روايات

رواية غوثهم الفصل السابع والستون 67 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل السابع والستون 67 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل السابع والستون

رواية غوثهم البارت السابع والستون

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة السابعة والستون

“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل السابع والستون”
“يــا صـبـر أيـوب”
____________________
_ربي…إن كل السُبل دون رُشدك ضياع
وكل الأمان من غير رعايتك يرافقه الوداع..
فأتيتُ من بعد تيهي وعودت لكَ من بعد الضياع..
وقد أكلتني وحشة الطرق والقلب بعيدٌ عنكَ ملتاع
فسال الدمع والقلب نادمًا وشهدت
على حزنه وندمه كل البقاع..
والحزن لا يدوم طويلًا مادام المرء مستأمن بكَ…
وإذا التحد المرء بربهِ كتب على خوفه الوداع..
_”غَـــوثْ”
__________________________________
في بعض الأحيان نجد أشخاصًا على هيئة رحمةٍ…
رحمة أتت لنا من بعد العذاب لقلبٍ لم ترفق به الحياة،
ولم يعلم قط أين هي من وسط دروبه سُبل النجاة،
إلا أن يرأف الخالق بقلوبنا ويرسل برحمتهِ من يرافق دُروبنا، فنسعد ونأمن برفقة من نُحب..
ونتساءل كيف مررنا بكل ما مَرَّ بدون أن نُحِب؟
فلا نحن كنا من السابق نعرف معنى الأمان…
ولا وجدنا في وسِع الأرض لنا المكان..
ليأتي من يكون لنا في كل ضيقٍ مثل رحابة الصدرِ..
وحتى وإن كان الضيق موجودًا فمعنا من نحب..
فهُنا وجدنا الأمان…هُنا عثرنا على العنوان.
<“لم أرفض هويتي، هي من تعالت عليَّ”>
_هو مين دا اللي ابن أخو “نَـعيم” ؟؟! وأنتَ مين أصلًا.؟؟
هتفها “يـوسف” بنبرةٍ جامدة أوقفت الأخر محلهِ وجمدته في مكانه وكأنه وضع في خانة اليْـك حقًا والآن قد دنى من الهلاك أو فضح أمره، لقد أصبح قاب قوسين أو أدنى من الموت، والموت في حالته عن طريق فضح أمره وكشف هويته قبل أن يصل لما يريد، والآن فقط يبدو أن هويته ضاعت في سرابٍ، لذا تحرك له “يـوسف” يقابله وهو يأسره بنظراته الحادة ليقول الأخر بنبرةٍ هادئة حاول صبغ حديثه بها:
_أنا أكيد مش هقدر أقولك حاجة دلوقتي، أنا لسه بدور على مكان اترزع فيه وحياتي كلها واقفة على كلمة بطلقة من مسدس، بس بما إنك سمعتني مش عاوز حد يعرف حاجة.
بدا “يـوسف” أمامه مدهوشًا وقبل أن يتحدث وجد “مُـنذر” يحذره بنظراته من اقتراب أحدهم نحوهما وقد كان “مُـحي” هو الذي أقترب منهما وهتف بنبرةٍ منهكة:
_أنا عندي امتحان بكرة هروح أنام وأصحى بليل أذاكر شوية، خدني معاك يا “يـوسف”.
راقبه “مُـنذر” بعينيهِ يحاول قراءة شخصيته فيما تغاضى “يـوسف” عما وصل لسمعه ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_أحسن برضه وأرتاح شوية في البيت علشان “سـمارة” لوحدها هناك و “عـمهم” مش هيعرف يسيب “سراج” دلوقتي، يلا أركب العربية.
ركب “مُـحي” السيارة دون أن يوجه أي حديثٍ أخر فيما فتح “يـوسف” هاتفه ومد يده به لـ “مُـنذر” وهو يقول بنبرةٍ هادئة لكنها كانت صارمة وقوية:
_اكتبلي رقمك علشان أكيد مش هسكت على الهبل دا وإذا كنت فعلًا مش وراك مصيبة سودا فأنا هستنى إنك تعرفني كل حاجة، أما المكان دا فسيبها عليا ومتشغيلش بالك.
سجل “مُـنذر” الرقم على هاتفه بصمتٍ تامٍ وتابع رحيل “يـوسف” بعينيه الثاقبتين ليتحرك بعدها نحو الداخل يقف بجوار الشباب بقصدٍ ظاهري لكن في الحقيقة كان يحتمي بعمهِ وبوقوفهِ معه بنفس المكان وما إن تلاقت نظراتهما معًا ابتسم له “نَـعيم” بطيبةٍ جعلته يطالعه بعينين ترقرق بهما الدمع وقد أخرج هاتفه يتصنع به الانشغال وهو يراقب وقوف “إيهاب” و “إسماعيل” بجوار الطبيب..
قاد “يـوسف” سيارته وبعد فترة من القيادة الصامتة حيث أن “مُـحي” غفى مكانه وأرجع رأسه للخلف فيما قاد “يـوسف” بتركيزٍ في حديث “مُـنذر” الذي أثار حفيظته، فكيف يكون ابن أخو “نَـعيم” إذا كان أخوه لم يتزوج ؟ مرت أسئلة كثيرة في عقله أصابته بضجيجٍ جعله يفكر بها، لازالت بدون هاتف وكلما هاتف والدتها تطمئنه ببعض الكلمات وتغلق معه، أخرج هاتفه وقرر أن يقوم بمهاتفة حماته لكنه وجد “ضُـحى” سبقت بما يريد هو..
لقد أرسلت له صورتها برفقتها ورفقة شقيقته ثم صورة لها بمفردها وهي تضحك بسعادةٍ وكأنها تعيش أسعد لحظاتها، وجد نفسه يضحك بعينيه وهو يقوم بتكبير صورتها ليرى الضحكة في عينيها، منذ حدوث الواقعة وقد اختفت هذه الضحكة وانطفأت اللمعة في عينيها لذا شعر بقلبه يتحرك من الداخل بسعادةٍ لأجلها على عكس سكونه وركوزه وقد أغلق الهاتف من جديد وركز بصره على الطريق بحالٍ أفضل بعدما رد على “ضُـحى” وكتب لها بمزاحٍ:
_عيني ليكِ، شوفي عاوزة إيه وأنا سداد.
كتبها من باب الجدِ وكأنه أمتن لها بحركتها هذه، لقد أتت في وقتها الصحيح بفعلها الأصح وبعد مرور دقائق أخرى من القيادة الطويلة وصل إلى بيت “نَـعيم” وقد التفتت يوقظ ذلك النائم وهو ينادي عليه بنبرةٍ قوية:
_”مُـحي”…اصحى يالا وصلنا.
لم يأتيه الرد منه فقام بهزه بقوةٍ ونفاذ صبرٍ جعل الأخر ينتفض من محلهِ وهو يقول بخوفٍ كان يراوده بنومهِ:
_الورقة !! ورقة الامتحان فين؟
رفع “يـوسف” أحد حاجبيه وهتف بسخريةٍ وكأنه لم يصدق رد فعل الأخر:
_ورقة امتحان؟ قصدك ورقة أرقام النسوان، ورقة البفرة، قال ورقة امتحان قال، على مين يا “مـوهي” ؟؟.
مسح الأخر وجهه بكفيهِ معًا ثم قال بضجرٍ وهو يحاول التقاط أنفاسه المسلوبة منه بسبب ذعرهِ:
_أنتَ مش فاهم، “إيـهاب” حلف لو مخلصتش صافي السنة دي من غير ما أشيل مادة حتى، هيشغلني صبي عنده،. وحلف كمان هيخلي أبويا يجوزني علشان أحترم نفسي، وخدت منه وعد قصاد كل دا لو اتخرجت وخلصت هفتح المكان بتاعي لوحدي.
فهم “يـوسف” سبب ذعره واستذكار دروسه لذا هز رأسه مومئًا بحركةٍ خافتة وابتسم بسخريةٍ وهو يقول:
_بالظبط كدا، أنتَ مكانش ينفعك غيره، ولسه دا يدوبك بس بيمسي عليك شوية، يلا علشان تدخل تكمل نوم وتصحى تذاكر، دا طلع “عـمهم” بصحيح.
نزلا من السيارة ودلفا البيت معًا وقد توجه “مُـحي” إلى غرفته مباشرةً فيما خرجت “سـمارة” له وما إن رأت “يـوسف” أمامها قالت بحيرةٍ وكأنها تلقي العتاب عليهم:
_كدا برضه ؟ عيلة زي دي تروح فين؟ طب هو مجنون ودماغه مهوية وكلنا عارفينه أنتَ بقى بتهاوده ليه؟.
هتف بنبرةٍ هادئة ردًا عليها بتوضيحٍ:
_في وضعه دا مش هيقدر يقعد من غيرها، بعدين دا مجنون زي ما قولتي ممكن يسيب المستشفى كلها علشان خاطرها، هي فين بس علشان ألحق أوديها وأرجع تاني الحارة.
ثواني قليلة مرت تبعها خروج “جـودي” التي ركضت نحو “يوسف” وقد حملها بين ذراعيه ثم لثم وجنتها وهو يقول بمزاحٍ:
_وحشتيني، بس دلوقتي هاخدك ونروح عند “سـراج” بس عاوزك تكوني زي ما أنتِ شاطرة كدا ومتعمليش أي شقاوة ولا تزعليه علشان هو تعبان شوية.
حركت عينيها في ملامحه تتجول بها وسألته بنبرةٍ منكسرة:
_هو “سـراج” حصله حاجة؟.
حرك رأسه نفيًا ثم هتف بثباتٍ حتى لا يظهر تأثره بنبرتها:
_خالك زي الفل الحمد لله، وهتيجي تشوفي بنفسك.
صدقته وهي توميء له موافقةً فيما تحرك هو من البيت بعدما ودع “سمارة” التي وقفت تطمئن على زوجته وتخبره أنها تحاول التواصل معها لكن هاتفها دومًا يشير إلى الإغلاق حتى أخبرها أن الهاتف تدمر كُليًا ويمكن لها أن تتواصل معه حينما يعود لها، وقد رحل بالصغيرة التي سكتت عن الحديث بخوفٍ على أمانها الوحيد وخاصةً أن رجال البيت بأكمله رحلوا منه فمن المؤكد أن الخطر كان كبيرًا..
__________________________________
<“كُنا لم نعرف من هُم، لكنهم جزءًا منا”>
وصل “يـوسف” بالصغيرة التي التزمت الصمت خوفًا من القادم، لا تعلم ما يمكن أن تراه هُنا لكنها خشيت أن تفقده أو تراه مُصابًا بأي شيءٍ، لطالما اختصرت الحياة به هو وكان هو كل الأمكنة في حين فرغت عليها الدنيا من بعد موت والديها وهي صغيرة العمر، شعر “يـوسف” بها وبخوفها وقد حاول كثيرًا أن يُمازحها لكنها لم تتقبل كل ذلك وفقط كل ما أرادته هي رؤية خالها..
وصل بها لغرفة المشفى التي جلس فيها “سراج” برفقة الشباب و “نَـعيم” فيما كان يطعمه “إسماعيل” في فمه حتى لا يتحرك هو وقد شدد الطبيب على خطورة الحركة مُعللًا أن العظام المُصاب يتوجب الحرس الشديد حتى تخرج الأشعة الطبية التي قام بعملها، رأته هي يتوسط الفراش الطبي فركضت نحوه ركضًا وما إن ضمها بذراعه السليم ودفن رأسه في عنقها استمع لصوت بكائها وشعر برجفة جسدها حتى ابتعد عنها يسألها بلهفةٍ:
_بتعيطي ليه؟ أنا كويس أهو قدامك.
جاوبته بنبرةٍ باكية وهي تتطلع إلى وجهه بعينيها الزرقاوتين:
_خوفت، خوفت تمشي زي بابا وماما، مين عمل فيك كدا؟.
ابتسم لها بحزنٍ ومسح وجهها وهو يقول بنبرةٍ حاول صبغها بالمرح لكي يعاون في إخراجها من حالتها:
_مش عارف والله، بس دي ناس وحشة، المهم أنتِ أخبارك إيه؟ مش مهم أنا، أنتِ وحشتيني أوي بقالي ٣ أيام مشوفتكيش فيهم، كل حاجة مش حلوة وأنتِ مش معايا.
ضمته من جديد وظل هو يمسح على ظهرها بخصلاتها وما إن تلاقت عينيه بعيني “يـوسف” أمتن بنظراته مشكورًا له على إحضار الصغيرة إليه فيما ابتسم له “يـوسف” ثم ودع البقية وتجهز للرحيل من جديد لكنه قبل أن يخطو تمام خطواته حذر “مُـنذر” بنظراته حتى أومأ الأخر بأهدابه إليه كأنه يوافقه فكره دون أن ينطق به.
مر بعض الوقت الذي شارف على ساعتين تقريبًا وقد ترك “يـوسف” مكانه وتوجه إلى الحارة مباشرةً خاصةً حينما حل الليل الجديد، تعجب من قدرته على الثبات بكل هذه القوة دون أن يطلب النوم أو الراحة، ثم ذكر نفسه أنه نام بالسيارة ويمكن أن يكون هذا هو السبب الوحيد الذي جعله بنفس الثبات، لذا حدث نفسه بصوتٍ مسموعٍ يثني على نفسهِ وهو يصف سيارته أمام البناية:
_شكرًا يا “يـوسف” والله إنك لسه حي.
كان محقًا بكل آسفٍ، فالأيام المنصرمة في حياتهِ خلال آخر هذا الأسبوع لاقىٰ عذابًا مريرًا سواء بدنيًا أو نفسيًا، كان يشعر بالامتنانِ لنفسه حقًا بعد كل هذا الثبات أنه لم يهرب ولم ينهار ولم يُنهي حياته، وقد توجه أولًا إلى شقة حبيبته، فمنذ الأمس لم يراها ولم يتحدث معها وفقط يطمئن عن طريق شقيقته.
جلست “عـهد” بحالة نفسية أخرى غير التي كانت عليها، كانت ممتنة لزيادة الفتيات لها فقد أجدن وبكل براعةٍ خروجها من خوفها وإضطراب ثباتها المهتز _من الأساس_ وجلست على المقعد أمام المرآة ولاحظت وقوف كتفها الأيمن تمامًا وكلما حاولت رفع ذراعها شعرت بالألم يزداد أكثر، لذا استعانت بذراعها الأيسر ثم قامت بتحرير خصلاتها من المشبك البلاستيكي وأمسكت فرشاة الشعر تحاول تمشيط خصلاتها ولوهلةٍ كادت أن تستعين بأمها وتُنادي عليها، لكنها تفاجئت بطرقاتٍ فوق باب الغرفة جعلتها تأذن للطارق بالدخول وقد ظنته “قـمر” أو ربما والدتها..
لم تضع في الحُسبان أن يطل هو بكل ثباتٍ من خلف الباب وقد ملأت رائحته الغُرفة بمروره أعتابها وقد تجمدت هي مكانها من حضوره صاحب الطلة الآسرة، حتى الآن تقع أسيرة في هيئته الأولى أما فأغلق الباب ثم أقترب منها يقف خلفها وهو يسألها باهتمامٍ:
_عاملة إيه دلوقتي يا “عسولة”؟.
شعرت بارتفاع ضربات قلبها إثر اقترابه منها وخاصةً وهو يحدثها بتلك النبرة الهادئة مما جعلها تحاول التحكم في نفسها وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
_كويسة الحمد لله، أنتَ إيه أخبارك؟..
حرك رأسه موافقًا وهتف موجزًا بعدما اعتدل في وقفته يطالع انعاكسها بالمرآة:
_أهو شغال، قولت أجي أتطمن عليكِ قبل ما أنام.
هزت رأسها مومئةً له فلاحظ هو تحرير خصلاتها لذا قام بسحب الفرشاة من كفها بهدوء ثم بادر هو بتمشيط هذه الخصلات وهي تطالعه بدهشةٍ، لوهلةٍ تاهت فيه وهي تفكر بنفس السؤال المصاحب لها في حضرته وهي تسأل عن هويته، كل مرة تجمع بينهما الطرقات تقابله بهوية جديدة وكأنه يُجيد التحلي بكل الشخصيات، أما هو فأمسك خصلاتها يمشطها برفقٍ وبدلًا من جمعهما قام بتحريرها أكثر عند وجهها ثم أنزل غُرتها إلى جبينها وحرك رأسه نحوها يطالع وجهها ثم أشار لها نحو المرآة حتى تطالع نفسها..
حركت رأسها بكل خجلٍ وكأن الكهرباء مست جسدها تمامًا وخاصةً كتفها المتألم لتجد نفسها في هيئة رقيقة تُشبه هيئة فتيات جيل التسعينات، حيث غُرتها الساقطة على جبينها وخصلاتها السوداء المفرودة على طرفي وجهها المنحوت بنفس الملامح الرقيقة وقد أكملها حينما سحب الطوق البلاستيكي الأسود يضعه خلف الغُرة..
ابتسمت بفرحةٍ نطقتها عينيها من خلال العبرات اللامعة لتجده يقف من جديد بعيدًا عن مقعدها وهو يسألها من الخلف باهتمامٍ:
_إيه رأيك يا “عـهد”؟.
هتفت بلهفةٍ حماسية تخبره بكل صدقٍ:
_حلوة أوي، عاملة زي التسعينات..
سكتت بعدما أخفضت عينيها للأسفل ثم عاودت النظر إليه تسأله بلهفةٍ ذلك السؤال الذي لم ينفك عن عقلها:
_أنتَ مين؟.
عقد مابين حاجبيه بحيرةٍ فوجدها تلتفت له بكامل جسدها على المقعد تسأله بتعجبٍ وهي تطالع ملامحه وقد بدا حديثها تفسيرًا لمقصد سؤالها:
_أنا ساعات بتوه فيك، علطول بحس إنك ١٠٠ “يـوسف” في بعض وكلهم غُرب عن بعض، بس مش غُرب عني، فيك كل الناس بكل الصفات اللي تخليني اسألك أنتَ مين، وليه أنتَ بس اللي علطول بحس إنه معاه حق في كل حاجة حتى أنا، وإزاي أنتَ الوحيد اللي ينفع آمن له حتى أكتر من نفسي؟ أنتَ كام “يـوسف” في بعض؟؟.
لقد داعبت حصون ثباته بحديثها وسؤالها الذي يخشاه هو، يخشى أن تتعجب منه وتخشى دخول عالمه الغامض الذي لم تعرف عنه سوى الاسم فقط، لقد سبق وأخبره طبيبه النفسي أنه يعاني من آخرين بداخله، وكلٌ منهم يرفض الإتفاق مع الآخر وتلك هي مشكلته تحديدًا، لذا حرر ذراعيه وأقترب منها يجلس على عاقبيه أمامها وهي تطالعه بفضولٍ جعله يرفع كفه ثم حرك غُرتها قليلًا حتى يتسنى له رؤية عينيها وهتف بكل صدقٍ يخبرها بمشاعره:
_حتى لو كنت مليون “يوسف” في بعض، وحتى لو كلهم مختلفين ومش فاهمين بعض، وحتى لو كلهم عمرهم ما اتفقوا مع بعض، هتفضلي أنتِ الحاجة الوحيدة اللي كل “يوسف” فيهم أتفق عليها مع التاني وهي حُبك أنتِ يا “عـهد”، يمكن أنا وهما مكركبين ومش مفهومين بس الأكيد إننا يوم حسينا بحد، حسينا بيكِ أنتِ.
بدأت تبتسم رويدًا رويدًا بعينيها قبل شفتيها حتى وجدته يرفع وجهه ثم لثم وجنتها اليُسرى، لكن الغريب إنها لم تتراجع مثل السابق أو حتى تخشى قربه بل ابتسمت له بخجلٍ مما جعله يسألها بخبثٍ:
_أنتِ شكلك خلاص اتعودتي..
طالعته بتعجبٍ من خلال عينيها باستفسارٍ هتفته بقولها:
_اتعودت على إيه؟.
ابتسم لها حينما أدرك أنها لم تفهمه وهتف في أذنها بنبرةٍ هامسة وهو يقول بما جمعهما أول مرة سويًا في هذه الغُرفة لتكون معه من بعدها:
_على حُضني.
شهقت تلقائيًا حينما تذكرت كيف كان اللقاء الأول الذي رافقته هذه الكلمة ليتورد وجهها فورًا وقبل أن تدفعه بعيدًا عنها وجدته يبتسم لها ثم هتف بقلة حيلة بعدما سحب كفها السليم يوقفها أمامه:
_أنا بهزر والله مش جاي أرخم، بس فعلًا أنا تعبان أوي ومحتاج أنام من هنا ليومين قدام، عاوزة حاجة دلوقتي؟.
حركت رأسها نفيًا وهي تبتسم له ثم هتفت بثباتٍ:
_عاوزاك دايمًا كويس وبخير.
أومأ هو موافقًا ثم لثم جبينها والتفت يتركها بمفردها في الغرفة بعدما أطمئن عليها، أو حقيقةً طمئن نفسه عليها بحقيقة تواجدها، لقد عادت من جديد له من بعد ليلةٍ كان سيخرج فيها أنفاسه الأخيرة، منذ أن خطى إلى هنا غريبًا أضحىٰ مثل ملوك الأرض، لم ينكر بغضه للمكانِ عند أول قدومه لكن الآن ستبقى حارة “العطار” بكل الأماكن التي حتى وإن تغرب عنها ستبقى هي التي تسكنه، يبدو وكأن المكان هو الذي وجده وليس العكس.
دلف شقته على الفور بجسدٍ مُرتخي تمامًا ليجدها كعادتها منذ أن عاد إليها لم تغفل عينيها إلا في وجودهِ معها، أغلق الباب ثم أقترب منها يتوسد برأسه موضع قلبها وهو يقول بنبرةٍ هادئة تمامًا:
_نيميني يا “غـالية”.
ضحكت رغمًا عنها وبدأت تداعب خصلاته بيدها وهي تقول بنبرةٍ هادئة مثل نبرته:
_حبيب عيون “غَـالية” أنا أصلًا مستنياك علشان حضنك وحشني، قولي صاحبك عامل إيه دلوقتي، كويس صح؟.
هز رأسه مومئًا لها ثم أغمض جفونه وسحب نفسًا عميقًا يملأ رئتيه برائحتها ثم سأل بنبرةٍ هادئة ولازال مُغمض العينين:
_لسه نفس ريحة الورد متغيرتش، فاكرها من صغري وشبابي وكل أيامي لما كانت بتيجي في أحلامي تحاوطني، تصدقي أنا دلوقتي مش زعلان؟ على الأقل بقيتي موجودة علطول بعدما كان حلم في خيالي وبس يا ماما.
لثمت جبينه ومسحت على خصلاته بكفٍ وبالكف الأخر على ظهرهِ حتى تأكدت من انتظام أنفاسه التي تضرب في عنقها، لقد كبر واشتد عود جسده مثل الوتد الثابت بالأرض لكنه لم يزل في عينيها ذلك الصغير صاحب العشرة أعوام، لازال كما هو ذاك الشقي الذي يملأ البيت طوال اليوم بمرحه وضحكاته حتى غدا اليوم صامتًا لا يتكلم إلا في أقل الحالات، لكن مهما تغير وتبدل لن يتبدل قلبه النقي الذي تعرفه هي من بين كل القلوب، من الأساس هو قطعة أخرى منها، فحتى وإن تغربا القلوب لازالت تعرف بعضها.
__________________________________
<“كل العجب لقلوبٍ لم تأمن لنفسها”>
كانت “قـمر” تجلس في شقة خالها برفقة “عُـدي” و “ضُـحى” يقضون ليلهم سويًا وقد بدأ الفضول يتأكل الاثنتين بخصوص العمل بشركة “الراوي” وكيف تعامل مع الناس هناك، أما هو فلم يتخلص من فضولهما بل سرد عليهما تفاصيل اليوم حتى هتف بنبرةٍ منزعجة حينما تذكر هيئة “عاصم” ومروره من أمامه:
_راجل تشوفيه يبان عليه الهيبة وتحسيه خارج من التلفزيون كدا، بس أنا مقدرتش أكون هادي قصاده، حسيت نفسي عاوز أمسك في رقبته أخنقه على اللي عمله، مرة واحدة كدا افتكرت قهرة عمتي وحزنها ووجعها على اللي فات، مقدرتش أسكت بس “رهـف” قالتلي لو في أيدي حاجة أعملها أني أفضل مكاني علشان أساعد “يـوسف” ياخد حقه، ولا “سـامي” دا أعوذ بالله، خلقته واخدة إنصراف، تحسي إن مفيش قبول أصلًا رغم إن شكله حلو أوي وللأسف يبان أنه ابن ناس.
هتفت “ضُـحى” تحثه بقولها وتشجعه حتى لا يتراجع:
_سيبك منهم كلهم، أهم حاجة حق أخوك، خلي بالك من فلوسه ومن سُمعة الشغل وخليك واخد حذرك هناك، يعني برضه مش أي حد ييجي يتصاحب عليك ولا أي حد يتكلم معاك تحكي أنتَ كمان، وزي ما “يـوسف” قالك “عُـدي عبدالفضيل” تمام ؟.
هز رأسه مومئًا فوجد “قـمر” تسأله بنبرةٍ حزينة وكأنها تخشى الحصول على الجواب:
_هو عم….
بترت عبارتها لتبدلها من جديد بأسىٰ:
_”عـاصم” دا شبه بابا !!.
هتف “عُـدي” بلهفةٍ ينفي هذا الشيء بقوله:
_مستحيل، عمو “مُصطفى” مفيش زيه، وحتى لو شبهه فعلًا فهو أكيد مش زي عمو “مصطفى” ولا ييجي فيه أي حاجة، دول ناس كلاب مفيش في قلوبهم رحمة أصلًا، متزعليش نفسك أنتِ، أنا عارف إنك لسه مش قادرة تنسي اللي حصل بس كل دا هيتصلح وحقكم هيرجع زي ما “يـوسف” رجع كدا من تاني.
حركت رأسها موافقةً وقد بدا الدمع يغزو مُقلتيها وتلك القبضة تضغط على قلبها، لم تنس حياتها بدون أخيها وكيف عانت مع أمها، لقد كانت الحياة قاسية عليهما حتى لدرجة الفقر أو ما أشد منه، عاشت حياة زهيدة تنازلت فيها عن كافة حقوقها حتى أنها كانت تخشى أن تطلب أي شيءٍ من خالها وذلك لأنها تشعر بعبء وجودها عليه..
أخرجها صوت الهاتف من دوامة أفكارها برقم زوجها الذي أتى كالغوثِ لها، اسمه زين الشاشة الخاصة بالهاتف وقد فتحت هي باب الشُرفة ودلفتها بعدما أحكمت غطاء رأسها وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لاحظ هو من جوابها أن نبرتها خالية من أي مرحٍ كعادتها أو حتى سعادةٍ كما تفرح دومًا بمكالمته لها لتبدأ في سرد تفاصيل يومها، لذا سألها بنبرةٍ هادئة:
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
مالك يا “قـمر” فيه حاجة مزعلاكي ولا إيه؟.
فهمت أنه استشعر ذلك من طريقتها لذا قالت بكل صراحةٍ يعهدها هو منها بدون أي تزييفٍ:
_بصراحة، افتكرت حاجة كانت مزعلاني أوي، ولسه لحد النهاردة مزعلاني يا “أيـوب” بصراحة بابا وحشني أوي، بقالي كام يوم نفسي أشوفه، أنا حتى معرفش المكان اللي مدفون فيه، أنا حاسة إني محتاجاه أوي، حتى الذكريات مسابهاش ليا قبل ما يمشي، أنا من غيره تعبت أوي أنا وماما.
بكت وهي تحدثه وقد زادت بالألم حقًا، أما فكان يسير في الشارع قرب بيتهِ لكنه بدل طريقه وعاد للزقاق الصغير الذي يؤدي إلى شارع بنايتها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_أنا مش هقولك حاسس بيكِ، بس هقولك إني عيشت اللي عيشتيه لما أمي بتوحشني يا “قـمر”، دا إذا كانت مش وحشاني علطول، بس أرجع وأقول إني بحبها والحمد لله على قدره، ماتت صابرة ومسلمة وعمرها مازعلت حد منها، وموصياني إني أكون راجل مسلم ومؤمن بالله، ملتزم دينيًا، عزائي الوحيد إني طمعان أشوفها في الجنة، طمعان إنها تكون سبقتني على هناك زي ما سبقتني في الدنيا، وهناك بقى…أنا هكون معاها علطول من غير فراق، أدعي يا “قـمر” أدعي ربنا يرحمه ويجمعك بيه في جنته واحمدي ربنا إنه عوضك برجوع “يـوسف” من تاني.
سحبت نفسًا عميقًا توقف من خلاله عبراتها المنسابة على وجنتيها ثم قالت بنبرةٍ مختنقة:
_وعوضني بيك أنتَ كمان.
ابتسم لها حينما توقف أسفل البناية ولمحته هي لتسأله هي بلهفةٍ وقد شوشت العبرات على رؤيتها الصحيحة:
_إيه دا !! أنتَ واقف تحت؟.
رد عليها مؤكدًا بنبرةٍ هادئة وهو يدعوها للنزول:
_آه، وعاوزك تنزلي لو ينفع يعني.
أغلقت معه على الفور وسحبت إسدال الصلاة الخاص بـ “ضُـحى” التي راقبتها بعينين ضيقت هي جفونهما حتى ضحك “عُـدي” عليها وقال بسخريةٍ:
_أوعدنا يا رب، أوعدنا بالبرطعة يمين وشمال.
تركتهما هي ونزلت من الشقة فوجدته في مدخل البناية ينتظرها بالأسفل وما إن رأته ركضت عليه تحضتنه فيما سكت هو تمامًا وأحتوى صمتها بين ذراعيه مُربتًا فوق ظهرها، منذ أن أصبحت زوجته وهو يتقبل كل حالاتها وكل حزنها، لذا أبتعد عنها ثم أمسك كفها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_تعالي معايا شوية وهرجعك تاني.
نظرت لنفسها وهي ترتدي إسدال الصلاة، والحقيقة لم يكن بيتيًا بمعناه الحرفي إنما كان عبارة عن عباءة باللون الأسود رقيقة وفضفاضة على الجسد والحجاب بنفس اللون معه موجات من لونٍ أخر يمتزج معه، أبتسم لها “أيـوب” ثم رفع كفه يخفي مقدمة الخصلات التي ظهرت ثم هتف بنبرةٍ ضاحكة:
_زي القمر والله، اسم على مسمى.
قبل أن ترد عليه أمسك كفها يسحبها معه ثم سار بها وهي بجوارهِ تطالع كفيهما المتعانقين معًا وكأن كلًا منهما يحتمي في الأخر فيما تحرك هو معها في الشارع وقد وقف أمام أحد المحلات الموجودة ومختصة بصنع الحلويات ثم سألها بنبرةٍ هادئة:
_بتحبي الشوكلاتة أكتر ولا الكريمة !!.
فرغ فاهها ورفرفت بأهدابها عدة مرات لتجده يقول مُخمنًا بنبرةٍ ضاحكة:
_شكلك من اللي بيحبوا الشوكلاتة، هجيبلك على ذوقي.
انتقى قطعتي حلويات له ولها بنكهة الشيكولاتة ثم مد يده لها بالحلويات وهو يبتسم حتى ابتسمت هي الأخرى وسألته بتعجبٍ:
_ودا اسمه إيه بقى؟.
حرك كتفيه ببساطةٍ وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_اسمه إني مش عاوزك تنامي زعلانة، ومش عاوز آكل حاجة جديدة من غيرك، قوليلي طعمها عامل إيـه؟.
ضحكت بسعادةٍ على مشاركته لها ثم أخذت ملعقة منها تتذوقها حتى أغمضت عينيها لوهلةٍ تستمتع بالمذاق الرهيب، لم يسبق لها أن تتذوق مثل هذه الحلويات في السابق لذا ما إن تذوقتها شعرت بسعادة غامرة وقد تأكد هو من ذلك ، ثم جلس معها يتناولا الحلويات سويًا وما إن انتهيا أشار لها أن يعودا من جديد للبيت.
سارت معه بحالٍ تبدل كليًا حتى وصلا معًا فسألها هو باهتمامٍ جليٍ عن حالها بعد رؤيته:
_طمنيني بقى دلوقتي لسه زعلانة؟.
حركت رأسها نفيًا ثم هتفت بتأكيدٍ:
_أصلًا من أول ما شوفتك حسيت إني متطمنة أوي، عارف؟ لما خدتني دلوقتي وقعدنا مع بعض أنا حسيت إني مبسوطة وهقولك حاجة تانية؟ يمكن كل حاجة حصلت علشان أجي هنا وأشوفك وتشوفني وأكون مراتك، فأكيد الحكمة من حياتنا اللي اتبدلت دي هي إني أجي هنا زي ما “يـوسف” جه هنا ولاقى مراته، شوفت أنا شاطرة وتفكيري حلو إزاي؟.
أومأ لها مبتسمًا ثم هتف بنبرةٍ هادئة يُطمئنها بقوله وطريقته المعتادة التي تنقذ النفس من الهلاك على يد صاحبها:
_بالظبط، زي ما بنحب الراحة والنعيم لازم نشكر ربنا على البلاء والحزن، لأن رحمة ربنا بالقلوب شيء مؤكد واستجابة الدعاء شيء مؤكد برضه، بس كل الحكاية إن الإنسان مش بيقوي عزيمة نفسه، سايبها للدنيا تلعب بعقله، بس زي ما قولتي، حكمة ربنا، فلو أدرك العبد حجم الخير من البلاء لكان أحبه وسلم الأمر لله بكامل عقله، فسبحان الله وإن مع العسر يسرًا، والحمد لله على كل شيءٍ كنا بشرور أنفسنا نجهل حكمته.
حركت رأسها موافقةً له وهي تطالعه بامتنانٍ فمد يده له بالحقيبة التي جلبها لعائلتها وهي أيضًا معه ثم أمسك وجهها بين كفيه ولثم جبينها وهتف يمازحها بقوله:
_اضحكي بقى يا صبر “أيـوب”.
ضحكت له قبل أن يرحل ثم دلفت المصعد وما تحرك بها خرج من البناية عائدًا إلى بيتهِ وهو يتنفس بعمقٍ، في الحقيقة هو من كان يحتاج لهذا الوقت برفقتها، كان يحتاج لحديثها الغريب التلقائي وضحكتها التي تظهر فجأةً تزيل العبوس عن وجهه قبل وجهها، ثم عاد إلى بيتهِ لكن قبل ذلك مر على المكان من جديد يجلب لأهل بيته معه ومن فيهم زوجة شقيقه.
__________________________________
<“لقد أخترنا الطريق بأنفسنا، فلا علينا أن نعود”>
أسدل الليل ستائره كُليًا وتجاوز المنتصف أيضًا وقد عاد “نَـعيم” ومعه “جـودي” إلى البيت برفقة “إسـماعيل” و “مُـنذر” معهم وتركوا “إيـهاب” في المشفى برفقة “سـراج” الذي أصر على رحيل الجميع من المشفى وكذلك “نـور”.
خرجت “سـمارة” نحوهما بلهفةٍ لعلها تراه بينهم لكن الإحباط أصابها حينما وجدتهم حتى ذلك الغريب معهم وهو ليس هنا، لذا سألت بنبرةٍ مُحبطة:
_هو سي “إيـهاب” مجاش معاكم؟.
هتف “إسـماعيل” بأسفٍ لها:
_لأ يا “سمارة” مجاش، مرضيش يسيب “سراج” لوحده وخاف أفضل معاه لوحدي، والمستشفى قالت مرافق واحد، بس بكرة هيخرجوا يعني، المهم بيقولك اطلعي الشقة وأقفلي على نفسك وافتحي موبايلك.
حركت رأسها موافقةً ثم سألت بقلة حيلة وقد تمكن منها الضيق بسبب مشاجرتهما الأخيرة واحتدام النقاش بينهما:
_طب أحضرلكم العشا !!.
هتف “نَـعيم” بنبرةٍ منهكة كُليًا:
_لأ أنا مش قادر يدوبك أغفل شوية قبل الفجر علشان نشوف بكرة الجمعة يمكن حد من التجار ييجي مع إني مش فايق و “إيـهاب” مش هنا.
أخذت الصغيرة النائمة على كتف “إسماعيل” ثم استأذنت منهم ورحلت نحو شقتها ثم أغلقت البوابة الحديدية الخاصة بالبناية وصعدت إلى شقتها فورًا بخيبة أملٍ، دلفت الشقة ومنها للغرفة مباشرةً ووضعت الصغيرة على الفراش ثم احتضنتها بين ذراعيها وللحق لأول مرة منذ أن دلفت هذه البناية تشعر بالخوف بدونهِ.
كان “سراج” جالسًا على الفراش شاردًا فيها، مُعذبة قلبه صاحبة السُلطة ومالكة الأمر، تلك التي أعطته الحياة حينما هتفت جملتها التي عادت له بكل الأمل حينما أخبرته عن رحيلها وكأن سمعه يتعلق بالجملة من مدى حلاوتها:
_في داهية كل حاجة المهم أنتَ عندي، الشغل مش أهم من حياتك ووجودك يا “سـراج”.
استلذ الجُملة التي هتفتها بصدقٍ رآه هو في عينيها التي نطقت بالخوف والألم والحزن عليه، حتى أنه رأى الندم أيضًا، سحب نفسًا عميقًا ثم فتح هاتفه يُراسلها وقد كتب لها بسرعةٍ:
_صاحية يا “نـور”؟.
جاءه الرد منها في الحال وكأنها كانت تنتظر مراسلته:
_صاحية، طمني أنتَ كويس؟.
ابتسم فور رؤيته لردها ثم ظل يكتب لها وهي ترد عليه وكلًا منهما يطمئن على صحة الأخر وحينما طلب أن يهاتفها لاحظ نوم “إيـهاب” فحمحم بخشونةٍ ورفع صوته يوقظ الأخر الذي طالعه بعينين ناعستين حاول فتحهما على مضضٍ ليصله صوت الأخر قائلًا:
_عاوز أشرب شاي، هاتلي من برة.
رفع “إيـهاب” أحد حاجبيه وردد مستنكرًا:
_شاي !! تصدق بالله لولا إننا في مستشفى كنت قولتلك كلمة ميصحش تتقال !! أنتَ فيه حاجة في راسك يالا؟.
زفر “سـراج” ثم هتف بنبرةٍ جامدة:
_هو مش أنتَ قاعد هنا علشان تخلي بالك مني؟ أنا عاوز شاي وحاجة خفيفة معاه طالما مفيش سجاير بقى.
تركه “إيـهاب” وهو يسب من بين شفتيه بسبة نابية ويغمغم حُنقًا على “سـراج” الذي أنتظر خروجه ثم هاتفها على رقمها لكي يتحدث معها، أما الآخر فخرج من الرواق الرخامي ذاهبًا إلى ركن المشروبات وقد تذكر أمر زوجته وأمر مشاجرته معها لذا تحرك أولًا يجلس على المقعد الحديدي ثم فتح هاتفه يطلب رقمها حتى جاوبت هي بمعاتبةٍ:
_طول اليوم مش راضي تسأل فيا كدا؟ ولا كأني ليا لازمة حتى لما كلمتني علشان “جـودي” كلمتين ورد غطاهم؟.
مسح وجهه بكفهِ بعنفٍ ثم هتف بقلة حيلة:
_علشان مش بتمسعي كلامي يا بنت الناس، فرح إيه دا اللي أخليكي تروحيه؟ قولت مرة لأ ومرة تانية لأ، بتعاندي ليه؟ بعدين أنتِ الأفراح دي بتكون عاملة إزاي، من أولها قولتلك يا “سمارة” إنك طالما بقيتي مراتي يبقى مفيش مخلوق ينفع يرفع عينه فيكِ.
هتفت بحنقٍ ردًا عليه بعد حديثه:
_يعني أنتَ عاوز تعصبني وخلاص؟ أنا كنت هنام، دلوقتي دمي اتحرق ومش هنام بقى، الله يسامحك يا شيخ، كفاية خايفة علشان مش هنا.
ضحك رغمًا عنه وكأن الضحكة تزاحم الوجوم على وجهه لتعلن عن نفسها فهتف بنبرةٍ أهدأ من السابق:
_أنا يعز عليا زعلك علشان كدا هراضيكي، مش هوديكي الفرح ومش عاوز نقاش خالص..
زفرت هي بقوةٍ فوجدته يضيف من جديد بنبرةٍ أقوى:
_أستني أخلص الأول، مش هوديكي الفرح بصحيح بس مقابل دا هوديكي اليوم دا من أوله لأخره عند “عـهد” و “قـمر” و “ضُـحى” تقضي اليوم كله معاهم ومعاكِ “جـودي” كمان، مش كدا أحسن بقى من الفرح والدوشة والقرف؟ إيه قولك يا عمنا؟.
شهقت تلقائيًا بفرحةٍ وسألته بحماسٍ شديد فور استماعها لاقتراحه:
_بجد يا سي “إيـهاب” !!.
ضحك لها في الهاتف وقال بنبرةٍ ضاحكة:
_علشان خاطر سي “إيـهاب” بجد والله، يلا روحي نامي وخلي بالك من نفسك لحد ما أجيلك بكرة وتصبحي على خير يا “سـمارة” وخلي بالك من “جـودي”.
أغلق معها الهاتف ثم وقف بجوار صانع المشروبات يخبره بطلبه ثم أخذ للأخر مخبوزات مغلفة حتى يتناولها مع الشاي، فيما فرحت الأخرى بشكلٍ بالغٍ ثم ضمت الصغيرة بين ذراعيها أكثر وهي ترتجف من الحماس وتهز كتفيها بفرحةٍ غريبة، لكن السبب الأساسي هو أنه لم يقبل حزنها ويعمل جاهدًا على تبديل حزنها.
__________________________________
<“أييأس المرء من طول ليلهِ، أم ينتظر ظهور شمسه”>
في صباح اليوم التالي..
امتلأت الشوارع بالناس يوم الجمعة قبل الذهاب إلى المساجد ملبيين الجواب لأمر ربهم، ذلك اليوم المبارك الذي يعرف بالعديد والعديد ويظل “أيـوب” يحدثهم عن فضله في خطبة الجمعة، وتحديدًا بعد حديثه عن يوم الجمعة هتف بنبرةٍ قوية رغم هدوئها قائلًا:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بارك الله لنا وبارك في رزقنا، وعلمنا وعملنا، فاللهم إنا نسألك أن تستخدمنا ولا تستبدلنا، وأن ترزقنا النفع بما علمتنا..
آمن الجميع خلفه ليبدأ هو الحديث عن فضل الدعاء بقولهِ الذي بدأ كعادته بنفس الدباغة الروتينية:
_فبسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء وأشرف المرسلين، وأما بعد..
فقد قال الله جل علاه في كتابة العزيز:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين”
_إن الدعاء هو عبادة لله سبحانه وتعالى، فأنتَ يا مؤمن بتبخل على نفسك بالدعاء وبتبخل بالعبادة الخالصة لله سبحانه وتعالى، ربنا بيقول “ادعوني” فعل أهو، ونتيجته “استجب لكم” هيستجيب للدعاء، أنتَ بقى بتدعي إزاي؟ بتدعي من باب الواجب وخلاص؟ ولا من باب اليقين؟ يعني بتدعي وأنتَ بكل جوارحك عارف إن الدعاء هيستجيب، طب لو ربنا مستجابش، يبقى هيرزقك العوض عن دعائك، طب لو مجاش طلب الدعاء في الدنيا، هييجي في الآخرة، ذنوب وابتلاءات تم رفعها عنك مقابل دعواتك، بس أنتَ ادعي، ادعي علشان متأكد إن الدعاء هو السبيل الوحيد.
سكت لوهلةٍ ثم بدأ الحديث من جديد متابعًا:
_من شروط الجواب للدعاء، أن يستقر اليقين في قلب الداعي، بتدعي وأنتَ متأكد إنك هتاخد نتيجة الدعاء، أدعي وعامل ربك في الدعاء باليقين يناولك ربك ما ظننته المستحيل، ربنا معندهوش مستحيل، بس أنتَ مزرعتش في نفسك اليقين، أدعي واتكلم وأطلب من ربك ما شيئت، أدعي باللي كل الناس قالوا عليه من سابع المستحيلات، لأن سيدنا محمدﷺ قال:
“إن الله حييٌ كريمٌ ، يستحي من عبده إن يرفع إليه يديه فيردهما صفرًا خائبتين”
_يعني ربنا أكرم من أنه يردك خايب الرجا، حاشاه، لكنه الكريم فإذا أنتَ يا مؤمن عاملت ربك باليقين رزقت بالمستحيل، أدعي لأن الدعاء عباده، فلما تيجي تقولي يعني مش عارف إن المشكلة فضلت كتير وبتاع…وتفضل تثبط في عزيمة نفسك هقولك ربنا سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز:
“هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ”
_سيدنا “زكريا” عليه السلام دعا ربه بكل يقين لأنه متأكد إن ربنا سميع الدعاء وعليم بالقلوب، فتيجي تسألني طب هو دعا ربنا ليه؟ ما عادي يمكن يكون مش بيخلف، ماهو الشيطان مش هيسيبك، هيلاعبك وهو شاطر.
قالها بنبرةٍ ضاحكة ثم استعاذ بربه من شيطانه وأضاف من جديد متابعًا بعدما استعاد ثباته وهدوئه:
” قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا”
_فنسأل احنا بقى بأي يقين دعا سيدنا”زكريا”؟ وبأي قلبٍ تمسك بدعائه رغم استحالة الأسباب؟ اللي هي وضحها سيدنا “زكريا” لما وضح المستحيل إن زوجته عاقرًا يعني مش بتخلف، وحط الرجاء اللي هو مرتبط بالمستحيل وهو الغلام لكن في النص حط الدعاء بين المستحيل والرجاء وهي كلمة “هُب لي” يعني اعطيني، وسيدنا “زكريا” لما رأي الرزق عند مريم رغم استحالة الأسباب قام بالدعاء:
” قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ”
_دا معناه انه لما نشوف رزق عند حد عادي جدًا بل ومستحب ندعي ‏باستبشار أن يرزقنا الله بمثله ويكون عندنا يقين بإجابة الدعاء، لكن سيدنا زكريا مع الدعاء واليقين توجه للمحراب يصلي ويدعو الله وشكى حاله إليه وأخذ يسبحه بالليل والنهار فإذا بإجابة الدعاء، في قوله تعالى:
” أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ ”
“يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا”
_أي بشره الله تعالى على يد الملائكة بـ ” يحيى ” وسماه الله له ” يحيى ” وكان اسمه موافقًا لمسماه: يحيا حياة حسية، فتتم به المنة، ويحيا حياة معنوية، وهي حياة القلب والروح، بالوحي والعلم والدين، فمهما كنت تظن الأمر مستحيلًا أدعي ربنا بكل يقين وأمل، أدعي وكأنك لا تملك سوى الدعاء، حتى وإن كنت صاحب فعل، فألزم الدعاء وتذكر قول الله تعالى:
_قال النبي ﷺ:
“ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافل لاهٍ”
_يعني تتيقن من إجابة الدعاء وخليك عارف الدعاء لا يستجيب من قلب غافل، يعني مش متيقن من الدعاء، بل بيدعي من باب الواجب، تذكر إن الدعاء عبادة لله سبحانه وتعالى، فلما تدعي أنتَ كدا بتعبد ربك عبادة بدون مجهود، بل بتقوم بدورك كمسلم وهو التسليم لله سبحانه وتعالى، لأن ربك رب قلوب مطلع عليها، واللهم إنا نسألك إجابة الدعاء، فاللهم:
_اهدِنا فيمَن هَديْت وعافِنا فيمَن عافيْت وتَوَلَّنا فيمَن تَوَلَّيْت
و بارِك لَنا فيما أَعْطَيْت وقِنا واصْرِف عَنَّا شَرَّ ماقَضَيت سُبحانَك تَقضي ولا يُقضى عَليك انَّهُ لا يَذِّلُّ مَن والَيت وَلا يَعِزُّ من عادَيت تَبارَكْتَ رَبَّنا وَتَعالَيْت فَلَكَ الحَمدُ يا الله عَلى ما قَضَيْت وَلَكَ الشُّكرُ عَلى ما أَنْعَمتَ بِهِ عَلَينا وَأَوْلَيت نَستَغفِرُكَ يا رَبَّنا مِن جمَيعِ الذُّنوبِ والخَطايا ونَتوبُ اليك وَنُؤمِنُ بِكَ ونَتَوَكَّلُ عَليك و نُثني عَليكَ الخَيرَ كُلَّه أَنتَ الغَنِيُّ ونحَنُ الفُقَراءُ اليك أَنتَ الوَكيلُ ونحَنُ المُتَوَكِّلونَ عَلَيْك أَنتَ القَوِيُّ ونحَنُ الضُّعفاءُ اليك أَنتَ العَزيزُ ونحَنُ الأَذِلاَّءُ اليك…
اللهم أنصر إخواننا المستضعفين في فلسطين وسوريا والسودان، اللهم أنصر الإسلام والمسلمين، وأعز الإسلام والمسلمين، وجندهم بجندٍ من سمائك يا ولي المؤمنين.
ترقرق الدمع في عينيه كدليلٍ على نقاء فطرته والناس يرددون خلفه فيما أعلن هو عن قيام الصلاة وبدأ من جديد صلاة الجمعة بعدما أنهى الخطبة والدعاء.
__________________________________
<“صدفة لم نرغب فيها، ياليتها كانت عابرة”>
أنهى “يـوسف” الصلاة بالمسجد خلف “أيـوب” وتوجه مباشرةً من الحارة راحلًا منها إلى “سـراج” في المشفى حتى ينقله إلى البيت بعدما أصر الأخر على الرحيل وقد طمئنه الطبيب أن الأشعة الطبية لم يكن بها أي خطورة بل فقط يتوجب عليه مراعاة حركاته، وقد وصل إليه “يـوسف” الذي وجد معه “إيـهاب” و “مُـنذر” أيضًا الذي أتى بأشياء الأخر لكي يبدل ثيابه.
دقائق مرت عليهم لخروج “سراج” الذي بدا مثل الأسود لم يهزه ما حدث، مجرد عيار ناري عابر دلف جسده وخرج من جديد، من الأساس واجه العديد من المخاطر مثل هذه، وبعد مرور ساعة تقريبًا وصل لبيت “نَـعيم” برفقة الشباب فقام “إسـماعيل” بمعاونته وأجلسه على الفراش ووقفت “تحية” تطمئن عليه بعدما وضعت الطعام أمامه وقال هو بامتنانٍ لها:
_ألف شكر يا ست “تحية” تعبتك معايا.
ابتسمت له وهي تربت على ظهره ثم ركضت له “جـودي” تحتضنه وتطوق نصف جسده بذراعيها أما “إيـهاب” فوقف يبحث عنها بعينيه حتى لمح طيفها على أعتاب الغرفة وقد مرت نحو المطبخ، انسحب من أمام الجميع وسار خلفها حتى وجدها توليه ظهرها فوقف خلفها يفعل حركته المعتادة وهو يضم خصرها بكلا ذراعيهِ ويضع رأسه عند كتفها ثم هتف بنبرةٍ هامسة داعبت أوتار فؤادها بمعزوفة خاصة لأجلهِ:
_وحشتني يا عمنا.
ابتسمت دون حديثٍ لتجده يقوم بتدويرها ثم سألها ساخرًا:
_مفيش وأنتَ كمان؟ مفيش وحشتني؟ مفيش معرفتش أقعد من غيرك؟ مفيش أي حضن أو بوسة تصبيرة كدا طيب؟.
ضربته في كتفه لكي يكف عن وقاحته فوجدته يضيف بنبرةٍ هادئة وهو يغازلها بها:
_يمين بالله أنا ما مصبرني على هدة الحيل دي غير إنك موجودة، فخلصي يا حلوة هنا كدا ولمي الدور علشان عاوزك فوق على رواقة، هروح بس أشوف ابن عمي دا وأجيلك تاني.
قبل أن يتحرك من أمامها أمسكت قميصه تردع حركته بذلك وهي تسأله بسخريةٍ:
_خد هنا !! إزاي يبقى عندك ابن عم ومتقوليش؟.
حرك رأسه يقترب منها بخبثٍ وهو يقول بنبرةٍ هامسة:
_طب ما أنا عاوزك علشان أقولك بس الموضوع عاوز شرح كتير أوي، لأنه مهم جدًا وكبير أوي ميخلصش في كلمتين كدا.
طالعته بنصف عين وهي تسأله بشكٍ:
_أنتَ بتشتغلني صح؟ بتاكل بعقلي حلاوة؟.
أشار على نفسه مستنكرًا بسخريةٍ وهو يردد:
_أنا !! أنا عمري كلت بعقلك حلاوة؟.
ضحكت بتهكمٍ ثم أضافت بسخريةٍ منه:
_أنتَ !! دا أنتَ تاكل بيه مال اليتيم مكان مش الحلاوة بس، روح شوف كدا وراك إيه لحد ما أخلص هنا وأجيلك.
قربها منه من جديد يقول بنفس الخبث:
_طب فكري كدا !! مش عاوزة تديني أي حاجة خالص؟.
دلف في تلك اللحظة “نَـعيم” يهتف بتهكمٍ:
_هتديك فوق دماغك، يلا ياض أطلع غير هدومك دي علشان فيه تجار جايين كمان شوية، واخلص وسيبك من قلة أدبك دي بقى، عيل بجح مش وش خِشا.
ابتعد عنها “إيـهاب” على مضضٍ ورد عليه بضجرٍ:
_أنا برضه اللي مش وش خِشا !! ماشي.
سار مع “نَـعيم” للخارج فيما ضحكت هي عليهما ثم استأنفت عملها لكن هيهات كيف ستكمل بنفس الثبات بعدما أتى صاحب الزعزعة الأساسية لسكونها، يعاملها دومًا كما يعامل خيولهِ، يثير فضولهم من مرقدهم لينجذبون له ثم يرحل كأنه لم يفعل أي شيءٍ ومن الأساس هو فاعل كل شيءٍ.
في الخارج لاحظ “إيـهاب” غياب الإثنين عن عينيه فسأل عنهم “مـيكي” الذي أخبره بنبرةٍ هادئة:
_موجودين عند الخيول يا “عـمهم”.
دلف حيث إشارة الأخر فوجد “يـوسف” يسأله بسخريةٍ:
_ناوي تتكلم إمتى ياعم الغامض؟ إيه حوار إنك ابن أخو الحج دا؟ إزاي وأنتَ ابن عم “إيـهاب” !!.
عقد “إيـهاب” مابين حاجبيه بدهشةٍ حتى ظن نفسه مارًا بأحد العوالم الموازية لسائر البشر، فوجد “مُـنذر” يمسح وجهه بكلا كفيهِ معًا ثم قال بنبرةٍ مُحشرجة ذات بحة هادئة:
_كل الحكاية إن “شـوقي الحُصري” كان متجوز في السر، ولما مراته حملت مرضاش يعترف بيا وطلب منها تخلص عليا وتنزلني، بس هي خافت وراحت لـ “ماكسيم” اللي كان ساعتها ليه سُلطة على “شـوقي” وهو خلاها فهمته إنها نزلت العيل وخدها يجوزها لـ “إبراهيم الموجي” ومنه يربي الواد اللي هو أنا وأبقى تحت رعايتهم، بس الغريب بقى إن “إبراهيم” زهق مني فرجعني تاني لـ “ماكسيم” اللي خدني عبد عنده.
اندهش “يـوسف” من الحديث بأكملهِ وبدا مستنكرًا ومُستغربًا لما يُقال ولم يختلف عنه كذلك “إيـهاب” في الخارج الذي شعر بهزة في قلبهِ ولم يمنع نفسه من الدخول لهما وهو يسأل بتعجبٍ:
_يعني أنتَ ابن أخو الحج !! إزاي؟ طب وعمي ومرات عمي وأخوك كل دول كانوا إيه؟ إزاي محدش كان عارف؟.
اندهش “يـوسف” من جديد بسبب حضور “إيـهاب” أمامهما بينما “مُـنذر” فزفر مُطولًا ثم هتف مؤكدًا:
_آه، واللي أنتَ متعرفهوش إن “ماكسيم” عارف كمان وسايبني هنا لحد ما ألاقي ابن عمي وساعتها بقى الله أعلم باللي ممكن يعملوه، وعلى فكرة أنا مجرد ما أوصل للي هو عاوزه هيموتني، لأني ماسك كتير عليه، أو عليهم كلهم، وعلى فكرة “سامي السيد” جوز عمة “يـوسف” هو اللي عارف مكان ابن “نَـعيم” أو بالأحق يعني عارف المكان اللي يوصلنا بيه، لأنه للأسف أتخلص منه،. أنا بدور على إبرة في كوم قش.
نظرا الإثنان له بدهشةٍ وخاصةً “يـوسف” الذي قال بنبرةٍ ضائعة كُليًا:
_”سامي” !! وهو إيه علاقته بكل دا؟؟
هتف “مُـنذر” بثباتٍ من جديد أو هكذا حاول أن يتصف:
_علاقته أنه أتعرف على “شـوقي” وجمع بينهم شغل الآثار من زمان أوي، وكانت النتيجة إن فيهم واحد سمع كلام التاني وضيعوا عيلين في الدنيا كأنهم ازايز مياه بتترمي في الزبالة، وعلى فكرة أنتَ كان زمانك زيي يا “يـوسف”.
حرك رأسه بتعجبٍ له يسأله بعينيه ليفسر الأخر بقولهِ:
_لما دخلت الأحداث “سامي” كان متفق مع “ماكسيم” أنه ييجي يخرجك منها بس ياخدك برة وقصادك كدا يبقى خلص من عيلة ” مصطفى الراوي” كلها بس الرحمة اللي ربنا كتبهالك إن “نَـعيم” لحقك من هناك وباظت كل خطط “سامي” يعني كان زمانك معايا هناك يا قاتل يا مقتول.
فرغ فاه “يـوسف” بغير تصديق وشخص ببصرهِ في الفراغ وكأن الحديث لازال يضرب بعقلهِ، لا يُصدق أن هذا المصير المجهول كاد أن يُكتب عليه، لقد ظن نفسه هنا مقتولًا من الأساس، فهل من المعقول أن يكتب له الموت لكن بدون رحمة؟ أما “إيـهاب” فسأله باستغرابٍ شديد:
_يعني إيه طيب؟ أفهم من كدا إيه يا “مُـنذر” !!.
جاوبه الأخر بثقةٍ وثباتٍ لم يليقا بالموقف القاتل:
_أفهم أني لحد ما ألاقي اللي مني أنا هفضل زي ما أنا ابن عمك وبس، محدش يعرف حاجة غير كدا غيركم أنتوا الاتنين، أنا مش هرجع ولا حد هيعرف أنا مين إلا لما الاقي ابن عمي، علشان بظهوره كل حاجة هتتغير وكل الموازين هتتقلب، واللي متعرفهوش إني لحد دلوقتي شاكك في اتنين مجرد ما أتأكد إنه مش منهم أنا لازم أغير كل حاجة.
انتبها له من جديد وسأله “يـوسف” بتعجبٍ:
_مين هما !!.
وزع نظراته بينهما وقد هرب من النظر إلى “إيـهاب” حينما هتف بثباتٍ حاول أن يبثه في الكلمات:
_”إسـماعيل الموجي” أو “نـادر سامي”.
ضربة جديدة وقعت فوق رؤوسهما بمجرد ذكر الإثنين ليصرخ “إيـهاب” في وجهه بحدة منفعلًا بقولهِ:
_نعم يا روح أمك !! بتقول مين؟ “إسـماعيل” مين اللي ابن “نَـعيم” !! أنتَ جرى لمخك حاجة ولا بتطفح هباب أسود لحس مخك.
تدخل “يـوسف” يقول باستهتارٍ جليٍ من الموقف بأكملهِ:
_بص يا “مُـنذر” أنتَ شكلك كدا غلطان في العنوان، أكيد فيه حاجة غلط أو خطوطك داخلة في بعض، لأن الاتنين دول مستحيل يكونوا هما، “نـادر” لو ابن “نَـعيم” صدقني “نَـعيم” بنفسه هيموته، غير كدا “إسـماعيل” أخو “إيـهاب” يعني كل التحليلات دي أكيد مضروبة.
لقد شعر “مُـنذر” بالضيق من استهتارهما ومن التقليل بما يتحدث عنه لذا هتف بنبرةٍ جامدة منفعلًا هو الأخر في وجهيهما:
_أنا مش عاوز استهتار بكلامي، قولت بحط كل التحليلات علشان أقدر ألاقي طريق صح مبقاش زي اللي بيدور على إبرة في كوم قش، افرضوا طلع واحد من الاتنين؟ يعني هو “سامي” دا ميعملهاش وياخد ابن يربيه علشان ينتصر على “عاصم” ويكون عنده حد يشفط بيه الفلوس والشركة ؟؟ ولا “أشرف الموجي” ميعملهاش ويبقى عنده عيل بيتاجر بيه مع المشايخ؟! لو بصيتوا هتلاقوا كلامي صح بس انتوا مش عاوزين تصدقوه، وأنا مش مستني حاجة من حد فيكم، بس هرجع حق عمي وابن عمي وياكش أموت بعدها مش فارق، أنا كدا كدا ميت.
هتف جملته الأخيرة بوجعٍ فيما أقترب منه “إيـهاب” يقف أمامه وهو يقول بنبرةٍ جامدة يهدرها من بين أسنانه:
_قول اللي تقوله بس حكاية “إسـماعيل” دي تنساها خالص وتشيلها من راسك نهائي يا “مُـنذر” أخويا محدش هييجي جنبه ولا حد يفكر يدخل في علاقتي بيه.
تدخل بينهما “يـوسف” يهتف بنبرةٍ جامدة هو الأخر بعدما قلب حديث “مُـنذر” في عقله:
_استنى بس يا “إيـهاب” !! الراجل بيتكلم صح، حقه إنه يدور على ابن عمه وحقه يرجع حقوقه كلها، أنتَ إيه اللي مضايقك؟ حتى لو مش أخوك مفيش حاجة في كل دا هتتغير.
صرخ في وجهه بوجعٍ بعدما انفجر كُليًا وكأنه فقد زمام أمر الخيول في ساحة عقله لتصبح كل حركاتهم مثل ركضهم بالحروب:
_مـفـيـش حـاجـة هتتغير !! أخويا اللي طلعت بيه من الدنيا ومفيش غيره ساند طولي عليه ممكن يطلع مش أخويا وتقولي مفيش حاجة هتتغير؟ دا معناه إنك بتقطع جدوري من الدنيا، أنا ماشي فاتح صدري في وش الحياة علشان “إسـماعيل” أخويا، بكلامه دا بيقتلني يا “يـوسف”، طب لو صدقتكوا، أكدب قلبي إزاي ؟ “إسـماعيل” دا حتة مني، مش بعد كل دا يطلع غريب عني، دا أنا أموت مقهور فيها دي.
انكسر صوته أمامهم عند الحديث عن شقيقه وقد لاحظ ذلك الإثنان معًا فاقترب منه “مُـنذر” وهو يقول بنبرةٍ هادئة حينما قدر حجم مشاعره:
_أوعدك إن دا هيكون أخر حل ألجأ ليه بس حط نفسك مكاني، صدقني كلنا لازم نتوجع في الليلة دي كلها، فيه حد فينا هيتكسر جواه حاجات مش حاجة واحدة، أنا من ساعة ما عرفت حقيقة نسبي وأنا ابن مين وأنا دماغي اتشلت، مكسور وماليش حد، مفيش حد واحد أروح أقوله أني ضايع في الدنيا، مليش ضهر يسندني وأنا عايش حياتي كلها على كف عفريت، كل دا مش بايد حد فينا، إحنا نقطة في بحر عالم تاني، فيه أطفال أيتام في ملاجيء بيتباعوا كل يوم بالجملة زي حتت الهدوم، بيتحسبوا بالدستة، فيه ناس بتدخل مستشفيات عندها كسر في العضم بتخرج متاخد منها أعضاء، إحنا لازم نشكرهم إنهم سايبينا أحياء، ويا رب ابن عمي ميكونش اتباع بالحتت.
رفع “يـوسف” كفيه يمسح وجههِ ثم هتف بصوتٍ أجش يحاول من خلاله إخفاء تأثره:
_طب وأنتَ هتعمل إيـه دلوقتي؟ هتروح فين؟.
حرك “مُـنذر” كتفيه بحيرةٍ وهو يقول:
_أنا دلوقتي كدا مش قدامي غير إني أشوف مكان تاني أقدر أقعد فيه علشان أعرف إزاي أرتب الخطوات الجاية صح، هما كدا كدا هيراقبوني بس أهم حاجة أكون أنا مرتاح وعارف إن مكاني محدش هيقدر يدخله.
تدخل “يـوسف” يقول بنبرةٍ هادئة وبذلك يعرض معاونته بدون أي تطفل عليه:
_أنا هاخدك مكان أمان، آمن حتى من قسم الشرطة وكل اللي فيه رجالة يتاخد بكلمتهم عـهد متصدق عليه، حارة “العـطار”.
طالعه “إيـهاب” بحيرةٍ وسأله مستنكرًا ذلك وبشدة:
_متأكد !! مش عاوزين حاجة تحصله هناك تفتح العين عليه، مهما كان هو ملزوم مني، فكك من الهري اللي هراه من شوية دا.
هز رأسه مومئًا ثم أشار للأخر بقولهٍ أمرًا:
_جهز حاجتك يا “مُـنذر” يلا هتيجي معايا.
بعد مرور دقائق خرجوا معًا ليجدوا “إسـماعيل” كاد أن يدخل لهم لكنه لم يلحق بهم حتى وجدهم أمامه ولاحظ نظرات شقيقه التي بدت على غير طبيعتها وكذلك “مُـنذر” أيضًا، فيما أضاف “يـوسف” بنبرةٍ هادئة:
_هاخد منك “مُـنذر” شوية يقعد في حارة “العطار” وهيبقى يرجع هنا لما أموره تتظبط شوية، أنا قولت أعرفك قبل ما تزعل.
تعجب “إسماعيل” من الحديث وفورًا تذكر أمر “ضُـحى”، لوهلةٍ حركته غيرته وخشى أن يقع رفيقه في هواها كما سبق ووقع عليها فهتف بدون تعقل أو حتى ذرة تفكير:
_طب أنا عاوز أجي أخطب “ضُـحى” بنت خالك.
رفع “إيـهاب” كفه يضرب به وجهه فيما نظر له “يـوسف” بدهشةٍ وكذلك “مُـنذر” الذي وأد ضحكته وطالع رفيقه بتعجبٍ ليجده يهتف من جديد بثباتٍ قاتل لمن يراه:
_قولت إيه يا “يـوسف”؟.
وزع “يـوسف” نظراته بينهم ثم قال باستهتارٍ وهو يهم بالتحرك:
_قولت روح نام شوية شكلك تعبان.
أوقفه “إسماعيل” من جديد وهو يقول بلهفةٍ:
_أنا مش بهزر، أنا عاوز أجي بجد وطالب أيدها على سنة الله ورسوله يا “يـوسف”.
لاحظ “يـوسف” جديته وإصراره في الحديث لذا هتف من جديد يرد عليه بقولهِ:
_خلاص هسأل أبوها وآخد منه معاد وهقولك.
حينها اندفع “إسـماعيل” يسأله بلهفةٍ حماسية:
_بجد !! يعني موافق عليا !!.
ابتسم له وهو يمازحه بقولهِ:
_وأنا هلاقي لأختي زيك فين يا “حوكشة” ؟!.
قال حديثه ثم تركهم وتحرك نحو البيت ليضحك “إسـماعيل” ثم جاوره شقيقه وكأنه طفل صغير تهور في مشاغبته ثم عاد بجوار والده يعتذر منه وقد هتف بآسف حقيقي:
_أنا آسف شكلي ورطتك، بس هي مجاتش غير كدا.
ابتسم له “إيـهاب” وقد تناسىٰ ماحدث من قليلٍ وهو يقول:
_مش مهم، المهم أنتَ مبسوط ومرتاح ؟!..
حرك رأسه موافقًا عدة مرات مما جعله يرفع كفه يضعه على كتفه وكأنه يشدد من أزره بقولهِ:
_ودا اللي يهمني يا “إسـماعيل” إنك تكون فرحان.
وقف “مُـنذر” يطالعهما مبتسمًا لطالما كانت هذه العلاقة دومًا من ضمن نقاط ضفعه، يحبهما معًا ويحب صدق مشاعرهما لبعضهما لذا ظل مبتسمًا حتى التفت له “إيـهاب” وقال بنبرةٍ هادئة:
_عقبالك لما تلاقي بنت الحلال أنتَ كمان.
ابتسم بسخريةٍ وقال بحديثٍ قاتم خرج من قلبٍ مقتولٍ:
_وهي فين بنت الحلال اللي هتوافق بابن حرام زيي.
رمى جملته ثم ترك المكان يتبع رحيل “يـوسف” هو الأخر فيما نظر الإثنان في أثره بدهشةٍ من طرفٍ وحزنٍ لأجله من طرفٍ آخر يعلم جيدًا مشاعر الشريد في هذه الدنيا بدون أن يكون له أي مكانٍ يرأف به أو يلتحد إليه من قسوة الطرق وبُعد الغاية وانعدام الرؤية.
__________________________________
<“مرحبًا بالفرح قد هل علينا”>
جلس “عبدالقادر” برفقة الشباب في مندرة بيته وقد جمعهم معًا ليقول “تَـيام” بنبرةٍ هادئة بعدما رتب الحديث جيدًا:
_طب يا حج أنا كدا الشقة فاضل فيها بالظبط شهر وتخلص، أنا بستأذنك إني أكتب كتاب الفترة دي علشان أقدر أتحرك في فترة التجهيزات للفرح، قولت إيه ؟.
طالعه “عبدالقادر” بوجهٍ مبتسمٍ ليتدخل “بيشوي” هو الأخر يضيف بنبرةٍ هادئة:
_طب حيث كدا عاوزك يا كبيري تيجي معايا نحدد الفرح علشان جو خطوبة وعروستي وتلزيق مبحبش، أنا أهو استنيتك وعم “ملاك” جاي الأسبوع دا، هتيجي تجوزني؟.
ابتسم له وحرك رأسه موافقًا ليظهر الحماس على وجوههم جميعًا فضحك “أيـهم” وقال بسخريةٍ:
_هترحرحوا !! ربنا يكتبها لكل مشتاق.
فهم “أيـوب” أن الحديث يخصه لذلك ضحك حينما ضحكوا على حديثه وكذلك الفتيات في الخارج بعدما وقفن يستمعن للحديث وقد أتت “نِـهال” من خلفهما تحمحم لتلفت أنظار الثلاثة وعلى رأسهم “آيات” التي خجلت كثيرًا من نفسها حتى ضحكت لهن وسألت بنبرةٍ هامسة:
_تقولولي بالهدوء كدا سمعتوا إيه ولا أدخل أقول أنا شوفت إيه ؟.
كانت الفرحة بداخل البيت تُنافي خارجه حيث كان الصغير في الخارج يلعب برفقة الصغار وقد ركض له أحد الصبية يبلغه بقولهِ خائفًا:
_ألحق يا “إيـاد” مامتك فيه توكتوك خبطها ومحدش معاها في الشارع هناك، وهي عمالة تصرخ وبتجيب دم.
ركض الصغير نحو مكان إشارة الأخر وللحظةٍ نسى حزنه منها وحنقه عليها وعلى طباعها الحادة وركض بلهفةٍ نحوها وبراءة قلبه تقوده إلى أمهِ.
__________________________________
<“تحالف من بقاع الأرض بثوبه الجديد”>
في منزل “الراوي” لاحظت “مادلين” انشغال ساكني البيت كلهم وغالبًا أهم أفراده بالخارج فتحججت بالاشراف على نظافة البيت بعدما وجدت “فاتن” تجلس برفقة ابنها الذي أخذ يطور علاقته بها مؤخرًا فيما خرج “سامي” و “عاصم” معًا لمقابلة أحد العملاء الهامين بالخارج، لذا صعدت بخلسةٍ تُجيد رسمها في طباعها ثم فتحت الغُرفة الأولى الخاصة بـ “سامي” وأخذت منها مبتغاها المتمثل في فرشاة الشعر الخاصة بهِ.
خرجت من الغرفة بنفس الثبات بعدما وضعتها في جيب ردائها الشتوي ثم تحركت من جديد نحو غرفةٍ أخرىٰ وتحديدٍ الخاصة بـ “نادر” وقد أخذت الفرشاة الخاصة به وميزتها من لونها الأسود وعلمت أن صاحبة اللون الوردي خاصة بزوجته، وعلى ذكر زوجته استمعت لصوت المياه بداخل المرحاض فعلمت أنها بداخله حينها أخرجت هاتفها تكتب رسالة نصية مفداها:
_اللي عاوزه معايا يا “مُـنذر”
أغلقت هاتفها ووضعته في جيب بنطالها وقبل أن تخرج من الغرفة تحديدًا وهي على أعتابها وجدت “نـادر” أمامها بعدما فتح باب غرفته وسألها بنبرة جامدة أعربت عن دهشته الواضحة بوجودها في غرفة نومه:
_بتعملي هنا إيه يا “مادلين” !!.
وقفت أمامه بنظراتٍ زائغة تزدرد لُعابها وهي تفكر في حُجة قوية تنطوي عليه وعلى تواجدها هنا خاصةً حينما توقفت صوت المياه في المرحاض وقد علمت أن الأخرىٰ أنهت ما تفعله فحقًا إن كان الهلاك قد اقترب منها، فحتمًا ستلقى حتفها الليلة على أيد عائلة “الراوي”.
______________________
_لا تنسوا الدعاء لإخواننا وتذكروا أن الدعاء هو السلاح الوحيد والكلمة جهاد، اللهم انصر اخواننا المستضعفين في السودان وسوريا وفلسطين وبكل بقاع الأرض.
_________________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى