رواية عرف صعيدي الفصل الثالث عشر 13 بقلم تسنيم المرشدي
رواية عرف صعيدي الجزء الثالث عشر
رواية عرف صعيدي البارت الثالث عشر
رواية عرف صعيدي الحلقة الثالثة عشر
( جرأة )
______________________________________
_ وقفت أمامه في حيرة من أمرها فهي لا تريد الإفصاح عما يتردد داخل عقلها أو ربما لا تتجرأ على فعل ذلك، ليست متسعدة على مواجهة أسئلته التي حتماً ستنهيها.
_ تعجب مصطفى من صمتها الذي طال انتظار قطعه وبدأ الحديث متسائلاً:-
رايدة تجولي إيه ومترددة بالشكل ديه؟
_ شكلت بسمة على محياها وهي تجيبه بنبرة غير مبالية:-
كنت رايدة أجولك إني فرحانة جوي أنك جولت جدامهم إني مرتك!
_ نهض من مقعده واقترب منها بخطى متريثة وقال بنبرته الرخيمة:-
يمكن اتأخرت على ما جولتها جدامهم بس طول الوجت كنت معتبرك مرتي.
_ اتسعت ابتسامتها ورمقته بعذوبة، مائة وثلاث وثمانون سنتيمترات من الوسامة تقف أمامها، بنيته العريضة التي تختفي هي ما إن وقف قبالتها تشعرها بالجاذبية نحوه ناهيك عن شعور الإنتماء الذي قد أُضيف لقائمة شَعْرواتها ما أن أدلى بكونها زوجته أمام من سبق وأدلى بعدم وضعها في اعتبار الزوجة.
_ انسحب مصطفى للخارج معللاً سبب خروجه بأن لديه أمر ضروري عليه إنهائه قبل أن تغرب الشمس، وافقته ورد دون تفكير فهي تريد الإنفراد بذاتها قليلاً لتعطي هُدنة لعقلها حتى يستوعب الأحداث التي حدثت اليوم.
______________________________________
_ أخذ طاهر ميعاداً من الحاج حنفي بعد صلاة الجمعة، ذهب إلى منزله وكان هو وولده ضيف في استضافته، رحبوا به بحفاوة شديدة فهما على صلة ببعضهما كما يَكِن الحاج حنفي له الإحترام والتقدير لمعرفته بشخصيته الخلوقة.
_ جلس طاهر مقابلهم لا يدري بأي حديث يبدأ وأي حديث يُقال، يفعل ما لا تهواه نفسه ولا يرضاه قلبه، إذاً لما سيرضخ لتلك الزيجة المنتهي أمرها لديه؟ لا يوجد مفر أمامه فلقد جاء ولابد من مواصلة ما حضر لأجله.
_ حمحم ثم أردفت بنبرة متحشرجة:-
كنت رايد بعد اذنك طبعاً يا حاج حنفي إني اتجدم لطلب يد بنت حضرتك
_ فؤجئ ضيف ووالده بطلب طاهر فكان أبعد ما يكون عن مخيلتهم أن ما خلف ذلك الموعد هو أن يتقدم لخِطبة إبنتهم المصون.
_ شكل الحاج حنفي بسمة لم تتعدي شفاه وردد بصوت غليظ:-
_ بوك مچاش وياك ليه عاد؟
_ رمقه طاهر في توتر بائن فهو لم يحسب لسؤاله مطلقاً، لقد طوى صفحة والده من حياته ويُكمل فيها باعتبار أنه قد دُفن ولم يعد يوجد شيئ اسمه حمدان المنشاوي.
_ وزع أنظاره بين الجالسين وبثباتٍ أجابه:-
أبوي ميعريفش عن مجيتي إهنه..
_ تبادل الحاج حنفي وإبنه النظرات متعجبين من كلماته الجريئة، لاحظ طاهر نظراتهم المحملة بعشرات من الأسئلة الذي أجاب عنها بقوله:-
أكيد هخبره بس جولت أشوف رأيكم لاول إذا كان فيه جبول أجيب العيلة كلاتها وناجوا، ها ايه جولك يا حاج حنفي؟
_ أزفر الحاج حنفي أنفاسه ببطئ شديد قد أرتبك طاهر أثره، فلم يسبق وأن حضر جلسه مشابهة لتلك الذي يجلس بها وخصيصاً أنه بمفرده لا رفيق ولا قريب يسانده.
_ أخرج حنفي تنهيدة وصلت لأذان الجالسين وبعد مفاوضة ولده بإشاراته الموحية إليه دون تحدث أخبر طاهر عن رأيه بشموخ:-
إبخطاروا يا طاهر موافج على طلبك ليد بتي المهم تخبر بوك لاول دي الأصول يا ولدي
_ شعر طاهر وكأن أحدهم قد نزع قلبه من مكانه بعد موافقته على طلبه، ما الذي كان يظنه بعد تقدمه الرسمي لطلب إبنته؟ الرفض!! وماذا عن الموافقة التي لم يحسب لها وظن أن الحياة ستجبر خاطره ويلقي الرفض منهم وبهذا تنتهي مسألة الزواج إلى الأبد.
_ عاد لأرض الواقع بإيماءة خفيفة من رأسه متمماًّ بها على حديث الحاج حنفي وهو يقنع عقله أن هذا هو الصواب، استنشق بعض الهواء وسأله مردفاً:-
في العشية زينة ناجوا فيها؟
_ أماء له الحاج حنفي مرحباً:-
تاجوا في أي وجت يا طاهر الدار هتنور بوجودكم
_ أجبر طاهر ثغره على التبسم ثم استأذن وغادر وهو يلعن حيرته التي وقع فيها، أغمض عينيه لبرهة يحاول إقناع ذاته أن ما فعله ليس إلا الصواب والحل المؤكد لتعويض قلبه عن حرمانه لخوض الحب مع من يدق لها الفؤاد عشقاً.
”ورد”
_ نطق إسمها وهو يردد مستاءً:-
طُرجنا مش واحدة يابت عمي افترجنا من جبل ما نتجابلوا!!
_ أخرج همومه مع تنيهداته الحارة التي خرجت من أعماق جوفه ثم تابع سيره عائداً إلى المنزل على مضضٍ لكي يخبر عائلته بطلبه من الزواج بمروة.
______________________________________
_ إبتعد مصطفى عن السرايا لكي يمنع أعين المتطفلين من التجسس عليه فبعدما فعله في منتصف السرايا اليوم ستعلق الأنظار عليهم من ذلك الحين .
_ قام بالاتصال على والدة ورد، وانتظر إجابتها بفروغ صبر، بعد ثوانٍ قليلة أجابته بقلق فلم يسبق له وأن هاتفها مرددة بتوجس:-
مصطفى! كيفك يا ولدي؟
_ رد عليها بلهفةٍ كالطفل الذي لقى ما يسعده بعد وقتٍ طال:-
زين يا أم ورد أحوالك إيه العيشة في مصر كانها أحلى من إهنه لأنك نستينا تمام
_ أسرعت بالرد عليه موضحة:-
العيشة كانت حلوة يا ولدي بوجود الحبايب لكن بعد ما راحوا مبجتش عيشة يلا الحمد لله، المهم انتوا بخير ورد زينة؟ لسه متحدتش وياها
_ طمأنها مصطفى علي ورد بقوله:-
ورد زينة متجلجيش عليها.
_ صمت مصطفى فالحديث بات أصعب الأن لا يدري بأي وجه يسألها فهذا لا يشبه طباعه ولم يفعله من قبل، أخذ يزفر أنفاسه المتهدجة التي وصلت لأذان السيدة سنية وأسرعت بالسؤال بتوجس:-
ساكت ليه يا ولدي اتحدت انت جلجتني إكده
_ ألقى حديثه دفعة واحدة قبل أن يتراجع عن قوله:-
كنت رايد أعرف ايه الحاجات اللي ورد عتحبها زي إيه يعني خلجات، وكل ، حاجات البنتة اللي مفهمش فيهم دولهما!
_ قهقهت سنية على آخر ما أردفه ثم سيطرت على ضحكاتها وقالت بسعادة قد غمرت قلبها لاهتمامه في إدخال السرور على قلب ورد:-
ورد معتميلش لخلجات ولا أيتها حاچة بعينها بس بتفرح جوي لما حد عيفتكرها بحاجة مخصوص ليها تلاجيها طارت من الفرحة، كان بوها الله يرحمه لما يحب يفريحها كان يجبلها مشبك كانت تشوفه من إهنه وترجص من إهنه ومتبطلش عبط ولا بوس فيه ..
_ يصغي بعناية لكلماتها إلى أن ذكرت عناقها وقبلاتها لوالدها، تقوس ثغره رغماً عنه وهو يتخيل نفسه مكان والدها، أنهيةىالمكالمة سريعاً ثم عاد إلى سيارته واستقل خلف مقودها، دعس بقدمه على المحرك وتحرك مبتعداً عن المكان وهو لا يطيق الإنتظار في العودة
_ لم يتوقف عقله عن رسم بعض المواقف لهما حين يفاجئها بالمشبك كما لم ترتخي عضله فمه مطلقاً إثر ابتسامته التي تتسع عن ذي قبل كلما تعمق في رسم مواقف أكثر جرأة بينهم.
_ عاد إلى السرايا بعد حوالي ستون دقيقه فلم يستطيع الحصول على المشبك بسهولة فكان يوجد في بقالة من بين أكثر من عشرون بقالة، لا يهم فالاهم الأن أنه قد حصل عليه.
_ وقف خلف الباب لثوانٍ يستعد فيهما لمواجهتها ثم طرق بخفة على الباب فاستمع لنبرتها التي تشبه الكروان سامحة للطارق بالدخول، أدار مقبض الباب وولج للداخل بأعين باحثة عنها.
_ بحماسٍ يتدفق في الادرينالين خاصته، اقترب منها عاقداً كلتى ذراعيه خلف ظهره إلى أن وصل إليها فاستقبلته هي بابتسامة عذبة رقيقة وسألته في فضول:-
عتخبي إيه ورا ضهرك؟
_ أخرج أنفاسه سريعاً وأعاد وضع يده للأمام فتفاجئت ورد بمسكه لأحد الاكياس البلاستيكيه فأعادت سؤال مرة أخري وعينيها معلقة على ذلك الكيس الذي بيده:-
ايه اللي عتمسكه ديه؟
_ أجابها مختصراً:-
افتحيه وشوفي بنفسك
_ مدت يدها وأخذت منه الكيس وقد خمنت ماهو فهي تحفظ ذلك المنظر المحبب لقلبها كثيراً، فتحت تلك الأوراق وأبعدتها عن بعضها، إلتوى ثغرها للجانب مُشكلة بسمة عريضة فلقد صدق حدسها، قفزت بطفولة في الهواء مهللة بصياح:-
كنت عارفة أنه مشبك
_ انتبهت ورد لوجوده معها ونظرت إليه في سعادة قد دقت طبول قلبها وسألته ممتنة:-
أنت عرفت كيف إني بحبه؟
_ لم يريد مصطفى إخبارها بطريقة معرفته وحاول جذب انتبهاها بعيداً عن السؤال:-
مبسوطة بيه؟
_ هتفت في حماس:-
جوي جوي
_ جلست ورد على طرف الفراش وتابعت تمزيق الأوراق عن المشبك لكي تحصل علي قطعة بينما وقف مصطفى مذهولاً فهذا ما لم يتخيله قط، أين العناق والقُبلات التي تحدثت عنهم والدتها؟
_ لا يعلم أي شعور قد انتابه في تلك اللحظة لكنه مزعوج من عدم حدوث ما رسمه طيلة مدة عودته إليها، حسناً فليقترب هو منها ربما يعطيها فرصة في فعل ما يتمني فعله ..
_ صعد الفراش مقابلها لم تكن هناك مسافة بعيدة بينهم فلقد تعمد عدم ترك مسافة بينهم حتي يُسهل الأمر عليها، كان يتابع تناولها للمشبك بشراهة مستمتعاً بعفويتها، وأكثر ما يجذبه فيما تفعله مشهد العسل الذي يسيل على فمها الوردي، لم يعد يستطيع التمالك أمام ما تفعله بعفويتها
_ خارت قواه من خلف تصرفاتها غير المقصودة بالمرة، انحني عليها دون تردد يريد مسح العسل على طرف فمها بطريقته الخاصة، تفاجئت ورد بقربه لتلك الدرجة لكنها لم تمنعه، تركت آخر ما تبقي من القطعة التي بيدها على بقيتهم ثم رفعت يدها التي وُضعتها بارتباك خجل على صدره فاتسخت جلبابه من بقايا العسل الذي يملئ يدها.
_ شهقت ورد قبل أن يقترب منها ويحظى بتجربة فريدة من نوعها معها بعدما أدركت ما فعلته به، عاد مصطفى لوضعه مفزوعاً بشهقتها فأسرعت هي بالإعتذار وعينيها مثبتة على جلبابه المتسخ:-
أني اسفة مكنتش أجصد
_ أخفض مصطفى بصره على الجهة التي تنظر إليها ثم أردف بلا مبالاة:-
محوصلش حاجة لكل ديه بسيطة
_ نهضت ورد عن مقعدها متأثرة بما فعلته وهتفت نادمة:-
محوصلش حاچة كيف الجلابية هتبوظ لو متغسلتش، اجلعها اغسلها بمية بسرعة وأعاود
_ حاول مصطفى أن يرفض بلطف لكنها أصرت على تنظيف الجلباب ربما يقلل ذلك من شعورها بالخذي فيما تسببت به، أعطاها مصطفى جلبابه فهرولت راكضة داخل المرحاض تنظفه قبل أن يجف عليها العسل ويصعب تنظيفه.
_ تعاملت مع صنبور المياه بقوة لكي تنهي الأمر سريعاً فاقتلع في يدها، صعقت ورد من المياه التي انفجرت فجاءة في وجهها وقد تبللت ثيابها إثرها، حاولت إيقاف المياه بيدها لكن هيهات لشدة تدفق المياه فيديها لن تجدي نفعاً في ذلك الحين، أضطرت إلى أن تنادي مصطفى لكي يساعدها فليس أمامها سواه
_ تعجب من ندائها المتلعثم، اقترب منها بخطى متريثة تحولت إلى هرولة ما أن وقع بصره على المياه المتدفقة من الصنبور، أسرع نحوها محاولاً حل الأمر لكنه لم ينجح فقال:-
حطي الجلابية على الحنفية على لما اجفل المحبس من تحت الحوض
_ أماءت له وفعلت ما قاله فهدأ تدفق المياه قليلاً ما أن كتمت الصنبور بالجلباب، شعرت بسكون الماء أسفل يدها فتيقنت أنه قد أغلق المحبس، أزاحت الجلباب بعيداً وهي ترمقه بتحسر فهي أرادت تنظيفه وها هو الأن يتساقط منه قطرات المياه دون توقف.
_ تناول مصطفى منها الجلباب وألقاه بعيداً حين استشف ذاك الحزن من خلف بريق عينيها المنطفئ وقال بلُطف:-
جت سليمة
_ لم يستطع إبعاد نظريه عنها في تلك الحالة المذرية، فلقد تبلل قميصها القطني الذي يصل طوله إلى ركبتيها بالكامل وإلتصق بجسدها
_ مررت ورد بصرها عليه بالكامل وهي تلعن غبائها الذي وضعهم في ذلك المأزق، فثيابه قد تملكت منها المياه بالكامل، اقتربت منه بندم شديد وهتفت بخذي واضح:-
خلجاتك محتاجة تـ..
_ لم يدعها تُكمل حديثها، يكفي سخافات لا يود سماعها، فهو الأن غريق في بحورها التي سمح لنفسه بخوضها في تلك اللحظة الغير مرتبة بالمرة.
_ كتمت ورد أنفاسها بفعلته التي فاجئها بها، شعرت بنبضاتها تكاد تخترق ثيابها من شدة تدفق الدماء بهم، رجف جسدها مطالباً بالهواء التي افتقرته رئتيها لوقت..
_ شعر مصطفى بأنفاسها اللاهثة التي تحاول التقاطهم بصورة مضطربة، أبعد خاصته عنها لكنه مازال وافقاً مقابلها، تفحص معالم وجهها التي تحول لونها إلى الحُمرة وسار كالبندورة حديثة الجني، خفق قلبه بشدة وهو يراها تعض على شفاها بارتباك واضح، أسند جبينه على جبينها وتلمس خلف أذنها بنعومة، أوصد عينيه يستمتع بأنفاسها التي تضرب وجهه ودقات قلبها المتحمسة التي ازدادت عنفواناً وحيوية
_ أفكار عدة قد رادوته، هل ذلك التوقيت المناسب لجعلها امرأته فعلياً أم…
_ قطعت هي تفكيره حين أسندت رأسها على صدره، فلم تعد تتحمل مواجهة عينيه أكثر من ذلك فحيائها قد تغلب على صمودها وكاد أن ينهيها ما لم تسرع في الهروب منه.
_ قطعت كل محاولات التماسك التي يحاول أن يتحلى بها بتشبثها به بتلك الطريقة المفتقرة، حاول أن يخلع عنها قميصها لكنها شدت على يديه الموضوعة على ثيابها فأجبرته على التوقف عما يفعله عاقداً حاجبيه بغرابة من أمرها وهمس متسائلاً بنبرة متحشرجة:-
مالك عاد؟
_ كيف تخبره بخوفها من خوض مرحلة لم يسبق لها عيشها، ازدردت ريقها محاولة تلبس ثوب اللامبالاة لكن أمرها قد فضح من قِبل نبضاتها العنفوانية التي لا تكف عن النبضات المضطربة
_ في تلك الأثناء كانت قد تسللت صفاء إلى الطابق العلوي هاربة من الأعمال المنزلية التي لا تنتهي منذ الصباح، هربت إلى غرفة ورد وهي تتلفت حولها ببطئ حذِر ثم طرقت الباب وولجت للغرفة قبل أن تصغي لسماح ورد لها بالدخول.
_ تفاجئ كليهما بدخول أحدهم الغرفة لكن لم تتعجب ورد فهي على علمت بهوية الدخيل عكس مصطفى الذي ابتعد عنها وهو يتوعد لمن اقتحم الغرفة دون استئذان
_ أولاها ظهره ووقف علي باب المرحاض ليُظهر نفسه لذلك الدخيل اللعين الذي أفقده لذة الموقف، تفاجئت صفاء بظهور مصطفى على حالة غير مهندمة أمامها، اتسعت مقلتيها بصدمة وقد تلعثمت في الحديث معللة وجودها:-
كنت .. جاية .. أطمن على.. على ورد بس الظاهر هي مش، العوافي
_ أولاته ظهرها فأوقفها هو بنبرة حادة قوية:-
اوجفي عندك
_ وقع قلب صفاء في قدميها خوفاً من نبرته الحازمة معها، استدارت إليه وقد تشكل الخوف على تقاسيمها فتابع هو مضيفاً بتحذير:-
بعد إكده استأذني جبل ما تدخلي أي اوضة في الدار إهنه مفهوم!
_ أماءت له برأسها عدة مرات ثم انسحبت من الغرفة سريعاً دون أن تنظر خلفها لاعنة تلقائيتها التي تعاملت بها، لم تريد مواجهة إيلام والدتها في تلك الأثناء فخرجت بقلبٍ منكسر فما حدث ليس بهين لقد دعس على وتر حساس لطالما حاولت هي طويلاً أن تتناساه لكن لابد من تذكره لعدم تعديها الحدود بعد ذلك فهي خادمة ليست إلا.
_ انسدلت بعض العبرات من مقلتيها وهي تعتصر ألماً كلما تذكرت حجمها الضئيل بجانب من ترافقهم وتحبهم، جميعهم ذو طبقات عالية ومكانة مرموقة لن تصل هي إلى سماء دنياهم مهما ارتفعت قامتها!!
_ مسحت عبراتها التي لن تجدي نفعاً ولن تغير أمراً فهذا واقع لا مفر منه وعادت إلى أرضها التي تنتمي إليها لكنها لم ترحب بعودتها الى السرايا قبل أن تشعر بالتحسن
_ عودة لغرفة الحبيبان، استدار مصطفى إلى حيث تقف ورد فهو لم يحصل على إجابته للأن وقبل أن يعيد سؤاله أسبقت هي بطلبها:-
مصطفي ممكن أطلب منك طلب صغير!
_ حرك رأسه متسائلاً:-
اؤمري
_ ترددت في طلبها لكنها بحاجة كبيرة إليه فهتفت قائلة:-
رايدة أعاود دار أبوي
_ عبس مصطفى بعدم ترحيب لطلبها فأسرعت هي موضحة ما تقصده من خلف طلبها:-
جبل ما تسوء الظن أني اتوحشت دار أبوي جوي ولو رايد الحجيجة أني محتاجة اشحن طاجتي شوية بجعادي إهنكة يوم وأعاود من تاني لاهنه
_لم يريد إبداء الرفض فهي كانت منبوذة طيلة الأشهر الماضية من الجميع وهو أولهم وإن كان طلبها سيحسن من حالتها المزاجية فيا مرحبا لن يرفض حتى وإن كان على غير هواه.
_ أبدي موافقته قائلاً:-
موافج بس مش يوم هوديكي في طريقي للارض وأني معاود هخدك
_ رحبت ورد بفكرته فالمهم الأن أنها ستذهب إلى منزلها، تنفست بحماس ظاهر استشفه مصطفى وشعر بالسعادة لعدم تسرعه في رفض طلبها فتلك الإبتسامة تمحي القليل فيما اقترفه في حقها سابقاً.
_ إذاً لم يعد هناك داعٍ لوقوفه على تلك الحالة، أخذ شهيقاً وأخرجه على مراحل عدة ثم انسحب بهدوء:-
هعاود أوضتي أبدل خلجاتي
_ وافقته ورد فهي بحاجة إلى تجميع شتاتها الذي تفرق تماماً، استنشقت الصعداء ما أن اختفي طيفه خلف باب الغرفة، أوصدت باب المرحاض ولم تخطوا خطوة بعد حتى أعاد عقلها ذكرى قُبلتهم الأولي في المكان نفسه.
_ فرت هاربة من أفكارها التي لا تسبب لها سوى الهياج في نبضاتها، أبدلت ثيابها سريعاً ثم هرولت للخارج وهي تجفف شعرها بالمنشفة، تذكرت صفاء وحوارها الأخير مع مصطفى حتماً أحزنها بكلماته الفظة، أسرعت في إنهاء ما تفعله لكي تراها وتراضيها فهي ونعمة الشقيقة لها ولا ترضي حزنها مطلقاً.
______________________________________
_ وصل أخيراً إلي منزله على مضضٍ، لا يحب الالتقاء مع والده صدفة فكيف له أن يخبره بتقدمه للزواج من فتاة، كيف سيواصل الحديث معه دون شعور بالنفور منه أو اشمئزاز؟!
_ ضغط على نفسه لكي ينهي تلك المسألة البغيضة سريعاً، ولج للمنزل ولم يتعب في النداء عليه فلقد رآه يقف أمام خزانته يضع بها حزمة من الأموال، اقترب قليلاً لكنه حافظ على مسافة بينهم ليست بقصيرة، حمحم لكي يجذب انتباهه فندائه بلقب الأبوة بات ثقيلاً على لسانه
_ أنتبه حمدان لصوت طاهر فالتفتت يتأكد منه ثم أوصد خزانته وأردف ساخراً:-
زين إنك خابر أن ليك أبو تسأل عنيه فيك الخير
_ لم يعقب طاهر وتحدث مباشرةً دون إطالة:-
أني طلبت يد بت الحاج حنفي الحمايدي وأخدت منيه ميعاد بليل نروح نتجدم رسمي ونجروا الفاتحة
_ تبسم حمدان بتهكم وردد مستاءً:-
مُبارك عليك يا ولدي بس كانك جايلي من بدري مستنظرتش ليه تخبرني يوم الفرح؟
_ استشف طاهر سخريته فلم يتحملها وهدر به شزراً :-
أني زين إني خبرتك بالموضوع من أساسه اني لو عليا فاعتبرتك مت واندفنت من يوم اللي عملته بدم بارد اللي يجتل روح ميبجاش باجي على حد واظن يعني مش هتفرج إمعاك جريت فاتحة أو كتبت كتاب أنت معتحبش غير روحك وبس!
_ رفع حمدان حاجبيه متعجباً من حديثه وتوجه حيث يقف في محاولة منه على أن يستعطفه ويؤثر عليه بكلماته:-
يا ولدي أني ميهمنيش أيتها حاچة في الدنيا ديي واصل غيرك أنا وخيتك أني…
_ قاطعه طاهر بصرامة وحزم:-
مرايدش أسمع حديت ملوش عازة أني جولت اللي عيندي وياريت على بليل تكون جاهز لو يهمك صوح كيف ما عتجول
_ أولاه ظهره وسار خطوات معدودة فتقابل مع والدته ثم تبعتها شقيقته فأخبرهن بطلبه من الزواج بمروة التي اقترحتها له صباح، لم تسع السعادة قلبها من فرطها ولم تشعر بنفسها سوى وهي تزغرد عالياً مهللة بسعادة:-
أيوة أكده الفرح مزارش دارنا من زمان
_ لم تتوقف عن الزغاريد بينما باركت له ثريا في هدوء:-
ربنا يتمم لك على خير يا ولدي
_ عاد طاهر لغرفته يشكوا بثه وحزنه إلى الله ودعاه أيضاً أن يكتب له الخير في حياته القادمة، عكس صباح التي ركضت إلى غرفتها ولم تتوقف عن التغنج والرقص بجسدها شاعرة باقتراب نصرها في المعركة التي بدأتها هي.
______________________________________
_ رفض ضيف الجلوس مع والده أكثر من اللازم وغادر قبيل مغادرة طاهر، قادته قدماه إلى حبيبة فؤاده لا يدري كيف سيلتقي بها لكن لا يهم، ترك الأمر لله هو من يدبره.
_ على الرغم من اقتناع ضيف بأن الله لن يساعده علي فعل ما حرم فعله إلا انه كان لديه يقين بأن الله سوف يسامحه ويسهل عليه الأمر لحُسن نواياه اتجاه صفاء.
_ دخل من البوابة فرحب به رجال الغفر ومن ثم عسران قائلاً:-
بطلت تاجي تسهر حدايا ليه يا وِلد؟
_ أجبر ضيف شفتيه علي الإبتسام وأجابه بتهكم:-
مشاغل بجا الحياة يوم ليك ويوم عليك، نعوضها في الأيام الجاية كاتير
_ ربت عسران على ذراعه وسأله في فضول:-
جاي لصاحبك؟
_ أماء له مؤكداً ثم تابع عسران قائلاً:-
هنادم على صفاء تبلغه بوجودك
_ اتسعت ابتسامة ضيف فهذا ما أراده وجاء لأجله، سار عسران نحو باب المطبخ الخارجي وطرقه ثم دخل حين سمحت له صفية فقال:-
صفاء فين تنادم على مصطفى، ضيف صاحبه إهنه ورايده
_ عقدت صفية ما بين حاجبيها بضيق بائن ورددت مستاءة من أفعال إبنتها البلهاء:-
مخابراش هي فين من صباحية ربنا وهي مش موچودة
_ نفخت صفية بتزمجر وقالت وهي توليه ظهرها:-
هنادم أني عليه.
_ نظرت إلى حيث تقف هويدا وأمرتها بلطف:-
معلاش يا هويدا اجفي مكاني على الوكل على لما أعاود
_ أماءت لها بقبول ومن ثم همت صفية بإبلاغ مصطفى عن حضور ضيف بينما عاد عسران للخارج وعينيه تذهب يميناً ويساراً لا يترك ركن ولا زاوية تخرج من أسفل حدقتيه دون أن يتفحصها جيداً لعله يلمح طيف تلك الفتاة المشاكسة.
_ لاحظ ضيف أنه يبحث عن شئ فسأله باهتمام ربما يمكنه المساعدة:-
بدور على حاچة؟
_ عاد عسران ببصره عليه وأجابه باختصار:-
ها.. لاه مفيهش حاچة
_ تركه ودلف للخارج لعله يعثر عليها لكن دون جدوى فلا يوجد لها أثراً بالقُرب، هبط مصطفى للطابق السفلي حين أخبرته صفية بحضور صديقه ضيف.
_ رحب به بوجه مشرق ملئ بالحيوية على غير العادة، تعجب ضيف من استقباله الحافل فهو لم يكن كذلك منذ فترة بعيدة، بادله السلام ولم يتمالك فضوله لأكثر وألقى بسؤاله في الوسط:-
ربنا يزيد من فرحتك بس هو إيه اللي جد؟
_ عبس مصطفى بوجه بغرابة من سؤال ضيف ورد عليه بسؤال آخر:-
إيه اللي جد في إيه مفاهمش؟
_ دنى منه ضيف وهمس بقرب أذنه مازحاً:-
هي البطيخة طلعت حمرة؟
_ تراجع مصطفى للخلف ليتأكد مما استشفه من سؤاله، قهقه ضيف عالياً وكانت ضحكاته بمثابة دليل قوي على تأكيد حدس مصطفى الذي لكزه بقوة في ذراعه معنفاً إياه:-
اتوحشتك العُلج أني خابر
_ لم يقف أمامه ضيف أكثر من الثانية وهرول للخارج وهو يقفز لكي يفر هارباً منه، وقف مصطفى يتابع هرولته بإستنكار فلا يليق به كِبر العمر مطلقاً وتمتم ساخراً:-
عجل عيل صغير في جسم حمار كابير
_ أنتبه مصطفى لعدم معرفته بما وراء حضور ذلك المخبول، حرك رأسه مستاءً من تصرفاته الخرقاء وعاد للداخل يبحث عن سبباً ما يقضي به يومه إلى جانب ورد!
______________________________________
_ ابتعد ضيف عن السرايا قليلاً فتفاجئ بها تقترب منكسة الرأس تسير في الجهة المعاكسة له وكأنها مهمومة وحزينة.
_ لم يتردد في الإقتراب منها قبل أن تصل هي إليه ثم همس إليها ليجذب انتباهها له دون أن يلاحظهم أحد:-
صفاء تعالي دجيجة.
_ استدار بجسده وتوجه إلى يمينه حيث تلك الشجرة الضخمة، وقف خلفها فلحقته هي بعدما تفحصت المكان من حولها، وقفت أمامه تاركة بعض المسافة بينهما وسألته بنبرة خافتة تعكس ما خلفها من خذي كبير:-
رايد مني إيه؟
_ عقد ما بين حاجبيه بغرابة من جفاء أسلوبها التي لم يسبق لها التعامل معه به، هو يعهد حماسها وحيويتها التي تشعل نيران العشق في قلبه فما هذا الأن؟
_ اقترب منها خطوة فتراجعتها هي للخلف وسألته بقوة:-
اتحدت مع بوك عن موضوعنا؟
_ تفاجئ ضيف بسؤاله وحاول أن يبدو طبيعياً أمامها لكي لا تستشف ما يدور داخل عقله، رسم بسمة على محياه وأجابها بشغف زائف:-
أني كنت هفاتحه بس جه عريس لمروة وانشغلنا وياها جولت هستني لما نخلص منيها لاول وبعدين أفاتحه في چوازي منك..
”متفاتحوش في حاچة واصل”
_ هتفت بهم وقلبها ينفطر حزناً فهي غير راضية عما قالته لكنه حتماً الصواب، ذُهل ضيف مما تفوهت به وردد بعدم استيعاب لكلماتها التي لم يستطيع مدغها:-
إيه اللي عتجوليه ديه يا صفاء؟ استغنيتي عني إياك؟
_ رفعت بصرها لبرهة قبل أن تردف متحسرة:-
هتجوله إيه يا ضيف؟ هتجوله رايد أتجوز خدامة أمها بتخدم في سرايا العمدة اللي كابيرتها صاحبة أمي؟ بلاها عاد تخجل روحك جدام بوك أنت تستاهل واحدة تليج بمجامك ومجام عيلتك مش خدامة!!
_ فارت الدماء في عروق ضيف فتسببت في برزوها من فرط غضبه الذي كظمه طيلة سماعه لهرائاتها لكنه فقد أعصابه مع انتهاء آخر ما أردفته، اقترب منها وقبض على ذراعها بكل ما أوتي من قوة وأردف من بين أسنانه المتلاحمة بغضب شديد:-
أني مهتجوزش واحدة غيرك فاهمة ولا مخك الضلم ديه ميهفاهمش بالحديت!، رايدة أفهمك كيف؟ بالفعل انتِ تؤمري
_ أجبرها ضيف على الالتفاف وتبديل أماكن وقوفهم ثم أسندها على جزع الشجرة واقترب منها أسفل حدقتيها التي تتسع بصدمة لقربه منها، حاولت التحرر من بين قبضتيه لكنها فشلت فلقد تبخرت قواها بسبب خوفها منه.
_ لم تسمع تلك الكلمات التي همس بهم بغضبٍ تتقد نيرانه داخله:-
انتِ أحسن منيهم كلاتهم، أنتِ مخابراش جيمة نفسك، أحسنها عيلة في البلد ميعرفوش يبجوا كيفك!!
_ لم تشعر صفاء بأنفاسها التي حُشرت داخلها ما أن لمس شفتيها، أفرغ شحنة غضب في تلك القُبلة القاسية فلم يرأف بذرية مشاعرها لقد كان أناني في تصرفه، فهو فقط من يشعر بالتغير الجذري التي نتج عن قبلته لها، فبات أكثر سكوناً وراحة الأن.
_ شعر ضيف برجفة جسدها أسفل قبضتيه فأبعد خاصته عنها لتسرع هي في إلتقاط أنفاسها التي فرت من رئتيها، لم تقدر على رفع بصرها عليه ومواجهتة بعد تصرفه الأرعن!!
_ ابتلع ريقه وردد بنبرة متحشرجة:-
اللي حوصل ديه وعد لازم يتوفي بيه وأني قدها!
_ أحقاً قام بتقبيلها وليست تحلم!، حقاً إنها حقيقة مريرة! دفعته صفاء بكل قوتها في صدره ومرت بجوراه وعقلها خاوياً من أي أفكار، ظهر عسران أمامها ما أن عادت للطريق العمومي، چحظت عينيها بصدمة وخفق قلبها رعباً كلما اقترب منها بهيئتة التي لا تبشر بالخير
_ سرت رجفة قوية في أوصالها فهي لم تجمع شتات عقلها بعد فجاء هو بسؤاله الذي هتف به بنبرة صارمة:-
كنتي غايبة فين من صباحية ربنا أكده؟
_ ازدردت ريقها بصعوبة، حاولت مسايرته في الحديث حيث أجابته بتلعثم:-
موجودة .. بس كنت بشم شوية هوي طهجت من السرايا وشغلها اللي معيخلصش.
_ حرك رأسه باستنكار وردد معاتباً:-
ابجي خبري أمك جبل ما تمشي عشان الجلج اللي بتكون فيه ديه أو على الأجل عرفي عمك يابه
_ اكتفت بإيماءة خفيفة من رأسها ثم سارت إلى جواره وهي تحمد الله داخلها أن حوارهم قد مر بسلام دون تعقيدات، عاد إليها شعور التقزز والنفور من ذاتها عادت بذاكرتها إلى سؤال ورد التي تردد صداه داخل عقلها حين سألتها عن محاولتة للتقرب منها وهي أسرعت بالنفي، ها هي الأن قد تحققت مخاوفها بفعلته اللعينة.
_ لم تشعر بعبراتها التي انسدلت على مقلتيها رغماً عنها، شعرت بحرارتهم على وجهها فأسرعت في مسحهم قبل أن يراهم أحدهم، ولجت للمطبخ فاستقبلتها والدتها بالسُباب معنفة إياها:-
١٠٠ مرة جولتلك متمشيش على كيفك، أعطيني خبر لاول أنا من حجي أعرف بتروحي وتاجي منين وفين ولا أنتِ مبتفهميش الحديت كيف البهايم؟
_ لم تكن كلماتها هينة في تلك الأثناء فالحزن قد ازداد أضعافاً وتبدد في قلبها، شهيقاً وزفيراً فعلت هي محاولة أن تتلبس ثوب التماسك، ستنهار قوتها قريباً إن لم تبتعد عن ذلك المكان سريعاً، استدارت وعادت إلى الباب مرة أخرى فأوقفتها صفية متسائلة بحزم:-
على فين تاني؟
_ أجابتها مختصرة بنبرة تهدد بالبكاء:-
معاودة دارنا.
_ اختفت صفاء فور الإنتهاء من جملتها، تأففت صفية بضجر بائن ودعت الله أن يهدي لها إبنتها ويرد لها رشدها عاجلاً لأن طاقتها تحملها قد أوشكت على النفاذ.
_ تعجبت ورد من عدم انتباه صفية لوجودها، حمحمت لتلفت انتباهها، التفتت إليها صفية متسائلة:-
بتنادمي من زمان؟
_ حركت ورد رأسها بنفي وسألتها باهتمام وهي تبحث عن تلك المشاغبة:-
صفاء لساتها معاودتش؟
_ تشكل الحزن على تقاسيم صفية وأجابتها مستاءة:-
عاودت للدار يابتي مخابراش حالها متبدل أكده ليه؟
_ عبست ورد بحزن فهي على دراية بسبب تبدل أحوالها حتماً من أسلوب مصطفى الفظ معها، سحبت نفساً وعزمت بأنها ستحادثه لكي يعتذر من صفاء حتى تنهي أي ذرة حزن داخل قلبها.
_ رأته يهبط السُلم ما أن استدارت بجسدها مولية ظهراه للمطبخ، في التوقيت نفسه ظهرت السيدة نادرة من خلفه ولم تعيرهم أي إهتمام، مرت بجوار ورد وولجت للمطبخ وأمرت صفية بصرامة:-
حضري الوكل العمدة رايد يتعشي
_ أماءت لها بطاعة ثم أسرعت في تحضير الطعام بمساعدة ورد التي أصرت أن تمد لها يد العون حين رأتها بمفردها، انتهوا من وضع الأطباق مع جلوس آخر فرد في العائلة وهو العمدة، اعتلت ورد المقعد المجاور لمصطفى في صمت.
_ تفاجئ الجميع بنهوض السيدة نادرة ما أن رأت ورد تشاركهم الطاولة، استشفت ورد سبب تصرفها ولم تتردد في النهوض لكنها فوجئت بيد مصطفى تعيدها إلى مكانها مرة أخرى وقال بتريث:-
خليكي أنتِ إهنه أني هعاود طوالي
_ تبع مصطفى والدته إلى غرفتها، أوصد الباب من خلفه وتوجه نحوها بخطى متريثة وبدأ حديثه بنبرة هادئة:-
لساتك متجبلتهاش ليه ياما؟
_ نظرت يسارها متذمرة لسيرتها التي لا تحب سماعها، اقترب منها مصطفى واعتلى الفراش بجوارها، سحب نفساً عميقاً ثم واصل حديثه بنبرة تميل إلى اللين:-
أني اتجبلتها زوجة ليا ديه معتفريجش وياكي؟
_ صوبت بصرها عليه بحدة وأجابته رافضة لتغيره المفاجئ:-
لاه متفريجش يا مصطفى، مكنش ديه اتفجانا عاد، كنا متفجين أنك تطليجها وتشوف لك واحدة تليج بمجامك مش ديي اللي تكون مرت ولدي أبدا
_ حاول مصطفى أن يتحلى بالصبر الممتزوج بالهدوء لكي يحاول إقناعها بوجهة نظره وعلق مازحاً:-
بلاها عرج الحنفاوة يطلع دلوك، ورد ميعبهاش حاچة وأني راضي بيها وندمت كماني على الايام اللي بعدتها عني بكيفي كل دول معيرضوكيش؟
_ انتفضت من مقعدها وحدثته بعصبية ووجه محتقن:-
معحبهاش يا مصطفى هتحببني فيها عافية إياك!!
_ نهض مصطفى ووقف مقابلها وأوضح مقصده من الحوار:-
محدش هيجبرك تحبيها ياما بس اجبليها على إنها بجت مرتي لو رايدة تزعليني صوح خليكي على حالتك ديه معاها
_ رفعت نادرة إحدي حاجبيها ورددت بعدم إعجاب لنبرته:-
هتهددني يواد؟
_ رد عليها بسرعة البرق ينفي ما قالته:-
ما عاش اللي يهددك ياما بس أني مهكونش مرتاح طول مافي خناج بيناتكم
_ دني منها مصطفى وتابع بتوسل:-
أنى رضيتها في حياتي ياما إرضي بيها أنتِ كمان عشان خاطر والدك يا أم مصطفى
_ نبرته المُلحة ونظراته المتوسلة لم تختبرهم من قبل، فهي تعهد مصطفى وصرامته مع الجميع حتى معها لم يكن بذلك اللين من قبل، وإن رفضت طلبه فحتماً ستخسره في النهاية وهي لن تحتمل ذلك مطلقاً.
_ لم يكن أمامها سوي الرضوخ فيعز عليها رفض له طلب لكنها لن تفعل أكثر من مشاركتهم الطاولة فقط لا غير ولن تزيد عن ذلك فقط من أجل ولدها البكري الحبيب.
_ هبط معاً متشابكين الأيدي، ابتسم خليل لنجاح مصطفى في إقناع والدته بالعودة وتناولها للطعام معهم، جلس مصطفى أعلى مقعده وأراد المُزاح مع ورد قليلاً فأسرع باللحاق بمسك يدها قبل أن ترفعها أعلى الطاولة وتبدأ في تناول الطعام.
_ رمقته ورد متعجبة من تصرفه الغريب فتفاجئت بإبتسامته التي يخفيها عن أعين الجالسين، حاولت سحب يدها من بين قبضتيه دون أن تُشِعر أحدهم بما تفعله لكنها فشلت فكان يُشد من قبضته حتى يصعُب عليها الانفلات منه.
_ لاحظ خليل عدم تناول ورد لأية أطعمة إلى الآن فسألها باهتمام:-
مبتاكليش ليه يا ورد؟
_ تجمدت تعابير ورد ما أن ألقى خليل بسؤاله، فلم تعرف للإجابة سبيل، حاولت سحب يدها بقوة أكبر عن ذي قبل لكنه دوماً يقابلها بقوة مضاعفة لقوتها الصغيرة فتفشل في استرداد يدها
_ تدخل مصطفى قائلاً وهو يطالع زرقاوتيها بتحدٍ:-
صحيح مبتاكليش ليه يا ورد الوكل معيعجبكش!
_ استشاطت ورد غيظاً من سؤاله البغيض وضحكته السمجة التي يبادلها بها، بجرأة تحلت بها أردفت وهي تطالع سودتاه بتحدٍ أكبر:-
لو سيبت يدي اللي عتعبط فيها هعرف أكل
_ ويحك يا فتاة! لم يرفع مصطفى بصره عنها وهو يقنع عقله بأنها لم تفضح أمره أمامهم، تشكلت بسمة منتصرة على شفاه ورد وهي تطالعه بتشفي فـ لُعبته قد انقلبت ضده الأن.
_ أخرجهم خليل من نظراتهم المتبادلة التي يتوعد لها مصطفى بهما بإصداره لحشرجة صوته التي انتبهوا له إثرها ، لم يعقب خليل على تصرفهم الطفولي على الرغم من سعادته المفرطة التي يشعر بها داخله فهذا ما يريده تماماً أن تتوطد علاقتهم وما يفعله مصطفى بداية مبشرة لإصلاحه لما اقترفه في حقها مسبقاً.
_ شرع الجميع في تناول الطعام في صمت ساد بينهم، يعد مصطفي الثوانِ لكي يختفيا عن الأنظار و يلقنها درساً خاصاً تفكر قبله في فضح أموره معها.
_ انتفض الجميع من أماكنهم في ذعر إثر طرقات أحدهم على الباب بأسلوب لا يبشر بالخير، نهضت ورد مسرعة واختبئت في غرفة الضيافة بأمر من مصطفى الذي تولي مهمة فتح الباب بنفسه استعداداً لتلقي مصيبة فاجعة.
_ چحظت عيني عسران ما أن رأى مصطفى أمامه وهتف:-
إلحج يا باشمهندز ….
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عرف صعيدي)