رواية فطنة القلب الفصل التاسع عشر 19 بقلم سلمى خالد
رواية فطنة القلب الجزء التاسع عشر
رواية فطنة القلب البارت التاسع عشر
رواية فطنة القلب الحلقة التاسعة عشر
أغلق الباب بملامحٍ عابسة، يتقدم نحو قطوف التي تتطلع بتعجبٍ من نظراته، تسألت بحيرة:
_ مالك يا مازن!
وضع الطبق على الطاولة، يجلس جوارها على الأريكة الموجودة بالشرفة، يجيب ببسمةٍ بارعة اخفى اختناقه من والدته:
_ مفيش يا حبيبتي.
زحفت بسمة صغيرة لشفتيها ما أن استمعت لكلمة حبيبتي، مدت يدها تأخذ حبة المانجا، ثم بدأت بقطع القشرة وأكلها بطريقةٍ عشوائية أضحكت مازن، عبست بملامحها تردد:
_ بقولك إيه المانجا مهما حصل متتكلش غير كده.
:_ ما شكلي هحب المانجا أكتر… هاتي أكل معاكِ.
قالها مبتسمًا، في حين ابتسمت قطوف باتساع وهي تقطع من حبتها له، ردد مازن ببعض التعجب:
_ هاتي واحدة تانية وكُلي أنتِ دي.
منحته تلك القطعة الكبيرة تردف بسعادةٍ:
_ لاء ما أنا قررت إني اشاركك كل حاجة بعملها.. حتى أكتر حاجة بحبها.
شعورٌ لذيذ داعب قلبها من حديثها، أمسك تلك القطعة، ثم بدأ بتناولها حتى أصبح مثلها بملامح ملطخة بالمانجا، قاطع هذا الاندماج صوت قطوف تردد:
_ هو ليه يا مازن مش بتشرب الشاي بسكر ولا حتى بتاكل حلويات.. يعني بلاحظ إنك بعيد عن كل دا؟!
نظر لها قليلًا، ثم قال وهو يعيد قطعة المانجا إلى الطبق ينهض من مكانه:
_ مفيش بس مليش في الأكل اللي فيه سكر والسكر مش صحي للجسم.
تركها ودلف للمرحاض المرفق بالغرفة، في حين وضعت قطوف تلك القطعة من يدها وبقت تتطلع له بحزنٍ، نهضت من مكانها تعرج بشكلٍ طفيف وما أن خرج مازن حتى تلقت نظراتهما طويلًا، ثم سار تاركًا إياها، في حين دلفت قطوف كي تغتسل جيدًا.
******
:_ زوزو عاملة ايه يا حبيبتي!
قالها ياسين بمرحٍ لوالدته، في حين استدارت له زينة تضحك على طريقته قائلة:
_ أنت مش ناوي تعقل خالص.
حرك رأسه بنفيٍ يجيب بجدية:
_ مش هتقدروا تعشوا من غير ضحكي وهزاري.
حركت رأسها بإيجابية مبتسمة، في حين اقترب منها يهمس:
_ بقولك يا زوزو.. هو الواد زين ماله هيمان كده ليه ملاحظ انه متجمع مع الحاج كتير!
نظرت له زينة ببعض التوتر، ثم قالت بتحذير:
_ هقولك بس متقولش لحد!
_ عيب يا زوزو أنا مش عيل للدرجادي.
تنهدت زينة بخوفٍ منه، ولكن لا تستطيع اخفاء شيئًا عنه، لتردف بهمس:
_ زين عايز يخطب ياسمين بنت عمك.
اتسعت عين ياسين بصدمةٍ، يردف بصوتٍ مغتاظ:
_ آه يا لئيم ماشي.
استدار يصرخ باسم شقيقه مرددًا:
_ زيـــــــن أنت يالا بتخبي عليا أنا.. ماشي دا أنا هفضحك دلوقتي.
حركت زينة رأسها بيأسٍ تتمتم:
_ مفيش فايدة لا فيه ولا فيا.
*****
دلف ياسين إلى غرفة شقيقه فوجده نائمًا، اقترب بحذرٍ يصرخ بأذنه بقوةٍ جعلت زين ينهض بفزعٍ يتطلع حوله وما أن رأى ياسين حتى ألقى بالوسادة عليه مرددًا:
_ أنت ياض مش هتعقل أبدًا.. أنت مين المختل عقليًا اللي قبلك في كلية الشرطة.
ابتسم ياسين بثقةٍ متمتمًا:
_ عيب هو أنا أي حد.
مسح زين على وجهه بنفذ صبر يردف:
_ عايز إيه أخلص!
:_ سمعت إنك عايز تتجوز!
قالها ياسين بمكرٍ يجلس جواره على الفراش، في حين اتسعت عين زين قائلًا:
_ مين اللي قالك؟!
:_ العصفورة.
رددها بغرورٍ، في حين دفعه زين ليقع على الأرض قائلًا:
_ أنت هتستهبلني.. اكيد امك اللي قالتلك!
صرخ ياسين بألمٍ، يردد بحنقٍ:
_ أما أنت عارف بتسأل ليه دا أنت طلعت أعيل مني بصحيح.
رفع زين حاجبه يردف بتحذير:
_ هقوملك لم نفسك أحسنلك.
نهض ياسين من الأرض يردف بحنقٍ:
_ بقولك إيه متهربش من السؤال.
_ مبهربش بس الفكرة إني لسه بصلي استخارة عشان اتقدم ليها.
قالها بتنهيدةٍ، في حين نظر له ياسين بتعجبٍ، يردف بتهكمٍ:
_ يأخي أنا عمري ما شوفتك بتكلمها أو بتحاول.. دا حتى البصة معملتهاش.
ابتسم زين بهدوءٍ، يردف بهدوءٍ:
_ اللي بيحب بصدق يا ياسين بيحافظ على اللي بيحبها حتى من نظرة واحدة.. وأنا من أول مرة شوفتها فيه لقتني بخاف عليها من نظراتي.
نظر له ياسين ثم وضع يده أسفل ذقنه يتخيل مريم، يردف بهيامٍ:
_ وهو في حد برضو يقدر يمنع نفسه عن بومته.
اتسعت عين زين من حديث ياسين، ليلقى صفعة على مؤخرة رأسه، صرخ ياسين متألمًا يردف:
_ إيه يا عم مش كده فصلتني.
ابتسم له ببرودٍ يردف:
_ ابقى لم نفسك ودماغك شوية.
احتقن وجه ياسين يردف وهو يشيح بيده:
_ اوعى يا عم أنا رايح اوضتي أتخيل واتشقلب براحتي.
****
وبصباح اليوم التالي، انتهى الشباب من العمل بالأرض، وعاد جميعهم إلى المنزل، صعد مازن إلى غرفته، وما أن دلف حتى قال بصوتٍ هادئ:
_ قومي يا قطوف البسي بسرعة.
قطبت جبينها بتعجب، تغلق الهاتف واضعة اياه جواره، تردد:
_ ليه؟!
اجابها وهو يسحب يدها:
_ يلا بس بسرعة لأن مش هقولك دلوقتي.
تعجبت من اصراره، ونهضت ترتدي ملابس مناسبة للخروج، وبالفعل ما أن انتهت حتى أخذها مازن بعدما أخبر مهران بخروجهما لساعتين ثم العودة.
اوقف مازن قطوف بالطريق قليلًا يردف بنبرة دافئة، يخرج شريط اسود:
_ البسي دي.
رفعت قطوف حاجبها، ترفق بسمة صغيرة قائلة:
_ دي مفاجأة من العيار تقيلة بقى.
بادلها الابتسامة بضحكة عالية، يردف بإيجابية وهو يغطي عينيها:
_ حاجة زي كده.
*****
:_ هاتي اللعبة من جوا يا ورد نلعب بيها شوية.
قالتها ياسمين بحماسٍ، في حين ركضت ورد للداخل كي تحضر اللعبة التي طلبتها ياسمين، دقائق ليأتي طفل بالعشرة من عمره يحضر ورقة صغيرة بيده قائلًا:
_ اتفضلي يا طنط عمو برة قالي اديكِ الورقة دي.
نظرت له ياسمين بدهشة، ثم سلطت بصرها للخارج فلم تجد أحد، شكرت ياسمين الطفل وأمسكت بالورقة وما أن فتحتها حتى وجدت مكتوب..
(العد التنازلي بدأ يا حبيبتي، وفاضل وقت بسيط وتبقي مراتي.. حبيبك جمال)
اتسعت عين ياسمين بفزعٍ، تنظر حولها برعبٍ شديد، نهضت من مكانها تهرول إلى الداخل، عينيها اغرورقت بالدموع، ولكن ما أن دلفت حتى اصطدمت بزين دون قصد، تعجب زين من ركضها، ليهتف بقلقٍ ما أن رأى دموعها:
_ أنتِ كويسة؟!
حركت رأسها بإيجابية، تستعيد وعيها ما أن رأته، تردف بصوتٍ مبحوح:
_ آه.
:_ أمال بتعيطي ليه؟!
قالها مشيرًا على دموعها، رفعت اناملها تزيل تلك الدموع متمتمة:
_ مفيش بس شوفت فار برة واتخضيت منه.
حرك رأسه متفهمًا لخوف الفتيات من الفئران، في حين تركته ياسمين ثم غادرت لأعلى قبل أن يرى انفجرها بالبكاء.
استدار زين كي يدلف لمكتب والده ولكن وجد ورد تركض نحوه متمتمة بحيرة:
_ بابا هي ماما فين؟!
قطب زين جبينها بتعجبٍ، ليردف متسائلًا:
_ ماما مين؟!
_ ماما ياسمين.. هي قالتلي اجيب اللعبة من جوا وبعد كده هي اختفت.
_ لا هي طلعت فوق اوضتها شافت فار وخافت منه.
اجابها زين بهدوءٍ، حركت ورد رأسها ثم قالت بتهذب:
_ طب أنا هطلع أشوفها يا بابا!
نظر لها رافعًا أحد حاجبيها، متمتمًا بتهكم:
_ من أمتى الأدب دا؟!
نظرت له ببراءة تجيب:
_ أنا مؤدبة طول عمري!
علت بسمة ساخرة على ثغره، مردفًا:
_ لا واضح الأدب… اطلعي ياختي اطلعي.
منحته نظرة بريئة ثم قالت:
_ شكرًا.
ركضت إلى الأعلى سريعًا في حين حرك زين رأسه بيأسٍ من ابنته فهي دائمًا تفعل ما يحلو لها لِمَ السؤال الآن.
*****
انتهى مازن من حجب عيني قطوف، ثم امسك يدها يسير بها ببطءٍ، ولكن كادت أن تتعثر بأحد الصخور لتردف بتوترٍ:
_ يا مازن أنا خايفة أقع.
همس لها بحنوٍ:
_ ومازن موجود عشان يسندك.
امسكت يده بقوةٍ، في حين سار بها مازن حتى وصل للمكان المنشود، هتف واقفًا أمامها، يلف ذراعه كي يزيل تلك الشريطة:
_ هشيل الشريطة بس خليكِ مغمضة.
:_ حاضر بس انجز بقى الادرنالين اترفع من الفضول.
قالتها قطوف مغمضة العينان، في حين تبدلت ملامح مازن بامتعاض قائلا:
_ ابوس دماغك قصي لسانك دا النهاردة و متبوظيش اللحظة.
كادت أن تنطق ولكن قاطعها وهو يقف خلفها هامسًا جوار اذنها:
_ فتحي.
فتحت عينيها تنظر ببعض الضباب، ولكن ما أن اختفت تلك الضباب حتى وجدت عدد من الزهور التي تحبها مزروعة بالأرض، ظلت تتطلع لهما بصدمةٍ علت وجهها، تسير بين تلك الزهور ببسمةٍ زحفت لشفتيها، تمتمت بكلماتٍ متقطعة تحمل السعادة:
_ الله الورد جميلة أوي دا شكله يجنن ويخطف القلب.
:_ عجبك!
قالها مازن ببسمةٍ راضية، في حين نظرت له قطوف عائدة له متمتمة:
_ أنا بعشق الورد يا مازن.. مجرد بس ما بشوف ورد في جنينة حد برتاح.. فأكيد عجبني أوي أوي كمان.
منحها نظرةً دافئة ثم قال بحنوٍ:
_ الورد دا بتاعك.
حدقت به في صدمة ممزوجة بسعادة، مرددة بعدم تصديق:
_ بجد!
حرك رأسه بإيجابية، يردف بهمسٍ بعدما قطع المسافة الموجودة بينهما بخطواتٍ صغيرة:
_ زرعته عشانك… عشان ضحكتك تفضل موجودة.
اغرورقت عينيها بالدموع، في حين استرسل مازن حديثه بحبٍ صريح:
_ عارف إنك بتحبي الورد وبتهتمي بيه.. وحبيت اعوضك عن الورد بتاعك اللي سبتيه بالقاهرة وزرعت الورد هنا واحنا بنزع الطماطم عشان ضحكتك تفضل منورة يا قطوف.
دفنت وجهها بصدره، بعدما تلون وجهها بخجلٍ، في حين همس لها مازن بحبٍ:
_ اسمحيلي أقولك بكل حب
(أنتِ كموجٌ عالي أغرق به..
وان ضاع سبيلي فقد عاد بكِ..
ففي حياتي لا أجد ملاذ إلا بضمكِ..
فأغرق مجددًا ببحار حُبكِ
فليت كل الموج موجكِ والبحار حُبك.)
انتهى من غزله، ليجد عينيها تلتمعان بالسعادة، تردف بصوتٍ خجول:
_ أنا أول مرة أسمع كلام رقيق زي كده.
ابتسم مازن يمسك بكفها بين يديه يسير بها إلى حجر كبير يسعهما للجلوس، ثم جلس عليه مرددًا:
_ لأن كل كلمة قبل ما عيني تشوفه فيكِ قلبي حس بيه.
لا تزال بسمتها الخجولة على ثغرها، تنظر للشمس في مغيبها، في حين أردف مازن وهو يتطلع معها لغروب الشمس:
_ مكنتش بحب غروب الشمس بسبب أن الوقت دا هو اللي والدي سبني فيه.. بس قررت اخليه أحلى وقت.. وخليته خلاص أحلى وقت.
:_ خليته احلى وقت إزاي؟!
قالتها قطوف بتساؤلٍ فضولي، في حين نظر مازن لعينيها بدفيءٍ مجيبًا:
_ مفيش ذكرى ليا وحشة إلا وأنتِ مسحتي الوحش اللي فيها بوجودك.
ضحكت قطوف بسعادة، ثم بقيت صامتة قليلًا لتردف بسؤالٍ:
_ مازن هو ممكن يجي يوم وتسامح باباك؟!
نظر لها قليلًا، ثم قال بشرودٍ متطلعًا لأخر لحظة لمغيب الشمس:
_ لو قالوا للزمن أرجع عشان نصلح اللي حصل.. مش هيرجع.. فهل اللي عمله فيا ممكن يتصلح.. الإجابة هتكون لاء!
كان الأثنان صامتًا، إلى أن لحظت قطوف ملامح فتاة تقف على بُعد منهما، تنظر لمازن بإعجاب واضح، ولكن لاحظت اقترابها منهما، اشتعلت عين قطوف بغيظٍ منها، تردف بحنقٍ:
_ يلا بينا من هنا.
تعجب مازن من تحولها المفاجئ، ليردف بدهشةٍ:
_ مالك يا بنتي ما إحنا كنا كويسين!
رفعت حاجبها بحنقٍ، تردف بصوتٍ مغتاظ:
_ يلا يا مازن دلوقتى.
:_ حضرتك اسمك مازن!
قالتها تلك الفتاة بهمسٍ رقيق، في حين استدار مازن ليعلم مصدر هذا الصوت وفهم سر غضب قطوف، ردد مازن بهدوءٍ:
_ أيوة اسمي مازن في حاجة؟!
نظرت له بجراءةٍ، تردف بكلماتٍ أشعلت نيران الغيرة:
_ لاء خالص.. بس مشوفتش حضرتك في البلد قبل كده.. إلا من شهر تقريبًا بتعزأ ( بتعزق) الأرض ووقتها الجو كان حر وقلعت الجلابية.
:_ وياترى بقى خلع حاجة تانية.. طمنيني يا حبيبتي!
نظرت الفتاة إلى قطوف وعينيها اللتان لا تنذر بالخير، لتجيبها ببرودٍ:
_ لاء.. وبعد اذنك أنا بتكلم معاه يبقـ…
صرخت الفتاة بألمٍ ما أن أمسكتها قطوف من حاجبها بشرسةٍ، تزمجر بعنفٍ:
_ كملي بقى عشان مكنتش سمعاكِ كويس!
:_ ابعدي آآه ألحقني يا مازن.
قالتها الفتاة بتألم، في حين لكمتها قطوف بقوةٍ في وجهها تردف بحدةٍ:
_ مازن دا يا جوزي.. يعني فكري تناديه تاني شوفي هعمل فيكي وفيه إيه!
:_ وأنا مالي!
دفعت قطوف تلك الفتاة لتسقط ارضًا تبكي من شدة الألم، ارتفع صوت قطوف الحاد تبسط كفها أمامها قائلة بشرسة مخيفة:
_ قدامك لحد خمسة لو مخفتش من وشي لأكون عاملة منك لحمة وموزعها على كلاب السكك مع أنه خسارة ياكلوا لحم رخيص كده.
نهضت الفتاة راكضة بعيدًا، تشعر بالذعر من قطوف، في حين استدارت قطوف تعيد كلمات تلك الفتاة بنبرتها الشرسة:
_ بتقلع الجلابية صح.. مين قالك تخلع هدومك برة الأوضة بتاعتنا.
رفع مازن حاجبه مرددًا:
_ نعم! الجو حر وهي أصلًا خنقاني فخلعتها.. ثم هبص بقى إن كان في حد شايفني ولا لاء!
:_ أنت أصلًا المفروض تستر نفسك.
قالتها بحنقٍ، ليرتفع صوت مازن بصدمة:
_ استر نفسي إيه! اهدي يا قطوف.. اهدي يا ماما.
اشاحت بيده تسير مبتعدة عنه قائلة بحنق:
_ بلا اهدي بلا بتاع.. جاي تزرع الأرض ولا تتشقط مني.
ضحك مازن على طريقتها وسار خلفها يردف بمرحٍ ممسكًا يدها بقوةٍ كي لا تفلتها:
_ أكيد مش بتشقط..
نظرت له بضيقٍ، ليكمل حديثه بجدية:
_ مش لما تعرفي أنتِ تشقطني ابقى اتشقط برة… نمشي بالدور.
:_ بالــــــــــــــدور.
صرخت به في غيظٍ، ليضحك مازن متمتمًا:
_ بهزر معاكِ..
ثم استرسل حديثه بحنوٍ:
_ قلبي لو شاف غيرك يموت.. لأنك أنتِ نبضه.
هدأت من كلماته، ثم سارت ممسكة بكفه بتملك وكأنها تلعن أنه زوجها وليس لأحد حق به سواها، وصلا للمنزل ولكن وجد الجميع بالردهة، معالمهم مليئة بالخوف، تقدم للداخل ينظر لوجههم بدهشةٍ، ليرتفع صوت قطوف المتعجب:
_ مالكم في إيه؟!
اجابتها ملك بحزنٍ:
_ عمتي ميرڤت سابت البيت.
اتسعت عين مازن بصدمةٍ، يردف بعدم تصديق:
_ يعني ايه مشيت؟! مشيت راحت فين؟!
مد ياسين يده بورقةٍ متمتمًا:
_ سابت الورقة دي في اوضتها.
تلقف منه مازن الورقة، يقرأ محتواها..
( بما إني وجودي زي عدمه فأنا آسفة جد للوقت اللي ضيعته معاكم، أنا راجعة القاهرة ولحياتي عادي.. وخلي ابني يشوف حياته اللي حتى مش ملاحظ وجودي معاهم)
قرأ مازن محتوى هذه الرسالة وقبض على تلك الورقة بضيقٍ، ثم نظر نحو قطوف متمتمًا:
_ يلا.
لم تتحدث قطوف بكلمة وصعدت بخطواتٍ سريعة معه، في حين تمتم ياسين بعدم ارتياح:
_ هي عمتي آه.. بس قلبي مش مطمن.
****
:_ مالك يا مازن؟!
قالتها قطوف بقلقٍ بعدما رأت ملامحه، في حين ردد مازن باختناقٍ:
_ مفيش بس أنا عارف أمي وهي بتضغط عليا.
جلست جواره تضع يدها على كتفه تربت عليه بحنو قائلة:
_ طب هتعمل إيه؟!
نظر لعينيها بعمقٍ، ثم قال بهدوء:
_ هسافر ليها.
:_ إيه ليه!
تمتمت بها في صدمة، في حين نهض مازن يستعد للسفر:
_ مضطر يا قطوف.. صدقيني اللي بعمله كله مضطر ليه.. عارف أنك مش بتحبي أمي بسبب اللي بتعمله، بس لو معملتش كده يبقى وقتها هتخافي مني!
نظرت له بتعجبٍ متسائلة:
_ أخاف منك! بالعكس أنا مطمنة ليك أكتر من الأول.
استدار وهو يحمل ملابسه قائلًا ببسمة حزينة:
_ اللي ملهوش خير في اهله يبقى ملهوش خير في حد.. وفي النهاية هي أمي لو مبقاش ليا خير فيها بعد كل اللي عملته يبقى عمر ما هيبقى ليا خير في حد.. فهمتني يا قطوف.
حركت رأسها بإيجابية على مضضٍ تشعر باختناقٍ من كونه سيتركها، بقت تنتظر انتهائه من تبديل ملابسه حتى خرج لتردف باندفاع:
_ متبتش هناك.. روح وتعالى علطول.
نظر لها بتعجبٍ من طريقتها الحادة، ثم قال بهدوءٍ:
_ وهتفرق في إيه؟!
:_ هتفرق إني مش بعرف اقعد في مكان أنت مش فيه!
قالتها باندفاعٍ من مشاعر ملأتها الغيرة، في حين ابتسم مازن لحديثها الذي راق له، يردد بحنوٍ:
_ متقلقيش هروح اتكلم معاها وهحاول أخلص كلام واجي علطول.
هدأ من غضبها، ولكن لا يزال وجهها عابس، في حين انتهى مازن من ارتداء حذاؤها مرددًا:
_ قطوف.. هطلب منك لأول مرة إنك تبقي في ضهري مهما حصل.
نظرت له قليلًا، ثم قالت بهدوءٍ:
_ هفضل في ضهرك طالما محولتش في مرة تكسرني.
ابتسم يقبل جبينها بحبٍ قائلًا:
_ عمري ما فكرت في كده.. مازن هيفضل طول الوقت سند لقطوف خلي الجملة دي براسك علطول.
بادلته الابتسامة، ليتحرك سريعًا كي يلحق بالقطار في حين اندثرت ابتسامتها سريعًا، تنظر للفرغ الموجود بالغرفة، بقيت مكانها تجلس بخوفٍ من حدوث شيءٍ، تعلم جيدًا رغبة والدته بطلاقه منها ولكن هل سيخضع لها!!
*****
نظر مهران من شرفة مكتبه على دُلوف مازن للسيارة ومغادرته إلى محطة القطار، تنهد باختناقٍ، يردف بهمسٍ:
_ لم استطع أن أساعدك على عدم الذهاب وإلا سأساعدك على عقوق والدتك.. ارجو من الله أن يحميك من شر والدتك.
عاد يجلس مكانه، يشعر بإتيان موجة مخيفة على عائلة العطار.
******
ألغى مهران قصته لهذا اليوم وصعد لغرفته، وغفى الجميع باكرًا، ولكن بقيت قطوف تنتظر بغرفتها، حتى استمعت لصوت الباب يفتح وما أن دلف مازن حتى زحفت البسمة لشفتيها، نهضت تتقدم بخطواتها نحوه، تنظر لعينيه اللتان تشعان ألمًا قائلة:
_ مالك يا مازن؟! حصل حاجة! عمتو زعلتك!
:_ هو أنتِ ممكن في يوم تسبيني يا قطوف وترفضي تعيشي معايا!
قالها مازن بنبرةٍ غريبة، في حين تعجبت قطوف من سؤاله، لتردف بصوتٍ يحمل قليلًا من الحيرة:
_ ليه يا مازن بتسأل السؤال دا!
جلس على الفراش بتعبٍ، يسند رأسه بين راحتي يده، قائلًا:
_ جوبيني الأول.
عادت تجلس جواره تهمس بحبٍ:
_ في الأول آه كنت عايز ابعد.. بس دلوقتي خايفة!
رفع مازن رأسه ينظر لها قليلًا، ثم قال بتعجبٍ:
_ خايفة مني!
حركت رأسها بإيجابية، ثم أردفت بنبرةٍ خافتة:
_ خايفة أقولك بحبك تسبني.. أو تستغل ضعفي.
مد يده يرفع وجهها يتطلع لوجهها بحبٍ قائلًا بحنوٍ:
_ قطوف أنا عارف امتى بتبقي ضعيفة.. مهما مثلتي القوة عارف وقت ضعفك إيه.. وعمري ما فكرت استغله.. هستغله وأنت بتحبيني.. وهسيبك إزاي دا أنا لما صدقت إننا بقينا سوا وبطلتي تقولي طلقني.
زحفت بسمة صغيرة لشفتيها وهي تتذكر طلبها المستمر للطلاق، لتردف بخوفٍ:
_ اوعى يا مازن بعد ما بقيت سندي تسبني!
حرك رأسه نافيًا، يردف بهمسٍ:
_ لسه خايفة برضو مني؟!
ابتسمت له بسعادةٍ، قائلة بخجلٍ:
_ لاء.
زحفت بسمة حبًا له، الآن أعلن قلبها عن حبه الذي نبُت بداخلها، في حين بادلها هو ذاك الحب بحنانٍ ملك قلبها، وأخيرًا هي الآن أصبحت زوجته أمام الله.
*****
صباحًا..
استيقظت قطوف من نومها، تعتدل بجلستها بعدما رأت اختفاء مازن، بحثت بعينيها عنه ولكن لم تجده، دقائق كان صوت الماء يتدفق بالمرحاض، تنهدت قليلًا لتنهض من مكانها تعد ملابسها كي يهبطان سويًا، وبالفعل ما أن انتهت حتى وجدت مازن قد خرج يجفف رأسه، نظرت له بخجلٍ، في حين ابتسم لها مازن يردف بحنوٍ:
_ صحيتي بدري أنا قولت هتفضلي نايمة!
اجابته بتوترٍ:
_ جسمي خد على الصحيان بالوقت دا.. عشان كده صحيت.
حرك رأسه بتفهمٍ، ولكنه قال بهدوءٍ:
_ أنا هسافر تاني النهاردة عشان أنهي موضوع أمي.
استدارت نحوه بصدمةٍ، تردد بخوفٍ:
_ ليه هو مش المفروض خلصته إمبارح؟!
حرك رأسه بنفيٍ، يجيبها بكلماتٍ دافئة:
_ متقلقيش هروح واجي علطول.. ادعي بس يخلص على خير.
ابتسمت بهدوءٍ تخفي قلبها الذي يرتجف خوفًا، تدلف إلى المرحاض، في حين ارتدى مازن ملابسه كي يسافر مجددًا ينهي ما فعلته والدته.
****
اجتمع الشباب على طاولة الطعام بعدما غادر مازن، رفع مهران بصره لهم، ثم قال وهو يسلط بصره على قطوف وياسمين قائلًا بهدوءٍ:
_ لا يوجد قصة اليوم أيضًا ولكن سوف أسألكم سؤال واحد، صفوا ليّ الألم بنسبة لكم! اريد اجابتكم بالغد.
تعجب الجميع من طلب مهران واختصاره للحديث هكذا ولكن حرك جميعهم رؤوسهم، ثم نهضوا إلى عملهم المُكلفين به.
****
: _ طنط قطوف تلفون بتاعك بيرن كتير.
قالتها ورد وهي تعطي الهاتف إلى قطوف، تناولته قطوف منها بحماسٍ ظنًا أنه مازن، ولكنها وجدت رسالة بها
( جوزك دا مخلص أوي)
ارتجف قلب قطوف بخوفٍ، وما هي إلا دقائق حتى وجدت صورة تجمعه مع فتاة بشكلٍ غير لائق، تطلعت بصدمةٍ تحاول استيعاب ما تراه، ولكن لم تعطِ لذاتها فرصة وهي ترى العنوان الموجود به والذي أُرسل أسفل الصورة، ملأت عينيها بالدموع تسير عائدة للمنزل سريعًا.
أبدلت ملابسها سريعًا ثم حملت الهاتف تنظر للصورة بقلبٍ منفطر، تشعر بجرحٍ غائر يكاد يقتلها، مسحت دموعها تسير إلى الخارج مغادرة سريعًا يجب أن تتأكد مما تراه وإلا لن يعلم أحد ما الذي يمكن أن تفعله إن أصبح هذا المشهد صدقًا!!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فطنة القلب)