رواية غرورها جن جنوني الفصل الحادي عشر 11 بقلم ابتسام محمود
رواية غرورها جن جنوني البارت الحادي عشر
رواية غرورها جن جنوني الجزء الحادي عشر
رواية غرورها جن جنوني الحلقة الحادية عشر
نهضوا جميعهم بفزع يركضون إلى غرفتها، كالذين شاهدوا ثعبان الأناكوندا أمامهم، فدخلوا إليها في مقدمتهم “مهيمن” رآها شاحبة الوجه كالأموات، ترتجف وتبكي وهي تمسك اللاب تنظر إليه بصدمة، فسألها بهلع:
– نايا فيه إيه؟
– وجود تعالى بسرعة اخفي الملف دا، فيه حد بيحاول يخترق الجهاز.
هرول تجاهها يأخذ الجهاز من على قدميها، الذعر أصاب زوجها وشعر بالخوف عليها من هؤلاء المتدخلين، يضمها داخل حضنه وهو يمرر يده على شعرها حتى تهدأ، فقال “مستقبل” بعدم فهم:
– الجهاز دا فيه إيه لكل القلق دا؟
وكزته “توتا” على كتفه ونظرت له بحدة، لم يصمت واقترب بجوار أخيه حدق بعينه داخل الجهاز، ظل دقائق يتفحص الملفات، بعد تركيز رفع رأسه مرددًا:
– ماما أنتي صاحبة الاختراع اللي العالم كله بيتكلم عنه.
نهض “مهيمن” بعدما أبعدها بلطف، قائلًا لأولاده:
– اللي حصل دلوقتي مش عايز حد ياخد خبر عنه؛ لأن أعداء أمكم كتير، وألف من بيدور على المعادلات اللي وصلت ليها.
أومأ ثلاثتهم برأسهم، كانت ضربات قلب “نايا” تكاد تفتك صدرها كالقنبلة من كثرة دقاته، بينما “وجود” منهمك بقوة وتركيز فيما يفعله، كالذي يحارب جيشًا بمفرده، يخشى من ارتكاب أي خطأ يجعله يفشل في حماية ملفات والدته وإخفاء شخصيتها، وبعد مجهود كبير تنفس الصعداء، وأخبرهم بوهن:
– نقلت كل حاجة على جهازي، ودمرت جهازك؛ لأن ممكن يخترقوه بسهولة تاني في أي وقت.
شكرت ربها وحاولت أن تقف مكان القبلة حتى تسجد سجدة شكر، عندما رفعت رأسها جلس بجانبها زوجها، حمد ربه وهو يضمها لصدره، لقد أصابه الهلع من مظهرها المرتعب، وقف “وجود” أمام والدته يقول بفخر:
– أمي أنا فخور إن أنتي أمي، برغم كل هزارك وجنانك معانا، عمرك محسستينا في يوم إنك مخترعة وليكي كيان علمي دقيق وحساس بالشكل دا، والغلطة فيه بعمرك.
ابتسمت له تجيبه:
– أنا اللي فخورة بيكم كلكم ومبسوطة إنكم عيالي.
اقترب منها ثلاثتهم يضمونها إليهم بمودة وحب، ربت “مهيمن” على أكتافهم وهو يبتسم، ثم ذهب كل منهم إلى غرفته، وغفوا في ثبات عميق.
★★★★★
في يوم جديد، تخرج “زينة” من المشفى بعد تحسن حالتها، لكن قلبها ما زال مكسورًا، وعندما زارها الجميع كانت تبتسم وهي تتحامل على نفسها، وتهز رأسها بدون أن تتفوه، وبعد رحيلهم تبقى “مستقبل” وخطيبته فيقول بتساؤل:
– أنتي بتحبيه أوووي كده؟
هزت رأسها بنفي تنفي كلامه، حرك رأسه بتعجب ليهاتفها بضيق:
– عجبك حالك كده.. بصي أنا مش همشي من هنا غير لما تتكلمي.
أجابته بدموع وانهيار:
– يا مستقبل أنا كويسة، واللي أنا فيه دا تعب من العملية مش أكتر.
ضحك بسخرية وأبلغها بتهكم:
– لو عايزة وجود، فالموضوع هيحتاج منك وقت وجهد.
– مش عايزة حد، حرام عليكم بقى، سيبني في حالي.
قالتها بنبرة مبحوحة فأعصابها لم تتحمل أي ضغوط. أردف “مستقبل” باقتناع ما يدور برأسه:
– أسلوبك دا هو اللي بيأكدلي إنك بتحبيه، يا زينة والله وجود مش بيحب كاميليا.. أنا متأكد؛ لأن من البداية قرب ليها علشان يدافع عنها ويحميها من اللي كانوا بيتنمروا عليها.
– آها علشان كده دايمًا تتمنظر بوجود، البت دي مريضة من اللي كان بيحصل فيها، وهي شايفة إن وجود لسان ودراع بيدافع عنها مش أكتر.
قالتها “كارما” وهي تأكد كلام “مستقبل”، فأكمل:
– بصي، عندي ليكي خطة، لو بدأتي فيها احنا هنكون معاكي مش هنسيبك.
لم ترد عليه؛ شاردة بعقلها كالطيور المهاجرة التي تسافر مسافات بعيدة ولم تقف أبدًا.
تفوه بالخطة كاملة ثم أنهى كلامه:
– لو عايزة وجود اعملي اللي قلت ليكي عليه من بكرة، ولو مش عايزه ابعدي خالص عن طريقه، تمام.
نكست رأسها أرضًا تفكر بكلامه، ثم أمسك بيد “كارما” وأخبرها عندما انصرفا:
– ممكن اعرف القمر مكشر ليه النهاردا؟
– تخيل اعرض رسمي للبيع، الناس تتريق عليه وتقول شخبطة.
– أنتي فنانة والمشكلة في دماغهم هما أقل من مواهبك، وريني كده اللوح.
أخرجت من حقيبة لوحاتها لوحات ألوانها متداخلة، عبس وجهه بدهشة ثم وجَّه نظره عليها بذهول:
– أنتي كنتي بتقتلي حد في الصورة دي.
ضاقت عينها سخطًا:
– أنت بتقول إيه يا جاهل أنت؟ دي معناها معاناة الشعب في وقتنا الحالي.
حدق في الصورة بدقة وأشار على اللون الأسود:
– طيب اللون الأسود دا بيرمز لإيه؟
– بيرمز للبيوت المتبهدلة في سوريا والأحمر دم الأطفال، والأصفر…
كانت تتحدث بضيق دفين على من هاجموا دولة بغير حق، فيقاطعها بقوله:
– لا دي مش محتاجة توضيح، دا بقى بيرمز لغرور الرئيس، ومش بيفضل غير نفسه.
– صح كده الله ينور عليك.
– الله على الإبداع والجمال، والترميز والإسقاط العالي يا أستاذة، عارفة لو فتحتي بُقك وقولتي لحد على سر وجمال الصورة هقتلك فاهمة.
– أنت تقصد مش بعرف ارسم رسم ترميزي.
– بصي وعد مني لو رسمتيني، ولا أقولك لو رسمتي صقر، بصي خليها أسد أهو سهل عليكي، ومن المقرر بتاع الابتدائي.. بنفسي هنزل أبيع كل رسمك في الإشاره، تمام.
أومأت رأسها بثقة، واستمرت ترمقه بتوجس، وهي تخرج ورقة رسم جديدة، ثم تضبط حجابها وهي تمسك في يدها اليسرى ريشة تضعها بين شفتيها مبحلقة له بتعمق تحاول أن تركز، فقال “مستقبل”:
– بتبصيلي ليه كده! هو أنتي هتتحولي؟ بصي أنتي زي الفل وانسي أي حاجه قولتها.
أطلقت صوتًا عاليًا من حنجرتها جعلته يصمت حتى تبحر داخل بحار خيالها بتركيز:
– هششششششش.
ابتلع ريقه وهو يهز رأسه ووضع كف يده اليمنى على شفتيه بقلق، حتى انتهت من رسمها، فترفع يدها تسحب ريشتها من أعلى لوحتها وتنظر إليها بتفحص، ثم تضع بعض الخطوط تجعل الرسمة جاهزة، تتقدم نحوه وهي تهز رأسها بفرحة وعلى شفتيها ابتسامة، تبسط يدها بتحفتها الفنية رافعة حاجبها بتعالٍ:
– هااااا، إيه رأيك؟
شهق بفزع أكثر ما كان فيه من قبل، ناظرًا لها وهو يتفوه بدهشة:
– مين دا، ولا حصل قنطور ولا بني آدم، حرام عليكي يا مجنونة عملت فيكي إيه علشان تحطي راسي على جسم أسد وتحولي إيدي لجناح صقر.
تتصنع البراءة، وتمط شفتيها للأمام مرددة:
– حياتي، عملت كل اللي قلت عليه، كده أنا غلطانة، ولا شكلك بتتهرب تنزل تبيع رسمي.
ازدرد ريقه بصعوبة، وهو يضع يده حول رقبته، ويقول بصوت مبحوح متقطع:
– لا، هـ ن زل.
– نعم.
– هنزل أهو، وسعي من طريقي.
يأخذ جميع لوحاتها، ثم يتوجه لسيارته فتصعد بجانبه وبداخلها شموخ، كان ينظر لها بخوف وقلق على ما فعلته به في رسمته، فهي لا ترسم من أجل التسلية، فكل رسمة تحمل معاني كثيرة، لكن المعنى الحقيقي (في بطن الرسام). يقف في منتصف الشارع ويقترب من السيارات يشرح لهم معنى الرسمة من وجهة نظره، في الرسمة نفسها التي شرحتها له منذ قليل، قائلًا لأحد السائقين:
– لو حضرتك ركزت في الصورة دي هتلاقي كل الألوان داخلة في بعض والرسامة ركزت على تلت ألوان؛ أحمر يعني العزة بالنفس، الأسود إن الإنسان غامض، والأصفر شموخ، وأكيد اللي هيشتري الصورة هيبقى عنده عزة.. غموض.. شموخ، إيه رأيك بقى تكون أنت صاحب الصورة العظيمة دي.
تهللت أسارير الفرحة على وجه الرجل، كالذي ينقصه كل هذا ويريد اكتساب ثقته في نفسه منها، فهتف بفرحة:
– بكام دي؟
– رخيصة خالص.
قالها وهو ينظر إليها باستفسار منها على ثمنها، رفعت يدها وفتحت كفها بخمس أصابع ثم وضعت صفرين، التفت للرجل مرة ثانية يقول:
– ألف جنيه، ها نقول مبارك عليك.
هز الرجل رأسه وهو يأخذها بين أحضانه بامتلاك ويخرج المال بيده الثانية من جيبه ويعطيها له، انصرف “مستقبل” يرقص في منتصف الشارع ويلوح بيده بالمال، وضعت يدها على وجهها بفرحة عارمة، وقف واضعًا يده على نافذة السيارة يبلغها بغرور:
– شوفتي يا جاهلة الرك على التسويق الصح، مش تقولي بيوت وحرب وغل.
أخذت من يده المال تعده قائلة بدلال:
– كمان أكتر من اللي قلت عليه، حياتي يا مستقبل.
– بقولك إيه ولا تكلميني ولا أكلمك بعد اللي عملتيه فيا.
– يا سيمو أقصد إنك قوي وشجاع.
– لا شاطرة، ييجي منك وبتتعلمي التثبيت بسرعة.
قالها وهو يرفع يده من على النافذة مستعدًا لدخول السيارة.
– تلميذتك ي…
قبل أن تنهي حديثها جاءت سيارة (جيب) كبيرة سوداء اللون، تقف بجانب “مستقبل”، ورجل طويل القامة أسود البشرة يضع يده على خصره ثم يدخله السيارة بعد معافرة منه، عندما أصبح بالداخل التفت بعينه بسرعة البرق بقلق ورعب على “كارما”، التي أذهلتها المفاجأة وألجمت لسانها، وجعلتها لا تستطيع السيطرة على أخذ أنفاسها، وعينها غير مصدقة ما حدث أمامها للتو، عقله أصبح كالقنبلة الموقوتة وسينفجر لا محالة، انطلق السائق في لمح البصر.
اعتلى وجهه علامات الغضب، وظل يصيح بحدة محاولًا صفعهم مما جعلهما يضعون على رأسه قماشة سوداء، لكنه لم ييأس من محاولاته حتى فقد وعيه حينما نثر أمام أنفه منومًا.
بعد انتهاء توتا من تمرينها، أصر “حازم” على إيصالها لكنها كالعادة رفضت بشدة. وبعد أن تشاجرا أمام مركز التدريب، انسحب حازم من أمامها قبل أن يفقد صوابه، دخل وقلبه مشتعل بنار لوعة الحب من طرف واحد، وقفت لها عربة أجرة ويخرج السائق رأسه وبتطفل:
– تاكسى يا أستاذة.
ركبت وهي تضع سماعة هاتفها بأذنها بعدما قالت له العنوان، ظلت تهمهم مع نغمات الموسيقى التي تسمعها حتى نظرت من النافذة، انكمشت ملامحها بالتعجب والاستغراب، أغلقت هاتفها وأخرجت سماعة الأذن تقول بدهشة:
– دا مش الطريق!
لم يجِبها أو حتى يعطيها أي اهتمام، ظنت أن سمعه ثقيل، اعتدلت في جلستها وقعدت على طرف الأريكة وهي تضع يدها على كتفه وتحدثه:
– حضرتك سامعني.
القلق سيطر على ذهنها حين لم تأخذ ردًّا منه عليها للمرة الثانية، فتفوهت بحدة تخبئ توترها:
– لا بقى قولت ما بتسمعش ماشي، ويطلع البعيد كمان مش بيحس! نزلني هنا.
استدار في جلسته بعين حمراء ونظراته مخيفة كالغول، فتمكن منها شعور بالخَشْيَة الناجم عن التهديد الذي أرسله إليها بنظراته الحادة، فتجمدت اتجاه الأحداث الذي صورها لها عقلها، أغمضت عينها بقوة كالنعام، تود الاختباء من الواقع المحتوم الذي ينتظرها، ندمت على الفور على تصرفها السخيف مع “حازم” ورفض عرضه السخي الذي كان سيحميها من كل هذا، أبخرة قلقها تتصاعد وتظهر بوضوح للسائق اللعين، الذي كان يختلس النظر عليها في المرآة ويعزف بشفتيه سيمفونية على مظهرها ووجهها الذي اصطبغ باللون الأصفر الدابل، برغم مرور دقائق فقط، أوقف السيارة وصعد بجانبها رجل غليظ الملامح، وضع قطعة قماش على وجهها، فأفقدها الوعي.
★★★★★
تجلس “نايا” بمعملها المخصص لها تعمل بتركيز، ويجلس على مقعد جلدي خلفها “مهيمن” يتابعها بشغف واهتمام، وبعد دقائق يدخل الفيلا “وجود” و”كاميليا” و”حازم” خلفهما، فقام “مهيمن” يضع على جبينها قبلة حارة، ويصعد لهما من السلم الخلفي حتى لا يلاحظ أحد مكانهما، استقبلهم بابتسامة، لكن صدمه منظر “كارما” التي تدخل تبكي وتقول كلام غير مفهوم، هرول إليها محاولًا فك طلاسم حروفها لكنه فشل، فاقترب “حازم” بتفهم يقول بتحذير:
– أنتي متأكدة من اللي بتقوليه، ولا دا مقلب من مقالبكم.
أمسكت يد “مهيمن” تتنفس الصعداء وتهز رأسها بنفي وتأكد ما سمعه “حازم”، وجَّه “مهيمن” نظره إلى “حازم”:
– هي بتقول إيه؟ انطق يا حازم.
– بتقول مستقبل اتخطف!
اتسعت حدقته، إذًا فقد علموا بأن “نايا” هي صاحبة الاختراع؟ وليس أحد أعدائه من خطفه، جلس بتعب يتمنى أن يكون من طرفه حتى لا تتدمر الأسرة بأكملها، بعد دقيقة نظر حوله أردف بتساؤل:
– وفين توتا يا حازم؟
– توتا؟!
نطق بها “حازم” الذي أصيب بغصه داخل صدره، ثم أكمل وهو يمسك بمعصم “كارما” متصطنعًا الهدوء جاذبًا إياها أمامه:
– لمحتي أي رقم، شكلهم، أي حاجة انطقي يا كارما.
هزت رأسها والدموع تغمر عينها، أفلتها “مهيمن” من بين يده يجلسها على الأريكة، ثم يجلس يضع يده على رأسه متأكدًا من كل مخاوفه، فتدخل “نايا” على صوتهم المرتفع تقول باستغراب:
– فيه إيه؟!
نهض “مهيمن” يمسد على شعرها، يزفر أنفاسه بقوة، فتتحدث “كاميليا” وهي ترسم على ملامحها الحزن:
– مستقبل وتوتا اتخطفوا يا أنط!
رمقها بحدة كل الموجودين، فوقعت “نايا” على الأرض من شدة صدمتها.
★★★★★
عندما وصل السائق مكان مبتغاه حمل “توتا” بين يده كالعصفورة، ثم أنزلها داخل حجرة كبيرة ويتردد بها صدى صوت، تأوهت عندما ألقاها أرضًا بوحشية، وصل صوت أنينها لأذن أخيها المكبل الأيدي، وعينه يوضع عليها وشاح، همس باسمها حتى لا يفزعها:
– توتا، أنتي كويسة؟
أخيرًا سمحت لدموعها بالهطول، وظلت تزحف حتى وصلت لصوته الذي طمأن قلبها، رفعت من على وجهها قطعة القماش، ثم من على وجهه، فتفوهت برعب:
– مين دول! واحنا بنعمل هنا إيه؟
– على ما أعتقد، دول الناس اللي كانوا عايزين يخترقوا جهاز ماما، وبما إنك عرفتي إجابة مين دول؟ هتعرفي لوحدك عايزين إيه؟
أغمضت عينها بتفهم ورعب، ثم رفعت رأسها تعاين المكان، فأخبرها “مستقبل”:
– ما تحوليش، مفيش غير الشباك اللي على بعد ١٠ متر.
طأطأت رأسها تبكي، أخذها داخل حضنه مربتًا على ظهرها:
– مستقبل أنا مش خايفة على نفسي.. أنا خايفة على ماما، ممكن تتنازل عن كل اختراعها علشانا.
– ماما أقوى من أي حاجة اطمني.
قالها حتى يطمئنها وكان يريد من يطمئنه.
★★★★★
بعد دقائق من إفاقة “نايا”، يعلن هاتفها عن مكالمة بدون رقم، فتتوجه عليه مهرولة تمسكه وتقول من بين شهقاتها، بعد ما سمعت صوت المتصل الذي يطلب كل أوراق ومعادلات البحث حتى يفرج عن أولادها:
– تحت أمرك بس عيالي ما يحصلش فيهم خدش.
أمسك “مهيمن” الهاتف من يدها، قبض عليه حتى كسره داخل يده، قائلًا بصوت جهوري:
– تديهم إيه! سمعيني كده تاني! تديهم أحلامك، طموحاتك، سهرك، وتعبك.. أنتي رجعتي لجنانك تاني؟!
– أمال اسيب عيالي يتبهدلوا، وياريتهم هيكتفوا بكده بس.. مهيمن اعتبره ما حصلش، أهم حاجة عندي عيالي.
تقف “كاميليا” جاحظة العين، مردفة بدهشة وفرحة بآن واحد:
– أنتي يا أنط صاحبة الاختراع اللي العالم كله مش ليه سيرة غيره، الله عليكى بجد، أنا فرحانة أووي إن حماتي هي اللي مدوخة العالم وراها.
– وجود خدها بعيد عن وشي، أنا مش ناقص حد.
قالها “مهيمن” وهو يكز على أسنانه يريد سحقها، قبض “وجود” على معصمها وسحبها خلفه بضيق، حتى وصلا إلى الحديقة:
– أنتي هبلة ولا شكلك كده؟! ولا ما سمعتيش في الحوار اللي دار دا كله غير أمي هي صاحبة الاختراع.
– سيبك من أي حاجة المهم في الأساس.
– لا أنتي فعلًا هبلة.
قالها وهو يتركها وحدها، فتربع يدها وعلى ثغرها ابتسامة.
انصرف “حازم” بعد صراع طويل مع نفسه بدون أي كلام، فعقله يتخبط بين جدران القلق والخوف عليها، وقلبه ينزف ألمًا وحزنًا، فلا يعلم أين يذهب؟ كيف يفكر؟ كيف يتصرف؟
★★★★★
مر الوقت كالدهر عليهما، وبعد تفكير عزمت “توتا” وأخوها على وسيلة للهروب، لكن كل محاولاتهما باءت بالفشل، فأمسكها “مستقبل” بقوة وهو يشير على خطاف يوضع داخل الحائط، ويظهر أمامهما رجل ملثم يرتدي بدلة سوداء مصنوعة من الجلد مثل “باتمان”. فزعت “توتا” وهي تقول:
– مين دا؟!
– مش عارف، ممكن يكون سبايدرمان!
– لا دا شكله نطاط الحيط.
سحبها خلف ظهره، عندما ترجل إليهما وأصبح في مقابلهما، استعد “مستقبل” للقتال معه، لكن الرجل رفع يده حتى يبث لهما الطمأنينة واقترب منهم بوهن يقول بلكنة أجنبية، وبصوت رجولي خشن:
– لا تخافا، سوف أنقذقما من هذا المأزق، هل أنتما مستعدان لخوض التجربة.
قالها وهو يشير برأسه على خطافه الذي يستخدمه في تسلق الحائط في الهواء.
فرد عليه “مستقبل” بقلق:
– من أنت؟
– لا يوجد لاسمي فائدة الآن.
قالها وهو يقترب لـ”توتا” بنظرات حارة بها سحر عجيب، ويمسك يدها برقة ولطف يذوب به جليدها، فوضع “مستقبل” يده على يده قائلًا بتحذير:
– إيدك يا برنس.
– ماذا تقول.
– ارفع إيدك من على أختي.
لم يترك يدها قائلًا:
– لا تخاف عليها، فهي في أمان معي سيدي.
ثم استدار بوجهه نحوها يحدثها بصوت هامس هائم:
– هل أنتي بخير يا سيدتي.
هزت رأسها بنعم، وفاقت من شرودها بعد ملامسته ليديها، فلمسته بها نعومة طغت علي صوته الأجش وهيئته القاتمة، وبالرغم من أنها لم ترَ عيناه، إلا أنها شعرت بامتلاكها، ثم ألقى خطافه معلقه بالنافذة المرتفعة قائلًا لـ”مستقبل”:
– عليك أن تضغط على هذا الزر وهو سيرفعك، وبعد أن تتمسك بالحائط ألْقِه إلي.
شعر بصدق حديثه، فبسط يده يأخذ أخته، لكنه منعه وأرجعها خطوة للوراء وهو يضع يده حول خصرها، أفقدها الوعي بالكامل، شعرت حينها بقشعريرة تجتاحها بسبب تلك الضمة التي كانت بمنزلة عناق البحر لأمواجه العالية، ثم قال بهدوء:
– عليك أن تهتم بنفسك، وأنا سأهتم بها؛ لأنك لم تتدرب على فعل هذا من قبل.
حرك رأسه بعد أن اطمأن عليها وسمحت له بالانصراف، كانت متشبثة بالملثم، كان مثل طائر العقاب ذي جناحات كبيرة يخطفها تحتها، كأنه بر أمانها وطوق نجاتها، وكأنها لم ترَ أي نوع من الرجال من قبل. تعجبت حالتها، ربما لشدة حنانه، عطفه، حمايتها، استحوذ على كل تفكيرها. بعدها صعد، جعلها أمامه وأردف بصوت واهن رقيق:
– هل أنتي جاهزة، سيدتي.
أومأت برأسها، حاوطها بقوة جعلتها تتحسس يده، التي يرتدي بها قفازات، وعندما وصلا أعاد الكَرَّة وبدأ “مستقبل” يتسلق، بعدما علق الرجل خطافه بأحد الحوائط، ثم أمسك الحبل وقام بلفه حول يده وضغط على الزر فقام بسحبه، ثم ألقى عليهما الحبل من جديد، لكن أحد من رجال العصابة سمع صوت خبط فأدار الكشاف الذي بيده على مصدر الصوت.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غرورها جن جنوني)