روايات

رواية في قبضة الأقدار الفصل السابع والعشرون 27 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الفصل السابع والعشرون 27 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الجزء السابع والعشرون

رواية في قبضة الأقدار البارت السابع والعشرون

في قبضة الأقدار
في قبضة الأقدار

رواية في قبضة الأقدار الحلقة السابعة والعشرون

لم يتفِق الكبرياء مع العِشق يومًا فدائمًا يكون صراعهم مرير و الحرب بينهم هوجاء للحد الذي يجعل القلوب تقع ضحيةً لها. ولكن ماذا لو تضمنت تلك الحرب خِصمًا ثالثًا أشد ضراوة وهو الأنتقام بنيرانه التي تنهش في الصدور بِلا رحمه؟ هُنا يبقى السؤال حائرًا هل يُمكن للقلوب أن تظفر بغنيمة العشق ذات يوم أم أن ذلك الاحتمال دربًا من دروب المستحيل!!؟

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

التفت الجميع لتلك التي ترجلت من السيارة بهيئه مبعثرة و عبرات غزيرة اختلطت بكحلها الفاحم فشكلت لوحة مرعبة لإمرأة افنت عمرها باكية .
تعالت الشهقات من حولهم علي شيرين التي كانت نظراتها مصوبه على سالم الذي كان يطالعها بغموض سرعان ما تحول لصدمه حين وجدها تتقدم خطوتين منه قبل ان تسقط مغشيا عليها فهب من مكانه يحملها بين ذراعيه و يتوجه بها الي الداخل و الجميع خلفه مذعور مما حدث فكان أول من قابله هي همت التي ما أن رأت ابنتها محموله هكذا حتي صرخت بذعر
” شيرين . بنتي. حصلها ايه ؟؟”

لم يجبها أحد و قام سالم بوضعها على الأريكة بغرفه الجلوس ثم تراجع خطوتين و اجتمع الكل حولها و ارتمت همت جالسه بجانبها تحاول افاقتها وهي تقول بلهفه
” شيرين .. ردي عليا يا بنتي .. حصل ايه حد يقولي ؟”
ما أن سمعت اسم شقيقتها حتي هرولت بقلب مرتعب وهي تقول ملتاعه
” شيرين .. شيرين ردي عليا .. مالها فيها ايه ؟ ما حد يرد علينا . ساكتين كدا لية ؟”

استنكرت امينه نبرتها الغاضبه فأجابتها بصرامه
” والله الوحيد الي يعرف فيها ايه هي. احنا لاقيناها بتنادي علي سالم و فجأة أغمي عليها..”

كانت تظن أنها امرأة من الجليد ولكن الآن انصهر الجليد و تحولت إلي كرة نارية و كأنها خلقت من رحم النار التي نهشت بصدرها ما أن رأته يحمل تلك المرأة بين ذراعيه بتلك الطريقه فأظلمت غاباتها تنذر بهبوب عاصفة هوجاء كانت رياحها تتخبط بعنف بين ضلوعها و تجلى ذلك علي صفحه وجهها المحمرة و عينيها التي أطلقت أسهم حادة لاحظتها شقيقتها التي اقتربت منها قائله بخفوت
” أنتِ تعرفيها ؟”

حانت منها التفاته بسيطه و لم تكد تجيبها حتي التقمت عينيها إمرأة تتهادي في مشيتها وهي تناظرها بعينين تقطران سُمًا سرعان ما تحول لوداعه وهي تنظر إلي سليم قائله بخفوت
” اذيك يا سليم ..”

تفاجئت جنة التي لأول مرة تراه متوترًا هكذا ولكنه سرعان ما سيطر علي نفسه قبل أن يومئ برأسه لها دون أي حديث فاقترب منه مروان الذي قال بجانب أذنه و نظرات الشماته تغلف عينيه
” اوبا.. شيرين و مروة مرة واحده دي كدا ولعت زي ما هتولع انت و أخوك أن شاء الله..”

زجره سليم بغضب قاطعه كلمات مروة التي قالت بحزن زائف
” شيرين أعصابها تعبانه يا طنط و لما شافت سالم .. اقصد شافتكوا متحملتش و أغمي عليها..”

التفت الجميع الي صاحبه الصوت الرفيع و الجسد الممتلئ بإغؤاء قاتل جعل أمينة تلوي شفتيها امتعاضا تجلى في نبرتها حين قالت
” و ايه الي تعب أعصابها يا مروة؟ مش كانت مع جوزها !”

ألقت عليها همت نظرات ساخطة ثم توجهت بأنظارها الي مروة قائلة بلوعة
” حصل ايه يا مروة طمنيني.”

طافت انظارها وشوش المحيطين و استقرت علي فرح و جنة و قالت بحرج مفتعل
” شويه مشاكل خاصه يا طنط .”

فطنت فرح لمحاولتها في إظهارهم و كأنهم دخلاء عليهم فنظرت الي امينه قائلة بجفاء
” هنروح احنا عالملحق يا حاجه امينه عشان جنة ترتاح شويه. و الف سلامه عليها.”

قالت جملتها الأخيرة وهي تشير بعينيها علي تلك التي بدأت تستعيد وعيها رويدا رويدا و بين اليقظه و المنام همست قائله
” سالم..”

استقر همسها في منتصف قلب فرح التي حاولت الثبات بصعوبه وهي تمر من أمامهم تنوي المغادرة و بداخلها نيران تحترق غضبًا لا تعرف كنهه و لكنها توقفت حين سمعت صوته الغليظ
” لما تفوق خليها تجيلي علي المكتب..”

القي بكلماته و توجه إلي مكتبه مرورا بها دون ان يعيرها اي اهتمام غالقا باب المكتب في وجه الجميع مما جعل شعور من الألم يتولد بداخلها متحدا مع غضبها الذي ماهو الا غيرة جنونيه علي رجل كانت تحارب كل الطرق التي يمكن أن تجمعها به..

في الخارج كان ياسين يجري عدة اتصالات ولم يرد الدخول بعد ما حدث فتفاجئ بتلك التي همست باسمه من الخلف فاستقر همسها بيسار صدره ولكنه حاول الثبات حين التف يناظرها فاغوته عينيها الامعه في ضوء الشمس التي توهجت فوق خديها فاسرته فتنتها للحظات فلم يجبها فظنت بأنه يتعمد ذلك فقالت بنبرة هادئه
” كنت عايزة اتكلم معاك في موضوع لو مكنش يضايقك ..”

كان خارجيا يبدو جامدا لا يتأثر بشئ و قد أراد أن تكن نبرته كذلك حين أجابها بإختصار
” سامعك..”

بللت حلقها و ابتلعت ريقها قبل أن تقول بتوتر
” بخصوص الكلام الي كنت قولته قبل كدا. يعني عنك و عن فرح.. انا .. “

توقفت الكلمات علي أعتاب شفتيها لا تعلم كيف تصيغها فباغتها قائلا بفظاظة
” أنتِ ايه ؟ كملي “

لا تعرف كيف تخبره بأنها كانت تتلوي بنيران الغيرة و الألم معا و قد كان هو الآخر لا يساعدها فغمغمت بخفوت
” انا مكنتش اقصد ..”

قاطعها قائلا بقسوة
” اسمها أنا اسفه .. اسفه علي قلة ادبي و علي اني ظلمتك و ظلمت بنت مشوفتش منها حاجه وحشه.. مسمهاش مكنتش اقصد.. ولا بنت الوزان متعودتش تعتذر لما تغلط! “

باغتتها إجابته التي لم تكن تتوقعها ابدا. فتولد بداخلها شعور قوي بالغضب الناجم عن إهانته لمشاعرها التي كانت تظن بأن لها صدى بداخله مما جعلها تتجاوز قلبها بقسوة قائلة بغرور
” كويس انك عارف ان بنت الوزان مبتعتذرش . و ضيف عليهم كمان أن حتي لو اعتذرت فدا شرف مش اي حد ينوله. “

اهتزاز حدقتيها المثقله بالعبرات كان الشئ الوحيد الذي جعله يتراجع عن توبيخها متعمدا إضفاء السخرية علي ملامحه و التي تجلت في نبرته حين قال
” قصدك شرف متمناش اني أنوله..”

لأول مرة بحياتها تتعرض الي هذا الموقف خاصة أن كان مصحوبا بهذا الألم فتمنت للحظه بأن تنشق الأرض و تبتلعها من أمام عيونه التي كانت تشيعها بنظرات قاسيه ولكنها حاولت أن تتماسك لأقصي درجة حين قالت
” كدا احنا متفقين ..”

شعر بثقل كلماته عليها ولكنه كان غاضب منها و كثيرا خاصة بعد أن قصت له فرح كل ما حدث منها ومن الجميع في هذا القصر لذلك أراد تلقينها درسا و تحجيم اندفاعها ذلك حتي وان كان هذا مؤلم بالنسبه اليه
بنبرة لامباليه قال
” متفقين علي ايه ؟”

لم تستطيع أن تمنع كلماتها التي خرجت جريحه غاضبه
” اني مش عايزة اشوف وشك تاني ..”

فرت دمعه هاربه من طرف عينيها قبل أن تلتف و تغادره مهروله للداخل فاصطدمت بمروان الذي كان ينوي الدخول إلي غرفة سالم فهاله رؤيتها بهذا المظهر فاقترب منها ممسكا بيدها وهو يقول بلهفه
” في ايه يا حلا مالك ؟”

كانت تجاهد حتي تمنع سيل عبراتها مما جعل أنفاسها تضطرب بداخلها حد الألم الذي جعلها تقول بنبرة متقطعه
” مروان.. خدني . من هنا.. حاسه. اني هنفجر بجد.. و مش عايزة حد .. يشوفني و أنا كدا .”

مروان بلهفه
” طب اهدي. اهدي . تعالي معايا.”
امتدت يديه تحاوط كتفها بحمايه و التفت جاذبا إياها الي الخارج فوجدت ياسين الذي كان يستند بلا مبالة علي سيارته ولكنه ما أن رآها وهي بين ذراعي مروان بهذا الشكل حتي تفجرت الدماء الملتهبه باوردته و اعتدل بوقفته و عينيه تلتهمانها وهي تتقدم برفقه مروان الذي شعر بأن له يد في حالتها تلك و قد اغضبه هذا كثيرا فشدد من احتضانه لها وهما يمران به قبل أن يعطيه ابتسامه صفراء وهو يقول بصوت ماكر أراد أن يخترق مسامعه
” حبيبتي يا لولي ليكِ عندي حتة خروجه. هلففك اسماعيليه كلها. هو انا عندي كام لولى يعني ؟”

احتارت قليلا في افعال مروان ولكنها لم تعيرها اهتمام فقد كان غضبها يطمس كل شعور لديها في تلك اللحظه و خاصة حين رأته يناظرها حين مرت بجانبه برفقه مروان بتلك الطريقه التي بدت و كأنه يكره رؤيتها

كانت فرح في طريقها للخارج و بجانبها جنة التي كانت تنازع رغبة ملحه بالعودة لأخذ طفلها من امينه التي لم تدعه يدها أبدا و لكنها خائفه بل مرتعبه من رؤيته تخشي أن ترى به صورة مغتصبها تخشي أن تذكرها رؤيته بلحظات تُجاهد كثيرًا حتي تمحيها من ذاكرتها ولكنها لم تستطيع أن تخطو خطوة اخرى بدونه فتوقفت بمكانها مما جعل فرح تلتفت إليها قائلة باندهاش
” وقفتي ليه ؟’

لم تعرف كيف تجيبها ففطنت فرح الي ما يحدث و تسلل داخلها شعور بالسعادة فاقتربت منها خطوتين قبل أن تقول برفق
” مش قادرة تمشي و تسبيه صح ؟ “

اومأت برأسها تعلن موافقه لا تستطيع أن تعبر شفتيها و تساقطت عبراتها مما جعل يدي فرح تمتد لتزيلهم بلطف لتحتوي خديها بكفوفها وهي تقول بحنو
” محمود مالوش ذنب في حاجه يا جنة . دا ابنك ضناكي حتة منك. اوعي تفكري تعاقبيه او تبعدي عنه. هو دا الوحيد الي هيهون عليكِ كل حاجه “

جنة بلهفه
” محمود..”
فرح بحنان
” ايوا محمود و علي فكرة شبه بابا جدا. “

اختطف أنظاره مشهد فرح وهي تواسيها محتضنه وجهها بين يديها فشعر الغيرة منها و تمني لو أنه من كان يتحتضن ملامحها الجميلة بين يديه. يتمني لو يكون هو حضنها الدافئ الذي يمتص جميع اوجاعها و يبدل حزنها فرحا . من كل قلبه تمني في تلك اللحظة لو يكن هو ملجأها الآمن من كل شئ ولكنه أكثر من يعلم بأن هذا مستحيل ..

” سرحان في ايه كدا؟”

كان صوتا يبغضه بقدر ما يبغض وجودها في محيطه مرة ثانيه و ظهورها في ذلك التوقيت بالذات ولكنه كعادته معها لا يحب أن يعطيها أكثر من قدرها فلم يكلف نفسه عناء الإلتفات لها بل قال بجفاء
” ميخصكيش.”

لم يؤثر بها جفاءه انما التفت لتقف أمامه تحاول فرض وجودها أمام عينيه تعاتبه برقه
” طب اسأل عني طيب؟ قولي عامله ايه ؟ اخبارك ايه ؟ اي حاجه..”

تحدث بفظاظته المعهودة
” ولو أن الموضوع ميخصنيش و لا يفرق معايا بس يالا زي بعضه. عاملة ايه ؟ “

استشعرت قدومها من عينيه التي امتزج بها الشغف و اللهفه معا فقالت بغنج مثير
” احسن بكتير بعد ما شوفتك .. متتخيلش كنت مشتقالك قد ايه ؟”

اخترقت جملتها مسامع جنة التي شعرت بطوفان من الغضب و الإشمئزاز يغزو قلبها بعنف فتجلي ذلك بنظرة خاطفه ألقتها عليه حين مرت بهم فتعلقت عينيه به لدرجة أنه التفت لا إراديا حين تجاوزته و مرت الي داخل الغرفة حتي وصلت إلي أمينة التي تلهفت عينيها لرؤيتها

” تعالي يا جنة يا حبيبتي. ”
تقدمت منها جنة وعينيها مسلطه علي الطفل القابع بأحضانها وقالت بهدوء
” كنت جاية اخد محمود حضرتك شيلاه طول الطريق اكيد تعبتي!”

تعالت دقات قلبها وهي تنظر إلي حفيدها بحب تجلي في نبرتها حين قالت
” هو انا بردو معقول اتعب منه. دا لو قعد في حضني العمر كله متعبش .”

ابتسمت جنة قبل أن تتقدم منها بأقدام مرتعشه و ايدي حاولت أن تتحكم في ارتجافها وهي تقول بخفوت
” ربنا يخليكي لينا .”

شعرت امينه بما يعتريها في تلك اللحظه فقالت بحنو وهي تهب من مقعدها
” خليه معايا هوصلك بيه. “

وافقتها جنة التي أمسكت بذراعها الممسكه بطفلها و توجهت الي الخارج مرورا بهم فقالت أمينة
” هبعتلك بنت من البنات تساعدك متعمليش اي حاجه خدي محمود في حضنك وريحي..”

صدح صوت ساخر من خلفهم كان ل همت التي قالت
” والله اشتقنا لحنيتك يا حاجه امينه.. واخده بالك من مرات ابنك اوي. طب مش تجبيها تسلم علي بنت عمة جوزها الي تعبانه ولسه جايه من السفر..”

كانت تشدد علي كلمه زوجها بطريقه استفزته كثيرا فتحرك ذلك العرق النابض في رقبته ففطنت تلك التي أرادت أن تعيد الزمن مرة أخرى غافله عن استحالة إحياء الموتى من جديد.

توقفت جنة و امينة بجوارها و التي فرقت نظراتها بين همت و شيرين التي كانت ترتشف من كوب المياة بعد أن استعادة وعيها فقالت أمينة بتهكم
” لما الناس ترتاح و تفوق كدا تبقي تتعرف يا همت.. خلي عندك نظر ..”

غضبت من اهانتها ولكنها أرادت استفزازها فقالت بنبرة ذات مغزي
” لا في دي عندك حق. وبعدين قدامهم وقت طويل يبقوا يتعرفوا علي بعض براحتهم..”

كانت تشير الي اشياء تعلم أنها ستغضب أمينة التي تجاهلت حديثها وواصلت تقدمها الي الخارج الي أن مرت بسليم الذي كانت عينيه مثبته عليها بقوة بينما هي كانت تتفادى نظراته متعمده تجاهله هو و تلك السخيفه التي بجانبه ولكن باغتها حديث امينه حين قالت
” سليم تعالي عشان توصل جنة الملحق و تشيل محمود عنها..”

جاءه الغيث في طلب والدته منه مرافقتها فقد كان يشتهي اي فرصه تجمعه بها فاندفع يأخذ الطفل منها قاطعا عليها هذا الاعتراض الذي ارتسم علي ملامحها فلم يمهلها الوقت للحديث حين قال باندفاع
” اه طبعا. هاتي عنك..”

اغتاظت من موافقته السريعه و تجلى ذلك بنظراتها النارية له و لكن استوقفها حديث مروة التي اغتاظت من امينه فقالت بلهجه ناعمه كالأفاعى
” ايه دا هو الملحق مشغول.. طب انا الاول لما كنت باجي ازوركوا كنت بقعد فيه دلوقتي هقعد فين ؟”

يأتي الخير من جوف الشر لإن من يدبر الأمور هو الله سبحانه و تعالى

التمعت عين امينه بالمكر حين سمعت كلمات تلك لفتاة التي قذفت بعقلها فكرة خطيرة شرعت في تنفيذها علي الفور فقالت بلهجه كمن تذكر شيئا
” اااه. تصدقي يا مروة عندك حق. احنا فعلا عاملين الملحق دا للضيوف . يبقي جنة و فرح ييجوا يعيشوا معانا هنا ماهم من أهل البيت وأنتِ تقعدي في الملحق هناك . عشان بردو متتكسفيش و تبقي براحتك..”

لم تصدق جنة التي كانت تشاهد ما يحدث بزهول. خاصة حين التفتت امينه لها قائلة
” يالا يا جنة يا حبيبتي اطلعي ارتاحي في اوضتك فوق أنتِ تعبانه و أنا هخلي البنات يطلعولك الأكل .”

أوشكت جنة علي الاعتراض فلم تمهلها أمينة التي قالت بخفوت ونبرة ذات مغزي وهي تمسك بيدها بقوة و عينيها تمنعانها من الحديث
” يالا يا جنة يا حبيبتي اطلعي و اسمعي كلامي و هنبقي نقعد نتكلم براحتنا.. يالا يا سليم طلعها اوضتها و اوعي تخليها تشيل الولد دي لسه جرحها طري. “

لأول مرة يرحب بأوامر والدته بل و يقوم بتنفيذها فورا قائلا بتأكيد
” طبعا يا حاجه. “

ثم وجه أنظاره الي جنة التي تغلي من شدة الغضب و قال بنبره هادئة حد الاستفزاز
” احنا تحت أمر الست جنة هانم..”
بلغ غضبها ذروته فقالت بجفاء
” طب و فرح..”

قاطعتها امينه قائلة بصرامة
” انا هقول لفرح يالا علي فوق..”
اطاعتها بنفاذ صبر و توجهت برفقة ذلك الذي ارتسمت بسمة راضيه علي وجهه وهو يمشي بجانبها ..

حدث كل هذا أمام كلا من شيرين و مروة و سما و همت التي قالت بحنق من بين أسنانها
” شوفتي أن الوضع معدش ينفع يتسكت عليه اكتر من كدا.”

انقشعت غيمة الضعف من عينيها و حل محلها أخرى خبيثة تجلت في نبرتها حين قالت
” متقلقيش. كله متخططله صح..”

جعدت سما أنفها و قالت بعدم فهم
” تقصدي إيه يا شيرين ؟”

شيرين بملل
” اقصد أن الجرابيع دول لازم يطردوا من البيت يا قلب شيرين.. “

فغرت سما فاهها و قالت بصدمه
” أنتِ بتقولي اي”
شيرين بحنق
” مش عايزة غباوة يا سما و تعملي الي هقولك عليه من سكات عشان أنا اساسا هطق منك سامعه ولا لا ؟”
سما باستنكار
” ليه انا عملت ايه ؟”

تدخلت همت بعد أن قامت بإغلاق باب الغرفه جيدا فزجرت شيرين بغضب وهي تقول بهدوء لسما
” معملتيش حاجه يا روحي .. شيرين بتهزر ..”

حاولت شيرين جذب انتباه همت بعيدا عن سما فقالت بغرور
” لا بس ايه رأيك في الدخله يا مامي؟ “

قهقهت همت قبل أن تقول بانبهار
” لا عجبتيني و عجبتيني اوي لما قولتي سالم . البت الي ما تتسمي دي كانت هتموت من الغيظ ”
تدخلت مروة بمزاح
” علي فكرة بقي دي كانت فكرتي يا طنط..”

شيرين بتخابث
” علي اساس انك فكرتي كدا لله في لله ماهو عشان حبيب القلب . سليم باشا..”

تنهدت مروة بهيام وهي تقول
” دانا اعمل كل حاجه عشان سليم. بس هو يلين “

تفرقت أنظار همت بين كلا من شيرين ومروة بغضب تجلي في نبرتها حين قالت
” لا والله منك ليها دلوقتي بقيتوا تفكروا و تخططوا اومال ضيعتوهم من ايديكوا ليه زمان ؟ “

تحدثت شيرين بندم حقيقي
” كنت عيلة و مش فاهمه يا ماما و سالم أنتِ شايفه عامل ازاي مكنش بيبل ريقي بحرف كان نفسي اعيش حياتي زي كل البنات..”

همت بتقريع
” و عشتيها اشربي بقي. و ابقي وريني هتعملي ايه مع العقربة الي اسمها فرح ..”

شيرين بغل
” لو وصلت هسمها بإيدي عشان أبعدها عنه هعمل كدا اطمني سالم ليا انا ”
مروة بتصميم

” و أنا شرحه..’
همت بابتسامه
” تعجبوني…”

ناظرتهم سما بصدمه تجلت في نبرتها حين قالت
” خرجوني من اي خطط مقرفه بتفكروا فيها. الليله دي كلها أنا بره عنها..”

أنهت جملتها و هرولت للخارج تاركه خلفها الأفاعي التي سيقتلها سمها ذات يوم…

******************

في الخارج كانت فرح تقف مع ياسين الذي كان غاضبا من كل شئ و قد ظنت بأنه غاضب منها فقالت باعتذار
” حقك عليا يا ياسين ..”

ياسين بغضب
” عشان ايه بالظبط يا فرح؟”
” عشان خبيت عليك موضوع خطوبتي من سالم بس اصل…”

قاطعها بغضب
” مفيش اصل ولا فصل! و لا فى مبرر انك تخبي عني. حكيتي الاسوأ من كدا ايه الي إلي يخليكِ تخبي حاجه زي دي؟”

اغضبتها لهجته ولكنها كانت تعطيه الحق فتابع بنبرة جافة
” بالنسبالي سكوتك دا معناه حاجتين يا اما أنتِ مجبرة علي الموضوع دا . يا اما أنتِ بتحبيه..”

صعقتها كلماته التي جعلتها تتراجع خطوة للخلف فتابع ياسين قائلا بخشونة
” و باين أوى أن الاحتمال التاني هو الصح.. انا مش اهبل و شايف نظراتكوا لبعض. ”
حاولت الإنكار قائلة
” مفيش اي حاجه من اللى بتقولها دي انت…”

تابع بعتب
” انا مقعدتش كل دا ادور عليكوا غير عشان احميكوا و ألم شملنا من جديد. اتأكدي أن اي حاجه فيها مصلحتكوا عمرى ما هقف قصادها لكن تخليني اقف قدام الناس زي العيل الصغير لا يا فرح. “

كان محقا في حديثه فقد كان لزاما عليها أن تخبره كل شئ و لا تضعه في هذا الموقف لذا زفرت الهواء المكبوت لصدرها دفعه واحده وقالت بجفاء
” بص يا ياسين. انا عشت عمري كله لوحدي أنا الي بسند مبتسندش. انا اللي باخد قراراتي و قرارات الناس الي حواليا و أنا المسئوله عن كل حاجه فمش في يوم وليله عايزنى اغير الي عشته عمري كله. “

كانت محقه في حديثها فهو قد بالغ في غضبه منها فتحدث بلهجة أكثر هدوءً
” عندك حق. انا مقصدتش اضايقك بس في الظروف دي لازم نكون ايد واحده عشان نقدر نواجه الي جاي ..”

شعرت بشئ اخافها في حديثه فقالت باستفهام
” في حاجه يا ياسين قلقتني ؟”

ياسين نافيا
” لا مفيش حاجه . متشغليش بالك. المهم في حاجه تانيه أنتِ مخبياها عني . مش ناقص قنبله من الي اسمه سالم دا في وشي تاني. “

ابتسمت بوهن قبل أن تجيبه
” الحقيقه فيه.. سليم عايز يتجوز جنة.”
ارتفع حاجييه باستفهام
” نعم ! يعني ايه عايز يتجوزها ؟ و دا وقته اصلا يقول حاجه زي دي ؟ ”
” هحكيلك..”

في وقت سابق

دخلت إلي غرفة شقيقتها التي كانت غارقه في ثباتها و كأنها لا تريد العودة إلي عالمهم مرة أخرى فتفاجئت بذلك الذي يجلس أمامها بهدوء و يديه تداعب أصابعها الساكنه بينما عينيه بدت و كأنها في حديث خاص مع ملامحها الهادئة فاحتارت لوهله في ما تراه و أخذت تسترجع لهفته عليها و خوفه الشديد و إنقاذه لها الذي تكرر أكثر من مرة و اخيرا ملازمته لها طوال تلك الفترة و رفضه أن يغادر المشفي بالرغم من أنها كانت ترفض رؤيته كلما أخبرتها بوجوده ولكنه لم ييأس و لم يغادر
” بتعمل ايه هنا يا سليم ؟”

تفاجئ بوجودها ولكنه لم يتأثر انما قال بلهجة هادئة
” ماحبتش اسبها لوحدها..”

صححت حديثه قائله
” قصدك مبتعرفش تشوفها وهي صاحيه فبتيجي وهي نايمه صح ؟”

فاجئها حين لم بنفي حديثها انما أجاب ببساطه
” صح .”

لم تجد أمامها مفرا من الحديث بصراحه فقالت مستفهمه
” عايز منها ايه ياسليم. مش كفايه كل الي حصلها منكوا..”

إجابها ببساطه تتنافي مع حجم ما تفوه به
” عايز اتجوزها..”
” ايه ؟؟”

لفظ الهواء بقوة من رئتيه قبل أن يترك يدها ناصبا عوده وهو يتوجه الي باب الغرفة قائلا بفظاظة
” لما تكون قادرة تتكلم عرفيها الي قولتهولك دا ”
اغتاظت من حديثه فقالت ساخرة
” حتي بعد ما عرفت انها ممكن متخلفش تاني.”

لم تهتم ملامحه و كذلك نبرته حين أجابها
” هتجوزها يا فرح. حتي لو فضلت نايمه كدا عمرها كله. خلفة و غيره مش فارقلي كتير.”

صاحت تحذره
” بس هي اكيد مش هتوافق و انت عارف كدا و انا بصراحه لو مكانها مش هوافق”

بدا تصميمه جلي في نظراته و تضمن لهجته التي كانت فظه كثيرا
” احتفظي برأيك لنفسك . و بعدين انا معنديش مشكله اقعد العمر كله أقنعها توافق. “

عاندته كما اغضبها
” قصدك تزهقها لحد ما توافق.”
بلامبالة أجابها
” مش هتفرق المهم في الآخر توافق..”

عودة للوقت الحالي

” حاولت استفزه كتير عشان اعرف سبب رغبته في الجواز منها بس طبعا مقالش اكتر من كدا..”

هكذا تحدثت فرح فأجابها ياسين ببساطة
” باين اوي أنه بيحبها. و بالرغم من الي حكتيه بس سليم مش وحش. الموضوع صعب و اي حد في مكانه كان هيبقي دا موقفه..”

زفرت بتعب قبل أن تقول باذعان
” عندك حق. بس جنة لا يمكن هتوافق. ”
سليم بتفكير
” هنشوف… المهم اعملي حسابك تجهزوا حاجتكوا كلها كام يوم و جنة تروح تعمل الفحوصات و هتطلعوا علي عندنا. انا لولا حالتها مكنتش سمحت بكدا أبدا..”

شعرت بحزمه من الوخزات الموترة تضرب عمودها الفقري حين سمعت كلماته عن المغادرة وقالت بتوتر
” تمام .. الي . تشوفه.”

ياسين بتهكم
“اه مانا شايف ..”
فرح باستفهام
” شايف ايه ؟”
أجابها ساخرا
” شايف عنين بتطق شرار وهي بتبص علينا من الشباك الي هناك دا..”

أوشكت علي الالتفات فنهرها قائلا
” متبصيش. خليه يطق شويه. انا اساسا مش طايقه و فرصه اضايقه..”

***************

خطت الي داخل الغرفة و هو خلفها فوقفت أمام الباب تشاهده و هو يتقدم و يضع الطفل فوق المخدع قبل أن يقبله قبله حانيه فوق جبينه الناصع جعلت قلبها يدق بعنف فهي للآن لم تقبل طفلها ولم تشتم رائحته لم تحظى بلحظه دافئه معه علي عكس الجميع و قد كان هذا مؤلم كثيرا لقلبها الذي تجلى ألمه علي ملامحها و عينيها التي اغمضتها للحظات قطعها صوته الذي تشوبه لهفه كبيرة حين قال
” أنتِ كويسه؟”

كانت تود الصراخ قائله لا ولكنها تجاهلت ألمها و تقدمت تلتقط محرمه ورقيه من فوق الطاوله تجفف بها دمعه خائنه تسللت من طرف عينيها قبل أن تقول بجفاء
” كويسه.. شكرا . تقدر تنزل “

اغضبته كلماتها و الاكثر أنها كانت تعطيه ظهرها تحاول وضع جدار فاصل بينهم لكي لا تتألم أكثر من ذلك.
سمعت صوت الباب يغلق فعلمت بأنه غادر فالتفتت بلهفه فإذا بها تتفاجئ به يقف ممسكا بمقبض الباب وهو يقول بعينين تكاد تنفجر من شدة الغضب الذي تسلل إليها جراء تهوره فقالت بجفاء
” اتفضل أخرج بره “

اجابها بصرامه
” عايز اتكلم معاكِ ”
جهرت معانده
” و أنا مش عايزة اتكلم معاك.”

تحدت بفظاظة
” يبقي تسمعيني. “

كان الفضول بداخلها يأكلها لمعرفة ماذا يريد أو لنقل بأنها كانت ترغب بحديثه ولكنها تأبي الإفصاح عن ذلك لذا هبت أن تصيح معارضه ففاجئها حين قال بخشونة
” انا طلبت ايدك من فرح. قالتلك ؟”

تسمرت للحظات في مكانها فشقيقتها لم تخبرها شيئا كهذا ولكن تلك فرصتها لتجعله يتذوق نيران أحرقها بها سابقا لذا توجهت إلي المقعد تجلس بهدوء فقد كانت ملامحها جامده تغلفها بقناع من الثلج الذي يتنافى مع تلك النيران التي تُحيط بهم و بنبرة جافة أجابته
” ايوا قالتلى. و اظن ان اجابتي وصلاك من زمان “

كانت عينيه تُطالِعها بشغف و اشتهاء نابع من احتراقه بالشوق المُضني الذي فاقت حرارته النيران المندلعة بالخارج و قال بهمس خافت
” عايز اعرف الإجابة منك.”

نظراته و هسيسه و أنفاسه المحيطة بها كانت كفيضان مباغت ضرب سدا هش فأجهز عليه فانهارت داخليًا و لكنها أبقت القشرة الخارجيه جامدة لا تتأثر بشئ و بعينين ثابتة و نبرة قوية اجابته
” لو آخر راجل في الدنيا عمرى ما هتجوزك!”

لم تكن تلك المرة الأولى الذي يستمع فيها إلى هذا التصريح ولكن الآن بعدما أُزيلت كل الحواجز التي تمنع اجتماعهم كان الأمر بالنسبة له كارثي لذا تقدم خطوتين منها وقال بنظرات يملؤها التصميم الذي تضمن لهجته حين أجابها قائلًا
” طب اعرفي بقي ان انا الراجل الوحيد في الدنيا دي اللي هينفع تتجوزيه ..”

صاحت معانده
” يبقى هشيل فكرة الجواز من دماغي خالص.”

كانت الشئ الوحيد الذي اشتهاه بكل جوارحه و التنازل عنه دربًا من دروب المستحيل فتحدث بلهجة تحمل الهدوء و الخطر معًا
” وماله شيليها براحتك وانا هعرف بطريقتي ادخلها تانى فى دماغك..”

كان لتمسكه بها وقعًا مثيرًا علي قلبها ولكنه لم يفلح في تخدير أوجاعها التي عادت إلى السطح بقوة جعلتها تقول بنبرة ساخرة
” بصراحه فاجأتني و عجبني اصرارك اوي وعشان كدا هسهلهالك. في سؤال لو جاوبتني عليه بصراحه هنزل دلوقتي اقولهم اني موافقة اتجوزك.”

تنبهت حواسه لحديثها الذي جعل أنفاسه تتضارب في صدره بعنف حتي أوشكت علي تحطيم ضلوعه و بأنفاس مقطوعة أجابها
” سؤال ايه ؟”

وضعت سيف الحيرة الباتر على رقبته حين قالت بملامح مُتألمه ولهجة مجروحه
” لو مكنش حازم ضحك عليا و كان كل شئ حصل بينا برضايا كنت هتفضل مُصر تتجوزني كدا بردو ؟ “

كانت كمن حفر بئرًا من الجحيم و ألقاه به ؟ أوهمته ببلوغ الجنة و أحكمت غلق بابها بأصفاد نارية و لزامًا عليه عبوره أو الاحتراق بنيران الفراق الذي كان أقوى من استطاعته على التحمُل..
اغمض عينيه للحظات قبل أن يعيد فتحها من جديد زافرا الهواء المكبوت بصدره دفعة واحده وهو يقول بنبرة ثابته استقرت في منتصف قلبها
” لا!!”

تجمدت الدماء باوردتها حتي صارت جليدا فقد كانت تتوقع تلك الاجابه ولكنها كانت ترفضها بشدة كانت تتمني لو أنه يقول بأنه يتقبلها بكل شئ مهما بلغ سوءه ولكنه فاجأها حين قال بلهجة قويه
” الموضوع مش شخصي يا جنة. ولا ينفع نحكم فيه بمشاعرنا. “

هبت غاضبه وقالت بنبرة ساخطه
” مش هتفرق معايا حكمت بايه المهم الجواب النهائي “

” تبقي غلطانه.. قوليلي يا جنة لو شوفتي شخص بيقتل قدامك مهما كانت مبرراته هتقدري تأمنيله ؟ يعني هتقدري تديله ضهرك و أنتِ مطمنه؟ و رجاءً تجاوبيني من غير جدال. “

جذب انتباهها بكلماته التي أخمدت ثورتها للحظات و أجابته باختصار
” اكيد لا ”
فتابع مستفهما
” طب و لو عرفتي أنه قتل اغلى شخص عنده في الدنيا عشان سبب تافه. هتقدري تعيشي مع الشخص دا و تأمنيله عادي ؟”

اجاباه بفضول لمعرفة ماذا وراه حديثه
” اكيد لا . مينفعش أأمنله بعد ما عمل كدا”

اجابها بلهجة منتصرة
” شوفتي بقي. الموضوع كله هنا في الأمان.. لما بنت تقبل تتجوز عرفي عشان سبب تافه زي انها بتحب دا اسمه قتل. قتل لكرامتها و عزة نفسها و سمعتها. تحت مسمي تافه اسمه الحب. دى ينفع يتآمنلها ازاي؟؟ إذا كانت هي اصلا مكنتش امينه علي شرفها الي مفروض اغلي حاجه عندها في الدنيا يبقي هتبقي أمينه علي شرف جوزها ؟؟”

وقعت كلماته عليها كصاعقه برق إصابتها في أكثر نقاطها ألما فهبت معارضه بلوعة
” بس انا معملتش كدا. انا قبلت امضي علي ورقه تضمن أنه يتمسك بالحياة عشان يتعالج عمري ما كنت هوافق انه يتمادي معايا اكتر من كدا. انا عمري حتي ما سبته يمسك ايدي .”

كانت ترفق كلماتها المجروحه بعبرات سقطت كجمرات فوق قلبه الذي أعلن إسلامه امام عشقها الضاري فاقترب منها خطوتين ويديه تقترب منها تحاول تهدئتها فتراجعت هي إلي الخلف بجزع اصابه في الصميم فقال بلهفه
” انا عارف انك معملتيش كدا. انا بس حبيت افهمك أن زي ما الست بتبقي محتاجه من الراجل الأمان هو كمان بيبقي محتاجه منها..”

لانت نظراتها قليلا حين تحدث هكذا وبداخلها شئ قوي يخبرها بأنه علي صواب في كل كلمه قالها ولكنها أبت التراجع عن موقفها فتابع سليم بخشونة
” صدقتي أو لا انا كان عندي احساس كبير انك متعمليش كدا. بس لسبب جوايا كنت بكذبه او بمعني اصح بقاومه. لكن دلوقتي..”

قاطعته بصرامه
” دلوقتي مفيش اي حاجه اتغيرت. احنا زي ما احنا. و لو انا رفضت الجواز منك قبل كدا مرة . فأنا دلوقتي هرفضه ألف مرة..”

كانت طريقه احترافيه في الانتقام وقد تقبلها هو بثبات علي عكس ألمه الداخلي و الذي حاول قدر الإمكان أن يتجاوزه حين قال بثبات

” طلبتِ مني اجابه صريحه و جاوبتك. و أنتِ وعدتي انك هتوافقي لو جاوبتك بصراحه.”

اغتاظت منه بشدة فحاولت أن تغضبه فهي تعلم أنه ليس برجل صبور و أبدا و لن يتقبل سخريتها
” هو انا مقولتلكش. اصل انا عيلة و ميتاخدليش علي كلام و الحق عليك انك صدقتني.. و دلوقتي اعرف اني عمري ما هوافق اتجوزك أبدا “

كان يعلم محاولتها في استفزازه فتجاهل ذلك و بدلا من الغضب عليها فقد راقت له تعابير وجهها الطفوليه فتأكد بأنه أمام طفله لم تكبر روحها فابتسم بخفوت قبل أن يقول ساخرا
” طب كويس انك عرفتيني انك عيله و ماخدش علي كلامك “

تنبهت لمغزي حديثه فانتفضت أوردتها غضبًا و قالت بانفعال
” لو سمحت اتفضل عشان تعبانه و عايزة انام..”

أراد اغضابها فقال ساخرا
” هبعتلك حد ييجي يقعد معاكِ اصل احنا مبنسبش العيال الصغيرة يقعدوا لوحدهم ..”

القي جملته الساخرة في وجهها قبل أن يغادر وعلي فمه ابتسامه مستفزة جعلتها تصرخ بغضب وصل إلي مسامعه وهو يغادر الي الأسفل

************

طرقات خافته علي باب الغرفة جعلته يدرك من القادم فتوجه الي مقعده خلف المكتب و بداخله نيران تود لو تحرق الجميع و علي رأسهم هي!
لم يفلح أحد في إثارة غضبه كتلك المرأة التي لا يعلم كيف يتعامل معها و لا يفلح في تجاوزها و كأنها وقفت بالمنتصف بينه و بين قدرته علي التحكم في كل شئ يدور حوله .
زفر معاناته بغضب قبل أن يأمر الطارق أن يدخل فانفتح الباب وأطلت شيرين التي صلحت زينتها و استعادت وعيها بالكامل قبل أن تدلف الي غرفته فقد كانت تخشي هذا اللقاء كثيرا بالرغم من أنها من خططت له.
” قالولي اول ما فوقت انك عايزني “

تحدثت بوداعه و رقه تميزها كثيرا فأجابها بفظاظة
” عامله ايه دلوقت ؟”
حادثته بخفوت
” الحمد لله..”

أومت برأسه قبل أن يقول بخشونة
” ايه اللى حصل ؟”

تدحرجت العبرات علي خديها قبل أن تقول بخفوت
” مبقتش قادرة اتحمل الي بيحصل..”

بدا غير متأثر بعبراتها و قال بفظاظه
” الي هو ايه؟”

انفعلت بنبرتها الرقيقه تزامنا مع عبراتها الغزيرة علها تؤثر به
” خيانه و إهمال و بهدله وآخرهم.. الضرب!”

توسعت عينيه من حديثها و إرتسم بهم غضب مخيف تجلي في نبرته حين قال
” ضربك! “

اومأت برأسها دون حديث فتبدلت ملامحه الي أخرى مكفهرة فأتاه صوتها المجروح حين قالت بألم
” ارجوك متقوليش أنتِ الي اخترتيه؟”

ظلت ملامحه علي حالها ولكن لهجته كانت موبخه حين قال
” أنتِ الي قولتي مش انا..”
هبت من مكانها قالت بانفعال
” اختارته عشان قدملي اكتر حاجه كنت محتجاها. كان اكتر حد بيهتم بيا وبيقف جمبي في حين أن خطيبي كان مشغول بأمور العيلة و الفلوس و الشركات و ناسيني..”

لم تتأثر ملامحه انشًا واحدًا و لا حتي نبرته حين خاطبها
” خدتي نصيبك الي تستاهليه. الموضوع ملوش علاقة بيا أو بغيري..”
اغتاظت من حديثه فقالت بإنفعال
” بس انت عارف اني عمري ما حبيت…”
قاطعها بصرامه
” تقدري تخرجي و أنا هشوف شغلي معاه..”

لم تجادله انما قالت بغضب
” انا عايزة أطلق منه.”
أجابها بلامبالاه و عينيه موجهه علي الحاسوب أمامه
” هربيه الأول و تبقي نشوف بعد كدا..”

اقتربت من مكتبه الي أن وصلت أمامه مباشرة و قالت بهمس
” سالم..”
رفع أنظاره الجامدة إليها دون حديث فتابعت بعينين يملئهما الضعف و الإمتنان الذي شكلا مزيج خطر لا يقاوم
” ميرسي عشان متخلتش عني و أنا في عز ضعفي..”
ارفقت جملتها بعبرات زائفه كزيف حديثها و ضعفها المفتعل فأجابها باختصار
” العفو..”

طرقه علي باب الغرفه جعلت جميع حواسه تتأهب فقد علم هوية صاحبتها التي كانت هي بطله أحلامه نوما و يقظه و التي كان يعاني من أجلها منذ دقائق و الآن أتت بقدميها إليه فتقاذفت دقاته و تجلى ذلك للحظه في عينيه وقد لاحظت ذلك تلك الأفعى التي تتلون بلون الضعف لتأثره في شباكها مرة أخرى و قد انتوت تلك المرة أن تصيب هدفها بإتقان

أطلت فرح برأسها من الباب و تفاجئ بشيرين التي تقف أمام مكتب سالم الذي كانت نظراته منصبه فوقها بتركيز فقد أوشك أن يقع فريسه لسحرها منذ ساعات و يفصح عن ما يجيش بصدره نحوها و يؤرق لياليه ولكن أنقذه القدر باللحظه المناسبه. و قد عنف نفسه بشده و قرر أن يتجاهل وجودها حتي يعلم اي طريق عليه أن يسلك معها ولكنها كعادتها تفاجئه و تأتي الي عرينه.

” اهلا يا … تقريبا فرح؟”
هكذا تحدثت شيرين وهي تطالع فرح بهدوء و نظرات صافيه فأجابتها فرح باختصار
” اهلا..”

كانت لهجتها يشوبها العدائيه فتراجعت شيرين خطوتين إلي الخلف و أعادت انظارها لسالم الذي لم يندهش لطريقتها انما شعر بالانتشاء للحظات فقد رأي ما خلف نظراتها ولكنه لم يعلق بل ابتسم لشيرين قبل أن يقول بنبرة هادئه
” اطلعي أنتِ عشان ترتاحي أنتِ جايه من سفر و أكيد تعبانه..”

لم تتفاجئ شيرين من حديثه معها فهي تدرك جيدا ما يحدث لذا أكملت لعبته حين قالت برقه
” انا فعلا تعبانه جدا. مرة تانيه ميرسي يا سالم حقيقي انت مفيش منك .”

كان الأمر مثير للضحك فكلاهما يلعب مع الأخر حتي يصل الي مبتغاه وهي وحدها من تقف بالزاويه تحترق للحد الذي جعلها لا تستطيع الصمت فما أن غادرت شيرين الغرفه حتي تحدثت ساخرة
” ياااه تصدق الي زيك خلصوا من زمان “

كانت النيران مشتعله بحدائق الزيتون الذي يلون حدقتيها و قد كان هذا يروق له فمن العدل أن تتذوق قليلا مما تجرعه في الأيام المنصرمه لذا تابع اللعب علي اوتار غضبها قائلا بغرور
” انا مفيش زيي اصلا! “

اللعنه علي غروره فقد كانت تسخر منه لا تجامله ذلك المتغطرس الوغد كما كانت تسميه يعود الي الاعيبه السابقه ولكنه لم تجعله يستفزها لذا قالت ساخرة
” دا من رحمة ربنا بينا..”

حاول كبت ضحكه كادت أن تظهر علي شفتيه فقد كان مظهرها وهي تكظم غيظها مثيرا للحد الذي جعله ينسي كل شئ و يستمتع بنزاله معها الذي اشتاقه بكل جوارحه
” كنتِ عايزة ايه ؟”

باغتها سؤاله الفظ الذي لم تكن تتوقعه فهي كانت مترددة في أخباره بما تريد و كان تخشي أن يتطرق الأمر إلي ما حدث صباحا عن سبب رغبته في الزواج منها فقد شعرت بأنه سيخبرها بشئ مهم ولكن اتصال ياسين حال دون ذلك أو لنقل أنقذها من شئ لن تستطيع تحمله

طال صمتها كثيرا مما جعله يستمتع بمراقبتها دون أن تشعر و بداخله رغبة ملحه في الاقتراب منها و الاستمتاع بمراقبتها عن قرب. كان يشتهيها بقوة. يريد منها كل ما يتاح له أخذه يريد محادثاتها و اغضابها مراضاتها و العبث معها بالكلمات و ربما بالأفعال يود احتضانها حتي يستمع إلي صوت طقطقه عظامها بين ذراعيه يود تقبيلها حتي يدمي تلك الشفاة الرائعه من كثرة التقبيل يود لو يعاقبها علي شوقه الضاري نحوها و من ثم يراضيها بطريقه تشبع جوعه الشديد لها. للحظه تخيل أن تخضع تلك المُهرة الأبية تحت سيطرته يبثها مشاعر عاتيه قد لا تتحملها قوتها التي تدعيها.

” كنت عايزة أطلب منك تقنع الحاجه أمينه أنها متضغطش علي جنة في موضوع أننا نفضل هنا..”

ضربه قويه اخترقت خيالاته الجامحه تجاهها حين سمع ذلك الحديث الذي لم يكن يتوقعه أبدا فتبدلت ملامحه المرتخيه الي أخرى مشدودة جعلتها تدرك أنه غاضب بشدة و قد هالها مظهره حين نصب عوده الفارع و تقدم منها بخطً سُلحفيه بينما عينيه تحمل وعيدا تجلي في نبرته حين قال
” أنتِ عيزاني اقنع الحاجه أنها تسبكوا تمشوا من هنا!”

كان استفهامه يحمل تهديدا صريحا بينما عينيه تتحداها أن تؤكد علي ما تفوهت به فجاهدت الا تتراجع الي الخلف قائلة بنبرة هادئه
” مش بالظبط بس جنة من وقت الي حصل وهي مش مظبوطه و خايفه لو ضغطنا عليها في أي حاجه تتعب اكتر او تنهار دا كلام الدكتور النفسي لينا”

لم يفلح حديثها في إخماد غضبه فقال بلهجه خطرة
” و أنتِ ايه رأيك؟”

إجابته بتوتر
” في ايه ؟ ”
هسهس بغضب
” عايزة تمشي من هنا؟”

احتارت بما تجيبه أو لنقل لا تعلم بما تجيبه فاخفضت بصرها قبل أن تقول بلهجه يشوبها الحزن
” كدا ولا كدا هييجي يوم و امشي دا مش مكاني. و بصراحه اكتر انا كنت جايه عشان اقولك اني همشي مع ياسين دلوقتي. وجودي مبقالوش داعي. اتمني تكون فهمتني…”

شهقه قويه خرجت من جوفها حين تفاجئت بيده تقبض علي معصمها تجذبها إليه بعنف جعلها ترتطم بسياج صدره الذي كان يخفق بجنون لا يعلم غضبا أو شوقا جل ما يدركه في تلك اللحظه أن هذه المرأة قضت علي مخزون الصبر لديه فضرب بكل شئ عرض الحائط و ليذهب التعقل الي الجنون
” مكانك هنا. سواء اتقبلتي دا أو لا؟ أنتِ آخر واحده ممكن تمشي من القصر دا.”

كان قريبا منها بدرجه مرعبة يحاوطه بقوة جعلتها ترتجف داخليا و خاصة حين شدد من قبضته علي رسغها فقالت بارتباك
” سالم مينفعش كدا..”

قاطعها بصرامه اخافتها
” سمعتيني؟ و لا اسمعك تاني؟”

غضبت من ضغطه الشديد عليها و ودت لو تخبره بأنها تخشي تلك المشاعر التي يقذفها بداخلها تخشاه و لا تضمن نفسها بجواره تخش كل شئ لذا قالت بحدة
” مسمعتش و مش هسمع و بالنسبالي مش هقبل انك تفرض سيطرتك عليا لمجرد انك مفكر نفسك الطرف الاقوي. “

ود لو يطلق ضحكه ساخرة من جوفه الذي يحترق بقربها في تلك اللحظه تظن أنه يرى نفسه اقوي ؟ و لا تدرك بأنه لأول مرة بحياته أصبح ضعيفا أمامها..
كان يشعر تجاهها بإنتماء و كأن ضلعه الأعوج يحن الي تلك التي خلقت منه نعم هي له و منه و بها سيكتمل .
” مين قالك اني شايفك ضعيفه. أو أنى اقوى منك. لو كنتِ عايزة تسمعيها مني فأنتِ اول ست أقابلها و انبهر بقوتها “

كان يتحدث هامسا ولكن ذلك الهمس كان يخترق قلبها بقوة و يستقر في أعماق فؤادها الذي تعثرت نبضاته حين اكمل
” أنتِ الوحيدة الي حققتي المعادلة الصعبة و جيتِ زي ما كنت عايز بالظبط.”

هنا تذكرت جملته أمام والدته حين اخبرها بأن الرجل يريد امرأة معه و رجل في غيابه ترى هل كان يقصدها وقتها؟ هل يحمل بداخله شيئا خاصا لها؟ سري الضعف بأوردتها و خارت قواها في القتال فقد كانت تخشي من تكرار جرحا لم تحتمله مرة أخرى خاصة و أن كان منه فخرج همسها خافتا
” انت عايز مني اي ؟”
” عايزك يا فرح..”

كانت اجابته قويه بقدر وضوحها تخفي الكثير بين طياتها مما جعلها تشعُر بالرغبة في الهرب وكأنه شعر بما تنتويه فشدد من قبضتيه فوق ذراعيها قبل أن يقول بعينين التي تلتهمان تفاصيل وجهها الرائع
” عايزك بكل ما في الكلمه من معني…”

قاطع حديثهم صوت طلقات ناريه اخترقت مسامع الجميع وووو

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى