روايات

رواية غوثهم الفصل الثاني 2 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل الثاني 2 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم البارت الثاني

رواية غوثهم الجزء الثاني

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة الثانية

_يكشف النقشبندي عن حديثُ قلبي حين يبتهل قائلًا:
قصدتُكَ مِن كُلِّ الجهاتِ مُناديًا
أجِرني مِن القيدِ الذي شَدَّ مِعصمي
أعِدني لنفسِي كم تغربتُ حائرًا!
___________________
_يُشبه الأمر في أكمله المتاهة، حيث أنتَ اللاعب الوحيد بها وعليك أن تحرز الطريق الصحيح للخروج منها، أو كأنها محطة قطارات وأنتَ تركض لاهثًا لتدخل القطار، ثم تتفاجأ بحقيقةٍ كما الصفعة على صحفة وجهك، أن الطريق الذي أحرزته كان خائنًا، وأن القطار الذي اختارته خاطئًا.
في حارة “العطار”
كانت المنطقة بأكملها تراقب “سعد” داخل المحل و كلٍ من “بيشوي” و “أيهم” يلقنه الدرس بطريقته الخاصة، حيث تم تدمير المكان بكافة محتوياته، على الرغم من العنف الذي تعامل به كليهما، إلا أن تلك هي الطريقة التي يستحقها ذلك الخائن.
تنهد “أيوب” بضجرٍ فوجد شابًا يقترب منه بلهفةٍ ينطق بقلقٍ عليهم:
_حصل إيه يا “أيوب” ؟؟ انتم كويسين ؟؟ فيه حاجة ؟؟.
انتبه له “أيوب” فالتفت له يربت على كتفه ناطقًا بنبرةٍ هادئة:
_متقلقش يا “تيام” كل حاجة زي الفل، هما بس بيدردشوا معاه بكلمتين وخارجين تاني.

 

أشرأب “تيام” برأسه يطالع الوضع بالداخل ثم أعاد رأسه من جديد يقول بتشفٍ:
_لأ وهو ابن حلال يستاهل كل خير بصراحة، خليهم بس يعلوا صوتهم شوية علشان محدش سامع.
فور انتهاء جملته، رفع “سعد” صوته من الداخل يتأوه بصراخٍ خاصةً حينما أمسك “أيهم” كفه يلويه للخلف ضاغطًا على أنامله وهو يتحدث من بين أسنانها بنبرةٍ أعربت عن غله من ذلك القذر:
_إيدك دي لو فكرت بس بعد كدا تلعب بيها، قسمًا بربي لأكون قطعهالك حتة حتة، وافتكر مين هو “أيهم العطار” اللي ياما علم عليك، مفهوم ؟؟؟!
حرك “سعد” رأسه موافقًا، بينما “بيشوي” تحرك نحوه بخطواتٍ ثابتة دون عُجالة، ثم أخفض جسده ليصبح في نفس مستوى الأخر أرضًا، وبدون أن ينطق بكلمةٍ واحدة، مد يده يسحب هاتفه ثم أداره لكي يفتح ببصمة وجه “سعد” ثم قام بحذف كل شيءٍ بداخله، ثم وضع بصمته لكي تم التأكيد، وكان “سعد” حينذاك يرمقه بسخطٍ، فتحدث “بيشوي” بثباتٍ:
_أنا صبرت عليك كتير، بس كدا كفاية على اعصابي منك، صدقني لو فكرت بس تتعرض لأي واحدة تاني في حارة العطار أو عينك تترفع في بنت من بناتها أنا بنفسي هزفك ملط في الشارع ، وأنا ممكن أعملها عادي زي ماسبق وابويا عملها قبل كدا، لو ناسي افكرك يا “سِعدة”.
ظهر الغل على نظرات “سعد” وهو يرمق “بيشوي” الذي فاجئه حينما ضرب الهاتف أرضًا حتى تكسر كُليًا، ثم نطق بعدها بحديثٍ قصده خبيثًا:
_علشان لو شيطانك وزك بس إنك ترجع منه حاجة تاني، أظن مش كل فترة ولاد العطار هييجوا هنا يأدبوك، عيب في حقك.
قام بعد حديثه ثم فتح الباب وقال لـ “أيوب” بنبرةٍ متهدجة بسبب انفعاله:

 

_تعالى يا “أيوب”، أنا كدا خلصت.
تحرك الأخر نحو الداخل، بينما “بيشوي” نظر بسخريةٍ لـ “تيام” قائلًا بمشاكسىةٍ:
_ياض نفسي أشوفك جاي بدري مرة، علطول كدا متأخر ؟؟
رد عليه “تيام” بقلة حيلة:
_كنت بجيب فطار للحجة.
ضحك “بيشوي” ثم اقترب منه يقف مجاورًا له وكلٍ منهما يتابع المكان بنظراته في انتظار القادم.
_”بيشوي جرجس يوحنا”
شاب في العام الواحد والثلاثون من عمره، مسيحي الديانة، تربى وترعرع في بيت “عبدالقادر العطار” ويعتبر الابن الثالث له، حيث يعد والده هو الأخ الروحي لـ “عبدالقادر” وقد تربى “بيشوي” منذ صغره معهم وكانت أسرته ترتبط ارتباطًا وثيقًا، حتى نسوا الاختلاف بينهم واصبحوا عائلةً واحدة، وقد عرف في بعض الأحيان باسم “بيشوي العطار”.
طويل القامة عريض المنكبين، هاديء الطباع لحدٍ كبير، يعتبر النصف الأخر لـ “أيهم” وكأنه توأمه حيث لا يفارق أحدهما الأخر، خصلاته سوداء كثيفة وعينيه بنيتنين غامقتين دومًا نظرتهما صادقة، اكثر ما يحبه في حياته هي عائلته وعائلة “العطار” بشرته أقرب للاسمرار قليلًا أنفه مُحدبة.
_”تيام صبري الشامي”
من سكان حارة العطار، في العام الثامن وعشرون من عمره، رفيق الشباب و تربى وسطهم منذ صغره، كما أنه يعمل في محل “عبدالقادر” الرئيسي، ويعد مسئولًا عن الشئون الخاصة بالمكان، درس بكلية الحقوق وأصبح مسئولًا عن الأمور القانونية بوكالة العطار أقل من الشباب طولًا بنسبة قليلة وكذلك الجسد، مجتهد في عمله يعيش مع والدته بمفردهما.
دلف “أيوب” بخطواتٍ واثقة ثم أخفض جسده مجاورًا لأخيه ومُطلًا على “سعد” وهو يقول بنبرة وعيدٍ:

 

_كدا خلاص مفيش حاجة تاني نعملها معاك علشان نعرف الناس إنك من غير قيمة، وانك مش إنسان، بس ملحوقة إن شاء الله، دا آخر انذار ليك علشان اللي جاي بعد كدا هيزعلك، و ياريت ملكش دعوة بينا ولا بحد من عيلة العطار، مفهوم ؟”.
دون أن ينتظر جوابه أشار لأخيه ثم تحركا خلف بعضهما، بينما “أيهم” ما إن أبصر ذلك التجمع قال بصوتٍ عالٍ:
_اي حد هيفكر بس يعمل زيه هيكون نفس مصيره كدا، ويا ويله اللي يقع تحت ايد ولاد العطار.
أشار لأخوته ثم تحركوا خلفه تاركين “سعد” في محله يحاول الصمود لكي يقف على أقدامه حتى نجح في ذلك وسار مترنحًا نحو باب المحل يُغلقه بعنفٍ خاصةً وكل سكان المنطقةِ يرمقوه بتشفٍ به.
_________________________
عودته إلى هنا لم تكن أمرًا عاديًا يستطع التعايش معه، بل هي محطاتٍ وفي كل منها طُعن غدرًا على أيديهم في جميع مراحل عمره، طفولته… مراهقته… شبابه…رجولته….كل ذلك تدمر على أيديهم وهو كل ما يصدر عنه الصمت أو الرد بما يثير جنونهم، لذلك صعد غرفته محاولًا التماسك برابطة جأشه أو لربما الاستعداد لما هو قادم.
_دلف “عاصم” مكتبه بغضبٍ عارمٍ لو أُتيح له الأمر لدمر كل ما تطوله يداه دون أن يرأف بما يقابله بعد مقابلته معه، فدلفت خلفه شقيقته تقول بتعجبٍ من حالته:
_مالك يا “عاصم” ؟ شايط و محدش عارف يهديك كدا ليه ؟!”
التفت لها بنفس الغضب البادي عليه و هو يقول بجمودٍ:
_الحيوان بيقولي أنا اسأل أمك ؟! نسي أصله ؟! بيقول لي أنا كدا ؟! نسي أني عمه !!
ظهر التهكم على وجهها و خالطت السخرية بسمتها و هي تقول:
_و إيه الجديد ؟! و بعدين هو برضه اللي نسي إنك عمه ؟!
ضيق المسافة ما بين حاجبيه و هو يسألها بانتباهٍ بعدما استطاعت بحديثها جذب نظره لها:
_قصدك إيه يا فاتن، بتلمحي لإيه
وضعت كفيها على بعضهما و هي تقول بقلة حيلة:
_لا بلمح و لا نيلة، أنتَ حر أنا مش فايقة ليك.

 

زفر هو زفرةً قوية اختلطت بنيرانه الداخلية و هو يضرب بكفه المتكور على سطح المكتب و قبل أن تنسحب هي من أمامه أوقفها بقوله الذي خرج منه جامدًا:
_”فاتن” …أنتِ اللي جيبتي “يوسف” هنا، أنتِ اللي بعتيله ؟
ظهر التوتر على مُحياها و تصدع ثباتها و هي تطالع قسمات وجه أخيها الحادة، فهزت منكبيها بعدم اكتراث و قبل أن تنطق معقبةً تحدث هو مسرعًا:
_و قبل ما تتكلمي، لو عرفت إن أنتِ اللي عملتي كدا، أنا هخربها على دماغك قبلي.
ابتلعت ريقها بخوفٍ و كأنها تبتلع أشواكًا في حلقها و قبل أن تنطق هي، تحرك “عاصم” من الغرفة بخطواتٍ واسعة نحو غرفة الآخر و حينما أدركت هي وجهته ركضت خلفه بخوفٍ خلع قلبها من مكانه.
في غرفة “يوسف” كان واقفًا في منتصف الغرفة يتابع نظامها الجديد بعينين ثاقبتين، عاري الجزع يرتدي بنطالًا بيتيًا بعدما بدل ثيابه و في يده السيجارة المشتعلة يسحب هوائها داخل رئتيه، فَـ فُتح باب الغرفة فجأةً و طل منه عمه “عاصم” فابتسم هو بسخريةٍ و نطق متهكمًا:
_طب خبط !! خلاص مفيش أدب و لا ذوق
اقترب منه “عاصم” يقف مقابلًا له و هو يسأله بنبرةٍ جامدة و غلظة لا يشوبها شائبة لينٍ:
_هي جملة واحدة، أنتَ هنا بتعمل إيه ؟! إيه اللي جابك؟
رفع “يوسف” حاجبه له فوجد نظرات عمته خائفة و كأنها تتوسله ألا يفضح أمرها، فاستعاد ثباته بعدما فهم مجرى الأمور و هو يقول ببساطةٍ:
_هو احنا هنرغي كتير ؟؟ ما أنا جاوبتك
ظهر الاستنكار على ملامح وجه عمه فأضاف هو ببراءةٍ و هو يُعدل سترته القطنية حتى يرتديها:
و مع ذلك هجاوبك علشان عيب عمو يسألني على حاجة و أنا انفضله كأنه ملوش لازمة
أنهى ارتداء سترته ثم اقترب من عمه أكثر لا يفصل بينهما إنشٍ واحدٍ فغمز له بعبثٍ و قال بمراوغةٍ:
_أســـأل أمـــك
للمرة الثانية على التوالي في نفس اليوم يرفع معدل احتراق الدم في جسده كما احتراق الوقود في السيارة، فهل ستستمر تلك الحرب بينهما؟ رفع “عاصم” سبابته في وجهه ينطق محذرًا له:

 

_خليك فاكر إن صبري ليه حدود وقلة أدبك دي أنا مش هستحملها كتير، إذا كان محدش رباك، أنا موجود وهربيك يا “يوسف”
حرك كتفيه ببساطةٍ وهو يرد عليه مُتعمدًا استفزازه:
_ربيني، بس الأولىٰ بقى تربي نفسك الأول، على الأقل علشان أخدك قدوة، ولا أنتَ ماشي بمبدأ فاقد الشيء أحق من يُعطيه ؟؟.
ابتسم “عاصم” بشرٍ ثم نطق بتوعدٍ:
_براحتك….على الأخر.
حرك رأسه موافقًا ثم أخرج هواء السيجارة في وجهه وقال بثباتٍ:
_عارف أنه براحتي، برة وخُد الباب في إيدك يلا.
التفت عمه يغادر الغرفة وخلفه “فاتن” بينما هو انتظر حتى اختفى أثرهما ثم أقترب من الباب يغلقه خلفهما ثم جلس على الأريكة المجاورة للباب ينظر أمامه بنظراتٍ ثاقبة.
_________________________
في نفس الطابق بغرفةٍ مجاورةٍ لغرفته، جلس “نادر” على الفراش و أمامه زوجته تقوم بمسح وجهه فسألها هو بتهكمٍ:
_ساكتة ليه؟ ولا علشان المحروس وصل هنا ؟
تنهدت بضجرٍ ثم قالت:
_ملهوش لازمة الكلام دا يا “نادر” أنا الموقف كله مش عاجبني أصلًا، واحد داخل بيته، مكانش ليه لازمة تعمل كل دا، كدا غلطت نفسك قصاده.
بعد حديثها ازداد انفعاله، فرد عليها بنبرةٍ جامدة:
_يغور من هنا المجنون دا، نسي هو كان فين و سُمعته عاملة إزاي؟؟ “شاهي” أنا مش عاوز أي كلام يربط بينك وبينه مفهوم؟؟
رفعت عيناها له وما إن أبصرت نظرته المحذرة لها، حركت رأسها موافقةً ثم هربت بنظراتها منه، بينما هو ثبت عيناه عليها ثم زفر بقوةٍ وهي تضع اللاصق الطبي على وجهه.
_”نادر سامي السيد”

 

ابن “فاتن” شقيقة والد “يوسف” ابنها الوحيد ومن أكثر الكارهين لـ “يوسف” حيث رباه كلٍ من والده و “عاصم” على كره “يوسف” والحقد عليه.
_”شاهي نزيه”
زوجة “نادر”، فتاةٌ مدللة من الطبقة الأرستقراطية كما تزعم عائلتها، تملك قدرًا كبيرًا من الجمال، خصلاتها بنية مسترسلة ناعمة، عينيها باللون البني الفاتح، جسدها ممشوق القوام، تهتم بنفسها كثيرًا وأكثر ما تحرص عليه هو الاهتمام بنفسها وهيئتها أمام الجميع.
_________________________
خرج “يوسف” من غرفته بعدما بدل ثيابه البيتية بأخرى عصرية عبارة عن بنطال من خامة الجينز باللون الأسود “بوي فريند”، وفوقه القميص باللون الأبيض من إحدى الماركات العالمية الشهيرة، و ساعة معصمه الفاخرة ورائحة عطره المميزة تفوح من غرفته حتى الأسفل.
نزل الدرجات بثقةٍ وشموخٍ لم ينفكا من محلهما، فوجد “نادر” يجلس على الأريكة و “شاهي” بجواره تضع رأسها على كتفه تتصفح هاتفها، وقف على الدرجات ينظر لهما لمدة ثوانٍ عابرة أخذته في رحلةٍ شرد هو بها لتفتح أحد الجروح الغائرة في عمق روحه.
( منذ فترة تتراوح بين القصر والطيل)
كانت هي تنتظره في النادي الرياضي تتصفح هاتفها وتحاول التواصل معه ولم يأتيها منه الرد، فزفرت بضجرٍ ثم ألقت الهاتف على الطاولةِ ناطقةٍ بنفاذ صبرٍ:
_براحتك يا “يوسف” شكلك نمت ونسيت معادنا أصلًا، براحتك شكلي همشي و أسيبك.
جمعت مُتعلقاتها وقبل أن تهم بالمغادرةِ تفاجئت به يجلس بجوارها ببرودٍ، فرفعت حاجبيها مستنكرةٍ فعله وتبعت نظرتها تلك بقولها:
_والله !! “يوسف” أنتَ بتهزر؟ كل دا سايبني مش سائل فيا وأنا مستنياك بقالي كتير ؟؟.

 

تنهد بعمقٍ ثم نطق يُعبر عن ضيقه:
_هو أنا ماتور قدامك؟؟ جاي من طريق سفر فوق الـ ٨ ساعات ومنمتش وجيت علشانك، يعني الرحمة شوية يا “شهد”.
ردت عليه بدلالٍ:
_وحشتني يا “يوسف” أنا مصدقتش إنك جاي أخيرًا، بعدين الصبح شوفتك دقايق وسيبتني.
ابتسم لها وهو يقول بثباتٍ:
_ماشي اقنعتيني، على العموم أنتِ كمان وحشتيني، وقاعد هنا أسبوعين معاكِ بعدها هروح أبو رديس، ها هنروح فين؟؟.
حركت كتفيها بتعالٍ وهي تقول:
_شوف بقى هتودي “شاهي” فين سايبالك نفسي خالص.
حرك رأسه للخلف وكأنه يفكر ثم قال بنفس الثبات والهدوء:
_تعالي بس نقوم نمشي شوية في النادي هنا يا “شهد” نشرب حاجة سوا أكون فكرت وأحنا بنتمشىٰ تمام ؟؟.
حركت رأسها موافقةً وهي تبتسم له، فصدح صوت هاتفها في تلك اللحظة وقد استأذنت منه بنظراتها ثم قامت من أمامه تجاوب على الهاتف، بينما هو أرجع رأسه للخلف يتثاءب حتى اغمض جفونه، ولم يشعر بشيءٍ بعد ذلك سوىٰ صوتها وهي تحرك كتفه، فاستيقظ من غفوته القصيرة تلك وهي تسأله بحنقٍ:
_إيه يا “يوسف” أنتَ هتنام؟؟
رد عليها بقلة حيلة:
_بقولك منمتش يا “شهد” وجيت علشان مزعلكيش، لو منك تيجي تقعدي جنبي وأحط راسي على كتفك، تعالي بس.
أمسكت يده تسحبه خلفها وهي تقول آمرةٍ له:
_ورايا يا يوسف !! يلا وبطل دلع.
تحرك خلفها على مضضٍ ثم سألها بقلة حيلة:
_طب شوفيلنا حتة بقى نقعد فيها أحط راسي على كتفك، ماهو أنا جاي إجازة برضه يا جدعان، حسي بيا يا “شهد”
التفتت تحذره بقولها وهي تشهر بسبابتها في وجهه:
_”شاهي….اسمي “شاهي”

 

غمز لها فقالت بتراجعٍ بدا واضحًا عليها وهي تُغمغم بخجلٍ:
_بس دا ميمنعش أني بحب اسم “شهد” منك، أنتَ بس ماشي ؟؟
حرك رأسه موافقًا فسارت أمامه وهو خلفه يبتسم بقلة حيلة ليبدأ يومه معها.
(عودة إلى ذلك الوقت)
خرج من شروده على صوت هاتفه، فسحب نفسًا عميقًا داخل رئتيه ثم نزل الدرجات الباقية حتى وصل لهما فجلس على المقعد الأبعد عنهما، حتى اعتدلت هي على الفور وقد اربكها حضوره، بينما “نادر” وزع نظراته بينهما ثم أمسك رأسها يضعها من جديد على كتفه وكأنه يثبت ملكيته الخاصة.
لاحظ “يوسف” فعلته تلك فأخرج هاتفه ثم وضع قدمًا فوق الأخرىٰ بثقةٍ، لم تتزعزع ثم أخرج سيجارته يُشعلها وهو يتابع هاتفه متجاهل وجودهما بالمكان، حتى بدأت هي تشعر بالاختناق رائحة سجائره وخاصةً أن الهواء يسير تجاهها، فازداد سُعالها، حتى نطق “نادر” يقصده بالحديث:
_المفروض الناس تخلي عندها دم وتعرف إن مش كل الناس بهايم زيها مبيحسوش، قوم يا بني أدم أطفي السيجارة دي، ولا اشربها في أي حتة تانية.
رفع “يوسف” نظره من على شاشة هاتفه وهو يسأله بتهكمٍ:
_الكلام دا لما نكون في مستشفى ولا المدام تكون حامل وفي خطورة على الجنين، لكن أنا قاعد في صالة البيت، اللي مخنوق يطلع هو من هنا.
نزل “عاصم” و “فاتن” معه في تلك اللحظة، فيما تحدث “نادر” قاصدًا إهانته بقوله:
_الظاهر كدا قعدتك في نزلة السمان وسط الحمير هناك خليتك متفرقش عنهم كتير.
ابتسم “يوسف” تلك الابتسامة العابثة وهو يرد بِحُجةٍ قوية قاصدًا كل ما تفوه به:
_والله يا “نادر” يا أخويا أنا في نزلة السمان كنت قاعد هناك وسط خيول أصيلة و فُرسان، الحمير دول مبشوفهمش غير لما باجي هنا.

 

قبل أن يرد عليه “نادر” أو حتى أيًا منهم، دلف “سامي” زوج عمته كما الإعصار ينطق بصوتٍ عالٍ:
_أنــتَ ياللي اسمك “يوسف” !! وريني نفسك يا عديم الرباية، بتمد ايدك على ابني أنا يا جربوع يا تربية الاصلاحية ؟؟.
بدا الترقب عليهم جميعًا بسبب دخول “سامي” المفاجيء وبسبب حديثه الغير مبشر بالخير، بينما “يوسف” وضع هاتفه في جيبه ثم أخذ مفاتيحه و قصد التحرك من المكان متعمدًا تجاهل الأخر الذي قال بنفس الغضب البادي عليه من تجاهل الاخر له:
_مــش بكلمك أنا !! رد عليا.
توقف “يوسف” عن السير ثم حرك رأسه لليسار قليلًا ينطق بوقاحةٍ قصدها وتعمد النطق بها دون أن يلتفت بكامل جسده قاصدًا إهانته أمامهم جميعًا دون تعقل أو ذرة تهذب في حديثه:
_محدش بيروح يقول للكلب أنتَ بتهوهو ليه، يا بيسيبه ويمشي، يا بيرميله عضمة تسكته، في كلتا الحالتين أنتَ أدرى بحالك.
ردوده قوية وغير متوقعة ومُهينة أيضًا، هكذت اعتاد هو وهكذا اعتادوا هم منه، فكلٍ مَن يفكر أن يقف أمامه حتى ولو بالحديث يلقىٰ حتفه وتُصاب كرامته في مقتلٍ، وتلك هي الطريقة الأنسب للتعامل مع عائلة “الراوي”، فهم من حكموا عليه بالغربة وسطهم بدلًا من أن يكون هو صاحب كل شيء.
اعتلت الصدمة ملامح وجوههم بعد حديثه، ورحيله من أمامهم بثباتٍ يُحسد عليه، بينما “سامي” اقترب من ابنه يسأله مُمررًا نظراته على قمسات وجهه التي اتضحت عليها أثر اللكمات التي تركها “يوسف” في وجهه، لذا سأله بنبرةٍ أقرب للإنفعال:
_أنتَ كويس !! فيه حاجة وجعاك؟؟
حرك رأسه نفيًا ثم قال بنفس الغضب الذي سبق ودلف به:
_ماشي يا “يوسف” يا أنا يا أنتَ.
على الرغم من ملاحظة العائلة لطريقة حديثه عن ابنهم، إلا أنهم تجاهلوا حديثه وكأنه لا يعنيهم كعادتهم منذ أن وُجد وسطهم بعد وفاة أسرته.

 

تحرك “يوسف” بغضبٍ جامٍ بعد مقابلته مع ذلك الملقب بزوجة عمته وقف يلهث بقوةٍ وصدره يعلو و يهبط يحاول التماسك أمام نفسه، قبل أن يدخل ويجعله طريح الفراش و يَريه تلك التربية التي يُخطيء بها.
انتبه لذلك الصوت الذي يناديه، فانتبه له والتفت ينظر خلفه فوجد تلك الفتاة تقف أمامه بصغيرها على يدها وما إن تقابلت نظراتهما قالت بحماسٍ:
_”يوسف الراوي” هنا ؟؟ مش مصدقة، جيت أمتى ؟؟
ابتسم لها وهو يقول بنبرةٍ هادئة بعدما حاول إخفاء غضبه:
_”إيناس” !! عاملة إيه ؟؟ و “حازم” عامل إيه هو كمان ؟؟
حركت رأسها موافقةً وهي تبتسم له، بينما هو نظر للصغير على يدها ثم سألها بتعجبٍ:
_دا ابنك ؟؟ ما شاء الله ربنا يحفظه.
ردت عليه بضحكةٍ واسعة ورافقها حديثُ يعاتبه:
_أيوا ابني اللي خاله الندل محضرش سبوعه وجاي يشوفه بعدما تم سنة، شاطر بس تقولي أنا اخوكم الكبير، ياريتك حتى طلعت أخ في kg2.
ضحك رغمًا عنه ضحكة خافتة ثم تبعها بقوله مُستسلمًا:
_حقك، مش هقدر أقول حاجة، هاتيه بقى علشان اشيله، اسمه إيه؟؟
مدت يدها له بالصغير ثم قالت بنبرةٍ غلفها الحزن و الآسف:
_”حمزة”
رفع عيناه يطالع الصغير ثم حمله على يده وهو يقول بنبرةٍ غلفها الحزن أيضًا:
_العمر الطويل ليك يا حمزة، ربنا يبارك فيك و يرحمه إن شاء الله.
في تلك اللحظة خرج “حازم” زوجها وما إن أبصره قال بمرحٍ:
_”يوسف باشا الراوي” !! اللي منكد على أبونا في تويتر هنا بنفسه ؟؟.

 

ابتسم له “يوسف” ثم اقترب منه يحتضنه وهو يقول بنبرةٍ مرحة:
_يعني هو محوق معاك حاجة؟ وحشتني ياعم، ربنا يباركلك في “حمزة” و يفرحك بيه ويبارك في عمره.
آمن خلف حديثه، فقالت “إيناس” بحماسٍ:
_كويس إنك هنا، تدخل تسلم على ماما وعلى البت المُكتئبة اللي جوة دي، وأنا رايحة عند طنط مامة “حازم” عاوز حاجة؟؟
حرك رأسه نفيًا بينما “حازم” زوجها تحرك نحو السيارة يفتحها، فاقترب “يوسف” منها يهمس لها بتهكمٍ:
_طبعًا زي ما جيتي عند أمك، هتروحي عند الحرباية أمه، العين بالعين، طول عمرك هبلة.
حركت رأسها بيأسٍ ثم قالت بغلبٍ على أمرها:
_هعمل إيه بس !! دي حكمة ربنا.
ضحك هو بسخريةٍ ثم قبل الصغير وأعطاه لها، بينما هي وزوجها قاما بتوديعه ثم تحركت السيارة بعد ذلك ليتجه هو عدة خطواتٍ قليلة يتجه نحو البيت المجاور لبيت عائلته ففُتِح له الباب وظهرت منه سيدة في أواخر العقد الرابع من عمرها، وما إن رأته أمامها، قالت بحماسٍ:
_يا حبيبي، حمدًا لله على سلامتك؟؟ وحشتني أوي.
ابتسم لها ثم نطق بنبرةٍ هادئة:
_وحشتيني أكتر يا “لوزة” فين “رهف” ؟؟ عاوز أشوفها.
أشارت له بالدخول ثم أمسك ذراعه وهي تقول بشوقٍ له:
_وحشتني اوي اوي يا حبيبي، كل دي غيبة عني كدا ؟؟ أومال لو مش قايلالك إنك أخو البنات وملناش غيرك ؟؟ هي دي الجيرة اللي ما بيننا ؟؟

 

تنهد بعمقٍ ثم قال بصوتٍ رخيم:
_أنتِ عارفة اللي فيها، المهم فين “رهف” أوعي تقولي لسه زي ماهي؟؟
حركت رأسها موافقةً ثم تحولت نظراتها إلى الأسف وهي تقول بصوتٍ طغى عليه الحزن:
_للأسف لسه زي ماهي، “رهف” التانية اتبخرت خلاص، من يوم موت “حمزة” وهي قافلة على نفسها الدنيا كلها، خلاص فاض بيا.
ربت على كفها ثم نطق يُطمئنها بقوله:
_متقلقيش، أنا هتكلم معاها وكله هيبقى كويس.
حركت رأسها موافقةً ثم ابتسمت له وقالت بحبٍ:
_بس أنتَ وحشتني.
ضحك لها فوكزته في مرفقه وهي تقول بضجرٍ زائف منه:
_رد عليا يا كاريزما وقولي وأنتِ كمان، دا أنتَ عيل رخم بصحيح.
جلس على المقعد قاصدًا تجاهلها عن عمدٍ، بينما هي تعجبت منـه ثم تحركت بعدما رمقته بيأسٍ فهو لن ينطق ولن يعترف بمشاعره حتى وإن اتضحت في نظراته.
_________________________
في المقر الرئيسي لوكالة العطار وخاصةً مكان “عبدالقادر”، كان جالسًا على مكتبه وأمامه الشباب الأربعةِ، فسألهم بثباتٍ:
_يعني اتأدب؟؟ انتم راضيين عن اللي عملتوه ؟؟
تحدث “أيهم” مؤكدًا حديث والده:
_آه اتأدب، بصراحة بقى، أنا صبرت عليه كتير ، بس كدا كفاية بقى، كل شوية مشكلة شكل، واحنا عمالين نمشط في المنطقة كلها، مش هييجي واحد زي دا يخلي سمعتها تتوسخ.

 

تدخل “أيوب” يقول بنبرةٍ هادئة:
_”أيهم” معاه حق، كلمناه كتير بالحسنى يا حج بس مفيش فايدة، واحد مش بيراعي ربنا في لُقمة عيشه، وماشي في الحرام، يبقى ليه بقى أسكت عليه لحد كدا ؟؟ صدقني اللي زي دا لازم يتأدب.
حرك “عبدالقادر” رأسه موافقًا فدلف أحد الشباب الذي يعمل معه يقول بأدبٍ:
_حج “عبدالقادر” فيه عربية برة جايبة حاجات تبع المكان هنا، باين كدا حلويات ؟؟.
وزع “عبدالقادر” النظرات بين ابنيه اللاذي ضحكا رغمًا عنهما، فابتسم لهما بنظراته، ثم نطق بنبرةٍ هادئة:
_خليه يوصلها على البيت، ولو مش هينفع حد يوصلهم.
تحدث الشاب بأسفٍ:
_للأسف يا حج الناس كلهم في الورشة علشان نقلة الفُخار، والعربية مش هتوصل لحد جوة.
تدخل “أيهم” يقول مُقترحًا:
“حد فاضي يروح وخلاص، تروح يا “تيام” ؟؟
سأله “بيشوي” بتعجبٍ:
_ثانية بس، الحلويات دي بتاعة إيه ؟؟ هو دا عيد ميلاد عندكم؟؟
تحدث “أيهم” بسخريةٍ:
_عيد ميلاد ؟؟ الشيخ “أيوب” هيخلينا نعمل عيد ميلاد برضه ؟؟ لأ دي حلويات علشان خطيب “آيات” جاي مع أهله نتفق على كتب الكتاب.
بدا صوت تصدع القلب واضحًا من خلال قبضتي كفيه اللاذي ضغط عليهما و نظراته التي زاغت بالمكان عند ذكر تلك السيرة ولم يكن سوىٰ “تيام” الذي لاحظه “بيشوي” فتنهد بضجرٍ ثم قال بحزمٍ:
_أنا اللي هروح أوصل الحاجة للبيت، وكل واحد فيكم يروح محله، “أيوب” !! هتروح محل المُعز النهاردة ؟؟

 

حرك رأسه نفيًا ثم قال بهدوء:
_لأ علشان “أيمن” خطيب “آيات” اللي هييجي دا و ورايا حاجات كتير في المحل هنا، ولسه هعمل حاجات بالفخار مطلوبة مني، يعني صعب، ممكن “أيهم” يروحه لو فاضي.
تحدث “عبدالقادر” بثباتٍ وهو ينظر لابنه الكبير:
_لأ، “أيهم” وراه مشوار تاني مهم.
نظر له بتعجبٍ، فزفر “عبدالقادر” ثم نطق بحزمٍ و جمودٍ:
_هتفضلوا كدا ترغوا كتير ؟؟ يلا كل واحد على مكانه، يلا منك ليه، “تيام” خش طُل على العمال جوة، و أنتَ يا “بيشوي” على البيت وصل الحاجة، و “أيوب” على شغلك يلا، و استاذ “أيهم” يقعد علشان عاوزه.
كانت صيغة حديثه آمرة لهم جميعًا يوجه لكلٍ منه أمره، وهم فقط عليهم السمع والطاعة، فتحرك “تَيام” من المكان بحزنه البادي عليه، بينما “بيشوي” و “أيوب” تحرك كلٍ منهما حيث وجهته، وظل فقط “أيهم” أمامه ينظر له بنظراتٍ ثاقبة يحاول سبر أغواره، حتى فاض به الكيل من ذلك الصمت فتشدق يتسائل:
_وبعدين طيب ؟؟ هتتكلم أمتى يا حج ؟؟ هو أنا عملتك حاجة ؟
تقدم “عبدالقادر” على مكتبه يُشبك كفيه ببعضهما وهو يقول بثباتٍ:
_وبعدين يا “أيهم” أنا صابر بقالي اسبوعين وبقول هيروح من نفسه، بس كدا كتير بقى، مراتك هترجع امتى ؟؟
تنهد بضجرٍ عند ذكرها ثم قال بقلة حيلة:
_هعمل إيه يعني يا حج؟؟ أنا غلطت في إيه يعني، أنا قدامك مغلطتش في أي حاجة.
حرك رأسه موافقًا ثم أضاف بحكمةٍ اكتسبها من الزمان:
_عارف إنك مش غلطان، بس الراجل بجد هو اللي يمشي دنيته، إنما أنتَ عصبي وقفل، مراتك بتغضب أكتر ما بتقعد في بيتها، بطل تفكير في نفسك وفيها وفكر في ابنك الصغير اللي حياته كل شوية على المحك كدا، أنا اللي هقولك يا عاقل يا كبير ؟؟.

 

اقترب “أيهم” من المكتب يقول بنبرةٍ غلفها الحزن:
_يا حج، أنا على يدك أهو حاولت بس هي مش بنت أصول ومش عاوزة تعيش، طماعة و الست الطماعة يتخاف منها، حاطة عينها على شقة من عمارة التجمع من ساعة ما اتبنت، واحدة طماعة عاوزة كل حاجة ليها هي.
سأله “عبدالقادر” بتهكمٍ:
_وهو أنتَ لسه واخد بالك؟؟
حرك رأسه نفيًا ثم أضاف مُفسرًا:
_لأ، بس الحكاية بدأت تزيد عن حدها بطريقة لا تُطاق يا حج، كل ما واحدة تعرفها جابت حاجة جديدة تطلب زيها، وكل شوية فلوس ودهب، أنا مش بخيل، بس مش كدا، ماله بيتنا ؟؟ المنطقة كلها معروفة ببيت العطار، شقتها اللي مش عجباها دي، لما حد بيدخلها بيبقى مش عاوز يمشي منها، غيرت توضيبها مليون مرة، وبرضه مش عاجب، قولي أنا قصرت في إيه، غلطي إيه ؟؟ عاوزاني في الأخر امشي و اسيبكم ؟؟ بتحطكم في كفة وتحط حياتنا في كفة؟؟ فين غلطي يا حج ؟؟
كان يحدثه بغلبٍ يُعبر به عن وجعه وروحه التي تألمت و أحلامه التي تبخرت على يدها، حلم معها ببيتٍ يعيش به ليكون مملكته الخاصة، فتفاجأ بها تحول ذلك البيت إلى جحيمٍ كره به حياته، تنهد “عبدالقادر” ما إن لمح وجعه في نظراته، ثم قال بصوتٍ متحشرجٍ نتيجةً لوجع ابنه:
_غلطك كان من الأول يا “أيهم” كان من أول ما إحنا كلنا قولنالك دي لأ، دي مش زينا، مش شبهنا، ومكانش قصدي على الفلوس والعز، دا كله رزق من ربنا، لكن النفوس مش شبهنا، الأصل مش زينا، بس برضه فيه بينكم عيل، علشانه هو، ارجع يابني، روح رجعها وحاول توصل معاها لحل.
حرك رأسه موافقًا ثم مد حسده للأمام يقبل رأس والده تقديرًا و احترامًا له، ثم اعتدل جالسًا يمسح وجهه ونطق بشموخٍ لكن صوته خرج مُتحشرجًا:
_حاضر… علشان عيونك وعيون “إياد” هرجعها يا حج، راضي كدا؟؟
حرك رأسه موافقًا ثم قال مؤكدًا:
_راضي عنك، ربنا يراضي قلبك يا حبيبي أنتَ وأخواتك يا رب.
_________________________
في منزل “العطار” وصله “بيشوي” بعدما سار نحوه على قدميه ومعه أحد الشباب الذين يعملون تَبَعهم، يمسك كلٍ منهما في يده الحلويات المُعلبة كرتونيًا، حتى توقف “بيشوي” أمام باب البيت ثم ضرب الجرس الخارجي له ينتظر خروج أيًا من سكان البيت.

 

في الداخل كانت “آيات” تتابع تسوية الطعام، وحينما استمعت لصوت الجرس، فقالت لرفيقتها:
_بقولك إيه يا “مُهرة” انزلي افتحي البيت، ماما “وداد” شكلها كدا مش فاضية.
حركت رأسها موافقةً ثم تحركت من أمامها بعدما أغلقت هاتفها الذي كانت تتصفحه، ثم توجهت حيث الطابق الأسفل ركضًا لكي تفتح البيت، ثم فتحته بحماسٍ فوجدته هو أمامها.
تسمرت مكانها و تيبس جسدها، بينما هو خلع نظارته الشمسية السوداء ثم نظر لها وطالت النظرات بينهما وضربات قلبها تتسارع في الحركة بمجرد فقط رؤيته، بينما هو ظل ثابتًا ثم قال بصوتٍ رخيم:
_ازيك يا “مهرائيل”؟ فيه حد هنا؟؟
حركت رأسها موافقةً ثم أشارت نحو الداخل وقالت بثباتٍ يتنافىٰ مع تلك الضجة التي حدثت بمجرد رؤيتها له:
_جوة….”آيات” و طنط “وداد”
حرك رأسه موافقًا ثم تحرك للداخل يضع العُلب على الأرض بجوارها، ثم التفت يأخذ الباقي من الشاب تزامنًا مع قوله بثباتٍ:
_روح أنتَ يا “مانجا” وخلي بالك لحد ما أجيلك، مش هتأخر.
تحرك الشاب من أمامه بأدبٍ، فيما وضع هو العُلب بجوار الأخرى ثم اعتدل في وقفته يسألها باهتمامٍ يحاول احجامه:
_محتاجة حد يدخلهم؟؟ ولا هتتعاملي ؟؟
ردت عليه بثقةٍ وزهوٍ في ذاتها:
_طبعًا، أنا مش أي حد.
ابتسم لها بهدوء، بينما هي اخفضت جسدها حتى تمسك الصف الأول من المُعلبات، فاتسعت عينيها بتفاجؤٍ من حملهم، وهو يتابعها باهتمامٍ يود أن يضحك لكنه لم يَرد إحراجها، بل انتظرها حتى اعتدلت وقالت بثباتٍ:
_الاضمن يعني بما إنك الراجل تدخلهم، ولا كلامي غلط ؟؟

ابتسم لها بعينيه ثم حملهم مع بعضهم وقال بسخريةٍ:
_كنت فاكرك جامدة يا “هيري” طلعتي لسه زي ما أنتِ من واحنا عيال.
رمقته بغيظٍ بينما هو تحرك من المكان يحمل الأشياء بثقةٍ متعمدًا إظهار قوته الجسدية أمامها، فيما نظرت هي في أثره بنظرةٍ ضاحكة تُغلفها السعادة خاصةً حينما نعتها باسم الطفولة الذي اخترعه هو لها “هيري” وكأنه أصبح هو الوحيد الذي يحق له منادتها بذلك الاسم، لذا ركضت نحو الداخل بسرعةٍ كبرىٰ وهي تضحك مع ذاتها.
_________________________
في محل “أيوب العطار” جلس يتابع الأوراق الموجودة أمامه برزانةٍ وهدوءٍ وفي يده القلم يدون به ملاحظاته حتى وصله صوتٌ مُضطربٌ يقول بنبرةٍ مهتزة الوتيرة:
_السلام عليكم……مساء الخير.
رفع رأسه من على الأوراق الموجودة أمامه فوجد تلك الفتاة أمامه دون أن يمعن نظره لها، أخفض نظره سريعًا يرد عليها بنبرةٍ هادئة:
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
سألته هي بنبرةٍ حاولت جعلها ثابتة على الرغم من توترها:
_هو…هو الحج “عبدالقادر” هنا؟؟
حرك رأسه مستفسرًا بعدما رفع رأسه لها، فوجدها تقول من جديد:
_أنا “قمر” بنت أخت “فضل” وهو ليه أمانة معايا عاوزة أسلمهاله ممكن ؟؟.
رد عليها بنبرةٍ هادئة:
_أنا ابنه، ممكن لو عاوزة تسلميلي الحاجة، اخدها أنا و أسلمهاله، دا لو تحبي يعني.
ظهر التخبط عليها وبدت مضطربة أمامه، بينما هو ضيق جفونه ينتظر منها الرد وحينما طال صمتها، حمحم بخشونةٍ يجذب نظرها له، بينما هي قالت بتشوشٍ:

 

_ماشي…. أو ممكن يعني اروحله مكانه، علشان اضمن يعني إن حضرتك متنساش ؟؟.
حرك رأسه نفيًا وهو ينطق بأسفٍ:
_للأسف المكان دا بعيد عليكِ، سيبيهم هنا وأنا هخليه يكلم أستاذ “فضل” يشكره بنفسه، ولو لا قدر الله يعني سرقتهم أو حاجة، تقدري تيجي هنا أنا موجودة علطول.
حركت رأسها موافقةً ثم أقتربت منه تخرج الأموال من حقيبتها ثم مدت يدها له وهي تقول بنبرةٍ خافتة:
_أنا نيتي خير وأكيد يعني ربنا مش هيضرني، لو حصل وخدتهم ساعتها أنا هاجي هنا بنفسي واعمل مشكلة.
حاول كتم ضحكته وقد نجح في ذلك بينما هي، تركت الظرف على المكتب ثم التفتت حتى تغادر وهي تعدل حقيبة ظهرها، وقبل أن تقف على أعتاب المحل التفتت له تسأله بثقةٍ:
_هو حضرتك اسمك إيه؟؟
أشار على نفسه مستنكرًا فأكدت هي قولها بنظراتها ليرد عليها بنبرةٍ بدت حائرة:
_”أيوب عبدالقادر العطار”
حركت رأسها موافقةً ثم قالت:
_الأسطى “أيوب” بتاع القُلل، كدا أنا عرفتك علشان لو حصل حاجة، مع السلامة.
تحركت من المكان تاركةً إياه خلفها مدهوشًا ثم ردد خلفها مُستنكرًا:
_أنا بقيت الأسطىٰ “أيوب” بتاع القُلل ؟؟ أنا بتاع قُلل ؟؟.
_________________________
بعد مرور بعد الوقت اجتمع “عبدالقادر” مع “أيهم” و “بيشوي” بعائلة خطيب ابنته، قبل تناول الطعام تحدث “عبدالقادر” مع الرجال وهو يجلس معهم في المندرة المُخصصة للمقابلات:
_يعني مناسبكم امتى كتب الكتاب؟؟ الوقت اللي يعجبكم بما اننا في أجازة.
رد عليه “أيمن” بحماسٍ:
_الوقت اللي يناسب حضرتك يا عمي، طبعًا احنا ينولنا الشرف اننا نناسب عيلة “العطار”
نظر له “عبدالقادر” مُستحسنًا ثم حرك رأسه موافقًا، وقال بثباتٍ بعدما وزع نظراته على الرجال

 

:
_تمام يابني، واحنا حضرنا القايمة لو عاوز تمضي عليها احنا جاهزين، ها قولت إيه؟؟.
نظر الشاب في أوجه أفراد عائلته، فوجد النظرات بأكملها تحثه على أخذ تلك الخطوة، فحرك رأسه موافقًا بلهفةٍ ثم قال بنفس الحماس:
_هات يا عمي، أنا موافق.
حرك “رأسه” موافقًا ثم نظر جهة الشباب ناطقًا بشموخٍ يليق به وبمكانته:
_”بيشوي” ناولني القايمة.
أخرج “بيشوي” الأوراق من درج الطاولة الموضوعة بجانبه، فتحدث خال “أيمن” بمرحٍ:
_طول عمرك عامل حساب كل حاجة يا حج “عبدالقادر” ودا اللي بيخلينا نفسنا نكون زيك.
حرك رأسه موافقًا ثم أجبر شفتيه على الابتسام، بينما “بيشوي” اقترب من “أيمن” يمد يده له بالورقة ثم نطق بنبرةٍ جامدة:
_اتفضل يا أستاذ “أيمن” أمضي.
أخذ منه الورقة بوجهٍ مبتسمٍ وأول ما بحث عنه بنظره كان الرقم المدون، ليصرخ أمامهم بقوله الذي أعرب عن دهشته:
_كـــام ؟؟ الـقــايمة بـكـام ؟؟
توجهت الأنظار بأكملها نحوه، بينما “عبدالقادر” عدل عصاه في يده ثم هتف بإصرارٍ:
_مليون ونص، قايمة بنتي مكلفانا مليون ونص، هتمضي؟؟.

 

نظر الشاب لأفراد عائلته فوجد النظرات تحولت إلى التحذير و الترقب، فتنهد “عبدالقادر” ثم نطق بثباتٍ في حروف كلماته:
_على العموم الورقة معاك أهيه، راجعها وشوفها ودلوقتي يلا علشان نتغدا كلنا سوا، يلا بينا.
اقترب خال “أيمن” يخطف الورقة منه ثم دسها في جيبه قاصدًا إرسال رسالة إلى ابن شقيقته وكأنه يطلب منه التريث، بينما “أيهم” فبدا مثل والده وهو يراقب تصرفاتهم الغير مُبشرة بالخير.
_________________________
في حارة “العطار” في مكانٍ ما بقرب بيت “العطار” جلست تلك المرأة على الأريكة تضحك وهي تشاهد الهاتف في يدها حتى سألتها والدتها بضجرٍ ونفاذ صبرٍ منها:
_هو أنتِ يابت معندكيش دم ؟؟ ابنك بقالك ييجي شهر متعرفيش عنه حاجة، وفي الآخر قاعدة هنا بتضحكي في المحروق اللي أنتِ مسكاه دا ؟؟ ابنك موحشكيش يابت ؟؟.
زفرت بقوةٍ ثم ألقت الهاتف بجوارها على الأريكة وهي تقول بحنقٍ:
_نعم ياما ؟؟ صعبان عليكِ اقعد رايقة شوية، وحشني طبعًا، بس هجيبه هنا ويسيب العز اللي هناك؟؟.
ردت والدتها بتهكمٍ ناطقةً:
_قولي لنفسك يا موكوسة، أنتِ اللي سايبة العز وجاية هنا للهم برجلك، جتك خيبة في خيبتك التقيلة، خليكِ ماشية ورا “شُكري” أخوكِ لحد ما تخسري كل حاجة، أنا تعبت منكم.

 

قبل أن تهم بالحديث عليها، خرج “شكري” من غرفته يقول بضجرٍ:
_ياما ماله “شكري” ؟؟ هو أنا علشان عاوز مصلحتها وبخاف عليها يبقى كدا بخسرها؟؟ بالعكس هي بس تسمع كلامي وهناكل الشهد، وبعدين خسارة فيها يعني شقة من ضمن بحور الشقق اللي عندهم؟؟ طب دي جايبالهم “إياد” يعني واد والمفروض يكون متدلع هو وأمه.
سألته والدته بتهكم وهي تضع اصبعيها أسفل ذقنها:
_وهما هيدلعوها إزاي أكتر من كدا ؟؟ دي ستات حارة العطار كلها بتتكلم عن العيشة اللي “أماني” عايشاها.
اقترب من والدته يجلس بجوارها ثم قال بخبثٍ:
_برضه مش صح، لازم تبقى هي الكل في الكل، علشان لما المحروس التاني يتجوز محدش ياخد مكان بنتك، الدنيا كلها عارفة إن “أيوب” روح “عبدالقادر” بسبب اللي حصله وهو صغير، يعني هيتدلع صح، بنتك بقى تأمن نفسها ولا تضيع حقها وسطهم ؟؟؟
سألته شقيقته بلهفةٍ:
_جدع ياض يا شكري، طب أعمل إيه بقى ؟؟ شور عليا يا أخويا.
رد عليها بخبثٍ:
_لو “أيهم” كلمك مترديش عليه، ولو جالك متروحيش معاه وقوليله إنك هتطلقي وترفعي قضية تاخدي بيها حضانة الواد، شوفي بقى لما تقوليله كدا، عيلة العطار كلها هترمي الفلوس تحت رجلك رمي، مش بعيد يحطولك عمار باسمك كمان.
اتضح التشتوش عليها، وبدت مُتحيرة في الصواب والخطأ، فاقترب أخيها منها يحتضنها ثم قال بحبٍ زائفٍ:
_يابت أنا خايف عليكِ، شايل همك أنتِ وهم ابنك اللي هيتحط عليه لما عمه يتجوز ويخلف، ابنك هيضيع، مش كفاية إنك أمه ؟؟.
انتفضت تبتعد عنه تسأله بانفعالٍ:
_قصدك إيه يا “شكري” ؟؟

 

_مقصديش.. خلاص أنتِ حرة بقى، بس يعني ياختي مش شايفك بتسألي على الواد ولا عاوزة تشوفيه، وقاعدة ماسكة الزفت دا ليل نهار أوعي يابت تكوني بتعملي حاجة حرام؟؟.
لوت فمها بتهكمٍ، فيما قال مُستحسنًا ويبدو كأنه في عالمٍ أخر:
_جدعة يابت طول عمرك جدعة.
_________________________
في منطقة الزمالك
جلس “يوسف” مع “رهف” جارته فبدت له حزينة وشاردة و وحيدة، فسألها هو بتعجبٍ من صمتها الدائم:
_مالك يا “رهف” ؟؟ جاية على نفسك كدا ليه؟؟ الله يرحمه مات خلاص، يعني عند اللي أحسن مننا كلنا، هتضيعي نفسك كدا ؟؟.
نظرت له بعينين دامعتين ثم انهارت في وجهه بنبرةٍ باكية:
_محدش فيكم حاسس بيا يا “يوسف”؟؟ “حمزة” كان كل حاجة ليا، صاحبي وحبيبي وكنا لسه بنبدأ المشوار سوا مع بعض، بس اللي حصل إنه مشي قبلي، كل حاجة كان مشاركني فيها، قبل ما نكون سوا، كل حاجة ضاعت.
حرك رأسه نفيًا ثم تحدث بجمودٍ:
_مش صح، لو كان هو نصيبك مكانش مشي وسابك، بصي كدا على كل الناس اللي كانوا في حياته هتلاقيهم عاشوا من بعده، إنما أنتِ الوحيدة اللي دافنة نفسك، مش “حازم” جوز أختك أخوه ؟؟ عاش حياته وخلف كمان، مش أمه هي هي أم “حياة” اختهم ؟؟ جوزتها و فرحت بيها، الحياة مبتقفش على حد يا “رهف” هو لو عايش مكانش هيرضى إنك تضيعي حياتك كدا، فين “رهف” ؟؟ طفيتي نفسك وأنتِ لسه بنت عشرينات ؟؟.

 

مسحت دموعها وهي تنتحب من فرط البكاء، فيما سألها هو يمازحها:
_طب بلاش فين عيونك الزرقا؟؟
ضحكت رغمًا عنها ثم نظرت له بقلة حيلة فضحك هو الأخر ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_أيوا كدا اضحكي وافرحي وارجعي شغلك من تاني وقومي اقفي على رجلك، الحياة مش هتستناكِ لحد ما تقومي، لأ هي هتمشي وتجري كمان بس هتتفاجئي بيها وهي بتخسرك كتير أوي بسبب وقوفك ولو فكرتي تندبي حظك، أول حاجة هتتقالك أنتِ اللي وقفتي، فوقي لنفسك وقومي كملي اللي كنت خايفة هتعمليه مع “حمزة” خلي نجاحك يكون هو شاهد عليه.
حركت رأسها موافقةً ثم قالت بنبرةٍ مختنقة من البكاء:
_ياريتك كنت جيت من بدري.
_وأنتِ ياريت عيونك كانت سودا.
كان ءلك قوله المرح الذي مازحها به وجعلها تضحك رغمًا عنها بصوتٍ عالٍ، جعله يتنهد بعمقٍ ثم حرك رأسه لليسار قليلًا ينظر لوالدتها ثم أشار بابهامه لها وهي الاخرى فعلت مثله.
_”رهف جمال الحُسيني”
فتاة تبلغ من العمر ثلاثة وعشرون عامًا، جارة “يوسف” منذ صغره وانتقاله مع افراد عائلته إلى هنا، عينيها زرقاوتين و نحيفة الجسد متوسطة الطول، وجهها رقيقًا تبدو كما الطفلة الصغيرة للأخرين على الرغم من ثيابها العملية وحجاب رأسها، فقدت حبيبها إثر حادث مروعٍ على الطريق لتعود متقهقرة إلى وحدتها من جديد تشعر وكأنها كان هو سكن روحها وهُدم عليها لتصبح من بعده عارية أمام الجميع.

 

رحل “يوسف” من المكان بدون أن يتناول معهما الطعام ثم ركب سيارته وفتح الدرج الصغير الموجود بها لتضح له ميدالية صغيرة، أمسكها هو ثم قلبها بين كفه لتأخذه في رحلةٍ جعلته يُغلق السيارة ثم ارجع رأسه للخلف بعدما ضغط على تلك الميدالية.
(منذ ما يقرب عامين)
قفزت أمامه بفرحٍ بعدما أخبرها بحديثه الجديد المُفاجيء لها وهي تقول بصوتٍ مختنقٍ من فرط الحماس:
_بجد يا “يوسف” ؟؟ يعني خلاص هتيجي تتقدملي ؟؟.
حرك رأسه موافقًا ثم أضاف بعدما ابتسم لها:
_بما أني قاعد لسه حوالي ١٢ يوم كمان، نعمل فيهم خطوبة واسافر وارجع بعدها نعمل الفرح، بلاش نأجل أي خطوة نكون فيها سوا، أنا عاوزك معايا علطول، عاوز لما أرجع من السفر يكون لينا بيت سوا، مش عاوز نفضل نتقابل هنا في النادي ونقضيها خروجات، قولتي إيه ؟؟.
ردت عليه بفرحةٍ كبرى:
_من غير تفكير طبعًا موافقة، هستناك بليل إن شاء الله، هروح أجهز نفسي بقى، متتأخرش.
حرك رأسه موافقًا ثم قال بنبرةٍ ضاحكة:
_ههرب يعني يا “شهد” ؟؟ قبل الميعاد هكون عندك، وفيه مفاجأة كمان، الشقة اللي كان نفسك فيها، جمعت المُقدم بتاعها، والاقساط بقى ندفعها واحدة واحدة.
اتسعت بسمتها أكثر وهي ترد عليه بسعادةٍ مُفرطة:

 

_أنتَ أحلى “يوسف” في الدنيا كلها، أنا بحبك أوي أوي.
حرك رأسه موافقًا ثم ابتسم لها بصفاءٍ وقال بثباتٍ:
_يلا علشان متتأخريش يا “شاهي”
ردت عليه هي بفرحةٍ اكبر بكثير مما سبق وهي تقول:
_حلو “شاهي” منك بس برضه “شهد” أحلى.
تحركت من أمامه بخطواتٍ شبه راكضةً، بينما هو نظر في أثرها مُبتسمًا ثم التفت نحو الجراج حتى يركب سيارته ويرحل لتحقيق أول خطوة في حلم حياته.
وصل “يوسف” بيته في منطقة الزمالك ثم رفع صوته ينادي على “فيصل” حتى حضر له الاخر، فأخبره بنبرةٍ مُتلهفة:
_عاوزك تخلي حد يظبطلي العربية، عاوزها بتلمع، وعاوزك تروح عند محل الورد على أول الشارع تجيبلي منه واحد، و كمان علبة شيكولاتة هكتبلك اسمها، تمام ؟؟
حرك الرجل رأسه موافقًا ثم سأله بخجلٍ من تدخله في تلك الأمور:
_عدم المؤاخذة يعني يا أستاذ “يوسف” الحاجات دي ليه؟؟ فيه حاجة مهمة ؟؟.
رد عليه “يوسف” بعدما توسعت ضحكته الجذابة التي قلما تظهر في ذلك المحيط:
_رايح أخطب يا عم “فيصل”
هلل الرجل فرحًا بقوله:
_الله أكبر، ربنا يسعدك يابني، ويتمم فرحتك بخير، أيوا كدا فرحنا وفرح الحبايب بيك، الله يرحمهم.
تنهد “يوسف” ثم نطق بلمحة أسىٰ في حديثه:

_الله يرحمهم، مش هوصيك عاوزك تظبط كل حاجة، دي أول مرة اتهور كدا، تمام ؟؟
أشار الرجل على عيناه ثم رحل من المكان، فاقتربت منه “حكمت” بثباتٍ:
_خير ؟؟ رايح فين كدا ؟؟.
تنهد بضجرٍ ثم قال بإيجازٍ:
_رايح اتجوز تيجي معايا ؟؟.
رمقته بسخريةٍ، فوجدت ابنها “عاصم” يقترب منها، لذا قالت بخبثٍ:
_بارك لـ “يوسف” يا “عاصم”، هتيجوز، فرحتله أوي والله.
ابتسم “يوسف” بسخريةٍ وقال:
_من أمتى يا مرات الأب، هتبقي ام ؟؟ ناسية إنك مرات جدي مش جدتي ؟؟ يعني فرحتك بيا مش في محلها أبدًا.
ابتسمت بسخريةٍ، بينما عمه سأله بسخطٍ:
_وحضرتك رايح بقى تخطب مع مين ؟؟.

 

رد عليه بوقاحته المعتادة:
_هو أنا عيل برضع قصادك ؟؟ رايح لوحدي طبعًا، خير ممنوع ولا عاوز مِحرم معايا ؟؟.
نطق عمه بثباتٍ:
_لأ بس على الأقل تروح معاك حد، عاوز الناس تقول حفيد الراوي راح يخطب لوحده من غير حد ؟؟ قاصد تقل بينا ؟؟.
ازداد التهكم على وجهه وهو يقول بسخريةٍ لاذعة:
_اللي عاوز يكبر نفسه أهلًا و سهلًا، أنا مش وزير التموين همنع عنه اللبن.
رفع عمه رأسه بشموخٍ ناطقًا:
_احنا هنيجي معاك كلنا، مش معقول نقبل حد يقل بينا بسببك، دا غير أني مضمنش أخلاقك قدام الناس.
حرك كتفيه ببساطةٍ وهتف قاصدًا استفزازه:
_براحتك … I don’t care
“أنا غير مهتم”.
ابتسم “عاصم” بسخريةٍ وهو يراقبه يتحرك من أمامه بعدما تعامل بلامبالاةٍ مع الأمر وكأنه لا يهتم بهم من الأساس، وتلك هي الحقيقة، لربما درب هو نفسه على تجاهلهم وعدم الاكتراث بهم.
في المساء ركب “يوسف” سيارته و سيارة عمه خلفه تتبعه حيث بيت العروس وبالطبع ماهي إلا “شهد”.
صف “يوسف” سيارته أمام بيتها وخلفه توقفت سيارة عمه و نزلت منها العائلة بكل أفرادها، فانتظر هو اقترابهم منه ثم نطق بنبرةٍ خافتة:
_ياريت نبين اننا عيلة للأسف يعني بتحب بعض، دا لو مش فيها إساءة ليكم، نخلص بس الليلة دي، ونرجع لجو الأخوء أعداء بتاعكم دا.
تحدثت “فاتن” بودٍ حقيقي نبع من قلبها:
_ربنا يكرمك إن شاء الله و ييسرلك كل أمورك يا رب، خير يا حبيبي.

 

حرك رأسه موافقًا ثم نظر في وجه ابنها فوجده جامدًا، حينها زفر بقوةٍ ثم أشار لهم بالتقدم.
دلف مع عائلته يجلس مع والد “شهد” وعمها وأسرتها وقد تم التعارف بينهم كعائلتين من الطبقة الأرستقراطية يحسبون أنفسهم من عِلية القوم.
تم التعارف بينهم وقد خرجت “شهد” من الداخل ترتدي فستانًا قصيرًا يصل ما بعد ركبتيها بنسبة قليلة اكمامه تصل إلى مرفقها تقريبًا، قُرمزي اللون يُلائم بشرتها البيضاء.
اقترتب منهم تضع التقديم أمامهم ثم جلست بجوار والدها، فراقب “عاصم” نظراتهما لبعضهما وبقية النظرات، فتنهد ثم حمحم بخشونةٍ لفتت الانظار له ليقول بثباتٍ:
_أظن الغرض من زيارتنا النهاردة معروف لحضراتكم، بدون مقدمات إحنا جايين نطلب أيد الآنسة “شهد” لحفيد العيلة.
ابتسم “يوسف” بسخريةٍ، فقال “سامي” مُكملًا على حديث الأخر:
_جايين نطلبها للقبطان “نادر سامي السيد” ابني.
تلاشت البسمة من وجه “شهد” وهي تنظر له بدهشةٍ، بينما “يوسف” عقد مابين حاجبيه مستنكرًا ما سمعه للتو، وكأنهم يستلذون بطعنه، لتتحدث “حكمت” بثباتٍ:
_طبعًا مش هلاقي نسب يشرف لحفيدي الوحيد أفضل من عيلة حضراتكم وبنوتة جميلة زي “شهد” تكون مرات حفيدي، قولتوا إيه ؟؟
وزع “نادر” نظراته عليهم جميعًا ثم ابتسم بظفرٍ، بسمة المنتصر في حربٍ حصل على كل غنائمها دون حتى أن يُرهق جيشه.
(عودة إلى الوقت الحالي)
خرج “يوسف” من شروده على صوت هاتفه، فأغلق الهاتف ثم تنهد بعمقٍ محاولًا الهروب مما عايشه بسببهم، لذلك حرك سيارته دون أن يحدد إلى أي وجهةٍ سيذهب.

 

_________________________
كان “أيوب” جالسًا في محله الخاص بتوريدات المواد الرخامية و الفخارية، وقد تأخر عن زيارة بيته لموعد مقابلة “أيمن” خطيب شقيقته، وقد حل الليل عليه وانشغل هو في عمله.
حل الليل بعتمته و ظلامه على الجميع، فيما قضى هو ليله بغضبٍ يود الثأر لكرامته و الانتقام لما حدث معه صباحًا، كان جالسًا في المقهى الشعبية وسط رفقة السوء، و عينيه تنطق بسهام الغِل و الحقد، و قدميه تهتزان بانفعالٍ بات واضحًا من كثرة التشنجات حتى وضِع كف أحدهم على قدمه يوقف حركتها و هو يقول بصوتٍ عالٍ يوقفه عن توتره:
_ما خلاص بقى يا سعد !! هدي نفسك هيجرالك حاجة كدا، يا جدع اللي يزعلك نجيب كرشه، ما توحد الله !!
رد عليه الأخر بنفس الحقد الدفين الذي يُقطر من أحرف كلماته المحقونة بالسم:
_أنا يتعلم عليا وسط المنطقة كلها في محلي ؟! عيال زي دي تحط عليا كدا ؟؟ طب و اللي خلق الخلق لأكون مخلي عبدالقادر يحضر الحفلة و أنا بحط عليهم.
لمعت عيني الأخر بطمعٍ و خبثٍ؛ لذا قال مسرعًا بلهفةٍ:
_غشيم يا سعد، لو عاوز تقهر عبدالقادر يبقى تزعله على واحد منهم، و خصوصًا اللي رافع راسه وسط الكل.
استطاع بسم حديثه أن يجذب أنظار الأخر، فأمعن له بكامل حواسه ينتظر التكملة على أحر من الجمر، فقال صديقه بهسيسٍ يشبه هسيس الأفعىٰ:
_خد بس ولع السيجارة دي و اسمعني كويس، أنا هجيبلك الناهية خالص، و اللي يريحك طول العمر.
مد يده له بسيجارةٍ ملفوفة من أحد أنواع النباتات المخدرة “حشيش” فأخذها الأخر منه مستسلمًا لوسواس الشيطان الذي يجلس أمامه متجسد في هيئة بشر، فقال له بهمسٍ:
“عبدالقادر” اللي مخليه متفرعن على الكل و نافش ريشه هو إن أيوب ابنه، اسمع مني بقى، اخلص من أيوب و كدا تبقى كسرت عبدالقادر و شوكته و جيبت عيلة العطار في الأرض
_نقتله ؟!”

 

قالها بلهفةٍ مستنكرًا قول الأخر الذي قال معنفًا له:
_بس يخربيتك هتودينا في داهية، يا سيدي ضربة سلاح أبيض في الشارع عند الجامع لا من شاف و لا من دري، اديك شايف منشفينها علينا ازاي و موقفين سوقنا قدام الحارة كلها، متخافش ساعة كدا و أنا اللي هنفذ، بس تدفعلي ايجار المطواة، دي الغالية برضه
شرد “سعد” أمامه يقلب الحديث في رأسه و يحسب جوانبه و لكن غله و حقده تغلب عليه حتى حرك رأسه موافقًا بشرودٍ جعل الأخر يبتسم بظفرٍ ثم قام بإشعال القداحة و هو يقول بخبثٍ:
_ولع بقى و روق على نفسك و أنا هخلصك من الصداع دا كله
على الجهة الأخرى أنهى “أيوب” ما يفعله تمامًا ثم قال لمساعده في العمل أن يغلق المكان حتى يتوجه للمسجد يفتحه كعادته يجلس به حتى لمدة ساعة تقريبًا، لعل وعسى أن يأتِ من يطلب معاونته كما عُرِفَ عنه، خرج من المكان سيرًا على الأقدام يرتدي ملابس رسمية عبارة عن حلةٍ باللون الأسود أسفلها قميص باللون الأبيض و ذلك لطبيعة عمله التي تفرض عليه ارتداء الملابس التي تتسم بالطابع الرسمي.
قبل أن يصعد الدرجات الصغيرة التي تؤدي إلى دخول المسجد، وقف يخرج مفاتيحه و في الخلف قام الأخر بفتح المطواة حتى يطعنه غدرًا من الخلف، لمعت عينيه بشرٍ و خبثٍ كما ينقض الصائد على فريسته، لكن تلك المرة هذه الفريسة بريئة تمامًا من الغدر فما مصير تلك البراءة التي تمتع بها ؟!.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى