رواية غوثهم الفصل السادس عشر 16 بقلم شمس محمد
رواية غوثهم الجزء السادس عشر
رواية غوثهم البارت السادس عشر
رواية غوثهم الحلقة السادسة عشر
“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل السادس عشر”
“يــا صـبـر أيـوب”
____________________
كيف يكون وقت المسلم كله عبادة؟
◾️ الجواب: إذا تعبد الله تعالى بالذكر، سواء كان باللسان أو بالقلب، فالتفكر بآلاء الله وآياته من العبادة، وذكر الله تعالى باللسان عبادة، وقوله:
«سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» عبادة
وهما كلمتان قال فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: “كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم”.
• والمؤمن الموفق يمكن أن تكون عاداته عبادات، والغافل قد تكون عباداته عادات، وكل هذا مداره على النية، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنا لكل امرئ ما نوى».
[فتاوى على الهاتف لابن عثيمين (٢\٥٩٠-٥٩١)]
_____________________
يبكي لكونه وحيدًا ولم تنصفه دُنياه، يتألم لكونه مُتعبًا من حزنٍ لم يصل لمنتهاه، يُحاسب على أخطاءٍ لم تقترفها يداه، ويسير تائهًا في طريقٍ مُميتٍ بلا حياة، يُلقى وسط طُرِق الخوف بلا نجاة، هو المهزوم الذي احتله البكاء وتعبته عيناه.
هتف “عاصم” باستعلاءٍ وكأنه محور الكون ويعلم كل المدارات الكونية موجهًا حديثه للمحامي:
_طب وإيه الجديد ؟؟ كل دا معروف وأنا وأختي مقسمين كل حاجة بيننا، أدخل في المفيد يا متر.
حرك رأسه موافقًا ثم فتح حقيبة أوراقه وقال بنبرةٍ عملية بعدما أمسك في يده الأوراق:
_المفيد في الموضوع هو إن مدام “حكمت” الله يرحمها كتبت كل نصيبها للحفيد الخاص بالعائلة في ورق رسمي موثق.
أبتسم “نادر” بحماسٍ و والده أيضًا بخلاف نظرات البقية، ليتبدل الوضع بأكمله عند نطق المحامي بقوله:
_للبشمهندس “يوسف مصطفى الراوي” الوريث الوحيد لعائلة “الراوي” من بعد “عاصم” الراوي، وبالتالي كل أملاك المدام هتتنقل ليه هو.
هتف “يوسف” في تلك اللحظة متشفيًا بهم ناطقًا:
_يا حبيبتي يا تيتة !!.
اندفع “عاصم” من محله ينطق بنبرةٍ أقرب للصراخ:
_نــعم ؟؟ أنـتَ اتجننت يا “نـاجي” ؟؟ يعني إيـه؟؟ هتكتب الورث ليه إزاي وهو مش حفيدها؟؟ دا حرام شرعًا.
هتف “يوسف” بسخريةٍ يرد عليه بدلًا من الأخر:
_يا سلام على التقوى ؟؟ عرفت الحلال والحرام ؟؟
التفت “عاصم” له يهدر في وجهه مُنفعلًا:
_أخرس أنتَ خالص، سامع ؟؟ متفتكرش إنك هتاخد مني حقي في أمي، دا في خيالك.
انتفض “يوسف’ بأعصابٍ مشدودة وقد وصل لذروة غضبه وانفعل قائلًا:
_علشان دا مش حقك أصلًا، دا حق جدتي وأبويا اللي أنتَ وأمك طمعتوا فيه، كل اللي هنا بتاعي أنا، وهتموت وهاخد منك كل حاجة بصفتي الوريث الوحيد هنا، وبصفتك محروم من الخلفة، يعني مد رجلك براحتك مسيرها كدا كدا عندي برضه.
هم “عاصم” برفع يده لكي يصفعه فتدخلت “فاتن” تحول دون ذلك بعدما انتشرت شهقة قوية في الأرجاء واستنكارٌ غلف المُحيط، فيما وقف “يوسف” ثابتًا كما هو دون أن يحرك ساكنًا أو حتى يظهر عليه الاهتزاز لتهتف عمته ببكاءٍ وصراخٍ:
_أنتَ اتجننت يا “عاصم” ؟؟ هتمد إيدك عليه؟؟ خلاص الفلوس هتخليك تاكل ابن أخوك ؟؟.
هتف أخاها بنبرةٍ جامدة يحذرها من التدخل بقوله:
_ خليكي بعيد أحسن يا “فاتن” الواد دا تلاقيه مضاها وهي تعبانة ولا عمل حاجة من ألاعيبه، أمك مش هتعمل كدا من نفسها يعني.
هتفت بتأكيدٍ وإصرارٍ وكأنها تتحداه:
_ لأ تعمل كدا، عارف ليه ؟؟ علشان دا مش حقنا أصلًا، دا حقه هو وأبوه اللي إحنا ملناش حاجة فيه وأمك طمعت فيه وأنتَ معاها، أمك بترجع الحق لصحابه، وأنا هعمل زيها لو ليا حاجة هسيبها لـ “يوسف”.
اقترب “سامي” منها يمسك مرفقها بعنفٍ وهو يقول بغضبٍ ظهر في مقلتيه وهو يحدجها بنظراتٍ ثاقبة:
_دا يبقى أخر يوم في عمرك لو فكرتي تعمليها، روحك هتخرج قبل ما تكتبي حرف واحد بس للحيوان دا.
هتفت في وجهه بصراخٍ تتحداه بقوةٍ لا تعلم كيف تسلحت بها:
_ لأ هعمل كدا وهديله حقه علشان مفيش حاجة في دي بتاعة واحد فينا، ومش هخاف من واحد فيكم، فــاهم.
صرخت بكلمتها وهي تدفع يده عنها ليصلها جوابه على هيئة صفعة قوية نزلت على صفحة وجهها ألمتها وأهانتها أمامهم جميعًا حتى انفلجت شفتاها عن بعضهما بذهولٍ ونزلت دموعها وكل ما بقى في سمعها فقط صدى الصفعة على وجهها، ودموعها المُنهمرة و “يوسف” ينظر لها بصدمةٍ وثبت عينيه عليها ورغمًا عنه ظهرت الشفقة لأجلها عليه فوجد “سامي” يقترب منها يضغط على ذراعها وهو يقول بانفعالٍ:
_شكلك اتجننتي ومحتاجة حاجة تعقلك وأنا بقى هعرفك مقامك.
اغتاظ “يوسف” منه وانتفخت أوداجه غضبًا لذا وقف أمام عمته كالحصن المنيع يسد أمام الأخر سُـبل رؤيتها وهتف بنبرةٍ جامدة يُهين الأخر بقوله:
_مبقاش غيرك أنتَ يعرف الناس مقامها؟؟ طب سيبها لحد عنده شرف شوية علشان تبقى مُقنعة، ولا إيه ؟؟
دفعه “سامي” في كتفه وهو يصرخ في وجهه:
_وأنتَ مال أهلك ؟؟ مراتي وبربيها، أطلع منها أنتَ، مبقاش غيرك يا رد السجون اللي تتكلم ؟؟
طفح الكيل وطفق غضبه في التفاقم عن حدود التحمل لذا رفع كفه يهبط على وجه “سامي” بصفعةٍ قوية وهو يقول بنفاذ صبرٍ وغضبٍ أعمى:
_رد سجون يا ابن الرقاصة ؟؟.
تدخل “نادر” مُندفعًا بعدما وجد “يوسف” يُهين والده أمام عينيه وقد أوشك على دفع “يوسف” لكن “شهد” أوقفته و معها “مادلين” أيضًا لينطق “نادر” بصراخٍ:
_بتمد إيدك على أبويا يا **** لو دكر وريني نفسك.
أخفض “يوسف” جسده يمسك الزجاجة الموضوعة على الطاولةِ ثم كسرها نصفين وقلبَ جهتها الحادة وهو يقول بأنفاسٍ مُتقطعة من فرط الإنفعال:
_لو دكر أنتَ قرب وتعالى أقف هنا قصادي، ولو البيت دا فيه حد قلبه جايبه ييجي يقف قصادي وأنا هوريه شغل العربجية ورد السجون على حق، هـا ؟؟
نظروا لبعضهم بدهشةٍ وخاصةً “شهد” التي طالعته بخوفٍ وصدمةٍ جعلتها تفكر في ماهية الشخص الذي يقف أمامها، بدت وكأنها لم تعرفه، بينما هو التفت لعمته يقول بنبرةٍ جامدة:
_اطلعي هاتي حاجتك….يـــلا.
اجفل جسدها من صراخه ثم حركت رأسها موافقةً وتحركت من أمامه ليلتفت هو لهم من جديد يقول مُهددًا لهم بصراحةٍ:
_عاوزكم بقى تقفولي هنا علشان اخليكم تروحوا تتصافوا مع المرحومة، لو على قلة الأدب هي عندي بالطن واللي عاوز هعبيله.
تدخل “ناجي” يقول بتوترٍ وتلجلجٍ:
_يا “يوسف” أنتَ كدا بتعقد الدنيا، استنى بس وكل حاجة هتتحل بالهداوة، دا شيطان ودخل بينكم.
التفت له يقول بنبرةٍ جامدة وغضبٍ أخذ يتفاقم:
_لأ لأ الكلام دا مش واكل معايا، الشيطان عايش هنا ومتربع وسطهم، وأنتَ تكلمني علشان نخلص الليلة دي كلها وأخد اللي ليا، أظن كلامي مفهوم ؟؟.
رماه “عاصم” بسهامٍ قاتلة وهو يضغط على قبضة يده بينما “نادر” وقف بجوار أبيه يربت على كتفه والاخر يلهث بقوةٍ وهو يفكر في الثأر لكرامته المهدورة على يد “يوسف”.
_______________________
فوق سطح بيت “العطار” استمر “أيوب” في عمل تدريبات الضغط الجسدية وهو ينظر في اللاشيء أمامه وكل ما يجول بخاطره “يوسف” وشخصيته التي أوضحت صعوبة التعامل معه، كيف يأخذ الخطوات الأتية بدونه وهو صاحب الحق، وكيف يأخذها معه وهو أيضًا صاحب كل الحق؟؟ أصبحت الأمور أكثر تعقيدًا مما سبق وهو من يحمل هَم القادم.
انتبه لصوت “إياد” يقول مؤنبًا له:
_برضه طلعت من غيري؟؟ مش قولتلك نطلع سوا؟
تنهد “أيوب” مُطولًا ثم جلس على ركبتيه ينطق بقلة حيلة:
_للأسف أنا مقدرتش استنى وطلعت بسرعة، بس اللي أنتَ عاوزه هعمله علشانك، تؤمر بإيه ؟؟
رد عليه بقلة حيلة وهو يحرك ذراعيه في الهواء:
_أي حاجة أنتَ أصلًا شكلك زعلان، مالك ؟؟
صعدت “آيات” لهما تمسك في يدها صينية معدنية بها صحون كعك صغيرة الحجم ومعها زجاجة عصير وقالت بنبرةٍ مرحة:
_عملاه لأجل عيونكم انتم الاتنين، قولت أخد نوايا خير من باب إدخال السرور على قلوبكم و من باب البر بالأهل.
ضحك “أيوب” وكذلك الصغير لتقترب هي منهما ثم وضعت الصينية وجلست على المقعد حتى أتىٰ لها شقيقها يجلس بجوارها وكذلك “إياد” الذي قال بحزنٍ:
_”أيوب” ماله يا “آيات” ؟؟ مش كان كويس ؟؟
حركت كتفيها كدليلٍ على جهلها بالأمر ثم انتبهت لأخيها الشارد أمامه فسألته بلهفةٍ:
_مالك يا “أيوب” ؟؟ شكلك باين إنك متضايق، فيه حد زعلك؟؟ دا أنتَ حتى قربت تبقى عريس.
تنهد مُطولًا ثم قال بثقلٍ جثى فوق صدره يكتم حريته:
_أول مرة تتعقد معايا كدا وابقى مش عارف ليها حل، أول مرة احس بيأس وأنا كنت فاكر نفسي عزيمتي قوية، بس أنا إنسان وضعيف أوي، أعمل إيه في اللي أنا فيه يا “آيات” وأنا مطلوب مني احارب في كل الجهات؟؟ الحكاية عمالة تتعقد لدرجة حسستني إن اللي أنا عاوزه مستحيل.
تنهدت “آيات” بوجهٍ مبتسمٍ ورفعت كفها تضعه على كتفه لتزفر بقوةٍ من جديد، فوزع “أيوب” نظراته بينها وبين كفها الموضوع على كتفه ليسألها بسخريةٍ:
_والله ؟؟ كدا الموضوع اتحل خلاص ؟؟ نورتي المحكمة يا غالية.
حركت رأسها نفيًا وهي تقول بوجهٍ مبتسمٍ وحكمةٍ:
_فعلًا الموضوع اتحل، لأن اللي أنتَ فيه العُسر اللي هييجي بعده اليُسر إن شاء الله، الشيطان وقفلك بالمرصاد قدام قوة إيمانك لدرجة خلتك تضعف، بس دا غلط، لأن فيه حكمة من كل حاجة بتحصل لازم نواجه الأمور علشان نفهمها.
نظر لها باهتمامٍ بعدما أسرت هي تركيزه بحديثها ولُطفها، لتضيف هي في متابعةٍ بنفس الأسلوب السَلِس:
_” وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَالَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ”
اللهُم صبرًا على ما لم نُحِط به خُبرًا ..
ورضا بكل قضاء حسبناه شرًا، فكان عاقبته خيرًا لنا، اللهم صبرًا ..اللهم جبرًا .. اللهم قوة يا رب العالمين
لو لم تُخرق السفينه ؛ لسُلبت
لو لم يُقتل الغلام ؛ لأشقى والديه .
لو لم يُقم الجدار ؛ لضاع حق اليتيمين .
أمور ظاهرها المصائب والابتلاءات وباطنها الرحمات .
فخيرة الله خير للعبد من خيرته لنفسه .
ف اللهمَّ صبرًا على ما لم نُحِطْ به خُبرًا.
أتركها تأتي كما كتبها الله لك؛ فرب الخير لا يأتي إلا بالخير.
أبتسم “أيوب” بتأثرٍ ولمعت عيناه بفخرٍ بسبب شقيقته التي اثبتت له نجاح تربيته لها، فتنهد بعمقٍ وهتف براحةٍ تخللت ثقوب روحه:
_الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه، اللهم إني توكلت عليك وأنتَ خير المُعين.
سألته “آيات” بحماسٍ بعدما رأت الراحة باديةً على ملامح وجهه:
_ها ؟؟ أقنعتك ؟؟
حرك رأسه موافقًا بوجهٍ مبتسمٍ وأضاف موضحًا:
_ريحتيني، وكويس إنك معايا علشان الطريق صعب أوي.
اتسعت ابتسامتها أكثر فيما حرك “أيوب” رأسه نحو الصغير الجالس وسطهما فوجده يأكل من طبق الكعك بدون أن يكترث لهما من الأساس، فضرب “أيوب ” كفيه ببعضهما وهو يقول بضجرٍ:
_يابني لحقت ؟؟ دول هما كلمتين وخلصنا.
رد عليه “إياد” بضجرٍ:
_ما أنتوا عمالين ترغوا من الصبح، هناكل إمتى ؟؟
نظر “أيوب” و “آيات” لبعضهما؛ لينطق الأول بحديث توارى به الخُبث ليبدو كأنه يحدث شقيقته:
_قوليلي يا “آيات” تحبي تشوفي الديسكافري؟؟
حركت رأسها موافقةً بحماسٍ فيما شهق “إياد” حينما فهم مقصدهما الخبيث وقبل أن يتحرك من محله قبض “أيوب” على ذراعه وهو يقول بشرٍ زائفٍ:
_والله ما يحصل، مش إحنا رغايين؟؟ صبرك عليا.
وقف “أيوب” وحمله على كتفه فيما وقفت “آيات” هي الأخرى وهي تضحك ومعها زجاجة مياه تنثر منها عليهما و “أيوب” يدور بالصغير الذي صرخ بخوفٍ وقال بأنفاسٍ متقطعة:
_هتشوفوا نفسكم عليا يا ولاد “عبدالقادر” دا أنا اللي عامل للبيت حِس، فوقوا من غيري الناس هتفتكركم نايمين أصلًا.
شهقت “آيات” بدهشةٍ فيما توقف “أيوب” عن الدوران ثم قال بتوعدٍ:
_طب علشان خاطر لماضتك دي، أنا هخلي الناس كلها تفتكرك نايم للأبد يا ابن “أيـهم”.
قال حديثه ثم أمسكه بيدٍ واحدة يدور به والأخر يصرخ باستغاثةٍ لم تنفعه بشيءٍ خاصةً و “آيات” تطالعه بشماتةٍ به بعدما أمسكت طبقها.
_____________________
في بيت “فضل” خرجت “أسماء” من المطبخ لتجد “غالية” تقوم بـ كي الملابس بينما “ضُحى” تتابع عملها على الحاسوب وهي تنقل البيانات في الورق الموضوع أمامها، “قـمـر” تتابع التلفاز باهتمامٍ جليٍ وهي تتناول من أطباق التسالي الموضوعة بجوارها فصرخت “أسماء” فيهن بصوتٍ عالٍ تقول:
_بت أنتِ وهي ؟؟ جنس مِلتكم إيه ؟؟ قومي فِزي منك ليها بدل ما أجيب شعرك أنتِ وهي في إيدي.
انتبهن لها جميعهن فيما سألتها “غالية” بتعجبٍ:
_مالك يا “أسماء” ؟؟ ما تسيبيهم قاعدين ياستي.
هتفت “أسماء” بضجرٍ:
_اسكتي أنتِ يا “غـالية” مش ناقصة على المِسا، دي أشكال عندها فرح قرب ؟؟ دي ناس هتناسب عيلة العطار ؟؟ واحدة قاعدة رشقالي عينيها في المحروق دا، والتانية أبلة فضيلة بتشتغل ليل ونهار ؟؟ أشق هدومي منكم؟؟
قالت “قـمر” بحيرةٍ من انفعالها الغير مُبرر:
_الله ؟؟ يا ستي ما احنا مستنيين خالو يحدد الميعاد معاهم، وبعدها بقى نبدأ نجهز، لكن دلوقتي هنعمل إيه ؟؟
اقتربت منها “أسماء” تضغط على وجنتيها وهي تقول من بين أسنانها:
_نصنفر الخِلقة دي، نهتم بشكلنا شوية، نتشقلب علشان يبان علينا، أنا اللي هقولك يا بنت الخايبة ؟؟ خليكي كدا وش فقر زي خالك، جينات هباب.
ردت “ضحى” بضجرٍ بداخله بوادر المزاح:
_والحج “فضل” ذنبه إيه بس يا “أسماء”.
ردت والدتها بنبرةٍ عالية تهكمية:
_علشان تربيته يا عيون “أسماء” خليها كدا موكوسة، أقولك قومي يا بت يا “ضحى” اعملي اللي كنتي بتعمليه لما خطيبك مخفي الاسم والهوية دا كان بييجي، يلا اعتبري نفسك حمام التلات يا روح أمك.
قامت “ضحى” من محلها تسحب “قمر” من كفها وهي تقول بنبرةٍ ضاحكة لكنها يائسة:
_حاضر من عيوني الاتنين، علشان خاطر فرحتنا بـ “قمر” بس هو إحنا عندنا أعز منها ؟؟
هتفت “قـمـر” بحبٍ لهما:
_يعني هو أنا ليا مين غيركم ؟؟ والله ما مصدقة أني هسيبكم.
سحبتها “ضُحى” من يدها وهي تقول بنبرةٍ ضاحكة:
_يلا بس دا الحلم بيتحقق أهو، فتى أحلامك جايلك يا بنت المحظوظة، ابقي ادعيلي معاكي، شكل دعواتك مُسجابة.
ردت عليها “قمر” بنبرةٍ ضاحكة:
_بدعيلك والله ربنا يعوضك إن شاء الله.
نظرت “غالية” في أثرهما بوجهٍ مبتسمٍ لكن بسمته حزينة فسألتها “أسماء” باهتمامٍ جليٍ بعدما أمعنت النظر في وجهها:
_مالك يا “غالية” ؟؟ أنتِ هتعيطي؟؟
حركت رأسها موافقةً ونزلت دموعها وهي تقول بوجعٍ وأسى وكأنها فقدت زمام الأمور من يدها:
_كان نفسي “مصطفى” و “يوسف” يكونوا موجودين معانا، طب “مصطفى” والله يرحمه، “يوسف” ابني فين ؟؟ فرحتي ناقصة ببنتي من غيره، منكم لله يا عيلة “الراوي” يوجع قلبكم يا بُعدا بحق حرقة قلبي على اللي ليا.
بكت بوجعٍ جعل “أسماء” تقترب منها وتضمها إليها وهي تقول بنبرةٍ حزينة أخذتها من الأخرى:
_ربنا يبرد نارك وينتقم منهم عيلة الجرابيع دول، صدقيني كل حاجة هتبقى كويسة إن شاء الله، قولي يا رب بس.
صرخت الأخرى ببكاءٍ وقد نفذ صبرها وطفح كيلها من تحمل تلك المآساة التي لازال أثرها باقيًا عليهم جميعًا.
____________________
خرج “إيهاب” بزوجته من المول التجاري وهما يمسكان في أيديهما الحقائب البلاستيكية فسألها قبل الرحيل باهتمامٍ:
_فيه حاجة تاني عاوزاها ؟؟ قبل ما نمشي علشان مش هفضى دلوقتي خالص.
ردت عليه “سمارة” بلهفةٍ:
_لأ والله دا كدا حلو خالص، بس مش بعرف ألف الطرحة كويس، استنى يوم السبت بقى ألبس الطرحة علشان ابقى بدأتها يوم السبت من أول الأسبوع.
رد عليها بسخريةٍ منها:
_وليه ؟؟ خليها على أول الشهر أحسن، هي جمعية يا بت؟؟ دا حجاب يعني تلبسيه وتبدأي في أي وقت، ربنا يهديكي.
سألته بتعجبٍ وهي تسير بجواره تمسك ذراعه بكفها الذي حاوط مرفقه:
_قولي صحيح يا سي “إيهاب” هي الجامعة اللي كنت فيها دي اتعلمت فيها إيه ؟؟.
رد عليها بوجهٍ مُبتسمٍ:
_أنا يا ستي خريج كلية التربية الرياضية.
عقدت ما بين حاجبيها باستنكارٍ ليضيف هو موضحًا:
_يعني اعتبريني يا ستي مدرب سباحة أو چيم، وعلى فكرة أنا في العملي كنت شاطر أوي وجايب تقديرات عالية، مش شايفة تقسيمة الجسم ؟؟
سألها بزهوٍ في نفسه جعلها تبتسم وهي تقول بطريقةٍ عشوائية كعادتها:
_يا أخويا ربنا يحفظك ويبعد عنك عيون الستات والبنات وكل جنس حوا وما يفضل غير عيوني أنا.
جاهد ليكتم ضحكته ثم وقف أمامها يقول بهيامٍ اقتبسه من الهواء البارد الذي حاوط أجوائهم بنسماته اللطيفة:
_مش مهم كلهم…. المهم عيون “إيهاب” شايفة مين.
سألته هي بهدوءٍ مماثل لهدوءه:
_طب وهو عيونه شايفة مين ؟؟
اتسعت ابتسامة عينيه وهتف بصدقٍ وهو يطالعها بشغفٍ:
_مش شايف غيرك أنتِ.
ابتسمت بخجلٍ نادر الحدوث جعله يسأل بلهفةٍ:
_”سمارة” أنتِ اتكسفتي؟؟
حركت رأسها موافقةً وقالت بعدها بحديث يُنافي سابقه:
_أصل صوتك هادي وعيونك حلوين بتسبلي وأنا بصراحة بموت في التسبيل.
تلاشت بسمته وهتف ساخرًا:
_أهو كدا طمنتيني عليكي، يلا قدامي يا عمنا.
(بعد مرور بعض الوقت)
وصلا سويًا داخل حدود بيت “الحُصري” وهي تمسك يده وتسير بجواره وتمسك الحقائب بفرحةٍ كبرى وكأنها طفلة صغيرة أتى والدها لها بملابس العيد لتزداد فرحتها بجواره أضعافًا، لاحظهما “نَـعيم” فرفع صوته ينادي على “إيهاب”، فوقف الأخر يهمس لها بقوله:
_روحي أنتِ البيت وحضري العشا وأنا هخلص مع الحج وأجيلك، يلا.
ردت عليه تحذره بقولها:
_عارف لو اتأخرت أنا هعمل فيك إيه ؟؟
حرك رأسه موافقًا فرفعت نفسها تقبله في وجنته ثم تحركت للداخل بدون أن تُزيد من حديثها فيكفي فعلها الوقح الذي جعله مُتيبسًا محله حتى اطمئن على دخولها للبيت فذهب لموضع الرجال بثباتٍ وجلس بجوار شقيقه وهو يقول باذعانٍ:
_اوامرك يا عمنا، خير يا حج ؟؟
رد عليه بنبرةٍ هادئة لكنها قوية:
_خلي “فتحي” يروح بيته أحسن يا “إيهاب” وكفاية كدا.
اندفع “إيهاب” يسأله بغضبٍ تمكن منه:
_نـعم ؟؟ ليه إن شاء الله ؟؟ مش هخرجه لو بموتي.
رد “نَـعيم” بإصرارٍ يتمسك بقراره:
_هيخرج، مش ناقص تلبس مصيبة تانية واحنا لسه بنلم في الأولانية، مش هيبقى همك وهم “يوسف” !!.
تمكن العناد من “إيهاب” أكثر وانتفض واقفًا يقول:
_متشيلش همي يا حج، أنا مش عيل صغير بس ابن ***** مش هيخرج من هنا، اللي ليا عنده كتير وأنا مبسيبش حقي واللي بعمله فيه دا يدوبك نقطة في بحر العذاب اللي هيشوفه.
لاحظ “نَـعيم” انفعاله فبدل حديثه بأخر عن موضوعٍ يعلم أنه سيهدئه:
_طب سيبك من دا، “سراج الموافي” ماله بيكم ؟؟.
تنهد “إيهاب” بضجرٍ وهتف مُستخفًا به:
_دا عيل هلهولة سيبك منه، لو فكر يعمل حاجة أنا هجيبه تحت رجلي، متشغيلش بالك وخليك واثق في عمهم.
تحرك “إيهاب” بعد حديثه فقال “إسماعيل” بسخريةٍ:
_هو و “يوسف” لو فكروا يسمعوا كلام حد يموتوا، احفظنا منهم يا رب.
تدخل “مُـحي” يقول بسخريةٍ:
_ياعم إحنا مغروزين معاهم في طينة واحدة، لما الغَرزة بقت ناشفة على اللي جابونا.
تدخل “نَـعيم” يهتف بتهكمٍ:
_طبعًا حضرتك واخد على الطراوة، ملكش في قعدات الرجالة، بس بعينك يا “مُـحي”.
زفر “مُـحي” بقوةٍ لينطق “إسماعيل” بمرحٍ يقصد تلطيف الأجواء:
_وحد الله بس يا حج، دا الدكتور بتاعنا دا، هو يشد حيله بس ويخلص على خير.
حرك “نَـعيم” رأسه بسخريةٍ فيما نطق “مُـحي” بتعجبٍ:
_دكتور ؟؟ يا وقعة سودا هو أنا المفروض دكتور ؟؟
_____________________
أوقف “يوسف” السيارة أسفل البناية التي يقطن بها ومعه “فاتن” التي تركت البيت وآثرت الذهاب مع “يوسف” وطوال الطريق التزم كلاهما الصمت بدون كلمةٍ واحدة؛ هي تتابع المارة على الطريق وهو تعمد تجاهلها تمامًا رغم علمه بمتابعتها له بطرف عينها.
نظرت “فاتن” حولها بتعجبٍ وسألته بنبرةٍ محشرجة مختنقة من البكاء:
_هو إحنا فين كدا ؟؟
رد عليها بفتورٍ وكأن حديثه معها كما ثقل الجبال على روحه:
_إحنا في حارة “العطار” اللي فيها أمي وأختي.
اتسعت عيناها بدهشةٍ فيما نزل هو من السيارة وفتح الحقيبة الخلفية يأخذ منها متعلقاتها وحقيبة ملابسها بينما نزلت هي بلهفةٍ تسأله:
_هما معاك هنا ؟؟ “غالية” موجودة هنا ؟؟
أغلق سيارته وقال بجمودٍ:
_اطلعي فوق ونتكلم سوا زي ما أنتِ عاوزة، يلا.
أشار لها تدخل البيت ثم تبعها هو الأخر بعدما تأكد من إغلاق سيارته وقد كان “سعد” جالسًا يتابعه حتى ترك نرجيلته وسأل رفيقه الجالس بجواره بقوله:
_الله ؟؟ واد يا “شكري” هو الجدع الجديد اللي جه الحارة دا مين ؟؟ ومين الست اللي طالعة معاه دي ؟؟
هتف الأخر بعدما ترك سيجارته المخدرة يُخمن بفتوى _غير حقيقية_ كعادة المجتمع بأكمله:
_آه يا جدع الست لابسة أسود أهيه، هتلاقيها أمه وأبوه لسه ميت وأهل أبوه طردوه، باينة مش محتاجة فقاقة يعني.
حرك “سعد” رأسه موافقًا بشرودٍ وتعلقت عيناه بالمكان ليهتف ذلك الشيطان بقوله:
_حاسب بقى يعلق منك الحِتة، حكم الأشكال دي بتقش.
انتبه له “سعد” وسأله بُغتتةً باهتمامٍ:
_قصدك “عــهـد” ؟؟
حرك رأسه موافقًا وهتف بتهكمٍ:
_ آه السنيورة بتاعتك، ما قولتلك خلص من بدري بدل ماهي عمالة تتمنع عليك كدا، لازم يعني قلبك يحن عليها.
هتف “سـعد” بنفاذ صبرٍ من غباء الأخر:
_يا جدع أنتَ مُخك دا عليه دِهن ؟؟ لو ضربتها بمية النار هستفاد إيه ؟؟ بقولك عاوزها هي، تقولي أشوهها ؟؟
رد عليه مُعدلًا على حديثه:
_يا باشا قولتلك خوفها، أقولك ؟؟ أعمل فيها زي ما “أيوب” عمل فيك، وأهو تبقى استفدت منه بحاجة بدل ما كل شوية يحط عليك كدا.
اغتاظ “سـعد” وشعر بجرح كرامته فيما ابتسم الأخر له وهو يدخن سيجارته بينما “سـعد” عجت رأسه بعدة أشياءٍ وأفكارٍ وجميعها أسوأ من بعضها.
_____________________
في الأعلى صعد “يوسف” بعمته التي وقفت بجواره حتى فتح هو الشقة وأشار لها بدون أن يتفوه بكلمةٍ واحدة حتى نظرت له بترددٍ فقال هو بسخريةٍ:
_مش هجلدك جوة أكيد يعني، ادخـلي.
دلفت “فاتن” بتوترٍ وتلجلجٍ فأغلق هو الباب بجمودٍ ثم وضع حقيبتها أمامها وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
_حاجتك أهيه، الطرقة دي هتلاقي فيها اوضتين اختاري اللي تعجبك وحطي حاجتك فيها، لو عاوزة تأكلي التلاجة مليانة عندك.
أوشك على المغادرة وتركها بمفردها فاقتربت منه تقول بلهفةٍ باكية:
_استنى بس، أنتَ هتروح فين ؟؟ علشان خاطري قولي فين “غالية” و “قمر” ؟؟ هما كويسين صح ؟؟
أبتسم بسخريةٍ وهتف بوجعٍ:
_ياريتني أعرف، أنا زيي زيك هنا.
سألته بحيرةٍ من حديثه:
_مش قولت أنهم معاك هنا ؟؟ هما كويسين صح؟؟
انفعل في وجهها صارخًا بقوله المتألم الذي حاول صبغه بالثبات لكن قدرته خانته:
_يهمك في إيه ؟؟ هـا ؟؟ مش دي أمي اللي خدتوني منها علشان الورث ؟؟ مش دي أمي اللي رمتوها هي وأختي بسبب الفلوس ؟؟ أنا بسبب عملتكم السودا بتذل هنا علشان ألاقي أمي، و مضطر اسكت وأصبر علشان مفيش حاجة في أيدي اعملها، هقوله إيه؟؟ دا واحد خايف على أمانة صاحبه سابهاله في رقبته يعني مجبور أحط جزمة في بوقي وأسكت لحد ما يأمنلي، بسببكم أنا بقيت زي الحمار كله عمال يحط عليه وهو ساكت.
بكت أمامه فسألها هو بصوتٍ منكسرٍ وقد نزلت دموعه:
_أنا مستحمل إزاي ؟؟ بجد والله إزاي لحد دلوقتي مموتش من القهرة ؟؟ ازاي لسه مكمل كدا ؟؟ أنا فاض بيا خلاص وجيبت أخري واللي فيا دي حلاوة روح، ومتراهنوش عليها كتير علشان هما حلين ملهمش تالت، يا موتي يا موتهم، واللي هيشفعلك عندي هو حب “مصطفى الراوي” ليكي، غير كدا، قابلوني في اللي جاي.
تركها وتحرك من أمامها وقد فتح باب الشقة ليصعد على سطح البيت حتى لا يخرج غضبه عليها وبالطبع أمامه وأمام غضبه المشحون سيربح غضبه و شخصياته الأخرى، لذا قرر أن يدخن سيجارته في الهواء بجوار الزرع وفي الهواء الطلق الذي يساعده في إخفاء توتره.
دلف السطح وأغلق الباب خلفه ثم سار للجهة الأخرى الفارغة من الزرع يقف بها والاحمرار يحاوط عينيه كما الجمر المشتعل وقد أخرج سيجارته يشعلها يخرج بها غضبه كما اعتاد وبعد مرور دقائق قليلة شعر بأحدهم يدخل المكان فعلم على الفور من هي، لكن حاله لم يكن في ظروفٍ مُهيئة للاصطدام معها لذا قرر الثبات مكانه، لكنها كانت الأقوى في محاربة ثباته حينما رفعت صوتها تُغني بنبرةٍ مختنقة وكأنها تبكي.
دومًا تقابله الصدف لكنه لم يقتنع بها، لكن معها هي الأمر تخطى حدود الصدف وكأنها تعلم بكل ما يثير حزنه أو يشغل باله، حيث كلمات الأغنية التي رفعت صوتها تغنيها وهي تقف بجوار الزرع:
_كان ياما كان….كان ياما كان…كان ياما كان….كان ياما كان…. الحب مالي بيتنا….ومدفينا الحنان…. زارنا الزمان سرق منا فرحتنا والراحة والأمان….الراحة و الأمان….كان ياما كان الحب مالي بيتنا…ومدفينا الحنان
….زارنا الزمان….سرق منا فرحتنا والراحة والأمان.
نزلت دموعه على الفور وتذكر كل الذكريات التي حارب لأجل الاحتفاظ بها في ذاكرته، تذكر منزله وأهله و والده، وشقيقته و ملامح والدته….لعبه و ضحكته العالية و شقاوته التي عرف بها منذ صغره….حبه لشقيقته منذ أول يومٍ رآها به، لقد كان بيتًا مثاليًا، زاره ضيفٌ ثقيل الوجود سلب كل ما يملكونه من راحةٍ ليصبح بعدها كما المشردين بعد حالة الحرب.
لم يختلف حال “عـهد” عنه كثيرًا بل كانت تماثله وهي تتذكر بيتها القديم و والدها الحبيب و حبه لوالدتها قبل أن يتوفى ويتركهن بمفردهن، تدمرت حياتها وحياة أسرتها لتصبح هي العائل الوحيد لهذه العائلة وكل الهموم تقع على عاتقها، لذا استمرت في الغناء وهي تتذكر والدها حينما كان يسقي معها الزرع في بيتها القديم لذا خرج صوتها مبحوحًا من البكاء:
_حبيبي كان هنا…. مالي الدنيا عليا بالحب والهنا….حبيبي يا أنا يا أغلى من عينيا….نسيت مين أنا؟؟ _حبيبي كان هنا…. مالي الدنيا عليا بالحب والهنا….حبيبي يا أنا يا أغلى من عينيا….نسيت مين أنا؟؟
تذكر حينها “يوسف” والدته و شقيقته وغيابهما من حياته لذا ازدادت دموعه أكثر وانقبض قلبه من مجرد فكرة نسيانهما له، ليسمعها تضيف من جديد بنفس الصوت الباكي:
_أنا الحب اللي كان…اللي نسيته أوام…من قبل الأوان…نسيت اسمي كمان….نسيت يا سلام على غدر الإنسان…والله زمان…. يا هوا زمان….والله زمان….يا هوا زمان.
صمتت “عـهد” عن الغناء لتبكي مع نفسها ثم أخرجت صورته على هاتفها وهي تحدثه بنبرةٍ باكية:
_أنا تعبت….تعبت من غيرك أوي، نفسي العزيزة اتكسرت من بعدك كتير وأنا مبعرفش أذل نفسي لحد….سيبتني بدري بدري من غير ميعاد ليه ؟؟ ليه مقولتش ليا إنك هييجي يوم وتسيبني علشان أعمل حسابي ؟؟.
وقف “يوسف” يستمع لحديثها بدون أن يعلم مع من تتحدث، لتجاوب فضوله بقولها باكيةً:
_وحشتني أوي أوي يا بابا…. وحشتني.
نزلت دموعه للمرةِ الثانية رغمًا عنه لتتحداه وتثبت له أن قوته و قسوته ماهما إلا قناع زائف يواري خلفه ضعفه، رفع كفيه يمسح وجهه فيما وقفت “عهد” محلها تبكي حتى فُتح سطح البيت واقترب “سـعد” منها يقف خلفها مباشرةً وهو يقول بخبثٍ:
_الجميل بيعيط ولا إيه ؟؟
التفتت له على الفور بعينين دامعتين فوجدته أمامها يبتسم بسماجةٍ قبضت قلبها وقبل أن تتخذ أي رد فعل يهاجم أفعاله وجدته يُطبق على فمها بيده وبكفه الأخر قبض على عنقها.
____________________
كان “فضل” جالسًا في شرفة شقته بشرودٍ كلما تذكر مقابلة “أيوب” وعرضه للزواج من ابنة شقيقته، دلف له “عدي” يقول بتعجبٍ وحيرةٍ من حالته هذه:
_مالك يا بابا ؟؟ بقالك يومين مش تمام ؟؟
تنهد “فضل” وانتبه له وقال:
_اقعد يابني عاوزك.
جلس أمامه “عُـدي” فيما نطق الأخر بانهاكٍ سكن روحه:
_أنا دماغي مقلوبة ومبقيتش حملي وحمل أفكاري.
سأله ابنه باهتمامٍ:
_ليه طيب ؟؟ لو فيه حاجة قولي.
سكت “عُـدي” وتحدث مخمنًا:
_ممكن يكون علشان فرح “قمر” يعني ؟؟ خايف نناسب عيلة العطار ؟؟ لو دا السبب متخافش “قمر” هتتجهز حلو زي “ضحى”.
تنهد “فضل” وقرر التحدث أخيرًا بما يعتل به صدره:
_”أيوب” قالي إنه قرب يوصل لـ “يوسف” ابن عمتك ودي هدية جوازه من “قـمر” للعيلة.
اندهش “عُـدي” وهتف باستنكارٍ:
_مـين ؟؟ “يــوسف” ؟؟ إزاي دا ؟؟
وصلها صوتها تقول بلوعةٍ من على مقربةٍ منهما:
_”يــوسف” ؟؟ هو فين ؟؟
نظر لها الإثنان بدهشةٍ بسبب تواجدها أمامهما في هذا الوقت الغريب خاصةً أنه يخالف مواعيدها فكيف سيقنعها كلاهما بما سمعته ؟؟
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)