روايات

رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه الفصل الثامن عشر 18 بقلم نعمة حسن

موقع كتابك في سطور

رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه الفصل الثامن عشر 18 بقلم نعمة حسن

رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه الجزء الثامن عشر

رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه البارت الثامن عشر

عشرون رساله قبل الوقوع في الخطينه
عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه

رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطينه الحلقة الثامنة عشر

إنقضي الأسبوع سريعًا وحلّ آخره..
إستيقظت رقيه من نومها بتثاقل ثم نهضت ببطء وفتحت باب غرفتها وهي تفرك عينيها تزيل عنهما أثر النوم لتنتفض فجأه إنتفاضـــةٍ أفاقتهـا من نعاسها عندما أصدرت والدتها زغرودةٍ مصريةٍ أصيله.
_إيه يا ماما! حد يخض حد كده عالصبح!
فورًا إجتذبتها والدتها وإحتضنتها بقوه من فرط سعادتها وقالت: ألف مبروك يا حبيبتي، فرحانه بيكي أوي يا رقيه.
تمتمت الأولي حانقه وأردفت: علي إيه يا ماما هو أنا طلعت القمر ولا خدت جايزة نوبل؟ كل ما هنالك إني هتخطب لبليغ أفندي.
لكزتها أمها بجانب كتفها وقالت: ومالك بتتكلمي كده من تحت ضرسك! هو كان حد غصبك يا بت! مش انتي اللي قولتي عيزاه وحطتيني في موقف زي الزفت مع الواد وأمه!
أشاحت بوجهها جانبًا وقالت: خلاص بقا يا ماما والنبي كفايه اللي فيا، عن إذنك بقا عشان أتهبب أروح الكوافير عشان الجنازه بتاعة بالليل دي.
تخطت والدتها التي ظلت تنظر في أثرها بإستغراب وتحدثت إلي نفسها بتعجب: ناويه علي إيه يا رقيه يا بنت سلطان!
دلفت هي إلي المغسل ومن ثم بدلت ملابسها وذهبت إلى صالون التجميل لتبدأ تجهيزاتها لتلك الليلـه.
….
جاء المسـاء، وتزين المنزل بأكمله من الهارج ومن الداخل أيضًا، الورود قد نُثِرت في الطُرقات وملأت البالونات الملونه المكان من حولهما.
أصوات صاخبه و زغاريد تملأ البيت ومباركات وتهانٍ قد أُسبغت علي مسامعها بوفره في زمنٍ وجيز.
الغادي والراحل ينعتها بالعروس!
تبًا لذلك الهراء!
أيّ عروسٍ تلك!
دنا منها صبيٍ صغير في عمر التاسعه، يود أن ينال شرف مصافحة عروس الليله، إبتسم وهو يرمقها بإنبهار ثم تمتم بصوتٍ عالٍ: مبروك يا طنط رقيه.
_غور ياض.
حدجتهُ بنظراتٍ ممتعضه مع إرتفاع زاوية شفتها العليا لينصرف المسكين سريعًا بعدما دبّ الرعب بأوصاله من هيئتها تلك!
تأففت بضيق وهي تنظر حولها إلي الجمع الذي إحتـشد بمنزلهما الصغير المتواضع.
كيف لذلك المنزل الذي يساعها ووالدتها بالكاد أن يَسَع ذلك الكم الهائل من الأوزان الزائدة!
حتمًاعليها أن تُعيد النظر في ذلك الموضوع لاحقًا.
إقتربت منها والدتها وتمتمت: افردي وشك!
علي الفور إتسعت إبتسامتها المصطنعه وقالت: حلو كده؟
لم تُعقّب والدتها، فقط إنهالت عليها سياط عيناها تجلدها بقوه، تُخبرها بأن الأمر لن يتوقف هنا فحسب.
_إيدك يا عروسه!
تحدث إليها بليـغ مبتسمًا وهو ينظر إليها بفرحه فأخفضت هي عيناها ومدّت يداها إثنتيهما وقالت بجفاء: إتفضل إيديا الاتنين أهم، يكش نخلص.
لم يتعجب هو من حدتها ولا أسلوبها المقتضب، فلقد أخبرتهُ والدته بكواليس الموضوع..
لقد وافقت بناءً علي رغبة والدتها أمّا هي هي لم ترغب بالأمر قط ليجيبها قائلًا: مهو عشان بت خام ياما، لا ليها في التور ولا في الطحين.
خـام! وشعرها البُرتقالي ذاك؟! علي كُلٍ دعونا لا نُطيل.
ألبسها خاتم الخطبه يليه ذلك السوار الذهبي الذي طالما سهر الليالـي يعمل بكد وإجتهاد حتي إستطاع اليوم ترميم ثمنه.
علت الزغاريد مجددًا ليزداد حنقها أكثر ويتفاقم غضبها أكثر وأكثر.
تبحث عنهُ بعيناها العسليتين هنا وهناك!
لقد وعدها بالحضور، هل سيخل بوعده معها؟
إشتمت رائحته، تعرفها جيدًا، تستطيع تمييزها من بين آلاف..
ثانيه واحده وبعدها دلف بطلّتهُ المنمقه، يرتدي بزةً سوداء وقميص فضي لامع يناسب تلك المناسبه السعيده.
إضطرب قلبها وتواترت دقاته، ثمة أحاسيس متضاربه لا تقوي علي تفسيرها الآن.
رأتهُ يدنو منها فحاولت التماسك قدر إستطاعتها إلي أن توقف أمامهما ورسم إبتسامةً بارعه علي شفتيه ثم مدّ يدهُ ليصافح العريس وقال: مبروك يا أستاذ؟؟
أجابهُ وهو يصافحه بتقدير:بليـغ.
_مممم، كويس والله، مبروك يا أستاذ بليغ.
أومأ بليغ بإبتسامه لينظر معتز بإتجاه تلك الفاتنه وقال بهدوء يناقض الغضب العاصف الذي يستعرّ بصدره.
_مبروك يا آنسـه رقيه.
ترقرقت الدموع بعيناها، هل يعاملها الآن برسميه لأنها قد تمت خطبتها؟ أم هناك أمرٌ خفيّ لم تتوصل إليه بعد!
مدت أناملها بترفع أجادتهُ وقالت: الله يبارك في حضرتـك يا مستر معتز.
حمحم رياض الذي ظهر من خلفه مبتسمًا وهو يدنو من العروسين ثم صافح بليغ وقال: ألف مبروك يا أستاذ بليغ، عقبال الفرح إن شاء الله.
ثم توجه ببصره إلي رقيه وصافحها مبتسمًا بود وقال: مبروك يا رقيه، ربنا يتمم بخير.
_شكرًا يا مستر رياض الله يبارك فيك.
أخرج رياض من الجيب الداخلي لسترته علبةً مربعه من القطيفه الزرقاء وقدمها إليها قائلاً: إتفضلي دي هديه بسيطه، عقبال هدية الفرح.
طالعهُ معتز بضيقٍ وإستياء ثم أشاح بوجهه جانبًا وتقدم من مقعدٍ يجلس فوقه طفلٍ صغير ثم سحب يده وأبعدهُ عن الكرسي بصمت وجلس هو تحت أنظار الطفل المتعجبه.
إلتقطت رقيه العلبه من رياض بإبتسامه ممتنه وقالت: ميرسي يا مستر رياض، كلك ذوق.
إبتعد رياض عنها وإتجه إلي حيث يجلس معتز ليجد مقعدً بجواره يجلس فوقه طفلٌ آخر فسحب يدهُ وأبعده عن الكرسي ثم جلس بدوره لينظر إليه معتز بصمت ثم ظلّا يتبادلان النظرات بصمت حتي إنفجرا في الضحك سويًّا.
…..
_يلا يا بابا إتأخـرنـا!
تحدثت آصـال بإنزعاج وهي تنادي والدها الذي خرج من غرفته وهو لا يزال يرتدي بيچامتهُ ويقول: آصال، الكراڤته السودا أشيك ولا الرصاصي؟
تدلي كتفيها بإحباط وقالت: هو إنت لسه ملبستش يا بابا!
_بت إنتي مبحبش شغل الإستعجال ده! منا قولتلك إجهزي معاها في الكوافير وروحوا علي الخطوبه طوالي إنتي اللي مرضيتيش، إصبري بقا.
=طيب يا بابا من فضلك إجهز بسرعه، الخطوبه قربت تخلص!
_بردو مقولتيليش، الكراڤته السودا ولا الرصاصي؟
=الرصاصي حلوه، والسودا كمان حلوه، يلا بقا يا بابا.
تقدم منها ببطء وتوقف أمامها يرمقها محاولًا سبر أغوارها وقال بنبرةٍ تحقيقيه: مستعجله كده ليه؟ متقلقيش هتشوفيه!
إرتفع حاجبيها ثم إنكمشت ملامحها سريعًا و ولّتهُ ظهرها وهي تقول: هو مين ده!
_أبويــا.
نطقها بتهكم فنظرت إليه تستشف مدي جديته ليقول: يابت، بلاش شغل اللف والدوران ده، ده أنا عاجنك وخابزك بأيدي دول.
لم تحد بُدً من المراوغه فقالت بنفاذ صبر: علي فكره أنا مش مستعجله عشان كده خاالص، الحكايه بس إني ما.. مــااا..
_علي ما تخلصي مأمأه أكون أنا خلصت لبس..
وإنصرف من أمامها وهو يقول: عشان بس تعرفي إنك إنتي اللي مأخراني.
إستعدّ المهدي سريعًا وغادرا المنزل ليستوقفا سيارة أجره لتقلهما إلي منزل العروس.

كان رياض يتفحص المكان من حوله بدقه، يتذكر تلك المره التي زار فيها والد رقيه وهو يرقد على فراش المرض قبل وفاتهِ بأيام، يتذكر أنهُ وصّاه حينها هو ومعتز علي رقيه ووضعها أمانةً برقابهما ليفيق من شروده عندما رآها.
أجفل قلبهِ داخل صدره ولم يزحزح عيناه عنها، طلّتها الملائكيه تلك بفستانها الأبيض البسيط الذي لائمها كثيرًا قد سحرتهُ.
أسرعت هي نحو العروس تحتضنها بفرحه وإلي جوارها ظهَر والدها ذو الوجه البشوش.
حسنًا، إنه يكنّ الكثير من المشاعر النبيله تجاه والدها الطيب وينبغي أن يذهب ليصافحه الآن، فليفعل.
ذهب إلي والدها ووقف إلي جواره ثم حمحم ليجذب إنتباهه وصافحه بإبتسامةٍ صافيه وقال: مساء الخير يا أستاذ مهدي.
إستدار له مهدي بجسده بالكامل بإنتباه وإنفرج فاه مبتسمًا وصافحه بإبتسامةٍ ودوده وقال: مساء النور يا بشمهندس رياض، أخبارك إيه؟
_الحمد لله، إنت إزي صحتك دلوقتي؟ يارب تكون أحسن.
=الحمدلله أحسن بكتير، عقبالك إن شاء الله.
إبتسم الآخر بهدوء: في حياتك إن شاء الله
إنتبهت لهُ وهو يحادث والدها، تود أن تنظر إليه مليًّا ولكن في وجود والدها يصعُب الأمر، بادر هو بالحديث وهو ينظر إليها مبتسمًا إبتسامة صافيه وقال: عقبالــك يا آنسه آصــال.
منحتهُ إبتسامةً صافيه، إستغرقت أكثر من لمح البصر، ولكن أثرها دام طويلًا.. أومأت وقالت: ميرسي يا مستر رياض ربنا يخليك.
إنطفأت الأنوار فجأه وعلت الموسيقي الرومانسيه الهادئه ليتنحي كلٍ إلي جنب..
نهض العروسين وبدأت تلك الموسيقي تتخللها الكلمات الحـالمه..
وماله لو ليلة توهنا بعيد، وسيبنا كل الناس
أنا يا حبيبي حاسس بحب جديد، ماليني دا الاحساس
وانا هنا جنبي أغلى الناس، جنبي احلى الناس
شعر رياض بذاك الرابض بين أضلعهِ وهو يدق بإضطراب وكأنهُ يستمع لأول مره إلي تلك الكلمات.
كان يود أن يخبرها بأن كل كلمه من كلمات تلك الأغنيه تنطبق علي إحساسه وما يشعر بهِ تلك الأثناء..
حبيبى ليله
تعالى ننسى فيها اللى راح
تعالى جوا حضنى وارتاح
دى ليلة تسوى كل الحياه
كلما إختلست آصال النظر إليه وجدتهُ ينظر لها ولا يحيد ببصره عنها لتبعد عيناها عنهُ سريعًا بخجل خشية أن يراها والدها وهي تتطلع نحوه.
ومالى غيرك
ولولا حبك هعيش لمين
حبيبى جاية اجمل سنين
وكل مادا تحلى الحيــاه
……..
كانت رقيه تتعمد إثارة حفيظتهُ، تتصنع الضحك وترسم علي شفتيها الإبتسامةِ قسرًا حتي يتبين فرحتها وسعادتها.
أما هو، كان يرمقها بنظراتٍ يفيضُ منها الغضـب مما أثار تعجبها..
لما ينظر إليها هكذا وهي من يتوجب عليها أن تسدد نحوه تلك النظرات!
إنتبهت علي ذلك التصفيق الحار الذي إندلع فجأة بين الحضور مما نبهها إلي توقف تلك الموسيقى الحالمه، وإنتهاء تلك الفقره العابثه_ من وجهة نظرها_.
عادت مجددًا حيث كانت تجلس وهي تختلس إليه النظر من فينةٍ لأخري لتجدهُ لازال ينظر إليها بنظراتٍ لم تستطع تفسيرها البته!
_مجنـ.ـون ده ولا إيه!
تمتمت بحنقٍ يملؤها وأشاحت بوجهها بعيدًا لتصطدم بذلك المبتسم ينظر إليها وهو يقول بإبتسامه متسعه: شكلك حلو أوي!
أجابتهُ من دون إبداء أي تعبير وقالت: شكرًا.
_يلا يا عريس عشان تأكل خطيبتك الجاتوه!!
برز صوت والدة بليغ التي أفتر ثُغرها عن إبتسامةٍ عريضه ليرتفع جانب فم رقيه وقالت بإستهجان: يأكلني ليه، هو أنا مشلوله!
تحدث بلهفه وقال: بعد الشر عليكي، دي طقوس بس، مانتي عارفه!
إلتوي ثُغرها بتهكم وأخبرتهُ: بلا طقوس بلا كلام فاضي، إنفضل كُل لوحدك وأنا كمان هاكل لوحدي، خلونا نخلص من أم الليله دي بقا.
…..
كان معتز ينظر إليها بإمعان، يراقب كل حركاتها وسكناتها، لقد لَمَحَ حدتها وإنزعاجها لكنه لم يُلقِ بالًا لما رأي.
نظر إلي رياض والذي كان مشغولًا بمتابعة شئٍ ما.
_مركز في إيه كده؟!
تسائل متعجبًا ليقول رياض وهو ينهض متعجلًا: أنا بقول كفايه كده بقا ونستأذن، أنا دماغي صدعت وعنيا زغللت من كتر الزحمه.
ضحك بإقتضاب ساخر وقال: نستأذن من دلوقتي! لسه فقرة العروسه واصحابها، وفقرة أمورتي الحلوه، اصـبر! مستعجل علي إيه ده لسه السهره هتحلو..
_طيب، خليك إنت لما تجيب أخر الليله، أنا ماشي.
تحرك بإتجاههم وهو يتمني بداخلهُ أن يستطع إقناع والدها بأن يقِلَهم بسيارته إلي منزلهم.
…..
_يا بابا عشان خاطري بقا نقعد شويه، لسه بدري.
توسلت آصال إلي والدها بضيق ليقول بإصرار: يا بنتي البيت زحمه وانا اتخنقت، وبعدين خلاص الخطوبه قربت تخلص، يعني متقلقيش مفيش حاجه هتفوتك.
علي مضض.. أذعنت لحديثهِ الذي لا يقبل التفاوض أكثر من ذلك و إستعدّت للإنصراف برفقته قبل أن تنتبه لهُ وهو يدنو منهما.
صافح والدها بتقديرٍ وقال: بعد إذنك يا أستاذ مهدي، وعقبال خطوبة آنسه آصـال إن شاءالله
خفق قلبها بقوه وأحسّت بالإرتباك ولكنها شتتت ناظريها بعيدًا.
ربت مهدي فوق كتفه بودٍ خالص وقال: ربنا يخليك يا بشمهندس، عقبالكوا جميعا إن شاءالله.
_ربنا يخلي حضرتك، طيب آآآ.. أنا كنت ماشي، لو تحب حضرتك أوصلكوا في طريقي..
تأهبت وتراقص قلبها فرحًا لمجرد أنها ستكون بقربهِ ولو لحظات بسيطه ولكن أملها تقهقر عندما قال والدها: كلك واجب يا بشمهندس، بس آصال كانت حابه تستني شويه مع صاحبتها، إتفضل إنت من غير مطرود.
إستقبل كلماتهٍ برحابة صدر نقيـض ذلك الضيق الذي أصابهُ ثم غادر.
كانت آصال تنظر إلي والدها بضيق مشابه لتجده ينظر إليها فجرّدت وجهها من التعبيرات ليتسائل متعجبًا وهو يصطنع عدم معرفته بما يشغلها: في حاجه يا آصال؟!
_لا أبدًا يا بابا مفيش، بس مش حضرتك قُلت هنمشي!
إبتسم لإدراكه شعور إبنته وما أصابها ولكنه قال بإبتسامه هادئه: مهانش عليا أزعلك، يلا يا حبيبتي شوفي صاحبتك وخليكي معاها.
إنصرفت وهي تتمتم بسخط وإتجهت نحو رقيه بينما تركت والدها ينظر في أثرها مبتسمًا.
….
أشارت رقيه إليها بالإقتراب ففعلت، توقفت أمامها مبتسمه وقالت: في حاجه يا رقيه؟
أجابت الأخري بتوتر بالغ وهي تهز قدميها بوتيرة سريعة وقد بدا عليها التشتت..
_هو أنا شكلي فيه حاجه غلط؟
تعجبت سؤالها وأومأت سريعًا بالنفي وقالت: لا طبعا يروحي مين قال كده! ده إنتي زي العسـل.
زفرت بإنزعاج وقالت: اومال ابن الوارمه عمال يبصلي كده بصات غريبه، شككني في نفسي منه لله معتز إبن كراويه.
ضحكت الأخري ملء فاها وقالت: يخربيتك يا رقيه والله إنتي محصلتيش، وبعدين سيبك من أي حد، ما طبيعي الكل هنا يبص عليكي، مش إنتي العروسه!
أشاحت رقيه بلا إهتمام وقالت: بلا عروسه بلا وكسه والنبي تسكتي..
_ليه بس كده….
بترت آصال جُملتها عندما قالت رقيه وهي تنظر في نقطةٍ ما بتركيز: أهو واقف مع باباكي هناك أهو.
نظرت آصال إلي حيث تشير الأخري لتتعجب عندما رأت معتز يقف إلي جوار والدها ويتبادلون أطراف الحديث..
_الظاهر بيتكلموا في موضوع مهم.
تحدثت رقيه وهي لازالت تنظر نحوهم بفضول فقالت آصال: مش عارفه، علي العموم متشغليش بالك إنتي بأي حاجه، أنا هبقا أسأل بابا ولو في حاجه مهمه هبقا أحكيلك.
…..
_قول يبني، إنت بقالك ربع ساعه عمال تقول عايز أقوللك حاجه ومبتقولش في الآخر.
تحدث المهدي في محاوله منهُ لتشجيع الآخر علي النطق وأضاف: ممكن نقعد في مكان هادي ونتكلم، لو إنت مش عارف تتكلم هنا..
_لا لا المكان هنا مناسب وكل حاجه، الحقيقه يا أستاذ مهدي أنا متلخبط ومش عارف أبدأ كلامي منين..
إبتسم مهدي بلطف علّهُ يخفف من وطأة الضغط والتوتر المحيطان به وقال: إبدأ من النقطه اللي تريحك، إعتبر إن إنت بتتكلم مع والدك.
أومأ معتز بإبتسامه متحمسه قليلًا وقال: الحقيقه أنا كنت عايز أطلب منك إيد آصال.
تجمد وجهه قليلًا ولم تظهر عليه أي تعبيرات ثم إبتسم إبتسامةً لم تصل إلي عيناه وقال بهدوء: هو ده بقا الموضوع اللي بقالك ساعه بتحاول تكلمني فيه!
مسح معتز وجهه بكلتا كفّيه وخلل شعره بيديه محاولًا إستعادة رباطة جأشهُ ثم قال: اعذرني يا أستاذ مهدي بس أنا خيبه خالص في الأمور اللي زي دي.
أومأ مهدي بتفهم وهو لا يزال محافظًا علي إبتسامته وقال: علي العموم يبني المواضيع اللي زي دي ميتاخدش فيها قرار بين يوم وليله، لسه هشوف حالي كده وطبعا في الأول هسأل آصال وأشوف رأيها ولما أوصل لجواب مفيد إن شاء الله هبلغك.
تنهد معتز بإرتياح لكونه أخرج كل ما بجعبته وأومأ موافقًا وقال: براحتك حضرتك خد الوقت اللي يناسبك وأنا مستني رأيك في أي وقت.
ربت فوق كتفه بود وقال: إن شاء الله يا بشمهندس، ربنا يقدم اللي فيه الخير.
تمتم الآخر وقال: بإذن الله، طيب تحب حضرتك أوصلكوا في طريقي؟
_لا يبني كتر خيرك، إحنا قاعدين شويه.
أومأ معتز وقال: طيب أستأذن أنا، عن إذنك.
قبل أن يغادر توجه لمصافحتها، لا يدري لما ولكن قدماه هما من ساقتهُ نحوها.
طالع بليغ بإنزعاج وتمتم بإقتضاب: مبروك.
فرمقتهُ بلا إكتراث وقالت: عقبالك.
_بعد الشر.
نطقها ببرود علي عكس تلك النيران الغاشمه التي تلتهم داخله ليراها وقد عادت لنظراتها المشتعله من جديد فعلم بغضبها الذي لم يمهل نفسه بعض الوقت لتفسيره.
أدار ظهرهُ و غادر المنزل سريعًا وفور أن غاب عن ناظريها حتي أحست بالإختناق وكأن جبلًا يرقد فوق صدرها، تلألأت الدمعات بعيناها مما جذب إنتباه والدتها والتي ذهبت إليها علي الفور وتسائلت حيث تحدثت بهمس: مالك يا رقيه مضايقه ليه، في حاجه حصلت؟
_أنا إتخنقت خلاص، إتفضلي بقا لو سمحتي فضي السيرك القومي اللي عاملاهولنا ده!
مصمصت شفتيها بسخريه وقالت بلوم: أومال انتي كنتي فاكره الخطوبه إيه يا عين أمك، عيزاني أطرد الناس ولا أقوللهم بيتك بيتك أصل العروسه خلاص زهقت منكوا، صبرك عليا بس لما الناس تمشي.
كعادتهما عند إختتام أي حوار حاد، ترمقها والدتها بتوعد فتستقبل الأخري حديثها ونظرتها المتوعده بحنق وهي تبيّت النيه بالفرار إلي غرفتها سريعًا تجنبًا لأي نقاش آخر.
…..
مع تمام الساعة الحادية عشر مساءً كانت قد غادرت للتو السيده “عنايات” والدة بليغ والتي أمرتهُ قائله: هسبق أنا وحصّلني يا بليغ.
هنا جاء صوت والدة رقيه والتي إعترضت بشده وقالت: و دي تيجي بردو يا أم بليغ؟ عايزة العريس ينزل من غير ما يتعشي مع عروسته؟!!
_بس أنا عامله دايت.
قالتها رقيه كصيغة إعتراض علي قرار والدتها والتي لكزتها بكتفها علي الفور لتبتر جملتها المفتقره للذوق -من وجهة نظرها- وقالت بإبتسامه مصطنعه: بتموت في الهزار رقيه بنتي دي.
إلتزمت الصمت لتتولي أمها زمام الحديث وقالت بحسم: اتفضلي إنتي يا حبيبتي ولو إني كان نفسي تاكلي معانا لقمه حتي يبقا عيش وملح.
لتجيبها الثانيه بشرحٍ مُطنِب: مانتي عارفه يا حبيبتي أنا مش بتعشي، عشان السكر بعيد عنك،بس معلش بقا يا أم رقيه تتعوض إن شاء الله.
أومأت وهي تحاول مجاراتِها كنوع من التقدير كما تظن حتي فرغت الأخري من سرد قصتها الموجزه، الغير مبالغ بها علي الإطلاق!
…..
بعد مرور ساعه أخري كانت رقيه قد تخلصت من آخر كوابيس ذلك اليوم، ألا وهو الكابـوس الأعظـم، بليــغ.
ركضت سريعًا إلي غرفتها لتفادي أي حوار غير مُجدٍ في تلك الساعه المتأخره التي لا تحتاج فيها لأي شئ سوي الإنعزال، و ربما النوم!
علي عجالةٍ.. أخذت حمامًا دافئًا وإرتدت ملابس نومها وأسرعت تتدثر بغطاءها ثم أوصدت جفناها سريعًا وإستسلمت للنوم.
…..
رأتهُ يقف إلي جوار والدتها ويتجاذبان أطراف الحديث بينما تتسع إبتسامته وهو يستفيض أمام والدتها التي علت شفتاها إبتسامة ودوده وسرعان ما أطلقت زغرودةٍ فَرحه تحتوي علي الكثير من الضجيج.
إنتظرت أن يتجه نحوها ويشرح لها عمّا دار حوارهُ مع والدتها ولكنهُ لوّح بيداه أمامها بإبتسامه و ألقي إليها بقُبلةٍ مشاكسه في الهواء وغادر.
تريثت لحين عودة والدتها إليها وتسائلت بلهفه: معتز كان بيكلمك في إيه؟
نظرت إليها والدتها وإبتسمت وهي تفرك أصابعها بخجل كفتاةٍ عشرينيه و توردت وجنتاها خجلًا لتقول رقيه بنفاذ صبر: ما تنطقي يا ماما، كنتي بتزغرطي ليه!
أجابت الأخري علي إستحياء وهي تضع وجهها أرضًا: أصل.. أصل بشمهندس معتز عايز يخطبني.
_ميــــن؟!!
تسائلت رقيه وقد تفرّق شدقيها وتحدثت بأسلوبٍ فظ: يخطب مين؟! يخطبك إنتي؟
_مالك يبت صوتك عالي كده ليه؟ إنتي ناسيه إنك بتكلمي أمك!
ضحكت بإقتضابٍ ساخر وقالت: هه، أمي؟! أمي مين بقا هو إنتي خليتي فيها أمي؟! الله يسامحك يا ماما، حسبي الله ونعم الوكيل…
°°°°
_بت، بت يا رقيه اصحي، قومي يا بنت العبيطه بتتحسبني علي أمك وانتي نايمه!!
إنتفضت الأخري عندما شعرت بيد والدتها وهي تحاول إيقاظها ثم نهضت فجأه ووقفت علي الفراش وهي تنظر حولها بتيهٍ وشرود وهي تقول:إيه ده، هو أنا بحلم! يعني إنتي مش هتتخطبي لمعتز؟! اومال كنتي بتزغرطي علي إيه؟
_أتخطب لمعتز؟! هو إيه أصله ده! البت بتخرف!
ظلت رقيه تتمتم بكلماتٍ غير مفهومه وكأنها طلاسم يصعب فكها حتي أفاقت علي تلك الصفعه التي سددتها إليها أمها مما جعلها تستعيد تركيزها وقالت: صباح الخير يا ماما.
_أيوة كده إتظبطي، صباح النور يا عين أمك، يلا قومي إتأخرتي.
غادرت الغرفه لتنهض رقيه واقفه بإستعداد وعقلها يُعيد أمامها تفاصيل ذلك المنام لتتمتم بغيظ: منك لله يا معتز يا ابن كراويه عالصبح، حتي أحلامك إستنجلينا شبهك.
وغادرت غرفتها لتبدأ بالإستعداد للذهاب إلي الشـركه.
…….
كان رياض يجلس بمكتبهِ يحاول أن يصب كامل تركيزه في عمله، ولكنها لا تمنحهُ تلك الفرصه أبدًا.
رن هاتف مكتبهُ فأجاب: أيوة؟
_صباح الخير يا مستر رياض.
تهادي صوتها العذب إلي مسامعهُ ليجيبها بصوتٍ دافئ: صباح النور يا آصال.
_كنت محتاجه أسأل حضرتك عن كذا حاجه بخصوص التصاميم والجرافيكس الجديده، الحقيقه أنا مش فاهمه حاجه خاالص..
ضحك بصوتهِ الرخيم وقال: ولا يهمك أنا معاكي، تعالي وجيبي التصاميم معاكي..
_تمام ماشي.. مع السلامه.
نهضت من خلف مكتبها بحماس وهندمت مظهرها سريعًا ثم أخذت الأوراق وغادرت مكتبها متجهه إلي مكتبهُ.
طرقت الباب وعندما أذن لها بالدخول دلفت وهي تحاول تجريد وجهها من أيّة تعبيرات.
_تعالي يا آصال.
برز صوتهُ هادئًا أكثر من ذي قبل وأشار لها بالجلوس أمام مكتبهُ..
وضعت كل التصاميم أمامهُ وبدأت تسرد مشكلتها وتقول: دلوقتي في حاجه، أنا لما حيت أشتغل بنفس الطريقه اللي إعتمدتها في إنشاء تصاميم التنفيذ لقيت إن ملف الـ…
توقفت عن الحديث عندما رن هاتفه ونظرت إليه ليجدهُ لم يكن يفعل شيئًا بالأساس سوي النظر لها..
أشاح بعيناه عنها سريعًا وحمحم بحرج لتقول: تليفون حضرتك..
نظر إليها بإستفهام فقالت مجددًا: تليفونك بيرن..
إنتبه إليه ونظر بهِ ثم قطب جبينه متعجبًا وقال: رقم غريب، مش مهم اتفضلي كملي كنتي بتقولي إيه؟
_ممكن يكون حد مهم، إتفضل رد
لم يجامل سريعًا ولكنه أجاب المكالمه قائلاً: أيوة؟
_السلام عليكم.
=وعليكم السلام ورحمه الله، مين حضرتك؟
_أنا أستاذ مهدي والد آصال يا بشمهندس..
=أهلا وسهلا بحضرتك، ازيك يا أستاذ مهدي و ازي حالك؟
ران بصرهُ نحوها سريعًا ليجدها تتابع حديثهما بإنتباه بالغ وخاصةً عندما قال: إنت تؤمرني حضرتك.
_الأمر لله يبني، أنا بس كنت عايز أتكلم معاك وأخد رأيك في حاجه..
=أنا تحت أمرك، إتفضل حضرتك.. هنتكلم في التليفون ولا تحب نتقابل يكون أفضل؟!
_لا مش هينفع الكلام في التليفون، شوف تحب نتقابل فين وانا أجيلك.
=لا العفو حضرتك، شوف المكان اللي بتقعد فيه وأنا أجي لحد عندك..
_مفيش فرق يبني، خليني أنا اللي أجيلك..
=تمام يبقا نتقابل الساعه ٦ في كافيه تورنتو اللي فـ…
_أيوة عارفه، تمام هجيلك إن شاء الله الساعه ٦، مع السلامه.
أنهي المكالمه وهو لا يزال متعجبًا فنظر إليها ليجدها لا تختلف حالتها عنه كثيرًا وقالت: بابا!!
أومأ موافقًا وقال: بيقول إنه عايز ياخد رأيي في حاجه!
إزدادت تقطيبة حاجبيها وقالت: حاجة ايه دي؟!!
زم شفتيه بجهل وقال: مش عارفه أخمن حتي!.. علي العموم كلها ساعتين وهنتقابل وهفهم منه كل حاجه.
أومأت بموافقه وقالت: و أكيد حضرتك هتقوللي..
ضحك بهدوء وحكّ ذقنهُ بتريث وأجاب: موعدكيش بصراحه، بس علي حسب الموضوع هيكون إيه هقرر..
أومأت بهدوء مجددًا ليقول: طيب اتفضلي كملي كنتي بتقولي إيه عن التصاميم..
زفرت بتوتر وقالت: بعد إذنك يا مستر رياض هستأذن دلوقتي لأني مش عارفه أجمع تاني..
أومأ بتفهم وقال: تمام براحتك، وقت ما تحبي تسألي عن أي حاجه أنا موجود.
إنصرفت عائده إلي مكتبها بشرود بينما ظل هو ينظر في أثرها بشرودٍ مماثل…

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى