معاد الكشف بتاعي النهاردة..”
مروان بحنق :
” حاضر ياختي مفتريه زي جوزك ..”
أغلق الهاتف و هو يخلع عنه هذا الشرشف بينما التفت ينظر إلى سما بحنق تجلى في نبرته حين قال :
انا قلت انك بومه محدش صدقني . شكلي هموت مجلوط بسببك يا سما الكلب…”
**************
كان ينظر إلى المكان برهبة كبيرة و خاصةً أنه لم يكن يعلم ماهي وجهته؟ و لا يجرؤ على سؤال شقيقه الذي كانت كل خلية به تضج غضباً لم يعهده منه ولكنه لم يستطيع الصمت أكثر. فقال بخفوت:
” قد كدا بقيتوا كلكوا تكرهوني يا سالم؟”
سالم بقسوة:
” دا أقصى شعور ممكن تستحقه مننا ..”
قسوته كانت مريعة تشبه هذا الوضع الذي أقحم نفسه به لذا حاول أن يدير الدفة تجاهه قليلاً فقال بانكسار:
” ليه مش قادرين تفهموا أنه غصب عني و إن ناجي الكلب هو اللي نصبلي كل دا !”
سالم بجفاء:
” و هو بردو اللي قالك تهددنا بالورقة اللي زورناها عشان ننضف وساختك ؟”
حاول الإفلات من بين براثن ذنوبه قدر الإمكان :
” كانت محاولة فاشلة مني عشان افرض نفسي عليكوا كنت عايز ادخل البيت و مكنتش عارف اعمل ايه ؟ ”
سالم بفظاظة:
” و اديك شفت نتيجة محاولتك الفاشلة كانت ايه ؟”
هم بالضرب على وتر يعلم مدى حساسيته :
” يرضيك اللي قالوهولي جوه دا يا سالم؟ مانا بردو ابنكوا مهما كان ؟”
تحدث بقسوة مريرة:
“كل كلمة اتقالتلك جوا أنت كنت تستحقها .. بس احنا منستحقش أخ زيك ”
انقلبت لعبته و كان هو أول ضحاياها فصاح محاولاً التمسك بآخر حبال النجاة:
“انا مش وحش يا سالم ..”
قاطعه بجفاء :
” فعلًا . انت مش وحش. أنت عايز تتربي . و دا غلطنا الوحيد . ”
شعر بأن هناك المزيد خلف حديثه فهتف بلوعة:
” سالم ..”
للمرة الثانية التي يقاطعه ولكن كانت تلك هي الأشرس فقد زمجر بقسوة :
” بس أنا المرة دي هضمن بجد إنك هتتربي يا حازم . و دي هتكون آخر فرصة ليك .”
حازم بذعر:
“تقصد ايه؟”
سالم بغموض:
” هتفهم دلوقتي .و صدقني أقسم بالله المرة دي لو متعدلتش مش هتردد اغسل عاري و اقتلك بإيدي زي ما الناس بتعمل مع بناتها لما يقعوا في الغلط .. ”
كان مشغولًا بالحديث فلم يدرك ما يحدث حوله ولم يَكد يتحدث حتى تفاجئ بتوقف سالم و بلمح البصر وجد شيئاً مسنن يخترق عنقه وبعدها انعدمت الرؤية لديه و فقد كل اتصال له في الحياة..
************
” تهاني ..”
هكذا صرخ عبد الحميد مناديًا على تهاني التي هرولت إليه فقال بغلظة :
” جولي لحلا إن خواتها سالم و سليم چايين عشان يزورونا النهاردة…”
جاءت كلماته تلك تزامناً مع دلوف ياسين إلى البيت فتوقف لثوانٍ يستوعب ما سمعه الآن ولكن باغتته كلمات تهاني الماكرة حين قالت:
” حاضر يا عمي .. والله مظلومة يا حلا . و ربنا راد يرچعلك حجك لحد عنديكي..”
قالت جملتها الأخيرة بعد دلوف عبد الحميد إلى غرفته ثم هرولت إلى المطبخ لتخبر الخدم حتى يُعِدّوا وليمة للضيوف القادمين و من ثم توجهت إلى حلا وهي تقول بغبطة :
” يا حلا .. حلا .”
أطلت حلا من غرفتها وهي تجيبها :
” نعم يا ماما ..”
تهاني بحبور:
” خواتك سالم و سليم چايين من مصرعشان يزوروكي .. ”
هللت بفرحة :
” بجد يا ماما ؟”
تهاني بمكر وهي تنظر من طرف عينيها لياسين الذي يتابع بصمت :
” بچد يا روح جلب ماما . جولت أفرحك أهلك وناسك مش مفرطين فيكِ و چايين عشان يزوروكي من آخر الدنيا ..”
فطنت حلا إلى ما تقصده تهاني فقالت تجاريها:
” ربنا ما يحرمني منهم و يخليهملي دايماً في ضهري و سانديني ..”
تهاني بنفس طريقتها :
” يارب يا حبيبتي.. روحي أچهزي أنتِ بجي .. و اني هروح أچهز الوكل . عايزين نعملهم عزومة تليج بيهم .”
“حبيبتي يا ماما ربنا ما يحرمني منك أبداً..”
كان يراقب ما يحدث باستهجان أطل من نبرته حين قال محادثاً نفسه :
” دول بيشقطوني لبعض ولا أنا بيتهيقلي ؟”
لم تتثنى له الفرصة للتفكير أكثر فقد خطر على باله هاجس جعل طبول الحرب تدق بصدره فأخذته أقدامه بسرعة البرق إلى الأعلى فإذا به يجدها تقف أمام الخزانة تنتقي ملابسها فتقدم منها قائلًا بخشونة :
“حلا .”
أجابته بتجهم دون أن تكلف نفسها عناء الالتفات :
” نعم..”
زمجر باستهجان:
“ايه الغتاتة دي ؟”
التفتت تناظره بجمود تجلى في نبرتها حين قالت :
“في حاجه يا دكتور؟”
استنكر ذلك اللقب الذي قلما نادته به:
“دكتور !”
ارتفع أحد حاجبيها باستفهام تجاهله و اقترب منها مغلفاً اعتذاره بعتاب لم تخطئ في فهمه:
” ينفع يا حلا اللي أنتِ عملتيه من شوية تحت؟”
فاجأته حين أقرت بذنبها بسلاسة :
“لا مينفعش عن اذنك..”
استوقفتها يداه وهو يقول بلهفة:
” ايه . ايه ؟ رايحة فين ؟احنا بنتكلم على فكرة !”
جذبت يدها من بين براثنه و واصلت تمنعها قائلة :
“مش فاضية أخواتي جايين و عايزة أجهز عشان أقابلهم ..”
استنكر حديثها قائلاً :
“تجهزي عشان تقابليهم ! و ياتري هتحطي مكياج و لا هتلبسي قميص نوم ؟”
لم تجيبه فزمجر بعنف:
” أنا جوزك يا هانم. الوحيد اللي مفروض تتجهزي عشان خاطره . ”
واصلت استفزازه قائلة بسلاسة:
” حاضر . في حاجة تاني ؟ ”
استفزته ببرودها قاطعة عليه جميع السبل لمراضاتها فهتف باندفاع :
” اه طبعاً في .. أنا الوحيد اللي مفروض ترضيه و تسمعي كلامه ربنا أمرك بكدا ”
حلا باستمتاع أخفته جيداً خلف قناع الدهشة
“وهو أنت قلت حاجة وأنا مسمعتهاش ؟”
أجابها باندفاع :
“لا ..”
(ايه الغباوة دي يا ياسين ! ) هكذا عنف نفسه قبل أن يستطرد قائلاً بمراوغة كحال جميع الرجال في الهرب من أخطائهم :
“بصي من الآخر بقي أنا مش بتاع اعتذار و الكلام الفارغ دا ..”
اغتاظت من حديثه فقالت ببرود :
” وأنا مش مستنيه منك أي اعتذار و عن إذنك عشان اروح أجهز. أخواتي جايين في الطريق .”
تعاظم حنقه و غيرته و صاح بانفعال:
” تاني هتقولي تجهز عشان أخواتها وأنا إيه ؟”
” العب باليه!”
لم يتوقع إجابتها المريعة تلك و صاح باندهاش:
” ايه؟ بقي أنا الدكتور ياسين عمران الوقور المحترم يتقالي العب باليه ؟”
استغلت دهشته و هرولت إلى الحمام مغلقة الباب خلفها وهي تقول بنبرة عابثة :
” دا لزوم القافية بس يا دكتور وقور ..”
تجاوز صدمته وتوجه إلى الحمام يدق الباب بعنف وهو ينتوي النيل منها و من لسانها السليط بشتى الطرق فهب صارخاً :
“في واحدة تقفل الباب في وش جوزها ؟ وعلى فكرة بقي أنا ممكن أرد عليكي بنفس الوزن و القافية بس أنا متربي !”
(تفتكروا هيقولها ايه يا حلوين 😂😂)
أجابته ساخرة :
“برافو والله ونعم التربية ..”
زمجر بخشونة:
“افتحي الباب دا..”
عاندته بدلال:
“باخد شاور .”
رقت لهجته قليلًا وهو يقول :
“طب ما عادي جدا أنك تفتحي وأنتِ بتاخدي شاور . أنا جوزك يا هانم ..”
تشدقت ساخرة:
“الناس كلها في البلد والبلاد اللي حواليها عرفت أن أنت جوزي خلاص بقي ..”
تعاظم غضبه و شوقه في آن واحد فصرخ قائلاً :
“افتحي بطلي استفزاز بدل ما اكسر الباب ..”
لم تريد إغضابه أكثر فهتفت قائلة :
“ياسين لو مفكر إني هحكي لأخواتي على اللي أنت عملته متقلقش بنت الوزان متربية على الأصول ..”
كظم غيظه من غبائها بصعوبة فهو إن كان يخشي شيء في هذه الحياة فهو فراقها لذا صدح صوته قاسياً حين قال:
” أولاً مابخفش من حد ثانياً عارف إن سيادتك عارفة الأصول و بلاش كل شوية بنت الوزان دا محسساني أنه وسام شرف.. ناقص تعلقيه على راسك ”
قال جملته الأخيرة بحنق فصرخت محذرة:
“عندك شك في كدا ؟”
“مش هفضل اتكلم من ورا الباب كدا افتحي قلت ..”
فتحت الباب بغل تجلي في نبرتها حين قالت:
” نعم .”
جاءها رده الهادئ مع تلك الغمزة العابثة:
“عايز اخد شاور أنا كمان ..”
غلت عروقها من وقاحته و تجاوزته وهي تقول حانقة:
” اتفضل ادخل.. سيبالك الحمام و الأوضة كلها و خارجة”
جذبتها يديه التي حملتها كعروس فامتزجت دقات قلوبهم بشغف تجلي في نبرته حين قال:
“على أساس أن أنا هسيبك تعتبي برة الباب دا أصلاً..”
تجاهلت تأثرها بوضعهم هذا وقالت بحنق:
“عايز ايه يا ياسين ؟”
احنى راية تمرده أمام عشقها وقال بنبرة شغوفة :
“عايزك تسامحيني و متزعليش مني .”
عانقت رقبته وهي تقول بدلال :
“و أيه كمان ؟”
داعب أنفها بأنفه وهو يقول بعتب :
“تبطلي رخامة و تقبليني زي مانا…”
هتفت غاضبة:
“مانتا مش قابلني زي مانا !”
همس أمام شفتيها بنبرة موقدة:
“قابلك بس ؟ دانا عاشقك يا حلا ..”
أدارت وجهها الجهة الأخرى تخفي ابتسامتها الرائعة وحاولت الثبات على موقفها وهي تقول بدلال :
“بإمارة اي؟ دا انت في أول فرصة بتبيعني ولا اكني فارقة معاك أصلا ً”
شددت يديه من احتضانها و قال هامساً بجانب أذنيها:
“أنتِ أكتر حد فارق معايا في حياتي . بس أنتِ متهورة و دا ممكن يوقعنا في مشاكل احنا في غني عنها .”
قال جملته وهو يضعها فوق الأرض بينما يديه لم تفارقها فقد أراد أن تكون في أقصى انتباهها لما يقول فأجابته بتذمر:
“يعني أنت مسمعتش كلام ابن عمك ؟”
” سمعته . عشان كدا زعقتلك . ”
هبت معارضة:
” ليه بقى ؟”
ياسين باتزان:
” شيفاه عامل زي الطور الهايج تقومي تقفي قدامه . افرضي كان قالك كلمة ولا علا صوته عليكي كنت هعمل أنا ايه بقي اقف اتفرج ولا اكسرله سنانه و يقولوا إنك خلتينا نقف قدام بعض ؟”
تفهمت دوافعه و مدى خطأها فأخفضت رأسها وهي تقول بخفوت. :
“مانا كان غصب عني ..”
ياسين بحنو:
” بردو عارف ، وعشان كدا لازم تتحكمي في انفعالاتك شويه و اعرفي إن محدش هيتجرأ أبداً عليكي ولا على أهلك بالرغم من أي حاجه طول مانا موجود.”
اومأت بتفهم :
“حاضر .”
اقترب أكثر وهو يقول بعبث:
“خلاص صافي يا لبن ؟”
تدللت قائلة:
“ماشي ..”
يروق له كل شيء منها حتى أنفاسها فهمس يداعبها:
“ماشي كدا حاف ؟”
أجابته برقة :
“حليب يا قشطة ..”
أظلمت عينيه و اقترب منها بينما تراجعت هي حين قال بوقاحة:
“طب عايز أدوق القشطة بقى ؟”
تدللت وهي تعطيه ظهرها قائلة بغنج :
“معلش بقى مش فاضية يا دكتور ”
قادته أقدامه إلى حيث قلبه وهو يزمجر بشوق:
“يبقي تفضيلي يا بنت الوزان ..”
لم تشعر بنفسها سوى وهي محمولة بين ذراعيه التي احتوتها بشغف قاتل أذاب عظامها خاصةً طريقته تلك المرة معها والتي كانت حانية شغوفة و قاسية أحياناً فقد كان يقربها منه كأنه يريد غرسها بين سياج صدره يبثها مشاعر عاتية تركت بصماتها فوق معالمها الرقيقة و جسدها اللين ولكنها لم تكترث فقد غابت معه في دوامة من السحر و الجنون الذي كان ضجيجه يدوي في أرجاء الغرفة حولهم وقد كان هذا يضاعف أشواقه التي بدت و كأنها نيراناً هوجاء لا تخمد و خاصةً وهي تبادله جنونه بشغف جعله يهمس من بين أنفاساً ثائرة:
” مجنون مين يفكر ياخدك مني ؟ أو يبعدك عني . أنتِ حتة مني مقدرش استغني عنها أبدًا ”
ملست بأناملها الرقيقة شعيرات ذقنه الكثيفة وهي تقول بخفوت أشبه بالعزف :
” اوعدني إنك مش هتزعلني تاني وأنا اوعدك إن مفيش حد يقدر ياخدني منك أبداً ”
لَثم موضع جنونه يرتشف منه وعدها الأخير بأن لا شيء يمكن أن يأخذه منها ثم قال بنبرة محرورة :
” دا ابتزاز صريح بس عشان الشفايف الحلوة دي اللي نطقته. اوعدك ..”
كان وعداً يستحق المكافأة ولم تبخل بها فقد اقتربت ترتشف هي الأخرى وعده الرائع فأثارت فعلتها جنونه و أخرجت شياطينه من جحيم رغبته العاتية بها فانهال عليها بعشقه الجارف ينهل من شهدها حتى أسكره نبيذ رمقها و عذوبته ولكن كان لخوار جسدها رأياً آخر فتركها على مضض بينما استندت هي على صدره هانئة القلب على الرغم من آلام جسدها الهائلة ..
**************
دلف سالم إلى المنزل تزامناً مع وصول فرح هي الأخرى و التي ما إن رأته حتى توقفت قائلة بلهفة:
” جيت امتى؟”
سالم بخشونة:
” لسه دلوقتي .. عملتي ايه عند الدكتورة ؟”
التفتت تنظر إلى مروان بعتب قابله الأخير بسخط قبل أن يتوجه للداخل و كذلك فعلت شيرين فاقترب منها مستفهماً:
” قالتلك ايه؟”
فرح برقة :
” متقلقش طمنتني . ممكن نطلع فوق نتكلم شوية..”
لأول مرة بحياته كان يود الهرب منها فقال بجفاء:
” ورايا شغل كتير و مبقاش فاضل على ميعاد الطيارة غير ساعتين بس ..”
اقتربت منه واضعة يدها على صدره وهي تهمس قائلة:
” يتأجل . الشغل يتأجل و الساعتين دول يبقوا من نصيبي . هتوحشني اوي..”
هل يمكنه مقاومة إغواء امرأة ملكت قلبه ذات يوم و الآن تملك كل ذرة من كيانه؟
أطاعها بصمت حين أمسكت بيده و توجهت إلى الأعلى و حين دلفوا سوياً إلى الغرفة تحدث ينوي بتر كل محاولاتها للحديث:
” فرح أنا معنديش طاقة للكلام..”
فاجأته حين اقتربت تبتلع باقي حروفه في جوفها في قبلة شغوفة بعثرت كيانه وأطاحت بثباته الذي لا ينال منه سواها ..
بادلها قبلتها الشغوفة بأقوى منها حتى أنه أطلق العنان لعشقه الضاري بامتلاكها محرراً جيوش شوقه العاتية لتتسيد لقائهم الذي كان يحوي من الشغف ما يجعل العظام تذوب و القلوب تحترق فكان هذا التشبيه الأمثل لما يحدث الاحتراق.. كان كلّاً منهما ينصهر بين أحضان الآخر يبثه كافة أنواع الشعور من بينها الألم الذي تقبلته بصدر رحب فقد كان و كأنه يشكو لها مرارة ما يشعر به فتمتصها بكل رحابة و تقبله كأنها تسكب حلاوة ريقها في جوفه فتمحي كل ما يعلق به ولا يتبقى سوى شهدها الرائع فأخذ يسحب منها حتى أنفاسها يختزن ما يكفيه حتى يعود ولكنه كان يخشى عليها من الألم فهمس من بين لهاث محموم:
” لو قسيت عليكِ نبهيني . مش عايز أتعبك .”
تساقط العسل فوق قلبه من شفاهها حين قالت:
” تعبك راحة . و قسوتك على قلبي سكر ..”
لثمت بكلماتها جراحه الدامية فأخذ نفساً قوياً معبأ برائحتها العذبة قبل أن يهمس بصوت أجش :
” أنتِ راحتي في الدنيا دي . حضنك دا هو المكان الوحيد اللي بحس إني مطمن فيه ..”
استرد أنفاسه الهاربة قبل أن يضيف بنبرة مُشجبة
اوعي تخذليني يافرح أنا مملكش في الدنيا غيرك ..”
اقتربت تلثم جبهته بقبلة حانية اتبعتها بأخرى فوق شفاهه وهي تقول بهمس صادق :
” قلب فرح اللي مبيدقش غير ليك. اخذلك ! دا انت روح قلبي يا سالم و عمري كله فداك . ”
زمجر بخشونة:
” أنتِ لو قاصدة تجننيني مش هتقولي كدا. أكلك دلوقتي ولا اعمل فيكِ ايه ؟”
همست بدلال :
” أنا من إيدك دي لإيدك دي اعمل اللي أنت عايزه ..”
كلماتها أوقدت نيرانه الملتهبة و أذهبت بحسنها عقله فاجتاحها كطوفان أغرقها وغرق معها في لُجة العشق الملتهبة التي توازيها آنّاتها المستمتعة و أنفاسه المتحشرجة فلم يدع مكان حولهم إلا و جعله شاهداً على تلك الملحمة الرائعة التي لن تكفي الحروف لوصفها..
**************
“سليم..”
التفت سليم إلى جنة التي كانت تقف خلفه أمام باب غرفة الملابس فاقترب منها قائلًا بحنو:
” صحيتي امتا ؟”
جنة بخفوت:
” أول ما حسيت بيك دخلت الأوضة ..”
حاوط خصرها بحنان تجلى في نبرته حين قال :
” صح النوم يا حبيبي.”
لونت ثغرها ابتسامة هادئة قبل أن تقول باهتمام :
” عامل ايه دلوقتي ؟”
سليم بخشونة:
” لما شفتك بقيت أحسن ..”
اومأت برأسها قبل أن تقول بلوّعة:
” احنا مش مكتوبلنا نرتاح بقى ؟”
زفر بقوة قبل أن يقترب مُلثماً خدها برقَّة تجلت في نبرته حين قال :
“بالنسبالي حضنك هو راحتي ..”
همست بلوّعة :
” خايفه بعد كدا ميبقاش كافي يا سليم ؟”
انكمشت ملامحه بحيرة تجلت في نبرته حين قال:
” ليه بتقولي كدا ؟”
جنة بألم :
” هتخسر أخوك عشاني؟”
” أنا خسرته من زمان و دا مالوش علاقة بيكِ ..”
هكذا تحدث بجفاء فصاحت متألمة :
” غلط . أنت عيطت النهاردة عشانه . دا أخوك و أنت عمرك ما تخسره يا سليم . هيفضل جواك معزّة ليه مهما حصل ..”
تمالك نفسه بصعوبة و قال بقسوة:
” ايوا يعني أنتِ عايزة ايه دلوقتي ؟”
تزاحمت العبرات بمقلتيها قبل أن تقول بشفاه مرتجفة :
” خايفة اخسرك .. ”
غرسها بداخل أحضانه بكل ما أوتي من قوة تجلت في نبرته حين قال:
” مفيش حاجة في الدنيا دي هتخليني اخسرك . حتى لو أنتِ نفسك حاولتي تبعديني مش هتعرفي . ”
همست بلوّعة:
” سليم ..”
قاطعها قائلًا بنبرة محرورة :
” عارفة سليم عايز يعمل ايه دلوقتي ؟”
استفهمت قائلة :
” ايه ؟”
سليم بوقاحة:
” عايز يعضك ..”
شهقت مستنكرة :
” ايه ؟”
” اه والله . عايز يعض لسانك اللي بيقول حاجات ملهاش أساس من الصحة دا ..”
اغتاظت من وقاحته و قالت بتذمر :
” أنت قليل الأدب ..”
مارست يديه فنون العبث على ظهرها وهو يقول بوقاحة :
” حلو إنك فكرتيني بقلة الأدب . تعالي بقي أقولك ..”
قال جملته وهو يقترب منها ليهوي على ثغرها بقبلة جامحة يمتص حلاوة نبيذها مع أفكارها السوداء و يؤكد عشقه بالأفعال أكثر حتى يُنقّي قلبها من كل مخاوفه و بينما كان منغمسًا في بحور الهوى معها كانت يديه تحنو على خصلاتها تارة و تقسو تارة و كذلك شفاهه التي تركت بصماتها بكل إنش من جسدها البض فتناست كل شيء حولها فقط ذلك الرجل الذي كان قربه دواء لكل هواجسها و ندوبها فنحت خجلها جانباً و بادلته جموحه فأصابته لعنة الهوس بها فلم يسلم أي شيء حولهم من تلك المعركة الحامية و التي ختمها قائلًا بنبرة مدججة بلهيب الصبوة:
” خايفة تخسريني . دا أنا أموت ولا أبعد عنك لحظة واحدة ..”
هتفت بلهفة و بصدر يعلو و يهبط من فرط التأثر :
” بعد الشر عنك ..”
انساب عشقه من بين زئير قوي لامس أوتار صدرها:
” أنتِ حقي من الدنيا دي و أنا مش بسيب حقي ولا بفرط فيه.”
شاركته شغفه قائلة بجرأة :
” ولا أنا هسمحلك تبعد عني خطوة واحدة أبداً ..”
إن كان العشق يقتل فقد كانت هي أول شهدائه و إن كانت لجدران الغرفة صوت لصرخت تعزف سيمفونية رائعة عن ثنائي العشق الرائع الذي لا يصمد أي شيء أمامه و لا يجرؤ عائق على التصدي له
*****************
كان يعمل علي حاسوبه فإذا به يجد رسالة تصل إلي أيميله الشخصي فحين فتحها توقفت الأنفاس بصدره و برقت عينيه من شدة زهولها حين رأى ….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى