روايات

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل السابع والأربعون 47 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل السابع والأربعون 47 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء السابع والأربعون

رواية غوى بعصيانه قلبي البارت السابع والأربعون

غوى بعصيانه قلبي 2
غوى بعصيانه قلبي 2

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل السابعة والأربعون

الفصـل السابع والأربعون
(17) ج 2
‏”لمرَّةٍ واحدة، يريد هذا القلب أن يفرُدَ قدمَيْه، على مكانٍ يؤمن بأنه له، بصَرحه الكامل، دون خشية الغفوة على كل شيء، واليقظة الخائبة على اللاشيء”
خُلق القلب عصيـًا .
31/12/2023
••••••••
أن يُلقى القلب في جوف بركان ثائـر من التفاعلات الطاحنـة التي لا ترحـم ، أن يُصارع الحيـاة والمـوت دون القـدرة على نطق كلمـة الاستغاثـة .. أن يُطالع العـالم حوله فلا يشاهد إلا أبخرة ورماد مشاعره المحترقة .. كان الأمر يشبه نزع شاش متصل بجرحٍ طري..!
ما جاء بـه تمـيم كان أضخم صاعق كهربي حل على جسـدها المُبلل بالماء .. للحظـة تصلبت تعابيـر وجهها ، حتى أنفاسها باتت تحت سطوه ترتجف .. بعيون متسعة مدججة بـ الحيـرة والدهشـة تمتمت :
-أنتَ !!
مسح وجهها المُبلل بالمـاء بكلتا يديـه ثم سند على جبهتها لاهثـًا :
-أهدي .. أهدي وهفهمـك كل حاجـة ..
شرعت أن تُحرك يديها التي تجمدت بها الدمـاء لتدفعـه ولكن قوتها هُزمت أمـام صدمتهـا بخيبـة ، اكتفت أن ترمقـه بعيونها المُعاتبـة والمحترقة بحرارة أنفاسـه وهو يبرر :
-نتكلم .. هنتكلم وهفهمـك كل حاجة ، تمام !!
“‏أحياناً تملأُ الصـرخات قلب المرء كما لو أنها زجاج مكسور فإن صمت تؤلمه، وإن تحدثَ تُدميه..!”
ما كاد أن يبتعد عنـها ليفسح لها مكانًا فسقطت عينيها عليـه واقفًا على قدميـه وتناظره لأعلى بعيون مفعمـة بالآلف الاسئلة .. زحفت نحوه خطوة واحدة وشرعت أن تتفـوه ببنت شفـة فـخرت قوتها بين يديـه وسقطت مغشيـًا عليهـا .. تلقاها على رسغـه ناطقًا اسمها بلهفة حارقـة :
-شمـس !!!!
•••••••
-بابي ، أحنا هنروح فين الصبـح كده !!
أردفت تاليـا سؤالها الطفولي على آذان والدها الجالس بجوار السائق وهي تعقبه بالأريكة الخلفيـة ، رد برسميـة من وراء نظارته السـوداء :
-هنروح نفطـر يا حبيبتي ..
عادت تاليـا إلى حضن حياة الشاردة في أرصفـة ذكرياتها بالغـردقة ، وكُل شبر نقشت عليـه طفولتها ، بدون خُلق المـزيد من الأحاديث معه لاضطراب الأجواء بينهم .. مرت قرابة النصف سـاعة حتى صفت السيـارة أمام منزل أبيها ذو الطراز الخشبي الفخم، فهبت مذعـورة :
-أحنـا هنا بنعمل أيه …؟
نزل من سيارته ثم فتح لها الباب قائلًا بهدوء :
-انزلي ..
تسمـرت مكانها :
-طيب فهمني !!
استقبل طلبها بصمت تام أرغمهـا على الهبوط من السيارة بتردد ، سبق خُطاها وسار نحو البيت بشموخ وفتحـه على مصـرعيـه .. ركضن الفتيـات إلى أبيهم أما عنها فكانت خطواتها خائفـة مُلطخـة بدماء الذكريات المريرة .. لمست قدميهـا أول درجة بالسُلم وهي تمشط أهدابها على تفاصيل المكان حولها وزهورها الذابلة التي لا تجد من يعتني بها من بعدها ..
اقترب منها بعد ما لاحظ شرودها والتوهان الذي حـل على ملامحها ، وضع كفه وراء ظهرها وسألها :
-مش ناويـة تدخلي ؟!
رمقته بعينها المشـدوهـة :
-أحنا جينـا هنا ليـه !!
رد باختصـار :
-بيتـك .. أنا وعدتك أني هرجع لك حقك ..
ردت بخوف :
-وفريد !!
أجابها باستهتار :
-ولا تشغلي بالك بيـه ، هاا يالا أنا جعان وعايـز أفطر من أيديكي ..
تشبثت بكفه وهي تتحرك ناحيـة المنزل المغلف بذكرياتها ، والخالي من صخب أخوتها ونداء أبيهـا المتكرر عليها .. كانت الجدران تنزف حزنًا على جروحهـا الداميـة ، وفراغ البيت حولها ، تشبثت بيده وتوسلت له راجيـة :
-أنا مش قادرة .. عايزة أمشي ..
رفض قطعًا :
-مش حل ، لازم تواجهي .. أنا جمبـك ، عارف أنه صعب بس مجبرين ..
اقتـربت من الصور الفوتوغرافية المُعلقـة على الحائط وطالعتها بعيون دامعـة وشرعت بتعريف عائلتها :
-ده بابا .. المعلم قنديل المصـري.. مكنش حد بيقدر يكسرله كلمـة ، كلمته كانت سيف على الكل ..
ثم ترقرقت العبرات من عينيها:
-مش مصدقة إني مش هسمع صـوته تاني ..
ثم أشارت على صورة أمها وأكملت سرد الذكريات :
-دي بقا يا سيدي مُهرة المصـري ، ماما .. معشتش معاها تفاصيل كتيـر ، كُنت صغيـرة ، اتوفت وهي بتولد يونس أخويـا ، كل اللي فاكراه هو حزن بابا عليها لحد ما راح لها ..
ثم تبسمت بمرارة :
-شبهي ….؟! بابا كان دائما يقول لي أني نسخـة منها ..
ضمها إلى صدرها وطبع قُبلة خفيفة على جبينها وهمس :
-معاه حق ..
ثم أشارت على صورتي أخوتها الصبيان :
-ده بقا رشيـد تؤامي .. والولد الشقي ده يونس .. أنا اللي ربيته ، أنا كُنت لهم أم وأخت وأنا طفلة متعرفش يعني أي المشاعر دي كُلها ..
فتشبثت بيده راجيـة :
-همـا بخيـر وهيرجعوا !! مش كده ..
-مادام وعدتك يبقى هيرجعوا .. يلا كمان عشان في مفأجاة جديدة ..
جففت دموعها وطوت دفاتـر حزنها عندما بث فيض الأمل بروحها من جديد وقالت بامتنان :
-بجد مرسي ، أنت رديت لي روحي ، أنا كنت زي السمكة اللي فارقت الميـة ومش عارفـة تتأقلم على أي حياة جديدة ..
عقد حاجبيـه متخابثًا :
-مرسي من غيـر منكهات كدا !!
حدجته بلوم :
-عيب مايصحش ، البنات ورانا ..
غمز بطرف عينه ماكرًا :
-أنتِ فهمتي أيـه !! أنا قصدي نفطـر ..
أسبلت عينيها بعدم تصديق وقالت :
-اامم تفطـر .. وماله .
جذبها إليه على سهوة وسألها بخبث :
-أنتِ دماغك راحت فين !!
ردت بعفوية وهي تتملص من يده :
-للمطبخ ..
تحمحم مستعدًا شموخه :
-هقول للسواق يدخل الحاجات جوه .. عايـز فطار محصلش ..
قضى ليلتـه يجـوب الطُرقات بصخب يغتال رأسـه ، أخذ حديث كريم يتقلب بذهنه كفقاقيع الماء المغليـة .. تارة يُفرغ كبتـه بمقود السيارة وطورًا يفجره بصرخـة أعتراضيـة :
-آكيـد في حاجة غلط ؟!!!!! وأنا لازم أعرفها !!
حتى أخذته الحيـرة إلى بوابـة منزل سوزان الذي حبذا الوقوف أمامها حتى انشق الصباح ..
في ذلك الوقت كانت عاليـة يقظـة غارقـة في بحور أفكارها وعن مصيـر خطتها الزائفة حتى امتدت أنظارها إلى سيارة مراد المصفوفـة أمام المنزل .. رفعت قبعـة سترتها الشتوية فوق شعرها وحسمت قرارها مفارقـة غُرفتها بعجل تتساءل عن سبب وجوده فى هذا التوقيت ..
فتحت الباب وسارت نحوه بفضـول قاتل ، طرقت على نافذة سيارته برفق حتى فتح جفـونه التي غفلت من شدة التفكيـر ، أنزل الزجاج متسائلًا :
-عاليـة !!
بنفس نبرته الحائرة :
-مُراد أنت بتعمل أيه هنـا !!
بد عليه التوتـر فتمتم :
-مش عارف !!
رمقته بشـكٍ :
-يعني أيه مش عارف !!
أصدر تأوهًا خافتًا كأنه تذكـر شيء ما :
-افتكـرت ، كُنت عايز اتكلم معاكِ ..
-تمام اتكلم .. قلقتنـي !!
-اركبي ..
سارت على مضض وهي تستقل سيارته بتعجب عن أسباب وجوده الغامض ، جلست بجواره تبتلع مرارة الحنين وسألتـه :
-هتقول أيه ..؟!
فكر طويلًا كي يفتعل أي حديث مُزيف بينهم وقال بتوجس :
-أي موضـوع وليد ده !
-طنط سوزان مش حكت لك !!
-ااه قالت ، بس أنا عايـز أسمع منك ..
اصدرت ايماءة خافتـة :
-عادي ، عريس زي أي عريس ..
سألها بفضـول :
-ورفضتيـه ليـه !!
ابتلعت مرارة إخفاء مشاعرها وقالت بزيف :
-مكنتش جاهزة لخطوة جديدة زي دي ..؟!
فرك كفيه بارتباك محاولًا استجماع مقدمات الكلام الذي لم يضعه بحسبـانه .. حتى سبقتـه بفضولها :
-مراد أنت قلقتني .. في أيه !!
تنهد بحيـرة:
-بصـراحة كده يا عاليـة .. بصي أحنـا الاتنين جرحنـا بعض من غيـر ما نقصـد .. يعني في البداية كان في سوء تفاهم ، سببت لك أذى نفسي ، حكمت عليكِ من قبل مااعرفك ، أممم ثم ….
-كمل سكت ليـه !!
كان أحدنا أجبن من أن يقول للآخر انتهينا وهذا فراقٌ بيننا، هكذا كنا في مد وجزر نغيب ونعود .. أخشى أن ينطفئ كل شيء وما يبقى بيننا سوى الاعتياد، الاعتياد الذي يخيفني فقدانه أكثر مما يفعل الحب.
واصل حديثه المضطرب وهو يطالع وجهها بحرية :
-سوء الفهم اللي حصل في اسكندريـة ، واللي عملتيـه مش هلومك عليـه ، يعني رد اعتبـار ليك .. مختصـر الكلام يعني … عايـز أقول لك أن فتـرة العُمرة خلتني أعيـد حساباتي وأفكـر ، وأقول ليـه لا ..!!
تخبطت رأسها في مغزى كلماته المغلفة بالتردد ، لأول مرة تستشعر حيرته وتلتمس الغموض بكلامه عكس طبعه الحاد الواضح .. بللت حلقها الذي جف من تشتتها وسألته :
-هو أيـه اللي لا .. ؟!
عقد حاجبيـه مجيبـًا بعفـوية :
-يعني أيـه ذنبـه الطفل اللي في بطنك يتربى من غير أب !!
حلت نازلـة جديدة فوق رأسها مابين الصدمة والضحك وهي توبخه بعد استيعاب :
-مراد أنت بتقول أيه ؟!!!!
ثم غاصت في غيبـوبة من الضحك التي أجبرته أن يتناسى حيرته ويثبت أقدامه على الطريق الصائب نحوها ، كادت أن تجادله ولكنها انفجرت ضاحكة بصوت أعلى حتى ختمتت وتيـرة ضحكاتها :
-أنتَ بتهزر مش كده !
-يعني بدل الكذب والتمثيـل وأهو سبب مقنع لرجوعنـا ، قصدي أقول لو نبدأ صفحة جديدة بفرصـة جديدة ، عاليـة أنا لو لفيت الدنيـا كلها مش هلاقي زيك ..
ذابت في سحر كلماته وقالت بارتباك :
-مش عارفـة …
-لا لازم تعرفي أنا أول مرة اتحط في الوضع ده ، وحاسس إني رجعت عيل ١٦ سنـة ..
لم تنكـر طريقـته الطريفة التي تسلل بها إلى قلبها من جديد وبث بقلبها الأمل والحيـاه ، تحمحمت هاربـة من تعري ستر قلبها وقالت بدلالٍ :
-تمام ، سيبني أسبوع أفكـر ..
-كتيـر !!
فتحت باب سيارته وقفزت كالقطة المتدللة وهي تدس كفوفها بداخل جيوبها وتقول بحزم :
-قلت هفكـر …
تحركت أمامه كالغزالة المتراقصـة التي يمازحها الهوى ، عانقتها كلماته الحنـونة حتى أحست أنها باتساع اجنحتها قادرة على احتضان جميع مشاتل الورد الذي نبتت للتو من بين ثنايـا ملامحها ، ألقت عليـه نظرة آخيرة قبل أن تحتمي بالباب الساتر لبهيج قلبها المتطاير الذي أوشك أن يفارق أضلعها .. قفلت الباب بهدوء وهي تتمتع بمشاعر الصبى التي تسللت لروحها على سهـوة ، توسلت إلى قلبها المتراقص أن يهدأ كي يمكنها اتخاذ قرارها الصائب …
جاءت سوزان من أعلى ترمقها بأعين زاهيـه إثر رؤيتها لملامحها البريئة التي تنفجر بالضحكات وسألتها بتخابث:
-ياسيدي يا سيـدي ، ده أيه الانبساط ده كله !!
اقتربت عاليـة منها متحمسـة :
-أنا فعلًا هطيـر من الفرحة ، بجد مش مصدقـة ..
-احكي لي بسرعة …..
•••••••••
شمس ، شمس فوقي ..
كان يسكب زُجاجة العطر على يده ويمررها على أنفها بلهفـة بعد ما حاول معها بكافـة السبُل لتفيق ، تأرجحت عينيها ببطء وهي ترى صورتـه المشوشة عن قُربة ليهلث باسمها مرارًا وتكرارًا .. حتى تفوهت بتعبٍ :
-هو حصـل أيه !!
تنهد تميم بارتياح عندما سمع صـوتها الخافت وسألها :
-أنت كـويسـة !!
رمقته بتيـهٍ حتى فزعت من مرقدها كالملدوغـة وهي تفحصـه مكذبـة أعينها ، حاول لمس كتفها قائلًا :
-هفهمك كل حاجـة .. بس تبقى كويسة !!
سألته بانهيار :
-أنت بتمشي !! أنت كل الفتـرة دي كُنت بتكذب عليـا !!
حاول تبريـر كذبته ولكنه لما يجد عذرًا شفيعًا له ، فقال :
-شمس متعمليش في نفسك كده ، الموضوع له جوانب تانيـة !!
صرخت بوجهه رافضـة سماع المزيد :
-متتكلمش .. أنت فاهم !! هو أنا مصعبتش عليك وأنا هتجنن عشان تخف وترجع تقف على رجليك وأنت بتتفرج عليـا !! ليـه ، أنت أزاي تعمل فيـا كده .. أنا عملت لك أيه …؟!
تنهد بتعب وقال معتذرًا :
-أنتِ معملتيش أي حاجة ، بس أحيانا الحياة بتجبرنا نسكت عن حقايق كده !!
ردت ساخرة على نظريته الغير مقنعة بالنسبة لها :
-اااه هي نفسها الحياة اللي أجبرتني إن لما تكون حاجة بتلمع أوي أستني لما النور يروح، وبيطلع الى تحتيها جوهرة حقيقية يا خدعة كبيرة.
ثم رمقته باستهزاء :
-ياخسـارة يا تميـم ، أنت خليتني أفقد ثقتي فيك ، طلعت زيهم …
حاول أن يمسك معصمها ليمنعها من المغادرة فحدجته بقوة :
-متلمسنيش .. متقربش مني ، أنت خلاص جبت النهايـة ..
ثم فارقت فراشها راكضًا وهي تبحث بعشوائيـة عن أي ملابس تستر روحها المتعرية أمام أكاذيبه ثم ذهبت إلى المرحاض مستغرقـة وقتًا لا بأس بيه حتى خرجت إليه فاندفع نحوها :
-استنى هنا ، هتروحي فين !!
صرخت بوجهه بحدة :
-متقربش مني قولت لك ، أنا مش طايقـة أبص في وشك ، أبعد عني يا تميم ..
ثم فتحت شُرفة ” الشاليـه ” الذي يجمعهم وركضت إلى الحديقـة لتنفجـر باكيـة بمرارة ، محاولة استيعاب صدمتها ووقوعها في فخ أكاذيبـه ، جاء خلفها راكضًا حاملًا بيده وشاحًا ثقيلًا وكاد أن يضعه على كتفيها فأبت بإصـرارٍ :
-مش عايـزة منك حاجة .. قُلت لك أبعد عني ..
ما كادت أن تخطو خطوتين حتى جاء معترضـًا طريقها بإلحاح وما شرع بنطق اسمها بين شفتيـه فخُتمه صارخًا بصوت انطلاق الرصاصـة التي استقـرت في كتفه من عيني قناصهم المجهول .. في تلك اللحظـة باغتتها صارخـة بذهول :
-تمـيم !!!!!!!!!!!
•••••••
•••••••
” مسـاءً ”
-كريـم مش عايز مخلوق يعـرف بموضـوع عاليـة ، لحد ما نشوف خالتك وراها أيـه تاني ..
جاء صـوت مُراد حادًا وصارمًا في إعطاء الأوامر لأخيـه الذي دلف من سيارته للتـو وأومأ بطاعـة :
-فهمت والله يا عمنا ، مش هجيب سيرة لحد ، المهم أنت نويت على أيه ..
وقف مراد حائرًا أمام الخزانـة يختار ملابسـه :
-مش هعرف أسيب عاليـة لوحدها ، يا عالم الأيام مخبية لها أيه ؟!
مازحـه كريم بخبث :
-ااامم يا حنين أنت ، وماله يا سيـدي اصطاد في الميـة العكرة براحتك ..
تأفف مراد بضيق من سخافتـه وقال :
-طيب بالسلامـة أنت قبل ما أزعلك ..
أنهى المكالمـة سريعـًا مع أخيـه ثم بدل ملابسـه بعجل وعاد إلى هاتفـه يتفقد رقمها الذي لم يفارق عينيـه منذ الصبـاح ، بعد تردد شديد ضغط على زر اتصـال فاستقبلت اسمه على هاتفهـا بفوضى عارمـة جعلتها ترمى الهاتف من يدها وهى تتمتم باسمـه ..
ظلت تأخذ زفيـرًا وشهيقًا متتابعًا حتى هدأت قلبلا فعاودت الإمساك بهاتفها الذي يتراقص بيدها وردت بثبات مصطنع :
-ألـو ..
-صحيتك !!
-هااه !! لا خالص ، كُنت صاحيـة .
تعمد التطرق إلى تفاصيل يومها وسألها بفضول محب :
-صاحيـة بتعملي أيـه !
ردت بتوتـر :
-كُنت بقلب في الموبايل .. وبفكر أرجع البيت بس طنط سوزان رفضت ..
-وايه كمان ؟!
طافت عينيها بحيرة :
-بس ، مش بعمـل حاجـة تاني !!
-غريبـة ما سمعتش اسمي يعني !!
-نعم ، مش فاهمة !!
اتسعت ابتسامته ونهض متجهًا إلى مخدعه :
-يعني كان في موضوع وكلام بينا الصبـح ، والمفروض أنك بتفكري فيـه .. ده أيه نظامه !
ضمت الوسادة إلى صدرها وتراجعت للخلف وهي تهاتفه بوجهها الضاحك وتتدلل :
-موضـوع أيه بالظبط !!
رفع الغطاء من فوق مخدعه ليتهيأ للنوم وقال معاتبـًا :
-كمان !! طيب أقفل بدل الإحراج ده ..
كتمت صوت ضحكتها ودموع الفرحة اللامعـة بعيونها :
-ااه منا قُلت لك لسـه بفكـر ..
-وفكرتي !
ردت بعجلٍ :
-ااه ، لا لسـه …!
-أممم ، طيب ما ندردش يمكن نساعد بعض من الحيـرة دي .. أيـه رأيك !
أتاه صوتها المتراقص على اوتار الحب وقالت :
-موافقـة ..
••••••••
جاءت حيـاة حاملة مائدة المشروب الدافئ بين يديها ووضعته على الطاولـة بهدوء في الساحـة الواسعة الخاصـة بمنزلهم .. ثم جلست على نفس الأرجوحة التي يجلس عليها عاصي الذي تطرقت أعينه المطله على السماء إليها .. مدت له مج ” الهوت شوكليت ” وشرعت بارتشاف مشروبها بصمت يزف طبول من الاسئلة المحشوة بعيـونها ، غمز لها بطرف عينه :
-بتبصي لي كده ليـه ؟!
ردت بانبهـار :
-أنت عملت كل ده أمتى ؟! يعني ورق البيت والمراكب والإدارة .. أزاي قدرتك ترجع كل ده بالسـرعـة دي !!
ارتشف رشفة صغيرة من الكوب الدافئ بيده وقال :
-مش مهم ، المهم أني شوفت ضحكتك دي رجعت لك ..
تنهدت بشرود :
-ليـه !! معقولة كل ده عشاني ؟!
ود ممازحًا :
-لا عشان كان عندي فضول اتعرف على شكل البيت اللي طلعت منـه أحلى فراشـة ..
أحمرت وجنتها بخجل وهي تستمد الدفء من الكوب الساخن وسألته :
-بيتنا عجبك …!
-البيت فيه تفاصيـل كتير تشبه روحك ..
أغرورقت عينيها بحزن :
-كنا نتجمع هنـا كل ليلة ، وأعمل لبابا الكيك اللي بيحبـه ونسهر سوا نضحك ونهزر .. كل ركن هنا فيه ذكريات مستحيل تتنسي ..
-كان في سـؤال هربت قبل كده من إجابته ، أظن جيـه وقته ..
اخذت رشفة خفيفة من الكوب وسألته باهتمـام :
-سؤال ايه !!
امتدت أنامله لمغازلة أوتار شعرها وقال بحب :
-ليـه حيـاة ؟!
كررت سؤاله بصيغـة أوضح :
-ليـه سمّتني بالاسـم ده ..
أقرت عيناه معترفة ” ما كان حُباً من النظرة الأولى بقدر ما كانت طمأنينة من الدرجة الأولى، مثل أن ينظر المرء إلى شيء ويستريح بهِ”
ثم تفوهت شفتيـه :
-شوفت في عيونك حياة جديدة لعاصي دويدار ، فضـل يدور عليها ٣٩ سنـة .. أنا حياتي ابتدت من أول ما شفتك ، حسيت أنك مني ، وليـا ..
ثم سخر من نفسـه مكملًا :
-مش هنكـر أني قاوحت كتيـر ، وطلعت روح الصعلوك اللي جوايا عليكي ، بس أنا كنت عارف أن على شط عيونك مفيش مرسى ، والخطوة ليك بعدها غرق ..
تدلت أصابعه إلى وجنتها وأكمل :
-كنتِ شعاع النور اللي اتسلل لأوضة عتمـة عشان تفتحي عيونه على الدنيا من جديد ، من غيـر قصد رجعتي لي حياة عاصي اللي ادفنت ..
هامت بسحر قُربه ولمساته وكلماته الدافئة التي فاقت دفء المشروب بيدها وسألتـه :
-عندي فضـول أعرف أنت مين .. عندك أسرار كتير حابة أعرفها ..مش عايـزه أبقي تايهه فيك طول الوقت ..
-هتصدقيني لو قولت لك مش عايز افتكر أنا مين ، ولا عايز أرجع بذاكرتي لأيام كنت ميت فيها .. بس ممكن أحكي لك من وقت ما قابلتك ..
سألته بنبرة خافتـة :
-هتقول أيـه …
تنهد بارتياح :
-هقول أنا اللي سبت الدنيـا كلها واخترتك أنت وبناتي .. وعايـز أكمل حياتي معاكم ، كفاية العُمر اللي ضاع في الفاضي ..
أطالت النظـر بعيونه المدججة بالشـوق وسألته برتابـة :
-عايـزني أخد قرار صعب زي ده مع حد كله أسرار زيك ..
تسلل ببطء وتأني إلى ثغرها المنتفخ قليلًا والذي وقع بغرامه حتى جرى صدى كلماته الأخيرة يُعلن اشتهائه في قربها :
-مش مهم تعرفي ، المهم أحساسك بيقول لك أيه …
ارتعشت من مكانها ونهضت مبتعدة عنه وتركت الكُوب من يدها وقالت برجفة مباغتـة :
-أيه رأيـك تشـوف أوضتي .. !!
أحس بصقيع الخذلان يجري بدمه فاستغرق بضعة دقائق يستوعب فيهما إثـر ما حل على مشاعره المُلتهبـة والمتلهفـة لملامسـة روحها وحفر معالم الأمان على قلبه الذي ناله صدى الزمن ، تحمحم بخفوت ووثب مُلبيًا لطلبها ، وسار خلفها يُراقب حماسهـا الطفولي حتى وصل الثنائي إلى غرفتها المميـزة ..
فتحت الباب بشغف ولفت لفة سريعة بالغرفة وألقت نظرة على خزانة ملابسـها ثم عادت إليه راكضة وسحبته إلى داخل الغرفـة وشرعت في سرد حياتها وتفاصيلها أمامه :
-ده مكتبي ، وده اللابتوب بتاعي .. عليه كتابات كتيـر أوي ، لما تحب أبقى نقـرأهم ..
ثم اقتربت من النافذة المطلة على البحر :
-كنت بحب أشرب قهوتي كل صبح هنـا وأنا بسمع فيروز وبسرح معاها ..
ثم قفزت بفـرحة وركضت نحو خزانتها وأخرجت منه صندوقًا خشبيًا ووضعته على المكتب ، دنى منها عاصي بفضـول :
-أيه ده ؟!
مررت أناملهـا على صندوق ذكرياتها ولمعت عينيها بدموع الحسـرة :
-بعد الحادثة اللي حصلت لي ، قلت مستحيل أحب تاني .. بس كانت جوايا مشـاعر كتيرة ، معرفتش أخرجها غيـر في صورة جوابات كنت اكتبها وأحطها جوه الصندوق ، وأفضل مستنية الرد عليـها ، بس مكنش بيوصلني رد طول السنين دي كلها !!
أحس بلهب الحزن يتأكل بقلبـه عندما لمس سنوات عناءها وهو بعيدًا عنها .. ضم كفهـا بدفء وسألها :
-والصندوق ده هيكون من نصيـب مين !!
وقفت مقابله بتحدٍ :
-من نصيب الشخص اللي هحبـه ..
ثم سحبته من يده بعجـل ناحيـة الباب المفتوح :
-تعالى هوريك حاجـة كمان ..
أوقفهـا عنوة حتى ارتطم ظهرها بالضلف الموصدة وقفل الأخرى بيـده وأخذ يدنو منهـا تدريجيـًا فتسرب الخـوف إلى قلبها المنتشي لقربه وهو يخبـرها :
-أنا عايـز أقـول حاجة ..
أصدرت تنهيدة طويلة ملأت فيهـا جيـوب رئتيها من رائحة :
-هتقـول أيه !!
ألتف ذراعه حول خصـرها واقتـرب منها يتضـور لهفة :
-حيـاة ..
ردت بنبـرة مبحـوحة :
-بحبك ..
اتسع بؤبؤ عينيها وغمغمت بذهول :
-يعني أيه …. !!
‏مجرد الشعور بالحرقة المندلع من بين كلماته المدججة جعل لأحلامها معه أجنحة .. شرع بنثـر حبـه بتأنٍ على ثغرها المنفرج إثـر ما وقع عليها وهمس يتتوق إليها شوقًا :
-أنتِ ليـا وبس فاهمـة ..
قفلت جفونها مستسلمة لبركانه الثائر الذي غمرها بدفء المشاعر العاصفـة بكيانها حتى كرر جملتـه بإثارة :
-سمعتِ !! أنتِ ملكي ..
ثم ابتعد عنها ليقرأ تفاصيلها قبل تهوره فهام مستائلًا :
-مالك !!
ردت بتوتر :
-خايفـة !
لصق جبهته بجبهتها وقال :
-مني ؟!
ردت بانتفاضة :
-مش عارفة ..
-تحبي أبعد !
أجابتـه بخفـوت :
-لأ ..
داعبت شدقه ابتسامة العشق وسألها بانجذاب :
-طيب أقرب !!
-تؤ ..
في اللحظة التي فجرت فيها لفظ الإعتراض وفتحت بوابة قلبها لاستقباله ، أتاهم صوت طرق خافت على الباب ممزوجًا بنداء داليـا الباكي :
-بابي ….
فتح الباب على الفور بلهفـة :
-مالك يا داليا .. بتعيطي ليه ..
استجمعت حياة بقايا قوتها الممزقـة وانحنت لمستواها وأخذتها بين ذراعيها بحب :
-مالك ياحبيبتي ..
تمتمت الصغيـرة بذعر :
-شفت حلم وحش ، أنا خايفـة أوي ..
ربتت حياة على ظهرها وحملتها بحب وقالت محتجة لتهرب مما كانت ستقع ضحيته قبل لحظات :
-تعالى هنام جمبـك ، متخافيش .. اهدي ده مجرد حلم .. أنا معاكي أهو …
•••••••
على حدة ، فتحت سيـدة الباب لاستقبال عبلة ففوجئت بوقوف شخص غريب بجوارها .. رمقته سيـدة بفضول وهي تقول :
-نورتي يا ست هنام !! هو مين البيـه !!
تعلقت عبلة بيده وسحبته للداخل وقالت بنبرة عاليـة :
-فريد المصـري
جوزي ..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوى بعصيانه قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى