روايات

رواية عهود الحب والورد الفصل السادس 6 بقلم سارة نيل

رواية عهود الحب والورد الفصل السادس 6 بقلم سارة نيل

رواية عهود الحب والورد الجزء السادس

رواية عهود الحب والورد البارت السادس

عهود الحب الورد
عهود الحب الورد

رواية عهود الحب والورد الحلقة السادسة

– صباح الفُل يا دولا.
رددت الجدة وهي تجلس حول المنضدة المستديرة:-
– صباح الورد يا عهود، شكلك صاحي من بدري، أيه هتروحي الشغل!
– صليت الفجر وقرأت شوية قرآن .. وعملت يا ستي كيكة الرواني وحضرت الفطار علشان تفطري من إيدي النهاردة.
قالت ورشفت المتبقي من كوب النسكافيه ذا نكهة الفانيلا خاصتها.
– أيه النشاط دا كله، تسلم إيدك يا عهود.
– بصراحة أجواء البلد هنا الصبح تحفة، هنا ساعة الاستيقاظ الرسمية الفجر .. تلاقي الناس كلها انتشرت في الشوارع والأجواء كلها هدوء ونشاط كدا، في المدينة يوم ما حد بيصحى بدري تبقى الساعة تمانيه..
رددت الجدة بفخر:-
– أجواء الريف مفيش أجمل من كدا، الخير والبركة والنشاط كله، أما ندوق عمايل إيدك يا ست عهود.
حملت عهود حقيبتها ثم طبعت قبلة على جبين جدتها وقالت:-
– أنا بعد ما أخلص شغل إن شاء الله هفوت على ماما أبص عليها.
– تمام .. سلاماتي للجميع.
– سلاااام يا دولا.

 

 

كانت تسير بهدوء ووقار وعقلها يضج بالكثير من الأفكار، تنهدت تنهيدة طويلة ونظرت للسماء ثم همست سرًا تحدث نفسها:-
– كدا تمام، أبدأ أظبط أموري وأطور من نفسي، الحمد لله أنا مرتاحة بصراحة الوحدة مش مضرة زي ما الكل مفكر، أنا واحدة من الناس جربت قبل كدا وشوفت عواقب الإختلاط، حاسة إن مرتاحة ومن جوايا صافية مفيش داوشة..
مفيش حاجة إسمها وحدة، العالم مليان والحياة مليانة بحاجات كتير نقدر نعملها، نشغل نفسنا بحياتنا هي أولى بكل الإهتمام ده، أنا حاسه أصلًا إن معنديش وقت لحد.
وكفاية لما بحسّ إن الحزن أو الضعف قرب من قلبي كفاية إن أرفع راسي وأبص للسما بحسّ ساعتها وكأني أمتلك العالم أجمع.. شكرًا يا الله على ما منعت وما أعطيت.
بشكرك على كل النعم السما والهوا والشجر والبحر والزرع والورد .. وكل ما خلقت.
ولجت للمشتل وإلى الجزء الخاص بها وأرتدت مريول خاص فوق ملابسها وبدأت تباشر عملها بكل تفاني ونشاط وسط الزروع والورود مختلفة الألوان وتارة أخرى تنتقل بين شجر الفاكهة العضوية.
كان أمان يحاول بشتى الطرق أن يشغل عقله عنها لكن هيهات فقد كان يرى في كل شيء أمامه عهود هي فقط محور تفكيره ومن يعصف بحبها قلبه.
يفكر كيف أن يعوضها على ما فات، من الأساس كيف يسامح نفسه على ما فعل؟!
يتذكر هذا اليوم الذي وقفت أمامه بعدما قرر إرسالها إلى العميد وشهد بسوء أخلاقها وأنها قامت بسرقة الإمتحان من مكتبه وثبت هذا عندما تم تفتيشها ووُجَد الإمتحان بحوزتها، وصدّق تلك الشائعات التي لا يعلم من أين خرجت بأنها كانت تحاول إغرائه.
وحينها قرر العميد بشأنها عقد مجلس تأديب كان الحكم فيه فصلها من الكلية دون عودة.
لا يذهب عن عقله وقوفها أمامه بدموع متحجرة وقالت بنبرة غريبة يملؤها الثقة:-
– “افتكر شكلي كويس وأوعى تنساه يا دكتور، وخليك فاكر إن هيجي يوم وهتندم.. هتندم أشد الندم على ظلمك ليا بس أنا ساعتها مش هبقى موجودة.”
وعندما تم فحص كاميرات المراقبة التي كانت متوزعة بممرات الكلية تبينت الحقيقة اللاذعة والتي كانت بمثابة خنجر استقر بقلبه وصورتها بقت بربوع ذاكرته عامًا خلف عام، تطارده بأحلامه ويقظته.. دموعها التي كانت بمثابة حُمم يتقلب بها طيلة تلك السنوات التي ظلّ يجوب ويدور بها للبحث عنها لكن كانت على وعدها في أنه لن يجدها.
حاول صرف أنظاره عنها ووقف وسط المتدربين وقلبه يضج بدقات ثائرة.
تنحنح أمان وتسائل بجدية:-
– من خلال نظرتكم عند حد فيكم إقتراحات لتطوير المشتل والمجموعة.
ظلّ الجميع يتناقش بأشياءٍ عديدة والتزمت عهود الصمت إلى أن جاء دورها في الحديث.
تحدثت بعملية وهي تقدم ما لفت إنتباهها ولم يستطع أمان سوى الغوص بحبها أكثر:-

 

 

– إحنا في موسم الصيف وزي ما إحنا عارفين فاكهة الصيف كتيرة ومفيدة .. حاليًا الفاكهة إللي في السوق بالمعنى الحرفي متتاكلش، كلها هرمونات ومبيدات حتى المبيدات ضغت على طعم الفاكهة نفسها ودا اتسبب في حالات تسمم كتيرة، الفاكهة والخضار العضوي غالي جدًا غير أن أصلًا مش متوفر، وحتى بيتوفر لطبقة معينة من الناس.
ليه مش نوفر فواكه وخضار عضوي ويكون في فاكهة صحية وآمنة للأطفال والشعب وبمبالغ معقولة.
دا شيء أنا ملاحظاه ومن ضمن أهدافي إللي نفسي أحققها.
كان إعجاب أمان يزداد كلما أكثرت من الحديث وتسائل بداخله أنها هي نفسها من أبعدها عن هذا المجال بسبب ظلمه وإفتراءه.
قال وهو يسحب أعينه بعيدًا عنها بالكاد:-
– حقيقي فكرة ممتازة يا آنسة عهود وهنبدأ إن شاء الله نشتغل عليه وندرس الموضوع كويس.
بحيكِ وحقيقي شكرًا جدًا لحضرتك.
شعرت بالخجل لإطرائه ورددت بصوت خفيض:-
– العفو يا باشمهندس.
انصرف الجميع وخرجت عهود وقت الإستراحة وجلست على أحد المقاعد التي بين الورود وأخرجت من حقيبتها كوبها المعدني ذا اللون الأبيض والمنثور عليه ورود باللون الوردي.
أخذت ترتشف مشروب النسكافيه خاصتها بتلذذ وتحدث بداخلها:-
– اعقلي يا عهود إنتِ هتخيبي ولا أيه .. ليه دايمًا بيداهم تفكيري بالطريقة دي، ليه حاسه الإحساس ده وهو موجود في المكان وكأني كنت في سباق لأميال بعيده.
حتى زمان عمري ما جربت الشعور ده، أيوا كنت طايشة ومعرفش حاجة عن ديني ألا كلمة مسلمة إللي في البطاقة بس وكنت متحررة بس عمر ما كان ليا علاقة حب ولا في حياتي جربته وأخدت عهد على نفسي إن أعيش كل تجارب الحب مع حلالي وبس وإن محدش يستحقها ألا هو.
يارب متعلقش قلبي بإللي مش ليه واحمي قلبي واحفظه من الأوجاع.
قطع محادثتها مع نفسها مجيء رغدة ودينا واللتان جلستا بجانبها لتلكزها دينا وتقول:-
– عاش من شافك يا عهود، أيه يا بنتي معتزلنا ليه كدا.
– مفيش والله يا دينا بس إنت عارفة بقى الفترة دي علشان تدريب ويدوب بخلص الشغل وأروح عالطول.
تحدثت رغدة قائلة فجأة:-
– تعرفي يا عهود أنا بدأت اقتنع إن إللي إنتِ بتعمليه هو الصح، إنك قافلة على نفسك ومش بتسمحي لحد يخترق محيطك .. حقيقي شيء مريح نفسي أجربه.
نظرت لها عهود بتعجب ودينا أيضًا لتتسائل عهود عندما رأت الهمّ مرتسم على وجهها:-
– مالك يا رغدة شكلك زعلان وأيه سبب الكلام إللي بتقوليه.

 

 

– بصراحة مليت من حياتي ومن إللي فيها يا عهود حساها حياة بتسبب ليا المتاعب والأوجاع.
نظرت لعهود وأكملت:-
– كنت مفكرة إن مش ناقصني حاجة وإن أنا كدا فلة .. أصحاب وشلة وكمان مرتبطة..
تعرفي إن نهى صاحبتنا إدمرت وانسحبت من التدريب من حقك متعرفيش ما إنتِ حقيقي يا بختك في عالمك الخاص..
لما بفكر شوية مع نفسي بقول نهى ما شاء الله جمال ومال ولبس على أفخم الموضات والأشكال .. يعني شخصية من وجهة نظري متكاملة .. ومع ذلك عليّ راح خانها ومع واحدة متجيش حاجة في نهى .. أنا يمكن اتصدمت أكتر منها..
إزاي واحدة بالمواصفات دي كلها تتخان أصلًا وبعدين عليّ كان غارق في حب نهى دا كان واضح إنه بيعشق التراب إللي بتمشي عليه .. يعني لو كان حد قالي مكونتش صدقت..
وزي ما بيقولوا مصائب قوم عند قوم فوائد، أنا بدأت أراجع نفسي وأبص في حياتي ومش اتصدمت أبدًا لما لقيت فادي زي عليّ..
شهقت دينا ونظرت لها بعدم تصديق متسائلة:-
– إنتِ بتتكلمي بجد .. فادي بيخونك.
ابتسمت رغدة بلامبالاة وأجابت:-
– إحنا كنا مجرد تسالي لهم مش أكتر يا دينا إحنا طلعنا ساذجين ومساكين أوي يا دينا وعلشان أريحك وكفاية كدا محمود كمان زيهم .. لازم نفوق شوية، أنا مش قادرة أوصفلك الإحساس إللي حساه يا عهود..
أنا مش حاسة بخيبة الأمل ولا الحزن ولا الصدمة..
أنا حسيت بقلة القيمة والشخصية والكرامة، حقيقي حسيت بالضعف أوي … وقفت مع نفسي واقفة علشان أمحي إللي فات ونفسي أبدأ صفحة جديدة..
بس حقيقي الحمد لله إن مكونتش معمية وموقفتش حياتي على شخص رخيص ودمرت الفرصة دي وضيعت كل حاجة..
صمتت دينا وهي تشعر وكأنها تنغمس ببحر سحيق، لكن عهود ابتسمت وأمسكت يديّهما وقالت:-
– إنتوا الاتنين وكمان نهى ربنا بيحبكم أووي لأن الحمد لله إن ربنا بيّن لكم الحقيقية وكشف الشخصيات دي قبل فوات الأوان، هما أبدًا مش يستاهلوا قلبكم، لأنكم غالين أووي وقلبكم غالي مش يستحقوا ألا غالي يا بنات…
في داهية وربنا أنقذكم منهم احمدوا ربنا وابدأوا صفحة جديدة في حياتكم إنتوا الأول فيها وماتستولوش أي حد على نفسكم ولا تيجوا عليها علشان خاطر حد..
طوري من نفسك وحبيها وعيشي حياتك بما يرضي الله.
*******
– عهود!! إنتِ أيه جابك هنا.؟
ركضت نحوها بلهفة وقد انفرطت دمعها ورددت بلهفة:-
– ماما إنتِ تعبانة .. أنا آسفة يا ماما حقك عليا والله ما كنت أعرف وأنا غلطانة كان المفروض أطمن عليكِ.
قوليلي إنتِ كويسة أيه بيوجعك .. تعالي نروح للدكتور.
ابتسمت والدتها فلم تخيّب عهود ظنها وأمالها وشعرت بدماء الحياة تعود لوجهها بعد تلك الوحدة التي عانتها دون رفيق والجميع منشغل بحياته عنها.

 

 

لم يكن ردة فعلها سوى أن سحبتها نحوها واحتضنتها بقوة وهي تمسح على جسدها بحنان..
تخشبت عهود بصدمة وهي غير مصدقة لموقف والدتها العجيب، منذ زمن لم تشعر بهذا الحنان الجارف، منذ ست سنوات لم تحتضنها ولم تبتسم بوجهها.
– حقك عليا يا حبة قلبي يا عهود، سامحيني على قسوتي يا عهودي يا أجمل وأحلى الورود في زرعتي…
كنت واثقة إنك هتيجي وأنا بقيت حلوة لما شوفتك يا حبيبتي.
كانت عهود لا تشعر بما حولها وكأنها بعالم موازي .. انفجرت ببكاء عنيف حتى علت شهقاتها ولم تفوت تلك الفرصة فأخذت تغمس نفسها أكثر وتنعم بحنان أموي قد حرمت منه كثيرًا..
– ماما .. نوجا .. بجد أنا مش بحلم، لو تعرفي حضنك قد أيه وحشني وعهودي كمان وحشني أسمعها منك..
حقيقي أنا مش مصدقة أنا حاسة إن طايرة من الفرحة..
– ربنا يفرح كل أيامك يا عهود .. سامحيني يا حبيبتي على قسوتي.
– متقوليش كدا يا ماما وأوعي تطلبي السماح تاني، يلا بينا هجمع هدومك وتيجي معايا نقعد في البلد يومين تغيري جو حقيقي الجو هناك فظيع ومليان بالطاقة ويرد الروح.
وكمان نفوت على الدكتور ونطمن عليكِ.
– لا يا عهود أنا مليت من الدكاترة والممرضة قاعدة معايا عالطول مليت منها يا بنتي..
– هو بابا مش بيجي البيت ولا أيه.؟
– هو كان بيتأخر في شغله لأن اليومين دول عنده صفقة مهمة وسمر أختك بتفضل برا طول النهار وبتخرج مع أصحابها وخطيبها بليل ولما تيجي بتفضل سهرانة وهكذا…
شعرت بالألم لأجل هذا ولتركها وحيدة بتلك الطريقة في مرضها، ابتسمت رغمًا عنها وقالت بحنان:-
– خلاص علاجك عندي يا ست نوجا بصي هظبط… يلا بينا.
وخرجتا من المنزل وبعد مدة قلية كانت عهود تطرق باب الجدة بمرح ولهفة..
نظرت الجدة لوالدة عهود بأعين نصف مغلقة مغلفة ببعض الغضب لكن ابتسمت والدة عهود لها ثم انحنت تقبل يديها، وهمست:-
– أمي دلال وحشتيني..

 

 

لم يصمد غضب الجدة أمام ضعف وهوان والدة عهود وجذبتها لأحضانها بحنان.
– اهلًا بمرات ابني توفيق قليل الأصل، ادخلي يا بنتي.
وقفوا جميعًا ببهو المنزل لتقول الجدة فجأة:-
– كويس إنك جيتي حظك حلو …
نظروا جميعًا لبعضهم بتعجب لتفسر لهم الجدة وتزيل تعجبهم:-
– أصل في عريـس متقـدم لـعهـود.

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عهود الحب والورد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى