رواية فطنة القلب الفصل التاسع 9 بقلم سلمى خالد
رواية فطنة القلب الجزء التاسع
رواية فطنة القلب البارت التاسع
رواية فطنة القلب الحلقة التاسعة
الفصل التاسع
( ظَنَنْتي أَكْثَرُ مِمَّا يَنْبَغِي!)
أمسك هاتفه بتعبٍ شديد، يحاول الوصول لرقم محمود، وبالفعل وصل إليه لحادثه بنبرة تهالكت من الألم:
_ محمود.. تعالى على البيت بسرعة!
:_ حضرتك كويس؟!
قالها محمود بقلقٍ، في حين همس مازن بنبرة مجهدة:
_ السكر عالي عندي.. ولزمًا أروح المستشفى اظبطه.. تعالى ومتقولش لقطوف حرف.
أغلق معه ثم نهض بتعبٍ بات ظاهرًا على معالمه، وانطلق للخارج قبل أن تراه قطوف، يغلق الباب بخفةٍ دون أن تشعر، وبقى بالخارج ينتظر بالخارج حتى يأتي محمود.
******
وصل محمود للمنزل ولكنه رأي مازن ملقى على الأرض بالحديقة، هرول نحوه محمود يحاول ايقاظه بصوتٍ هامس حتى لا تأتي له قطوف:
_ مازن.. مازن قوم أنت سامعني؟!
حاول فتح عينيه ولكن كان ببطء شديد، ثم اغلقها مرة أخرى في حين تنفس محمود ببعض الراحة أنه لا يزال في وعيه قليلًا، بدأ بحمله على ظهره ووضعه بالسيارة، ثم انطلق لمقعد القيادة وبسرعةٍ قاد بها كي يصل للمشفى ويلحق مازن قبل أن يدلف لغيبوبة السكر!
********
داخل المنزل..
أنهت قطوف من إعداد الشاي وذهبت إلى الردهة كي تضعه وانطلقت لغرفة المكتب فلم تجده، قطبت جبينها بدهشة و أردفت ببعض التعجب:
_ راح فين دا؟!
اغلقت الباب وبدأ بالبحث عنه بكامل المنزل ولكنها لم تجد أثر له، شعرت بحيرة تضرب رأسها ثم امسكت هاتفها لترن عليه ولكن وجدت هاتفه هنا، توقف عقل قطوف عن التفكير عندما شعرت للحظة أنه من الممكن أن يعود لعادته في مقابلة البنات!
حركت رأسها بالنفسي قائلة بصوتٍ مؤنب:
_ بطلي يا قطوف تفكيرك دا.. أكيد في حاجة حصلت وبطل القرف اللي بيعمله أكيد.. لما يجي هعرف.
جلست مكانها تقاوم تلك الافكار من الهجوم عليها مرة أخرى، يحاول قلبها أن يثبت أنه لن يخون مجددًا… ولكن يأب العقل الاستسلام ويقنعها بالعكس.
********
خرج الطبيب من الغرفة، فأسرع له محمود يتمتم بصوتٍ قلق:
_ طمني يا دكتور مازن كويس؟!
حرك الطبيب رأسه بإيجابية، يجيبه بصوتٍ عملي:
_ هو على أخر لحظة وكان هيدخل غيبوبة سكر.. كل كمية نشويات ضخمة وماخدش الحقنة بالتالي سببته الحالة دي.. إحنا حاليًا ظبطنا السكر وهيفضل للصبح عشان نطمن أكتر، عن اذنك.
تركه الطبيب مغادرًا، في حين دلف محمود لغرفة مازن فوجده مستلقي على الفراش لا حول له ولا قوة، جلس جواره ثم هتف بصوتٍ حزين:
_ أنت ورثته من الحاج محمد؟!
فتح مازن عينيه بتعبٍ، ثم قال:
_ أيوة.. اخدته وراثة منه ومحدش يعرف بالموضوع دا غيره هو الله يرحمه.
تعجب محمود وتطلع له بحيرةٍ، يردف ببعض التشويش:
_ طب ليه يا مازن مش عايز حد يعرف؟!
ابتسم بألمٍ شديد، ثم اجابه بنبرة حزينة:
_ عشان اللي هيعرف مش هيتعامل معايا بطبيعته.. الأغلب هيشفق عليا.. ومتقولش لاء أنا كنت بشوف خالي وبشوف الناس من وراه بيقولوا ايه وفي وشه بيقولوا إيه… كان اللي حوليه مش بيحبوه وكانوا بيشفقوا عليه من التعب السكر… وأنا عايز اللي يتعامل معايا يحبني عشان أنا مش شفقة منه على مرضي.
نظر له محمود قليلًا، ثم أضاف متسائلًا:
_ ومدام قطوف متعرفش حاجة؟!
حرك رأسه بإيجابية، يجيبه بشرود:
_ أهي هي بذات مش عايزها تعرف حاجة عن السكر.. قطوف طول الوقت حطاني بوضع الإتهام وإني شخص مش أمين وبالتالي أنا محتاج أثبت العكس وهي اللي تكتشف دا.. عايزها تحبني وتتأكد إني عمري ما فكرت أأذي حد واولهم هي.. ولو عرفت بمرض السكر هتتعامل بحساسية معايا مش بطبيعتها ولو حصلي حاجة بسبب السكر ممكن تحمل نفسها الذنب كله..
عاد يبتسم في هدوء ثم قال ببسمة لا تظهر سوى لمحب وقع أسيرًا لعالم جديد لدلفه سوى المحبين:
_ أنا أعرف قطوف من وهي صغيرة خالص.. كنا بنلعب سوا وهي من الناس اللي لو حد بس تأذى بسببها ممكن تنهار.. صحيح مش بتظهر بس ببقى واثق أنها بتنهار من جوا… قطوف عمرها ما عيطت قدام أي حد إلا القريبين منها بس ممكن تنهار قدامهم..
ثم اتسعت ابتسامته بشدة يردف بصوتٍ يحمل بعض السعادة:
_ وهي بمرة عيطت قدامي.. فمعنى كده إني قريب منها يمكن هي مش مقتنعة بس أنا واثق.
رفع محمود حاجبيه بدهشة، ثم قال وهو يبتسم لسعادة مازن:
_ وايه اللي مخليك واثق كده؟!
تنهد مازن قليلًا، ثم اجاب:
_ يوم وفاة خالي.. قطوف معيطتش قدام حد فضلت صامدة قدام الكل مفيش دموع ولا حتى عينيها دمعت.. لما العزا خلص دخلت اوضة ياسمين وفضلت تعيط هناك.. ولما ياسمين مشيت هي عيطت قدامي.
حرك محمود رأسها بفهمٍ، ثم اضاف ببعض المكر:
_ لا بس واضح أنك حبيتها؟!
ضحك مازن ببعض التعب، ثم سعل قليلًا يجيبه بعدما هدأ السعال:
_ مش هقول لاء بس مش عارف امتى.. دايمًا بحس قطوف مختلفة عن أي حد.. طريقتها اسلوبها يمكن في بنات شبها بس هي بنسبة ليا مختلفة عنهم كلهم..
ثم أضاف ببسمة هادئة متذكرًا ملامح قطوف:
_ هتعرف أنك بتحب بجد لما متشوفش غيرها بالعالم.. وقطوف خلتني مشوفش غيرها.
تأمل محمود حديثه ثم قال بصوتٍ نقي:
_ ربنا يهدي سركم ويجعل قلبها ملك ليك.
نفى مازن حديثه وقال:
_ لا قول ربنا يقدرني اوصل لقلبها وأكون لها زوج صالح.
ضحك محمود بخفةٍ، ثم تمتم:
_ ربنا يعطيك اللي نفسك فيه.
منحه مازن ابتسامة ثم نظر امامه ينتظر الطبيب كي يأتي ويعطيه اذن الخروج.
********
:_ يا مرفت هانم أنا دورت عليها في القاهرة كلها ملقتهاش!
قالها رجلٌ غريب عبر الهاتف، في حين صرخت به مرفت بعنفٍ تردد:
_ أنت هتستعبطني يا راجل أنت.. اقلب عليها الدنيا تاني وتالت ورابع لزمًا ألقيها ولما توصلها تمضيها غصب عنها على ورقة التنازل فاهم لزمًا تمضي عليها يا إما مش هطول مني الشيكات بتاعتك اللي بدون رصيد!
صك هذا الرجل على أسنانه بعنفٍ، يجيبها بصوتٍ مختنق:
_ حاضر يا مرفت هانم حاضر.
اغلقت مرفت معه وهي تنفخ بضيق، تردف بصوتٍ يكاد يجن:
_ روحتي فين بقى! خليني اخلص منك وادخل على اختك وافوقلها!
بقيت تفكر بموضوعها طيلة الوقت، وشعرت بأنها ستفقد كل شيء أن لم تجعل ياسمين خاضعة لها.
********
صباحًا..
غادر مازن المشفى أخيرًا، وقرر السير بين الشوارع، فقد شعر برغبته في استنشاق الهواء، كان ينظر حوله ببعض السكينة، يتأمل الأطفال وهم يلعبون سويًا، وتذكر كيف كانت قطوف وياسمين يلعبون معه في الصغر، زحفت البسمة على ثغره، ولكنه لاحظ طفلة صغيرة تجلس وحيدة تبكي بشدة، تقدم نحوها في هدوءٍ ثم هبط لمستواها يتمتم بحنو:
_ مالك يا قمر! بتعيطي ليه!
نظرت له تلك الطفلة ببعض الدهشة وسط دموعها المنهمرة تردد:
_ عرفت اسمي منين؟!
ابتسم مازن وفهم انها تسمى « قمر»، فأجابها ببسمة صغيرة:
_ عشان أنتِ فعلًا كده.. قمر وشكلك جميل.
ادمعت عين الصغيرة، تردف بصوتٍ حزين:
_ بس صحبتي بتقولي شكلي وحش.. و قالتلي خدي الروچ بتاع مامتك وحطيه وأنا عملت كده وماما زعقتلي وزعلانة مني وصبحتي اتريقت عليا وبقيت وحشة وبنت نوتي زي ما ماما قالتلي.
انهت كلماتها وهي تبكي، في حين شعر مازن بالحزن على حال تلك الفتاة، فنهض من مكانه وهو يمد ذراعيه يحمل تلك الفتاة حتى أصبحت بمستواه، يقول بصوتٍ حماسي:
_ مش أنت بتصدقي الكبار صح!
حركت رأسها بإيجابية، في حين استرسل مازن حديثه بحماسه الذي بدأ به:
_ طب أنا بقولك أنك جميلة جدًا وشكلك مفهوش أي حاجة.. واقولك على سر..
انتبهت له الفتاة بشدة، في حين همس لها مازن قائلًا:
_ لما حد يقولك إنك وحش في حاجة أو يحبط فيكي.. يبقى خايف منك.. يعني صحبتك خايفة أنتِ تبقى أحلى منها عشان بتسمعي كلام ماما ومش بتعملي حاجة غلط فقالتلك كده.. بس أنتِ بنت شطورة خالص ومش هتسمع كلام حد من برة.. تسمعي كلام ماما وبابا وبس.. ماشي.
ابتسمت الطفلة بسعادة، ولكنها عقدت حاجبيها قائلة:
_ بس حضرتك من برة؟!
نظر لها قليلًا يحاول استيعاب سؤالها، ثم انفجر ضاحكًا عليها يردد بصوتٍ متماسك قليلًا:
_ أيوة من برة بس مش انت ذكية؟!
حركت رأسها بإيجابية، فاستطرد حديثه مرددًا:
_ طيب أنا كلامي صح ولا صحبتك؟!
شعرت الفتاة بالحيرة قليلًا، ولكنها ترى أن حديثه صحيح بعض الشيء فقالت بسعادة وهي تحتضنه:
_ كلامك يا عمو.. شكرًا.
ربت عليها مازن بحنو، ثم انزلها يردد بصوتٍ حازم:
_ طب يلا روحي لماما وقوليلها إنك مش هتبقي نوتي تاني.. بس امسحي الروچ دا.
قالها وهو يحاول التماسك من الضحك، فقد كان شكلها مضحك للغاية بما تضعه.
*********
بإحدى الشركات…
خرجت ياسمين تبتسم بسعادة بالغة، تشعر بأنها بدأت بأن تخطو أخيرًا خطوة للأمام، وستعود كما كانت، سارت عائدة للمنزل تفكر ماذا ستفعل بأول يوم لها عمل بالغد، بقت تفكر وتفكر حتى اصطدمت بأحد المارة، أردفت باعتذار:
_ أنا آسفة!
استدار لها هذا الرجل يلتهمها بنظراته:
_ أنا اللي آسف يا قمر.
تراجعت ياسمين خطوة للخلف برعبٍ وخاصة فراغ هذا الشارع جعلها ترتعد من الرجل أكثر، تقدم منها بخطواتٍ هادئة مريبة، في حين شعرت ياسمين بوجود رجلٍ أخر خلفها، نظرت سريعًا فلم تجد سوى نظرات مخيفة تملأ عينين هذان الرجلان… توقف عقل ياسمين ثم انفجرت بالبكاء، في حين كاد هذا الرجل ان يمسك بوجهها مرددًا:
_ أنتِ بتعيط…
قاطع حديثه قبضة حديدية تمسك به، نظر له هذا الرجل وبدقيقة كان طريح الأرض بعد لكمة قوية، وهرب الرجل الأخر قبل أن يتلقى لكمة هو الأخر، نظرت ياسمين للفاعل حتى وجدته جمال ابن السيدة زينب، اردف جمال بصوتٍ جذاب:
_ أنتِ كويسة؟!
حركت رأسها في ايجابية، ثم حاولت السير ليوقفها جمال سريعًا قائلًا بلهفة:
_ تحبي أوصلك؟!
ابتلعت ياسمين لعابها ثم رددت بصوتٍ مرتجف:
_ شـ..شكرًا مش عايزة.
هرولت سريعًا قبل أن يوقفها جمال، بينما بقى جمال يتأمل اختفاؤها يردد بصوتٍ غامض:
_ هتحبيني.. مهما حصل هتحبيني!
*********
وصل ياسين لوجهته ألا وهي ( عيادة التي تعمل بها مريم) وقرر أن يصعد كي يعرض طلب زواجه منها، حمل الورد بين يديه كما كان يرى بالأفلام وصعد على السُلم ولكن بلحظةٍ أستمع لصوت صراخ عالي، صوت يعلمه جيدًا أنه صوت مريم، القى الورد بعيدًا وصعد للأعلى بسرعة وما أن وصل حتى وجد رجلًا يوليه ظهره ويشيح بمسدسه صارخًا بمريم التي ترتجف ممسكة بالمقعد تختبئ خلفه:
_ هقتلــــــــــــــــــــك.
:_ طب ليه حضرتك.. هو أنا عشان غلبانة تقتلني.. طب يرضيك تدخل السجن في واحدة هفأ زي ينفع!
قالتها مريم بصوتٍ مرتجف، في حين أشاح هذا الرجل بمسدسه يردد بصوتٍ مجنون:
_ آه لزمًا تموتي أنتِ عارفة عن حياتي كتير ولزمًا تموتي!
لطمت مريم فوق رأسها، وهي تردد بصوتٍ مرتعد:
_ هو دا جزاتي إني بسمعك بدل ما أنت شايل هم الدنيا لوحدك.. دا أنا بواسيك!
حرك هذا الرجل في نفي، يردد بصوتٍ حاد:
_ لا أنت عايزة تنتقمي مني زيها.. كلكم كده زي بعض!
شعرت مريم بقليلٍ من الضيق، فأردفت بغيظ:
_ نعم! انت بتشبهني بواحدة زي دي ليه إن شاء الله لا بقولك ايه أنت اللي جيت… عقلك في راسك تعرف خلاصك.. ولا هو رمي جتت!
أطلق هذا الرجل رصاصة بالهواء فصرخت مريم برعبٍ شديد، في حين ضحك الرجل بهستيرية:
_ خافي مني.. ايوة لزمًا تخافي مني!
:_ وربنا وكمان دقيقة مش هبقى خايفة بس دا أنا هبقى عملتها عليا!
قالتها مريم برجفةٍ تسير بجسدها، في حين اختار ياسين اللحظة المناسبة حتى انقض على هذا الرجل فجأة يخبط يده حتى وقع منه هذا السلاح ثم اوقعه على الأرض كي لا يتحرك، نهضت مريم تصفق بيدها من خلف المقعد، تردد بصوتٍ متشفى:
_ أحسن عشان تحرم تيجي على الغلابة.
لم تمر دقيقة وكان ياسين قد سقط من عليه بعد دفعة قوية من هذا الرجل الذي أسرع كي يأخذ المسدس مجددًا، لطمت مريم على صدرها قائلة:
_ يا ندمتي! يا حوستي!
في حين أسرع ياسين نحو الرجل قبل أن يمسك مسدسه فإذا امسك له لن يبقى أحد على قيد الحياة، وبالفعل استطاع أن يبعد عنه السلاح يصرخ بمريم قائلًا:
_ امسكي المسدس بسرعة.
اسرعت مريم في أخذ السلاح وهي ترتجف في حين حاول ياسين تكبيل هذا الرجل بسرعة، كانت مريم تمسك المسدس وكانت فاه المسدس نحوها، ترتجف بشدة وهي تقول الشهادة:
_ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله.
:_ أنتِ بتعملي ايه يا مجنونة ابعدي المسدس عنك؟!
هدر بها ياسين بحدة، في حين لم تعلم ماذا تفعل مريم، فتركت المسدس ليقع على الأرض مطلقًا رصاصة أتت بالمقعد، ازدرد ياسين لعابه، وتجمد الرجل مكانه ما أن رأى مكان الذي انطق منه الرصاصة، دقائق وعم المكان بالشرطة الذين اخذوا هذا الرجل من المكان.
تقدم ياسين من مريم يردف بصوتٍ حاد:
_ أنت كنت هتموتنا بغباءك.. في حد يرمي السلاح كده؟!
عقدت حاجبيها، تردد بغيظٍ:
_ أنا ممسكتش سلاح قبل كده.. ثم متشتمش أنت فاهم!
عقد ذراعيه أمام صدره يردد:
_ ولو شتمت هتعملي إيه؟!
:_ هعملك محضر عدم تعرض هاه؟!
قالتها بعندٍ أمامه، في حين شعر ياسين بغضبٍ جامح قائلًا:
_ اتصدقي أنك بت بومة صح!
شهقت مريم بصدمة، تردف بنبرة لا تزال بها شوائب الصدمة:
_ أنا بومة!
حرك رأسه في ايجابية، يرفق ابتسامة باردة، في حين صرخت به مريم قائلة:
_ وأنت خرتيت.
نظر لها ياسين بغيظٍ، ثم أردف بصوتٍ حاد:
_ أنا غلطان إني جاي اتقدم لكِ أنا ماشي.
تركها مغادرًا، في حين رمشت مريم عدت مرات تحاول استيعاب ما قاله، وفي سرعة عادت تنادي قائلة:
_ استنى يلا كنت بتقول ايه.. ياض استنى عايزة اتأكد…
اشاح ياسين بيده لها، يبرطم بكلماتٍ غير مفهومة، في حين بقت مريم تتساءل هل بالفعل كان سيتزوجها!
*********
وصل مازن للمنزل، وما أن دلف للداخل حتى وجد قطوف تقف أمامه قائلة بصوتٍ غاضب يحمل القلق:
_ أنت كنت فين كل دا وأزاي أصلا تسبني لوحدي في البيت.. أنت عارف إني مش بحب الوحدة وسبتني طول الليل لوحدي واوعى تقولي شغل عشان مفيش شغل كل دا كان ممكن تستغنى عنه شوية بس أنت اصل…
:_ بـــــــــــــــس.. ماسورة انفجرت في وشي، أنا في مشوار مهم جدًا وخد وقت وعشان كده اتأخرت.. بس أول مرة تقلقي عليا!
قالها مازن جملته الأخيرة بمكرٍ، في حين اردفت بصوتٍ يحمل بعض الحرج:
_ وريني ايدك عشان أشوف كده الجرح.
رفعت يده سريعًا، كي ترى الجرح ولكن امسك مازن يدها ليوقفها، شعرت قطوف ببعض التوتر من يده التي تغطي يدها، ولاحظت جرحًا صغير بيده الأخرى، ولكن بقيت تتطلع لها بحرجٍ، ولم تستطع أن تتحدث، في حين ابتسم مازن عندما شعر ان من الممكن ان تحبه قطوف فهي لم تعانفه ككل مرة، فقال بهمس:
_ ايدي بخير يا قطوف متقلقيش.
سحبت يدها بحرجٍ شديد، بينما وضع مازن يده بجيب سرواله ولكن تتأرجح البسمة على شفتيه، حاولت قطوف الحديث مرددة:
_ في ظرف جالك حطيت على الترابيزة هناك .
اشارت بالجانب اليمين، أدار مازن رقبته كي يرى هذا الظرف وما أن عاد بنظره حتى وجد عين قطوف تلتمعان بالدموع، قطب جبينه بدهشة يتسأل بقلق:
_ أنتِ كويسة؟!
ترجعت للخلف، قائلة بنبرة مشمئزة:
_ انت بني آدم قذ… ولا اقولك مهما اقول هتفضل زي ما أنتَ ماشي بالقرف كله.. وأنا غلطانة فعلًا إني فكرت للحظة إنك اتصلحت.. هتفضل طول عمرك مريض بالقرف.
تعجب مازن من حديثها، واردف بنبرة جادة:
_ في إيه يا قطوف؟ وايه طريقة كلامك دي ما تظبطي!
ضحكت من بين دموعها قائلة بصوتٍ حاد وهي تمد يدها نحو رقبته تمسح بها وترفعها أمام وجهه ليرى بها هذا اللون:
_ مش لما أنت تظبط نفسك يا محترم.. كنت في مشوار مهم.. لا واضح أنه مهم أوي ومش قادر يصبر فعلًا.. وياترى كلمتك قالتلك ايه عشان تروح ليها بليل أوي كده وتفضل للصبح.. طب يا اخي اتكسف على دمك وامسح القرف اللي بتعمله.. حقيقي أنت أكتر راجل كرهته في حياتي.
تركته مغادرة نحو غرفتها، في حين بقى مازن يتطلع بدهشة ممزوجة بصدمة منها، وتذكر تلك الصغيرة وهي تحتضنه فقد وضع بعض احمر الشفاه على رقبته أثناء احتضانه لها ولم يلاحظه… كاد أن يصعد خلفها ليوضح سوء الفهم هذا ولكن رنين جرس الباب جعله يتوقف ويرى من الطارق فما كانت سوى والدته التي هدرت بحدة:
_ والله كنت خايفة اجي ألقيك مش موجود.. ما أنت خلاص نسيت امك!
زفر مازن بضيق وهو يغلق الباب، ثم استدار ينظر لوالدته بهدوء قائلًا:
_ نعم يا أمي؟!
رفعت حاجبها بغضبٍ، تردف بصوتٍ حاد:
_ أمال فين المحروسة؟!
لم يحبذا مازن طريقتها ولكنه اجاب بصوتٍ هادئ:
_في اوضتها.
اشاحت بيدها قائلة بصوتٍ غريب:
_ أحسن عشان عايزة اكلمك بموضوع مهم.. أنت عايش معها كويس يعني حياتكم ماشية ولا بتتخانقوا وزي زفت؟!
نظر لها مازن قليلًا، وشعر بالريبة من حديثها، ولكنه قرر ان يجيب ببعض المكر:
_ زي ما إحنا مش بنطيق بعض ولا حتى بنتقابل.. ولو اتقابلنا بنتخانق.. وأخر خناقة معها قررت اطلقها واخد ورثها عشان اذلها.
اتسعت ابتسامة مرفت بشدة، تردف بمدح:
_ برڤو عليك يا مازن.. ايوة كده شغل مخك معايا.. طب مستنى ايه ارمي اليمين!
ابتسم مازن بمكرٍ، يضع يده بجيب سرواله مجيبًا:
_ مستني بس الوقت المناسب عشان أكسرها يا أمي وتبقى خسرت فلوسها واتكسرت متقومش تاني وتقرفنا بعد كده.
تهلل سريرها، تتطلع له بسعادة مرددة:
_ أنت طلعت أحسن من امك في التخطيط.. كنت واثقة أنك هتفوق وهتعرف تقدر المواقف صح.
حرك مازن كتفه يردد بصوتٍ يحمل انتقام مزيف كي يخدع والدته ولكنه لم يلاحظ تلك الواقفة تستمع لهما وتنخدع بحديثهما:
_ قطوف شايفة نفسها على الفاضي وأنا هكسرلها مناخيرها اللي طالعة بيها دي.. عشان مش مازن العطار اللي تهينه قدام الناس بالشكل اللي عملته يوم الوصية!
اقتنعت مرفت بطريقة ابنها الذي وببراعة استطاع خدعاها، لتردف وهي تحمل حقيبتها:
_ خلاص هسبلك موضوع قطوف تخلصه.. وأنا هتصرف في موضوع ياسمين.
حرك مازن رأسه بإيجابية، فغادرت مرفت المنزل بسعادة ظنت أنها حققتها، في حين شعر مازن براحة عندما اوقف والدته عن مخططتها لوقت مؤقت، دلفت قطوف غرفتها تبكي بحزنٍ.. تعتقد أن هذا العُش المليء بالثعابين حولها!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فطنة القلب)