روايات

رواية عشق بين هشيم مشتعل الفصل الثالث 3 بقلم آية العربي

رواية عشق بين هشيم مشتعل الفصل الثالث 3 بقلم آية العربي

رواية عشق بين هشيم مشتعل الجزء الثالث

رواية عشق بين هشيم مشتعل البارت الثالث

رواية عشق بين هشيم مشتعل الحلقة الثالثة

الخذلان ؟
لا يا رفيق دربي هذه الكلمة لا تساوي ولا تعبر ولا تكفي ولا تغني .
ما يعتلي صدري لا يمكن وصفه بالكلمات ، ششش فقط استمع لهذا القلب وهو يتقلب بين الجمرات.
كان عقله غائباً عن أي ذرة ضمير ولكنه استرد القليل من وعيه عندما وجد نفسه يرفع بفعل قبضةٍ قويةٍ في الهواء ثم يلقى بقوة أرضاً حيث اصطدم جسده بجدار الحظيرة مما سبب له ألماً وذهولاً وقبل أن يستوعب هو أو جمال الذي يقيد تلك البائسة التي كانت على وشك الإغماء ، كان صالح يشهر سلاحه في وجههما ، ذاك السلاح الذي يستخدمه ليحمي أرضه وأغنامه من اللصوص وعديمي الشرف مثلهما .
لم يكن يتخيل أن يرى ذلك المشهد أمام عينه ، فقد كان يجلس فوق سطح بيته كعادته حتى لمح ما جعل الدماء تتجمد في عروقه لذا أسرع ينزل من موقعه ويحضر بندقيته ويركض متجهاً إليهما لينقض عليهما في اللحظة المناسبة .
كان يطالعها بعيونٍ نارية ، ود لو يقذفهما بجمراتٍ من عيونه تصيب كل عضوٍ بهما فتفتكه ولكنه تحدث بنبرة جحيمية تضخ غضباً حاداً :
– بعد عنيها يا كلب منك ليييه .
قالها وعينه تجول بين جمال الذي يتكئ عند رأسها وفارس الملقى بعيداً عنها نسبياً ، لم يرَها بعد ، لا يعلم هويتها بعد ، ظنها أي فتاة يتخيلها عقله وليت بعض الظنون تُصيب .
أما هي فكانت تجهش في نحيبٍ حاد ويداها تعمل على ضم ثوبها الخارجي الذي تمزق وجسدها بكل خلاياه يرتعش وينتفض ، لف نظره نحوها فجأة بسبب شهقاتها العالية وليته لم يفعل .
تجمد جسده بالكامل وانسحبت الدماء من أطرافه مروراً بعروقه ، تعود للخلفِ كأنه مشهداً سنيمائياً حتى وصلت لقلبه وكادت توقفه ، نصب نظره عليها ولم يتزحزح وصدمته كانت كجبلٍ من الجليد انهار فوقه فجأة .
ليستغل فارس حالته تلك ويبدأ في الزحف شيئاً فشيئاً حتى وصل عند الباب ونهض ينطلق هارباً بعد أن دفع الباب الذي نبه صالح ليلتفت مستعيداً وعيه المدمي ألماً وعقله المهزوم فكراً وروحه النازفة قهراً ، كاد يلحقه ولكنه تذكر هذا الأخر الذي يقابله فلف له وتحدث مشيراً بسلاحه ولكن تحولت نبرته من قوية إلى منكسرة ومنهزمة ظهرت حينما قال :
– قداااامي يا *** ، قداااامي .
تحرك الثاني يبتلع لعابه بخوف ويردف ليبرئ ذاته مما وقع فيه :
– أني ماليش صالح واصل ، هو فارس اللي هددني ، هو اللي كان رايد ينتقم من أخوها ويوسخ شرفه .
تفاقم غضبه وأومأ بوعيد ثم دس يده يخرج هاتفه من جيب قميصه وطلب رقماً ما ، أردف وعينه وسلاحه منكبان على جمال الذي يطالعه بهلع :
– هات التوكتوك وتعالى عند الزريبة دلوك .
أغلق وتحدث بتجهم وغضب وألم يعصر قلبه يجاهد ليتغلب عليه قائلاً :
– دلوك هتاجي معايا على القسم وهناك تقول الكلام اللي قلته ده ، فاااااااهم ولا أطير نفوخك ؟
أومأ عدة مرات يردد بحسرة وندم لسماعه كلام فارس :
– فاااهم فاهم .
نظر لتلك التي تحاول الاستناد لتقف والدموع قد أغرقت وجهها وقد بدأت تسترد أنفاسها ووعيها وعلمت هوية منقذها ولكن لا تزال روحها معلقة ومشدودة كحبلٍ رفيع أوشكت تروس القهر على قطعه .
تحدث يبعد عينيه عنها بنبرة تحمل حباً معذباً أبكم قائلاً :
– متخافيش ، هيتحاسبوا على اللي كانوا رايدين يعملوه ، حقك هيرچع .
كان صادقاً برغم عصارة قلبه ، سيسترد حقها ولكنها لا تمتلك أملاً ولا حقاً في هذه الحياة ، لذا فقد هزت رأسها وتحركت بخطواتٍ مترنحةٍ ورأسها متدلي قاصدة الخارج وهي تقول بنبرة متقطعة على حافة الموت :
– معايزاش حق ، عايزة أروح ، عايزة أموووت .
قالت الأخيرة بانهيار ولم تعد تحملها قدماها فانهارت أرضاً تبكي مجدداً بحسرة قبضت على قلبه فالتفت ينظر نحو هذا المرتعب نظرة كرصاصٍ سام وليتها كذلك لكان شُفيَ غليله مما حدث .
وصل سائق التوكتوك في الخارج ونبهه فأشار صالح له بالتحرك فوقف يتحرك معه والآخر يهدده بسلاحه وقبل أن يغادر تحدث بنبرة لينة آمرة :
– قومي معايا ، واصلبي طولك إكدة محدش يقدر يكسرك ، احمدي ربنا إنه قدر ولطف وستر .
حاولت الإستناد مجدداً بصمت وتحركت معه للخارج بترنح وهي تؤيد حديثه داخلها ، ممتنة له ومدينة له بروحها فقد أتى في أكثر اللحظات تناسباً .
وصلت حيث يقف صالح أمام التوكتوك ويقبض بيده على هذا الجمال وتحدث موجهاً حديثه إلى منعم :
– روح إنت يا منعم وأني هبقى أجبلك المكنة .
أطاعه وغادر برغم تساؤلاته بينما تابع صالح بغضب:
– اركب إهنة وسوق كيف ما هقولك وإلا ورحمة أمي هفرغ اللي في البندقية دي في نفوخك .
أومأ جمال واستقل مكان السائق بينما استقل صالح المقعد الخلفي له مباشرةً وتحدث إلى وردة التي تقف لا حول لها ولا قوة :
– اركبي يالا يا ست البنات ، متخافيش قولتلك .
كانت مشتتة بعدما بدأت تسترد أفكارها ، كيف ستذهب معه وتشتكي على محاولة التعدي عليها وتعرض عائلتها للقيل والقال والإهانة وإن لم تفعل كيف ستصمت عن حقها وما حدث لها وتتركهما هكذا دون أي عقاب ، ماذا إن كررا فعلتهما معها أو مع غيرها ، تلك ليست شخصيتها ولكن كيف تحلها ؟ .
اتجهت تستقل جوار صالح دون الالتصاق به بعدما حافظ على ترك مسافةٍ بينهما وسلاحه مصوباً على ظهر جمال الذي انطلق يقود مثلما أمره صالح .
كانت مستندة برأسها على أطراف التوكتوك المعدنية تفكر ومجهدة وتائهة وضائعة ولكنها تحدثت بوهن :
– بلاش نروح القسم ، هتفضح وأهلي عيتفضحوا ، روحني بالله عليك .
لاااا ، لا يتقبل نبرة اليأس هذه ، لن يسمح بمرور ما حدث هكذا دون عقاب ، يفكر ويفكر والآخر يقود بخوف حتى أنارت في رأسه فكرةً ما فتحدث بحدة وأمر :
– لف وروح على بيت السيوفي يا **** ، هنوصل ستك ونطلع على القسم ، اللي حصل ده مهواش هيعدي إكدة واصل .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂꧂
قبل قليل
في المخيم الذي يجلس فيه رامي يدخن بملل ويفكر قبل أن يقتحم فارس خلوته ويردف بلهاث من أثر تخبطه :
– الحق يا رامي ، الحق أختك وردة وجمال .
انتصب رامي واقفاً عندما سمع حديثه والقى سيجارته أرضاً ثم قبض على تلابيبه وهو يردف بغضب :
– انطق حصل إيه ، مالها اختي .
التقط أنفاسه بصعوبة وتحدث بخبث برغم حالته :
– بعد ما مشينا من إهنة واحنا في الطريق سمعنا صريخ واحدة ، طلعنا نجري على زريبة قريبة من أرضكم اللي ع الطرف لقينا أختك وردة وواحد كان بيحاول يتعدى عليها ، وحاولنا ننقذها بس طلع معاه سلاح ، أني عرفت أخلع منه بس جمال معرفش وأختك لسة معاه .
اكفهرت ملامحه وبات الغضب يتجسد أمامه ويحثه على النيل ممن فعل ذلك حتى أن قبضته كادت تخنق فارس الذي يحاول الفكاك منه وهو يقول بلهاث :
– الحق أختك وجمال يا رامي .
نزع يده واتجه يأخذ سلاحه وتحرك مع فارس للخارج نحو ذلك المكان لينتقم .
بعد وقتٍ وصل للمكان المقصود واقتحم الحظيرة بسلاحه وخلفه فارس يبحثان عن هذا الصالح فلم يجدا أحد
اكفهر وجهه والتفت ينظر نحو فارس وتحدث بقسوة وغضب قائلاً :
– هو فيييين ، هما فييييين ؟
تحدث فارس بملامح مذعورة وخوف :
– معرفش ، معرفش راحوا فين .
لف جسده يجول المكان فلم يجد أحداً لذا التفت يغادر المكان ويتبعه فارس .
خرجا يبحثان عنه في الجوار فلمح فارس منزله فأشار قائلاً :
– يظهر ده بيته أهو يا رامي ، تعالى لما نروح نشوفه هناك .
تحركا سوياً نحو المنزل بخطوات هجومية متوعدة ، وصل رامي واقتحم المنزل يدفع بابه ويركله بقدمه بعنف فانفتح الباب على مصرعيه محدثاً صوتاً حاداً انتفض على أثره العم محمد والد صالح لينادي بصوت مترقب قلق :
– صالح ؟ ، إنت كنت برا ولا إيه ؟
اقتحم رامي غرفته بعدما استدل عليها من صوته وشهر سلاحه في وجهه يردف بغل وغضب أعمى :
– ابنك الكلب فيييين ، انطق .
خدش الخوف قلب محمد وحاول يستند ولكن رامي أسرع إليه يقبض على ملابسه ثم قام بدفعه أرضاً حتى سقط محمد متألماً عند قدمه ومع ذلك لم يرأف لحالته بل تابع بقسوة وهو يلكمه بساقه بقوة في أحشاؤه أدت إلى صراخ محمد متألماً وفارس يقف يتابع بتشفي ومكر وهو يقول :
– انطق هو فيييين ، النهاردة آخر يوم في عمره ، هو فيييين ؟
لم يجبه محمد بل كان يحاول القيام والرعب بات يتآكله على إبنه .
لم يجد رامي عنده جواب لذا اندفع خارجاً يبحث عنه في باقي المنزل فلم يجده .
عاد إلى محمد الذي يجاهد ليقف واستطاع الاستناد ووقف منحنياً يتمسك بالفراش ووهو يسعل والآخر ينظر له نظرة سوداوية تحمل من الشر ما يكفي لإبادة جدوده قائلاً بوعيد :
– هچيبه ، هچيبه حتى لو رجع بطن أمه تاني وهقتله قدامك وقدام البلد كلاتها .
التفت يغادر من حيث أتى ووقف محمد قلبه ينتفض رعباً على وحيده لذا ارتد يجلس على طرف الفراش وتمسك بهاتفه يحاول الاتصال عليه وهو يقاوم ألم جذعه الذي تضاعف بسبب ركل رامي له .
كان قد وصل صالح أمام البيت الكبير الخاص بعائلة السيوفي وترجل وأمامه جمال يقبض عليه ويهدده بسلاحه حتى لا يفر هارباً كما فعل الآخر الذي لن يتركه أبداً .
ترجلت وردة من التوكتوك بخطواتٍ مبعثرة وهي تقبض على ملابسها والتفتت تقف مجاورةً لصالح الذي نظر لها نظرة حزينة فاقدة لكل ذرات الشغف قائلاً بنبرة يتجلى منها الحزن :
– ادخلي يا ست هانم نادي على چابر بيه ، ومتخافيش .
قالها ليطمئنها ، هو على يقين أن القادم معها ليس هيناً ولكنها لم تكن المخطئة هنا ، لذا فالعقاب لابد أن يكون من نصيب هذان الوغدان ليكونا عبرة لغيرهما ولكل من سولت له نفسه استحلال شرف الأخريات .
رفعت نظرها تطالعه بخوف مرتسماً في عينيها ، نعم هي مرتعبة من مواجهة أهلها بم حدث ، ومجبرة على الفصح عنه حتى ينال هذان الوغدان عقاباً يشفي غليلها ، ولكن حقاً هي مرتعبة ، تعلمهما جيداً وتتوقع تغرضها للعنف والقسوة ومع ذلك ستحرص على معاقبة هذان .
بادلها نظرةً حنونةً برغم حزنه الظاهر ، عيناه تبعثان الطمأنينة بقلبها لذا تحركت تخطو لداخل المنزل أمام الحرس الذي هرول إليها متسائلين عمّا أصابها وعن هيأتها ولكنها خطت من بينهم بصمتٍ حتى وصلت للباب الداخلي .
طرقته ففتح لها جابر السيوفي بعد دقيقتين ، تصنم مكانه بعدما تفاجأ بها تقف أمامه مطأطأة الرأس قابضةً على مقدمة عباءتها التي تمزقت واتسخت وتشبح سوادها بالأتربة والروث .
تشنجت جميع عضلاته ونطق لسانه بعدما خرج من صدمته متسائلاً :
– إيه اللي حُصل ، وإيه اللي طلعك برا دلوك .
تقف متخشبة لم تجبه فأسرعت شريفة تأتي من خلفه لتقف تتطلع على ابنتها بذهول وحسرة .
عندما طال صمتها وجدت يده طريقها على وجنتها حيث لطمها لطمةً أسقطتها أرضاً عند قدمه في الحال لذا أسرع صالح الذي رأى ما حدث واقتحم المكان وهو يقبض على جمال إلى أن وقف أمام جابر وطالعه بغضب جاهد ليخفيه وهو يقول بنبرة يشوبها اللوم :
– بنتك معملتش حاچة يا جابر بيه ، ملهاش ذنب باللي حُصل ، كله من الكلب ده هو واللي كان معاه ، كانوا رايدين يتعدوا عليها وربك ستر ، بس كيف يا جابر بيه حضرتك نايم في بيتك وبتك هي اللي طالعة توصل الوكل لأخوها ؟
لقد أخبرته وردة بذلك أثناء قدومهم إلى هنا عندما سألها عن سبب خروجها في هذا الوقت وأخبرته بالحقيقة لذا تفاقم غضبه من هذان الوالدان .
تجهمت ملامح جابر والتفت يطالع زوجته فنكست رأسها أرضاً ولم تتفوه لذا عاد ينظر نحو صالح وقال بنبرة متوعدة قاسية :
– إنت مين ؟ وإيه اللي حُصل .
دفع صالح جمال فسقط أرضاً أمامهم جميعاً وتحدث بنبرة مهيبة وجرأة عاشق مجروح وهو يقول :
– اللي حصل إن الكلب ده وواحد تاني كان معاه اسمه فارس عيقول إنهم أصحاب ابنك رامي كانوا رايدين ينتقموا منه علشان إكدة لما شافوا الهانم بنتك قرروا يخطفوها وينتقموا بطريقتهم الو*** كيفهم ، بس ستر ربنا إنهم جم لحد داري وأرضي وإني كنت واعلهم وربنا چعلني سبب إني أخلصها من يدهم ، ودلوك يا جابر بيه الكلب ده والتاني لازم يتعاقبوا عقاب قاسي علشان يبقوا عبرة لغيرهم ، والهانم بنت حضرتك صاغ سليم ومحتاجة اللي يردلها حقها ، خد بالك منيها .
نظر جابر نحو تلك المتكورة أرضاً ناكسة رأسها تبكي ثم رفع رأسه ينظر نحو صالح بعيون مشتعلة غاضبة بعدما فهم نبرة اللوم من هذا الشاب الفقير والذي لم ولن يتقبلها وتعد إهانةً في قانونه لذا تحدث بصرامة قاسية :
– انت اسمك إيه ؟
نصب عوده ومنكبيه ووقف بشموخ يردف بثبات وهو يتطلع على عينيه مباشرةً :
– اسمي صالح ، صالح محمد رشيد .
أومأ جابر ونظر نحو جمال الذي ينتفض منتظراً مصيره وعندما رأى الجحيم في عين جابر حاول الوقوف قائلاً بتلعثم :
– أني ماليش ذنب يا جابر بيه ، أني معملتش حاچة .
أسرع إليه صالح يلكمه في وجهه بغضب تملكه وهو يراه ينكر ما رآهُ لذا صرخ جابر بقسوة :
– وقف يا صالح .
توقف مكانه يطالعه بترقب فتابع جابر بنفس بنبرته :
– روّح إنت دلوك ، عملت اللي عليك وزيادة ، والباقي عليا أني .
تنفس بعمق وأومأ ثم نظر نظرةً أخيرةً نحو وردة المنكمشة والمكسورة وآلمه قلبه بشدة ، ود لو أخذها معه ، يشعر أنها تستنجده بقلبها ، يشعر بحاجتها إليه ولكنه مجبراً على الرحيل .
لذا أبعد نظره عنها وأومأ وهو يطالع جابر والتفت يغادر بصمتٍ تام تاركاً خلفه جراحاً دواءها يحتاج إلى معجزةٍ إلهيةٍ .
وقف جابر بعدها كوقوف جبلٍ في باطنه بركان يكاد يفجره ، الأمر أشبه باحتمالية جنونه ، ابنته وسمعته وابنه وزوجته ، كيف كانت المياة تمر من تحت قدميه دون أن يشعر .
كيف خدعوه وجعلوه أضحوكةً والآن صار وسط حراسه لا يساوي جناح بعوضة بعدما حدثه هذا الفقير بتلك النبرة وألقى
عليه اتهام جهله بما يدور حوله .
عينه منكبة على جمال ورأسه يكاد ينفجر من كثرة وزحام الأمور التي أتت فجأةً مهرولةً دفعةً واحدةً .
الآن عليه معاقبة هذان ولكن بأي ذنبٍ سيخبر أهل بلدته ؟
وماذا عن الهارب وأين هو الآن ؟ ، وعن ابنته وما حدث معها وعن زوجته التي تضاعفت أخطاؤها لدرجة بات يكرهها ويكره عشرتها .
انحنى قليلاً يقبض على ذراع ابنته ثم أوقفها يردف بجمود وهو يدفعها داخل البيت :
– ادخلي جوة .
التقطتها شريفة التي كانت تطالعها بحسرة وغضبٍ في آن واحد كأنها المذنبة بينما هو نظر نحو جمال وتحدث موجهاً حديثه لأحدٍ من غفره :
– هات سلاحك يا مرعي .
أسرع مرعي يناوله سلاحه فاتسعت عين جمال وهو يهز رأسه بصمتٍ بعدما عقد الرعب لسانه ويحاول تحريك جسده بينما جابر صوب ناحيته ليعاقبه على ما فعله وبدلاً عن قتله وإصابه قلبه تحرك جمال مسرعاً لتصيب الطلقة كتفه فيصرخ متألماً في نفس توقيت دلوف رامي وفارس خلفه .
ارتعب فارس وجحظت عيناه وكاد يركض ولكنه جاهد ليثبت صحة خديعته بينما أسرع رامي نحو والده يمنعه من إطلاق المزيد نحو رفيقه قائلاً بحدة :
– عتعمل إيه يابا ، جمال معملش حاچة واصل .
وقف جابر يطالعه بغضب ثم دفعه بعيداً وعاود رفع السلاح ولكن عاد رامي يمنعه قائلاً بصلابة وخشونة :
– عقولك جمال معملش حاچة واصل ، هي فين قليلة الرباية اللي كدبت عليك .
كاد يتحرك نحو الداخل فمنعه جابر لعلمه ما يمكن أن يحدث ووقف حائراً لا يعلم ماذا حدث ومن الصادق .
في تلك الأثناء تجمع أمام منزله بعض الجيران نسبةً لإطلاق الرصاصة التي أصدرت صوتاً حاداً كما أسرع إليهم شيخ البلدة الذي يقطن جوار جابر متسائلاً بتلهف :
– خبر إيه يا جابر ، عتضرب بالنار ليه دلوك ؟
جالت أنظار جابر بين الحضور ولم يتفوه ببنت شفة بينما استغل فارس تجمع الحضور وتحدث بصوتٍ حاد يلقي اتهامه بجرأة اكتسبها من تصديق رامي له قائلاً :
– أني هقولك يا شيخ عبدالله ، أني وجمال كنا ماشيين من عند الجرف وسمعنا صوت واحدة عتصرخ وتقول الحقوني ولما روحنا نشوف إيه اللي حُصل لقينا الست رودة ومعاها واحد إكدة استغفر الله العظيم كان عيحاول يتعدى عليها ، بس إحنا حاولنا نساعدها أتاريه كان معاه سلاح وكان هيموتنا بس أني هربت منيه وقولت ألحق رامي وأبلغه باللي حصل ويشوف هو يتصرف كيف .
جحظت العيون وتفوهت الألسن بكلماتٍ خبيثة بينما أردف شيخ البلدة وهو ينظر نحو جابر :
– لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، إيه الحديت ده يا چابر ؟ ، وبتك كانت طالعة من الدار كيف في الوقت ده ؟
احتقن وجه جابر أمام الجميع ولم يعد يعلم أيهما يصدق وبات في موقف تمنيه للموت ينتشله من هذا العار الذي هبط عليه فجأةً دون سابق إنذار .
تحدث رامي بجسدٍ مشتعلٍ يريد الفتك بشقيقته وهذا الشاب قائلاً :
– هقتله وهقتلها ، الليلة هينام في الترب الو*** الواطي ده ، بس أعرف مكانه .
كان جمال يئن ألماً بعدما أصابت الرصاصة كتفه ولكن ذلك لم يمنعه من النظر نحو فارس الذي غمز له بأن يؤكد حديثه لذا نظر نحو رامي وتحدث والألم يفتك به وذراعه ينزف :
– صُح يا رامي ، حديت فارس صُح ، والچدع ده كذب على عمي جابر وقال إحنا اللي كنا عنتهجم عليها .
اكفهر وجه رامي ونادا بجمود على مرعي يردف :
– خد جمال دلوك على المستشفى وقولهم ده من طرف الحاچ جابر وممنوع حد يبلغ .
أسرع مرعي ضخم البنية إلى جمال يسنده وتحرك به نحو الخارج لينفذ ما قاله رامي بينما تابع رامي بغضب :
– كل واحد على داره ياااالاااا ، محدش يقف إهنة .
توزع الجميع عائدين إلى ديارهم وظل فقط شيخ البلدة الذي تحرك نحو جابر يردف بلوم :
– جرالك إيه يا جابر ، العيار هيفلت من تحت يدك دايماً ليه ؟ ، بتك كيف تخرج من الدار في وقت زي ده وانت فيها ؟
رفع نظره نحو الشيخ وقد برزت عروقه كاملة وقال بغضب :
– لو اللي اتقال ده صُح هقتلها وهقتله يا شيخ عبدالله .
تحدث الشيخ بتروي وحكمة بلغت سنين عمره قائلاً :
– تقتلها وتقلته وسيرتك تبقى على كل لسان في البلد ؟ ، مش كفاية كنت هتموت واحد دلوك يا عالم ليه ذنب ولا مالوش ؟ ، إهدى إكدة وفكر زين واعرف الحقيقة إيه ووقف لابنك رامي لإن مهواش هيچيبها البر واصل .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
بعد وقتٍ وصل صالح إلى بيته ، حاله عند العودة لا يشبه حاله عند الخروج أبداً ، كل أحلامه باتت هباءاً منثوراً ، كل لحظات عشقه سحقت تحت أقدام القدر .
خطى ليتفاجأ بوالده يجلس خارج المنزل ويطالعه بحزن ويبدو وجههُ شاحباً والألم يلتمع في عينيه فأسرع اليه يسأله بلهفة قائلاً :
– مالك يابوي ؟ ، حُصل حاچة ؟
نظر محمد لملامحه بعمق ، لن يخبره بمَ حدث وبمَ فعله به ابن السيوفي لذا تحدث بثقة ووهن يغلفهما القلق :
– عايزين يوقعوك في تهمة نچسة يا ولدي ، عايزين ينصبولك فخ واعر .
قطب جبينه مستفهماً ليتابع محمد بيقين :
– مايقدر على القدر غير ربنا ، فوضت أمرنا لله فيهم ، ربنا ينجيك من شرهم يا ولدي .
تحدث صالح باستفهام وقد بدأ ينسج خيوط الأمور متسائلاً :
– إيه اللي حُصل يا حچ محمد ، ومين چه هنا ؟
تحدث محمد بحزن وقلق وألم برغم ثقته في ابنه :
– رامي السيوفي ابن جابر كان چاي يقتلك ومعاه واحد تاني ، فهمني إنت بقى إيه أصل الحكاية .
فهم صالح على الفور ماذا يحيكون من خلفه لذا تنفس بعمق وانتابه القلق قليلاً ولكن بالطبع دليل براءته موجود لذا نظر لوالده وقال بهدوء ليبث داخله الطمأنينة :
– متخافش يا حچ محمد ، ربنا هيجعل كيدهم في نحورهم ، أني عملت عمل خير وواجب عليا ومش هيضيع ، بس يارب ما يضيعوا حق المسكينة اللي كانوا رايدين يدبـ.حوها .
قالها وهو يشعر بثقل في صدره حتى أنه بات يسحب أنفاسه بصعوبة ، انتهت سحابة آماله ولم ينتهي عشقه لها .
توقف بعدها يسند والده ويدخله للداخل ليريحه غير واعٍ لِم حدث معه .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
في بيت جابر
وفي مندرة الضيوف
يجلس كلاً من جابر والشيخ عبدالله ورامي وعادل وفارس يتحدثون .
الغضب يسود الملامح والتوعد قائم حتى أن رامي كاد يتحرك لينفذ تهديده ولكن ما منعه هو تهديد جابر الصريح بالتبرأ من كل من يعصي أوامره .
طلب الشيخ عبدالله التحدث إلى وردة التي كانت في حالة يثرى لها ولكن أجبرها جابر على مقابلته فجاءت تستند على والدتها التي يتملكها الخوف أيضاً من بطش جابر بعدما انكشفت الحقيقة .
دلفت وسط الموجودين فنظر لها رامي نظرة كارهة لو تجسدت لكانت كسكين حاد قطّع جسدها إرباً ولكنه جلس ينصهر بعدما نُزعت منهم أسلحتهم بأمرٍ من الشيخ وجابر .
اتجهت تخطو ناكسة رأسها لا حول لها ولا قوة فرأف الشيخ بحالها ولكن لم يعد يحتمل هذا القاسي حيث انتفض يتجه نحوها وانهال عليا بضرباتٍ مبرحةٍ في سائر أنحاء جسدها يتحدث بقسوة تنهش روحها :
– هقتلك يا فاچرة ، هقتلك ولا إنك تچيبلنا العاااار .
نهض الشيخ وجابر يحاولان منعه بينما جلس عادل يتابع بغضب وتشفي .
نجحا في تقييده وتحدث جابر معنفاً وهو يدفعه ليرتد على مقعده :
– اقعد بقى ، اقعد وانكتم مسمعش صوتك واصل .
جلس يتأجج غضباً بينما نظر نحوها الشيخ بعدما ساعدتها شريفة في الجلوس بعد أن نالت نصيبها من الضربات أيضاً وتساءل بترقب قائلاً :
– قوللنا يا وردة يابتي إيه اللي حُصل علشان نحل المصيبة دي من غير دم .
فقط ترتعش ولم تتفوه بحرف ، تخلت عنها شجاعتها وفصاحتها كأنها جانية وهي المجني عليها دائماً ، تعلم جيداً أن أهلها قادرون على إخفاء شمس الحقيقة وتحويلها إلى كذبٍ مظلمٍ كالليلِ الكحيل ، تعلم شقيقها جيداً .
ليعاود الشيخ سؤاله بشكلٍ آخر قائلاً :
– طيب كيف طلعتي في الوقت ده ؟ ، وكيف كان الچدع ده هيتهجم عليكِ ؟
تستمع له وتدرك أنه يقصد صالح منقذها ، فقط استمعت إلي حديثهم وتزوير الحقيقة لصالحهم ومنذ ذلك الوقت وهي أشبه بمن يحتضر طالباً الموت ولم يحن قدومه بعد
ليتنهد الشيخ بينما صرخ رامي في وجهها بغل :
– انطقي يا بت بدل ما أقوم أقطع خبرك ، انطقي .
تحدثت بتلعثم وجسدٍ منتفض لم يعد يعلم للراحة سبيل قائلة بنبرة بائسة فاقدة لأمل استرداد العدالة :
– أن . أني ، كن . كنت راحة أودي الوكل لأخوي كيف ما أمي قالت ، وبعد . وبعدين لقيت . لقيييت حد بيجري ورايا وبيكتم نفسي ، ولم لما لفيت لقيته صاحبه فارس ومعاه واحد تاني .
انتفض فارس يصرخ في وجهها وتحدث مستنكراً الحقيقة بالكذب قائلاً بنبرة اتقنت دور المظلوم المصدوم :
– إيه الحديت ده يا وردة ، هي دي جزاتنا إننا لحقناكِ من يد الو** ده ؟
وضعت كفيها على أذنيها لا تطيق سماع صوته البغيض وعادت تنتفض فنظر جابر نحو فارس نظرة أرعبته كأنه صدق حديثها بينما انتفض رامي مجدداً يردف بنبرة متجبرة سقطت على سمعها فأحرقت فؤادها وقوتها قائلاً :
– البت دي عتكذب يا بوي ، عتألف حكاية زور علشان تطلع من البلوة اللي عملتها .
رفعت نظرها تنظر له بخيبة أمل وحسرة ، دوماً لم تتوقع منه أن ينصفها ولكن ما لم تتوقعه أن يسب شرفها لينجو بصديقه ، لم تتوقع أن يسلب حقها ويبرأها لذا فقد انعقد لسانها وباتت لا تعلم بأي حديث تجيب ، فقدت الأمل في استرداد حقها بل وبات عليها دفع ثمن العار الذي لم تفعله .
تحدث جابر ينادي بحدة بعدما تشتت عقله بين الصادق والكاذب :
– غريب ، إنت يااااا زفت يا غريب .
أسرع المدعو غريب يلبي طلبه قائلاً :
– اؤمرني يا سي جابر .
تحدث بصرامة ونبرة لا تقبل التفاوض :
– تاخد معاك غفرين وتروح تجيب لي الجدع اللي اسمه صالح محمد رشيد إهنة في أقل من ربع ساعة ، إنت ساااامع .
أومأ غريب وتحدث مستعداً للانطلاق :
– أمرك يا سي جابر .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
بعد وقتٍ ليس بالقليل
دلف الغفير يتقدم صالح الذي وجده عند منزله ، لم يقاوم في المجيء معه برغم إدراكه لمَ هو متهماً به ليقينه في الله ثم ثقته في من أنقذها .
تقدم ووقف أمامهم جميعاً يطالعهم بنظراتِ صاحب حق لا تقهر .
كاد رامي أن ينهض لينقض عليه ولكن منعه صوت جابر الجهوري حينما قال :
– اقعد مكااااانك .
جلس مرغماً يزفر بغلٍ ويطالعه بغضب فتقدم صالح يقف ثابتاً وينظر لهم بضيق قائلاً وهو يشبك كفيه أمام معدته :
– خير يا چابر بيه ؟
تحدث جابر وهو ينظر نحو فارس الذي توتر جسده خوفاً من تصديق حديثه وتنبه حين قال :
– دلوك واحد فيكم يحكي الحقيقة صُح وإلا محدش هيطلع من إهنة سليم ، فارس عيقول إنك اللي اتعديت عليها .
نظر صالح نحو فارس بعيونٍ ثاقبةٍ حادة كادت تتجسد وحشاً وتفتك به ، ود لو يبرحه ضرباً ولكنه يقف متمالكاً لنفسه حتى يسترد حقه وحق تلك المسكينة المنكمشة والمنكسرة أمام أعين الجميع الذين يرتصون مترقبين على مخادعهم .
تحدث صالح بثباتٍ وثقة برغم الضيق الذي يعتليه من وضعه في هذا الأمر :
– الحقيقة كلها عند الست هانم بنتك يا حچ جابر ، هي هتحكيها .
لف نظره نحوها واسترسل بنبرة تحمل في طياتها حناناً وطمأنينة أراد بثهما داخلها بعدما لاحظ الخوف المتجسد في رعشتها وتكورها على نفسها :
– احكي يا بنت الأكابر متخافيش من حاچة واصل ، قولي كل اللي حُصل زين .
تحفز الجميع والتفتت أعينهم صوْب وردة التي بدأت ترفع رأسها شيئاً فشيئاً ثم سلطت أنظارها عليه تنظر له بأسف نهش فؤاده وأحرق جسده الذي تجمد خاصة عندما تحدثت بثقل :
– حديت فارس صُح .
اتسعت عينيه وهو يطالعها بخيبة وذهول ، للحظة شعر أنه وقع في فخِ حيةٍ ماكرةٍ تلاعبت به وبمشاعره وبشهامته ليخرج من صدمته وتصلبه ويردف بصدرٍ ضيقٍ منقبض :
– عتقولي إيه بس ، قصدك حديت صالح ؟ ، ركزي بس في الأسماء الله يسترك .
هزت رأسها وانسابت دموعها على وجنتيها وهي تطالعه بعيونٍ تغمرها الدموع حتى باتت رؤيتها مشوشة ولكنها تسلطها عليه كأنها تعتذر منه قائلة بنبرة ألم تقطع روحها إرباً :
– لاه ، مبقاش ينفع نكدب أكتر من إكدة يا صالح ، الحقيقة لازم تنعرف قدامهم كلهم ، أني وصالح بنحب بعض من زمان قوي وحديت فارس هو اللي صح .

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية اضغط على : (رواية عشق بين هشيم مشتعل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى