رواية غوثهم الفصل السادس والأربعون 46 بقلم شمس محمد
رواية غوثهم الفصل السادس والأربعون
رواية غوثهم البارت السادس والأربعون
رواية غوثهم الحلقة السادسة والأربعون
“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل السادس والأربعون”
“يــا صـبـر أيـوب”
___________________
قصدت مِنكَ الرجا وأنا قصدتُ الكريم
طلبتُ منك الرحمة وأنكَ ربي لرحيم
فمن سِواك أشكو له حالي
وأنتَ لخاطري جبار عظيم
شيطان نفسي يغويني وكأنه لئيم
فأرجو منك العوذ منه وأنتَ بحالي لعليم.
_”غَـــوثْ”
__________________________________
أنتَ تخبرني أنني شبيهتك
وأنا أخبركَ أنكَ كما الطير مثلي أنا،
فكلانا يُكمل الأخر بشكلٍ ما،
فأنا ألقي عليكَ السؤال وأنتَ دومًا صاحب الجواب
لكني حتى الآن
لم أفهم هل أتيتَ لأن طُرقي معلومة،
أم أنكَ قصدتُ طرق الباب ؟
فكان مِنكَ الجواب أنكَ
أتيتني من غُربتَكَ بعدما حُكِمَ على طُرقاتنا بالغياب
وقد أتيتني مُحملًا بالألمِ ومعك لكل سؤالٍ جواب
فإذا سألتُكَ متى وكيف نطمئن إن كُنا نحن أشباه ؟
يكون جوابك أن:
_”الشبيه لشبيهه يطمئن”
لكن سؤالي هُـنا؛ هل كلانا يُحق له أن يَطمئن؟
أم أن الطمأنينة لكلانا كما السراب.
<“صدفة سعيدة، أتمنى ألا تتكرر من جديد”>
إبان جلسة الشباب مع “نَـعيم” و ضحكاتهم على “سراج” الذي مازحه حينها دلف “ميكي” وهو يقول بنبرةٍ مُتلجلجة وكأنه يخشى التحدث:
_يا حج !! فيه واحد برة عاوز يقابلك.
انتبهوا له فدلف خلفه “ماكسيم” وهو يقول بزهوٍ في نفسه:
_مقدرتش أقف استنى الإذن، أصلي ماليش كبير بقى.
وقف الشباب مع بعضهم بدهشةٍ من جرأته ووقاحته التي أتت به إلى هُنا وخاصةً “نَـعيم” الذي طالعه بدهشةٍ سرعان ما تحولت إلى التقزز وهو يرى الأخر في عقر داره يقف بمنتهى التبجح وقد صادف دخول “يوسف” وبجواره “أيوب” في نفس اللحظة التي التفت فيها “ماكسيم” خلفه وهو يقول بسخريةٍ:
_”چــو” !! دا أنا محظوظ إن الحبايب كلهم هنا بقى.
اندهش “يوسف” من تواجده وكذلك “أيوب” الذي نظر له “ماكسيم” يُمعن النظر في وجههِ يحاول أن يقرأ ماهيته وشخصيته التي أتضح عليها الإلتزام، وكأن اللحظة الغريبة هذه لحظة مصيرية ضيفها “أيـوب” أو لربما يكون هو عنصرًا أساسيًا بها.
لاحظ “يوسف” نظرات الأخر الذي أمعنها بكل تركيزه في وجه “أيوب” الذي بدا أمامه حائرًا كما أن الجو ساده التوتر وشحنات سلبية حملتها الأعين ووجهتها الأبصار ليقطعها أو لربما زادها “ماكسيم” حين وجه استفساره لـ “أيوب”:
_مين أنتَ ؟؟ تبعهم هنا؟!
زاد تعجب “أيوب” وتفاقمت حيرته أكثر لكن “يوسف” بطريقته المعتادة تدخل يهتف فيه بنبرةٍ حادة:
_أنتَ مال أمـك ؟ جاي علشان تُرط في الكلام؟
تعجب “أيـوب” من طريقة “يوسف” مع شخصٍ من المفترض أن يكون ضيفهم، وحتى الآن لم يكن الأمر كما يبدو أو كما يلزم، بل يبدو أن ضيفهم وجوده أثقل من الهموم فوق الكتفين ليتحدث “نَـعيم” حينها بنبرةٍ جامدة يوجه حديثه لهذا الذي استوطن بهو بيته:
_عاوز إيـه يا جدع أنتَ ؟؟ جاي هنا تهبب إيه ؟
تصنع “ماكسيم” البراءة والودِ الذي برع في رسمهما فوق تعابيره وهو يقول بنبرةٍ تحمل من اللُطف كثيرًا:
_دي مقابلة لضيف في بيتك يا مصري يا كريم؟؟ بعدين هو أنا شرير يعني علشان أضرب نار على “إسـماعيل” إمبارح وماجيش أتطمن عليه النهاردة ؟ مش أخلاقي دي.
تبدلت التعابير وتباينت ردود الأفعال وسيطرت الدهشة المصحوبة بالتقزز من بجاحة هذا الشخص على الأجواء، أما “أيـوب” فأقرب ما قفز إلى عقله بعد رؤيته لهذا المشهد أن هذا ربما يكون أحد مقالب الكاميرات الخفية، أو ربما يكون مشهدًا من أحد المسلسلات، فما يراه بعينيه بعيدًا عن أرض الواقع، لكن صوت “نَـعيم” وطريقته كلاهما يؤكد له أن ما يراه حقيقةً حيث رد الأخر بنبرةٍ جامدة قاسية:
_ كويس إنك قولت علشان لما أخلص عليك يبقى ليا حق، مسيرك تقع تحت أيدي واللي بيننا مش سهل ومش قليل.
ابتسم “ماكسيم” ببرودٍ مثل طبعه الأوروبي بدمائه الباردة. وهو يقول بنفس النبرة الثلجية:
_اتأخرتوا أوي يا حج، دا أنا قولت “إيهاب” مش هيسيبني يطلع عليا زي ما بيقولوا كدا شمس، بصراحة جيت أتطمن عليه واضح أنه كبر والجواز غَيره.
هنا نطق “إيـهاب” بثقةٍ ردًا على حديث هذا الرجل الملون كما يلقبونه هُم نافيًا لظنونه تجاهه:
_أنا مستني عليك علشان أجيب أخرك، زي الدبيحة المربوطة كدا كل ما تتربط أكتر وأكتر وقعتها بتيجي أسهل، فبراحتك خالص، كدا كدا أخرتك معروفة، يا السجن لحد ما تعفن وتستوي فيه بدل ما أنتَ مِخضر كدا، يا موتك على أيدي وبكدا أكون اتكيفت بحقي.
ضحكات !! كل ما نتج عنه ردًا على الأخر ضحكات سخرية واستهزاءٍ به والبقية ينظرون لبعضهم بدهشةٍ من طريقته وخاصةً “أيـوب” الذي لم يفهم أي شيءٍ لكن قدره أوقعه هُنا، أما الأوروبي فأوقف الضحكات وهو يقول بنبرةٍ هادئة على عكس تعابيره السابقة:
_١٠٠ مليون دولار، لو بقيتوا معايا، ولو كلكم هخليهم ١٥٠ مليون دولار، قولتوا إيه ؟؟.
كان يتحدث بثقةٍ وهو يلقي عليهم الرقم الذي تسبب في ذهولهم وإثارة دهشتهم حتى وصله الرد الصارم من “نَـعيم” الذي هتف بنبرةٍ جامدة يرفض رفضًا قاطعًا لا يقبل المناقشة:
_والله لو مال قارون كله برضه لأ، الفلوس دي بتاعة الناس اللي ملهمش أصل زيك كدا، إنما إحنا عندنا أصل وأصل كبير كمان مخلي أشكالك طمعانة فيه أو على الأقل نتساوى ببعض، بس احب أقولك اتغطى كويس وخصوصًا راسك علشان الحاجات دي لما بتتعرى بتتعب صاحبها.
جاهد الشباب لكتم ضحكاتهم بعد حديث “نَـعيم” ومعهم “أيـوب” أيضًا بينما “ماكسيم” تجاهل حديث غريمه ثم توجه ببصره إلى “ماكسيم” الذي كان يحدق النظر فيه بحقدٍ لكن الأخر تصنع اللُطف وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_إيه يا “سراج” ؟؟ مش هتسلم عليا؟ دا أنا خالو حتى، ماما كانت بنت عمي، يعني أنا خالك.
_يلا يا ابن ****** من هنا.
هتفها “سراج” ردًا عليه يَسبه بألفاظٍ خارجة دون أن يتوقع أحدهم هذا الرد، فشهق “أيـوب” ونظر إلى “سراج” الذي بدا منزعجًا بينما الأخر سأله بنفس الأسلوب البارد:
_كدا !! حد يشتم خاله كدا ؟ دي تربية عمو “نَـعيم” ليك؟ ماما لو كانت عايشة كانت زعلت خالص منك.
رد عليه “سراج” بوقاحةٍ ينفي قول الآخر:
_لأ والله ماما لو كانت عايشة وشافت خلقتك كانت خلتني تفيت في وشك، وبعدها أديك على راسك بالشبشب، بس حظك إن ماما ماتت، عقبالك يا رب.
عاتبه “ماكسيم” بنظراته ثم التفت إلى “أيـوب” يمعن النظر في وجهه من جديد وقال بنبرةٍ هادئة لا تتناسب مع الموقف أو الأحاديث السابقة لهذا:
_أتمنى المقابلة دي متأثرش على علاقتي بيك.
تأهبت حواس “يوسف” بينما “أيوب” رد عليه بنبرةٍ جامدة يستفسر منه:
_وأنا إيه اللي يخلي علاقة تربطني بيك؟؟ أنتَ ضيف هنا وشكلك مش مُرحب بيك، وأنا هنا ضيف برضه بس الفرق أنهم أكيد حابين وجودي، يعني حتى لو فيه علاقة عابرة فهي عكسية.
ابتسم له “ماكسيم” ثم ربت على كتفه وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة وكأنه يسخر:
_طب يا ضيف، بكرة تبقى صاحب مكان.
زفر “نَـعيم” مُطولًا ثم رفع صوته ينطق بنفاذ صبرٍ:
_استغفر الله العظيم وأتوب إليه، ما تغور يا جدع أنتَ.
هز رأسه مومئًا له ثم ارتدى نظارته السوداء ذي الماركة العالمية الشهيرة ثم قال بنبرةٍ جامدة تبدلت تمامًا عن بروده أثناء دخوله:
_خلوا بالكم أنا جاي هنا ليا هدف، لو اللي حصل زمان حصل تاني أنا هيكون ليا تصرف ميعجبكومش، كلكم مع بعض، ولو فكرت يا “يوسف” تعمل اللي عملته قبل كدا أنا هزعلك أوي أوي فوق ما تتصور.
أقترب منه “يوسف” يقول بنبرةٍ جامدة دون أن يرف له أي جفن وكأنه يعلن عليه العصيان منذ لحظتهما هذه:
_دا عند أمك، وأعلى ما في خيلك أركبه، ولو جدع سِد معايا بس مترجعش تعيط زي المرة اللي فاتت.
حرك “ماكسيم” بؤبؤيه يقرأ تعابير وجه “إسماعيل” الذي وبالرغم من ثباته وقوة من يحاوطونه إلا أن عينيه نطقت بالخوف من هذا الرجل الذي ترك المكان ورحل دون أي مزايدات على الحديث أو الرد على الأخير الذي رفع صوته يقول أثناء تحركه:
_ابقى فكر مرة تانية قبل ما رجلك تجيبك أرض الرجالة، علشان المرة الجاية مش هترجع سليم، زورونا تجدوا ما يسركم.
رحل الأخر تمامًا ولم يوليهم أي إهتمامٍ بل قصد وجهته وتحرك من المكان يتركه لهم لكن قبلها حفظ ملامح “أيوب” جيدًا بل حفرها في ذاكرته بأدق تفاصيلها وبداخله سعادة كبيرة مجهولة المصدر حتى الآن لكن يبدو أن طرقه تتهيأ له حتى يصل إلى النهاية المُرادة.
__________________________________
<أنا لستُ سيئًا، لكن الأيام سائت بي”>
انزوت عن الجميع كعادتها من جديد منذ أن انفصلت عن زوجها السابق، هي لم تكن سيئة كما يزعمون لكنها تتصنع قوةً هي لم تَملكها، لكن من الداخلة هي هشة بطريقةٍ يصعب تخيلها، رقيقة بقدر الصلابة التي تُصدرها، جميلة بقدر حنان قلبها، وحيدة بقدر الناس المُجتمعين في الدُنيا، هي من أصبحت جانيةً بعد أن جُني عليها.
هاتفها بجوارها أغلقته بعدما منعها والدها من مهاتفة الصغير “إيـاد”، بل منعها من التعامل مع عائلة “العطار” من جديد وأخبرها أنه سيتولى مهام العمل معهم وأنه شارف على إنهاء هذا العمل معهم تمامًا وهي فقط عليها أن تبتعد عنهم.
بكت “نهال” بقهرٍ وهي ترى نفسها وسطهم كما المنبوذة، جميعهم يكرهون عودتها إلى هُنا وعائلة زوجها كانت تكره وجودها في بيتهم، وزوجها نفسه كرهها وبغض قربها وهو يتهمها بأنها كما الأرض الجارفة لن تُزرع ولن تصلح للزراعة.
طرق والدها باب غرفتها وما إن أذنت له بالدخول دلف الغرفةِ يحمحم بنبرةٍ خَشنة ثم قال بنبرةٍ جامدة وكأنه يتعمد إصدار هذا الجمود لها من جِهته:
_يلا اتفضلي علشان ناكل، عمامك برة وعاوزين نتغدا سوى، مش هنفضل مستنين حضرتك.
انتبهت لصوته الجامد الذي يخلو من اللين وردت عليه بثباتٍ قدر المُستطاع منها بالرغم من ألمها:
_مش عاوزة آكل، الحمد لله شبعانة.
رفع حاجبيه يستنكر قولها ثم أغلق الباب ودلف الغرفة وهو يقول بنفس الجمود:
_هو أنتِ عيلة صغيرة هنفضل نحايل فيكِ ؟ اتفضلي يلا عيب الناس برة مستنية، ولا أخرج أقولهم الهانم مقموصة؟
سحبت الهواء إلى رئتيها عنوةً ثم هتفت بنبرةٍ مُحتدة وكأنها تتخذ وضع الهجوم عليه:
_لأ، أنا لا مقموصة ولا زعلانة، أنا بس يدوبك موجوعة مش أكتر، متشغيلش بالك دي حاجة عادية وهتعدي يعني.
أدرك هو مقصد حديثها بمنظورٍ خاطيء لذا رفع صوته ردًا على ما تفوهت به قائلًا:
_موجوعة ؟؟ علشان بقولك خلي بالك من خطواتك بعد كدا ؟؟ ولا علشان بقولك إنك بقيتي في وضع مختلف لازم تحسبي كل خطوة على نفسك؟ استنى إيه ؟؟ لما الغرب يلاحظوا وييجي حد منهم يتكلم ويقول اتطلقت علشان تدور على حل شعرها ؟؟ ولا هستنى إن عمامك يعايروني بيكِ وبربايتك؟ اسمعي يا “نهال” !! مش معنى إنك اتطلقتي يبقى أنتِ حرة نفسك، دا معناه إنك مفروض عليكِ حاجات أكتر من اللي فاتت وأنتِ بنت، مفهوم !!.
ترقرق الدمع في عينيها وهتفت بنبرةٍ أتضح الوجع بها بقدر ما حاولت اخفاءه:
_وهو “إيـاد” بقى علاقتي بيه غلط ؟ علشان تمنعني حتى من دروسي معاه؟ إيه الغلط أنا مش فاهمة؟.
جاوبها بنبرةٍ يتملكها العِند وكأنه يُصر على وجعها:
_علشان بيديكي حاجة مش من حقك أصلًا، وعلشان علاقتك بيه في حد ذاتها مش مقبولة ومحدش هيفهمها، وبتعلقي نفسك بيه وخلاص، لأخر مرة هقولك أنتِ مُطلقة وبقى محسوب عليكِ كل خطوة هتتحركيها، شكلك كدا كبرتي وخيبتي.
أولاها ظهره ليعود إلى الخارج من جديد تاركًا إياها خلفه تتألم من قسوة حديثه، فمنذ أن عادت إلى هُنا وهو تغير معها تمامًا، حتى مرضه ألقى ذنبه عليها وأنها المتسببة فيه، بالرغم من حبه لها إلا أنه دومًا يصنع الحدود بينهما، نظرت إلى الهاتف المغلق بجوارها وهي تفكر في الصغير الذي أصبح مؤخرًا سببًا قويًا مُعبئًا بالأملِ في حياتها المُظلمة.
دلفت لها والدتها بعد خروج والدها وما إن تلاقت نظراتهما سويًا حينها بكت “نـهال” بوجعٍ أفصحت لوالدتها عما تشعر به عن طريق البكاء فاقتربت منها والدتها تعانقها بين ذراعيها وهي تمسح على ظهرها أما الأخرى فعوقبت على ما لم تقترفه هي وألقى المجتمع على عاتقها مسؤليته، هي لم تكن سيئة لكي يتم نبذها، بل الأشخاص أساؤوا إليها.
__________________________________
<“أهلًا بكَ في طُرقات الخطأ بدون رجعة”>
في بيت “عبدالقادر” كان “إيـاد” يبحث عن أي طريقة توصله بها، كان مثل الطير يبحث عن عِشه الذي هاجر منه بالخطأ، حتى أن ميعاد درسه اليوم فَلَّ مع مرور الوقت، فأصابه الإحباط في مقتلٍ، جلس في الحديقة بملامح واجمة حزينة تلبسته بعدما أغلقت كل الطُرقات في وجهه وقد دلفت له “آيات” التي كانت تمسك في يدها الحاسوب وهي تقول بمرحٍ:
_يلا جهزت القعدة لينا سوى علشان نخربها، جاهز ؟
حرك رأسه نفيًا فشهقت هي بدهشةٍ تلقائية ثم تركت ما كانت تمسكه في يدها على الطاولة واقتربت منه تحتضنه وهي تقول بنبرةٍ حزينة لأجلهِ:
_مالك يا “أودي” ؟؟ أنتَ لسه زعلان ؟
أومأ موافقًا برأسه وقد لمعت عيناه بوميضٍ حزينٍ وهو يقول بنبرةٍ غلفها الحزن:
_آه، هي “نهال” مش هتكلمني تاني زي ماما؟؟ بس أنا بحبها أكتر من ماما والله، علشان هي بقت صاحبتي مش زي ماما، هي مش عاوزة ترد عليا ليه؟؟
حزنت “آيات” لأجله كثيرًا وشعرت تقريبًا بما يشعر به الصغير لذا جاورته بعدما انتقلت من موضعها إلى مكانه وربتت عليه وهي تقول بنبرةٍ مختنقة:
_لأ هي باباها تعبان شوية بس وأكيد مش فاضية ترد علينا، أكيد لما هي تفضي نفسها شوية هتكلمك، مش هي بقت صاحبتك خلاص، طب نعذر صحابنا شوية بقى ولا نزعل منهم وهما بيكونوا تعبانين؟؟ لازم تفهم إن كل واحد عنده ظروفه يا “إيـاد” وهي لما ظروفها تخلص هتكلمك، اتفقنا ؟؟.
هز رأسه مومئًا بعدم اقتناع لكنه حاول التمسك بحبالٍ قد تكون بالية لكنها على كل حالٍ أفضل من اللاشيء، أما “آيـات” فتنهدت تنهيدة مُثقلة بالهموم ولم تنكر أن الصغير تحسن كثيرًا بعد دخول “نهال” عالمه وللحق لم يكن الصغير بمفرده بل ووالده أيضًا، كلاهما تجاوز الإنفصال عن “أماني” بتواجد “نَـهال” التي بدت وكأنها دلفت لمكانها الطبيعي.
وقف “أيـهم” على بعدٍ منهما وقد تابع الموقف بعينيه ولم ينكر أن شعوره يتطابق مع مشاعر صغيره، كلاهما يعلم أهميتها، على الرغم أنه يتصنع عكس ذلك وأنها مجرد عابرة كما غيرها من السابقات لكنه تفاجأ بها تستوطن القلب وتسكنه، حتى وإن لم يتأكد هو من هذا لكن هذه البدايات هو يعلمها جيدًا، في السابق كان يظن مشاعره حقيقة لكن الآن هو يتأكد من الحقيقة، لكن مهلًا هل يكرر خطأه ويصبح تصرفه أهوجًا كما فعل سابقًا أم يتريث حتى لا يتكرر ما سبق وفعله وظل نادمًا على فعله؟.
في مكانٍ أخرٍ في حارة “العطار”
كانت “ضُـحى” تجلس في صالة الشقة بعدما قامت بتطبيق روتين العناية بنفسها ككل جمعة في الأسبوع بعد مضي ستة أيام عبارة عن ضغط العمل وآلام جسدية ونفسية في بعض الأحيان، أما اليوم فهو يوم العيد لفتاةٍ مثلها تعمل بكل جدٍ، لم تنكر أن خبر إصابة “إسماعيل” أصابها ببعض التخبط لكنها ظنت أنه لربما يكون الشعور بالذنب لأنها كانت تسخر منه وعلى كلٍ هي لا تهتم به من الأساس، ربما يكون غريبّا في طريقته وأسلوب حياته وعمله، وربما يكون تجاهله لها لكن على كلٍ هو كما هو غريبٌ.
انتقلت بين حالات تطبيق “الواتساب” لتظهر لها حالة إحدى صديقاتها في العمل وخارجه وتعد من أكثر الناس المُقربين لها تعلن خطبتها على “علاء” !! خطيبها السابق يتقدم لِخِطبة رفيقتها المُقربة إن لم تكن الوحيدة التي وصلت لهذه المكانة من بعد “قـمر”
لم تصدق عينيها بل أنها ظنت أنها تتوهم هذا، لذا خرجت من التطبيق بأنامل ترتجف بخوفٍ وهي تذهب لتطبيقٍ أخر وهو تطبيق تبادل الصور “الانستجرام” لتجد صورتهما سويًا والأخرى يرتديان خواتم الخِطبة، ففورًا نزلت دموعها وهي تشعر بالشفقة على حالها، لم يكن الحزن لأجلهِ هو، بل لأجل التي من المُفترض أن تكون رفيقتها، طعنة غريبة ضُربت في قلبها، فلو كان الأمر من أخرى كانت تقبلته، لكن السهم خرج من قوس رفيقتها.
خرجت “قـمر” من المطبخ تقول بتحذيرٍ مرح قبل أن يُمر الوقت عليهم وتبدأ معركة كل يوم جمعة:
_اسمعي يا بت !! أنا روحت السوق مع أمك ونضفت السمك وغسلته وكنست الصالة وقبلها مروقة الشقة أقسم بالله بعد الأكل لو ما غسلتي المواعين لأكون جايباكِ من شعرك، ردي يا “ضُـحى” بدل ما ازعلك.
كانت “ضُـحى” تشعر بالضغط عليها وكأن حديث “قـمر” هو فتيل القنبلة الموقوتة التي انفجرت لتوها وهي تقول بنبرةٍ باكية أقرب للصراخ:
_غوري من وشي يا “قـمر” !! أنتِ شكلك فاضية.
اندهشت “قـمر” من طريقتها فرفعت صوتها هي الأخرى تعنفها بقولها:
_أنتِ بتكلميني كدا ليه؟؟ هو أنا شغالة عندك؟ اتكلمي معايا عِدل يا “ضُـحى” بدل ما ازعلك.
زفرت “ضُـحى” ثم غمغمت بعدة كلماتٍ حانقة وهي تعبر هم ضيقها بهذه الطريقة ثم دلفت غرفتها وأغلقت الباب خلفها بعنفٍ حتى أجفل جسد “قـمر” من هذا الفعل ثم جلست تضرب كفيها ببعضهما تتعجب من طريقة الأخرى وفعلها الغريب وما إن أدركت فعلها رفعت صوتها تعاندها أكثر وهي تقول:
_طب مش هعمل حاجة يا “ضُـحى” واعملي أنتِ بقى علشان تبطلي جنانك دا، أنا مش بشتغل هنا.
أتت “غـالية” من الشقة الأخرى إلى هُنا وهي تعنف ابنتها بقولها:
_أنتِ مجنونة يا بت!! بتكلمي مين؟؟ وبعدين صوتكم علي مع بعض ليه؟ مش هتبطلوا الهبل بتاعكم دا بقى؟
جاوبتها “قـمر” بنبرةٍ حزينة وهي تُبريء نفسها من لومٍ أُلقىٰ على عاتقها:
_يا ماما والله أنا جاية انكشها وأهزر معاها، طب ما كل جمعة أنا اللي بعمل، بس هي معرفش مالها بقى.
ربتت “غالية” على كتفها وهي تقول بنبرةٍ هادئة تحاول إبعاد الحزن عن طريقها من ابنة خالها:
_طب متزعليش نفسك هي مضغوطة من الشغل شوية وبعدين معلش يا ستي خليها عليكِ، روحي يلا جهزي السلطة أخوكِ قرب ييجي و “عُـدي” جاي مع خالك من تحت راحو عزال ابن أبو “محمد” هييجوا جعانين.
تحركت “قـمر” من محلها تتجه إلى شقتهم، بينما “أسماء” خرجت من مطبخها تمسك في يدها ملعقة تقليب الطعام ثم قالت بتعجبٍ:
_العيال دي مالها ؟؟ أوعي تقولي اتخانقوا مع بعض تاني عظيم بيمين انتف شعرهم في أيدي، مش ناقصة هبل هي مبقوش صغيرين.
طالعت “غَـالية” باب غرفة “ضُـحى” ثم اقتربت من الأخرى تسألها بتعجبٍ من حال الأخرى:
_هي بنتك مالها يا “أسماء” ؟ البت لسه بتقولها دي طلعت فيها زي البابور المهبب، حد مزعلها ولا إيه ؟؟
لوحت لها “أسماء” بكفيها وهي تقول بدون اكتراث وكأنها اعتادت على تبدل الأخرى وتغير حالتها المزاجية:
_إيه الجديد يعني؟ هتلاقيها واخدة كلمتين في جِنابها من الشغل ولا حد من صحابها زعلها، سيبك منها أنا هدخلها كمان شوية علشان لو دخلت دلوقتي هتعصبني.
أومأت لها “أسماء” بينما “ضُـحى” في الداخل كانت تبكي وهي تشعر بالشفقة على حالها وأنها هانت على رفيقتها، لكنها المُلامة في الأخر، هي من ظنت بها الخير لكن الأخرى كانت تحقد عليها وهي لم تنتبه لهذا، أخطات في حق نفسها خطئًا بلا عودة عنه لإصلاحه وكان الثمن هو مشاعرها وقلبها.
في نفس البناية تحديدًا بداخل شقة “عـهد”
منذ عودتها من السوق وهي تشعر بشيءٍ غريبٍ عليها، تحديدًا منذ معرفتها بما فعله “يوسف” في عمها لأجلها، لم تتصور أن يفعلها أو حتى يُضحي بنفسه ويخاطر تلك المُخاطرة الكُبري لأجلها هي، لكنها حينما تذكرت حديثه مع “أيـوب” اهتز قلبها من محله، جملة أنها حقه تلك لم تمر عليها كما غيرها من الأحاديث بل هي تحديدًا احتلت العقل.
زفرت بقوةٍ من هذه العلاقة التي فُرضت على كليهما ثم فتحت هاتفها على صورة عمها وهو يقف في الشارع بعدما التقطت لها رفيقتها “أمنية” هذه الصورة لتتشفى بعمها، ورغمًا عنها ابتسمت وشعرت أنها انتصرت عليه، فأتت “مَـي” من الداخل وسألتها بحيرةٍ:
_بتضحكي على إيه يا بنت المجانين؟ أنتِ ملبوسة يا “عـهد” ؟؟ في وشنا طول اليوم مبوزة ودلوقتي وشك منور وأنتِ بتضحكي مع نفسك؟؟.
رفعت الهاتف جهة والدتها ليصبح نُصِب عينيها فشهقت الأخري وابتهجت ملامحها وخطفت الهاتف وهي تسألها بحماسٍ تغلفه الدهشة من هذا المنظر:
_مين اللي عمل فيه كدا ؟؟ دخل في قطر سواقه أعمى؟
ضحكت “عـهد” بصوتٍ عالٍ ثم حركت رأسها نفيًا ورافق نفي رأسها قولها بنبرةٍ ضاحكة:
_لأ، بس دا “يوسف” اللي عمل كدا.
سألتها الأخرى باستنكارٍ من حديثها:
_”يوسف” !! “يوسف” مين دا ؟
جاوبتها “عـهد” بنبرةٍ جامدة تؤكد عليها:
_يا ماما هيكون “يوسف” مين ؟؟ جوزي و…
توقفت عن الحديث بعد نطقها لهذه الكلمة تتعجب من نطقها لها فيبدو أنها تيقنت من زواجها ولا مفرٍ من هذا الشيء، أما الأخرى فابتسمت بعينين لامعتين وهي تشعر أنها وجدت الحائط الذي تأمن لابنتها أن تتكيء عليه، حتى وإن طال الزمان فسيظل كما هو ثابتًا.
أما “عـهد” فأستطردت حديثها ناطقةً بترددٍ أو لربما تخبطٍ:
_”يوسف الراوي” راح بليل أول إمبارح عمل كدا علشان يجيب حقي منه، وقال إنه زي ما التاني ضربني وحسسني بالضعف لازم هو كمان يحس باللي أنا حسيت بيه.
ربتت “مَـي” على رأسها ثم لثمت جبينها وأضافت بنبرةٍ مُحشرجة:
_ربنا يبارك فيكم لبعض ونفرح بيكم على خير.
نظرت “عـهد” لها بتعجبٍ فيما تحركت الأخرى من محلها واستأنفت سيرها نحو الداخل من جديد لتترك ابنتها خلفها تشعر بالتعجب والتوتر معًا فكيف تخبرها أنه من المؤكد سيأتي اليوم الذي ينفصل فيهِ عنها ويأخذ عائلته ويرحل من هنا كما أخبرها.
__________________________________
<“يأتيكَ الغَوث من المُغيث، فأغثنا يا مُغيث”>
في منطقة “نزلة السمانِ”
جلس “أيـوب” بجوار “نَـعيم” الذي قرر أن يتغاضى عن مجيء “ماكسيم” إلى بيتهِ وكأن الغوث أتى إلى هنا أو لربما تلك المقولة القديمة لكنها بصورة عكسية حيث قال “نَـعيم” مُرحبًا به بنبرةٍ ضاحكة:
_يا أخي طول عمري اسمع جملة إذا حضرت الشياطين، أول مرة في حياتي أشوف عكسها وتحضر الملايكة هنا وتخفي الشياطين، نورت يا ابني، بيتك نور بيك.
أبتسم له “أيـوب” وهو يقول بنبرةٍ هادئة ردًا على قول الآخر المُرحب به:
_البيت منور بأهله وصحابه، ربنا يجعله مفتوح بحسك ويملاه إيمان وبركة يا حج.
ربت الأخر على ركبته فيما قال “يوسف” يمازح “إسماعيل” بقوله ضاحكًا وهو يأخذ كوب الشاي الخاص به:
_ابسط يا عم، الشيخ “أيوب” ساب صلاة العصر في الحارة وجه مخصوص علشان يتطمن عليك، مش بس كدا، دا جايبلك معاه جاتوه كمان.
اندهش “إسماعيل” مما وقع على سمعهِ وسأل بذهولٍ يتأكد مما قيل لأجلهِ:
_إحلف !! قول والله كدا؟
ابتسم له “أيـوب” ثم تقدم له بجسده يُعطيه علبة الحلويات وهو يقول بنبرةٍ هادئة من وجهه البشوش:
_من غير ما يحلف، أنا فعلًا جيت علشانك وعلشان أتطمن عليك، أصلها مش شوكة سمكة دخلت رجلك يعني، ألف سلامة عليك وربنا يتمم شفاءك شفاءًا لا يُغادر سِقمًا.
رفرف “إسماعيل” بأهدابه لا يُصدق نفسه ثم نظر لعلبة الحلويات الموضوعة بجواره وما إن أدرك الموقف حينها نطق بنبرةٍ هادئة لازال بها تيهه:
_ألف شكر يا أستاذ “أيـوب” مش عارف أقولك إيه بس تسلم رجلك لمجيتك لحد هنا.
ابتسم له “أيـوب” وهز رأسه مومئًا، فأتى “إيـهاب” من الخارج برفقة “سـراج” فنطق الأول بنبرةٍ جامدة:
_للأسف أشترى البيت اللي قولتلي عليه يا حج، واضح كدا إنه معلي السعر أوي، الناحية اللي هناك كلهم تقريبًا وافقوا واللي رافض مستني السعر يرفع شوية.
زفر “نَـعيم” مُطولًا ثم استفغر ربه حتى جلس الإثنان فتحدث “يوسف” بجمودٍ يوجه حديثه لـ “سراج”:
_شوفت !! عرفت إننا مكناش عاوزين نفرض رأي عليك ما قد كنا خايفين عليك ؟؟ مشكلتك إنك غبي وعاوز تكبر مرة واحدة، ودلوقتي كلنا بقينا محشورين معاك بعدما كان أخره بس يسمع عننا، قولي بقى الحل إيه ؟؟.
زفر “سـراج” في وجهه ثم جلس على المقعد دون أن يعطيه الرد حتى سبه “يوسف” بنبرةٍ خافتة، فقال “مُـحي” بنبرةٍ ضاحكة:
_الراجل جاي يزور واحد مريض، يقول علينا إيـه؟ أشكال متربيتش ؟؟ منكم لله كسفتونا.
ضحك له “أيـوب” وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_متقولش كدا أنا أخوكم برضه، بعدين دا حق “إسـماعيل” عليا أني أجي أزوره وكلام سيدنا “محمد” ﷺ، يعني أنا جاي علشان الحق اللي عليا لأخويا المسلم.
انتبهوا له فقال “نَـعيم” بنبرةٍ ضاحكة وهو يرى الاستنكار على ملامحهم:
_طب فسرلهم علشان دول الحمد لله عارفين الفروض بالعافية أصلًا.
أضاف “أيـوب” مُفسرًا ومردفًا لسابق قوله مستدلًا بحديثٍ قُدسيٍ عن رب العزة جل جلاله:
_عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله ﷺ:
“إنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- يقولُ يَومَ القِيامَةِ:
يا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أعُودُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قالَ: يا رَبِّ وكيفَ أُطْعِمُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي، يا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أسْقِيكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: اسْتَسْقاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أما إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وجَدْتَ ذلكَ عِندِي”.
نظروا له بدهشةٍ أكبر من السابق فأضاف هو بتيسيرٍ لهم يوضح مقصد الحديث القدسي الذي قاله لهم:
_عيادة المريض حق من حقوق المسلم على أخيه المسلم والتي حث عليها النبي ﷺ، وفي هذا الحديث يخبر النبي ﷺ أن الله جل جلاله أراد أن يقول يوم القيامة:
“يا ابن آدم” وظاهره أن النداء للمسلمين بما سيترتب عليهِ من أجرٍ، “مَرضتُ فلم تعدني” المقصود هنا مرض عبده، وعدم زيارة الصحيح لمريضٍ من عباده، إنما أضاف سبحانه وتعالى المرض إلى نفسه تشريفًا لذلك العبد.
فيسأل العبد ربه مُتعجبًا وحائرًا ومستفسرًا:
“يا رب كيف أعوك وأنتَ رب العالمين؟”
فالمرض يكون للمخلزق العاجز وأنتَ القاهر القوي الملك فكيف لي أن أعودك؟ وكيف لي أن أزورك؟
فيقول سبحانه جل جلاله:
“أما علمت أن عبدي فُلانًا” وظاهره أنه يُراد به كل مسلمٍ أصابه المرض، ثم يتضح هذا من قوله:
“مَرُض فلم تعده، أما علمت أنك لوعدته لوجدتني عنده”
أي وجدت ثوابي وكرامتي في عيادته، لأن الله يستحيل عليه المرض، لأن المرض صفة نقصٍ والله سبحانه وتعالى منزه من كل نقصٍ وهذا مِن التَّلطُّفِ في الخِطابِ والعِتابِ، ومُقتضاهُ التَّعريفُ بعَظيمِ ثَوابِ تلك الأشياء.
نظروا له بذهولٍ بينما هو أبتسم لهم ثم أضاف من جديد مُفسرًا ومردفًا:
_يعني أنا جاي بصراحة أخد ثواب من “إسماعيل” ومجدد نوايا كتيرة أوي، ربنا يكرمنا جميعًا بكل خير ويكتب لنا الجزاء الحسن ويراضينا بكل خير.
تحدث “نَـعيم” ردًا عليه ناهيك عن عينيه اللاتي نطقتا بكل فخرٍ بهذا الشاب:
_ربنا يكرمك يا بني بكل خير، ربنا يعلم زيارتك دي جت في وقتها بصراحة، الراجل اللي كان قبلك دا حضر حرق دمنا، منه لله، بس وجودك والله نساني كل حاجة زعلتني.
سحب نفسًا عميقًا ثم أضاف مستفسرًا بأدبٍ دون أن يظهر متطفلًا عليهم أو على شؤونهم:
_أنا آسف أني بسأل أو بستفسر، بس هو مين دا أصلًا، ولما هو اللي عمل كدا في “إسماعيل” واعترف محدش وقفله ليه وازاي يخرج من هنا سليم؟.
رد عليه “إيـهاب” بنبرةٍ جامدة بعدما اندفع في الحديث:
_أنتَ فاكرني مقدرش أجيب رقبته هنا تحت رجلي؟ ولا حتى أسيبه يخرج من غير ما أكسره ١٠٠ حتة؟؟ الفكرة أنه قبل ما بيتحرك بينشر رجالته في كل مكان معاهم سلاح يغرق الدنيا، يعني في أي لحظة متعرفش الطلقة جايالك منين، راجل دمه يهودي.
سأله “أيـوب” بتعجبٍ من حديثه يستنكر قوله:
_هو مين دا أصلًا ؟؟ وبأي صفة هنا؟؟
جاوبه “نَـعيم” بنبرةٍ حزينة يائسة:
_دا المفروض ظاهريًا أنه عالم آثار من أوروبا من أصول روسية، بس الباطن أنه تاجر آثار تقيل كان سبب في خروج نص آثار نزلة السمان من مصر، راجل معدوم كل حاجة عدلة وفيه كل العِبر، عاوز ياخد الباقي من نزلة السمان قبل ما المشروع الجديد يبدأ، وعاوزنا إحنا بربطة المعلم كدا نقف معاه، علشان إيه ؟؟ علشان احنا محبوبين وسط الناس، عاوز يستغل النعمة اللي ربنا رزقنا بيها علشان يخسف بينا الأرض، وأنا حالف ١٠٠ يمين حاجة زي ما تحصل لو هترمي في الشارع أو لو هموت حتى، كفاية اللي راح مني بسببهم.
هتف جملته الأخيرة بوجعٍ ملحوظ وهو يبتلع الغصة المريرة في حلقهِ التي تشكلت عن طريق الماضي الذي لازال أثره محفورًا في عقله وثابتًا في قلبه، فلاحظه “أيوب” وأمعن النظر في وجهه أما الشباب فنظروا لبعضهم بعضًا وقال “مُـحي” بنبرةٍ حزينة:
_خلاص يا بابا ربنا يصبرك، وبعدين أنا معاك أهو اعتبرني أنا هو وإنك خلفت واحد بس مش اتنين، مبسوط كدا ؟؟
ضحك “نَـعيم” رغمًا عنه وكذلك البقية فيما نطق “سراج” بسخريةٍ يوجه حديثه إلى “مُـحي”:
_قوم هات جهاز الضغط بتاعك اللي أبوك جابهولك أكشف عليه من الضغط اللي أنتَ جيبتهوله.
ضحكوا على حديثه وكذلك “أيـوب” الذي نظر في ساعة يده ثم قال بأسفٍ وهو يتجهز للرحيل:
_طب أنا مضطر استأذنكم بقى وألف سلامة عليك يا “سُمعة” إن شاء الله يعني أجيلك المرة الجاية على خير من غير أي إصابات، خلي بالك من نفسك.
سأله “نَـعيم” بلهفةٍ من خبر رحيله:
_طب خليك معانا شوية بس، ناكل لقمة مع بعضنا وبعدها أتحرك الأكل جاهز أصلًا مش هياخد حاجة.
جاوبه “أيـوب” بأسفٍ منه:
_معلش والله يدوبك لازم أتحرك، والدي مستنيني علشان قولتله هناكل سوى مرة تانية إن أراد لنا المولى.
ضحك له “نَـعيم” وقال بنبرةٍ مرحة:
_لأ خلاص طالما فيها الحج “عبدالقادر العطار” طول عمري اسمع عنه من “مصطفى” الله يرحمه وكنت أفضل أقوله طب خليه ينفعك وهو اللي عليه أنه أغلى من أهله، مقابلتوش بس قابلتك أنتَ وأظن الجواب باين من عنوانه أهو.
ابتسم “أيـوب” بسمته الخَجلة حينما يُطريء أحدهم عليه وعلى أخلاقه وتربية والده له ثم ودع بقية الشباب وتجهز للرحيل ومعه “يوسف” أيضًا الذي تحرك معه عائدًا إلى الحارة بعدما اطمئن على رفيقه.
في منطقة “الزمالك”
جلست “رهف” تفتح كافة أوراق العمل الخاصة بها ومعها والدتها أيضًا ثم تعود وتمسك هاتفها تبحث بداخله عما تُريد لكن بدون أي فائدة لم تصل لأي شيءٍ، كانت تشعر بالهشاشة والبكاء من داخلها وفي الخارج صدرت أقوى النُسخ منها، لم تعد تتحمل أكثر من هذا، كل البيانات المطلوب دراستها وكافة المعلومات والأرقام الحسابية البنكية، وكافة الأشياء الهامة وضعتها في هذا الملف لتقوم باستنباط النتيجة المنتظرة، ولم تتوقع أن في خضم عملها يختفي الملف بهذه الطريقة.
نزلت دموعها تزامنًا مع ارتفاع صوت هاتفها عاليًا برقم “مادلين” فأجابت هي بلهفةٍ ظنًا منها أن الأخرى وجدت مُرادها:
_ألو، ها يا طنط لقيتيه؟ أو أي ورق ليه علاقة بيهم؟
نطقت الأخرى بأسفٍ تنفي حدوث شيءٍ هكذا:
_للأسف لأ أنا بكلمك اسألك لو كنتي لقيتي أي ورق فيه معلومات عنهم بحيث إننا نقدر نعمل فايل جديد ونشتغل عليه مع بعض، قبل الأسبوع الجاي، مفيش قدامنا غير كدا.
ترقرق الدمع في عيني “رهف” وسحبت نفسًا عميقًا قبل أن تنفجر باكيةً ثم قالت بنبرةٍ مُختنقة:
_ماشي، هكلمك تاني.
أغلقت الهاتف وهي تبكي ثم ألقته على الأريكة، لم تتخيل أن تعب الأيام السابقة أصبح هباءً منثورًا، صعدت إلى غرفتها بكتفين مُتهدلين من الهزيمة التي تلقتها والخذلان التي تسببت فيه لـ “يوسف” الذي وثق بها، فلو كان “حمزة” معها هُنا لكان الأمر أصبح مختلفًا، لكن حتى من اعتادت عليه بمثابة جيشها لم يكن هو أيضًا.
جلست “شـهد” باسترخاءٍ تامٍ على الأرجوحة في الحديقة تتصفح هاتفها فوجدت “يوسف” كتب عبر “تويتر” جملته الأخيرة “الشبيه لشبيههِ يطمئن” فزفرت بعمقٍ ولم تحتاج وقتًا طويلًا لكي تفهم مقصد الجملة فمن المؤكد أنها لـ “عـهد”، لذا حاولت أن تبحث عنها فخطر ببالها أن تتفحص قائمة المتابعين من جهته لتجدها حقًا بينهم.
حسابٌ يحمل اسمها باللغة الإنجليزية
“Ahd Mahfouz” ضغطت اسم الحساب وبحثت بداخله ثم قامت بتكبير الصورة الخاصة بحسابها، فكانت صورة “عـهد” وهي تحمل “وعـد” وتحتضنها ودونت أسفلها كلمات تعبر عن العاطفة:
_هذا كوني برغم من صغره إلا أنه أكثر الأماكن في العالم احتواءً لي، هي مني وأنا منها، هي نجمتي وأنا سماها.
ابتسمت “شـهد” بسخريةٍ فوقع بصرها على “يوسف” يضع على كافة منشوراتها قلوبًا تعبيرية تدل على إعجابه بما تدون، هذا الذي لم يعر أحدهم أي إهتمامٍ يبدو أنه مولعًا بحسابها وصفحتها الشخصية بقدرٍ كبيرٍ.
أتت “فاتن” تجاورها وأتى “سامي” خلفها يجلسا معها، فانتبهت هي لهما وخاصةً لـ “سامي” الذي سألها باهتمامٍ:
_ها يا حبيبتي مبسوطة معانا هنا ؟؟ أنا مش عاوزك تفضلي في الشقة هناك لوحدك من غير “نـادر” علشان أفضل متطمن عليكِ.
ابتسمت له بمجاملةٍ وهي تقول برقةٍ كعادة طبعها معهم:
_متقلقش يا أنكل أنا بخير، لو حسيت إني محتاجة أروح الشقة هروح وهاجي تاني، أكيد مش هتأخر.
هنا هتفت “فاتن” بنبرةٍ محتدة في الحديث:
_لأ مش هينفع، طالما جوزك مش هنا يبقى تفضلي مكان ما إحنا موجودين تروحي لوحدك تعملي إيه هناك؟ أظن هو عارف إنك في البيت هنا معانا، يبقى تراعي المسئولية اللي عليكِ، أنتِ مبقيتيش صغيرة خلاص.
نظرت لها “شـهد” بعينين مُتعجبتين وقد ثبتت حركة بؤبؤيها فيما نطق “سامي” بنبرةٍ جامدة يوقفها عن الحديث بهذه الطريقة:
_”فـاتن” !! سيبيها على راحتها كدا ميصحش.
التفتت له ترد عليه بنبرةٍ جامدة وتوقفه من استرسال الحديث:
_مالكش دعوة أنتَ !! دا كلامي مع ابني مفهوم؟.
تركها “سامي” وشأنها ثم ركز بصره مع رسائل التهديد التي لازالت تُرسل له ثم تحرك من محله يقرأ المكتوب في محوى الرسالة التي كُتِبَ بداخلها:
_طب لو أخو “نَـعيم” مات فعلًا والناس قتلوه، أكيد قتلوا ابنه معاه، تفتكر بقى لما يعرف إنك السبب في قتل ابنه وأخوه، هيسيبك ؟؟ فكر فيها كويس.
ازدرد لُعابه بخوفٍ وضاقت عليه الضلوع حتى أن رئتيه كدا أن تنفجرا من شدة الضيق، لم يكن الأمر سهلًا بل يبدو أن من يراسله يعلم القصة ككل بأبعادها ومن المؤكد أن أبوب الجحيم شارفت على فتح مصراعيها ليقع بداخل الفوهة ثم ينفجر بعدها كما البُركان الثائر.
__________________________________
<“فاقد الشيء أحق من يُعطيه وكأنه هو من يعثر عليه”>
جلس الشباب مع بعضهم في بيت “الحُصري”
تحديدًا في بهو البيت لكن حالتهم كانت إلى حدٍ ما أفضل من السابق، حيث جلسوا مع بعضهم يلعبون مع “جودي” التي أضافت إلى الأجواء مرحًا كبيرًا جعلتهم يخرجون من قوقعة شرودهم وتفكيرهم فيما هو قادم عليهم.
أستغل “ميكي” حالة المرح التي جلسوا فيها مع الصغيرة وخاصةً “إيـهاب” الذي جلس على المقعد البلاستيكي واوقفها على قدميه وهو يرفعها تارةً و ينزلها تارةً أخرى وكأنها تتأرجح في الهواء وهي تضحك بسعادةٍ وهو أيضًا حتى وجدها تعانقه وهي تقول بحماسٍ كبير:
_بحبك يا “عـمهم”.
احتضنها “إيـهاب” وهو يضحك على جملتها وكذلك البقية فيما لثم هو جبينها بحنوٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة على عكس عادته الجامدة:
_و “عـمهم” بيحبك أوي أوي.
أقترب منه في هذه اللحظة “ميكي” يجلس وسطهم ثم قال بلهفةٍ أظهرت نبرته متعجلة:
_معلش يا “عمهم” عاوزك في كلمتين ضروري.
انتبه له “إيـهاب” فعدل وضع الصغيرة على قدميه ثم قال موجزًا بنبرةٍ جامدة:
_مـعاك، خير.
تحدث “ميكي” بنبرةٍ مترددة الوتيرة وكأنه يخشى التحدث لكنه نجح أخيرًا وهو يقول:
_الست أم “جنى” جوة عند جماعتك، معلش تكلمهالي أنتَ علشان هي عاوزة ضامن ليها، وعاوزة حد يديها كلمة وأنا مش هلاقي أحسن منك يعني.
ابتسم “إيـهاب” بسخريةٍ وهو يرد عليه:
_عاوزني على أخر الزمن دا أروح أكلم الحريم ؟؟ ملهمش راجل دول يعني؟ بعدين جواز إيه ؟؟ عندك مكان ياض تتجوز فيه ؟؟.
رد عليه الأخر يجاوبه بلهفةٍ:
_أيوة يا عمنا، أبويا خلص شقة عمي اللي في بيتنا وبدأت أوضبها، هي اوضيتن وصالتين، حلوة يعني أحسن من الإيجار، بس أمها بقى مش عاجبها، وأبوها مش معانا أصلًا، على فكـ… خرجت أهيه يا “عمهم” روحلها أبوس إيدك دي حطاني في دماغها.
تنهد “إيهاب” بثقلٍ ثم التفت ينظر للمرأة بعد خروجها من بيته ثم ترك الصغيرة وتحرك من محله نحو السيدة التي بدا عليها الشقاء والبؤس معًا، امرأة في أوائل العقد الرابع من عمرها ترتدي عباءة سوداء متهالكة وغطاء رأسها القديم يُغطي خصلاتها، وملامحها تنطق بالعجز.
أوقفها بنبرةٍ جامدة حين هتف:
_ست أم “جـنى” !! ممكن كلمتين ؟؟
رفعت رأسها نحوه ورحبت بمقترحه وهي تقول بنبرةٍ مؤكدة:
_طبعًا يا سي “إيـهاب” اتفضل يا أخويا.
حمحم بشخونةٍ ثم نطق بنبرةٍ هادئة ثابتة:
_أنا جاي بخصوص الواد “ميكي” دا واد طيب وغلبان وأنا أضمنه برقبتي، مالك بقى ؟؟ وإيه اللي يرضيكي ويرضي أبو “جَـنى” علشان نعمله؟؟
ابتسمت بسخريةٍ موجعة عند ذكره لاسم زوجها ثم هتفت بتهكمٍ:
_أبو “جـنى” ؟؟ بص يا أخويا أنتَ مش غريب عننا ولا تايه عن وضعنا، بس أديك شايف على حبة عينك أهو شقيانة من بيت لبيت وشغالة دلالة، ولو فيه واحدة عاوزة تمسح سلمها ولا تغسل سجادها ولا تروق بيتها أنا مبقولش لأ، أنا بعمل كل حاجة علشان عيالي، بس يا أخويا من حقي لما أجوز بنتي اتطمن إنها مش هتبقى زيي، مش عاوزة حظها يطلع زي حظي وفي الأخر تتشحطط من بيت لبيت علشان تقدر تقضي يومها.
لم يعلم لماذا آلمته بحديثها وأيقظت جروحه فلم يعي لنفسه سوى وهو يسألها بنبرةٍ غلظة قاسية:
_وفين جوزك ؟؟ مش المفروض أنه شغال على فردة توكتوك ؟؟ فين شغله وفلوسه ؟
ابتسمت بنفس السخرية ولمعت عيناها بعبراتٍ حارقة وهي تقول بنبرةٍ مُحشرجة:
_ أهو لا منه ولا كفاية شره، عاوز بس ياكل وينام ويشرب الهِباب اللي بيطفحه دا ومحدش يسأله على حاجة، زي قِلته ولا داري بأي حاجة، وأنا يا أخويا معايا في رقبتي ٤ عيال، عاوزني بقى أجوز وخلاص؟ طب أنا بقبل الذل والكلام من اللي يسوى واللي ميسواش، هي هتقبل ؟؟ مش كل الناس زي الست مراتك يا أخويا.
انتبه لها فحرك رأسه مستفسرًا باستنكارٍ نطقته عيناه فأضافت هي بامتنانٍ للأخرى _الغائبة عنهما_ لكن ذكرها الطيب حضر:
_”سمارة” الله يعزها ويراضيها ويفرحك بعوضك منها إن شاء الله، علطول يا أخويا تبعت للعيال حاجات حلوة ولو عندها هِدمتين كدا ولا كدا جُداد بتبعتهم للبنات، وساعات لو فصلت معايا تبعت اللي فاصلت بيه للعيال برضه، الله يسترها، غيرها بيقعد يتأمر عليا ويشوف نفسه، إنما هي والله ياريت الناس كلها زيها كدا، والأهم من كدا أنا هجيب فلوس الجهاز منين، دا أنا بجيب الحاجة من تاجر الجملة بطلوع الروح، هجيب جهاز العروسة إزاي؟.
دق قلبه من جديد لأجلها هي، هذا الميت يحيا بمجرد ذكراها، من ظنها متاهةً لن توصله تفاجأ بها هي الطريق الوحيد الذي يعبره به إلى بوابة الأمان ليستقر أخيرًا، لم ينكر أن هناك شيء نضج من جديد مثل تفتح الزهور بمجرد الاستماع لحديث المرأة ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_طب يا ست أم “جَـنى” أنا عند كلامي مش هغيره، الواد “مـكرم” طيب ميغركيش أنه اسمه “مـيكي” بعدين لو على الشغل هو معانا هنا أهو وماسك تقريبًا نص الليلة هنا، عاوزك تطمني وأنا لو عليا هظبطه، إنما بقى موضوع الجهاز متشغليش بالك أنا موجود واللي تحتاجيه تعالي بس “ميكي” ميعرفش حاجة ولا أبوها، أما ابوها نفسه فسيبيهولي أنا، لو مظبطهوش بحق مبقاش عمهم.
ابتهجت ملامحها ونزلت دموعها وهي تقول بنبرةٍ باكية:
_روح ربنا يجبر بخاطرك ويراضيك يا رب وتفرح بعيالك، إلهي ما تقع في ضيقة ويفتحلك السِكك المقفلة يا رب.
ابتسم لها ونظر في أثرها وهي ترحل من المكان ثم توجه ببصره إلى بيته وخاصةً نحو زجاج شرفة شقته فوجد المصباح مُضاءًا من خلف الزجاج البُني، فابتسم حينما تذكر حديث المرأة عنها وتحرك نحو الأعلى بخطواتٍ هادئة فوصله صوتها في المطبخ تقريبًا تقوم بإعداد وجبة الغداء، دلف يتكئ بكتفه على حواف باب المطبخ ثم ضم ذراعيه معًا يتابعها وهي تتحرك داخل المطبخ بانسيابية وما إن استقرت عند الطاولة الرخامية حينها وقف خلفها يهمس في أذنه بقوله صاحب النبرة الرخيمة:
_بتعمل إيه يا عمنا ؟.
التفتت له برأسها وقد تلاقت نظراتهما سويًا فأضافت هي بنبرةٍ مُتعجبة من هدوئه وطريقته:
_بعمل الغدا، خير فيه حاجة؟.
حرك رأسه موافقًا ثم اقترب منها يُلثم وجنتها بنفس الهدوء حتى اتسع بؤبؤاها من فرط دهشتها فوجدته هو يقول بنبرةٍ هادئة تماثل سابقتها:
_جاي أقولك إن أمي الله يرحمها شكلها الحبة اللي عاشتهم كانت متوصية وهي بتدعيلي علشان تطلعي أنتِ من نصيبي.
التفتت له بكامل جسدها فأحكم هو الحصار عليها حينما مد كلا ذراعيه يسد عليها الطُرق من الهرب فوجدها تسأله بتعجبٍ من حالته:
_”عـمهم” !! إيه يا أخويا أنتَ كويس ؟؟
ابتسم لها وحرك رأسه مومئًا يؤكد سؤالها فهمت أن ترد عليه لكن صوت “تَـحية” حينما دلفت أوقفها هي بينما هو التفت برأسه فوجد “تَـحية” تقول بإحراجٍ منه:
_يوه !! بتعمل هنا إيه يا “إيـهاب” ؟؟
سألها هو بنبرةٍ جامدة بعدما أفزعه صوتها:
_أنتِ اللي بتعملي إيه هنا ؟؟ دا مطبخي.
ضحكت “سمارة” وهي ترد عليه تجاوبه بقولها:
_ماهو أنا نسيت أقولك إنها كانت في الحمام.
ترك هو زوجته ثم سحب ثمرة الموز الموضوعة على الطاولة وهو يقول بتهكمٍ لهما:
_لأ إزاي دي قلة رباية مني أني جيت هنا، مشوفش واحدة فيكم بقى تطلب تفرح بعيالي.
خرج من المطبخ بل من الشقة بأكملها بعد حديثه الحانق بينما “سمارة” ضحكت عليه بنبرةٍ عالية جعلته يرجع من جديد وهو يقول محذرًا لها بقوله:
_وقفي ضحكتك يا حلوة بدل ما أجي أبوسك قدامها.
ضربت “تحية” كفيها ببعضهما وهي تضحك عليه وكذلك “سمارة” التي ابتسمت بحبٍ ثم رفعت أناملها تتلمس وجنته تحديدًا موضع قبلته لها.
__________________________________
<“جلبتنا إلى هُنا الرياح، فيبدو أنها تشتهيكم”>
نسمات الهواء الباردة مع رائحة الورد وورقات النعناع الخضراء والضوء الخافت فوق السطح كل هذه الأشياء راقبتها “عـهد” بنظراتها وهي تجلس فوق سطح البيت فوجدت نفسها تحن إلى والدها وبيت والدها والذكريات التي تركها لها والدها، فرفعت صوتها تُدندن كما عادتها:
_لينالينا، ليالينا
وتاهت بينا ليالينا،
ليالينا ليالينا
وتاهت بينا ليالينا،
وتاهت بينا تاهت ليالينا ليالينا
وقولنا نرسىٰ نرسىٰ على مينا، مشينا
وأدينا من غير أهالينا
مشينا وأدينا من غير أهالينا ولا حد بيسأل فينا.
توقفت تأخذ نفسًا تدخله إلى رئتيها ثم استأنفت الغناء من جديد بعدما ظهر البكاء في صوتها:
_وأتاري الدنيا غدارة، غدارة
بتغدر كل يوم بينا، غدارة
وأتاري الدنيا غدارة، غدارة
بتغدر كل يوم بينا،
والله وجيتي علينا يا دنيا
جيتي علينا وجيتي كتير على ناس قبلينا.
هنا وصل “يوسف” إلى سطح البيت بعد عودته من منطقة نزلة السمان لكنه لم يرد إفساد هذه اللحظة عليها خاصةً وهي تغني كلمات إحدى أغنياته المُفضلة وكأنها تتفنن في اختيار الكلمات التي تعبر عن وجعه، وقد تسمر في محله حينما تحركت هي من مكانها نحو اللوح الخشبي المُعلق وسحبت مقعدًا خشبيًا تجلس عليه وهي تستأنف الغناء من جديد:
_جيتي علينا وجُم وياكِ بعدما جابوا الحق علينا
عيني علينا يا دنيا يا عيني علينا
بيعي يا دنيا واشتري فينا
جيتي علينا وجُم وياكِ بعدما جابوا الحق علينا.
هنا بكت وهي تتذكر قسوة عائلتها وعنفوانهم معها هي وأسرتها في أكثر الأوقات التي كانت تحتاجهم حصنًا لها، ولم يختلف عنها هذا الغريب بل كان يشعر بما تشعر هي به ويعلم كيف يكون مذاق القسوة حينما تخرج من كؤوس الأقارب، وازداد شعوره حزنًا حينما قالت هي بنبرةٍ تبدو شاكية أكثر من كونها تغني:
_آه يا قلوب مفيهاش حنية
آه يا دموع جرحتي عنيا،
آه يا قلوب مفيهاش حنية
آه يا دموع جرحتي عنيا
توهتينا وجرحتينا وضيعتينا
مشينا وأدينا من غير أهالينا ولا حد بيسأل فينا
مشينا وأدينا من غير أهالينا ولا حد بيسأل فينا
وأتاري الدنيا غدارة، غــدارة
بتغدر كل يوم بينا، غـــدارة.
أوقفت الغناء ثم زفرت بعمقٍ فوصلها صوت تصفيقات عالية جعلتها تلتف للخلف فوجدته يقول بسخريةٍ هروبًا من الألم الذي حيا من جديد بداخله:
_هايل يا فنانة هايل، المرة الجاية نيجي بقطر ونقطع شرايينا علشان نبقى خلصنا خالص.
ضحكت رغمًا عنها من سخريته فسحب هو المقعد الثاني ثم جلس بجوارها وهو يقول بمعاتبةٍ طفيفة:
_إيه يا “عـهد” ؟؟ إيه يا “عـسولة” ؟؟ فيه أغاني كتير تانية معبرة وحزينة بس أنتِ مصممة تجرحينا كلنا كدا.
زفرت بقوةٍ ثم أمسكت القلم تكتب على اللوح جملة خطرت ببالها حالًا وهي تتذكر أحلامها ودراستها السابقة كل شيءٍ حلمت به وأضطرت آسفةً أن تتركه لكي تتناسب مع واقعها:
_كان نفسي أنور زي الشمس بعد الغيوم
بس الحياة والناس أكدولي أني موهوم.
سحبت نفسًا عميقًا من جديد ولمعت عيناها بعبراتٍ موجعة فلاحظها “يوسف” حينها نظر للجملة المكتوبة على اللوح ونظر في وجهها فوجدها تهرب من النظر إليه وكأنها تتحاشى التقاء عينيها بعينيه، فسحب هو منها القلم ثم كتب أسفل جملتها بتناسقٍ لا يليق بسواهما سويًا وسحبان من جعل التناغم جليًا بينهما بهذه الطريقة التي اتضحت حين كتب:
_اقنعوني أني فاشل وكُلي هموم
بس أنا بليل ببقى شاطر واطلع السما ألمس النجوم.
أشار لها بعدما كتب هذه الجُملة فاستقرت بعينيها على ما خطته أنامله هو، أما “يوسف” فترك مقعده ثم وقف خلفها بعدها جلس على عاقبيه وهتف بنبرةٍ هادئة يرفع من روحها المعنوية:
_كدا أحلى على فكرة، ومتسمعيش كلامهم هما مش مُهمين، محدش فيهم عاش حاجة مكان حد تاني، كلهم ناس ضعيفة علشان بيقولوا الكلام بلسان حال غيرهم، والشاطر اللي ميسمعلهمش ويفوتلهم، ولو الدنيا دي بتمشي برأي الناس كان زمان فلسطين اتحررت من اليوم اللي الكل قال رأيه إنها مُحتلة، أنتِ شاطرة أوي وجدعة أوي إنك مكملة كل دا لوحدك.
كان يخبرها بالحديث الذي يحتاج هو سماعه، يخبرها بما كان يتوجب على الآخرين أن يخبرونه به، يخبرها باكثر الكلمات التي يتتوق المرء لسماعها حتى ترتفع بسمو قدراته، أما هي فوقعت هُنا آسيرة عند هذه اللحظة خاصةً حينما تحرك هو يجلس مقابلًا لها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_الدنيا مبتديش اللي بيقف يشتكي، بس بتقدر اللي بيحاول، وأنتِ بتحاولي حتى لو لوحدك ومحدش شايف دا، توعديني إنك تفضلي تحاولي ؟؟ حتى لو لوحدك من غيري؟.
حركت رأسها موافقةً بعينين دامعتين دون أن تدرك على ماذا حركت رأسها فيما ابتسم هو لها ثم أمسك وجنتيها وهو يقول بنبرةٍ مرحة:
_حبيب عيوني.
ضحكت من جديد له وضحك هو أيضًا ثم عاد لموضعه بجوارها فسحبت هي نفسًا عميقًا ثم قال بامتنانٍ التقطه هو وفهم أنها تقصد به كل شيءٍ فعله لأجلها حتى الآن:
_شكرًا يا “يوسف”.
ابتسم لها ثم حرك كتفيه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_لا شكر على واجب دا واجبي يا “عسولة”.
خجلت هي من هذا اللقب ثم نظرت على اللوح الخشبي المُعلق ليقع بصرها على جملته هو ورددت هي بنبرةٍ خافتة:
_بطلع السما وألمس النجوم.
استمع “يوسف” لجملتها ونظر لها واستقر ببصره عليها، أراد أن يخبرها أنه يقصد نفسه بهذه الجملة وأن السماء هنا يقصد بها هذا السطح وهي !! هي ربما تكون النجوم المقصودة في جملته، كل شيءٍ هنا وارد، وكل شيءٍ بجوارها آمن، حتى رأسه هادئة من ضجيجها المُزعج، كل شيءٍ وكافة شيءٍ وكأن خير ما حدث في يومه أنه أتى مع موجات الرياح إلى هُنا، فيبدو أن الرياح تشتهي طُرق السفن.
علمت “قـمر” أن شقيقها وزجها آتيا مع بعضهما من مشوارهما فأخرجت هاتفها تطلب رقم “أيوب” الذي كان يتجه إلى محل عمله، وما إن هاتفته جاوب على المكالمة بنبرةٍ مرحة وهو يقول:
_أهلًا يا كُل ناس الأسطى، عامل إيه يا “قـمر”؟
ضحكت من طريقته بصوتٍ عالٍ ثم أوقفته عن هذه الطريقة بقولها:
_لو سمحت أنا بكلمك وأنا متضايقة متضحكنيش وتضعف موقفي، جاي رايق أهو يعني، كنت بتخوني يا “أيـوب” ؟
رد عليها بسخريةٍ وهو يجلس أمام محله على المقعد الخشبي:
_أخونك !! طب اتجوزك الأول علشان يبقى عندي مبرر للخيانة، إنما من الباب للطق كدا علطول ؟؟ مالك بس.
سحبت نفسًا عميقًا ثم قالت بيأسٍ حينما عاد الحزن لها من جديد:
_دلوقتي أنا شوفت الحاجات اللي المفروض المسلم يعملها في يومه، يعني الصلاة وورد القرآن والأذكار والقيام والدعاء والنية وسورة البقرة كل يوم، أنا معملتش حاجة من دي قبل كدا خالص، واللي ضاع من عمري كان كتير، ثانيًا بقى لما أعمل كل دا هيكون صعب، طب بلاش ربنا هيقبل مني ويسامحني على اللي فات ؟.
كانت تسأله بترددٍ وكأنها تخشى جوابه لربما يكون مُحبطًا لها، لكنه فهم ما تشعر هي به، فسحب نفسًا عميقًا ثم قال بنبرةٍ هادئة رخيمة:
_بصي يا “قـمر” الحياة دي بتمشي فيها درجات، محدش بياخد الطريق كله نط مرة واحدة، يعني أنا مش هصحى الصبح أكون ملتزم وحافظ القرآن والأحاديث والأذكار وبصلي السُنن والفروض كمان، كل حاجة بتيجي واحدة واحدة، يعني نبدأ ننتظم في الصلاة ومنأخرش الفروض بعدها الورد اليومي بعدها السُنن، قليلٌ دائم خيرًا من كثيرٍ منقطع، يعني لو أنا بعمل حاجة قليلة باستمرار ومواظب عليها أفضل من الكتير اللي بعمله كل فترة.
أخرجت هي أنفاسها المحبوسة داخل رئتيها بعدما طمئنها بحديثه، فيما قال هو من جديد مُكملًا على حديثه السابق:
_تاني حاجة بقى لو الإنسان عزم النية للتقرب من الله سبحانه وتعالى يبقى كل الطُرق هتتهيأله، ازاي؟
”إِذَا عَزمَ العَبدُ علىٰ تركِ الآثامِ أتَتْهُ الفُتُوح”
_ “سَلمَة بُن دِينَار” قال كدا في توضيح منه إن لو الإنسان قرر وعزم النية من داخله على ترك المعاصي والآثام، هيلاقي إن الطرق كله ظهرت وكذلك الأبواب التي يظنها مغلقة هتتفتح له، علشان كدا واجب على المسلم يقوي عزيمة نفسه قدام شيطانه.
امتنت هي لحديثهِ وأرادت أن تخبره بصراحةٍ عما يجول ويثور بخاطرها:
_بصراحة !! أنا بقيت بخاف في مرة تحس إن مش أنا اللي كنت عاوزها أو أني مقارنةً بيك بعيدة عن طريقك، بس بتطمن إنك معايا، مش هتسسيني صح؟ أكيد يعني هتاخدني لطريقك أنتَ، رغم إنك خلصته وأنا لسه في بدايته والفكرة تقلق، بس كفاية إحساس إنك صاحب كل جواب لأي سؤال عندي.
أبتسم هو عند جهته ثم قال بنبرةٍ رخيمة يؤكد لها صدق ما تفوهت هي به:
_بصي أنا ممكن أكون بالنسبة ليكِ شيخ أو حتى راجل بيفهم في الدين و بيجاوبك على كل الأسئلة، بس أنا زيي زيك، لسه في أول الطريق وبخطي واحدة واحدة، طريقي مخلصش زي ما أنتِ فاكرة، بالعكس دا بيبدأ لسه، لسه أهم مرحلة في حياتي، وهي إننا نوصل للجنة مع بعض، وإني أكون صاحب بيت مسلم، يعني التحدي الأكبر ظهر دلوقتي وأنا عليا أكون قد التحدي دا وأثبت أني راجل مقتدي بسيدنا محمد ﷺ.
تنهدت “قـمر” بسعادةٍ ولم تنكر أنه طمئنها وأراح ذهنها من التفكير وأنه دومًا يؤكد لها أنها تستحقه على الرغم أن قلبها وعقلها يتفقان على عكس هذا لكنه خُلق لأجلها وخلقت هي منه وجمعت طرقاتهما سويًا الرياح.
__________________________________
<“كُلما ظننتُ به الخير يفاجئك بشرهِ”>
كانت “مهرائيل” تقف خلف الستائر الموضوعة على مقدمة الرواق من جهة الداخل تستمع لهذه الجلسة التي انتظرتها ببالغ صبرها، كانت ترتدي فستانًا باللون الأسود ذي أكمام منتصفة الطول تصل لمرفقيها وقامت بفرد خصلاتها الشقراء لتكون لوحة رقيقة هي مبدعتها وهي اللوحة بذاتها في أنٍ واحدٍ.
في الخارج جلس “بيشوي” وجاوره “تَـيام” فنطق الأول شارحًا للموقفِ بقوله بنبرةٍ هادئة:
_أنا جيبت “تَـيام” معايا علشان عيب أدخل لوحدي، والمرة الجاية هييجي معايا أخواتي كلهم وأمي وكبيري الحج “عبدالقادر”.
رد عليه “مـلاك” مُستحسنًا فعله بقوله:
_فيك الخير والواجب عمره ما يفوتك، على البركة.
تحدث “جـابر” بثقةٍ وكأنه لم يرضخ للهزيمة بهذه السهولة:
_طب ندخل في الموضوع علطول، أنتَ جاي تطلب أيد بنتي، وأنا موافق بصراحة.
ظهر التعجب على ملامح الجميع حتى “مهرائيل” التي نظرت لـ “مارينا” بحيرةٍ فحركت الأخرى كتفيها، لكن التعجب تلاشى فورًا حينما قال “جـابر” بإصرارٍ وكأنه يتحدى “بيشوي” بهذه الطريقة أو لربما يقصد معاندته:
_ليا شرط وهو إنك تسحب كل شغلك اللي تحت إيد “عبدالقادر” وكل حاجة ليها علاقة بيهم تبقى باسم بنتي، وتشاركني، واعتبره زي ما أخواتنا المسلمين بيقولوا كدا مهرها.
حلت الصدمة عليهم جميعًا وخاصةً “مـلاك” الذي تسبب ابنة شقيقته في إحراجه وكذلك “تَـيام” الذي رمقه بسخطٍ على عكس “بيشوي” الذي أنصدم وكأن المسافات التي ظنها تتلاشى، تزداد عليه.
__________________
متنسوش تدعوا لإخواننا في فلسطين، ومتنسوش إن الدعاء سلاح والكلمة جهاد، وأن وعد الله حق.
__________________________
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)