روايات

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثالث والعشرون

رواية غوى بعصيانه قلبي البارت الثالث والعشرون

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثالثة والعشرون

” رسائل لن تصل لـ صاحبها ”
‏أن تحب شخصًا ما ، يعني أن تؤمن أنك و من خلالِ حُبه ستصل إلى حقيقة ذاتك ، لذا أحببتك لأني قرأت بعينيك جوابًا صادقًا لحيرتي :
– من أكون؟!
••••••••
نعجز قبل أواننا بقدر الأيام التي نصمت فيها عما يُؤلمنا ، وعما تحفره سكاكين الليل على ملامحنا ، قضت عالية ليلتها فوق مراجل القلق الذى باتت توصله لأبواب السماء حتى أشرقت شمس يومها لتحرق صفحات الليل المؤلمة ، كانت تجلس على حافة الأريكة تقرأ وردها الصباحي في المُصحف الذي أهداه إليه حتى توقفت عند تلك الآية من سورة مريم التي لم تفشل لمرة في مواساة قلبها :
-“ولم أكن بدعائك رب شقيًا ”
يقف مُراد أمام المرآة يرتدي ” جاكت بدلته ” السوداء بعدما انتهى من قفل ساعته حول معصمه ، دار إليها مُتسائلًا :
-يومك أيه النهاردة !
تآزر عليها الوجع لقلة حيلتها وقالت :
-مفيش !
توقف عن ارتداء سترته ووضعها مرة آخرى على طرف مخدعه بعد ما استشعر نبرة الحزن بصوتها ، اقترب منها موضحًا :
-عالية ، أنتِ مش محبوسة هنا ، بمعني ليكي حياتك ودنيتك وو
ثم جلس بجوارها مُكملًا بهدوء :
-أنتِ مش المفروض لسه فـ الجامعة ! مش بتنزلي ليه ؟! دي الامتحانات قربت .
بدا على وجهها الانزعاج وهي تُجيب بغموض يُثير الفضول :
-مش مهم ، أنا أصلا مش هدخل امتحانات السنة دي !
تجهم وجهه بامتعاضٍ :
-وده من أيه أن شاء الله !
تغلبت على ترددها وقالت بوضوح :
-بصراحة من وقت حوار الصور ده وأنا معنديش الجُرأة اروح الجامعة ، فـ قُلت يعني لو …..
لم يمنحها الفرصة لاستكمال قرارها الأحمق وقال بحزمٍ :
-قومي البسي يا عالية ..
سرت رجفة مباغتة بقلبها وهي تستفهم منه :
-ليه ؟!
حملق بعينيها صارمًا فـ قطع جذور قرارها الخاطئ وقال :
-هوصلك الجامعة ..
زامت شفتيها بدهشة وهي تهز رأسها يمينًا ويسارًا بـ رهبة :
-لا ! مش هينفع صدقني .
احتدت نبرته التي لا تقبل التراجع والرضوخ لأوهام العقل التي تخشى حديث الناس الذي لا يُقدم ولا يُؤخر ، نصب قامته القوية و أتبع بحزم :
-هستناكِ بره تكوني لبستي ، متتأخريش .
••••••••
-“أيه اللي لازم اشوفه بنفسي يا يسري! ”
تلك الجُملة التي أردفها عاصي الذي يسير بخطوات واسعة مُتجهًا لفحص الكاميرات ، يتبع يسري خُطاه شبه راكضًا كي يلحق به وهو يقول :
-لما تشوف معاليك هتعرف بنفسك ..
وصل الاثنان إلى غُرفة الفحص ، أشار يسري للموظف أن يعيد تشغيل المقطع مرة أخرى ، تحرك شريط المقطع لـ يستعرض الحدث المُرعب الذي بدأ بوقوف ” حياة ” أمام باب غُرفة النزيل ” قاسم صفوان ” ثم الحديث الفقير بينهم قبل دخولها لغُرفته .
احمرت معالم وجه بجمر الغضب وهو يجز على فكيه بشراسة لما يره ، قَدم الموظف الشريط لتلك اللحظة التي خرجت فيها قطته هاربة وهائمة على وجهها بدون شالها ، بكل ما أوتى من غضبٍ ضرب على سطح المكتب الخشبي أمامه ، دنى منه يسري :
-متقلقش معاليك شكله في …
دفعه عاصي بقوة ثم غادر الغُرفة بسرعة مُتجهًا إلى الغرفة التي يقطن بها المدعو ” قاسم ” ، لحق به يسري وهو ينادي عليه حتى ختم ندائه مُتسائلًا :
-حياة هانم ايه علاقتها باللي اسمه قاسم ده !
يصارع عقله لقتل ما يطويه غضبه ، اكل خطاوي الأرض بسرعة تضاهي تجبره ، انقض على باب غرفة قاسم كما ينقض الجيش على عدوه ، كاد يخلع الباب من شدة الطرق ، يقف ورائه يسري محاولًا أن يهدأ من روعه ويحافظ على مظهره :
-معاليك ممكن تهدأ !
فتح قاسم الباب وهو يضع ” قِربة الماء البارد” على رأسه إثر ضربة ” حياة ” التي أكملها عاصي بلكمة قوية تحت عينه مما جعله يتراجع للوراء إثر ما تلقاه ، تقدم عاصي خطوة للداخل بهيئته المُفزعة وصاح :
-أنت مفكر نفسك مين ! دا انا امحيك من على وش الأرض !
كاد يسري أن يتقدم خطوة إلى الداخل ولكن باغته عاصي بالباب في وجهه ، أغمض جفونه متسبمًا كي يتلقى بصدر رحب وهو يُعيد طرق الباب بتردد وينادي بصوت خفيض:
-عاصي بيه !
ثار جنون عاصي وهو يقتحم غرفة قاسم التي كان منبعًا لتلقى الضربات المُباغتة ، فتح عينيه المشوشة على حذاء عاصي اللامع بضُلمة الأيام التي عاشتها رسيل بعد مغادرته ، ثم تدرجت أنظاره لأعلى حتى وجد نفسه أمام الطُوفان الذي سيقضي بحياته ، تلاقى الثنائي حتى تمالك عاصي زمام ضجره:
-أيه علاقتك بمراتي !
أدرك قاسم بأنه أدخل اول هدف في مرمى عدو ، افتعل التجاهل ثم أدرف مُستفهمًا :
-مش فاهم !
جز على فكيه بامتعاض وهو يكور قبضة يده بغلٍ :
-مراتي كانت بتعمل عندك ايه بالليل !
التوى فم الذئب ببسمة المكر وقال :
-طيب مسألتهاش ليه ! لسه قايل بنفسك هي اللي جات !
ثم استدار وهو يضرب كف على الأخر متعجبًا حتى أتبع :
-عيبة كبيرة أوي في حقك يا عاصي بيه !!
-مش هكرر سؤالي تاني ! أيه علاقتك بيها ! وجات لك ليه ؟!
اقترب قاسم من زجاجة ” النبيذ ” وصب كأسه وقال ببرود :
-أبدًا كل الحكاية عجبتها ، وجات عشان نتعرف !
ثم أسبل عيونه الخبيثة بعد ما حمل في يده الكأس :
-بالحق هي قالت لك جات ليه ؟!
تجرع محتوى كأسه رشفة واحدة ثم قال بصوت منخفض متعمدًا إثارة شروره :
-اعتبرها نذوة ستات وراحت لحالها ، متشغلش بالك!
ختم عاصي جملة قاسم الأخيرة بفهوة سلاحه التي توسطت جبهته وهو يقول مهددًا :
-لما عاصي دويدار بنفسه يسألك سؤال يبقى تجاوب على أده ، وبما أنك تجاوزت خطوطك الحمرة معايا ، فالرد عليها بالخطوط الحمرة بردو .
فُرع قاسم عندما وجد نفسه تحت رحمة سلاحه ، ارتعشت عينيه بذعر وهو يطلب منه راجية :
-ابعد البتاع ده وهنتكلم بالعقل !
شد أجزاء سلاحه مُعلنًا حربه على من تعدى حصونه وقال :
-أنت خليت فيها عقل !
احتدت نبرته وهو يجهر بوجهه :
-أيه علاقتك بيها !
تردد عاصي في جوابه حتى أردف مُجبرًا :
-كانت خطيبتي ..
-أنت هتشتغلني يالاه !
قفز الرعب في صدره :
-حتى روح اسألها !
حدجه عاصي بعدم تصديق وأتبع مُكملًا في مسرحيته المُزيفة :
-وبعدين ، جات تقول لك أيه ؟!
انتفضت أعينه برائحة الكذب التي شمها عاصي بمهارته :
-قالتلي بلاش أعرفك إني كنت خطيبها ، لانك بتغير وممكن تلغي الصفقة كلها لو عرفت !
ابتسم عاصي بانتصار ، ضحكة مناقضة للموقف ، رجع السلاح وراء ظهره ثم مال ليأخذ شالها وقال بغرابة :
-جيت مخصوص عشان أخده !
ثم حدجه متوعدًا :
-راجع لك ! كلامنا مخلصش ! ولسه متحاسبتش عليه .
بمجرد ما ألقى وتيرة تهديداته المُقلقة انصرف من الغرفة بعد ما خبط بابها ورائه بقوة ، التقى بيسري أمامه الذي تأهب كي يتبع خُطاه حتى أوقفه عاصي قائلًا :
-أنت رايح فين ! تقف هنا وتجيب اتنين معاك ، مش عايزه يتحرك من أوضته يا يسري ، رقبتك مقابل رقبته ! فهمت .
تراجع يسري بطاعة وهو ينفذ اوامره
-تمام يا باشا ، فاهم فاهم !
••••••••
-لا بقول لك أيه يا شمس ، فوقي يا حبيبتي كده واطلعي من جوه العياط ده ، أحنا مش جايين هنا نعيط ونندب حظنا !
أردفت نوران جُملتها الأخيرة وهي ترتشف الشاي مع اختها في شُرفة الغرفة ، فـ كانت نبرتها قاسية للحد الذي لا يقبل الجدال ، زفرت شمس بتردد :
-حاسة إني عايزة اتراجع ، والست عبلة دي منها لربنا ، هابقى أدعي عليها .
تركت نوران الكوب من يدها وهي توبخها بشدة :
-دا أنا اللي هدعي عليك! لا الله يرضى عنك أنا مش لاقية صحتي في الشارع ، وعبلة الهبلة دي هوريها بنت شُبرا هتعمل فيها أيه !
رمقتها شمس بفتور :
-هتعملي أيه يعني ؟! يا نوران أحنا أيه دخلنا العالم بتاعهم ده !
ضربتها برفق على كتفيها بعد ما نفذ صبرها من سذاجة أختها :
-لا فوقي لي كده ونلطم على خدنا ، وشغلي كيد النسا اللي جواكي واسمعيني !
التفتت شمس إلى أختها باهتمام لانها ابتدت تسرد تفاصيل خطتهم وكأنها تستعرض مواهبها على خشبة المسرح :
-أنا طلبت لك شوية حاجات أون لاين محصلتش ، هيوصلوا كمان شوية ، عايزاكي تلبسي العباية الفراشات وتنزلي بيها تحت وترفرفي بجناحاتها كده قصاد اللي ما تتسمي دي ..
كيف يُمكن إطفاء شمس الخير التي تسكنها مهما حجبته الغيوم يظل لامعًا! ، اقتطبت ملامح شمس بغرابة :
-حاجات أيه ! ومين قال لك تطلبي لي حاجة ! أنتِ اتجننتي يا نوران !
تمسكت نوران بشعرها بنفاذ صبر من بلاهة أخته ، أغمضت عيونها وأخذت تعد من واحد لعشرة ، وما أن انتهت من العد أخذت زفيرًا وشهيقًا مرتفع وقالت لنفسها :
-طولي بالك يا نوران ، هتفهم ! مسيرها هتفهم !
ارتسمت ابتسامة زائفة على وجهها وقالت بجزعٍ :
-جوزك اللي قال لي ، بس دا مش موضوعنا يا دكتور !
-أنتِ اتجننتي يا نوران ، وهو في أكبر من الكارثة اللي عملتيها ! ازاي تاخدي منه فلوس !
-أنا نفسي افهم انت كُنتِ فين وهما بيوزعوا كيد النسا ! ها كنتِ فين ؟! أنتِ بالحالة دي هتشليني .. شمس تعرفي تنفذي وأنتِ ساكتة !
توغلت في أعماق قلبها اليقظ وقالت بعتبٍ :
-دلوقتي هيقول عليـا أيه بس ..
ندبت نوران حظها وهي تصيح بكللٍ :
-اه ياني يا دماغي منها !
ثم وثبت قائمة لتورطها :
-بعد الضهر أهل الحارة جايين يباركولك يا عروسة ، وسيبيني أنا بقا هنفذ الباقي ..
ختمت نوران جملتها بصدمة وهي تسألها باهتمام :
-شمس ، هو مين اللي نازل من العربية ده !
وقفت شمس لترى ما تُشير إليه أختها وقالت بشكٍ :
-ده ابن خالتهم ، سمعتهم مرة بيقولوا كريم ، اللي أمه تبقى جيهان اللي عاصي طردها !
أطلقت نوران لعنة في نفسها ثم شردت واضعة سبابتها على وجنتها وقالت بتيهٍ :
-شكله مش موضوع بسيط !
شمس بتعجب وحيرة :
-يعني أيه ؟!
اتكأت نوران على سور الغرفة وهي تتذكره عندما عرفها على نفسه بأنه سائق بالقصر ، بدون وعي أكملت :
-ده في غدر وفي حوارات !!!! آه يا ابن الـ*** !
•••••••••
“مداوة الإشاعات بمواجهتها ليس بالهروب منها ”
تلك الجُملة التي أردفها مُراد ناصحًا عندما صف سيارتها أمام بوابة الجامعة ، طالعته ” عالية ” بتوجس :
-أنت متأكد أزاي أنها إشاعات !
أبطل محرك سيارته واتكئ للخلف وهو يطالعها :
-عشان يا عالية الصور دي كانت عندي من يوم كتب كتابنا !
جحظت عينيها بذهول :
-نعم ! ما قولتليش ليه !
حافظ على هدوئه واتبع :
-اه منكرش إني عاملتك وحش يومها ، وظلمتك ! بس بعد جدعتنك في المحضر وأنت مرضتيش تتهميني بأي حاجة ، قُلت لا البنت دي وراها حوار ، وأنا لازم أعرفه ، في حاجة غلط ! لدرجة إني شكيت أنك مش أخت عاصي وتميم !
انكمشت ملامحها التي خيمت البراءة عليهما وسألته بصدمة :
-وبعدين !
-ولا قبلين ، كان لازم اتأكد من حوار الصور ده ، اللي لو تعبت نفسي دقيقتين هعرف أنها فييك ، وفعلًا اتاكدت أن الصور مش حقيقة .
هرهرت الدموع من مُقلتيها بحُرقة :
-ليه عملت كده ، يعني واحد مكانك كان ممكن يتلكك ويرتاح من الجوازة دي !
كفكف بيده دموعها السائلة على وجنتيها وقال بحنو لم يعلم من أي جهة تسرب إلي قلبه القاسٍ ، ولكنها أخفاه وراء ستار المزاحٍ :
-يابنتي أنت متوترة تعيطي ، افضفض لك تعيطي ، كل كلمتين بعياط ! أنا كده هبطل اتكلم معاكِ !
امتص غضبها بذكاء حتى هدأت رعشة حزنها وتحولت إلى رعشة الخجل ، ابعدت وجهها عنه بحياء ومسحت دموعها وقالت :
-هنزل أنا !
رق قلبه لخفة روحها وطهارة كلماتها ، اكتفى برفع حاجبه سامحًا لها بالمغادرة ، لملمت حقائبها بعجلٍ حتى ودعته بابتسامة خافتة وتسللت هاربة من قوس عينيه الذي نجح سهمه في اختراق صدرها ، رجل مثله لم يسكنه إلا الصحراء وبمجيئها تحولت تربته الصفراء إلى أخرى مزهرة ترى الحياة بألوانها الخلابة بدلًا من أبيض وأسود عالمه الكئيب ، لم يعمل ما مضى من الوقت حتى عاد إلى وعيه وشرع في قيادة سيارته ولكنه تراجع عندما رأها نسيت هاتفها المُعلق بالشاحن .
عطل محرك السيارة ونزع الهاتف من سلك الشاحن ، ثم هبط منها بعد ما ارتدى نظارته الشمسية ، دخل من بوابة الجامعة يبحث عنها بعينيه القناصة ، لم يترك مكانًا إلا ومسحته أهدابه بنظراته الحادة ، حتى لحظها تقف مع مجموعة من الفتيات وشابين أخرين ..
غلت دماء الغضب الغير مبرر في شراينه ، اندفع نحوها هائمًا خاصة بعد ما رأها تتحدث مع أحدهم ، اقترب منهم فاستمع لحديثهم العابر ، حيث سألها ” عمرو ” :
-ازيك يا عالية .. لسه بردو مش بتسلمي على شباب !
حضنت دفترها ثم قالت بهدوء ومازحته :
-كل مرة تسألني نفس السؤال وتتفاجئ لما أقولك أيوه !
ثم تدخلت أحد رفيقتها :
-فينك يا لوليتا اختفيتي ! قلقتينا عليكِ !
هزت رأسها بيأسٍ :
-عادي شوية لخبطة ..
هنا جاءها صوت مراد من الخلف مُناديًا بنبرته الأجشة :
-عاليه !
استداروا جميعهم إلى مصدر الصوت ، ارتبكت عالية وهي تُلبي ندائه :
-مراد ؟!
نزع نظارته وهو يرمق الشابين بحدة وهو يمد يده ويقدم لها الهاتف :
-نسيتي مُوبايلك .
أخذته بعرفان ثم شكرته :
-تعبتك معلش ..
تدخلت أحد رفيقاتها :
-مش هتعرفينا يا لوليتا !
-هااه !
تعلقت نظراتها المرتجفه بنظرته القاطعة ، رفع حاجبه ماكرًا :
-أيه مش هتعرفينا !
اطلقت أنظارها بعشوائية وهى تقدم له زُملائها ، حتى توقفت عنده وقالت بصوت خافت عكس ما بدأته :
-البيشمهندس مُراد ، ابن خالتي !
في نفسه اللحظة التي انبهرت فيها أحدى رفيقاتها بوسامة مراد ، تفاقمت نيرانه المشتعله وهو يسألها بفظاظة :
-وبس !
مدت أحدهم لتُصافحه وتقول ” فرصة سعيدة ” اندفعت عالية مُوضحة بارتباك :
-وجوزي !
هتف الجميع في نفسه واحد بصوت جمهوري :
-اووووه !
ارتاح فؤاده بإعلانها بانتسابها إليه صراحة أمام الجميع ، أكتفى بـ هز رأسه قائلا :
-أهلًا وسهلًا ..
تقدمت “علا” منشدة بأخلاق عالية :
-يا بختك بـ لوليتا والله ، بونبوناية الشلة .
ابتسم مُجاملة وقال بجفاء :
-عارف!
ثم طالعها بغرابة :
-أيه لوليتا دى !
أسرعت رفيقتها موضحة :
-أوه ! أنت متعرفش ! معلش بقا مضطرة افتن يا لوليتا ..
تحركت الفتاة بخفة لتقف بجواره وقالت بمزاح :
-من أيام المدرسة وعالية مُدمنة حاجة اسمها لوليتا ، ولحد دلوقتي اللي عايز يصالحها عارف نقطة ضعفها وهي اللوليتا !
ضربتها عالية برفق ممزوج بالخجل :
-بس بقا !
بدا على ” عمرو ” ملامح الانزعاج التي قرأها ” مُراد ” ببراعة ، تعمد وضع كفه على كتفها وكأنه يعلن ملكيته لها أمام الجميع وسألها :
-مش في محاضرة أهم من الوقفة دي !
أومأت بخفوت وقالت برهبة :
-معاك حق ..
هنا جاءت أحد رفيقاتهم صاحبة الخطوات السريعة :
-دكتور عوني اعتذر عن المحاضرة النهاردة!
سألتها عالية بتأكيد :
-يعني كده اليوم out !
هزت رأسها بأسفٍ :
-بالظبط .
اصاب الهدوء قلبه ، فكان بداخله صوتًا يصدح يأبى تركها بمُفردها ، ارتدى نظارته الشمسية ومسكها من كفها برفق :
-يبقى يلا عشان أوصل لك !
لم يمنحها الفرصة أن تودع رفيقاتها ، بل سحبها خلفه بعجلٍ وبخطواته المستقيمة التي يخطوها على جمر الغيرة التي ترجمها للغضب من رؤيتها تقف مع زُملائها الشباب .
صعدت سيارته متأففة وهي تعارضه بضيق أفلت نبرة صوتها :
-أنت ازاي تمسكني بالطريقة دي قدامهم ! وكمان ايدي وجعتني !
صعد بجوارها وقفل الباب خلفه بقوة ونهرها :
-و أنت ازاي تسمحي لنفسك تقفي مع شباب فـ وسط الجامعة !
توقف عقلها للحظة محاولة استيعاب اتهامه البشع :
-أنت بتقول أيه ؟!
-بقول اللي شوفته ! واللي ما ينفعش واحدة متجوزة زيك تعمله !
اندفعت مبررة :
-أولًا أنا مكنتش واقفة لوحدي ، ثانيا أنا عارفة حدودي كويس أوي ، ثالثًا عمرو ده صاحبي ومن واحنا في كي جي وجيران ومامته صاحبة مامي ، يعني ..
قاطعها بحزم :
-أهو عمرو ده بالذات هو اللي عصبني !
-لالا ! أنت السكوت معاك أحسن ، وأنا مش هرد عليك عشان مفيش حاجة أصلًا يترد عليها .
شرع في قيادة سيارته بعنفوان وهو يغمغم :
-يكون أحسن بردو !
•••••••••
وكأن ‏فجوة عميقة في الأيام ، كمن يستيقظ ليُحدق في السقف لساعات دون حراك ثم يعود للنوم ، ليس هناك شيء يمكن أن يفعله !
شعور اليأس من كل شيء ، كمن ينظر لصفحة كتاب دون أن يقرأ كلمة ، كمن يشاهد فيلم وينتهي لا يعلم ماحدث ، يسمع لـ أغنية ولا يفهم كلماتها !
كأن جسدي هو من يقوم بجميع هذه الأعمال وعقلها عالقٌ في مكان آخر، مظلمٌ وفارغ !
تجلس على طرف الفراش فلم تجد من تشكو إليه همها سوى الدفتر الفارغ بجوارها ، ظلت تشخبط بعشوائية حتى استدلت على هذه الكلمات التي وصفت حالة روحها .. ألقت الدفتر بملل ونزعت الغطاء محاولة النهوض من مرقدها ، وثبت قائمة متجاهلة الصداع الذي يأكل في رأسها ، تحركت نحو المرحاض ولكنها توقفت إثر اقتحامه الغرفة بشكل مفزعٍ.
تصلبت تعابير وجهها بخوف من علمه بما فعلته ، بللت حلقها وسألته :
-في أيه !
وقف أمامها وهو يحترق ، صمت للحظات يترقب ذبول ملامحها وشيء ما يحذره من انفعاله ، رغم ثوران جيوش غضبه ألا أن هناك درع واقٍ يحميها من سطواه ، ما لبثت أن تحركت خطوه عندما يأست من رده ، غرز أنامله بذراعها وقال :
-ايه خرجك من أوضتك بالليل !
تأوهت قليلًا من قوة قبضته ، فتراجعت متألمة :
-بتوجعني كده !
رجها برفق مكررًا سؤاله :
-سؤالي واضح خرجتي ليه من أوضتك !
لم ترق لها طريقته في استجوابها لذا عاندته متمردة :
-براحتي ، خرجت اشم هوا ، أنت حابسني ولا أيه !
-والهوا ده بنشمه عند قاسم صفوان !
إعصار ثائر بينهما يجمع عالمين متناقضين ، أنثى النار في مواجهة رجل الجليد ، غرقت في عتمة اتهامه وبهتت ملامحها في ضباب الكذب ، ترددت قبل أن تجاوبه ولكنها نهرته بعناد :
-أنت بتراقبني !
-وكمان بتقاوحي ! ده بدل ما تبرري اللي عملتيه !
اتقهرت نبرتها وقالت بـ بحةٍ الضعف :
-سيب أيدي !
رفع حاجبه متعمدًا أن يُثير غضبها :
-ليه هو أحسن مني ! وأنا اللي كُنت فاكرك غيرهم !
صرخت بوجهه محاولة التخلص من قبضته :
-أنتَ مش فاهم حاجة ! بقول لك سيبني ..
شدها إليه حتى ارتطمت بعظام صدره ، واختلطت أنفاسهم المشتعلة بنيران الاتهام والإنكار :
-طيب فهميني سامعك !
من يسقط بالنهر يتمسك بالأفعى لتنقذه ! تلك كانت نظرتها التي أنكرت جميع اتهاماته ، واقرت حقيقة سوء حظها الذي ظنته حبل نجاتها ، تحدته بعناد غير مبرر :
-لا ! عارف ليه ! لأن كل واحد فينا بيلعب من ورا التاني ! أنا مش عارفة اثق فيك خلاص !
اندمج غضبه مع تمردها فأعماه ، غاواه العصيان حتى عصى قلبه مُتبعًا شيطانه الضال ، أحكم قبضة ذراعه الأخر حول خصرها وقال منتويًا الغدر :
-كده نبقى خالصين ، زي ما أنت فقدتي الثقة فيا ، أنا كمان زيك ، واللي روحتي عشانه لغيري أنا هنفذهولك ! عشان شكلك معندكيش حاجة تقوليها !
ختم جُملته مُستغلًا ضعفها مُتبعًا هواه الجامح الذي يحتج كي ينالها ، وقعت الفريسة في شِباك صيادها ، حتى سيطر عليها كامل السيطرة وشرع في تحقيق مبتغاه الذي سعى إليه منذ أن رأها ، أخذت تتلوي بين يده كسمكة فارقت بحر أمانها للتو واستنشقت الهواء المُعكر بطماع البشر ..
خرج زمامه عن السيطرة وتحول غضبه الذي قاده لالتهامها إلى مذاق الكرز الذي يطبع حُمرته على ثغر آكله ، أدركت أن النجاة من مخالبه مستحيلة ، ذلك الرجل التي تمرس على فنون إغتيال النساء في مشنقة أهوائه ، تركت جسدها له وسبحت بذاكرتها الأليمة إلى نفس الشعور ونفس الضعف ونفس الصرخات المكبوتة التي أخذت تقاومها بكل قوتها ، تذكرت سيطرة المخدر على جسدها وجفونها التي انغلقت لترتمي على شاطئ البحر ، عن ذلك الأحساس الذي لم يصل إليه المخدر ، لم يحجبه عنها ، بل عاناته بتفاصيله مستسلمة لا تمتلك إلى دموع سائلة تسقي رمال الشاطيء ..
طالعت أعين عاصي العمياء التي لم تر إلا مطامعه ، وتذكرت تلك الأعين الثعلبية التي فتكت بعذرية قلبها الذي لم يقترف معصية إلا أنه أحب .
في تلك اللحظة التي أوشك أن يتملك منها لسبب لم يعلمه رغم يقينه ببراءتها لكنها تحولت تحت يده عندما وجدها تنتفض ، تصرخ بهلعٍ بعد صمتها الذي سمح له بالتجاوز ، صدمة نفسية أصابتها جعلتها تهذي كالمجنونة ، كمن فقد عقله ، فاق من سطو شره ، وتحولت لهفته إليها لـ لهفته عليها .
بدأ يضرب برفق على وجنتها التي لم تستجب لحديثه السريع :
-أنا كنت بخوفك بس عشان تتكلمي ! ارجعي لوعيك ! صدقيني مش هعمل حاجة أنت مش عايزاها !
كطير ذبيح يتلطخ في دماء أوجاعه ، حالة من الهذيان ونوبة فزع سيطرت عليها إثر تلك ” الفوبيا ” التي ظلت تعاني منها لسنوات ، سنوات عاشت تتحاشى الرجال ورائحة عطرهم وكل ما يجمعها بيهم ، ظلت صرخاتها تتضاعف ، وينتفض جسدها أكثر وأكثر حتى تملك منها الخوف وفقدت وعيها الذي ينقذها كل مرة من قسوة الحياة .. تلك المرة هتف بصدمة مُناديًا باسمها :
-رسيل !
•••••••••
لا شيء جديد ، سوى أحزانٌ مُنتفضة في طوابير محطّات قلوبنا ، حالةٌ مشبّعة بشعور الإنهيار ، الكثير من الصمت وفقدان الرّغبة في الكلام.. هذه الحالة التي وصلت إليها شمس بعد ما تعمدت أن تتجاهل أحزانها مرتدية ثوبًا جديدًا لا يليق بها ، الا وهو ثوب الانتقام ..
خرجت ” شمس ” من مرحاض الغرفة الخاصة بـ تميم الذي يباشر اجتماعه على الانترنت ، ارتدت عباءة بيضاء مزخرفة ذات الطراز المغربي ، واقتربت منه بخجل :
-محتاج حاجة !
رفع عينه من شاشة الحاسوب إلى تلك الحمامة البيضاء التي وقفت فوق غصن قلبه ، تحمحم بخفوت مُطالعًا عيونها التي استمدت لونها من خلية النحل وقال بإعجاب :
-أيه الحلاوة دي !
حمرة قانية لطخت وجنتيها وهي تبرر له :
-اضطريت البسها ، أهل الحارة جايين يباركوا ده بعد اذنك يعني !
رد بتلقائية :
-ده بيتك يا شمس ، وضيوفك هما ضيوفي ، ينوروا طبعًا .
هزت رأسها بسعادة عارمة سيطرت على فطر قلقها :
-شكرًا بجد ، طيب أنا هنزل ولما يجوا هديك خبر تسلم عليهم .
-تمام مفيش مُشكلة .
انصرفت شمس مهرولة من أمامه فلم يزيح أعينه عنها حتى اختفت تمامًا ، تنهد بضجر :
-يا ترى أيه حكايتك يا شمس !
” بالطابق السُفلي ”
دخلت ” نوران ” المطبخ بعد ما ارتدت ملابسها الجديدة وقالت بنبرة آمرة :
-مين هنا مسئول عن الغدا !
تقدمت إليها سيدة :
-أنا ، اتفضلي .
طالعتها نوران بغموض ثم قالت :
-هنا الغدا بمواعيد ، وقبل ما تطبخوا تاخدوا اذن الدكتورة شمس ، ويا توافق يا ترفض .
بررت ” سيدة ” اعتراضها :
-هنا كل واحد وطلبه ، ولكل واحد مواعيد أكل محددة ..
شدت نوران المقعد وجلست فوقه وقالت بنبرة عالية :
-لالا الكلام ده قبل ما تيجي الدكتورة شمس ، دلوقتِ الأكل اللي يتعمل الكل ياكل منه ، وحوار أن كل واحد ياكل لوحده ده ، بردو يتلغي …
اعترضت سيدة بأصرار :
-حضرتك ماينفعش ، أحنا هنا بنفذ أوامر عبلة هانم !
اقتحمت ” شمس ” المطبخ وقالت :
-في أيه هنا !
نوران بتخابث :
-في أن البيت ده قوانينه مش عاجباني ولازم تتغير ، ولا أنتِ أيه رايك يا شموسة !
حدجت أنظارها بعتب لأختها التي أشارت لها محذرة كي تستكمل تمثيلها وقالت بتردد :
-كل اللي قالته نوران أختي يتنفذ .
تقدمت ” سيدة ” بجدول الطعام وقدمته لشمس :
-يا دكتورة ده الجدول اللي عبلة هانم بتابعه معانا!
سحبت نوران الجدول قبل أن تفحصه شمس وألقته في سلة القمامة وقالت بتحدٍ :
-هو أنا مش لسه قايلة حالًا الكلمة الأولى والأخيرة هنا للدكتورة شمس ، مش عايزة اسمع اسم عبلة هانم ده خالص ، لانه بيعصبني !
دلفت ” عبلة ” من باب المطبخ وقالت :
-وأيه كمان يا بنت شُبرا !
•••••••••
-أديني جيت يا ستي على ملا وشي ! أيه المهم اللي عندك ؟!
أردف فريد جُملته الأخيرة وهو يهبط من سيارته مُلتقيًا بسارة التي تنتظره أمام سيارتها ، رمت السيجارة من يدها ونصبت قامتها قائلة بدلالٍ :
-وحشتني ! هو في أهم من كده ؟!
طالعها فريد بمكرٍ :
-مش مرتاح لك بس هبلعها عشان خاطر عيونك الحلوة دي ؟!
غمزت له بطرف عينها وقالت بميوعة :
-لا عجبتني ، عشان كده مش خسارة فيك الخبر ده !
راقبها في توجس مُنتظرًا ما تخبره به ، داعبت خصلات شعرها بتغنج ثم قالت :
-لقيت اللي بتدور عليه !
-مش فاهم ، اتكلمي على طول !
استندت على مقدمة سيارتها وقالت بتخابث :
-بصراحة انا كذبت عليك كذبة أد كده ، وجاية اصلحها حالًا !
-كذبة أيه ؟! أنتِ شاربة أيه الاول !
ضحكت بصوت عالٍ مبطن بالهموم وهي تقول :
-شاربة وعود وحب مزيف ، وحاجات من النوع ده ، المهم !
زفر فريد باختناق :
-أنا من الصبح مستني كلمة مهمة مش لاقي !
-حتى ولو قُلت لك البنت بتاعت البحر عايشة !

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوى بعصيانه قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى