روايات

رواية فطنة القلب الفصل العشرون 20 بقلم سلمى خالد

رواية فطنة القلب الفصل العشرون 20 بقلم سلمى خالد

رواية فطنة القلب الجزء العشرون

رواية فطنة القلب البارت العشرون

رواية فطنة القلب الحلقة العشرون

شعورٌ ما ببن الألم والخوف، شعرت بتردد بعدما توقف السائق أمام العنوان المطلوب، ترجلت من السيارة تسير بخطواتٍ مترددة، حتي وقفت أمام مبنى قديم، تأملت تلك العمارة القديمة بقلقٍ، تتطلع نحو المكان باشمئزاز، شعرت بوجود خطبًا ما، وان مازن لن يأتي لهنا، استدارت كي تغادر ولكنها تفاجأت برجلٍ يتقدم نحوها ببسمة خبيثة، تراجعت بتوترٍ قائلة:
_ أنت مين؟!
ازدادت بسمته الخبيثة دون رد عليها، في حين وصلت قطوف لمدخل العمارة تتراجع برعبٍ من ملامحه، استدارت سريعًا كي تركض بعيدًا، ولكنها صرخت بألمٍ شديد بعدما قام بضربها بقوةٍ على رأسها، لتسقط مغشيًا عليها، أمسك الرجل بهاتفه ثم أرسل رسالة صغيرة نصها..
(البت في ايدي)
*****
دلف للشقة، ولكن نفورٌ غريب يسيطر عليه، سار إلى الردهة حتى توقفت قدماه أمام والدته التي تجلس بأريحية شديدة على مقعدها، تمتم بنبرة مختنقة:
_ عايزة ايه وتسبيه!
ضحكت بشدة على حديثه، ثم قالت بنبرة خبيثة:
_ عايزة إيه! قولتلك قبل كده يا تطلق مراتك وتعملي توكيل عشان احول بيه الفلوس بتاعتك، يا أما تمضي مراتك على تنازل بكل ممتلكاتها ليا.. وأنا عن نفسي بختار الخيار الأول وبفكر اديك هدية عليه.
نظر لها بعدم تصديق لما تتفوه به، ليردف بعدم تصديق:
_ أنا مش فاهم أنتِ بتعملي ليه كده! دا حتى مشاعر الامومة ناحيتي مشوفتهاش!
نظرت له بأعينٍ مظلمة، تجيبه بصوتٍ شرس:
_ عشان طلعت شبه ابوك.. سبتك زي ما ابوك سبني زمان.. أنت نسخة منه.. دا حتى لما قلبي ضعف وقولت ارجعلك لقيتك روحت لخالك وسبتني فأخدت قراري من وقتها إني مش هسمح بعد ما أحبك زي ابوك تسبني وسبتك الأول.
صرخ بها مازن في ألمٍ:
_ أنا أبنــــــك مش جوزك.. أنا ليا حق مهما حصل معاكِ تديني الاهتمام والرعاية.. تعوضيني عن اللي ابويا عمله فيا.. سابك وسبني برضو.. يعني مش أنتِ لوحدك اللي تعبتي.
ضحكت ميرڤت بسخطٍ على حديثه، تردف بصوتٍ متهكم:
_ لاء أنا لوحدي اللي تعبت.. أنا اللي سمعت منه كلام زي السم.. أنا اللي ضيعت خمس سنين من عمري مستنياه عشان نتجوز.. واستحملت فقره وقلة حيلته عشان نبقى سوا.. ولما بقى معاه فلوس واتجوزنا سبني مع أول مشكلة بينا.. أنت مشوفتش اللي شوفته.. واللي عملته معاك تستاهله لأنك كنت بتحبه وبتجري وراه.. فخلاص اشبع بيه.
حاول استيعاب ما تتفوه به، ليردف باستنكار:
_ أنتِ متأكدة إنك أمي! بدأت احس إني مش ابنك!
علقت ساخرة:
_ مش فارقة كتير.. سواء كنت امك ولا لاء فهي مش فارقة.. ولو هتفضل تتكلم كتير كده هلغي اتفقنا.
:_ تلغي اتفاق إيه.. أنتِ مستوعبة اللي بتعمليه.. وكمان عايزة اسيب البني أدمة الوحيدة اللي حبيتها و اطلقها!
قالها بجنونٍ مما تريده، في حين نهضت من مكانها تتطلع لعينيه بحقدٍ، تردف بنبرة حاقدة سوداء:
_ هتتكسر زي ما اتكسرت.. وتتطلق في أكتر وقت حبيتك فيه.. وهتتساب بأهم وقت بحياتها زي ما أنا اتسبت كده.
تراجع للخلف بذهولٍ مما فيه والدته، لتسترسل حديثها بهمسٍ فحيح:
_ وأنت هتترفض علطول.. ابوك رفضك زمان.. وأنا قرفت اربيك.. ومراتك بعد ما تتكسر منك هتسيبك وهتبقى لوحدك زي ابوك.
حدق بها بصمتٍ، ليست أم بل فاقدة لعقلها، استدار كي يغادر يردف بصوتٍ جامد:
_ اتفقنا ملغي.. وأنا هعرف ازاي ارجعه منك ومش هتطولي مليم.
كاد أن يفتح الباب، ولكن ارتفع صوت ميرڤت الماكر وهي تجلس على المقعد تضع قدم فوق الأخرى تنظر لهاتفها بخبثٍ:
_ خلاص براحتك.. بس كده أنت بتديني جواب صريح أن مراتك بدل ما تطلقها عادي.. هطلقها وهي مغتصبة.
اتسعت عين مازن بصدمةٍ، ثم استدار يتطلع لها بذهولٍ، في حين ادارت ميرڤت الهاتف لهذا البث المباشر يرى ملامح قطوف المغشي عليها، وجهها الملطخ بالدماء، يد تمددت لحجابها تنزعه ببطءٍ، زمجر مازن بعصبيةٍ:
_ ابعد ايدك ال**** عنها.
اعدت الهاتف لها، تردف بجدية تفوح منها رائحة الشر:
_ اممم متعملش حاجة.. أما نشوف رأي جوزها إيه؟!
نظرت لمازن الذي شعر لأول مرة بعجزٍ قاسٍ، هتف باختناقٍ شديد:
_ موافق.
ابتسمت ميرڤت تردد ببرودٍ:
_ موافق على أنك تطلقها وتستلم اللي عايزه مقابل توكيل منك ليا.
نظر لها بنفورٍ، في حين تمتمت ميرڤت بضحكٍ:
_ وآه اوعى تنسى أن بلحظة ممكن اجيب طليقتك مقدمًا من بيتها متفتكرش أن مهران هيحميها.. لو عايزة أقلب الدنيا على دماغك هقلبها.
ابعد نظراته عنها، في حين استرسلت ميرڤت ببرودٍ:
_ اطلع على مستشفى ال*** هتلاقي مراتك هناك.. واي محاولة ليك في أنك تبوظ الاتفاق حياة كل اللي بتحبهم هتبقى في خطر.
استدار مازن كي يغادر، وقبل أن يغادر الشقة نظر لها ثم ردد بألمٍ:
_ أنتِ استحالة تكوني أم.
عوجت فمها تردف ببرودٍ:
_ وأنتِ عمرك ما هتتحب بعد اللي هتعمله.. هتترفض من كل اللي بتحبهم.. زيّ بظبط.
نصل قاسٍ انغرس بصدره، يشعر بفجوةٍ حارقة تبتلعه دون رحمة، سار مغادرًا الشقة نحو المشفى، يعلم جيدًا أن والدته هي العدو الوحيد له ولكن لم يعد يعلم امكانية ما يمكن أن تفعله، هي نجحت بزرع الخوف بداخله وسار يفكر بشيءٍ واحد هل من الممكن ان يرفض الجميع وجوده!
*****
وصل مازن إلى المشفى وصعد للغرفة الموجودة بها، تقدم نحوها ليجد رأسها ملفوفة بشريطٍ ابيض، جلس على مقعد قريبًا منها ثم ظل يتأمل شكلها، اسند جبينه على يديه، يحاول التفكير بحلٍ آخر غير الطلاق بها.
:_ مازن.
قالتها قطوف بتعبٍ بعدما فتحت عينيها ببطءٍ، في حين نظر لها مازن ببسمةٍ باهتة مرددًا:
_ حمدلله على السلامة.
نظرت لعينيه قليلًا، ثم أردفت ببعض التعجب محاولة الاعتدال:
_ انت عرفت مكاني إزاي!
حدق بها في هدوءٍ، ثم بادلها الحديث بسؤالٍ:
_ إيه اللي جابك هنا؟!
ابتلعت لعابها، تنظر للجهة الأخرى، تتمتم بتوترٍ:
_ متجوبش السؤال بسؤال.
ابتسم بسخريةٍ، ثم قال:
_ هجاوب أنا على السؤالين.. قلة الثقة بيني وبينك هي اللي وصلتك لهنا.
نظرت له بندمٍ، تعلم جيدًا خطأها، ثم قالت بألمٍ:
_ مش قلة ثقة أد ما هي خوف.. أنا اتجننت لما شوفت الصور والمسدج.. وقولت إنك بتخوني بس صدقني رجعت في كلامي لما وصلت العمارة بس في واحد ضربني على دماغي جامد وملحقتش امشي ولا اهرب.
أغمض مازن عينيه، فقد علم الطريقة التي احضرتها بها والدته، في حين مدت قطوف يدها تمسك بكفه قائلة بصوتٍ مختنق من دموعها:
_ مازن صدقني أنا واثقة فيك.. ورجعت عن اللي بعمله ومكنتش اقصد خالص إني افقد الثقة فيك.. خوفي هو اللي خلاني اتصرف كده.
هبطت دموعها دون أن تشعر، فـ فقدان الحبيب مُر وخيانته أشد مُرًّا، نظر مازن لدموعها بقلبٍ يتلوى من الألم، لينهض من مكانه يجلس جوارها، يردف بحنوٍ قائلًا:
_ مش بحب أشوف دموعك.
نظرت لعينيه، ولكن لا تزال عينيها تذرف الدموع، تردف بألمٍ:
_ أنا خوفت أوي وأنا لوحدي.. كنت ضعيفة أوي يا مازن.
ضمها لصدره في حنانٍ، يهمس بنبرةٍ قوية:
_ أوعي تتضعفي تاني.. خليكِ قطوف القوية.. ومتظهرش ضعفك دا لحد أبدًا.
دفنت وجهها بصدره مرددة بحبٍ:
_ ماعدا أنت.
ضحك مازن على طريقتها، يهمس بخبثٍ:
_ طب يلا نمشي عشان منتمسكش في المستشفى بفعل فاضح.
اشتعل وجهها بخجلٍ، تضرب على ذراعه بغيظٍ قائلة:
_ أنتِ مش مؤدب.
:_ بتكلمي عيل في ابتدائي.. ايه مش مؤدب دي!
قالها مازن بسخطٍ وهو يساعدها على النهوض، في حين تمتمت قطوف بإيجابية:
_ ايوة.. لما أي انسانة بتحب.. بتحس مع اللي بتحب أنه ابوها واخوها وابنها وحبيبها.. بيبقى دنيتها..
توقفت قليلًا عن الحديث، ثم أضافت بحزنٍ:
_ وخاصةً لو ملهاش حد زي.
امسك بيدها ليبعث بها الدفء، يزيل برودة الوحدة التي ضربت قلبها، مرددًا:
_ طول ما أنا معاكِ مش هتبقى لوحدك.
نظرت له بقليلٍ من القلق، ولكن بادلها الحب، ابتسمت قليلًا تردد:
_ اوعدني.
تذكر حديث والدته، وشعر بغصةٍ أليمة عالقة بقلبه، نظر لملامحها المتعطشة للدفء، ثم قال:
_ بوعدك إني أعمل كل جهدي عشان مسبكيش وافضل أمانك.
سارت معه براحةٍ بعثها لها، ثم دلف الأثنان إلى السيارة بعد الانتهاء من الاجراءات الخاصة بالمشفى، وقبل ان يتحرك مازن أخرج ورقة من حقيبة موجودة بالخلف يردف بصوتٍ جاد:
_ بتثقي فيا؟!
تعجبت قطوف من سؤاله، لتجيب:
_ أكيد يا مازن.
:_ أمضي على الورقة دي.
قالها وهو يعطيها القلم، في حين قطبت قطوف جبينها ولكنها لم تجادل أمسكت بالقلم وخطت بالقلم على تلك الورقة، زفر مازن ببعض الراحة، مرددًا:
_ يلا بينا على البلد زمانهم قلقانين.
****
أمام المسجد..
وقف السيد مهران مع العزيزي جد مريم، يتحدثان سويًا بشتي المواضيع حتى حمحم مهران يردف بوقارٍ:
_ سأتصل بك الليل حتى أحدد معك موعد كي تناول الشاي.. ونزيد صلة القرب بيننا.
ابتسم العزيزي بسعادةٍ يجيبه:
_ أكيد يا حاچ مهران.. دا إحنا يبقى يوم عيد لما تيچي.
ابتسم له مهران، ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_ خيرًا بإذن الله.
☆****☆
ضمت قدمها لصدرها، تشعر بخوفٍ من جمال، لا يتردد بعقله سوى سؤال واحد..
كيف علم بمكانها؟!
انكمشت على نفسها أكثر، تتذكر قبضته على حجابها بقسوةٍ، ذاك المفك الذي طعنها بها، بقيت دقائق تحاول مقاومة تلك الذكرى، ولكنها لم تستطع، وضعت يدها على أذنها تمنع ذاتها من سمع صوته الذي بدأ يتردد بأذنها، ولكنها لم تستطع نهضت من مكانها كي تغادر الغرفة ولكن دوار حاد اصابها جعلها تسقط على الأرض تصطدم رأسها بحافة السرير، لتقع مغشيًا عليها، يغرق جبينها بالدماء.
*****
توقفت السيارة أمام محطة القطار، يترجل منها مع قطوف ولكن اوقفته قطوف متمتمة:
_ استنى يا مازن.
توقف عن السير ينظر لها باهتمامٍ، في حين أخرجت قطوف هاتفها لتلتقط صورة لهما، نظر لها مازن بغيظٍ مرددًا:
_ دا وقته!
رفعت حاجبها بغيظٍ مماثل متمتمة بتبجح:
_ آه عندك اعتراض!
:_ ربنا على المفتري.
قالها مازن بحنقٍ، في حين ضحكت قطوف بخفةٍ، متمتمة:
_ متصورناش خالص سوا.. وقولت احتمال منعوضش المكان تاني فنتصور سوا.
تنهد مازن قليلًا، ثم امسك بهاتفها ورفعه بوضع الكاميرا الأمامية وبدأ بأخذ العديد من الصور، وما أن انتهوا حتى دلف لمحطة القطار ثم جلسة داخله، انتظر كي يتحرك بهما، ولكن غفت قطوف على كتف مازن، رفع مازن ذراعه ثم حاوطها بحبٍ كي تغفو، وابتسم من ملامحها الهادئة وهي غافية، فأخرج هاتفه وأخذ بعض الصور لهما وهي نائمة، ثم أغلق الهاتف ووضعه بجيبه، يفكر بحديث والدته وهل يمكن أن يرفضه الجميع بعد ما سيعلمه الجميع!
****
:_ استعد الغد سوف نذهب سويًا إلى منزل العزيزي كي نطلب يد حفيدته لياسين.
قالها مهران بهدوءٍ، في حين ابتسم زين بسعادةٍ لشقيقه الذي صرخ بسعادة وهو يركض نحو والده:
_ روح ربنا يحفظك للغلابة اللي زي.. وتجوزهم كلهم.
لم يستطع مهران أن يفرض حزمه، بل ضحك على طريقته، ولكنه قال:
_ اتمنى أن تصبح راشدًا وأن تتوقف عن عمل المصائب.
نظر له ياسين بضيقٍ، ثم قال بتبرير:
_ يا بابا المصايب هي اللي بتجيلي مش أنا اللي بعملها.. ثم أمي أصلًا في شهور الحمل بتاعتي كانت بتاكل حديد كتير مش ذنبي.
حرك مهران رأسه بيأسٍ بعدما شعر بحماقة ياسين، في حين سأل زين بتعجبٍ:
_ وإيه علاقة الحديد بالمصايب؟!
اجابه ياسين بجدية وكأن ما يقوله حقيقة:
_ هقولك الحديد العادي بتاعنا دا اللي بنبني بيه دا لو جبت مغناطيس هتلاقيه لزق فيه الحديد.. اهو حديد الأكل لما باكله كتير تلاقيني بنجذب للمصايب لوحدي.
نظر له زين بذهولٍ، في حين بقى مهران صامتًا يحاول استيعاب ما تفوه به ياسين للتو، كاد أن يوبخه، ولكن ارتفع صوت ورد الصارخ قائلة ببكاءٍ:
:_ ماما اصحي يا ماما.
ركض زين إلى الأعلى، في حين أسرع مهران وياسين معه، حتى وصلا لغرفة ياسمين كاد أن يدلف، ولكن صوت مهران الحازم يردد:
_ زين.. أنها غرفة ياسمين لا يجوز لك الدلوف بها.
توقف زين عن التحرك، ولكن شعر بعجزٍ شديد من تلك القيود، تمنى لو إنها زوجته لأصبح أول من يقف بجانبها.
دلف مهران إلى الغرفة فوجد ياسمين مغشيًا عليها حملها برفقٍ ووضعها على الفراش، ثم أخبر ورد بأن تذهب إلى جدتها زينة كي تحضر الأدوات الطبية لتعالج ياسمين.
أتت زينة تهرول ما أن سمعت بهذا الخبر، ولكن قبل أن تدلف تمتم زين بقلقٍ:
_ طمنيني يا امي عليها متسبنيش كده!
كبحت بسمتها وهي ترى ابنها يحب من جديد، لتردف بحنوٍ:
_ متقلقش ياضنايا.
دلفت للداخل ورأت هذا الجرح الموجود بجبينها، بدأت بتطهيره فلم يكن كبيرًا، ثم قامت بوضع ضمادة عليه، ونهضت من مكانها تغادر الغرفة كي تخبر ابنها بحالتها، فقد غادر مهران وياسين وبقي هو على اعتاب الغرفة ينتظر خروج والدته، نظرت له بحنوٍ قائلة:
_ هي كويسة.. دا جرح صغير فوق حاجبها وهبات معاها الليلة عشان تطمن.
زفر براحةٍ شديدة، ثم أمسك بكفها يقبل يده قائلًا بحبٍ:
_ ربنا يحفظك ليا يا ست الكل.
******
:_ شوفت قولت إني هحتاجك واحتاجتك.
قالتها ميرڤت للجالس أمامها، جلست على مقرب منه، تتمتم بنبرة ماكرة:
_ عارف يا محمد كان نفسي حقيقي أفضل مكملة معاكم.. واشوفك وانت بتتعالج بس للأسف مش هقدر بقى في فلوس لزمًا اصرفها.
نظر لها باشمئزاز، حاول التحرك ولكن منعته تلك الاعاقة من الانقضاض عليها، ضحكت ميرڤت عليه تردف بضحكٍ:
_ مش عارف تتحرك ليه..
نظرت له بشفقةٍ مزيفة قائلة:
_ آه صح نسيت إنك اتشليت بسببي برضو.
ازداد تشنجات محمد أمامها على هذا المقعد، في حين ضربت ميرڤت على الطاولة قائلة:
_ بس صوت صدعتني…
لم يتوقف محمد، بل ازدادت تشنجاته وهمهمات الضعيفة، في حين ضيقت ميرڤت عينيها تردف بخبثٍ:
_ مش عايز تعرف أنا عملت إيه!
هدأت تشنجات محمد قليلًا، في حين أكملت ميرڤت بمكرٍ:
_ استغليتك أحسن استغلال.. الأول بوظت جرعت الانسولين والنوبة السكر اتسببت بشلل ليك.. مع اتفاق بسيط من الدكتور اعلنت عن موتك.. واتفاق تاني منه عملتلك شلل كلي.. كنت ناوية أسيبك كده لحد ما تموت بس حظك إني احتاجتك لأن ابني مش عايز يساعدني ناخد فلوس بناتك.. فاضطريت إني استعملك ككارت صغير.. يطلق بنتك في مقابل أنه ياخدك.
نهضت من مكانها تقترب من محمد حتى أصبحت في مواجهته، تردف بصوتٍ فحيح:
_ هعيش بنتك نفس اللي عيشتوا.. هطلق بأكتر وقت حبيت ابني فيه.. وهتتكسر أكتر لما ابني يمضيها على توكيل عام لكل ممتلكاتها… وللأسف يا حرام محدش هيقدر يرجع ولا مليم عشان أنت قدام الحكومة ميت والشهادة الوفاة طلعت خلاص.
تشنج جسد محمد بشدة، يحاول أن يمسك بها ولكن لا يستطيع، شعر بألمٍ شديد، عينيه تلتمعان بالدموع مما فعلته به شقيقته، أصبح بأقصى درجات العجز، والآن أصبحت حياته وحياة بناته بخطرٍ لا محالة.
استرسلت ميرڤت حديثها بصوتٍ مصدوم:
_ ايه دا أنت بتعيط يا محمد.. لا أجمد كده دا اللي جاي لسه أحلى.. وهدية مني ليك هوصلك لحد باب البيت وأخليك تشوف مازن وهو بيطلق قطوف.
عقدت حاجبيها قليلًا، ثم اقتربت تهمس جوار اذنه قائلة:
_ أو الأحسن وهو بيكسر بنتك قطوف.
اعتدلت بوقفتها تنظر لعينيه اللتان تذرفان الدموع دون توقف، جسده المتشنج بشدة، الآن شعر بالمعنى الحقيقي للانكسار.
ابتسمت بتشفي وهي تشعر بلذة الانتقام ثم سارت إلى الخارج تنتظر الوقت المناسب كي تنفذ الباقي من خطتها.
*****
فتحت عينيها ببطءٍ، تشعر بصداعٍ يكاد يفتك برأسها، نظرت حولها لتجد الغرفة فارغة، ولكن دقائق ووجدت زينة تدلف ومعها صينية بها بعض الطعام، ابتسمت زينة باتساع ما أن رأتها تحاول النهوض، تردف بسعادة:
_ أخيرًا جومتي (قومتي).
وضعت ياسمين يدها على رأسها، تردف بتعبٍ:
_ هو حصل إيه؟!
جلست جوارها بعدما وضعت الصينية جانبًا، تقطع اللحم بداخل الحساء، تجيبها ببسمةٍ علت ثغرها:
_ مفيش يا حبة عيني بس.. البت ورد لجيتك واجعة على الأرض وسايحة في دمك.. وجه عمك مهران شالك وحطك على السرير وأنا عملتلك جرحك.. بس عارفة مين كان هيموت من القلق عليكي!!
قطبت ياسمين جبينها بتعجبٍ، في حين رفعت زينة الملعقة تقربها من فمها كي تتناول، تسترسل حديثها بمكرٍ:
_ زين.. كان قلقان خالص ودخلني مخصوص كل شوية عشان اطمنه عنك.
رمشت ياسمين بعينيها في ذهولٍ، هل تقصد زين ابنها الذي صرخ بها، فتحت فمها تتناول الطعام ولم تعلق، في حين استرسلت زينة حديثها:
_ كلي يا حبيبتي واتقوي كده.. أنتِ صفيتي دم كتير أوي.
ابتسمت ياسمين لحنان تلك السيدة، ودّت لو أن والدتها لاتزال على قيد الحياة لفعلت كما تفعل زينة، في حين بقيت زينة تتحدث بعدةٍ مواضيع حتى اندمجت معها ياسمين وشاركتها الحديث.
******
استدل الليل ستائره لتتوقف السيارة أمام منزل مهران، ترجل الأثنان من السيارة، ولكن قبل أن تدلف قطوف إلى الداخل امسكت بيد مازن، ثم نظرت لعينيه اللتان حدقتها بتعجبٍ، ثم قالت بحيرةٍ:
_ أنت كويس! من الصبح وعينك فيها زعل مشوفتهوش قبل كده!
ابتسم مازن بحزنٍ أخفاه ببراعةٍ، ثم قال لها بحنوٍ مربتًا على يدها:
_ مفيش حاجة يا قطوف.. أنا كويس طول ما أنتِ جنبي!
زحفت بسمة صغيرة على شفتيها، ثم قالت بسعادةٍ يكملان سير للداخل:
_ عارف أنا اوقات بنسى الوحدة اللي أنا فيها لما بتونس بيك.
ابتسم لها مازن بحبٍ، ولكن ازدادت غصته ألمًا، حتى دلفا الأثنان للداخل، استقبلهما مهران ولكن تلك المرة نظر لعيني مازن بتدقيق وشعر بوجود خطبًا ما، لم يحدثه بشيءٍ في حين صعد الأثنان سويًا، ليدلف مازن إلى الحمام، بقيت قطوف جالسة تفكر بشيءٍ ما، وما أن لمعت الفكرة برأسها حتى أمسكت الهاتف وقامت بإرسال بعض الصور لها ولمازن وطلبت من صديقتها صنع شيئًا خاص، ثم بقت تفكر ببعض الكلمات لتزحف بسمة صغيرة إلى شفتيها وهي تحرك اصبعها على الشاشة تسجل بها تلك الخاطرة التي تريدها..
( أنت الروح والفؤاد..
أنتَ الهوى والحياة..
خضع قلبي لك أيها الأمان..
لحبك فقط أنت المختار..
فنسيت وحدة الماضي بك..
ولم يبقِ سوى ونس الحاضر معك.)
أغلقت الهاتف وهي تنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر كي تعطي مازن تلك الهدية وهذه الخاطرة، في حين وقف مازن يشعر بألمٍ شديد، يرسل إلى والدته رسالة صغيرة محتواها..
(هاتي خالي بكرة)
أغلق الهاتف، ثم حاول جمع شتات نفسه وغادر من الحمام يدلف إلى الفراش، مرددًا بصوتٍ مختنق:
_ أنا تعبان النهاردة، خديني في حضنك.
تعجبت قطوف من حديثه، وشعرت بالقلق لتتسأل بخوفٍ:
_ أنت كويس؟!
حرك رأسه بإيجابية، في حين جلست قطوف جواره ليسند رأسه داخل احضانها، حاوطته بذراعيها بحنانٍ، ففي بعض الأحيان تكن الضمة هي دافع لإكمال الحياة، يغفو الأثنان دون أن يشعران، فلعل هذا الدفء بينهما يزيل ما صنعته الأيام بهما.
*****
صباحًا..
كان الجميع يتناول الفطور، حتى استمع الجميع لصوت عجلات، استدار لينظروا من القادم فوجود ميرفت تسير أمامهم وهي تجر هذا الكرسي المتحرك الذي يحمل محمد، انتفض الجميع من مكانه، في حين نظرت ياسمين نحو والدها بأعينٍ غير مصدقة، صرخت قطوف باسم والدها تركض نحوه ببكاءٍ، تردد بعدم تصديق:
_بابا أنت عايش! ايه اللي حصلك يا حبيبي! مين اللي عمل فيك كده!
لم يستطع النطق، في حين ابتسمت ميرڤت بمكرٍ تردد:
_ ايه يا مازن مش ناوي تشوف خالك ولا أنت عشان خلاص شوفته قبل كده!
نظرت قطوف بصدمةٍ إلى ميرڤت، ثم نهضت تنظر نحو مازن الذي كان جامدًا مكانه، تقدمت نحوه بخطواتٍ مرتجفة قائلة:
_ أنت كنت تعرف أن بابا عايش ومقولتش!
لم يجيبها، بل ظل يتأمل حدقتيها بألمٍ، يريد أن يتفوه بهاتان الكلمتان و كيف!، رددت قطوف وهي تمسك بيده تحرك ه برفقٍ قائلة:
_ مازن أنت مش بترد عليا ليه؟!
نظر لها بانهزام، ثم قال:
_ آه كنت عارف.
رمشت بأهدابها في عدم تصديق، ثم تذكرت اندفعها الدائم نحوه، اتقرر ألا تقع بهذا الخطأ مرتين، ابتلعت لعابها، تنظر له بأعين أغرقتها الدموع، تتمتم:
_ طب قولي السبب اللي خلاك متقوليش أنه عايش؟!
:_ سامحيني يا قطوف.
قالها مازن بألمٍ، في حين قطبت جبينها بتعجب، ولكن سرعان ما افلتت يده، تسيل دموعها دون توقف بعدما كانت متحجرة، تنظر له ما أن ردد مازن بألمٍ:
_ أنتِ طالق!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فطنة القلب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى