روايات

رواية غرام في المترو الفصل الثالث 3 بقلم ولاء رفعت علي

موقع كتابك في سطور

رواية غرام في المترو الفصل الثالث 3 بقلم ولاء رفعت علي

رواية غرام في المترو الجزء الثالث

رواية غرام في المترو البارت الثالث

غرام في المترو
غرام في المترو

رواية غرام في المترو الحلقة الثالثة

يجلس الطبيب بجواره ويمسك معصم يد رأفت لقياس نبض قلبه متابعاً علي العداد في هاتفه، بينما الأخر يفتح عينيه كل فينه والأخرى والوهن جلي علي ملامح وجهه، علي الجانب الأخر من السرير تقف وتراقب الفحص وتبكي في آن واحد، بكائها بدافع الخوف أن يحدث مكروهاً لزوجها وتضع في محل الاتهام أمام زوجته منيرة و ولديها نور ويوسف.
لاحظ الطبيب بكائها الصامت فأخبرها ليطمئنها
“اطمني يا مدام سوزان، رأفت بيه بخير، هو بس اللي حصله إنه قلبه ما استحملش المنشط اللي خده”
ونظر الطبيب إلي رأفت وتابع
“مش من اسبوع كنت عندي يا رأفت بيه وحذرتك أنك لو هتاخد أي منشط، تيجي قبلها تستشرني؟!”
أجاب الأخر بصعوبة
“ده مستورد يا دكتور”
“مستورد و لا محلي ضررهم واحد، و أنت مريض قلب وضغط عالي، و مش أي منشط تاخده من دماغك، المرة دي الأزمة الحمدلله جتلك علي خفيف ولولا مدام سوزان لا قدر الله يا عالم كان حصلك إيه”
نزع الورقة من الدفتر وأعطاها إلي سوزي وقال
“دي الفيتامينات اللي هايمشي عليها والدوا الخاص لقلبه كتبت له علي بديل أحسن وأقوي، و راحة لمدة أسبوع لحد ما أشوفه الأسبوع الجاي”
نهض و أغلق حقيبته
“أنا مضطر أمشي عشان ورايا ميعاد كشوفات في العيادة، لو في أي حاجة أتصلوا عليا علي طول، حمدالله علي السلامة يا رأفت بيه، سلام عليكم”
“و عليكم السلام يا دكتور”
بادلته التحية وذهبت خلفه، و بعد أن غادر وأغلقت الباب ثم استندت عليه بظهرها وقالت بصوت لم يصل إلي زوجها
“و لما هو مش قد الجواز أتجوزني ليه؟!، أحسن بصراحة كنت شايلة هم الموضوع ده وأهو أتحل لوحده، عقبال يارب يبقي أسبوع الراحة يبقي سنة وبعدها أخلع منه”
※ ※ ※
تخرج من البناء التي تقطن به تتحدث في الهاتف
“صباح الخير يا جمال، بقولك يا حبيبي خمس دقايق وأنا وغرام هانكون جاهزين، أبقي عدي علينا قدام بيتها”
“ماشي يا حبيبتي، بس بالله عليكي يا هند ما تتأخروش، أول ما أزمر تطلعوا علي طول”
“حاضر، يلا سلام عشان وصلت قدام بيتها”
أغلقت المكالمة و ولجت إلي الفناء ثم ضغطت الجرس الخاص بمنزل عائلة غرام، فتحت السيدة عزيزة
“صباح الخير يا هنوده، أتفضلي”
“صباح النور يا خالتي، أومال فين غرام؟”
أشارت إليها نحو غرفة ابنتها
“أدخليلها قاعدة جوة ومش عايزة تروح الشغل، و كل ما أسألها بتقولي أهو كدة”
ربتت هند علي ذراع والدة صديقتها
“ما تقلقيش يا خالتي، هادخل أشوفها مالها”
طرقت الباب ثم ولجت خطوة
“ممكن أدخل؟”
نظرت إليها غرام وتجلس علي الأريكة ذات الطراز الشعبي
“أتفضلي يا هند، أنتي مش غريبة”
جلست بجوارها تسألها بقلق
“مالك حصل حاجة في شغلك؟، و لا أتخانقتي مع مدام رشا؟”
تشعر الأخرى بالضيق والهم، بل بالإحباط و الهزيمة، نظرت إلي صديقتها وعينيها يملأها الحزن
“عمالة أدور في ساقية و شغل كله بهدلة و مش عارفة أوفر كل حاجة لأمي و لأخواتي، اللي جاي يا دوب بيقضي بالعافية، و لا الست رشا أبيعلها كل الكمية و تيجي تديني فتافيت يا دوب يقضو مصاريف يومين بالعافية”
وضعت هند يدها علي ظهر غرام تربت عليها لتجعلها تهدأ ولو قليلاً
“أستغفري الله، كل كرب و ضيقة بعده فرج ووسع، أنتي بتسعي وربنا عالم بحالك، ما تعلميش يمكن ربنا شايلك حاجة أحسن يمكن النهاردة و يا عالم بكرة أو بعده”
مسحت دموعها بالمحرمة و عقبت
“و نعم بالله يا هند، أنا مش معترضة علي اللي ربنا كتبهولي، بس أنا بني آدمه و ليا طاقة، لما بفكر في اللي بيحصل بقول ياريتني كملت الكلية كان زماني بشتغل في شركة أو كاشير في أي مول و لا محل كبير، علي الأقل أحسن من بياعة في مترو، اللي يسوي و ما يسواش يضايقني و لا ظابط تفتيش يبهدلني إهانة وقلة قيمة، أنا أقسم بالله عمري ما حصل فيا كدة لما أبويا كان عايش”
أطلقت زخات من الدموع، تلقتها صديقتها بين ذراعيها، مازالت تربت عليها
“اهدي يا حبيبتي، بإذن الله ربنا هيرزقك من وسع، وهايعوضك بالأحسن يارب، بس أنا ياما قولتلك يا غرام، لما توافقي علي عريس محترم كان زمانك ملكة في بيتك”
“يعني أتجوز و مين اللي يصرف علي أمي و أخواتي؟!، معاش أبويا الله يرحمه يا دوب علي قد كهربا ومياه و غاز وعلاج أمي، لكن أكل وشرب و دروس ابتسام و سعيد أنا اللي بسددها”
عقبت صديقتها
“يعني لو قعدتي مش هتلاقي تاكلوا و أخواتك هيطردوا من الدروس، يلا قومي و وحدي الله، و طول الوقت استغفريه، و أدعي ربنا يرزقك و أنا قلبي حاسس هيديكي رزق كبير أوي، و بكرة تقولي هند كان عندها حق، بس أبقي أفتكريني أنا وچيمي”
ابتسمت غرام، فصديقتها تنجح دائماً في رسم البسمة والفرح علي وجهها، كلما تمر بكل ضائقة.
صدح صوت تنبيه المركبة في الخارج
“أهو جمال وصل برة، قومي بلا ألبسي بسرعة عشان نوصلك عند مدام رشا”
وهكذا استطاعت هند بأن تجعل صديقتها تنهض وتسعى إلي رزقها أفضل من الجلوس بين براثن الأفكار السلبية وتنهش من روحها كالوحش.
ترجلت غرام من المركبة أمام متجر السيدة رشا، ملوحة بيدها إلي هند وجمال الذي أنطلق نحو عمل خطيبته، لكنه توقف في منتصف الطريق ونزل ليجلس بجوارها
“فيه إيه يا جمال وقفت ليه؟”
يشعر بالهم يتسلل إلي داخله فأخبرها بما حدث معه الأيام المنصرمة
“المفروض كنا ندخل بعد شهرين لو في حال لاقيت شقة إيجار في خلال شهرين”
تابعت الأخرى بدلاً منه
“و لافيت طول الفترة اللي فاتت و مالقتش حاجة مناسبة، صح؟”
“أقسملك إنه مش بإيدي، و إن كان عليا عايز نتجوز النهاردة قبل بكرة، بس علي يدك و أنتي عارفة كل حاجة”
“أنا أن كان عليا أنت عارف ممكن أستني العمر كله، بس بابا أخر مرة قالك إنها أخر مرة نأجل فيها الجواز، هو بيحبك و متفهم ظروفك، لكن ماما زي أي أم ده غير أنا بنتهم الوحيدة وشئ طبيعي مش هايعجبها الوضع”
“طيب أنتي قوليلي أو شوري عليا أعمل إيه؟”
أثرت الصمت قليلاً قبل أن تعرض عليه هذا القرار الذي تعلم ما يخلفه من رفض تام من قِبلّ والدتها قبل والدها
“الحل إننا نتجوز في شقتكم مع مامتك لحد ما ربنا يفرجها و ننقل لشقة مقدمتها وإيجارها علي قد اللي معانا”
وقع الحل علي سمعه كالصدمة
“أنتي بتهزري؟!، أنا لو قولت لعم رمضان و مامتك كدة هيقولولي معندناش بنات للجواز إذا أصلاً ما طردونيش بعدها”
“ما تخافش يا جمال، ماما و بابا بيعملوا لي أي حاجة فيها راحتي، و راحتي هي أكون معاك حتي لو هنعيش في النار”
ابتسم وأمسك يدها يداعب أناملها، و سرعان جذبت يدها من يده
“للدرجدي بتحبيني أوي؟”
أجابت بخليط من المزاح والرومانسية
“المفروض بعد اللي قولتهولك و هو أن أتجوز وأعيش مع حماتي في نفس الشقة ده أكبر جواب و دليل”
“و مين قالك إن هابقي فرحان؟!، أنا نفسي أنا وأنتي نقعد في بيت لوحدنا خاص بيا و بيكي محدش يضايقك و لا حتي يفكر يزعلك”
“لاء يا حبيبي محدش يعرف يزعلني، بعرف أخد حقي، و لو معرفتش حبيبي هياخد لي حقي”
عقب ويقترب منها أكثر
“طبعاً هاخدلك حقك و أديكي فوقيه بوسة”
كاد يقبلها، وضعت كفها علي فمه محذرة إياه
“و بعدين؟، مش متفقين ممنوع أي تجاوزات لحد ما أبقي مراتك علي سنة الله و رسوله؟!”
صاح بسخط مازح
“لاء أنا كدة بقي هاجي لعمي رمضان و أقوله بعد ما يوافق، إننا نتجوز في خلال أسبوعين، أنا مستحمل بقالي كتير”
أخذت تضحك علي اعتراضه كالطفل المتمرد، نهض و جلس علي كرسي المقود و أنطلق بالمركبة قبل أن ينفذ صبره و يرتكب فعلاً فاضحاً في الطريق العام.
※ ※ ※
“أيوه يا عثمان عمال ترن ليه؟، أنا في المدرسة”
تتحدث بصوت خافت داخل المرحاض
“ما أنا عارف، هو ما ينفعش تزوغي من عندك؟”
“أنت بتستعبط؟، ده لو أتقفشت هاخد فيها فصل، إحنا عندنا ناظرة و لا مرات أبو لهب نفسه”
“علي فكرة أنا واقف قدام البوابة و مفتوحة و فيه طلبة بيخرجوا منها”
“دول بنات من سنة تانية رايحين في نشاط تبع المدرسة”
“الحق عليا كنت هاخدك زي فسحة إمبارح و نروح ناكل كريب وبيتزا و نحلي بالقشطوطة اللي بتحبيها ونطلع علي الملاهي أركبك الألعاب اللي بتحبيها وأروحك في ميعاد رجوعك من المدرسة”
تفكر في الأمر ملياً، وجدت العرض مغرياً للغاية، كم تحب كل ما قام بذكره، فمنذ وفاة والدها حُرمت من أغلب الرفاهية وذلك بسبب الحالة المادية التي أصبحت عائلتها تمر بها فأخبرته
“طيب أستناني و أنا هاتصرف”
و بعد دقائق كانت خلفه فوق الدراجة النارية
سألها
“مبسوطة؟”
تتشبث به أو لنقل بالأحرى تحتضنه من ظهره
“فرحانة أوي”
صاح لكي تسمعه من صوت الهواء والموتور
“ربنا يقدرني وأخليكي فرحانة كدة ديماً”
دفعت دفة الحديث في اتجاه آخر حتي لا تصل معه إلي الأمر الذي تتهرب منه دائماً، أخبرها بعد ظهور النتيجة لديها سيذهب إلي والدتها وشقيقتها الكبرى غرام لطلب يدها وبعد انتهائها من مرحلة التعليم الجامعي سوف يتزوجها، بينما هي تمتلك طموح ليس له حدود، فآخر ما تفكر به الزواج من عثمان ابن الجيران الذي أحبها منذ نعومة أظافرها، ربما سبب عدم قبول ذلك يعود إلي المستوي الاجتماعي والمادي لدي عائلته لا يقل حالاً عنها، كم تحلم أن تخرج من بوتقة تلك الحارة المتعفنة إلي حي آخر أكثر رقي كما تري في التلفاز، أحلام وردية وسط ظلام حالك يتخلله بصيص أمل تتشبث به لعل تتحقق أحلامها.
※ ※ ※
تقف غرام منذ أكثر من نصف ساعة في انتظار السيدة رشا، تنظر كل فينه وأخرى إلي ساعة هاتفها، فقد أخبرتها أن لديها أمر هام لدي مصلحة الضرائب ستنتهي منه وتأتي إليها لكي تعطيها البضاعة مثل كل يوم.
“هاتفضلي واقفة عندك في الشمس كدة لحد ما تتحرقي؟”
كان صوته البغيض يأتي من داخل المتجر وهذا سبب آخر في انتظارها بالخارج
ألتفت إليه و رمقته بابتسامة كراهية
“و أنت مالك، خليك في حالك أحسنلك”
شعر بالحرج وبداخله يكن لها وعيد عزم علي تنفيذه منذ البارحة
“براحتك خليكي عندك”
فتابع بهمس
“ما بقاش المعلم رجب لو ما كسرتش عينك ونفسك وأخلي سيرتك علي كل لسان يا غرام”
رفع هاتفه وقام بأجراء مكالمة، انتبهت إنه يتحدث في الهاتف ثم اقترب منها
“أهي واقفة يا رشا مش عايزة تدخل”
أعطي الهاتف إلي غرام وأخبرها
“خدي رشا عايزة تكلمك”
أخذت الهاتف علي مضض وترمقه بازدراء
“ألو يا مدام رشا”
“بصي يا غرام، شكلي هتأخر وحرام تستنيني كل ده، خلي رجب يديكي مفتاح المخزن فوق وخدي البضاعة اللي في أول كيس علي يمينك أول ما تدخلي”
“خلاص يا مدام مش مشكلة النهاردة، هابقي أعدي علي حضرتك بكرة إن شاء الله”
“أنا بكرة مسافرة البلد مش هابقي موجودة و رجب هو اللي هايفتح، و أنا عارفة إنك مش بتحبي تتعاملي معاه، و معرفش هاغيب قد إيه، عشان كدة بقولك خدي البضاعة اللي في الكيس كلها هتكفيكي 5 أيام لحد ما أرجع”
زفرت و صدرها يزداد ضيقاً، فقالت مرغمة
“حاضر يا مدام رشا، هاخد الحاجة ولما أبيعها هاعدي علي المعلم رجب أديهاله”
“لاء خليها معاكي أحسن”
“حاضر، ترجعي بالسلامة”
أعطت الهاتف إلي رجب والذي أعطاها المفتاح كم أخبرته شقيقته بحسن نية
تركته غرام منشغلاً في التحدث مع شقيقته و ولجت سريعاً ثم صعدت علي الدرج و قامت بفتح باب المخزن، و هو عبارة عن شقة شاغرة من الأثاث، تتخذها رشا مخزن.
وجدت الكيس الذي أخبرتها به، كان حمله ثقيلاً فقامت بدفعه جراً علي الأرض وتتجه نحو باب المخزن بظهرها حتي اصطدمت بجسد كالحائط، تركت الكيس علي الفور فزعاً و ألتفت إليه
“أنت طالع هنا ليه؟”
أغلق الباب بقدمه وبدأ بفك أزرار قميصه، و عينيه تنضح بما سيقبل عليه
“هاكون طالع هنا ليه؟”
تتراجع وتخرج من حقيبتها مبرد الأظافر دون أن تلفت النظر إليه
“أنا بحذرك يا رجب، أبعد عني أحسن لك”
“أنا قفلت باب المحل بالقفل، و المخزن مالهوش باب غير اللي دخلتي منه، يعني برضو علي المحل المقفول بابه، مش هاتعرفي تهربي و مهما صرختي محدش هايسمعك”
خلع قميصه و ألقي به علي الأرض ثم وثب نحوها فكاد يمسك بها، لكنها كانت أسرع منه وقامت بتسديد إليه طعنة بهذا السلاح الضعيف، وبالفعل أصابه لكن لم يؤذيه بل انكسر ووقع علي الأرض، شهقت بخوف، فهي الآن أشعلت جذوة الغضب لدي هذا الذئب الماثل أمامها، ظلت تجول ببصرها من حولها لعلها تجد شيئاً تدافع به عن نفسها فلم تجد، خطوة أخيرة إلي الوراء شعرت بأن أسفل قدميها شيئاً…
“هتروحي مني فين أنا قتيلك النهاردة”
مد يديه لكي يجذبها إليه، و في لمح البصر انحنت إلي أسفل حتي لا يقيدها و اختطفت هذا الشيء من أسفل قدميها، فكانت عصا معدنية في مقدمتها خطاف صغير تُستخدم في تعليق الثياب علي المشجب المرتفع في حائط العرض.
“مش عايز تبقي قتيلي خد يا روح أختك”
عبارة ساخرة تزامناً مع ضربة من العصا المعدنية علي رأسه من الخلف جعلته يترنح ويفقد الرؤية مع فقدان الوعي.
بصقت عليه وقامت بفتح الباب والركض إلي أسفل، تمكنت بفتح باب المتجر بصعوبة، أطلقت ساقها للريح حتي وجدت نفسها داخل المنزل لا تعلم كيف ومتي وصلت، ارتمت علي مضجعها ترتجف خوفاً كلما تتذكر ما كان سيحدث معها، أخذت تتلو بعض الآيات و الأذكار ليطمئن قلبها إلي أن غالبها النوم.
※ ※ ※
قد انتهت من التسوق للتو وفضلت السير علي الأقدام لترى نظرات الإعجاب و الصفير من كل رجل وشاب يراها، حية يتلوى خصرها يميناً ويساراً لخطف الأنفاس، توقف أمامها مركبة ذات الثلاث إطارات، نزل منها ونظرة التعلق التي باتت لديه منذ شهور تنضح من عينيه
“عنك يا سماح”
“تسلم يا عاطف”
تركته يأخذ من الأكياس وقام بوضعهم داخل المركبة، عاد إلي كرسي المقود و أنطلق بها، توقف بالقرب من الحارة، سألته والقلق يساور قلبها
“وقفت هنا ليه؟”
“ممكن تديني من وقتك خمس دقايق”
أطلقت زفرة يتبعها تعليقاً
“و الله كنت حاسة أخرة الجدعنة دي مصلحة، خير يا عاطف؟”
استدار ليستطيع أن يتحدث معها وجها إلي وجه
“أنا عمري ما كنت بعمل حاجة عشان مصلحة، اللي عايزك فيه حاجة بعيد عن أي مصالح”
زفرت بضيق ونفاذ صبر
“إنجز عندي غدا لسه هاعمله قبل ما أبويا يجي و يطين عيشتي”
“حاضر مش هأخرك، الموضوع و ما فيه أنا…
تردد في أن يلقي عليها هكذا دون مقدمات
“بصراحة أنا بحبك من فترة كبيرة، و عايز أجي أطلب إيدك من عم مليجي أو من عماد أخوكي”
رأى علي وجهها تعبيراً لم يكن يتوقعه بتاتاً، قد وجد سخرية بل و ضحكة هازئه للغاية
“هو أنا قولت إيه يضحكك أوي كدة؟”
توقفت عن الضحك بصعوبة فتحولت إلي شخصية أخرى لم تجل في خاطره يوماً
“اسمعني يا عاطف و ركز في كلامي أوي، أنا أبويا راجل علي قد حاله بيشتغل في فرن عيش الصبح و بعد الضهر سباك علي ما تفرج، يعني الحمدلله و بلا فخر الفقر راكبنا من ساسنا لراسنا، يعني يوم ما أطلع من بيت أبويا أروح لحد يخليني أتنفس هوا نضيف في حتة نضيفة مش أفتح البلكونة ألاقي فرشة أمك ومرصوص عليها الفجل والجرجير و لا بيتكم اللي لو بتوع الحي جم وشافوه هيطلعلوا قرار إزالة، يعني أنا وأنت علي باب الله و لو أتجوزنا هندور نشحت عشان نعيش”
كانت صدمة ضارية لم تكن في الحسبان لديه، لكن قلبه الذي أراد أن يمحو حبه القديم بآخر جديد أخفق تلك المرة في اختياره
“أنا مش فقير يا سماح، التوكتوك اللي شايفاه ده ملكي أنا وجمال، و البيت اللي بتتمسخري عليه فيه شقة ملكي، ده غير إن كل شهر يجي لي عرض سفر من عنتر أخويا عشان أشتغل معاه في الكويت”
ضحك بسخرية و عقبت
“و يا تري هاتشتغل مع أخوك إيه؟!، مبلط و لا هاتغسل صحون؟!”
“و ماله الشغل ده و لا ده، أهو كله بالحلال و رزقهم ماشاء الله يخليني أفتح بيت و أنا مرتاح”
تربت علي كتفه قائلة
“مالهوش يا أخويا، بس أنا أصلا مش عايزة أتجوز، عندك البت يمني بنت ميمي بتاعت الطماطم أتجوزها، و أمها وأمك يضموا شغلهم علي بعض ويفتحوا فرع لسوق العبور في الحارة”
كانت تضحك من بين كلماتها، و حتي لا تثير غضبه أكثر من ذلك، تناولت الأكياس من داخل المركبة ثم لوحت يدها إليه بتهكم
“سلام يا سي عاطف”
تركته وذهبت و لم ترَ ألسنة اللهب في عينيه، و وعيد بأن تأتي الفرصة وسوف يرد لها الصاع صاعين حينذاك.
※ ※ ※
أصوات الموسيقي الصاخبة تصدر من تلك السماعات المنتشرة داخل قاعة الملهى، قرع كؤوس الخمر والمشروبات يشوبها أصوات ضحكات من بين هذه و هذا، فهنا وكر الملذات حيث كل المحرمات، خمر، مخدرات ونساء عاريات موسيقي يصاحبها كلمات خليعة، تلامس وعناق و قبلات تندرج تحت بند الزنا، إنه منتجع الشيطان وأعوانه.
يجلس لدي البار ويشرب الكأس العاشر حتي ثملَ
“واحد كمان لو سمحت”
أصابته الحازوقة من فرط ما تجرع من الشراب
كاد النادل يعطيه الكأس فقام بمنعه صاحبه وأخبره
“كفاية شرب يا يوسف و يلا بينا عشان أروحك”
تدخلت احداهن
“سيبو يا رامي قاعد، ما صدقنا يرجع يسهر معانا زي الأول”
“قعدي ساكتة أنتي وهي و ملكوش دعوة”
ثم مال نحو صاحبه يخبره بالقرب من أذنه
“يلا عشان منيرة هانم قالبة الدنيا عليك و علي رأفت بيه”
نزل يوسف من علي المقعد واستند علي كتفي الأخر
“وصلني يا رامي وحياة أغلي حاجة عندك”
“يا عم من غير ما تحلفني أنا أصلاً كنت هوصلك”
ظل يسير به حتي الخارج، ركض الحارس ليفتح باب السيارة فوضع رامي يوسف داخلها، ثم ذهب ليجلس في مقعد القيادة، أخرج ورقة مالية أعطاها إلي حارس الملهى
“تسلم يا تايسون”
و أنطلق بالسيارة وجهته فيلا عائلة الشريف
※ ※ ※
وفي بهو الفيلا من الداخل، تجلس منيرة أمام التلفاز، من يراها يحسب إنها تتابع برنامج أو مسلسل ما، لكن هي تنتظر كلا من زوجها وابنها، فالوقت قد تأخر و نور ابنها الأكبر عاد من الشركة السادسة مساءً، يتمدد في غرفته علي السرير يتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، انتبه إلي زوجته تخرج من الحقائب الكثير من الثياب و المتعلقات، لديها نهم الشراء بحاجة و أغلب ما تشتريه ليست في الحاجة إليه، لكن الشراء أصبح هوساً لديها
، ترتدي ثوباً قصيراً أمام المرآة
“بيبي، إيه رأيك في الـ dress ده؟”
بدون أن يرفع عينيه عن هاتفه أجاب
“حلو”
“حلو من غير ما تبص؟!”
“كاميليا، أنتي كدة كدة إشتريتي كل اللي عمالة تقسيهم دول، يعني حلو أو وحش رأيي مش هيفرق بالنسبة لك”
ألتفت إليه بحنق
“و أنا اللي كنت عملالك مفاجأة، أوك زعلانة منك”
ترك الهاتف ونهض ليذهب إليها
“إيه يا كوكي، بهزر معاكي، يا ستي أنتي أي حاجة بتبقي تحفة عليكي عشان أنتي اللي بتحليها”
تعلقت بذراعيها حول عنقه
“بجد يا نور؟”
“بجد يا قلب نور”
قامت بتقبيل خده ثم ابتعدت لتأتي بحقيبة
“أنا بقي جيبتلك معايا هدية صغننة يارب تعجبك”
أخرجت قميص قطني أبيض بنصف أكمام
“أتفضل يا بيبي، تيشرت هتليق عليك جداً”
أخذه ويشعر بالسعادة، فأخيراً بدأت بالاهتمام به
“الله حلو أوي يا حبيبتي”
“دي القطعة الرجالي لكن الـ female منها نفس اللون، عاجبني و لاقيت البنت بتقولي عليه عرض لأنه معمول للـ couples و التيشرت بتاعك هدية”
خابت آماله إنها قد تذكرته و لو بهدية بسيطة، لكن هي لن تتذكره إلا عندما تريد البطاقة الائتمانية فقط!
أصوات شجار بالخارج، جعلته يخرج ليرى ما يحدث…
“عايزة مني إيه يامنيرة، أنا تعبان و مش فايقلك”
“هو أنا لما بسألك كنت فين عشان أطمن عليك، تقوم قالب عليا؟!”
“كان عندي شغل كتير في الشركة كنت بخلصه، ها إرتاحتي؟”
نظر نور إلي والده الذي شعر بالحرج أمام ابنه الذي يعلم أن والده غادر مبكراً من الشركة
“فيه إيه صوتكم عالي أوي كدة ليه؟”
كان صوت يوسف الثمل و يسنده أحد الحراس الذي أخبر والديه
“أستاذ رامي وصلو لحد البوابة”
كان علي رأفت استغلال موقف نجله إلي صالحه، فأشار لزوجته نحو ابنهما موبخاً إياها
“أتفضلي يا هانم تربيتك، جاية أنصاص الليالي عمال يطوح ويا عالم لو مكنش معاه رامي كان ممكن حصله إيه”
نظرت منيرة إلي يوسف بغضب فقال وهو يترنح
“ما تبصليش كدة أنا حر أعمل اللي أنا عايزه، خليكي فيه رأفت جوزك”
لم يشعر بحاله وهو يهوي علي الأريكة يستسلم للنوم
“ياريت يا منيرة تركزي مع ابنك قبل ما يضيع و يضيعنا”
كظمت الغيظ لديها، كما شعرت بالحنق، تركتهم وصعدت إلي غرفتها التي تفضل النوم بها بمفردها تاركة زوجها أيضاً في غرفة بمفرده.
عاد نور و زوجته إلي الغرفة، عقبت كاميليا
“أنا واثقة أن أونكل رأفت بيعمل حاجة من ورا طنط موني”
تمدد الأخر علي ظهره وأمسك هاتفه
“هايكون مخبي إيه مثلاً؟”
رمقته بثقة تحسد عليها
“أنا متأكدة أونكل أتجوز أو مرافق واحدة، what ever، هو sure في حياته واحدة تانية”
“الله أعلم، و لو كلامك صح ملناش دعوة”
أكتفي بتلك الإجابة المريبة بالنسبة إليها، يعني إنه ليس لديه مانع أن والده يتزوج بأخرى، و ما أثار القلق والشك في قلبها أن نور دائماً يتخذ والده قدوة ومثال يسير علي خطاه.
“بيبي أنت ممكن تتجوز عليا أو تخوني؟”
ولي إليها ظهره، و جذب الغطاء عليه
“هو أنا عندي وقت أصلاً أقعد معاكم عشان أعرف أتجوز و لا أرافق؟!، أطمني يا كاميليا أنا أكتفيت بيكي”
ابتسمت بسعادة و احتضنته من ظهره
“i love you so much, baby”
و قامت بطبع قبلة علي خده ثم تمددت بجواره، لم تنتبه إلي ضوء شاشة هاتفه، يتأمل الصور علي صفحة
«sozy salh»!!
الصفحة المفضلة لديه قبل أن ينام لا تفارق مخيلته أو أحلامه منذ أن عملت لديهم في الشركة!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غرام في المترو)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى