روايات

رواية ضربات ترجيح الفصل الثاني 2 بقلم دينا ابراهيم و زيزي محمد

رواية ضربات ترجيح الفصل الثاني 2 بقلم دينا ابراهيم & زيزي محمد

رواية ضربات ترجيح البارت الثاني

رواية ضربات ترجيح الجزء الثاني

رواية ضربات ترجيح
رواية ضربات ترجيح

رواية ضربات ترجيح الحلقة الثانية

قلبت “مادونا” أكواب الشاي المرصوصة داخل الصينية الفضية بعناية قبل أن تحملها عازمة الانضمام إلى حجرة الضيوف أو حجرة الاجتماعات كما يحلو لوالدها أن يطلق عليها متعمدًا زيادة حنق والدتها الناقمة على هوسه بكرة القدم والنادي كما تصب عليها غضبها كثيرًا هي الأخرى متهمة إياها باتباع والدها وهوسه دون التفكير في مستقبلها.
-ماما مادونا رايحة تقدم الشاي لبابا واللي عنده في الصينية الفضي!
خرجت والدتها تحلق فوق رأسها كالوطواط موبخه:
-أنا مش قولت ما تقدميش للهمج دول المشاريب في حاجتي الغالية.
تأففت “مادونا” من طفولية والدتها وعنادها ضد والدها وأفراد التراس المجتمعين حوله ثم قالت في هدوء:
-ما تقلقيش هدخلها جوا على طول ولو باظت هجبلك غيرها بمرتبي الشهر الجاي.
-مرتب الندامة وشغل الندامتين، يا بت أعقلي في واحدة قمر شبهك كده تدفن نفسها في الكورة وحركات الصبيان دي؟
-صبيان أيه يا ماما بلاش عنصرية، كرة القدم رياضة ومن حق أي شخص مهما كان نوعه إنه يتمتع بيها.
-منك لله يا سعيد زي ما خربت دماغ البت!
-يا ماما حرام عليكي لدعوة من دي تصيب ويجيلوا جلطة من تاني.
-وربي ما حد هتجيله جلطة غيري، امشي من امشي منك لله أنتي كمان.
ألقت نظرة إلى الغرفة التي تتخذها مخبأً لها ولأبنتها الصغرى بعيدًا عن كل هذا العبث الكروي داخل حياتها، تابعت كيف تجلس إسراء واضعة طلاء أظافر وراقبت هيئتها الأنثوية الهادئة فاندفعت بصوت متهكم متعمدة إلقاء نظرة مشمئزة نحو “مادونا”:
-خليكي أنتي يا سوسو دايما اللي رافعة راسي في البيت ده.
أغلقت الباب في وجه “مادونا” التي كتمت غيظها وقررت الانضمام لوالدها والمشجعين بالداخل، متعجبة كيف أن والدتها لا تشعر بالامتنان لهم لأنهم ما زالوا يروا والدها كرئيس للتراس وكبير مشجعين النادي رغم الوعكة الصحية التي أصابته ومنعته من حضور المباريات والتشجيع الحي!
دلفت بابتسامه راضية توزع الأكواب قبل أن تعيد الصينية الغالي أكثر منها ومن والدها إلى مكانها ثم اغلقت الباب متخذة مكانها وسط الرجال تستمع بتأني لمناقشاتهم الجدية، لتنتبه إلى قول أحدهم:
-يعني ملقوش غير مزيكا يرجعوه قبل الماتش المهم ده، أنا خايف يحصل مشاكل في مدرجات التشجيع بسببه.
رد والدها بكل مهنية وانتماء مؤكدًا:
-لا طبعًا لازم كلنا نتكاتف ورا قرارات النادي ثم أن عمرو مزيكا مش مجرد لاعب ولو رجله مكنتش تتلف في حرير مكنتش الإدارة رجعته.
اندفعت “مادونا” معترضة:
-بس هو سابنا قبل كده وضيع علينا بطولة مهمة وكنت هتروح مننا بسببها ولا أنت ناسي يا بابا.
لوح والدها بلا مبالاة لكلماتها الغاضبة وكأن أسبابها غير منطقية لرفض اللاعب قبل أن يضيف:
-أنا نفسي رغم زعلي ومخاوفي منه إلا إني لازم أشجعه لانه هيشيل اسم النادي وآمالنا كلها في المباراة.
-يعني أنت قصدك ندعمه لحد ما يخذلنا؟
تهكم أحد أصدقاء والدها فرمقه نظرة حادة مردفًا في صدق:
-لو فضلت حاطط الموضوع قصادك بالطريقة دي هيخذلنا فعلًا، وأنتي يا أستاذة يا صحفية يالي شايله مجلة النادي لو الأفكار دي أنتي اللي صدرتيها أومال الجهلة والمنافسين هيعملوا أيه؟
مطت شفتيها بينما تعقد ذراعيها متأففة دون إجابه بينما عاد والدها المتجهم للانغماس في الحديث مع البقية، تاركًا لها حرية التجول والسفر إلى الماضي.

***

تحركت “مادونا” ذات السابعة عشر نحو أبيها وأصدقائه تحاول الوصول له وسط هذا التجمع المكتظ فكانت أحاديثهم المتوترة تنصب حول مغادرة” عمرو مزيكا” للنادي، لاعبهم المفضل سيغادر في أكثر وقت يحتاجه النادي فيه، بررت لهم عصابيتهم المفرطة وبعض السُباب المتراشقة عن شخصه والسبب في ذلك أهمية المباريات المقبلة والتي ستؤهلهم لنهائي البطولة، ومعنى ذهابه هذا يعني أن البطولة ستذهب للفريق المنافس، فهو المهاجم الوحيد في الوقت الحالي القادر على هز شباك الخصم في كل مباراة.
فشلت في الحديث مع والدها والذي كان منشغلاً مع أصدقائه، فانتظرت لحظات تستمع لهم علها تجد فرصة مناسبة للحديث وتجذب انتباهه.

-يا جماعة احنا ناخد بعضنا ونروح نتكلم معاه، وان شاء الله يطلع اشاعات.

قالها والدها وهو كبير مشجعي النادي، فرفض أخر مشيرًا بيده في عصبية:

-يا عم سعيد بقولك والله اتأكدت، مزيكا هيسيبنا عقده انتهى وجاله عرض بفلوس أكتر وهو مقتنع أن النادي مش مقدره.

وضع رجل أخر يده على رأسه وبدأت ضربات قلبه تتسارع وكأنه في سباق، متخيلاً هزيمتهم المتلاحقة في الفترة المقبلة ولكنه هتف بجدية رغم التوتر المسيطر عليه:

-احنا نعمل زي ما عم سعيد قال نستناه ونروح نتكلم معاه.

التمعت عيناها بوميض الشغف والاصرار وقررت أن تخوض تلك التجربة بمفردها أولاً، تسللت من الجمع وركضت صوب النادي مجددًا وبجسدها الصغير دلفت للداخل ولم يلاحظها أحد، ركضت بين الممرات تبحث عنه، حتى رأته يحكم حقيبته في نهاية الممر الطويل تحت الاضواء الخافتة قليلاً.
خطت خطواتها بحماس وهي ترفع صوتها كي تجذب انتباهه:

-كابتن مزيكا لو سمحت.

التفت مزيكا لها وركز ببصره على هيئة تلك الفتاة الصغيرة ذات الضفيرتين المتراقصتين على جانبيها نتيجة لخطواتها الواسعة نحوه، تنهد بثقل متخيلاً رجائها والذي لن يخالف كثيرًا الرجاء الموجه له من قبل العاملين وغير العاملين بالنادي، فحدث ذهابه عن النادي قوي وأصبح حديثهم، رغم أن الادارة لم تُبدي أي حركة جدية للتمسك ببقائه أو تخرج في بيان صحفي تؤكد ذهابه كذلك.
توقفت “مادونا” أخيرًا وصدرها يعلو ويهبط في وتيرة سريعة مستندة على الحائط بيدها بينما كانت ابتسامتها مهزوزة بفعل نظراته المصوبة عليها وحمدت الله أن الاضاءة خافتة حتى لا يراها بهذا الشكل المبعثر فهي للمرة الأولى تقف وتتجرأ في الحديث معه فرغم صغر سنه الذي لم يتعدى الثانية والعشرون عامًا إلا إنه نجح في سرقه اعجابها وقلبها المتيم به منذ كان بفريق الناشئين وكانت هي طفله آنذاك.
توردت وجنتاها بحمرة طفيفة تناسب عمرها الذي لم يتخطى عمر المراهقة حينما مد إليها يده بقنينة المياه خاصته، فأمسكتها بخجل وارتشفت قليلاً قبل أن تقرر بدء الحديث معه، فهمست في أول كلامها بصوت مضطرب وسألته بشيء من الرقة:

-هو أنت يا كابتن هتسيب لورانس بجد.

زم شفتيه وهو يحرك رأسه بإيماءة بسيطة، حزينًا على تحطم آمالها التي كانت تتلألأ بعينيها المُسبلة:

-اه للأسف.

ابتلعت ريقها ثم اقتربت خطوة وهي تشير بيدها له في حالة من التوتر:

-أنت ابن النادي خليك موجود معانا.

-أنا ابن النادي وكل حاجة بس عقدي انتهى والنادي مش باقي عليا ده غير إني لاعب محترف.

كان رده هادئًا بقدر هدوء الممر وخلوه من العمال والموظفون، ولكن النيران المتأججة بمقلتيها بثت في نفسه الريبة منها؛ حيث تحولت من قطة وديعة لنمرة شرسة تستعد للهجوم حتى أن نبرتها تغيرت وسألته بخشونة وكأنها تتأكد من خيانته لهم:

-هتسيبنا قبل نهاية البطولة؟!

حرك رأسه بلامبالاة وأدار جسده نحو الحقيبة يضع أشياءه مردفًا ببرود:

-في مهاجمين تانيين غيري يقدروا يصعدوا بالنادي للبطولة.

-بس احنا عايزينك أنت.

خرجت حروفها المضغوطة من بين أسنانها وكأنها تحارب انفجار ما بداخلها، فحول بصره نحوها مردفًا باستنكار:

-وأنا المفروض أخاف منك كده، وبعدين مفيش لاعب محترف بيمشي ورا كلام الجماهير…

بترت حديثه بصوت مرتفع لا تصدق أنه ذات الشخص التي كانت مولعة به كل تلك السنوات، ثم أشاحت بيدها عاليًا نظرًا لطوله عنها:

-ما كفاية النغمة دي، لاعب محترف ولاعب معرفش إيه، لورانس هو اللي عملك، والحقيقة أنك من غيره ولا حاجة.

اشتعل فتيل الغضب لديه ولم يعد قادرًا على التحكم بنفسه أكثر من ذلك أمام وقاحتها، فأشار إليها بانفعال قائلًا:

-امشي قبل ما أقل منك، مبقاش إلا العيال هما اللي يتكلموا معايا.

ابتسمت ساخرة منه واقتربت أكثر في جرأة لم يتخيلها بل أنه عاد بجسده قليلاً للخلف بسبب كلماتها النارية التي انفجرت بوجهه:

-مش همشي، اللي معندهمش انتماء بس هما اللي بيمشوا، والعيال دول ممكن يفدوا لورانس بروحهم ماشي ياللي معندكش بربع جنية انتماء.

أنهت حديثها وقررت أن تغادر من أمامه، فالوقوف معه جعلها تفقد من هدوءها وتهذيبها الكثير، بينما هو ظل متسمرًا مكانه للحظات منها، أخرج تنهيدة قوية محاولاً ضبط نفسه فقراره لن يتراجع عنه مهما حدث، مبدأ الاحتراف يزوره في أحلامه ويقظته مقررًا وجوب تحقيقه رغم حبه الشديد للورانس العرب.
أغلق حقيبته وحملها على ظهره ثم غادر النادي، أما هي فأخذت تراقبه وهي تتقدم لتنضم إلى الجمع وقلبها يحترق من شدة الخذلان.

***

عادت من وميض الذكريات على صوت والدها الحاد الذي يجيب أحد الجالسين:
-قولت نسيب الوقت هيثبتلنا يستحق الدعم ولا لا.
زمت شفتيها باعتراض ولكنها حمدت الله أنه سرقها من ذكرياتها قبل أن تصل للجزء الأليم فهي لن تنسى ابدًا خسارتهم الفادحة وعدم قدرة النادي على الفوز بالبطولة، مما أدى إلى إصابة والدها بجلطة كادت تودي بحياته نهائيًا، ثم إنها لن تسامح أبدًا هذا المغرور الخائن بعد أن كسر مشاعرها اليافعة الغافل عنها وعلمها ألا تحكم على شخص أو تتعلق به لمجرد أنه وسيم ويبدو لها من بعيد رائعًا، فزهو الأشياء ينطفئ دومًا بالاقتراب.
مطت شفتيها بسخرية كيف ستتمكن من مواجهته غدًا من أجل هذا اللقاء اللعين؟
كم تتمنى من كل قلبها أن تستطيع السيطرة على انفعالاتها التي تتناثر وتثور بكل مكان كلما اقتربت منه.

*******

في اليوم التالي، بعد أن أنهى “مزيكا” التدريبات التي أقيمت في الصباح وبعد انتهائه من فترة استراحته مع زملائه، ارتدى قميصه الكروي الجديد وذهب بخطوات منزعجة نحو إحدى الغرف في الطابق الثاني لحضور اللقاء الصحفي وفقًا لرغبة النادي، ورغم الانزعاج المتأرجح في عدستيه إلا أن هناك جزء داخله يتأهب بحماس للقاء تلك الشرسة، التي كلما حاول إبعادها عن مرمى عقله، تعود مجددًا تسدد ضربة جديدة به وتشعل كل حواسه للتفكير بها.
دخل الغرفة وحمحم بصوت رجولي خشن:
-السلام عليكم.
قابله الصمت القاتل وأدوات التصوير والاضاءة تتناثر في أرجاء الغرفة بعشوائية تشبهها تمامًا، تقدم بخطوات هادئة حذرة وجلس فوق أحد المقاعد منتظر مجيئها بفارغ الصبر، محاولاً استغلال تلك الدقائق في التفكير بمستقبله وبقرارته الأخيرة حول عودته للنادي وما يقابله من هجوم شرس على وسائل التواصل الاجتماعي من بعض مشجعي النادي الناقمين عليه ولازالوا غير قادرين على تقبل وجوده من جديد، زفر بحنق محاولاً السيطرة على نفسه، فلا مجال للغرق في أخطاء الماضي والمستقبل يتراقص أمامه بنجاح مُبهر إن حقق ما يسعى إليه.
استمر في الجلوس كالمشرد المنتظر لشفقة أحدهم، فاحتل الضيق تقاسيم وجهه، من رسالتها المبطنة فهي تتجاهل بكل وقاحة موعد لقائهما.
هز ساقيه في توتر، ونفسه تتشاحن بذرات الغضب، واعدًا نفسه بتوبيخ تلك الهمجية القصيرة، التي اختارت هذا التوقيت لتمِن عليه بحضورها، تابع خطواتها الهادئة وتلك الابتسامة المستفزة التي تحلق في الأفق قاصدة بها إشعال آتون غضبه.
-إيه ده، أنت وصلت؟، أهلاً أهلاً بكابتن مزيكا.
رفع حاجبه الأيسر وهو يمرر بصره عليها فكانت ترتدي ملابس مكونة من سروال جينز، وقميص أحمر اللون يصل أكمامه لمنتصف ذراعيها، وتلك القبعة الكروية الحمراء تتوسط رأسها، راقبها وهي تضع آلة التصوير حول عنقها ومن ثم اتجهت نحوه تجلس أمامه تضع ساق فوق الاخرى بكل كبرياء، وهي تفتح دفترها الصغير.
-لو خلصت تأمل ممكن نبدأ؟
جز فوق أسنانه بغيظ ولكنه استطاع رسم ابتسامة واسعة فوق محياه، وهو يسألها ببرود قاصدًا استشاطتها:
– بعيدًا عن تأخيرك، هو أنتي المصوراتي.
رافق حديثه بوضع إصبعي الابهام والسبابة أمام عينه مشكلًا نصف مربع قبل أن يحرك سبابته كإشارة إلى حركة تصوير الكاميرا.
رمقته بنظرة حاقدة وهي تردف من بين أسنانها باستهجان:
-يعني إيه مصوراتي دي، أنا صحفية يا أستاذ.
عاد وأشار بيده على آلة التصوير مردفًا بأسف مصطنع:
-سوري فكرتك المصوراتي.
وكرر نفس حركة أصابعه، مستمتعًا بغضبها الواضح أمامه من تلك الحركة، فرمته بنظرة تهديد واضحة:
-اه هنقعد نلعب ومنشوفش شغلنا.
-والله ده شغلك وأنتي أدرى بيه.
طرقت بيدها فوق الطاولة كإشارة عن نفاذ صبرها، ثم دخلت مباشرةً في صلب عملها وسألته بنبرة ذات مغزى:
-مبسوط برجوعك النادي؟
حرك رأسه بإيجاب وأجاب برد مقتضب:
-أكيد.
رفعت حاجبيها معًا وعقبت على إجابته بهجوم جلي:
-يعني إيه أكيد، ما توصف شعورك لورانس يبقى بالنسبالك إيه، ولا ميفرقش معاك أسم النادي.
وضع يده هو الأخر على الطاولة وسألها بخفوت، متلاعبًا بأعصابها حينما اقترب بجسده العلوي ناحيتها، فتراجعت للخلف بحذر:
-هو أنتي حكمتي عليا على أنهي أساس؟ حد جامد في حياتي عشان تعرفي جوايا إيه ناحية النادي!
اغتصبت ابتسامة صغيرة وهي تعود لمواصلة عملها، متجاهلة سؤاله والذي أوحى بعدم المهنية من جانبها، فاستمرت بأسئلتها المعتادة برتابة، مما دفعه لوضع كفه أسفل ذقنه بينما يجيب على جميع تلك الأسئلة، حتى انتبه إلى سؤالاً جعله يضحك غير قادرًا على تفسيره وكأنه أحُجيه فُكاهية:
-سموك مزيكا ليه؟
-عشان بعرف أرقص.
رفعت عينيها المُسبلة ترمقه بنظرة مستفهمة، واندفعت حروفها تسأله بترقب:
-بترقص إيه؟
– برقص حواجبي.
وحرك حاجبيه معًا في نغمة متراقصة، أوقدت حدتها التي خرجت بشراسة:
-عيب يا كابتن الحركات دي!
ضرب كفيه معًا غير مصدقًا حدتها ووقاحتها، فهي من كانت السبب في سخريته حينما سألته سؤالاً تافه كهذا، ولكنه أجبر نفسه على الرد بنبرة مالت للتهكم:
-أصل سؤالك غريب يا مارادونا، هكون برقص أيه، أكيد الكورة!
ضغطت فوق حروفها وأردفت بتحذير قاس:
-اسمي مادونا.
-صدقيني مش فارقة كتير.
خلعت قُبعتها الكروية بغيظ ووضعتها على الطاولة، بينما هتفت بخشونة:
-أنت بتتعدى حدودك معايا.
هز كتفيه بلامبالاة وهو يرمقها بنظرة جانبيه:
-وانتي غريبة جدًا، أسئلتك مش أسئلة صحفية مُخضرمة.
-لا حاسب أنا مُخضرمة أوي، مُخضرمة جدًا.
ضغطت على حروفها بطريقة جدية، أثارت تسليته فانفلتت منه ضحكة ملوحًا بيده في سخرية:
-اه ما أنا أخدت بالي.
عضت فوق شفتيها ونظراتها تتوهج بتوعد مرير متسائلة كيف كانت حمقاء لتتعلق بمثل هذا الكائن المستفز.
نهضت “مادونا” بانفعال وهي تأمره بصوت مرتفع مغتاظ:
-بقولك إيه قوم اللقاء خلص، يلا عشان تتصور.
نهض بتكاسل ومط ذراعيه وهو يتجه نحو الإضاءة، واقفًا باستقامة منتظرًا الوضعية التي ستحددها له، وفي ظل انتظارها ارتسمت ابتسامته الجذابة فوق ثغره وكأنه على أتم الاستعداد لخطف قلوب الفتيات بابتسامته تلك.
لمحته بطرف عينيها وتظاهرت بالانشغال في توجيه الإضاءة نحوه، حتى لمعت برأسها فكرة انتقاميه تشفي غليلها منه، فعادت بحفر علامات الهدوء فوق وجهها قائلة بنبرة هادئة عكس الهجومية التي كانت تفوح بها قبل قليل:
-بقولك يا كابتن، وريني كده رجلك الشمال.
ارتفع شعوره بالريبة من ذلك التحول في نبرتها لكنه رفع أنفه بينما يقدم ساقه للأمام بفخر، ولما لا؟ فلطالما كان مشتهرًا بها وبقوتها فقد كانت بمثابة بساطه السحري في عالم كرة القدم وتسديد الأهداف الرائعة.
-أشهر قدم شمال في مصر.
تمتم متفاخرًا متعمد إغاظتها لكنها هزت رأسها وهي تؤكد على فخره بينما تخفي سخريتها التي حاربت للظهور علنًا لكي تهدم كبريائه:
-طبعًا أومال أحسن قدم طبعًا، دي عايزه صورة لوحدها.
رفع رأسه يسألها بعدم فهم:
-من غير ما أظهر.
اجابته وهي تلتقط العديد من الصور:
-لا طبعًا في صور تانية ليك، لكن…
قطعت كلامها وهي تبعد الكاميرا عن وجهها، ولمعت عينيها بشرارة الانتقام:
-لازم أخدها من الزاوية دي.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ضربات ترجيح)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى