رواية غوثهم الفصل الرابع والستون 64 بقلم شمس محمد
رواية غوثهم الفصل الرابع والستون
رواية غوثهم البارت الرابع والستون
رواية غوثهم الحلقة الرابعة والستون
“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل الرابع والستون”
“يــا صـبـر أيـوب”
___________________
أتيتُ إليك أعمىٰ القلبِ فاقدًا للبصيرة..
أخشى أن أتوه مني وأغدو بدونِ سيرة..
ربي إن تمسك القلب بقسوتهِ أطلب منك
إن ترحمني منه حتى وإن كانت مصائبه كبيرة..
فلا خيرٍ في أيامٍ أخذها المرء بعيدًا عنك..
والنفس على الأمر بالسوءِ قديرة..
لكنك ربي العظيم والقادر الوحيد، فأنتَ الكبير
وكل الأشياء مهما كبرت أمام عظمتك تغدو صغيرة.
_”غَـــوثْ”
__________________________________
_حتمًا سيشرق الصباح…
ومن المؤكد سيأتي الغد،
حيث أنا وأنتِ مَعًا بالجوارِ نستأنس ببعضنا في الديار،
أنتِ وأنا ويرافق أيامنا الحُـب
ويُزاح من أحلامنا كل كَرب..
فحتمًا سيأتي صباحٌ تزول بهِ الكُـربة
وتتلاشىٰ من قاموسنا الغُـربة..
سيأتي الصباح ونسعد معًا برفقة الأحِبة..
سيأتي وأنا كلي يقين أن السَكن بجوارك هُنا
وأن العيش بدونك قاتلٌ مثل ألم الفُرقة،
سيشرق الصباح وتلك المرة
معه الربيع نستأنس فيه من كل كُربة…
ستغني الطيور ويُردد خلفها الأحِبة.
<“كل شيءٍ يسير عكس هوانا، حتى الهوىٰ هوانا”>
وصل هذا الحقير إلى بيت عمهِ الذي أمر ذويه بمتابعة ابن شقيقه فيما يفعله، عند دخولهم له وجدوه عاريًا عدا سرواله الداخلي، وجدوه يجلس بوهنٍ، كأسيرٍ متطفل وقع في أيدي رجال العرب ينتقمون منه على دنائتهِ، حينها بدل ثيابه وجلس على الأريكة في بهو البيت الخاص بعمهِ بعد انتقاله إلى هنا ليصله صوت عمه يأمره بنبرةٍ جامدة:
_اسمع أحسنلك بدل ما تضيعنا بغبائك دا، الموضوع دا يتقفل خالص، البت دي تنساها نهائي، وتفضل هنا لحد ما الدنيا تهدا وأتابع أنا لو قدموا بلاغ ضدك أو أي حاجة، صدقني أنا مش هقدر أسمي عليك لو وصلولك، دي قضية خطف ومحاولة إعتداء، يعني أكيد مش بالسهل تعدي، فاهم !!.
كان يحذره بنبرةٍ جامدة من تماديه في الأمر ثم تركه بهيبةٍ تليق بمركزهِ كرجلٍ في الحكومة المصرية صاحب المنصب ذات الأهمية خاصةً في مبنى الأمن الوطني، هذا المبنى الذي يُشبه مباني الموت، إما يموت الفرد بداخلهِ، أما تموت أحلامه، بينما “سـعد” جلس مرتخي الأعصاب وهو يتذكرها أمامه، هوسه تخطى حدود المعقول ولم يُفرق حتى بين إن كانت حُرة أو على ذِمة رجلٍ أخر، وسرعان ما تذكر أمر الصور فابتسم مُنتشيًا ثم أخرج هاتفه يتطلع للصور التي وصلته من مكانٍ خارج حدود الدولة المصرية.
لقد تواصل مع أحد الشباب الخاصين باللعب في الصور بالطرق الحديثة عن طريق تطبيقات الذكاء الاصطناعي، حيث أن الصور تكون واضحة وحقيقية لدرجةٍ تجعل المرء يكذب نفسه ويصدق الصور، وقد أرسل لهذا الرقم رسالة فحواها باختصارٍ:
_ابعت اللي قولتلك عليه.
تلقى الأخر الأمر بسلاسةٍ ثم سحب هاتفه يراسل رقمها هي بعدما أرسل صورها العارية التي ظهرت فيها عورات جسدها ولم تكن هي بمفردها !! بل “قـمر” أيضًا في صورةٍ واحدة !! ورافق الصور بكتابتهِ:
_أهيه الصور لا تكوني مش مصدقة ولا حاجة، زي ما فهمتك تطلبي الطلاق منه هتفضلي في أمان، هتعاندي وتركبي دماغك صورك هتبقى في كل حاجة حتة وابقي دوري عليه بقى لما يسيبك ويمشي ولا أخته تتفضح؟.
أغلق “سـعد” هاتفه يبتسم بظفرٍ شاكرًا الظروف على ملائمتها لأهوائهِ، لقد رأى هذه الفكرة في العديد من الأفلام والقضايا الإجتماعية التي نشب عنها خراب البيوت وتشرد النساء وفضح العائلات، قضايا تلوك مثل العلكة في فم الناسِ شامتين في حق الآخرين غافلين عن رؤية الخالق لهم.
أما “عـهد” فكانت تجلس بوهنٍ تلوم نفسها على انصياعها خلف المخطط السخيف الذي اوقعها في يد “سـعد”، كيف لم تساورها الشكوك ؟ فقط مكالمة هاتفية من صوت إمرأةٍ أخبرتها بحزنٍ:
_معلش يا بنتي أنا الست “عايدة” جارتك في البيت اللي لازق فيكم، الشقة بتاعتك المياه فيها مفتوحة ومغرقة الدنيا وسربت على الحيطة عندي بوظت الدهان، أنا كلمت قرايبك قالولي ملناش دعوة، ودلوقتي الدنيا بايظة خالص، سألت على رقمك قالولي عليه، ياريت تيجي يا حبيبتي.
كانت حينها في خِضم عملها ولم تجد بُدًا سوى التحرك لذا طلبت إذن الرحيل من الطبيبة التي وافقت دون معرفة أية تفاصيل أخرى، هي فقط ظنت أن ربما عائلة أبيها هي من فعلت ذلك، غفلت عن التحدث أو إخبار أي أحدٍ مما جعلها تصل إلى البيت بسرعةٍ مهولة وما إن وقفت أمام الباب شعرت بكفهِ يوضع على فمها طابقًا عليه ويده الأخرى تشتد على خِصرها ليُكبل حركتها تمامًا.
خرجت من شرودها على صوت هاتفها الذي صدح برسالةٍ أو عدة رسائل مُتتابعة خلف بعضها مما جعلها تسحب الهاتف من الشاحن الذي امتلأ بكفها السليم ظنًا أنه “يـوسف” يطمئن عليها لكنها وجدت الرقم مجهول الهوية وأيضًا بدايته غريبة عن المفتاح الرمزي الدولي، لذا فتحت الرسائل لتجد صورها العارية ومعهم صورة “قـمر” عارية تمامًا لوهلةٍ ظنت أنها تحلم.
ماهذا !! الصور صحيحة لدرجةٍ جعلتها تشك في نفسها، بل شكت في “قـمر” أيضًا، معذورة أولًا وأخيرًا فالصورة دقتها فائقة متناسبة بشدة، احتلت الغِصة حلقها بمرارةٍ وسكنت العبرات في مُقلتيها بقهرٍ، هذه القضايا التي كانت تراها بالأفلام وعبر صفحات التواصل الاجتماعي الآن هي من وسطهم؟ بكت بقهرٍ وهي ترى الرسالة التي رافقت هذه الصور بعجزٍ تامٍ شل حركتها وعرقل سير فكرها، صرخت بأعلى صوتها صرخة مدوية مجروحة صرخت وهي تتخيل أمر فضحها لتجد هاتفها يصدح برقمٍ مصري جعلها تفتح بلهفةٍ ليصلها صوته البغيض بقولهِ:
_شوفتي حلوين إزاي ؟ أحب أقولك إنك مش هتقدري تعملي حاجة خالص، لأن الرقم مش في مصر، يعني مفيش حد هيتدخل أصلًا وينقذك، فمفيش قدامك غير الموافقة يا إما صورك تنور في كل مكان، ومش أنتِ بس، دي أخته كمان معاكِ، بس إيه رأيك؟ شعل عالي خالص صارف ومكلف كتير ودافع بالاخضر كمان بس فداكِ.
بكت وهي تستمع لصوتهِ فردت عليه بنبرةٍ مقهورة عاجزة عن الكلامِ حتى:
_طب لو أنتَ بتحبني وعاوزني أبقى ليك بجد، هتعمل إيه بالصور دي؟ هتاذي نفسك قبلي…يعني لو اتطلقت منه إزاي هتقبل تتجوز واحدة صورها عريانة كدا مع الشباب وكله بيجيب في سيرتها، مفيش حد بيحب حد بيعمل فيه كدا
هتف بسخريةٍ ردًا عليها:
_كدا يعني بتقنعيني؟ بتلعبي على الوتر الحساس بس ماشي خليني معاكي، الصور هتفضل مكانها زي ماهي بأمر مني تتمسح وبأمر مني تنتشر، قدامك يومين يا “عـهد” يومين بالظبط وتخلصي كل حاجة.
حركت رأسها موافقةً بهيسترية كأنه يراها وهتفت بصوتٌ متقطعٍ من البكاء:
_حـ..حاضر، حاضر والله بس أبوس إيدك بلاش تفضحني، ولا تعمل حاجة بصورة “قــمر” أخته ملهاش ذنب صدقني، حرام تعمل كدا وهي ملهاش ذنب في حاجة، أنا هطلب الطلاق.
أغلق في هاتفها بانتصارٍ لتبكي هي بحرقة من جديد وهي تشاهد الصور أمام عينيها، ماذا إذا رآها أفراد عائلتها أو زوجها ؟ حتى وإن زعمت وطعنت إنها غير حقيقية في النهاية خرج العيار من فوهة السلاح وإذا لم يصيب هدفه سيتحدث الناس عنه، رفعت عينيها باكيةً للأعلى تستمد العون من مولاها وهي تتوسله في رحمتهِ بقولها:
_يا رب…يا رب ساعدني.
لم ولن تفشل لطالما توكلت على الخالق، وماخاب من ترك لسانه يردد يا “الله”، أييأس المرء من رحمة خالقهِ؟ أم يترك نفسه لأهواء شيطانه يتلاعب بقوة إيمانه ليعجزه عن الحِراك؟.
__________________________________
<“لولا الدهاء لما وصلنا إلى الغاية”>
خرجوا من بيت “عبدالقادر” إلى حارة بالخارج يسيرون بها إلى محل “أيـوب” الذي دعاهم إلى هُناك يجلسون معه ورافقهم “أيـهم” أيضًا الذي سأل بتعجبٍ:
_يعني ابن الصايعة دا راح أجر الشقة في بيت أبوها يحطها فيها وجه أجر هنا بحيث لما تدوروا عليها محدش يلاقيها !! وبكدا يكون محدش عارف مكانها، أقسم بالله عيل يهودي ويتزعل على خِلفة واحد زي دا، لولا إن حد شك مكانش حد هياخد باله أصلًا.
هتف “تَـيام” موضحًا ومُعلقًا على حديثه بقولهِ:
_لأ !! لولا إن “بيشوي” لاحظ وجوده في وقت مش وقته ومكان مش مكانه، وبعدين وقف يراقب في الرجالة بعينيه زي الصقر، ومحدش من القلق خد باله غير “بيـشو”.
هتفها بمزاحٍ جعل “بيشوي” يرفع حاجبه مُحذرًا ليهتف الأخر بنبرةٍ ضاحكة سريعًا:
_خلاص خلاص بهزر، بس بجد لولا إنك طلبت نفضي الحارة ونروح الرجالة ونختفي كلنا مكانش زماننا وصلنا لحاجة، بس الغريب إنه راح فعلًا شككتني فيك دي.
هتف “أيـهم” مُستفسرًا بتعجبٍ من جديد:
_لأ معلش يعني عرفت منين إنه هيروح، مايمكن مكانش نزل من البيت أصلًا وفضل يلعب بيكم.
ضيق “بـيشوي” عينيه يهتف موضحًا بخبثٍ إن دل على شيءٍ فهو فقط ينم عن ذكاء هذه الشخصية التي هتفت بثقةٍ:
_عاوز تقنعني إن واحد مهووس بواحدة لدرجة مخلياه مش متقبل إنها على ذمة واحد تاني إنه لما يلاقي فرصة يكون معاها فيها هيضيعها؟ مستحيل طبعًا، أكيد ماصدق الحارة هديت والرجل خفت، الأشكال دي بالظبط زي العبيد، ترمي ليهم صنارة شهوة يجروا وراها معميين، فكان لازم ازعق وأعلي صوتي وكدا كدا معروف إني خلقي ضيق، يعني أقتنع إني مش قادر.
طالع “تَـيام” وجه “أيـوب” يسأله مستفسرًا:
_وأنتَ !! ساكت ليه ؟ يعني عرفت إنه مشي وأكيد مش هيسكت وأكيد يعني كدا يا هيهرب من هنا خالص، يا هيعمل حاجة أكبر، وأتمنى الحاجة دي متكونش فيك أنتَ، خايف يعمل للمرة الرابعة يا “أيـوب”.
كان يقصد بحديثه المعتقل مما جعل “أيـوب” يتشدق بنزقٍ:
_وماله، أنا جاهز.
طالعوه بحيرةٍ ثم نظروا لبعضهم بينما هو أطلق زفيرًا قويًا فلو لو يكن هو الغَـوثْ الذي ترك حياته وزهد بها ليلحق بالناسِ، هل يُعقل أن يترك شيطانًا مثل ذاك البغيض يتوغل وسط الناس؟ بالطبع لا، حتى وإن كانت حياته هي المقابل سيقضي على “سـعد” لا شك في ذلك.
__________________________________
<“ماذا نفعل هُنا؟ هل دهانا الهوىٰ أم جلبتنا عيناكِ”>
حاول أن ينخرط في عملهِ أكثر لكن دون فائدة كل شيءٍ توقف تمامًا عن العمل، فقط صورتها في المقطع لم تنفك عن عقلهِ، لم يجد بُدًا من جلوسهِ هُنا مما جعله يترك كل شيءٍ ويخرج من هنا تمامًا بل من المنطقة بأكملها، خرج هائمًا وفتح باب سيارته يتحرك بها دون وجهةٍ معلومة أو خطواتٍ مقصودة.
بعد مرور أربعة وأربعون دقيقة تحديدًا سلك الطريق الدائري بسيارته ليجد نفسه في منطقة “مدينة نصر” تحديدًا أمام مقر عملها !! ماهذا ؟ كيف سار بخطواتهِ إلى هُنا ومن دهاه إلى مكان عملها؟ وقف مع نفسهِ للحظاتٍ مشدوهًا وهو يفكر بتعجبٍ عن سبب وقوفه هنا؟ من أين أمتلك الجُرأة التي جعلته يقف أمام مقر العمل الخاص بها والأدهي من ذلك أنها شارفت على الخروج؟ حقًا تسير الطيور بدون وجهةٍ لكنها لن تغفل عن موطنها الأصلي.
دقائق مرت على وقوفه بجوار سيارته وما إن حسم أمره للعودة من جديد وجدها تخرج برفقة رفقاء عملها يتحدثون مع بعضهم في أمور تبدو في غاية الأهمية وقد تلاقت نظراتها بعينيهِ إبان وقوفه مستندًا على سيارتهِ من الجانب وحينها تركت محيط الفتيات لتقترب منه تسأله بلهفةٍ قلقة:
_”إسـماعيل”؟ بتعمل إيه هنا؟
حرك كتفيهِ يجاوبها ببساطةٍ قائلًا بحيرةٍ حقيقة:
_مش عارف والله.
افتر ثُغرها بوضعٍ عجيبٍ وكأنها تستنكر بصراحةٍ وقوفه أمامها لتجده يزفر مُطولًا وقد هتف بنبرةٍ هادئة يقول:
_ممكن نتكلم مع بعض شوية؟ مش كتير نص ساعة بس.
حركت بؤبؤبيها بتيهٍ ثم التفتت لصديقاتها تخبرهن بنبرةٍ سيطر عليها التيه حين هتفت:
_طب روحوا انتوا بقى، فيه موضوع مهم.
نظرت لها الفتيات بضحكاتٍ لم تكن بريئة خاصةً بعدما ذهبن معها إلى الكافيه الخاص به، أما هي راقبت تحركهن ورغم تعجبها وحيرتها بتواجدهِ أمام عملها إلا إنها هتفت بنبرةٍ هادئة:
_فيه مكان قريب من هنا ممكن نقعد فيه.
تحدث هو بثباتٍ مشيرًا إلى سيارتهِ:
_طب اتفضلي اركبي.
رفعت أحد حاجبيها تهتف بنبرةٍ جامدة:
_لأ، أنا مبركبش مع حد، المكان قريب مش بعيد، سيب عربيتك هنا وأبقى أرجع اركبها وروح تاني، ولا خايف عليها؟.
حرك رأسه نفيًا ثم أغلق سيارته تمامًا وتحرك معها حيث المكان المنشود، سارت معه إلى هُناك وعقلها مشغولًا به، لم تنفك عنها الحيرة بل ازدادت تمامًا، كثرت الأسئلة في رأسها حتى جلسا مقابل بعضهما وطلب المشروبات لهما لتبادر هي بسؤالهِ:
_معلش ممكن تقولي إيه السبب اللي يخليك تيجي لحد هنا؟
زفر مُطولًا ورفع عينيه يُثبتها على ملامحها هاتفًا بصراحةٍ دون أي تزييف أو حتى إخفاء الكلمات:
_أنتِ، أنتِ يا “ضُـحى”.
افتر ثُغرها بفراغٍ واضحٍ من قوة الصراحة المُلازمة للجواب لتجده يزفر مُطولًا من جديد ثم هتف بنفس الثبات الكاذب:
_بصي !! أنا مش هلف وأدور كتير، اعتبريني عريس صالونات بيقابلك علشان عاوز يتقدم ليكِ، فأنا هنا بصفتي أني بعرض عليكِ الجواز، أو مبدأيًا خطوبة فترة لحد ما نتعرف على بعض، فلو اتقدمتلك هتوافقي؟.
لم تصدق نفسها ولم تتأكد حتى من قولهِ، يعرض عليها الزواج فجأةً؟ المقابلات التي دومًا يُرافقها الشجار والمشاحنات والسخرية تنتهي بعرض الزواج؟ ابتسمت بتعجبٍ أو بالأحرى غير تصديق لتجده يضيف مستفسرًا بضيقٍ طفيفٍ من سخريتها البائنة بنظراتها:
_ممكن أعرف إيه الغريب في كلامي؟.
حركت كتفيها وهتفت بنبرةٍ بها ضحكة مكتومة يبدو أنها كانت تحاول إخفائها:
_كل الحكاية إن كلك على بعضك غريب زي كلامك، لو ناسي سيبني أفكرك إن مفيش مقابلة واحدة بيننا عدت بخير، كلها تريقة وهزار على سبيل المثال أني “مطرقعة” وأنتَ مجنون، شكلك فاضي صح؟.
سخريتها لم تزعجه إطلاقًا بل داعبت أوتار التسلية اللذيذة التي يشعر بها بصحبتها حتى في الأحاديث التي تدور معها في عقلهِ لذا هتف بثباتٍ يقصده جيدًا:
_متتقالش كدا، تتقال إني كنت فاضي قبل ما تظهري أنتِ، وأول حاجة هتعرفيها إني بحب النظام وبحب كل حاجة مكانها، أولهم الاسماء يعني زي ما إحنا أنتِ المطرقعة وأنا السمج.
ضحكت رغمًا عنها من جديد ليضحك هو الأخر ثم ابتسم لها وقال بنبرةٍ أهدأ من سابقتها وقد بدا عليها الوقار كطبعهِ الهاديء:
_أهم حاجة تعرفيها عني إني شخص مش بتاع لعب، كل حاجة في حياتي جد وكل خطوة بحب أحسب ليها كويس، بس فيه حاجات مش هقدر أتكلم فيها غير لو هيحصل بينا علاقة رسمية، وأي سؤال عندك هجاوبك عليه، وعلى فكرة أنا عارف عنك حاجات كتير أهمها إنك كنتي مخطوبة.
بدا عليها الهدوء جليًا وواضحًا وقد سحبت قدرًا هائلًا من الهواء داخل رئتيها وأضافت بثباتٍ:
_طب بما إنك جد بقى ووفرت عليا كتير أنا هاجي معاك بصراحة في الكلام، أنا كنت مخطوبة بس كانت علاقة مُجهدة بكافة المقاييس، كنت شخص طلع خسران كتير ولو كنت فضلت متمسكة برأيي كان زماني بخسر أهلي كمان، كان شخص خبيث، وللأسف خاني، حتى “قـمر” بصلها بس الحمد لله إن هي لحقتني منه، يمكن الجميل في الموضوع أني عرفت إن في ضهري عيلة تاكل أي حد علشاني، فأنا للأسف كنت في علاقة أنا مش كفاية فيها للطرف التاني، بعد كدا راح خطب صاحبتي اللي عارفة وجعي منه….
ابتلعت الغصة المريرة في حلقها بمرارةٍ ونظر هو لها بحيرةٍ خوفًا من بقاء مشاعرها تجاه الآخر ليجدها تضيف من جديد بثباتٍ أكثر من السابق:
_أنا زعلي مش عليه ولا منه قد ماهو على نفسي وإني حتى مقدرتش أقول إني زعلانة، زعلي على نفسي علشان واحد حسسني إن كل البنات حتى لو عيال صغيرة فيهم حاجة مش عندي، فأنا مبكرهش قد الخيانة والكدب، بكره فكرة إني أكون بديل لحد، وعندي مبدأ في الحب أو في العلاقات عمومًا…
استحوذت على نظراتهِ بحديثها وما إن وجدته مُنصتًا لها هتفت بنبرةٍ هادئة تخبره بصدقٍ:
_اللي يجيلي هربان من الدنيا…
أنا عندي استعداد أسيب الدنيا كلها علشانه
وأكونله دنيا ليه لوحده، بس يكون عاوزني لشخصيتي.
لمعت عيناه ببريقٍ خاصٍ لم يخفى عليها، تبدو كأنها استمعت لصوت قلبه الذي أراد اخبارها أنه أتى هاربًا من ماضٍ مؤلم ومن حياةٍ مُتعبة ومن دنيا قاسية ليلها طال عليهِ والضُـحى خفى عنه، لتظهر هي بليلةٍ وضُحاها وتكون ضُـحى نهارٍ ظهر من بعد عتمةٍ، وكما طال ليله طال أيضًا صمته لتطالعه هي باستنكارٍ شديد من طيلة صمتهِ وقد أضاف مُستحسنًا جوابها:
_اطمني، لو عليا فأنا كنت فاضي من قبلك فعلًا.
استقرت بعينيها عليهِ بخجلٍ من حديثهِ لتجده يتابع بقولهِ:
_وأكيد خطيبك دا كان أعمى البصيرة علشان ميقدرش حد زيك، حد باين عليه أنه حقيقي مش بيتصنع حاجة مش فيه، بدليل إني من ساعة ظهورك وأنا مشغول بيكِ..
تلاشت بسمتها وأشهرت سُبابتها في وجهه تُضيف بحدة:
_لو سمحت ؟؟ أحترم نفسك وبطل قلة أدب.
رفع حاجبيه مُستنكرًا قولها وهو يسألها بنبرةٍ جامدة:
_فين قلة أدبي ؟ ولا أنتِ بتتلككي علشان اتدبس؟.
شهقت بدهشةٍ تلقائية لتجده يقترب منها ثم هتف بنبرةٍ خافتة أقرب للهمس:
_جهزي نفسك يا مطرقعة علشان هطلب إيدك من “يـوسف” وساعتها نشوف موضوع قلة أدبي دا.
عادت للخلف تلقائيًا ثم سحبت حقيبتها تتمسك بها لتجده يسألها بثباتٍ:
_رايحة فين؟ طب اشربي حاجة الأول.
ابتسمت له باستخفافٍ وهي تُجيب ردًا عليهِ:
_معلش خليها لما تيجي تتقدم يا “سـمج”.
استعدت للرحيل فيما لاحقها هو بعدما دفع حساب الطاولة ليجدها تستعد حقًا عن طريق حافلة النقل العامة التي تجهزت لصعودها فوجدته يعترض طريقها بقولهِ:
_رايحة فين !! الأتوبيس كله بعضه وأكيد حد هيضايقك جوة، والدنيا ليل وأنتِ بنت لوحدك، أكيد مش هقبل يعني إنك تركبي مواصلة زي دي دلوقتي.
رفعت حاجبيها بتأهبٍ ثم سألته بسخريةٍ:
_مش شايف إنك بتفرض سُلطة بدري أوي؟ دي مواصلة كل يوم وللأسف مفيش غيرها، فبعد إذنك مش وقته خالص تحكمات بدون أي مُبرر، عن إذنك.
كادت أن تتحرك فوجدته يُضيف بصبرٍ أوشك على النفاذ:
_ماهو أنا مش هتقبل إنك تروحي في مواصلة زي دي، معايا العربية أوصلك مكان ما تحبي، بس يا إما أركب معاكِ بقى، ومتعانديش معايا، هتيجي أوصلك ووعد هنزلك قرب الحارة، تمام؟.
زفرت بقوةٍ في وجههِ ثم هتفت تتواقح عليه حتى لا يُظنها طامعة في سيارتهِ أو حتى من تلك الفتيات السطحيات:
_ماشي بس هعتبرك كابتن “أوبـر”، علشان أنا مش سطحية هبص للعربية بتاعتك ولا أنا خِرعة أخاف من الليل ولا سهلة علشان أركب عربية حد.
رفع حاجبيه باستنكارٍ ثم هتف بلهجةٍ أمرة:
_وأنا مقولتش أي حاجة من دول عنك، أنا بقول من باب الشهامة وباعتبار ما سيكون بينا إني مش هقبل بهدلتك في الليل كدا، يبقى بالعقل تيجي وأوصلك ومتخافيش أنا مبعوضش.
زفرت باستسلامٍ تسير معه إلى حيث سيارتهِ فيما ابتسم هو لذاتهِ مُعجبًا بقوتها أمام صرامته ويبدو أن برغم تناقضهما إلا أن هناك شيءٌ يتشابه وهو قوة الشخصيات الصعبة التي لا تستسلم ولا ترضخ بسهولةٍ.
__________________________________
<“نأسف لجرح قلوبكم، كنا نحسبها حديدًا”>
جلست “قـمر” في غرفتها حبيسة بها أو ما شابه ذلك، ليس حزنًا، بل خوفًا على ذويها، نظرات الثأر التي لمعت في عيني “يـوسف” ونظرة الغضب المقروءة في مُقلتي زوجها، هذا الهاديء الحكيم تراه بهذه الطريقة الثائرة لأول مرةٍ، بداخلها تود منه فصل رأس هذا البغيض عن رأسهِ، لكنها أيضًا تخشى على ذويها.
زفرت بقوةٍ وطالعت هاتفها لتجده خلا من مكالماتهِ، يبدو أنه غضب منها وهي سُتجيد مصالحتهِ لكن عليها أن تذهب إلى “عـهد” تطمئن عليها أولًا، لذا خرجت من غرفتها نحو شقة الأخرى وبعد إن دلفت الشقة ورحبت بها “مَـي” دلفت للغرفة مباشرةً لتجد الأخرى نائمة أو تتصنع ذلك؟..
اقتربت منها تتفحصها لتجدها تبكي أثناء نومها وحينها عدلتها بلهفةٍ قلقة عليها وهي تقول بنبرةٍ أقرب للبكاء:
_فيه حاجة وجعاكي؟ بتعيطي ليه يا “عــهد”.
ما إن رأتها الأخرى تذكرت أمر الصورة فتشبثت بها باكيةً وهي تعتذر منها بصورةٍ هيسيترية، وهي تتعلق بها بذراعها السليم، تعجبت الأخرى من رد فعلها _المبالغ فيه بعين الاعتبار_ وسألتها باستنكارٍ شديد:
_مالك بس يا ستي؟ آسفة على إيه هو أنتِ عملتي حاجة؟ حقك علينا إحنا علشان اللي حصلك دا كان بسببنا كلنا، المهم أنتِ أخبارك إيه دلوقتي؟؟.
كل ما يصدر عنها فقط هو البكاء والنحيب المتقطع حتى صدح صوت هاتفها برسائل متتابعة من جديد تذكرها بما يتوجب عليها فعلهِ، صورة من صور الابتزاز الشخصي جعلتها تطالعه بخوفٍ خشيت أن تكون صورها انتشرت وهي عارية الجسد، خشيت أكثر على هذه البريئة التي وقفت أمامها تتابع الهاتف ونظراتها الخائفة حتى دلف لهما “يـوسف” وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_طب كويس إنكم مع بعض، جيبتلك حامل للدراع ومرهم حلو لحد ما الكدمة دي تفك خالص، “قـمر” موجودة أهيه هتساعدك ولا أساعد أنا؟؟.
سألها بنبرةٍ ضاحكة وهو يغمز لها حتى قالت”قـمر” بخوفٍ:
_تعالى شوف مالها دي كأنها مات ليها حد، عمالة تعيط وتتأسف من الصبح، كويس إنك جيت تهديها شوية أحسن.
دلف لها يجلس مُقابلًا لها على الفراشِ ثم رفع كفه يسمح عينيها وهو يسألها باهتمامٍ بعد رؤيته لوجهها:
_مالك بس يا “عـهد” قولتلك مفيش حاجة خلاص، وأنتِ معانا أهو من تاني، الموضوع هيتقفل وحقك هيرجع، بلاش خوف وبلاش تشغلي نفسك بحاجة عدت.
أشاحت وجهها بعيدًا عنه تهتف بحدةٍ رغمًا عنها ورغمًا عن قلبها الذي يتأذىٰ قبلها بهذا الحديث:
_طلقني يا “يـوسف”.
فرغ فاهه بصدمةٍ جلية على ملامح وجهه ولم تختلف عنه شقيقته بل أصابها الذهول في مقتلٍ ليكرر خلفها بتهكمٍ:
_عاوزة إيه يا ختي؟ سمعيني تاني كدا؟
أغمضت جفونها رغمًا عنها وهتفت بنبرةٍ محتدة أكثر:
_زي ما سمعت، خلاص كدا شكرًا…
بيك من غيرك هو هيعرف يوصلي وهيقدر يطولني، أنا مورطاك فيا من بدري وكدا كتير عليك بصراحة، طلقني وروح شوف حالك..
رفع حاجبيه وطالع شقيقته التي حزنت بشدة واتضح ذلك عليها لتجده يسأل بسخريةٍ لا يصدق طلبها الذي تنافى مع حالها منذ ساعات:
_دا مقلب؟ مقلب صح ؟.
حركت رأسها نفيًا وقد نزلت دموع شقيقته لتقول “عـهد” بصراخٍ وهي تتوسله:
_مـش مـقلب، أبوس إيدك طلقني، أبوس إيدك طلقني وسيبني في حالي وشوف حالك بعيد عني، لو طلقتني دا جميل مش هنساه….هفضل شايلاه طول العمر في رقبتي، طلقني برضاك بدل ما تطلقني وأنتَ عينك مكسورة..
ثبت عينيه عليها بغير تصديق لكنه يعلم أن الأمور حدث بها الكثير لكي تصبح بهذا الوضع، وعن أي كسرٍ تتحدث هذه؟ لذا قاده عقله إلى هاتفها ليسحبه منها بغير هُدىٰ جعلها تصرخ أن يتوقف ليقوم بفتحه عن طريق بصمة اصبعها ليفتح الرسائل النصية يجد بها الصور !!
بأنامل مرتعشة حرك الصور العارية الخاصة بزوجتهِ، لو يعلم أن الأخر هو المتسبب الوحيد في ذلك لما كان صدق أن هذه الصورة مُزيفة، تبدو حقيقية لدرجة مهولة تجعل العقل عاجزًا عن استيعاب ما ينقله للعين، لكن الصعقة الأكبر حينما وجد صورة شقيقته أيضًا !! يبدو الانتقام مُفصلًا لأجلهِ، لاحظت “قـمر” حالته وحالة زوجته فخطفت الهاتف منه سريعًا لتجده للأسف على صورتها هي؟.
صرخت بخوفٍ ونزلت دموعها ليصبح حالها كما حال الأخرى، أما هو فلم يجد بُدًا سوى أن يرمي الهاتف أرضًا مع صرخة عالية جرحت حلقه وهزت رجولته، نسائه تتعرضن للاستغلال وهو يقف عاجز الحِراك، نشبت النيران بداخلهِ وضم زوجته بين ذراعيه ليجدها تهتف بقهرٍ:
_دي مش أنا والله…
مش أنا يا “يـوسف” والله مش أنا.
تركها وطالع شقيقته التي بكت بلوعةٍ وصوتٍ عالٍ جعله يقترب منها يهتف بنبرةٍ ضائعة:
_أنا هنا معاكِ أهو متخافيش مش هيقدر يعمل لواحدة فيكم حاجة، متخافيش يا “قـمر” أنا معاكِ محدش هيقدر يكلمك.
ارتمت عليه تتشبث بعناقهِ باكيةً بقهرٍ ليحتويها بين ذراعيه مُربتًا عليها بحنوٍ أبوي، يراها الطفلة الصغيرة وهي تحتمي به وبعناقهِ لذا ابتعد عنها يمسح وجهها ثم لثم جبينها يهتف بنبرةٍ جامدة استشتف الإصرار فيها:
_الليلة دي حقكم هيرجع لو فيها روحي.
أجلسها بجوار زوجتهِ، ثم هتف بثباتٍ لم يعلم كيف تسلح به:
_مش عاوزكم تخافوا، أنا هنا وعارف إن الصور دي كدب، مراتي وأختي ميعملوش كدا، صح؟ متقلقوش كل حاجة هتختفي الليلة دي، خلوا بالكم من نفسكم.
تحرك من الغرفة بنيرانٍ نشبت بداخل صدرهِ، لو كان رجلًا غيره لكان صدق أن هذه هي زوجته وأن هذه هي الصور الحقيقية، لقد رآى التهديد بعينيه ورأىٰ الرقم بعينيه، لذا دلف غرفته يبحث عن مديتهِ الحادة وما إن وجدها بدرج الكومود خطفها ثم وضعها بجيبهِ الخلفي، لقد حان موعدها حقًا.
جلس “أيـوب” في محل عملهِ يفكر في طريقة يتخلص بها من هذا البغيض المُتبجح الذي تفشى وسطهم بدون أي تعقل، حاول الاستماع لحديث زوجتهِ لكن نفسه نهرته عن التساهل معه، وقد صدح هاتفه برسالةٍ من رقمٍ مجهولٍ وما إن فتحها بلامبالاةٍ تحولت نظراته إلى أخرى قاتمة وهو يرى صورة زوجته عارية !!.
مرة وثانية وثالثة يطالع الصورة ما هذا ؟ هل أصبح العلم مُطورًا إلى هذه الدرجة لكي يتم هتك أعراض وحُرمات الناس؟ الصورة برغم أنه يعلم أنها غير حقيقية لكنها أصابت رجولته في مقتلٍ، لم يتقبل هذه الصورة، جلس على المقعد بهزيمةٍ ساحقة، كل ما يتمناه فقط هو صبر “أيـوب” حتى لا ينفجر، سرعان ما جالت بخاطرهِ زوجته ليعتدل بلهفةٍ متوجهًا إلى بيتها يطمئن عليها.
وصل لشقتها يطرق بابها بخوفٍ حتى فتحه له أخوها وما إن طالعا بعضهما هتف الأول بلهفةٍ:
_فين “قـمر” ؟ راحت فين؟.
طالعه الأخر متعجبًا من طريقته ولهفته ليصرخ “أيـوب” بقولهِ:
_مـش وقـتك !! فين هي؟.
سأله “يـوسف” باندفاعٍ وقد أدرك سبب حالته:
_أنتَ وصلك حاجة يا “أيـوب”؟.
تبدلت ملامح الأخر وقال بصوتٍ مهتز الوتيرة بانكسارٍ:
_وصلني…وصلني صورة مراتي، هي فين؟.
أغمض “يـوسف” جفونه لوهلةٍ ثم قال بنبرةٍ ضائعة:
_عند مراتي، اللي وصلك وصلني بس أنا للأتنين.
لمعت عينا الأخر بشراسةٍ حادة، ومن الآن لا تسأل أين ذهب الهايء الحكيم لانك ستراه في أقبح صورهِ، سترى وحشًا يفتك بفريسةٍ كان يُخطط للإيقاع بها حتى سنحت له الفرص وأوقعتها أخيرًا، لذا هتف بنبرةٍ جهورية:
_أنا عاوز أشوف مراتي، ودلوقتي.
بعد مرور دقائق كانت تقف أمامه مُطرقة رأسها للأسفل بخزيٍ منه، لم تقو على رفع عينيها أمامه حتى وإن كان لا يعلم وما إن ذكر اسمها وجدها تبكي أمامه بوجعٍ جعله يضمها إليه بلهفةٍ وهتف بنبرةٍ جامدة:
_شوفتي بقى إن حقك لازم يرجع بدراعي؟ أنا جاي علشان أقولك إني من دلوقتي مش آسف على اللي جاي، من دلوقتي أنا بقيت واحد تاني أنتِ متعرفيهوش، وماكنتش حابب إنك تشوفيه، بس مش هقدر، طالما وصلت لعرض وشرف يبقى الموت أهون عليا أني أقف عاجز.
تشبثت بعناقه تهتف بتوسلٍ وهي ترجوه:
_أعمل أي حاجة علشان خاطري بس مش عاوزة اتفضح، مش عاوزة أكسرك وأكسر “يـوسف” وخالو، مش عاوزة الناس تجيب في سيرتنا حتى لو هيدافعوا عننا، أبوس إيدك.
كانت تتوسله حتى هدهدها بكفهِ ليجدها تسأله بخوفٍ من الوساوس التي عصفت بذهنها دون رحمة أو شفقة:
_مش هتسيبني صح؟ مش هتطلقني؟.
حرك رأسه نفيًا ليجدها تتمسك به من جديد بخوفٍ وهي تقول بوجعٍ حينما تذكرت الصورة:
_شكلها حقيقي يا “أيـوب” زي ما تكون حقيقة، لو نزلت محدش هيصدق إن دي مش أنا، محدش هيصدق والله.
هتف بتوعدٍ جعلها تخشاه بحقٍ في هذه اللحظة:
_قبل ما تنزل أو حتى حد يشوفها أنا هكون واخد حقك منه والليلة دي قدام الكل، مش بكرة ومش بعد كدا، النهاردة هتنامي مبسوطة، وعاوزك تدعي ربنا يزيح عنك الغُمة دي ويجازيكِ خير على البلاء.
تركها بعد حديثه راحلًا مع “يـوسف” الذي حقًا أظلمت عيناه بشدة، رغم العداوة والبغضاء اللاذي يجمعانه بعائلة “الراوي” ورغم خبث “ماكسيم” ورغم وقاحة “شـهد” سيظل أكبر أعدائه هو “سـعد” ذاك الفج الذي فعل ما كل يثبت أن جنسه لم يمت جنس الرجال أو حتى البشر، بل هو نتيجةً لبيتٍ فشل في تربية الرجال.
__________________________________
<“حدث ما حدث، المهم أنه حدث”>
كانت “نِـهال” في شقتها برفقة “آيـات” التي صعدت تطمئن عليها بسبب عدم نزولها طوال اليوم مُتحججة بصداعٍ نصفي وكان معها الصغير أيضًا يجلس بجوارهن وقد قالت الثانية بحزنٍ لأجل رفيقتها وشقيقها:
_بس الحمد لله يعني جت بخير ومتأخروش عنها قبل المجنون دا ما يأذيها، مش طبيعي، إنسان ربنا ينتقم منه طالما مش عاوز يتعظ، إن شاء الله أعيش لليوم اللي أشوفه مكسور فيه نفس كسرتنا على “أيـوب”.
طالعتها “نِـهال” بتعجبٍ أو ربما استنكارٍ لِتُضيف الأخرى بنبرةٍ حزينة:
_ماهو للأسف هو برضه اللي كان بيبلغ على “أيـوب” يعتقلوه علشان كان واقفله مرصاد وهو اللي كان سبب قوي يخلي “عـهد” تسيبه، ومش بس كدا دا خلاه يخطبها ووقف في جوازه، من ساعتها وهو شايف إن “أيـوب” دا لقمة واقفة في زوره ودلوقتي بقى “يوسف” و “أيـوب”.
تنهدت بثقلٍ وهتفت بنبرةٍ حزينة:
_مع إنه غبي، أو أي راجل عمومًا يفرض سيطرته على ست يبقى غبي ومعدوم الكرامة، هي مش عاوزاه خلاص، مش عافية، بس إزاي ؟ لازم رجولته تظهر ويبان إنه مفيش منه، لكن عند أمور الشهامة متلاقيش أي حاجة.
دلف في هذه اللحظة “أيـهم” من الخارج ورد عليها بسخريةٍ:
_فعلًا، مبقاش فيه شهامة خالص، غير عندي.
ضحكت رغمًا عنها وكذلك شقيقته التي لوت فمها بتهكمٍ وهي تضيق ردًا عليه:
_آه طبعًا، غير كدا كله تواضع عمره ما شكر في نفسه.
حرك رأسه موافقًا عدة مرات جعلتها تمسك كف الصغير وهي تهتف بقلة حيلة بعدما زفرت بيأسٍ:
_أنا هنزل بابا زمانه خلص لبس.
سألها “أيـهم” بتعجبٍ:
_هو رايح فين؟ أنا طالع لهنا لقيته خارج ولابس هدومه.
هتفت هي توضح له بعدما استقام الصغير بجوارها:
_رايح عند “عـهد” يتطمن عليها ويعرف هي إيه اللي وداها هناك علشان لو عمها اللي ساعده هيتصرف، وهياخد معاه “إيـاد” يتطمن عليها هو كمان، يلا السلام عليكم.
قبل أن تتحرك هتف هو بمرحٍ يمازحهم بقولهِ:
_شوفوا الحنية دي عندنا وراثة كدا أنا خدتها من أبويا وابني خدها مني، نفس حنية أبوه بالظبط وشهامته، صح يا “نِـهال”؟ مش أنا شهم وحنين ؟.
كتمت ضحكتها وهي تحرك رأسها موافقةً مما جعل الأخرى تتحرك بيأسٍ من أمامه، هذا الذي لن يترك فرصة واحدة قبل أن يزهو بنفسهِ ويحبها ويشكرها أمام الجميع وما إن رحلت شقيقته جاور زوجته يهتف بنبرةٍ ضاحكة:
_فاتني حتة حوار؟ بس مش مهم ربنا يعوض علينا.
ضحكت من جديد بصوتٍ عالٍ ثم هتف تسأله بقولها:
_أحلى حاجة إنك واخد كل حاجة بهزار كدا، دي أغرب صفة كنت ممكن أتخيل إنها عندك وهي خفة الدم.
غمز لها بمراوغةٍ يعد على أصابعهِ بقولهِ:
_كدا بخلاف أني وسيم، شهم وحنين ودمي خفيف فيه بقى صفة أهم شكلك لسه مخدتيش بالك منها باين لحد دلوقتي.
سألته بعينيها ولازالت مُبتسمة ليهتف هو بصدقٍ وبكل جدية تُنافي مزاحه وضحكاته دومًا يخبرها عن مشاعرهِ:
_هي إني بحبك بصراحة، يعني علشان مبقاش كداب أنا من أول ما شوفتك مقدرتش أتخطى ظهورك، حسيت كدا إنك مش عادية وظهورك مش عادي، قولت الأول يمكن صدفة، بس لا دي صدفة ولا أي حاجة بعد كدا ينفع تكون صدفة، علشان الصدفة اللي جمعتني بيكِ صدفة حلوة أوي، صدفة صحت كل حاجة حلوة أولها إني لسه عندي مشاعر حلوة، يمكن وجودك هنا برضه جه من باب الصدفة بس حتى لو ماكنتش ناوي، ناويت في الأخر وبقيتي معايا.
ابتسمت بخجلٍ له واخفضت رأسها للأسفل لتجده يقول بسخريةٍ:
_بتتكسفي؟ يا سكر أومال مين اللي كان حاضني الصبح فكريني كدا؟ أصلي نسيت بصراحة.
تضرج وجهها بحمرة الخجل وهي تعلم إلى ما يُشير ثم تحركت من أمامهِ نحو الداخل هروبًا منه خاصةً وهو يطالعها بخبثٍ مما جعله يضحك بعد تحركها بهذه الطريقة، أما هو فابتسم بهدوءٍ ثم تمدد على الأريكة حامدًا ربه في سره على عدم اكتمال زيجته الأولى فكيف كان سيقابل هذه الساحرة التي قلبت مخططات استقلاله رأسًا على عقبٍ؟.
__________________________________
<“هنيئًا لكَ بفرحكَ، لقد حسبناكَ دومًا حزينًا”>
وصل إلى البيت من جديد بعدما أوصلها إلى مقدمة الحارة مُتعللًا بحدوث المشاكل وخوفه أن يصيبها أي مكروهٍ كما أصاب زوجة رفيقه، كانت صامتة وشاردة توبخ نفسها على قبولها عرض توصيله لها، كيف تركب سيارته وهو لازال غريبًا عنها، لكنها بررت لنفسها هذا الفعل، على عكسه تمامًا كان مُطمئنًا لدرجةٍ كبرى جعلته يتيقن من صواب قرارهِ، كيف سيأمن عليها ليلًا..؟
وصل للبيت ليجد في مقابلهِ أخيه يخرج برفقة بعض الرجال الذين ظهر عليهم الوقار وقد علم هو هويتهم حينما رحبوا به أثناء رحيلهم وفي ظهرهم خرج “سـراج” فسأل هو بتعجبٍ:
_مش دا الحج “حسين”؟ وولاد عمه؟ فيه حاجة ولا إيه؟.
هتف “سـراج” مُفسرًا بلامبالاةٍ:
_جايين يعزمونا كلنا مع بعض على فرح عيالهم، ابن الحج “حسين” هياخد بنت عمه منهم في بعضهم كدا، وعزمك وعزم “يـوسف” كمان لو هتروحوا قولولي أجي معاكم، يلا هروح بيتي أرتاح شوية وأجيب حاجة “جـودي” بالمرة.
ودعهم ورحل من البيت فيما لاحظ الأخر انبساط ملامح شقيقه لذا سأله بتقريرٍ أكثر من كونهِ يستجوبه:
_إيـه الراحة اللي على وشك دي؟ عملتها ؟.
تنهد “إسـماعيل” ثم جلس بأريحية شديدة على المقعد وهو يقول بنبرةٍ هادئة مؤكدًا حديث شقيقه:
_آه، روحت كلمتها وعرفت رأيها مبدأيًا عن الجواز مني، لقيتها مش معترضة ومعندهاش أي مانع، كدا خطوتها هي راحت لحالها ناقص الموضوع يكون رسمي هستنى “يـوسف” يفوق شوية وأكلمه.
جلس الأخر مقابلًا له وقد وضع كلا كفيه في جيبي سترته الشتوية هاتفًا باستفسارٍ رافقته السخرية:
_آه قولتلي، وياترى بقى قولت ليها على كل حاجة؟.
كان يفهم مقصد السؤال لذا تغاضى عنه عمدٍ جعل الأخير يقول بثباتٍ يشير إلى ما يتوجب على الأخر فعلهِ:
_سيبك من كل دا، أهم حاجة تصارحها بيا، مش هينفع نخبي موضوع إني كنت رد سجون، لو ماضي عيشتنا اتقفل فمش هينفع نخبي حاجة زي دي، وعلى فكرة لو حاسوا إنهم مش حابين الموضوع يبقى أنا لازم أبعد.
انتفض حينها “إسـماعيل” من محلهِ يهتف بنبرةٍ جهورية:
_نــعـم !! لأ فهمني قصدك إيه كدا؟.
وقف الأخر أمامه يخبره بما يقلقه:
_قصدي أني خدت بالي النهاردة من حاجة زي دي وعارف إنك فكرت فيها، علشان كدا واجب علينا نعرفهم، بس لو عندهم اعتراض أو خوف مني أنا عن نفسي معنديش مانع انسحب من الليلة كلها بس أهم حاجة عندي تكون مبسوط.
كاد أن يتحرك نحو الداخل فأوقفه “إسـماعيل” هاتفًا في وجههِ بحدةٍ بالغة:
_أنتَ ليه بتقول كدا ؟ إيه اللي خلاك تفكر كدا؟ حتى لو هما مش قابلين وهي نفسها مش هتقبل أنا مش هكمل، أنتَ معملتش حاجة غلط، تهمة اتلفقت ليك وخلصنا، لو هي نفسها هتعترض أنا هسيبها.
هتف “إيـهاب” بنبرةٍ جامدة ينهره بقولهِ:
_بطل غباء بقى !! تسيب مين؟ بص شكلك جاي عامل إزاي علشان بس شوفت القبول في عينيها، هتسيبها إزاي ؟ أنا لحد كدا دوري انتهى في حياتك، اللي جاي بتاعك أنتَ وهي بس الأول تصارحها وأهم حاجة إنك تكمل معاها هي.
قطع الأخر عليه سُبل التحرك وهتف بوجعٍ حقيقي:
_طب نفترض إني سمعت كلامك وبعدت عنك علشان هي مش هتقبل بيك، أنتَ هتقبل إني أكون بعيد عنك؟ بلاش هي ولا غيرها هتيجي عندي أهم منك؟ متحلمش، علشان مفيش حد في الدنيا دي كلها يتساوى بيك، هي “ضُـحى” اللي كانت بتجري تلحقني وأنا صغير؟ ولا هي اللي رمت نفسها في مقبرة علشان تلحقني؟ ولا هي اللي مرضيتش تخليني اشتغل وأنا صغير علشان متعبش ولا هي اللي كنت بنام في حضنها كل ما أخاف وتسهر طول الليل علشاني؟ رد عليا؟ مين رمى الدنيا كلها علشاني لدرجة إنه حتى روحه رماها في الأرض ١٠٠ مرة قصاد روحي، حتى دلوقتي عندك استعداد تسيبني علشان تفرحني، بس أنا تحرم عليا الفرحة من غيرك.
أبتسم حقًا !! انفك العبوس عن وجههِ وابتسم بعد حديث شقيقه، يفخر بنفسه كونه من ربى هذا الرجل الأصيل، لذا خطفه بين ذراعيه لأول مرةٍ منذ فترة بعيدة، يحتضنه كما كان يفعل في صغرهِ حينما يحتويه، أما الآخر فبرغم حزنه إلا أنه استسلم لهذا العناق وهو يقول بنبرةٍ مختنقة:
_حتى لو مش هتوافق، كفاية إنك في ضهري.
ربت الأخر على ظهرهِ وابتعد عنه يهتف بثباتٍ موضحًا له:
_بس غصب عنك أنا مش كفاية، مفيش راجل يقدر يعيش لوحده من غير ست مهما قاوح نفسه، خصوصًا لو كانت عينه منها أساسًا وحاببها، ورايدها دلوقتي أنتَ مش هتحس بفرق بس الفرق هيظهر لما تكبر والعمر يمشي بيك، تاني وتالت هقولك إن اللي زيك وزيي عاوزين حنية، ومكان ما تلاقي الحنية دي امسك فيها وتبت، هتلاقي نفسك بتحب واحدة حُب مشافهوش قلبك من بعد حب أمك، أنا عن نفسي لقيت اللي أقدر أقول عليها زي أمي، دورك بقى وأنتَ اللي هتصارحها بكل حاجة، أنتَ مش حد غيرك.
حرك رأسه موافقًا ثم أبتسم له وهتف مؤكدًا بنبرةٍ هادئة:
_عن إذنك هروح أرتاح وأفكر.
هتف الأخر يمازحه بقولهِ:
_هتاخد رأي الأسياد ؟؟.
ضحك “إسـماعيل” وهتف ساخرًا:
_ حصل بس الحمد لله بقالهم فترة هاديين.
راقب الأخر تحركه ليبتسم بعينيهِ ثم هتف بنبرةٍ هادئة:
_ربنا يفرحك ويراضيك ويحنن قلبها عليك..
تبقى أحن من الدنيا وتفرحك على قد ما شوفت شقا.
أتت من خلفه تهتف بسخريةٍ كعادتها:
_وكسة عليا، باخد منه الكلام بالقطارة مع نفسه زي البرابنط لوك لوك لوك لوك.
ضحك رغمًا عنه قبل أن يلتفت لها فوجدها تضيف بصوتٍ ضاحك هي الأخرى وكأن عيناها تضوي بلمعةٍ خاصة لأجلهِ:
_شوف مش بتضحك من غيري؟ بس على قلبي زي العسل.
ضحك من جديد ثم أقترب منها بخطوات وئيدة يُشرف عليها من عِليتهِ مُتذكرًا حديثه مع شقيقه لذا هتف بنبرةٍ هادئة أو لربما مُحبة:
_والله يا عمنا أنتِ اللي عسل ووجودك عسل.
ضحكت له بسعادةٍ حقًا منذ مايقرب العشرة أيام يتعامل معها بجفاءٍ حيث يذهب لعملهِ ويعود منهمكًا ليجدها برفقة الصغيرة فيتركهما بمفردهما أما الآن تراه مثل الطفل الصغير أمامها وقد تعامدت الأضواء على عينيها ليلًا، الكُحل العربي يزين جفونها بسهامٍ تبرع في قتلهِ، هناك دفءٌ يتسلل إليه ويَغمره داخليًا، ما إن خرج من حالة تيهه بها وقع بصره على عينيها المُستديرتين مثل تدويرة القمر وهو يهتف بنبرةٍ مراوغة:
_هي العيون دي عادية ولا فيلم عن الأقمار الصناعية؟.
انفرجت شفتاها عن بعضهما بضحكةٍ واسعة جعتله يسألها باهتمامٍ بعدما استعاد ثباته:
_بكلمك بجد هما عيونِك حلوين كدا ليه؟..
اقتربت منه تتمسك برمفقةِ وهي تجاوبه بنبرةٍ هادئة ظهر بها الخجل الفطري على عكس عادتها أمام حديثه المعسول:
_علشان فرحانين بشوفتك.
تحرك بها نحو الداخل بعدما ابتسم لها من جديد، في الحقيقة هي له كل الحقيقة حتى الآن حينما فكر في أمر ترك شقيقه أو حتى مجرد تغيير مسار حياته وجد نفسه يسترشد بمجرد التفكير فيها هي، هذا الجريء البارد الصلد أصبحت له أنثى تشارك أمه في حبه لها.
__________________________________
<“كأنه يسهل عليك الرحيل والغياب؟”>
أوقف السيارة أمام بيتهِ الحديث المجاور لبيت
“عادل أبو الحسن” ثم ترجل منها بضيقٍ، أضحى يكره القدوم إلى هنا لكنه أُرغِمَ على ذلك كعادته أو عادة حياته، كأنه مراقبٌ حيث يتم التأكد مما لم يقو عليه هو لِيُرغم من بعدها على فعلهِ، أخرج مفاتيح بيتهِ وأغلق باب السيارة لتتقابل معه أمام البيت “زيـزي” شقيقة “عـادل” وما إن رأته رحبت به وهي تقول بنبرةٍ حماسية:
_عامل إيه طمني؟ وأخبار “جـودي” إيه؟.
ابتسم لها بثباتٍ وقال بنبرةٍ هادئة:
_أنا بخير الحمد لله، “جـودي” كمان مبسوطة بس هي مش معايا هنا، قاعدة في السمان مع الحج والشباب هناك، خير لسه جاية دلوقتي يعني؟.
حركت رأسها موافقةً وهتفت بنبرةٍ هادئة:
_آه للأسف كنت بلحق أحجز طيارة لـ “نـور” بس أقرب طيارة بعد ١٠ أيام، حجزتها وملقيتش حاجة خلال الأيام دي خالص، مجاتش من كام يوم زيادة هنا معانا يعني.
هز رأسه مومئًا يوافق حديثها ثم أضاف بنبرةٍ حاول جعلها ثابتة بقولهِ:
_ربنا يوفقها وتقدر تسافر في وقت ما تحب، عن إذنك.
أوقفته بقولها الصادم حينما هتفت:
_هو كدا خلاص ؟؟ مفيش أمل تاني يا “سـراج”؟.
أبتسم بوجعٍ تشكل على مُحياهِ وهو يجاوبها مؤكدًا بقولهِ:
_للأسف حاولت ومبقاش عندي محاولات تانية علشان تترفض، طاقتي خلصت وأنا نفسي خلصت، وهي مصممة على رأيها، فمعلش تتعوض مرة تانية بقى، هي دلوقتي ناجحة وقوية مش زي الأول خالص، وأنا فرحان بيها أوي وفخور إنها قدرت تكون كدا من مساعدة حد تاني، عن إذنك.
تركها ودلف للبيتِ هروبًا منها ومن المكان المختوم بصك الذكريات الخاصة بهما، لم تنفك هذه الذكريات عن عقله ولا طيفها يغادر قلبه، لذا إن كان يتوجب عليه العيش فعليه أن يبقى هنا بجوار الذكريات.
دلفت “زيـزي” بيت شقيقها لتجده جالسًا برفقة ابنته التي كانت تحتضنه وهي تضع رأسها على صدرهِ فألقت الأخرى التذاكر أمامها وهي تقول بضجرٍ:
_اتفضلي، بعد ١٠ أيام دي أقرب حاجة.
انتفضت من محلها بلهفةٍ تخطف التذكرة وهي تقلبها بين أناملها وهتفت مستفسرة بإحباطٍ:
_مفيش قبل كدا خالص يا عمتو؟.
رفعت الأخرى حاجبها بشررٍ ثم هتفت بضيقٍ:
_لأ مفيش، مفيش خالص احمدي ربنا بقى، بعدين هو أنتِ ليه عاوزة تمشي زي اللي عامل عاملة وخايف يتمسك كدا؟ بتهربي من مين؟ من نفسك؟ برافو عليكِ الأول كنتي ضعيفة دلوقتي ضعيفة وجبانة، علشان لو مش جبانة هتواجهي من غير خوف، هتحسبي أمورك مرة واتنين بس إزاي ؟ لازم حضرتك تهربي، أنتِ حُرة.
طالعتها الأخرى بحزنٍ ثم تنهدت بثقلٍ وقد حسمت قرارها، هي الوحيدة التي تعلم قدر معانتها وقدر الألم الذي تعيشه بسبب رؤيته أمامها دون أي وجه حقٍ، يكفيها أنها تعاملت معه طوال الفترة السابقة بقوةٍ فولاذية لا تعلم كيف اتصفت بها لذا سحبت التذكرة ثم اتجهت نحو غرفتها لتبدأ في تجهيز رحيلها من مصر مرةٍ أخرى.
__________________________________
<“يجرونك لساحة القِتال وأنتَ من الأساس قائدهم”>
في هذا البيت البغيض التفوا مع بعضهم بعد عودتهم من العمل يلتفون حول مائدة الطعام بأكملهم ويترأس الطاولة “عـاصم” وتجاور “مادلين” زوجته ومن الجهة الأخرى شقيقته فتحدث “سـامي” مُستفسرًا بسخطٍ:
_طب البيه مجاش الشركة والورق اللي واقف؟ ثم إنه ليه مصمم يفصل كل حاجة عن بعضها؟ دي سويقة كدا مش شركة، تحت رحمته كلنا علشان اسمه ينور الورق؟.
رفعت “مـادلين” عينيها نحوه وابتسمت بسخريةٍ لتجده يُضيف من جديد بقلة حيلة:
_أنا عارف إنك ساكت عليه علشان مبقاش عندك حلول تاني، فياريت تراعي الشغل اللي واقف على إمضته دا، أقرب حاجة موقف زي دا الناس مستنية رد.
هنا تدخلت الحرباء “شـاهي” تهتف باقتراحٍ خبيث مثلها:
_طب ما الحل الأمثل في كل دا إن منصبه يتلغي؟ ولما يتلغي وتتعمم الإدارة تحت أيد طنط “مادلين” هو وجوده مش هيكون فارق وكل حاجة تخلص بتوقيع واحد بس، ليه مستنيين حال الشغل يقف؟ دي سمعة شركة برضه.
تدخل زوجها يهتف في وجهها بنبرةٍ جامدة:
_ياريت مالكيش دعوة بأي اقتراحات، شركتهم هما أحرار فيها وبعدين هو يعني هيسكت إن المنصب يتلغي ولا يتعمل هيكلة جديدة؟ محدش ليه دعوة بالقرار غير المسئول الرئيسي، طلعي نفسك منها أنتِ ومالكيش دعوة بأي حاجة تخصه.
أحرجها بقوة أمام الجميع لقد أضحى في الفترات الأخيرة يتعمد أن يوقفها عند حدودها في أمور تخص الأخر، منذ لقاء مدينة الملاهي وهو يتعمد أن يتحدث معها بقسوةٍ تجعل “مـادلين” تبتسم بتشفٍ بها وكذلك “فاتن” أيضًا برغم حزنها على ابنها لكنها تفرح عند تعامله مع الأخرى وقد قطع “عـاصم” حرب النظرات هذه بقولهِ الصارم:
_خلصنا خلاص، كدا كدا “مـادلين” هتتصرف، ياريت بس محدش يتدخل أنا معنديش أي طاقة تخليني أدخل في جدال معاه، أي حرب كلام “يـوسف” بيكسبها كويس.
تدخلت “مـادلين” تضيف بثباتٍ من بعد حديث زوجها:
_بالظبط، كل حاجة ماشية كويس جدًا وأنا قادرة أنظم كل حاجة، ياريت يعني محدش يقترح أي إقتراحات ممكن تبهدل الشغل، “رهـف” بتشتغل الأول وترتب مع “يـوسف” والاتنين مع بعض قوة ممتازة بصراحة حتى لو مش في صفنا بس قادرين يكونوا قوة ممتازة.
احتقن وجه “شـهد” بضيقٍ فيما اعتدلت “مادلين” بثقةٍ وغرورٍ وكأنها تخبرها أنها قائدة التفكير هنا، فإذا أرادت أن تجرها لساحة القِتال حتمًا ستكون هي قائدة المعركة بأكملها.
__________________________________
<“أخذ الحق واجب، الواجب دَينٌ على المرءِ”>
بعد التفكير والكثير من المشادات الكلامية والحروب الإنفعالية أصبحا هُنا أمام بيت غريمهما، هنا حيث القادم الممتع والمُثير، تُرى ماذا يحدث إذا اتحدت قوة الخير الهائلة مع قوة الشر اللامتناهية أو لربما كلتة ثلج باردة بجوار محجر نيرانٍ من منهم سيطغى على الأخر؟ تُرى حينما يتوحد القُطرين معًا ماذا ستكون النتيجة؟ هيا بنا معًا لنرى التحالف الأول.
وقف “أيـوب” على أعتاب البيت يطرق بابه بقوةٍ جعلت ساكن البيت يركض ركضًا ليجد على أعتاب بابهِ “أيـوب” !! ذُهِل من تواجده أمامه فوجده يسأله بنبرةٍ جامدة دون أي ذرة هدوء واحدة:
_ابنك فين يا حج “جـمال”؟.
هتف الأخر بتلجلجٍ واضحٍ خشيةً من نبرتهِ:
_ابـ…ابني مش هنا بقاله فترة كبيرة وغايب، خير يابني.
ظهر “يـوسف” من العدمِ يتحدث بشرٍ:
_وماله، نحضر إحنا الغايب.
قال جملته ثم قام بدفع الرجل لداخل البيت ثم أخرج مَديتهِ الحادة وألصق الرجل في العامود الخلفي وهتف بنبرةٍ جهورية عالية:
_عظيم بيمين مش هحلف بيه كدب، لو حيلة أمه ما ظهرليش الليلة دي أنا هقل أدبي وكدا كدا أنا معنديش ذرة أدب واحدة، تسمع كلامي ولا أزعلك وازعل أمه بروح امه؟.
لهث الرجل بعنفٍ ليجد زوجته تركض من الأعلى وما إن شاهدت هذا الموقف رفعت صوتها بصراخٍ ليبتسم “يـوسف” بظفرٍ ثم دفع الرجل نحو “أيـوب” الذي كتف عنق الرجل بذراعهِ ليهتف “يـوسف” بسخريةٍ ما إن رآها:
_أهلًا أهلًا طنط الغالية، أهلًا بأم *****، يا ترى يا حجة اتوحمتي على إيه في خلفتك ****** دي؟ ربتيه فين عديم الرباية؟ بس ملحوقة أنا الليلة دي هخليكِ تبوسي راسي على ربايتي ليه، فــين ابــنك !!.
صرخ فيها لتنتفض بخوفٍ جعل جسدها يجفل إثر صراخهِ ثم هتفت بنبرةٍ أخرجت الحروف متقطعة كأنها تسطرد الكلام:
_هو….هو عند عمه مش هنا.
هتف “أيــوب” بثباتٍ وقد نسى كل ما تعلمه في لحظة غضبٍ:
_يحضر، أحسن ليكم يحضر بدل ما قسمًا بربي أخليكم تحضروا خارجته الليلة دي من غير تفكير، هاتي تليفونك يا حجة وأقصري الشر أحسن.
تعجب الرجل من حديثهِ وطريقته كثيرًا، أهذا هو “أيـوب” إمام المسجد ؟ شيخ الحارة الجليل من زعموا الناس في حقه أنه زَهد الدنيا وعاش هائمًا؟ أما هو فقد كل ما يدور بعقلهِ هي الصور التي رآها بعينيه وقد أخبره الأخر زوجته يخصها نفس الشيء بل أكبر بكثير من كل ذلك، وقد أخرجت المرأة هاتفها تطلب رقم ابنها حتى وصلها الجواب منه بثباتٍ وهو يقول:
_إيـه يا ماما فيه حاجة ولا إيه ؟.
خطف “يـوسف” الهاتف منها يرد عليه بوقاحةٍ مستلذًا بما يقول:
_يا حيلة أمك؟ ولا !! قدامك نص ساعة تكون قدامي، أقسم بالله لو ما حضرت لأكون واخد الحج والحجة معايا عامل بيهم عرض في حارة “العـطار” واللي أنتَ مهددني بيه في مراتي وأختي أنا هخلي الناس تشوفه برضه، بس فين بقى؟؟ عـند أمـك، بالمعنى الحرفي، هتيجي ولا أخدهم؟.
انتفض الأخر في محلهِ وهو يقول بصوتٍ مضطربٍ:
_أعقل يا “يـوسف” هـا، مش هتاخد حقك من ناس كبيرة زي دي، أعقل أكيد “أيـوب” لو عرف مش هيسكت على حاجة زي دي، أمي ست كبيرة حواركم معايا أنا.
تدخل “أيـوب” يهتف بسخريةٍ هو الأخر:
_ليه يا ريس؟ ما أنا إرهابي وبتاع ترويع المواطنين، يعني معقولة هستخسر في الحج والحجة حاجات حلوة زي دي؟ طب دا أنا محضر ليهم حاجة وش القفص، بس لأجل غلاوتك هخليه حصري قدام عيونك، يلا وكله من وقتك.
تدخل “يـوسف” يهدر بنبرةٍ عالية وهو يقول:
_ولا !! أنا قولتلك الليلة اللي هدور فيها على واحد زيك هي نفسها الليلة اللي هخلي أمك تترجاني أرحمك فيها، دلوقتي أمك تحت رجلي بتبوسها علشان أكون رحيم بيك، بس أمك شكلها زيك، يلا دلوع أمك بدل ما أخدها وأخلي ستات عيلتي تسلم عليها، ولا نصورهم بقى؟.
بالطبع هذا الحديث كله كذب أخلاقهم لم تنحدر لهذا المستوى لكنها فقط وسيلة ضغط عليه وما إن استمع لتوسلات أمه هتف برضوخٍ لهما:
_جاي، هاجي والله.
هتف “أيـوب” مؤكدًا بصرامةٍ مُرعبة:
_بموبايلك، تيجي وهو قابلك.
أغلق “يـوسف” الهاتف ثم ألقاه على الطاولة ليجدها تسأله بنبرةٍ باكية خوفًا على فلذة كبدها الوحيد:
_أنتَ ناوي على إيه؟ هتعمل فيه إيه؟.
تدخل “أيـوب” يجاوب بدلًا عنه بثباتٍ:
_هربيه، هعمل اللي فشلتي فيه أنتِ والحج، مش جيبتي راجل وربنا رزقك؟ معرفتيش تربيه، سيبيلي أنا المهمة دي بقى، أنا شاطر فيها أوي.
بعد مرور ما يقرب الساعة تقريبًا وصل “سـعد” إلى بيتهِ ليجد والده يجلس بعجزٍ ووالدته تجلس أمام باب البيت من الداخل وما إن ركض إليها يتفحصها وهي تجلس باكيةً وجد “يـوسف” يقترب منه مُشهرًا مديته في وجههِ فيما أقترب “أيـوب” من الخلف يهتف بنبرةٍ قاتمة تمامًا كنظرات صاحبها:
_نورت، وأوعدك إنك مش هتشوف نور تاني.
هتف جملته ثم أقترب منه يلكمه في وجههِ حتى ترنح الأخر وكاد أن يسقط للخلفِ بينما “أيـوب” بدماءٍ تدفقت إلى رأسهِ وبكل غضبٍ تفاقم بداخل أوردتهِ قبض على خصلاته يسحبه خلفه من جديد من بيتهِ إلى حارة مركز “العطار”، كل القديم حضر أمام عينيه منذ أول مرةٍ دلف فيها مبنى الأمن الوطني وتم معاملته كأسرى الحرب إلى هذه اللحظة التي وقف بها يتابع صورة زوجته عارية.
أما “يـوسف” فتركه يفعل ما يشاء، يعلم أن انتقام الأخر أقدم وأقوىٰ بكثيرٍ منه، لذا أراد أن يستغل غضب الانتقام لصالحهِ، لطالما كان “أيـوب” بحرًا عملاقًا أهوج الباطن، هاديء الشكل، يخدع كل من يطالعه لكنه كما كان غوثًا، يجعلك تبحث حاجةً عن الغوثِ.
وصل به إلى الحارة وسط تعجب الناظرين وخوف الحاضرين و “يـوسف” خلفه يسير بثباتٍ بالغٍ إلى أن قام “أيـوب” بدفعةِ إلى الأرض الأسمنتية الصلبة ليطلق الأخر تأوهًا عنيفًا إثر الرمية القوية، فيما هتف الأخر بنبرةٍ عالية يجذب الأنظار نحوه بقولهِ:
_أظن قدامكم حاولت مرة واتنين وتلاتة بالأدب قبل العنف، بالرضا قبل الشدة، بس محوقش، بقيت إرهابي وبقيت بتاع جماعات، بقيت شخص عايش مُطهض وقولت الحمد لله راضي، مليون مرة يتعرض لبنات الناس وأقفله وتخلص بأسف وكلمتين طيبين، بس يخطف مرات أخويا، ويهدد بفضح عرض البنات !! كدا متزعلوش مني، إذا كان هو غاوي لعب، فأنا هوريه الكابتن لما ينزل الملعب.
انتشر الخبر مثل انشار النار في الهشيم، لم يكن خبرًا عاديًا فحسب، بل هو خبر الثأر، إمام المسجد يحتجز “سـعد” بين قبضتيه، كانت سعادة من نوعٍ أخر جعلت الشرفات تمتليء بالاناس والشباب تركض والصغار أيضًا، وقد خرجت “قـمر” بجوار “عـهد” التي استمعت لصرخات أهل الحارة، وما إن رأى “أيـوب” الوضع بعينيهِ حينها تذكر أمر زوجته وأمر “عـهد” قبل أن يتراجع قام بفتح سحاب سترته وهتف بنبرةٍ هادرة:
_هلعب بيك الكورة.
الأخر من الأساسِ فقد قدرة الركض وقدرة الحِراكِ وقد سحب هاتفه أولًا منه وألقاه لـ “يـوسف” بعد أن فتحه بيصمتهِ رغمًا عنه وترك الأخر يتعامل بالهاتف إلى أن قام “أيـوب” بسحبه أولًا تجاه الحائط يضربه بها حتى تأكد من ترنحه ثم بادر في الضرب.
بنفس الطريقة التي تعذب بها وبنفس الأيادي التي كانت تمتد لتلطم وجنتيه، كان “أيـوب” يخرج عن صمتهِ لأول مرةٍ ومع كل ضربة يتحدث من بين أنفاسه اللاهثة بقولهِ:
_طب ما أنا كنت متقي الله، وسايبك في حالك..
كنت باخد بأيديك لطريق ربنا بس أنتَ جاحد.
قال جملته ثم لكمه في وجهه وأعاد الحديث من جديد بقولهِ:
_آذيت بنات الناس بعمايلك وعينيك حتى
اللي قد أمك مرحمتهاش، وبرضه سكت عليك..
أعاد الضرب فيه من جديد في جسده تحديدًا بمنطقة البطن حيث دفعه بقدمهِ ثم أقترب منه يجلس على عاقبيهِ ثم قام بسحب ذراعي الأخر يربطهما في الخلف ببعضهما وهتف من بين أسنانه بغيظٍ:
_ها !! قولتلي بقى بتخطف ستات، وبتلعب بالصور؟
طب دلوقتي ؟ أنا بلعب بكرامتك؟ أهو مش سامعلك صوت يعني؟ تفتكر لو صوروك كلهم وبقت فضيحة ليك هيحصل إيه ؟ حاجات كتير أوي، أولهم عمو اللي في الأمن الوطني اللي ماشي يدوس على الغلابة هيتأذي، أبقى تعالى قابلني لو جابلك رغيف عيش وحلاوة حتى.
صرخ “ســعد” متأوهًا من قوة ضغط “أيـوب” على ذراعيهِ ليهتف “أيـوب” بسخريةٍ هو الأخر بعدما لهث بسبب أنفاسه المتقطعة:
_صرخ يا غالي، صرخ علشان هتروح بعد كدا مكان مينفعش صراخ فيه، لو صرخت هيعملوا عليك حفلة، فصرخ هنا براحتك، إحنا برضه أهل حارة واحدة كلنا.
ضحكت “قـمر” بسعادةٍ ودمعت عيناها وهي تراه يفعل كل ذلك لأجلها فقط، تعلم في قرارة نفسها أنه تخلى عن تعقله وأدبه وهدوء طبعه لأجلها، لذا ما كان عليها سوى أن تراه بفخرٍ وكذلك “عـهد” التي رفعت عينيها للسماء بامتنانٍ من قلبها، أما “أيـوب” فاستمر فيما يفعل، يضرب الأخر وسط صرخاته العالية متأسفًا، لكن هيهات؟ جعلها مضطربة نفسيًا، وتسبب في خطفها، وتعمد أن يزيد خوفها عن طريق تهديده بفضح عرضها، وهل يُعقل أن يتم التهاون معه…
هكذا ذكر “أيـوب” نفسه حتى وقف يلهث بقوةٍ من فرط المجهود ثم أشار للأخر أن يقترب بقولهِ:
_تعالى سيبله تذكار بالمطوة.
أقترب “يـوسف” يهتف لـ “سـعد” بسخريةٍ:
_قولي يا رايق تحبها إزاي؟.
بصق “سـعد” في وجههِ مما جعل “يـوسف” يغمض عينيه لوهلةٍ ثم قام بردها للخلف حتى ظهر نصلها الحاد وقال بتوعدٍ:
_كنت حالف يمين ما أفتحها هنا أبدًا،
بس وماله نصوم ٣ أيام، كفارة القسم.
قال جملته ثم فتح ذراعه بها، كل شيءٍ تم الإتفاق عليه بينهما دار كما خططا له عدا صوت سيارة الشرطة التي وصلت للحارة في هذه اللحظة وترجل منها رجلٌ بملابس رسمية يهتف بنبرةٍ محتدة:
_فين “سـعد جمال” ؟؟.
سحب “أيـوب” سترته وأقترب منه يشير نحو المُلقى أرضًا بقولهِ الذي استعاد ثباته رغم أنه خرج مبحوحًا:
_المرحوم عندك أهو، شوف كدا نحضرله كفن ولا عيش وحلاوة؟.
هتفها باستخفافٍ وهو يشير نحوه جعل البقية يضحكون عليهِ، هذا الذي فاجأ الجميع بوجهه الأخر، لو كان أقسم لهم أنه يقو على فعل كل هذا لما كانوا صدقوه بتاتًا، لكن الوجه الآخر خفى خلفه كثيرًا وكثيرًا.
________________________
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)