رواية غمرة عشقك الفصل الثالث 3 بقلم دهب عطية
رواية غمرة عشقك الجزء الثالث
رواية غمرة عشقك البارت الثالث
رواية غمرة عشقك الحلقة الثالثة
في احد المحلات الشاغرة …….
تجلس بجوار أربع رجال كبار الحي من ضمنهم والده وعمه (حامد) والد حبيبة والذي لا يقل احترام وبشاشة وجه ووقار هيئة كوالده( راضي)….
عيناه الحادة بدأت تتابع حركات انفعالها المبالغ فيه !
شابة جميلة بعينان سوداوان وبشره بيضاء متشربة
قليلاً من اشعة الشمس اعطتها حسن وجمال، قسمات وجهها فاتنة ككل شيء بها انثوي جذاب….شعرها اسود ناعم مموج قليلاً وكأنه يرمز لتمرد صاحبته !….. ترتدي فستان مزركش بالورود ، بلدي باحت يتناسق مع جسدها الممشوق الشبية بعارضات الازياء الذي كان يراهم بصدفة عبر التلفاز……هيئتها شرسة كقطط الشوارع !…..ولسانها كالمنشار المسنن……
عينيها الجميلة وقحة وصريحة وكانها لا تهاب
احد ولم ينتابها الخوف يوماً…..قد افسدت
جمالها الخلاب بفظاظة اسلوبها….وسلوكها الغير مهذب مع كبار الحي….امام عيناه سمعها تصيح بشراسة وهي تنظر إليه بحدة وكانها على وشك
قتله الآن…
“مفيش صُلح ياحاج راضي…..انا هعمل في ابنك محضر ….دا حق اخويا اللي وشه اتشلفط بسبب
ايده اللي شبه المرزبه…..”رمقت سمر إبراهيم
بحدة وكانها تود خوض معركة امامه لاخذ حق
اخيها….. صغيرها الحبيب….
لم تحيد عينا ابراهيم عنها وبرغم الغضب المتأجج بداخله لم تتحرك عضلة واحدة بوجهه كل ما فعله
انه كور يده بقوة وكبح رغبته في ضربها الآن فهي تستفزه منذ ساعة في تلك الجلسة الغير مرحب بها من الأساس فهو لم يخطاؤ واخيها الوضيع هذا يستحق ما أصابه…….بل والاكثر من ذلك !….
صاحت سمر بحنق مستفز لإبراهيم….
“ما ترد ساكت ليه….عملك إيه عشان تعمل فيه كده؟……..” لوحت بيداها بعصبية واضافة..
“قسماً بالله لولا اني محترمه الناس اللي
قعده دي لكُنت نزلت الشبب فوق راسك
وخدت حق أخويا منك….”
رفع ابراهيم حاجبيه وقد ارتفع وتيرة أنفاسه
وكادَ ان يتقدم منها ولكن نظرة من عمه حامد
جعلته يقف بمكانه على مضض……
زادت همهمات الرجال الجالسين بجوارها صاح
حامد بغضب…..
“اي الكلام ده يابنتي احنا صغيرين قدامك ولا إيه…ما تكبرينا شويه……وعيب عليكي إبراهيم مش صغير عشان تقلي منه كده قدمنا…..”
صاحت بتشنج وهي تنهض من على مقعدها بقوة……..
“صغير ولا كبير حق أخويا هاخده من حباب عنيه…ولا عشان احنا ملناش حد يدافع عننا
هتفكرونا لقمة طرية……”
هدائها راضي وهو يقول …..
“ملوش لازمه الكلام ده يابنتي احنا مش بنظلم حد…ابراهيم غلط بس اكيد اخوكي عمل حاجه
خلى إبراهيم يمد ايده عليه….اصبري يابنتي لم اخوكي يجي نفهم منه إيه اللي حصل…..”
قالت سمر بضيق….
“اخويا في صيدلية بيعالج جروحه…و زمانه جايا
مع خالي……وعلى مايجي يكون ابنك حكلنا إيه اللي عمله اخويا عشان يضربه ويفتري عليه كده……”
رد إبراهيم بأسلوب مماثل لها…
“اخوكي اضرب عشان قل ادبه عليا…..وكنت ناوي اشتكيه لكبيره….بس واضح ان الكبير بتاعه
ناقص تربية هو كمان ….. فبلاش نلوم على
الصغير بقه……”
توسعت عينا سمر بصدمة وصاحت
“انت بتقول إيه ياجدع انتـ……”
هدر إبراهيم بقوة اخرستها… وعيناه كانتى بركتين
من النيران المشتعلة……
“اخرسي واحترمي نفسك….انتي مش شايفه نفسك وقفه قصاد رجالة ولا إيه……نفسك ميطلعش ولو عايزه حق اخوكي روحي اعملي محضر ياحلوه..
انا مبتهددش……”
بلعت سمر غصة الخوف منه وهي تقول
بقسوة…..
“مين قال اني بهددك…..انا فعلاً هعمل فيك
محضر والحكومة بقه تاخد حقي منك…..”
اقترح إبراهيم عليها ببرود…..
“تحبي اوصلك لاقرب قسم ياشاطرة لحسان تتوهي…..”
صاح راضي في ابنه بقوة…
“إبراهيم…..”
تشنج ابراهيم بعصبية وهو يبغضها بعيناه…
“انت مش شايف ياحاج قلة ادبها……”
عضت سمر على شفتيها وهي تصيح بوجه احمر كالدم…..
“انا برضو اللي قليلة الأدب…..طب هتشوف قلة
أدبي دي هتعمل فيك إيه…..”استدارت لتغادر
هذا المكان بعصبية ولكن في لحظة وجدت
يد كالفولاذ الصلب تمسك معصمها…..استدارت
بحدة فوجدت إبراهيم يبعد يده عنها وهو
يهتف من تحت انفاسه الاهثه غضباً……
“اترزعي مكانك واعقلي…..وبلاش تفتحي على
نفسك ابواب جهنم……اللي بيعادي ابراهيم راضي مبيشوفوش يوم عدل بعد كده… فقعدي احسلك وعقليها…. ”
كادت ان تعنفه بافظع الكلمات ولكن اوقف الكلام بحلقها حديث احد الرجال الجالسين وهو رفيق الحاج راضي…..
“بلاش آذى ياسمر يابنتي…..ولو ليكم حق عند
ابراهيم هتاخدوا……. ”
ظلت واقفه مكانها وابراهيم امامها على بعد
خطوتين فقط منها بملامحه الباردة و وسامته الحادة وعيناه القاتمة التي كلما حدجت بها تشعر بنغزة قوية في معدتها وكأنه يلكمها بتلك النظرات…
طوله الفارع وجسده الضخم الرياضي يجعلها تكتشف لأول مرة كم هي ضئيلة وقصيرة امامه
برغم من انها كانت تظن عكس ذلك !…..
قال راضي بهدوء وهو ينظر نحو سمر الواقفة كالصنم امام ابنه……
“أحمد جاي علينا اهوه ياسمر وخالك معاه كمان….قعدي بقه يابنتي خلينا نتفاهم……”
رفعت عينيها فوجدت اخيها يتقدم منها بعد ان عالج جروح وجهه التي سيظل اثرها معها لفترة…..
تقدم أحمد منهم هو وخاله عارف الذي لكز أحمد بقوة وهو يقول بخشونة وهمس…
“متفتحش بوقك انا اللي هتكلم في القعده دي على الله بس نعرف نلم مشاكلك يافالِت ياصايع…يابتاع البنات شوفت اخرت السرمحا مع البنات عملت
إيه…” لكزه عارف مرة أخرى بقوة…..كتم احمد غضبه وهو يقول من تحت اسنانه بضيق…
“خلاص ياخالي آخر مره….ليم بس انت الموضوع عشان خاطري…..”
تسمر عارف للحظة وهو ينظر في وجه أحمد
بغرابه
“موضوع إيه………. انت مين أصلا……”
توسعت عيني احمد وتسمر بمكانها وهو يقول بدهشة…..
“يانهار اسود……… انا ابن اختك ياخالي….”
صاح عارف بشك….
“انا معنديش أخوات…..”
قال أحمد بنفس الدهشة…..
“ينهار كحلي…..ياجدع ابن اختك أحمد جمال….”
“أحمد جمال مين…..”
صاح احمد بجوار اذنه ليذكره به…
“الصايع ياخالي بتاع البنات…..”
“آآه هو فين بقه…..”عقد عارف حاجبيه وهو يسأله
بجدية…..
مسك أحمد يد خاله وقبلها وهو يقول برجاء….
“ياعم ابوس ايدك فوق انتَ شارب إيه….انا هوَ….”
ساله عارف بحيرة…
“انت هوَ………طب وهو مين…..”
قبله أحمد مره اخرى من يده وهو يكاد يتذلل إليه…
“هو انا ياخالي……ابوس ايدك كمان مره فوق……”
“لم انت هو…… وهو انت…… انا مين…..”
صاح احمد بنفاذ صبر منه….
“يانهار اسود….ياجدع انت خالي عارف….عارف ولا توهت مننا…..”
هدر عارف بقوة وهو يدفعه أمامه….
“عارف طبعاً…….انجرّ قدامي ياصايع اما نشوف المصيبة اللي عملتها…..”
غمغم أحمد وهو يتنهد بارتياح……
“الحمدلله افتكرني…..”
تقدم عارف والقى السلام وجلس بجوار الرجال على احد المقاعد الخشبية وقد وقفت سمر واحمد بجوار بعضهم يستمعان للحديث القادم والصُلح الذي يحكى عنه من بداية الجلسة….اتخذ إبراهيم مكان
من الجانب الآخر ووقف عنده متكأ على الحائط خلفه بملل يتابع الحديث ويختلس النظر لتلك الشرسة الواقفه أمامه عن مسافة قريبة…..
تكلم راضي بهدوء نحو عارف الجالس بجواره…
“بص ياحاج عارف…..إحنا عارفين ان ابننا غلط
لم مد ايده على ابنكم أحمد بس كمان ابراهيم ابني مش صغير عشان احمد يقل ادبه عليه…يعني عيب.
….ولا انت شايف إيه….. ”
تحدث عارف بخشونة….
“لا عداك العيب…..بس هو يصح ان ابنك يضربه كده ويشلفط وشه…إيه ياحاج راضي هو أحمد ملوش كبير تشتكي ليه ولا إيه…..”
ربت حامد على ركبة عارف وقال باعتذار طفيف…
“اللي ما يعرفك يجهلك ياحاج عارف وفي ديه عندك حق واحنا ابننا غلط وللي يرضيكم نعمله هنعمله
من سكات……بس نحلها بينا كده من غير ما ندخل
في قسام ومحاضر بينا….”
قاطعت سمر الحديث وهي تقول بصوتٍ محتد…
“قبل ما نعمل صُلح اعرف اخويا غلط في إيه عشان ابنك يضربه بشكل ده….مش يمكن يكون انتم اللي ليكم حق عندنا…..”
نظرت سمر لإبراهيم الذي رمقها بغضب هائل ثم رمق اخيها احمد وعقب وهو ينظر إليه…..
“انا من رأيي تسمعي من اخوكي….انا مهم كان شهادتي مجروحه بعد اللي عملته فيه…..اتكلم
ياحمد وقول لاختك عملت إيه عشان امد ايدي عليك……”القى إبراهيم عليه نظرة تحذير حازمة ان فكر فقط ان يتفوه بحرف عن ابنة عمه امام الجالسين…..
بلع احمد ريقه بصعوبة واشاح بوجهه للناحية الأخرى
شعرت سمر بشيء مريب وان اخيها قد فعل مصيبة
تستحق ضربه من هذا العملاق البارد !…..
مالت سمر على اخيها الواقف بجوارها وسألته بارتياب…..
“انت عملت ايه ياحمد……”
رد عليها بنفس الهمس وقد أنكر..
“معملتش حاجه ياسمر……”
“كداب…….شكل الموضوع اكبر من انك قليت ادبك عليه…..الموضوع فيه بنات صح…..”
زفر بحنق وهو يقول بهمس وقح….
“كُنت بعاكس بنت عمه…..”
توسعت عينيها وهي تنظر له بقوة وفغرت شفتيها للحظات….قبل ان تتابع بهمس…
“يانهار أسود….دا ابوها قعد يتحايل عليا من الصبح
ويراضي فيا وشويه وهيبوس راسي…. وانت أصلا
كنت بتعاكس بنته وبضايقها في شارع…. قسماً بالله
ماهتعدي على خير ياحمد…..شوف ابن عمها عمل
في وشك إيه انا هعمل فيك الضعف بس لم نروح……..”
قال أحمد بالامبالاة…..
“محصلش حاجه لده كله ياسمر….”
برمت شفتيها وهي تكبح رغبتها في ضربه الان امام الجميع……هتفت من تحت اسنانها بسخرية…
“طبعاً محصلش حآجه ياعنتيل زمانك هيحصل إيه اكتر من كده……”
عض احمد على شفتيه وهو ينظر امامه بوجوم….
قاطع ابراهيم حديث الرجال وهو يقول بهدوء…
“انا بستاذنك ياحاج هتكلم مع احمد كلمتين على جنب……”
نداه والده بتحذير…..
“إبراهيم…..”
رد على والده وهو يشير لأحمد….
“متخفش ياحاج…. دا اخويا صغير…. تعالي ياحمد…”
تقدم منه أحمد على مضض وبداخله بعض التأهب لأي حركة غدر قادمة منه…..
خرج من المحل ليقف أمامه جانباً وقد وقف بجواره أحمد الذي قال بحرج….
“انا مكنتش اعرف انها بنت عمك…..انا”
قاطعه إبراهيم بجدية وهو يخبره…
“بص ياحمد انا هعتبرك زي اخويا الصغير وهقولك كلمتين تحطهم حلقه في ودنك….. اتقي الله في بنات الناس انت عندك اختك وام….. اللي مترضهوش على اهل بيتك مترضهوش على غيرك….. وخد في بالك
انا كده كدا كُنت هضربك…. يعني مش شرط اضربك عشان بنت عمي لو كانت واحده تانيه في قلب حارتنا وبضايقها كده برضو كُنت هضربك عشان كلهم اخوتنا وبناتنا ولي مرضهوش على بنت عمي واخواتي البنات مرضهوش على اي واحده في منطقتي…..فهمت ولا إيه.. ”
تسمر احمد لبرهة ثم هز رأسه وقال بوجوم…
“فهمت…..”
مسك ابراهيم راس أحمد وقبله من قمة راسه وهو يطيب خاطره برفق….
“وراسك اهيه ياعم ابوسها وحقك عليا…. بس انت اللي طولت لسانك واستفزتني في الأول… فا
غيبتني خالص عليك…..”
لم يرد عليه احمد وقد التزم الصمت بحرج من كل ما حدث بسبب كتلة الثلج التي اصابته باللعنة الفضائح
لمجرد طلبه لرقم هاتفها…..لا يريده فليذهب للجحيم هو وصاحبته الـ……. البيضاء ! …..
تقدمت سمر من اخيها بقلق وهي تسأله بعفوية…
“عملك حاجه ياحمد….”
ابتسم ابراهيم من زاوية واحده بسخرية وهو يجيبها
“لا ياعم الشبح معملتلوش حاجه لسه زي ماهو صاغ سليم…”
نظرت له سمر بضيق وهي تنظر لاخيها وسألت
مجدداً….
“حصل إيه ياحمد…..”
رد أحمد بهدوء…..
“مفيش حاجه ياسمر…..الموضوع عدى وترضينا….”
مجدداً القت نظره شاملة على إبراهيم وهي تقول ببرود…
“اممم…….ماشي يلا عشان ناخد خالك ونروح…”
أوقف تحركها ابراهيم وهو يأمر اخيها بخفوت…
“ممكن تسبقنا انت ياحمد….عشان عايز اختك في كلمتين….”
سأله احمد بنبرة محتده….
“كلمتين إيه يابراهيم؟… الموضوع خلاص اتقفل…”
رد إبراهيم باختصار وعيناه لا تحيد عن سمر
الواقفة امامه…..
“ماهو اتقفل يابن الناس…بس لازم اقفله مع اختك
كمان…”
كاد احمد ان يعترض ولكن سمر اشارت اليه بقلة
صبر وهي تقول….
“اسبقني انت ياحمد وانا جايه وراك….ام نشوف
الاخ عايز إيه…..”
أومأ احمد براسه وهو يدخل المحل ليصطحب خاله معه……
أدارت سمر راسها اليه وهي تقول ببرود…
“خير يافندي…..”
رد ابراهيم بطريقة مُستفزة…
“خير ياشبح…………الموضوع…..”
قاطعته سمر بنبرة متشنجة…..
“قبل اي حاجه انا اسمي سمر……وبلاش العشم ياخدك وتحسسني انك ابن اختي انا لسه عرفاك من ربع ساعة……فتكلم عدل ولخص عايز إيه مني…”
عقد ابراهيم حاجبيه وهو يتمتم بعدم تصديق…
“ابن أختك…..”
لوحت بيدها بقلة صبر….
“لا إله إلا الله…. عندك حاجه قولها معندكش سبني امشي……”
مط شفتيه ببرود وهو يرد بسخط…
“لا عندي ياحلوه….انتي كُنتي عايزه تعرفي اخوكي عمل ايه عشان اضربه….. وانا اهوه موقفك
دلوقتي عشان اقولك….”
ردت بملل بارد كالجليد…..
“ملوش لازمه الحرق الكتير احمد قالي….وهو
آآه غلط في اللي عملوه وكان ليك حق عندنا
بس انت بقه ضيعت حقك لم مديت ايدك عليه….”
“لا ولله بالبساطة دي….”
ردت سمر بفظاظة أسلوب…..
“عايزني اعملك إيه ابوس راسك وقولك حقك عليا وانت مشلفط وش اخويا…..”
اشار إبراهيم بجدية وهو يقول بتحفز….
“عداكي العيب يابنت الأصول….. عقلي اخوكي بقه
وشدي عليه شويه لحسان شكل مضايقة بنات الناس عنده هوايه…..”
برمت شفتيها وهي تقول باستهجان….
“على الله….. متقلقش هقوله…. فوتك بعافية….”
ابتسم بسخرية وعيناه تشع نحوها بإعجاب
صارخ تمتم وهو يراها تبتعد من امامه…..
“سلام ياشبح…….”
استدارت اليه سمر ورمقته بمقت لا يخلو من
التحذير ثم اشاحت بوجهها وابتعدت…..
صاح ابراهيم من خلفها بسخرية…
“ياريت الدور لايق عليكي كُنت صقفتلك……”
تسمرت للحظة وكانه غرز سكين حاد بظهرها لكنها
لم تستدير بل ارغمت قدميها بقوة على التحرك
واكمال الطريق…. طريق لا ينتهي أبداً……
دخلت سمر المنزل وصرخت بقوة وهي تخلع حذاء قدميها وتمسك أحدهم بين يدها بتأهب و شر…
“فين احمد يامااا……”
خرج احمد من الغرفة وهو يصيح بتشنج امام امه وخاله الواقفين في صالة الشقة…..
“اقسم بالله لو مديتي ايدك عليا ياسمر لاهاخد بعضي ومشي ومش هتعرفيلي طريق…..”
خبطت زينب على صدرها وهي تقول بقلق
الأمهات المبالغ فيه…..
“يلهوي تمشي وتسيب امك ياحمد اهون عليك ياضنايا……”
توسعت اعين سمر بشراشة بعد حديث امها….
“يغور في داهيه… انتي أصلا مش عارفه البيه عمل إيه…..المحترم عمال يعاكس في بنات الناس في الرايحه ولجايه……وجبلي الكلام من واحد ميسواش نكله في سوق الرجالة….”
وقف احمد خلف ظهر أمه كذرع حامي له
وهو يصيح بتشنج لاخته….
“معلمتلهاش حاجه ياسمر…..دا رقم تلفون قسما بالله واللهِ يامااا طلبت رقم تلفونها بس…..واللهِ حتى ما رفعت ايدي عليها….. ”
قالت زينب بحنان وسذاجة الأم….
“مصدقاك ياقلب امك……اهدي ياسمر بيقول ممدش ايده عليها…..”
هدرت سمر بتشنج….
“انتوا عايزين تجننوني…. ماتقول حاجه ياخالي….”
قضم عارف من الخياره التي بين يده ثم نظر لسمر واتجه بانظراته المبهمة نحو أخته زينب
وسالها باهتمام…..
“انتي طبخه إيه النهاردة يا زينب…..”
ردت زينب بطيبة وعفوية….
“عملالك صنية سمك ياخويا انما إيه تستاهل بوقك…….”
صاح أحمد من خلف امه بتذمر….
“سمك؟….. مانتي عارفه يامااا اني مبحبش السمك….”
اجابته زينب بلطف…..
“متقلقش ياحبيب امك عملالك صنية مكرونة بالجمبري…. انما إيه قشطة تدوب في البوق كده….”
حك احمد في شعره وهو يقول بمراوغه…
“اذا كان جمبري ماشي…. تسلم ايدك يازوزو ياعسل انتي….ياحلى شيف في الدنيا…..” قبل يد امه فضحكت بحنان…
صرخت سمر بجنون…..
“انتوا عايزين تجننوني اكل إيه….تعالي ياحمد…تعالى متخفش هكلمك براحة……”هدأت نبرة صوتها قليلاً
لكي تتمكن من الإمساك به…..
نظر احمد لأمه ثم إليه وقال بتشكيك….
“آمان ياسمر ولا زي كل مرة….”
انزلت فردت الحذاء أرضا وهي تقول بهدوء زائف…
“عيب عليك المرادي هنتكلم براحه وهفهمك غلط….”
نظر لامه مرة اخرى فشجعته زينب بحنان….
“روح ياحبيبي اتكلم مع اختك وافهم منها…. متخفش مش هتمد ايدها عليك…. مش كده
ياسمر……” سالت ابنتها بارتياب فاومأت لها سمر بإبتسامة صفراء……
تقدم منها أحمد وهو يقول بارتياع…
“انتي قولتي هنتكلم…..”
حين اصبح امامها انحنت لتاخذ الحذاء في ثواني وتضربة به بقوة وهي تقول بغضب ووجه أحمر
غيظٍ منه ومن افعاله الصبيانية دوماً معها….
“هنتكلم ياروح أمك بس لم افش غلي فيك…..”
صاح بخبث وهو يلعب على الوتر الحساس لدى
أمه……ولا تزال سمر تضربه بالحذاء…
“آآه الحقيني ياماااا….آآه…..هموت وانا جعان كده يرضيكي يعني…. ”
صاحت زينب وهي تحاول فك الاشتباك بينهم…..
“حرام عليكي ياسمر الواد جعان……سبيه هيموت
في إيدك…… ”
ضربته بالحذاء وهي تهتف بغضب مكبوت…
“واللهِ لاربيه الصايع ده……عملي فيها عنتيل…
بتجبلي انا الكلام……”
صاح عارف وهو يقضم الخيارة على مضض….
“أديلو على بوزه السافل المنحت ده……”
دفع اخته برفق وهو يصيح في خاله بتزمر قبل
ان يغلق غرفته….
“ياعم الشتيمة دي بطلت من ايام الملك فاروق إرحمني…….وعلى فكره بقه مش واكل….”اغلق
باب غرفته بقوة……
برم عارف شفتيه وهو يقول بسخرية…
“كداب اول ما الاكل يتحط هتيجي جري عليه….”
فتح احمد الباب وهو يقول بتبرير ….
“دا يدل على اني قلبي ابيض ومبشلش من حد…”
اغلق الباب في وجه اخته التي رمقته بنظرة
حادة…..
تقدمت منها والدتها وربتت على كتفها وهي
تقول بحنو……
“خلاص بقه ياسمر استهدي بالله……عدت على خير…وانا هشدلك عليه بعد الغدا….بس روحي بقه غيري هدومك على ما حضرلكم الأكل….”
زفرت بكبت وهي تستدير لتدخل الحمام مغلقة بابه بقوة تعبر عن مدى غضبها وضيقها وتمردها على تلك تلك الحياة بكل ما فيها……..
____________________________________
كان يصعد مع عمه ووالده على سلالم البيت الكبير
تحدث عمه حامد باستفسار اثناء الصعود…
“بس برضو مقولتلناش يابراهيم عملك إيه الواد ده عشان تضربة بالشكل ده….”
اجابه إبراهيم بالامبالاة….
“خبط فيا وانا ماشي بقوله بص قدامك يابني لقيته اتشنج ولبخ بكلام فمدرتش بنفسي غير وانا بضربة…..”
تحدث والده بعدم رضا عن فعلته…
“اخر مره يابراهيم تعمل كده مع اي حد…انت مش صغير حكم عقلك شويه مش كل حاجه بدراعك….”
“ان شاء الله ياحاج….”أومأ لوالده بهدوء ثم نظر لعمه حامد وقال بمزاح بسيط…
“انا جاي اشرب قهوة معاك ياعمي عندكم بُن ولا أروح أجيب……”
ضحك حامد وهو يتجه لباب شقته…..
“لا عندنا تعالى معايا……احلى قهوة هتشربها من
ايد حبيبة…..”
أومأ ابراهيم بإبتسامة خاليه من المرح….. تحدث راضي بغرابة وهو يفتح باب الشقة المجاورة لهم…..
“يعني هي قهوة امك قصرت معاك…..”
رد تلك المرة حامد وهو يقول بعتاب….
“الله ما تسيبه ياراضي هو انا مليش فيه زيك ولا إيه…..” طرق حامد على باب الشقة…..
فتحت حبيبة اليه بوجه شاحب وضربات قلب مضطربة…..
“بابا….. إبراهيم… اا…. اتفضل…..”أفسحت لهم المكان
قال حامد وهو يدخل بوجه مشع سعادة وراحه….
” عامله إيه ياحبيبة….. ”
ردت بصوت متحشرج من نظرات ابراهيم الحادة
لها..
“الحمدلله يابابا….”
قال والدها بهدوء…
“بقولك إيه اعملي فنجانين قهوة سادة من ايدك الحلوة دي.. ابن عمك جاي مخصوص يشرب القهوة
عندنا….وانا قولتله مفيش احسن من حبيبة في عمايل القهوة….. ”
اومات له حبيبة وهي تنظر لإبراهيم المسمر عيناه عليها بطريقه اوصلت رجفة الخوف لجسدها وللمرة المليون تدعي بقوة على الأحمق الذي وضعها بهذا الموقف المشبوه !…..
اتجهت حبيبة للمطبخ وهي تخبر امها ان ابراهيم في غرفة الجلوس مع والدها…… اتجهت والدتها تسلم عليه ببشاشة وحنان زوجة العم وهي تقول….
“أخيرا شوفناك يابراهيم غايب فين دا كله.. دا حتى الباب في الباب…..”
رد إبراهيم بتبرير بسيط….
“معلشي يامرات عمي عارف اني مقصر معاكم… بس انتي عارفه الشغل مش بيرحم حد…”
قالت بمودة إليه…
“عارفه ياحبيبي….. امك بتحكيلي…. ربنا يقويك….”
هتف حامد بعجلة….
“عجلي بالقهوة يام حبيبة…..”
هزت زوجته راسها بنفي وهي تقول…
“قهوة اي ياحامد….. انا هحضر الغدى…..”
قال ابراهيم بامتناع….
“لا يامرات عمي ملوش لزوم كفاية فنجان قهوة….”
اصرت والدت حبيبة بقوة وقالت بعتاب….
“اخص عليك يابراهيم هو انت غريب عننا… ما تقول
حاجه ياحامد….”
مالى حامد على ابراهيم وقال بخفوت….
“قعد اتغدى معانا وكفاية كلام…. دي اومر من فوق خالص…….”
ضحك ابراهيم بخفوت وهو يهمس لعمه…..
“مش هينفع انا عندي زيها في البيت….مانت عارف الحاجه…..”
ابتسم حامد وهو يقول لزوجته بهدوء…
“خلاص يام حبيبة متضغطيش عليه… سبيه براحته واستعجلي القهوة……”
“القهوة جت اهيه يابابا……” قالتها حبيبة وهي تدخل عليهم وبين يداها صنية القهوة……
قالت زوجته بحرج…..
“حامد تعالى معايا هقولك حاجة…..” تقدم منها حامد بحنق وهمس بكبت….
“عايز إيه ياوليه……” همست بضيق وهي تسحبه للخارج…..
“ياخويا براحه عليا……سيب العيال يقعده مع بعض خمس دقايق بدل ماحنا كبسين على نفسهم كده….”
هتف بتشنج وهو يقف في صالة الشقة….
“نسبهم ايه انتي اتجننتي…. ”
اقنعته زوجته بهدوء….
“ياراجل خايف من إيه ما بكره يتجوزه…. اديهم فرصة انت بس يقربه من بعض شوية….”
مط حامد شفتيه بعدم اقتناع وقال باستنكار…
“يقربه من إيه؟…. هو في حد فيهم اتكلم اذا كان الواد ولا أبوه……. بلاش حركاتك دي انا مش هرمي بنتي على واحد مش عايزها…..حتى لو كان ابن أخويا…..بنت حامد علوان غاليه وهتفضل طول
عمرها غالية….. ”
رفعت حاجبها وقالت بمكر النساء…..
“هو احنا رخسناها يعني؟… وبعدين مين قالك انه
مش عيزاها امال جاي لحد هنا يشرب القهوة من اديها إزاي……”
سألها بتشكيك في الأمر….
“تفتكري….”
ربتت على صدره وهي تقول بتأكيد….
“افتكر ونص…. سبهم انت بس ياحامد خمس دقايق وهندخلهم……”
وضعت حبيبة صنية القهوة على الطاولة امام ابراهيم وهي تقول….
“القهوة يابيه…” كانت حبيبة ستستدير لتغادر سريعاً لكنها توقفت بعد صوت ابراهيم الخشن من خلفها…….
“قعدي ياحبيبة عايزك…..”
جلست على مقعد بعيداً عنه وهي تبتلع ما بحلقها بصعوبة وقالت بنبرة تكاد لا تسمع من شدة انخفضها…..
“خير…. يابيه…..”
سالها بنبرة خطيرة….
“الواد اللي كان بيتكلم معاكي تحت ده….
انتي تعرفيه؟…..”
هتفت بسرعة ونفي….
“لا واللهِ يابيه انا اول مرة اشوفه….”
“هو كان عايز منك إيه؟….”
أسبلت عينيها بحرج….
“كان بيضايقني بكلام وكده….”
ضيق عينيه بعدم فهم….
“كده إزاي يعني…..”
ارجعت خصلة من شعرها للخلف ولا تزال عينيها مثبته على سجادة الأرض……
“يعني كان بيعاكس و… وكان عايز رقم تلفوني…”
جز ابراهيم على اسنانه وشتم بصوتٍ خافض
وهو يقول بغضب…. “مد ايده عليكي….”
رفعت عينيها بسرعه وصاحت بنفي
“لا طبعاً…..”
هز راسه وهو يحذرها بنبرة متوعدة….
“كويس….. محدش يعرف الموضوع ده لا أمك
ولا ابوكي….. واذا كان على ابن الـ…… خد اللي في النصيب ولو جالك على سكة تاني يبقى هو اللي جابه لنفسه…….”
اومات له حبيبة وهي تقول بتردد….
“هو……. هو انت عورته جامد…..”
رفع احد حاجبيه بأستغراب…..
“جامد ولا براحه……. يهمك في إيه….”
اشاحت بوجهها وهي تقول بارتباك….
“لا مش قصدي…. انا بس خايفه عليك لحسان يعملك محضر ولا حاجة…..”
نهض ابراهيم وهو يقول بخشونة….
“الموضوع اتلم خلاص وسيرتك متجبتش في القعدة وده اللي يهمني……… ماشي….”
“ماشي يابيه…..” اومات وهي تنهض معه….
_____________________________________
في صباح خرجت من غرفتها وهي مرتديه بنطال أسود جينز وشميز من اللون البرتقالي…… ربطت
شعرها الأسود المموج على شكل ذيل حصان
أنيق ومرتب وضعت القليل من الكحل الأسود
بعينيها ذات اللؤلؤتان السودوان صريحتان حد
اللعنة !……زاد جمالها الأخذ مع بشرتها الخمرية
وشفتيها المكتنزة بفتنة تدعى للتقبيل والتي زينة بحمرة شفاه شاحبة…….
ارتدت حذاء قدميها عند الباب وهي تقول لأمها….
“انا نزله يازوزو…عايزا حاجة…..”
قالت والدتها وهي تضع الطعام على الطاولة…
“مش هتفطري ياسمر…..”
“لا مليش نفس…هبقى اجيب اي حاجة وانا في الشغل….سلام…..”وضعت حقيبتها على كتفها وهي تمد يدها لتفتح الباب…..سمعت امها تدعي لها دعوة الصباح ككل يوم…..
“خدي بالك من نفسك ياسمر ربنا يسترك يابنتي ويبعد عنك ولاد الحرام…..”
تنهدت وهي تردد آمين فهي تحتاج بشدة لتلك الدعوة…….
هبطت على السلالم وهي تضع الهاتف على اذنها بعد مده فتح الخط وكانت زميلة لها في العمل….
“أيوا ياعفاف……خلاص انا جايه اهوه في سكه….هي المدام جت……تمام مسافة السكة سلام….”
اغلقت الهاتف وهي تقف امام باب المبنى ورفعت عينيها بلا أهداف لتجد العملاق الوسيم امامها يخرج من باب منزله أيضاً المقابل لهم….. كان يقف امام
دراجة بخارية ادارها بالمفتاح ، وبدأ تشغيل صوت المحرك المزعج…….رفع ابراهيم عينا على منزلها فوجدها امامه بهيئتها الخلابة وشراستها المتمردة
على كل من حولها….وعيناها آآه منهن
سوداوان صريحتان جميلتان…….دوماً الجمال يكتمل بالعيون الملونة كالخضراء….. الزرقاء…..العسلي…لكن تلك المرأة تمتلك لونٍ عادياً بسيطاً لكن اللعنة انه ملك الألوان وسيد عليهم لذلك هو يجمالها يحليها يميزها خصوصاً مع شعرها المموج المنتمي لنفس لون عيناها…….
انحدرت عيني ابراهيم على جسدها الممشوق الانثوي الغض يبرهن انه لين وناعم كـ…ككل مابها….
توترت سمر من نظراته الصريحة عليها فاسبلت عينيها واجبرت قدميها على السير واكمال
الطريق….
بعد لحظة من السير سمعت صوت محرك دراجة بخارية يتقدم منها فتجاهلت الأمر وسارت جانباً
خوفاً من الأيدي العابثة !….لكنها سعمت صوتٍ
أجش رجولي يقول….
“صباحو عسل………… ياشبح…..”
رفعت عينيها عليه بغضب فوجدته يلقي إليها إبتسامة بسيطة قبل ان يزيد سرعة المحرك وينطلق بسرعة امامها تاركها خلفه مصدومة وقد ظهر هذا بقوة على قسمات وجهها في المرآة الخلفيه للدراجة…..فزادت البسمة على محياه وزاد انتشاء غريب بداخله كلما اغضبها ونظرت اليه بعدها بحنق؟!……
____________________________________
دخلت مكان عملها في صالون التجميل الفخم
فوجدت ربة عملها (رزان الشافعي…) تجلس
على مقعد خلف مكتبها الأنيق ويجلس بجوارها
(تامر) احد زملاء العمل والذي من يوم ان رأت طريقة التملق الرخيصة لديه والتي يتعامل بها مع السيدة رزان وهي لا تقبله ولا ينزلق من حلقها…. تشعر بالاختناق كلما رأته…..
كان يجلس هذا المدعو تامر ذا القميص المشجر باللون الاخضر المتداخل به بعض الالون المتعبة للعينين….. يلبس عليه بنطال أخضر زاهِياً…..
وشعره ياخذ شكل تسريحة غريبة كأفكارة
الغريبة والخبيثة مثله…….. يجلس بجوار
رزان يدلك ذراعها وهو يهمس لها ببعض الكلمات
والاخرى تضحك بضياع وكانها تسرق الضحكة
من خلف ملامحها الشاحبة الكئيبة حد الجنون…..
تقدمت منهم سمر وهي تتنحنح بتهذيب…
“سلام عليكم….. إزيك يامدام عامله إيه….”
انتبهت له رزان وكذلك المدعو تامر… فقالت
رزان بصوتها الناعم…..
“الحمدلله ياسمر…. اتاخرتي ليه كده دي اول مرة…”
تحدث تامر بلؤم الحريم…
“سمر طول عمرها بتتأخر يامدام رزان… بس انتي اللي اول مرة تاخدي بالك…..”
“ما بلاش شغل النسوان دا ياتامر وخليك في نفسك….”
نهض تامر واشتكى منها لربة عمله بمكر…
“شغل نسوان…. شايفه يامدام رزان قلة ادبها….”
فقدت سمر السيطرة على نفسها وقد القت حقيبة يدها أرضا وهي تقول بشراسة تتميز بها…
“قلة ادبي هو انت لسا شوفت حاجة… قسما بالله لو ما بعدت عني وشلتني من دماغك وبطلت شغل
الحقن ده لكون حطاك انا في دماغي واديك الحقنه التمام….. اللي هتجيب اجلك ان شاء الله ونرتاح بقه من هري الحريم بتاعك ده….”
“اي ده…. سمعه يامدام……”شهد رزان عليها بضيق….
انحنت سمر لتاخذ الحقيبة وهي تقول بامتعاض…
“المدام سمعه وعارفه تمامك… زي مانا عرفاه… فاخلي الطابق مستور أحسن ياعم تيمور…..”
تنفس بغضب وهو يقول بحنق وتوتر..
“انا رايح اشوف شغلي…..”
برمت سمر شفتيها بسخط وهي تراه يبتعد عن المكان بارتياع……فقالت بمزاح سمج….
“يبقى احسن برضو…..اوعى السشوار يلسعك…. ”
شدة عليها رزان في الحديث فقالت….
“كفاية ياسمر خفي على تامر شويه… بيشتكي منك كتير الفترة دي…..”
قالت بسرعة وانكار…..
“واللهِ ما عملتله حآجه يامدام زي مانتي شايفه حطتني في دماغه وكاني باكل أكله…..”
ردت رزان ببساطة….
“يمكن عشان خدتي مكانه وبقيتي هنا الكل في الكل……..والزباين مش بتطلب غيرك… ”
قالت سمر ببساطة
“انا بشوف شغلي وكل واحد ينام على الجمب اللي يريحه انا مش بغصب حد عليا…. ولا إيه….”
ارتشفت رزان من الكوب الأبيض الكبير وهي
تقول ببرود…..
“جايز….وجايز كمان تبقي بت مرزقه والفلوس
تجري وراكي منين ما تروحي…..”
ابتسمت سمر بسخرية وهي تقول….
“معتقدش…. يعني لو صح مكنش ده بقا حالي……”
ارتشفت رزان مرة اخرى من الكوب بتلذذ وهي
تقول بنبرة جافة
“متستعجليش….. كل حاجة بتيجي في وقتها…انا كُنت زيك كده مستعجلة على العز والفلوس وأول ماجه…. ” ضحكت بسخرية وهي تكمل بعد ان شربت مرة اخرى من هذا الكوب الذي اتضح لسمر أنه ليس
مشروب ساخن بل انه السم التي تتجرعه كل يوم بتمهل…….
“جت الفلوس وضعت انا….بيقول اني مبقتش زي الأول…طب هو اللي بقه زي الأول….سهر ونسوان
واخر دلع….وفي لأخر بيعاتبني على كاس واحد في اليوم….بذمتك مش حرام عليه يسبني انا ويروحلهم
هما….احلى مني في إيه….دا….دا انا هانم….هانم من يومي…..”ضحكت بقوة واثارت انتباه السيدات الانيقات من حولها…..
“مش من يومي اوي….بس في الآخر بقيت هانم…… هانم انا…..هانم……”ظلت ترددها كثيراً بثمل وكانها تقنع عقلها المخدر بالكحول بحقيقة لم تلمسها حتى الان……..
مالت عليها سمر لتسندها كي تدخل بها اقرب حمام
لغسل رأسها تحت الماء لعلها تستعيد وعيها قبل ان تخسر سمعتها وعملها وسط سيدات المجتمع
الراقي…….
نادت سمر على زميلتها عفاف بان تتقدم لتساعدها…
فعلت سريعاً الأخرى ودخلوا بها الحمام لغسل وجهها….
بعد ان انتهت سمر واستعادت رزان وعيها بالكامل وعادت سمر للعمل و بعد ثلاث ساعات صدح الهاتف
برقم مجهول وبدون ان تفكر كثيراً اغلقت الهاتف
في وجهه بغضب…..صدح الهاتف برسالة قصيرة
محتواها……
(انا مستنيك تحت ياسمارة….استاذني من رزان ونزليلي……)
عضت على شفتيها بغيظ وهي تنظر لرزان
ثم للهاتف فقالت بحنق….
“الله يخربيتك ياماهر…..اخلع منك إزاي بس…..”
نادت احد العاملين معها ليكمل تصفيف شعر
السيدة…. ثم تقدمت من رزان وقالت بحرج….
“ممكن استاذن حضرتك اعمل مكالمة برا…. لحسان صوت مكاوي الشعر عالي…..”
اشارت لها رزان بتعالي ان تذهب…. ابتعدت سمر عن المكان وهي تتمتم بغضب وتسب وتلعن هذا الوغد الذي يقف بحلقها كالقمة القاسية تكاد تخنق
المرء من شدة عنادها في الانزلاق…
خرجت من صالون التجميل الكبير ثم سارت لسيارته الفارهة وهي تقول ببرود….
“افندم……..ياماهر بيه…..”
نظر لها ماهر من خلف سيارته وهو رجل في منتصف الأربعين من عمره مر الشيب كخطوط مفترقة على شعره ولحيته الكثيفة فاعطاه وقار للأسف مفقود في طباعه البذيئه…….
“اركبي ياسمارة….”
رفعت حاجبها وهي تقول بتمرد….
“انت اتجننت اركب اروح معاك فين….طريقك اخضر سكتك غير سكتي……”
قال بابتسامة مشعه بالاعجاب….
“يابت اركبي عزمك على الغدى….”
لوحت بيدها وهي تقول بسخط لذيذ….
“اللي يسمعك كده يقول ان بينا عيش وملح وحورات…بقولك ايه طريقك اخضر ياماهر بيه….
انا مش منهم….”
مالى ماهر على نافذة السيارة وقال بتملق سمج…
“ما عشان انتي مش منهم عجباني ودخله دماغي وكل ما تعندي بتحلوي في عيني اكتر واكتر………ياسمارة… ”
مسمست بشفتيها بطريقة شعبية اصيلة وقد اصطنعت التأثر وهي تقول…..
“كلامك حلو وعجبني…عشان كده هستاذن وجيلك هوا استناني دقيقة هنا…….اوعى تمشي…..”
توسعت عينيه وهو يقول بدهشة من تغيرها…
“أمشي؟….امشي إزاي مستنيكي على نار ياسمارة…….أخيراً حنيتي… ”
عضت على شفتيها بغضب وهي تدخل مكان عملها من جديد وأول مكان وقفت عنده كان مكتب رزان الفخم وقبل ان تسألها رزان ماذا بها قالت هي
بسرعة لها…..
“ماهر بيه وقف برا مستني حضريتك تحت…قالي ابلغك انه تحت عشان تنزله تتغدى سوا…..”
تهلل وجه رزان في لحظ لسعادة مفرطة وكانها استعادت روحها الغائبة من جديد……. نهضت من
على مكتبها….وقالت بفرحة عارمة
“ماهر؟……… هو تحت؟….. بجد ياسمر…..”
اومات لها سمر وهي تقول بنبرة يجتاحها
الشجن….
“آآه واللهِ حتى انزلي شوفيه بنفسك….دا مستنيكي على نار…..”
“بجد….” نظرت رزان في المرآة لترتب شعرها و وجهها اكثر وتضع بعض اللمسات الرقيقة بمساعدة سمر التي شردت بحزن عليها فهي ايضا تشترك
في الخيانة والكذب عليها لتغطي على وضيع
خسيس بائع للعشرة كماهر الذي يظن ان بماله
سيشتري جسد اي أمرأه تقع عيناه عليها….
خرجت رزان الى ماهر الذي اندهش من رؤيتها ولكنه تمالك نفسه بعد ان فهم هروب غريمته مرة اخرى من بين يداه…… وكلما أمسك بها تتسلل ببساطة من بين يداه….. لكن لا بأس سيمتلكها يوماً جسدا وقلباً كما امتلكته بعنادها وشراسة عيناها السوداوان !….
__________________________________
نزلت من سيارة الاجرة وسارت لداخل في طريق العام للوصول الى شارع الحي الذي تقطن به…..
زفرت نفس ثقيل على صدرها وهي تتذكر رسالة ماهر السمجة المتواعدة لها بأختصار…
(مش هتهربي كتير مني ياسمارة…….)
نظرت امامها بضياع وهي تتمتم داخلها بحيرة
كبيرة
“هتعملي إي ياسمر هتسيبي الشغل….ولا هتحكي للمدام….هي هتصدقك….بس ممكن تصدقني خصوصاً
ان شكل في بينهم مشاكل…وهي متغيره بقالها فترة……”نظرت امامها بتشتت وقد خرج تفكيرها على لسانها وهي تقول…..
“طب ماهي اكيد هتطردني من المكان…لا لا….انا
لازم أدور على شغل…..حتى لو ضاقت خالص هروح اشتغل في المصنع اللي شغاله فيه حنين…اهوه اي حآجه…..ان شاء اشتغل ورديتين عشان اغطي على مصاريف البيت…..”
كان يقف إبراهيم عند احد المحلات بالدراجة البخارية….قد اشترى بعض المستلزمات لوالدته
قبل ان يدخل الحي….انتبه لها وهو يعلق الاكياس
في الدراجة…..ظل يتابعها لثواني ثم عقد حاجبيه
بأستغراب وهو يراها تتحدث مع نفسها وهي تسير
بصوت يكاد لا يسمعه غيرها…..علق وهو يبتسم هزائاً…..
“البت طلعت مجنونة……”للحظه أنتبه لشاب يسير بسرعة بجوراها وفي لمحة بصر كان قد سرق
حقيبتها وركض كرهوان …….صرخت سمر بقوة
وهي تلحق به كالمجنونة……
“الباقي يابراهيم….”خرج صاحب المحل لإبراهيم….
ولكنه وجده يركض بسرعه كالفرس الجامح….صاح عليه الرجل بفزع…..
“ابراهيم……ابراهيم……في إيه يابني…..”ضرب الرجل
كف بكف وهو يقول بغرابة من أمره
“لا حول ولا قوة إلا بالله…..”
كانت تركض سمر بقوة خلفه وهي تصيح بغضب….
“حرامي….سرق شنطتي……حرامي….”وجدت من يتجازوها جري ويلحق بالسارق أسرع منها وبمهارة
تفوقها وتليق بهيئته الضخمة…..
توقفت بذهول وهي تتمتم بصدمة….
“انتَ……….”
امام عينيها عن بعد وجدت السارق يقع على الأرض من شدة التشتت والجري السريع…..انقض عليه ابراهيم بعدها بضرب وبمساعدة احد الشباب
مسكوا بسارق وتكلفوا بمهمة تأديبة…..
مسك إبراهيم حقيبتها وتقدم منها وهي يبتسم بسخرية واكتملت السخرية وهو يمد الحقيبة
لها قائلاً….
“الشنطه ياشبح….مع انك مطلعتش شبح ولا حاجة……”
سحبت منه حقيبتها بقوة وهي تقول بشجاعة زائفة….
“على فكرة بقه انا كان ممكن اكله بسناني وجيب الشنطة من حباب عنيه…..بس انت اللي دخلت…”
لوى شفتيه بسخط وهو يعقب….
“ياراجل……طب بما اني ادخلت مفيش كلمة شكراً…”
اشاحت بوجهها وهي تقول بامتعاض….
“لا طبعاً انت عملت ايه يعني دا الراجل قطع نفسك….”
“انتي هبله…….انتي مشوفتيش انا عملت في إيه….”
رددت كلمات أمها الشهيرة وقد اسعفتها في هذا الوقت العصيب فقالت بصلف…..
“لسانك لو سمحت….وبعدين اللي عملته ده كان ممكن اعمله بصباع رجلي الصغير …”
رفع ابراهيم احد زوايه شفتيه وهو يقول بنزق..
“صباعك الصغير؟… طب قعدي على جمب….انا ميلزمنيش كلمة شكراً بتاعتك مش عيزها….”
مطت شفتيها وهي تقول ببرود…
“أحسن برضو…..”
اجابها بمقت وهو يقول باستفزاز….
“آآه احسن…….بس اعتبريه جميل ومصيرك ترديه…”
“نشوف الموضوع ده بعدين ياسطا……سلام…”عدلت حقيبة يدها وهي تهم بدخول الحي….منعها ابراهيم وهو يقول بخشونة….
“استني راحا فين……. تعالي اوصلك…..”
طقطق بشفتيها وهي تستعيد هيئتها الشرسة
ولسانها المنشار وهي تقول….
“لا استنى عندك…… تكونش فاكر ان عشان وقفت واتكلمت معاك كلمتين وشكرتك على اللي عملته معايا….هيبقا الموضوع عادي كده……-تعالي اوصلك لحد البيت عشان العو ميعضكيش…… هاتي رقمك
اطمن انك طلعتي على السلم-……لا معطلكش انا
مش فاضيه للكلام الفارغ ده..”
ابتسم ابراهيم بتسلية وهي يقول ساخراً…..
“انتي مصيبة…..انتي وقعتي عليا من انهي داهية….”
“نفس الداهيه اللي خلتني اقبلك…..سلام ياسطا.. ”
استدارت لتغادر صاح من خلفها بخشونة….
“اسمي إبراهيم على فكرة…..”
“مانا عارفه….. بس الالقاب محفوظة …..يا… يإبراهيم…. “القت عليه ابتسامة باردة
وهي تدخل الحي…..
عض هلى شفتيه وحك في شعره بيده وهو يراقب دخولها الحي….لاول مرة يشعر بحلاوة اسمه بين شفتيها الوردية…….تلك المرأه أتت لتهلكه بكل
مابها…جنونها…شراستها…هيئتها الشعبية الباحته…..وجمالها الخلاب…..شراستها وشجاعتها المصطنعة وكانهم وشاح يخفي خلفه أمرأه هشه ضعيفة تحتاج ليد اقوى واشد منها لتنتشلها من
بئر المخاوف….بها شيءٍ يجذب بلا رحمة……
يعذب بلا هوادة…..بها سحر لا يُبطل……..
بها شيءٍ كنعيم لن يدخل إليه إلا قديسً !…..
_____________________________________
ربطت شعرها على شكل كعكعة فوضوية
ربطت شعرها على شكل كعكعة فوضوية امام مرآة معلقة بجوار باب الخروج صاحت لامها بـ….
“انا طلعه اجيب عيش وجاي يازوزو عايزه حاجه تانيه…..اجيب الفطار معايا”
خرجت امها من الغرفة وهي تقول…..
“لا ما أحمد راح يجيبه….. انا مش عارفه اتأخر ليه…..”
مطت شفتيها وهي ترتدي الحذاء…
“أكيد بيصيع هو دا بيبطل…..”
نظرت لها والدتها بحزن وسألت
“انتي لسه زعلانه منه ياسمر…..”
زفرت بغيظ وهي تغير مجرى الحديث….
“انا نزله سلام……”
اوقفتها امها وهي تقول بحرج…محاولة اثبت
وجهت نظرها بطريقة غير مباشرة…..
“سمر…..اعذري أخوكي انتي عارفه ان ابوكي مات وهو يدوبك مكملش الخمس سنين حتى….فا
هتلاقيه عنيد شوية ومنشف دماغه معانا حبتين…….بس عشان ملقاش حد يقف في وشه ويعلمه الصح من الغلط….انتي مهما عملتي
وقولتي انتي في نهايه ست وهو راجل…..
ويمكن ميسمعلكيش عشان كده………”
سكتت زينب بحزن وهي تتابع…
“لو كان ابوكي موجود او حتى خالك بصحة أحسن من كده……. مكنش ده بقا حال اخوكي…..”
كانت تسمع امها وهي عاقدة ذراعيها امام صدرها….لطالما كانت متمردة على الحياة وكانت
كارها فكرت ان تكون أمرأه مسئولة !….مجرد ان تكون امنيتك معلقة على حياة ابسط من تلك…..
كانت تريد ان تكمل تعلمها كانت تريد ان تلتحق بالجامعة وتعمل بشهادتها وتربح المال من مجهودها الشخصي…..كانت تريد ان تسافر ويكن لديها سيارة فارهة وشقة في مكان فخم ملابس مجوهرات…
حتى الحب كانت تنتقية في عالمها الموزاي
مثل حذاء غالي يناسب ثيابها الانيقة…كانت تريد رجل غني شديد الوسامة…. تخطف قلبه من اول
نظرة ويهيم بها عشقاً……..اين ذهبت كل تلك الأحلام…اصبحت تراهات بعد ان اصبحت مراهقة مسئولة عن عائلة وحياة واقعية اكثر واقعية من خيالها الأحمق…..خيال رواية كتبت ولم يتم النشر
بها بعد !….
أخيراً ردت على والدتها باستنكار وتمرد بعد دوران
الاحلام والوقائع من حولها كشريط من اللون
الابيض والاسود…….
“قصدك ان تريبة الست عوجه…..وان مهما حصل هيفضل وجود الراجل في البيت مهم…..بذات لو كان البيت عايش فيه مراهق محتاج شدة من نوع تاني مش شدت الست اللي لا بتودي ولا بتجيب… مش هو دا قصدك ياماا….. هو ده اللي مش عايزه تقوليه في وشي على العموم مش انا اللي ربيت ابنك…. ابنك ده تربيتك انتي وخالي وانا كُنت مجرد مموله للبيت ده
مش اكتر……”
قالت والدتها بسذاجة وقسوة….
“ليه مش راضيه بحالك ياسمر ليه بتلوميني وتعتبيني عشان خرجتك من المدرسة وطلبت
منك تشتغلي وتصرفي على البيت…..كُنتي هتاخدي إيه يعني من التعليم…….”
قاطعتها بقوة وهي تغلق هذا الحديث المضطرب بينهم….
“انا الوحيدة اللي احدد هاخد منه إيه مش انتي…وبعدين انا مش بلومك على حاجة….انتي
كان غصب عنك……وانا كمان اللي جوايا ده غصب عني…….انا نزله….. ”
أغلقت الباب بقوة خلفها فهبطت دموع زينب بحزن عليها وحسرة على حالها…..
وأيضاً هناك من كان يبكي بحرقة وضعف من خلف باب غرفته….فهو لو كان رجلاً لكان فعل ما بوسعه
وأكثر لثبات تلك العائلة الصغيرة التي انهارت بعد وفاة الأب ودعست الاقدام على الجميلة
الجامحة وعلى احلامها لكي يبقى الجميع
بخير !…..
_________________________________
ماهو الحب؟…هو الفطرة المتسللة لكل القلوب
ماهو الحب؟… هو ما يجرد الروح من قواتم
الماضي ويطهرها بأنقى صور الحب….
ماهو الحب؟…هو انا وانت وقلوب اشتبكت بدون حسبان…..
ماهو الحب؟…ان نلتقي بعد غياب مُر ، ويحلى
بنظرة عين المشتاق !……
كانت تقف امام المخبز المزدحم تحاول مد يدها للخباز وهي تقول بصوتٍ عالٍ….
“عشر ترغفه ياحاج الله يخليك….بقالي ساعة
وقفه……….عشر ترغفه ياعم آلله…..”
صاح الرجل وهو يقول بتشنج….
“استني دورك يانسة….”
هدرت بغيظ….
“استنى دوري إزاي…انا بقالي ساعة وقفه…وانت مبتديش عيش غير للي تعرفه….. اسميه اي ده بقه….”
صاح الرجل باستهجان….
“كلامك مش صح انا مدتكيش لحد دلوقتي عشان مش وقفه جوا الطبور…..”
هدرت به بحدة …
“طبور مين يابااا…..قسما بالله لو ما جبت العشر ترغفه لروح مبلغه عنك بتوع التموين…. وقول عليك نصاب وبتبيع دقيق الدعم…..مشيها بالحب ومشيني احسلك…..”
توست اعين البائع بدهشة وتساءل بذهول….
“انتي بتهدديني…..”
زادت الهمهمات النسائية من حولها..وهي لم تبالي بل برمت شفتيها وهي تقول بسخط…..
“حاجه زي كده اصل ان مش هفتري عليك يعني..دا بيحصل ولا لا…..”
تدخل صوت رجولي حفظت نبرته منذ اول لقاء مشئوم بينهم…..
“هات عشر ترغفه ياحسان….ومشيها بالحب احسلك…..”ضحك ابراهيم وهو ينظر إليها..
استدارت سمر بغضب وكانت على وشك تعنيفه…. وكانه شعر بان منشار فمها سيخرج من مكانه
ويبدأ التقطيع فوضع سبابته على شفتيه وبلغها بحركه صامته ان تخرس الآن خصوصاً بين تلك الاعين الفضولية المتربصة بهم…..
بلعت ريقها ولاول مرة تشعر ان هناك من خلق ليخرسه بحركة من يده ؟ بحركة من اصبعه..
هيهات سيرى مقامه بعد ان تخرج من هذا العج الواقفة به….
قال البائع بحرج من إبراهيم… وارتياب أيضاً منها
بعد توعدها الصريح امام الجميع…..
” خدي يابراهيم…. عشر ترغفه اهم…. وخد في بالك كله عشان خاطرك…. ”
“هو ايه اللي عشان خاطره هو انا بشحت منك….”
سحبها ابراهبم من يدها وهو يقول للخباز…
“كتر خيرك ياحسان….. معلش بقه سمر حمقيه
ونرفوزه حبتين……”
سألته احد السيدات الواقفات بفضول…
“هي تقربلك يابراهيم….”
صاحت سمر بنفي…
“لا طبعـ……”
قاطعها ابراهيم وهو يقول بإبتسامة باردة…
“آآه طبعاً…دي قريبة الحاجه بنت خالة عمتها……”
عقدت كل امراه منهم حاجبيها وهي تحاول فهم
الجملة…….
خرجت معه من الزحام بحنق…سحبت يدها وهي تقول بغضب….
“انتَ ازاي تقول اني قربتك….انت اتجننت….”
رد ابراهيم بغطرسة…
“اتجننت؟…. انتي أصلا تطولي تبقي قربتي….”
برمت سمر شفتيها وهي تقول باستنكار…
“لا مش عايزه اطول…..وبعدين انت اي حكايتك كل شويه تنطلي من اي حته…انت مالك ومالي ياجدع
انت…”
رد ببرود وصدق وكان كل لقاء بينهم مقدر بدون تخطيط منه او منها……
“وطي صوتك ياشاطرة….انا شوفتك بصدفة…
سوى على الفرن ولا على الشارع الاتنين كأنو صدفة……”
نظرت له بتشكيك…..
“والمفروض اني اصدقك كده….”
رد إبراهيم بقلة صبر وهو يمد لها الخبز…
“ان شاالله ماعنك ما صدقتي….بقولك اي خدي العيش ده ومشي من قدامي….. خيراً تعمل شراً تلقى….”
عضت على شفتيها بحرج وهي تاخذ منه الخبز ثم قالت بحرج…..
“استنى خد فلوس العيش….”
نظر للفكة بيدها ثم اليها وهو يقول بغيظ….
“امشي من قدامي ياسمر…..عشان مغبش عليكي…”
لوحت بيدها بصدمة من جملته…
“تغيب على مين انت اتجننت…..”
القى عليها نظرة قاسية خطيرة وهو يقول بأمر…
“اطلعي على فوق وعدي يومك…..”
توسعت عينيها اكثر من أمره وقالت بتحدي…
“لا دي راحت منك على الاخر….هو انت صدقت اني قربتك ولا إيه…….لا فوق انا…..”
على صوته اكثر امام المارة….
“على فوق……”
تجرأت في لمح البصر وضربته في صدره بقبضة يدها وهي تقول بغيظ منه….
“انا كده كدا طالعه……وياريت بقه متورنيش وشك تاني……….انت سم….. وغتت…”
استدرات لترحل بسرعة من أمامه….
افترقت شبه ابتسامة على محياه وهو يقول بصلف…..
“طلعت شاطرة وبتسمع الكلام…..”تنحنح بخشونة وهو يسير في الطريق كديك المنفوش ريشه !….
__________________________________
كالعادة تعمل على مكينة التعبئه الكبيرة على قدم وساق باهتمام شديد وحركات مدروسة وكانها
كآلة من حديد لا تعرف للتعب طريق !…..
قد يظن البعض ان زمن العبودية انتهى ووالى…
لكن لا تزال العبودية قائمة بصورة راقية قليلاً…. ونفس تجارة البشر عن طريق
(ساعات عمل مضنية ) وخصوصاً العمل بأحد المصانع على احد المكينات بسرعة ونظام
محدد… ثماني ساعات عمل متواصل
(نصف ساعة) استراحة ليس اكثر منها
(ثلاث ساعات إضافية) لأجل مرتب
أفضل من المتفق عليه !….. أفضل قليلاً…. بل
أقل من القليل !…..
هناك من يقف في تلك العشر ساعات فوق رأسك يولي عليك اوامره وغطرسته لمجرد شهادة
حصل عليها بعد ان كان حليفة الحظ ، عن غيره
الذي ارتطم بواقع مُر لا يعرف للرحمة نصيب…..
تنهدت وهي تدخل رصت البسكوت الطويلة في المكينة… وكان السير المتحرك بجوارها يحمل البسكوت المرصوص وينقله لها ولي المكينات
المجاورة لها……
تلك المكينة يعمل عليها اثنين من الأمام
باستثناء الجزء الثاني يعمل بعض الفتيات
والشباب بتعبئة البسكوت المغلف بالعلب الخاصة به ويتم غلقها ونقلها للمخازن للبيع وتقسيم على حسب الطلب……
هنا العمل يدور مثل العجلة روتين متكرر مثل حياتها ويومها في العمل او في البيت…….
أخيراً توقفت المكينة لعطلٍ ما….. تنهدت براحه وهي تجلس على أقرب كرسي…. بعد ان ورمت قدميها من كثرت الوقوف… عشر ساعات وقوف ولا يزال في الشقاء ساعة لم تدفع بعد لصاحب العمل !….
صاح احد المهندسين الواقفين فوق رؤوس العمال منذ الصباح نحو حنين وهو يقول بغطرسة…
“حنين قومي من على الكرسي وخدي المكنسة وكنسي من تحت مكانتك…..”
نهضت حنين بتعب وهي تقول بارهاق….
“يابشمنهدس علاء مافي واحده هنا بتيجي
تنضف من تحت المكن وانا….”
تحدث بفظاظة وبعدم رحمة….
“وانتي إيه….. مانتي قعده اهوه وراكي إيه… اكنسي من تحت مكانتك لحد ما المكنة تشتغل…. يلا يانسة…..”
اعتصرت عينيها بتعب وهي تعض على لسانها محاولة كبت غضبها الذي اصبح على الحافة
قد ينهار بعد ثواني فقط…..
قال علاء بطريقة مؤذية متشفية….
“هتفضلي وقفه كده كتير…..نفذي الأوامر ياما اعملك جزا ويتخصملك تلات ايام من مرتبك….”
حسناً…الجزاءات التأديبية في العمل احد بنود عقد العبودية الراقية….وهناك من تنال منه ظلماً…لمجرد انه تعدى حدوده وخالف أوامر رئيس عمله المتسلط عديم الرحمة والقلب……
همست احد الزملاء لها بشفقة…
“اسمعي الكلام ياحنين… انتي مش حمل خصم
تلات ايام…..”
ابتسمت حنين بحسرة وهي تقول لزميلتها…
“ولا حمل ربع يوم حتى…..”
نظرت زميلتها للمهندس ثم اليها وقالت بهمس وتعاطف….
“خلاص اسمعي كلامه… مانتي عرفاه شراني وممكن يعملها……يلا ياحنين ربنا يعدي الساعة اللي فاضله
دي على خير….. ”
اومات لها حنين على مضض وهي تدفع نفسها دفع
لتنفيذ الأوامر……
بعد مدة عملت المكينة واكملت حنين عملها وامامها زميلتها تعمل بنفس السرعة والهمه….
مدة قصيرة وزادت الهمهمات ودخل المصنع رجل
له هيبة عظيمة…. رجل طويل بجسد نحيف وسيم لكنها لا تعرف لِمَ شعرت بنفور فور رؤيته… شيءٍ غريب لأول مرة يحدث لها ان تصاب بنفور من نظرة واحدة لرجل.. وايضا وسيم…. ويبدو انه
غنياً….. حلة السوداء تحكي عن ثراء عميم… نظارته السوداء تحمل أسم ماركة عالمية……وقفته وشموخه امام الموجودين تحكي عن سلطه يتمتع بها بين الحاضرين والغائبين……
همست لزميلتها وهي تختلس النظر له….
“مين دا ياهالة….”
همست هالة بخفوت…
“ده خالد العربي….رجل اعمال كبير اوي ومساهم في المصنع ده بنسبة خمسين في المية……انتي متعرفهوش ولا إيه…..”
نفت سريعاً…
“لا معرفوش اول مرة اشوفه….”
ثرثرت هالة كالعادة وهي تخبرها باستنكار…
“ازاي بس ياحنين…..دا كان متجوز مروة اسامة عرفاها…”
توسعت اعين حنين بصدمة وهي تقول…
“مروة اسامه…..هي كانت متجوزه ده… ”
قالت هالة بحقد…..
“ايوا ياستي وبعد ماخد غرضه…. بكام شهر علطول طلقها بس طلعت منه بأد كده….طلعت نصحه الجوازه جت بمصلحه كبيره…..”
سالتها حنين بأستغراب…
“طب وهو نازل الصالة يعمل إيه….”
هتفت هالة بابتسامة خبيثة وهي تغمز لها….
“أكيد بيدور على عروسة جديدة…..شايفه البنات
كل واحده فيهم هتموت وتبقى مراته وتوصل للي وصلت ليه مروة……انتي عارفه يعني إيه تبقي هانم….يعني اهلك وحياتك كلها هتتقلب للأحسن هتاكلي احسن أكل… هتشربي احسن شرب لبس وفلوس ومجوهرات…واهلك… اهلك هيبقا ياما هنا وياما هناك…..دنيا تانيه ياحنين….طب عارفه انا لو مش متجوزه كُنت……”ضحكت بحرج…
“يلا مش عايزه اكمل عشان منشلوش ذنوب…”
لكزتها هالة في ذراعها في الخفئ وهي تتابع…
“ما تتلحلحي كده يمكن تكوني انتي العروسة….”
نفت حنين الفكرة بقوة وكان آلله يختبرها لكثرة
مقتها على سمر لمجرد انها رفضت عرض
(ماهر المحمدي)بجوازها منه بشروط ومدة
محدودة بينهم لا تكترث إلا لعلاقة حميمية
بمقابل مادي وحياة افضل لها ولعائلتها !…..اليوم تواجه نفس الاختبار وياليتها لم تلقي اللوم يوماً
على صديقتها لرفضها لهذا العرض الرخيص….
الذي يعرض امامها الان بمنتهى الصراحة…..
“إي اللي انتي بتقولي دا ياهالة انا مستحيل ابيع نفسي…….دا جواز… ”
قالت هالة بخبث كشياطين….
“اديكي قولتي جواز….وفي جواز يعليكي وفي جواز يجيبك الأرض….وبعدين ياحنين مانتي اتخطبتي للي من توبك عمل إيه يعني اول ماشاف ظروفك بتتقعبل اكتر من الاول قال يافكيه وجري يخطب غيرك…….حاولي بقه تحسبيها من ناحية تانية مش يمكن لو اتلحلتي شويه زي البت مروة تبقي هانم زيها….واهو في نهايه جواز على سنة الله و
رسوله….. وانتي حلوه ويجي منك…بس
اتلحلحي شوية ولفتي نظرة……. “
زفرت حنين بغضب وهي تقول بسخط….
“اعوذ بالله منك ياهالة… دانتي العن من الشياطين… اطلعي من دماغي ياهالة ومتكلمنيش في
الموضوع ده…..”
رفعت الأخر حاجبها الرفيع بفعل مشرط حاد
وقالت بمقت…
“انتي حُره خليكي زي مانتي هتعيشي فقيرة
وتموتي فقيرة…….فقريه من يومك… “نظرت
هالة للرجل الوسيم لتجده يتابع بعيناه المبهمة
حنين….. تهللت ابتسامة هالة في لحظة
وهي تقول بصلف لتنبه حنين
“آلله اكبر دا انا فيا شيء لله….دا عينه عليكي ياحنين……شكلك دخلتي دماغه يابت….”
رفعت حنين عينيها على الرجل بحنق لتجده ينظر اليها بإعجاب…. أسبلت جفنيها وتسارعت وتيرة النبضات بشكلٍ ملحوظ لا تدري ارتباك ام خوفاً
من شيءٍ رأته وكذبت احساسها به !…..
بعض الحقائق تكشف في لمح البصر وقد تخفى بايدينا لأسباب واهيه …فلا تلقي اللوم على القدر فلقد كنتِ اكثر المرحبين بالانتكاسه الكبرى…..
يتبع..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غمرة عشقك)