روايات

رواية أشلاء القلوب الفصل الأول 1 بقلم ندى محمود

رواية أشلاء القلوب الفصل الأول 1 بقلم ندى محمود

رواية أشلاء القلوب الجزء الأول

رواية أشلاء القلوب البارت الأول

أشلاء القلوب
أشلاء القلوب

رواية أشلاء القلوب الحلقة الأولى

أنتفضت فى نومتها بفزع ونظرات مُرتعدة عندما رأت زوجها يقف امام وجهها كالوحش الكاسر ويصرخ بها قائلًا :
_ الساعة 11 ياهانم هنفطر على العصر أن شاء الله ولا إيه !؟
جلست على الفراش بخوف وهى تطالعه بنظرة مُنكسرة هامسة بضعف :
_ حاضر يا أكرم هقوم احضر الفطار !
أنفجر بها كالغول وهو يجذبها من ذراعها صائحا بصوت جهورى ، ليدفعها بوحشية للأمام يجبرها على التحرك :
_ حاضر من مكانك يعنى ، قومى اخلصى يلا على المطبخ هتصحى نيرة تكونى خلصتى الاكل مفهووم
تلألأت العبرات فى عينى تلك المسكينة واجابته فى خفوت بصوت يعطى بحة مريرة :
_ حاضر !! ، حاضر !
رمقها شرزًا ثُمّ غادر وتركها متصلبة مكانها بأعين سابحة بهم العبرات ، أوشكت على أن تفرط بروحها بالفعل لتتخلص من تلك الحياة .. ولكن ليس عساها شئ سوى قول ” حسبى الله ونعم الوكيل ” حيثُ هو وحده القادر على إخراجها من هذا الوحل الذى تلطخت به ولا تستطيع الخروج منه ! ، أرتدت ملابسها وغلست وجهها وذهبت لتقوم بتحضير وجبة الأفطار ………………..
***
كان يجوب الطرقة ايابًا وذهابًا وقِسمات القلق والتوتر بادية على وجهه ، يفرك يداه ببعضهم فى محاول لتخفيف التوتر عنه قليلًا وتارة يمسح على وجهه وهو يزفر بحرارة وتارة يعود لفرك يداه مجددًا ، يتدلى من وجهه نظرات خوف بل هلع ورعب خشية على زوجته وطفله الذى على ابواب قدومه الى الدنيا ! …………
أقتربت منه أمه مرتبة على كتفه هامسة بحنو اموى :
_ اهدى يا أُسيد ياحبيبى أن شاء الله هتقوم بالسلامة ، أنا اتوترت معاك اكتر ما أنا متوترة !
بقلب سحق تحت الأسى والشجن همهم :
_ أهدى ازاى يا أمى انتى عارفة الموضوع كويس ، ربنا يقومها بالسلامة يارب
_ امين ياحبيبى امين !!
دقائق مشحونة بجو مُتذبذب يحمل ذبذبات تبعث فى نفس كُل من الموجودين رجفة شديدة لعلمهم بوضعها ! … واخيرًا بعد دقائق طويلة خرج الطبيب وهو ينزع قفازات يده عنه فى وجه عابس وحزين بشدة ، أقترب منه أُسيد اولًا هاتفًا بصوت رجولى مُترقب :
_ طمنى يادكتور خير !
طالعهم الطبيب بأعين مُتأسفة وفى نبرة أسى غمغم :
_ احنا عملنا اللى علينا بس ده عمرها وقدرها مقدرناش ننقذها للاسف بالاخص انها من البداية كان الحمل خطر عليها !
لملم أشلاء قلبه التى تمزقت للتو على موت رفيقة دربه بعد أن القمه الطبيب بهذا اللفظ حجرًا لم يكن عساه سوى أن يصمت لبرهة من الوقت وهو مغمض العينين ليهمهم بصوت شبه مُتردد ، يخشى السؤال فيسمع ما يمزق ماتبقى من قلبه :
_ طيب والطفل يادكتور !
فى حزن شديد وألم اجابه :
_ للاسف حتىَ الطفل خرج ميت من رحم والدته !
أحس وكأن ثقلًا يهبط على صدره حتىَ أن انفاسه ضاقت به وكأنه أصبح لا يرى شئ امامه سوى الظلام الدامس ، فكيف لهذا القلب الذى فى حجم قبضة اليد تحمل كُل هذه الصدمات المُتتالية ألا يحق له التوقف عن العمل في هذه اللحظة لكى يريح نفسه من النزيف المستمر ! ……………
حملقت ليلى بأبنها فى أعين دامعة فأشفقت عليه همت بجذبه إلى احضانها ولكنه رفع يده فى وجهها مانعًا اياها من فعل ذلك الشئ فمازال يقف على رجليه لن ينحنى بعد !! ، مسح على وجهه ولحيته الكسيفة وهو يجاهد بكل ما أوتيت إليه من قوة عدم زرف عيناه العبرات فقط مغمغمًا :
_ اللهم اجرنى فى مصيبتى يا الله واخلفني خيرًا منها، إنا لله وإنا إليه راجعون !!
كانت ترى عينى أبنها تشبه الدماء من شدة تقيده لدموعه من الهبوط فبكت بحرقة عليه وعلى زوجة ابنها وحفيدها الذى خسرته للتو ايضًا ……………..
***
كانت تقوم بتحضير الافطار فى هدوء تام فدخلت تلك اللعينة المدعوة ” بنيرة ” لتعكر صفوها إكثر بكلماتها السامة قائلة :
_ ياعينى تعرفى ياملاك بتصعبى عليا جدًا والله ياقلبى !
تنفست الصعداء بخنق وأكملت تقطيع الطماطم وهى تجاهد فى منع عبراتها من السقوط فتناولت قطعة منها صغيرة وقطمت جزء صغير منه فى فمها مُغمغمة بنظرات شيطانية :
_ انا بستغرب جداً عليكى ! ، حاولى تكسبى أكرم مع انها حاجة مستحيلة لانه بيحبنى انا طبعًا وده السبب اللى خلاه يتجوزنى عليكى ، بس انا مبحبش الستات اللى بتقعد محلك سر كده وضعيفة زيك كده !
أشتعلت دمائها فى عروقها لتهتف بغضب عارم :
_ ومين قالك انى عايزة اكسبه اصلًا اولعى بيه ، قريب أوى هطلق غصب عنه وسعتها هتعرفى انى مش ضعيفة واطلعى بره بقى بدل ما انغز السكينة دى فى بطنك واخلص منك !
أرتفعت ضحكتها الانثوية فى دلال هاتفة بمكر انوثى :
_ انتى تعملى كده أشك ياحبيبتى لانك مش هتقدرى اصلًا
رفعت السكين فى وجهها وهى تصيح بها فى أستياء هادر :
_ أقدر يانيرة وبلاش تخلينى اعملها !
بإبتسامة لئيمة طالعتها غير مكترثة لها وفجأة وجدت اكرم يقبض على يدها ويسحب من يدها السكين عنوة ليباغتها بصفعة اسقطتها أرضًا وهو يصرخ بها قائلًا :
_ ايه اللى بتعمليه ده انتى اتهبلتى ولا ايه ، متنسيش نفسك انتى هنا خدامة مش أكتر ولما تفكرى ترفعى صوتك ولا ايدك على ست البيت سعتها هقصلك لسانك واقطعلك ايدك دى
رأت نظرة مُتشفية فى أعين تلك المدعوة ” نيرة ” وهى تبتسم بخبث فى إنتصار ، فأكمل هو صائحًا وهو يجذبها من خصلات شعرها بقوة فصرخت هى باكية هاتفة :
_ سيب شعرى يا أكرم حرام عليك أاااه !!!
قبضت نيرة على ذراعه وهى تمتم بتصنع الشفقة على حالها :
_ خلاص ياحبيبى سيبها دى متستاهلش أصلًا ، هى اتعلمت خلاص وأظن مش هتكررها تانى !
كانت ملاك ترتجف بين يديه وهى تنتفض باكية من هذا العذاب الدائم فتركها بنظرات أستحقار وغادر، ضحكت نيرة قائلة فى تشفى :
_ ده علشان متفكريش تهددينى تانى بس ياقطة ، قومى يلا حضرى الفطار أصل أنا جعانة أوى !
كانت تترنح فى الارض من البكاء حيثُ دخلت فى موجة بكاء عنيفة وضاقت انفاسها بشدة ، وأخذ صدرها يعلو ويهبط بشدة وهى تحاول ألتقاط انفاسها بصعوبة فنهضت من على الارض وهرولت نحو غُرفتها لتأخذ جرعة علاجها قبل أن تلفظ انفاسها الاخيرة ، وبمجرد ما أستنشقت ذلك العلاج فى فمها هدأت انفاسها قليلًا ، فجلست على الفراش وعبراتها تنهمر على وجنتيها بحرقة وصدرها لا يكف عن الصعود والهبوط كأنها كانت فى سباق للعدو للتو ………………..
***
داخل أحد المنازل الصغيرة حيثُ يكمن بها شاب فى بداية عقده الرابع ذو ملامح رجولية جذابة ، تحمل فى طيأتها بعض من الحدة والصلابة .. ذو جسد رياضى مثير ! ، كان صوت الموسيقى مُرتفع فى أرجاء المنزل وبيده ” سيجارة ” ليست محشوة بمواد مخدرة وفى الأخرى كأس خمر وبجوراه فتاة بإمكانها إخضاع أى رجل لها بجمالها ودهائها ، قربت شفتيها من عنقه لتهمس بصوت انثوى قادر على افقاده عقله فى لحظتها ! وانفاسها الدافئة تلفح بشرته الخشنة !! :
_ تعرف يامراد انت وحشتنى أوى فى الفترة اللى غبت عنى فيها دى ، اوعى تكررها تانى ، انت مكنتش عارف أنا كنت ازاى فى بعدك
وكرجل أنصاع خلف وجبة غذائه كالبهيمة ليكن فريسة لصائده المحترف حرفة الصيد !! ، بنظرات شيطانية ولئيمة هتف :
_ وانتى اكتر ياقلب مراد ، السهرة صباحى النهردا !
انتفض جالساً بفزع لسماع صوت رنين هاتفه الصاخب فأمسك به وأنهى الاتصال بخنق بعدما رأى المتصل ” والدته ” ، ولكنها كانت مصرة فاستمرت بالرنين فاجابها اخيرًا فى ضيق شديد :
_ نعم ياماما خير !!
أنفجرت به كقنبلة مدمرة فى بكاء حار وصوت متشنج بعدما التقطت أذنيها صوت الموسيقى الصاخبة من حوله:
_ هترد ازاى طبعًا وانت قاعد فى الزفت اللى حواليك ده ، مرات اخوك ماتت هى و ابنه اللى لسا مجاش يا استاذ وأنت مش عايش فى الدنيا .. ده بدل ماتيجى تقف مع اخوك مش بترد عليا !
وثب واقفًا متحفزًا وهو يهتف فى صدمة :
_ ماتت ازاى ياامى وامتى ؟؟؟!!! ، انتوا فين دلوقتى طيب ؟
أملت عليه العنوان فأسرع هو بأرتداء حذائه وسترته وهو يخطف قبلة سريعة من وجنة تلك الفتاة هاتفًا:
_ معلش بقى ياحبيبتى تتعوض فى يوم تانى !!
تصنعت امامه الرضا والتفهم وهى من داخلها تشتعل لتركه المستمر لها ، ولكنه لم يمهلها الفرصة حتىَ لتجيبه حيثُ ركض الى الخارج مهرولًا ! ……………………..
***
على الجهة الاخرى تحديداً فى أحدى قرى الصعيد ، على طاولة طويلة يجلس ثلاث رجال يبتادلون اطراف الحديث الذى كان عبارة عن شجار حاد بينهم ، أهتز الرُجلين من على الطاولة عندما ضرب ذلك الرجل العجوز بقبضة يده القوية على سطح الطاولة صائحًا :
_ خُلص الكلام خلاص ، مش عايز اسمع سيرة فردوس انا معنديش بنات بالاسم ده وقسماً عظمًا اللى هجيب سيرتها قدامى لاكون معرفه مين محمد الصاوى زين
هتف ذلك الشاب ذو الثلاثون عام فى أنزعاج هادر :
_ جرا ايه ياجدى هو احنا علشان اللى عملته عمتى نبقى ننسى بت……………
كانت صرخته به كافية لجعله يصمت فورًا :
_ ريان ! ، انا بتى ماتت من 25 سنة والأحسن إنى اقول إنى معنديش بنات واصل، وفز قوم يلا عاد متنرفزنيش بدل مـ……
هتف ثروت فى نبرة رزينة :
_ عارف يا ابوى وكلنا نسينا سندس واصل من الاساس ، بس على الأقل خلينا نعرف إذا كانت عايشة ولا لا ومعاها عيال ولا لا ، على الاقل نخلى أُسيد هو يتولى المهمة دى بما أنه عايش فى القاهرة
صرخ بهم فى صوت جهورى وهو يهب واقفًا ملقيًا أخر كلماته القاطعة :
_ يمين الله اللى هيفتح الموضوع ده قدامى تانى لامسح بكرامته الارض ، واللى هماه قوى اكده فيكم يتفضل يغور وراها وعلى الله اسمع أن فى حد فيكم دور عليها سعتها ملوش قعاد فى البيت اهنه
جذب عصاه القوية وتسند عليها ليغادر تاركًا كُل منهم ينظر للآخر فى خنق ، فزفر ريان بقوة هاتفًا :
_ ازاى جدى بالقسوة دى انا مش فاهم !!
فى صوت رخيم ومحذر تحدث ثروت الى ابنه قائلًا :
_ انت سمعت جدك ياولدى ، خليك بعيد عن الموضوع ده واصل بلاش مشاكل يابنى
هب واقفًا ثائرًا فى نظرة تحدى وعدم مبالاة تمامًا :
_ وانا مش هرتاح غير لما اجيبها يا ابوى ، إيه ذنبها المسكينة دى باللى عملته عمتى تتبهدل ليه واهلها لسا على وش الارض !
وأستدار ليغادر منفعلًا غير مباليًا لصياح ابيه المستمر له قائلًا :
_ ريان استنى .. ريان !!
***
فى صباح اليوم التالى ………..
داخل بقعة كبيرة محاطة بقماش من اللون الاحمر وفى أخر تلك البقعة يجلس ” شيخ ” يقوم بتلاوة القرأن الكريم بصوت عذب ، والجميع فى صمت تام حيثُ كانت تلك البقعة مخصصة للرجال فقط والنساء فى المنزل بالداخل وترتص عائلة الصاوى جميعها فى هذه البقعة يتقدمهم أسيد لكى يتلقى تعزية الناس له وبجانبه كُل من اخيه وجده وعمه وأبن عمه وبقية عائلته ، كان يرتدى بنطال وقميص من اللون الاسود جالسًا على المقعد فى خشوع يحدق فى اللاشئ امامه بصمت تام لا ينطق بحرف واحد مع أى شخص ! .. كانت ملامح وجهه كافية لعرض الدمار الذى داخله وتمزق قلبه ولكن كغالبية الرجال لا يظهر هذا ويتصنع القوة والثبات !!! ………………………
أنتفضت اعضاء جميع الجالسين عندما صدر صوت صراخ مُرتفع من داخل المنزل حيثُ مجمع النساء ، فوثبوا واقفين فى هلع وهرولوا الى الداخل راكضين .. كان اول الراكضين نحو ليلى الساقطة على الارض هو مراد حيثُ صاح بالجميع فى فزع صارخًا :
_ حصل ايه !!؟ .. ماما انتى سمعانى!
خرج صوت سارة الباكى وهى تهتف بتشنج :
_ اتصلوا بينا دلوقتى وقولوا لينا أن أسمى عملت حادث ومرات عمى اول ماسمعت ده اغمى عليها !
تهجمت ملامح الجميع وظهر عليهم الرعب حيثُ صاح محمد قائلاً :
_ حادث كيف !! ، مستشفى ايه دى ؟
أنطلق البكاء العويل من الجالسين خوفًا من أن يصيب تلك الشابة مكروه بعد أن استطاعوا افاقة ليلى ، خرج صوت رجولى هز أركان المنزل من أسيد صارخًا بالجميع :
_ انا حالف مسمعش نفس وحدة ، كل وحدة تحط لسانها جوه بوقها ومسمعش صوت لغاية ما نروح نطمن على أسمى !
نظر الى ريان هاتفًا بثبات على غير المتوقع فتلك الذين يتحدثون عنها شقيقته :
_ خليك هنا انت ياريان أنت ومراد وجدى وانا هروح انا وعمى وهنطمنكم !
أنطقلت نظرة نارية من أعين مراد مغمغمًا :
_ انا رايح معاكم !
وكذلك ليلى الذى صرخت باكية :
_ رجلى على رجلكم انا هتحصلى حاجة لو مطمنتش على بنتى !!!
نظر محمد الى كُل من ثروت وريان هاتفًا بخشونة :
_ خليك انت هنا ياثروت انت وريان واحنا هنروح
خرج صوت ثروت الحزم متمتمًا :
_ تمام يا ابوى متنسوش تطموننا احنا هنقعد على اعصابنا لغاية ما نطمن عليها
اماء برأسه له فى إيجاب وانطلقوا مهرولين الى تلك المستشفى ، صاعدين بسيارة أُسيد الذى أنطلق بها بسرعة البرق يخترق بها الحشود امامه !! ………………….
***
فتحت الباب ودخلت له فى مكتبه الخاص حيثُ كان ينهى أعمال له ، وقفت على مسافة بعيدة عنه هاتفة :
_ أكرم انا علاجى خلص امبارح و……………
فى جفاء مرير هتف ببرود :
_ معيش فلوس ياملاك ، للاسف !!!
فى نظرة بريئة وصوت هادئ خرج منها كعادتها :
_ انت عارف يا أكرم انى مقدرش اقعد من غيره انا مبطلبش منك حاجة غير علاجى بس
صمتت لتكمل فى صوت تخنقه العبرات :
_ انا مش عارفة انت بتعمل معايا كده ليه انا عملتلك ايه ؟! ، حرام عليك والله ،طلقنى يا أكرم ابوس ايدك ، حتى العلاج مش عايز تدينى اجيبه ونيرة بمجرد ما تطلب منك حاجة بتجبهالها لو هتطلعلها السما !
فى إبتسامة شامتة نهض وهو يضحك ساخرًا :
_ هنبتدى فى المسكنة بقى والعياط ، هو انتى لو مجبتيش العلاج هيحصلك ايه هتموتى مثلًا ، والله يبقى أفضل عادى مش هيفرق معايا اصلًا ، بس تعرفى أنا هديكى تجيبى العلاج علشان بصراحة اخاف تموتى وملاقيش خدامة شاطرة زيك كده !!!
أستدار وعاد الى مكتبه ليخرج بعض النقود من أحد الأدراج ويليقها فى وجهها متمتمًا بأشمئزاز :
_ خدى وغورى يلا حضرى الغدا
أنحنت ارضًا لتلتقط النقود ودموعها تنهمر فى صمت ، على تلك الاهانة التى تتعرض لها يوميًا ، خرجت مُسرعة الى غُرفتها فيطغى عليها البكاء الحار .. أستمرت لنصف ساعة مُنخرطة فى نوبة بكائها العنيفة حتىَ كفت عن البكاء اخيرًا لتقف امام المرأة مُتألمة هيئتها الصغيرة نوعاً ما ، عينها العسليتين بشرتها البيضاء التى تحمل أستدارة الطفولة والبراءة ، جسدها ضئيل الوزن وصغير كفتاة لا تتعدى الثامنة عشر من عُمرها ، وشعرها بنى اللون الذى يصل الى عنقها .. مدت يدها تتلمسه مُتذكرة كيف تلك الساخطة ” نيرة ” قامت بقصه لها أمام عيناه ولم يفعل لها شئ ، ولم تقوى هى على مواجهة هؤلاء الوحوش وحدها ، واخيرًا أتخذت قرارها وهو الفرار من هذا السجن لعلها تجد من تستنجد به لينقذها من برثان هذا الكائن عديم الشفقة والانسانية !!!
***
كانت أسمى مستلقية على الفراش وشبه نائمة ولكنها بمجرد سماعها لصوت الباب يفتح بقوة ، فتحت عينها دفعة واحدة لتجدهم عائلتها التى ركضت اولهم امها لتعانقها هاتفة فى صوت امومى حانى ممزوج بالقلق :
_ أسمى ياحبيبتى انتى كويسة ؟!
أسعفت الكلمات من فمها فى خفوت تام :
_ كويسة ياماما والله ده حادث صغير الحمدلله متقلقوش والدكتور طمنكم اكيد وقالكم انه مفيش غير كسر فى الرقبة والرجل بس
بنظرة شرسة اجابتها مُنفعلة :
_ وهو الكسر ده هين !!؟
اتاها صوت جدها المهتم:
_ حصل كيف الحادث ده يابتى ؟
صمتت لبرهة فى تردد حتىَ اجابتهم بتوتر بسيط :
_ عادى ياجدو انا كنت جاية مع السواق زى العادة فى العربية وحصل الحادث
أقترب منها مراد لينحنى ويقبل جبتها بحنان متشدقًا :
_ الحمدلله انك بخير ياحبيبتى !
بادلت اخيها نظرة الدفء والحب ومعلقة عين على اخيها الآخر ” أُسيد ” الذى كان يحدقها فى نظرة تخلع القلب فأيقنت حينها انه لم تنخل عليه خدعتها لهم وفهم الأمر ! ، ولكنه برغم ذلك تقدم نحوها وعانقها هامساً بالقرب من اذنها :
_ هحاول اقنع نفسى باللى قولتيه ده يا أسمى لغاية ما نرجع البيت ونقعد مع بعض ، اهم حاجة دلوقتى انك كويسة ومحصلكيش حاجة
إبتسمت له بأرتباك لترى فى عينه الدفء الممزوج بالالم فمازال جرحه ينزف ، مدت يدها لتلمس باصابعها لحيته ووجنته طافقة بأسى :
_ انا هبقى كويسة يا أُسيد صدقنى لما تكون انت كويس ، مش هكون مرتاحة طول ما أنا شايفة الالم فى عينك كده !
اخيرًا ظهرت شبه إبتسامة مزيفة على ثغره وهو يشدد من عناقها مقبلًا رأسها هامسًا :
_ متشغليش بالك بيا ياقلب أُسيد ، انا كويس !
هتفت فى صرامة وخنق :
_ انا عايزة اروح البيت مش عايزة اقعد هنا
اجابتها ليلى رافضة ما قالته :
_ تروحى فين يا أسمى لما ناخد أذن الدكتور الأول يابنتى ونطمن عليكى أكتر
همت بأن تجيب مُعترضة فى أصرار فسمعت صوت مراد الخشن قائلًا :
_ اسمعى الكلام يا أسمى بلاش مقاوحة !
أطرقت ارضًا فى ضيق مُغمغمة فى أستسلام :
_ حاضر يامراد !!
اتاهم صوت محمد الفخم هاتفًا :
_ تعال يا أُسيد ورايا عايزك
نظر الى جده بأستغراب وأنتصب فى وقفته ليتبعه الى الخارج فى ريبة شديدة ، أغلق باب الغُرفة ووقف امامه مردفًا :
_ خير ياجدى ؟
بلهيب نظراته وفى عينه نظرة غاضبة وغامضة تمتم :
_ اللى عمل اكده معتز ال**** صح ؟
مسح على شعره فى تأفف هامسًا فى صوت مخيف :
_ معرفش انا شاكك فى كده ، أسمى عارفة حاجة ومقالتش لما نروح البيت هشوفها واعرف منها واتأكد
بدأ بألقاء السباب اللاعنة عليه وهو يهتف متوعدًا :
_ لو هو صحيح يبقى سعتها هاخد روحه بيدى
فى صوت رخيم ورزين تشدق أُسيد :
_ سبهولى انا ياجدى هعرف اتعامل مع ال*** اللى زيه كده متشتغلش دماغك بيه أنت
رتب على كتفه فى إبتسامة مفتخرة مغمغمًا :
_ راجل من ضهر راجل ، خلي بالك زين ياولدى من اللى ميتسمى ده !
_ متقلقش
***
بينما ريان جالس فى هدوء وبجوراه ثروت كذلك كان على الجانب الاخر منه يجلس مروان الذى كان لا يبدو عليه الارتياح قط ، فقط كانت قدماه تهتز بشدة من فرط توتره ، فحدجه ريان بطرف عينيه فى شك هامسًا :
_ مالك يامروان مش قاعد على بعضك كده ليه !!؟
فى صوت متهدج وحاد غمغم :
_ انا هروح أطمن على أسمى مش معقول ده كله موصلوش !
هم بالوقوف فقبض على يده راغمًا اياه على الجلوس مجددًا هاتفًا بالقرب من اذنه فى صوت رجولى نارى :
_ رايح فين بس يامعلم ! ، اقعد انا قولت لمراد يتصل بينا ويطمنا ومسيره يتصل اهدى بقى يامروان بلاش تفضح نفسك يابن العم ، خليك تقيل كده !
تأفف بشدة رامقًا اياه بأقتضاب مغمغمًا :
_ هحاول اهدى ياريان هحاول !
نظر لهم ثروت هاتفًا فى فضول :
_ بتتحدتوا فى ايه بصوت واطى اكده ؟!
فى إبتسامة بسيطة شبه لئيمة أجاب ريان :
_ ولا حاجة يا ابوى ، موضوع بينى وبين مروان !
واخيراً وصلت البشارة حيثُ وجد مروان هاتفه يعلن عن أتصال من مراد فهتف فورًا فى تلهف :
_ ايوة يامراد ، طمنا أسمى كويسة!؟
قال بودٍ باسمًا :
_ كويسة ، اطمنوا واحتمال على بليل ترجع .. جدى وأسيد راجعين البيت دلوقتى وأنا وماما هنقعد معاها لغاية بليل ، متنساش تقول لريان اللى قولتلك عليه يامروان !
_ تمام ، تمام اطمن انت !
انهى معه الاتصال ونظر الى عمه وريان
باسمًا بأرتياح قائلاً :
_ بيقول كويسة الحمدلله ، جدى وأُسيد راجعين وهو ومرات عمى هيقعدوا معاها لغاية بليل
تمتم ثروت حامدًا ربه لسلامة إبنه اخيه فرفع ريان حاجبه بخبث لمروان :
_ خلاص اديك اطمنت اهو اهدى بقى !
***
أستر الظلام ستائره ليرتفع ضوء القمر فى السماء منيرًا الارجاء ، لعله يستطيع انارة الظلام ولكن لن يتمكن من جلو الظلام المغمم على قلب أحدهم !! …… فتح باب غرفته وقاد اول خطوة له نحو الداخل محلقًا بكل جزء منها ، لم يعتاد أن يدخل غُرفته بالأخص وهى فارغة ! ، فارغة من وجودها ، أغلق الباب ونزع سترته عنه وكذلك قميصه وهو يصدر تنهيدة حارة مهمومًا ، نفسه المتمردة تكابد الحقيقة ، ولهيب الألم يشتعل بداخله أكثر كلما دارت نظراته فى الغُرفة باحثًا عنها لم يجدها ، أستقرت نظرة ملؤها الشجن والاسى منه على أحد ملابس ابنه الذى كان سيولد الأمس فألتقطه وحدق به بأعين تهيمان بالدموع عندما تذكر حديثها معه ………………
_ بص بقى يا أُسيد بيه ده أنا هلبسه لزيد أول مايجي، ومتقوليش وحش كفاية انى تعبت فيه وقعدت اخيط فيه وعملاه بأيديا دول
اجابها ضاحكًا فى نعومة :
_ لبسهوله باحبيبتى ، مقدرش اتكلم اصلًا حتى لو وحش !
فغرت شفتيها فى صدمة عارمة مجيبة :
_ يعنى هو وحش بجد يا أُسيد ؟!
ازداد ضحكه أكثر وهو يهتف :
_ انا قولت حاجة زى كده !!!!؟
نكزته فى كتفه بقوة ضاحكة وسُرعان ماتلاشت الإبتسامة من وجهها هامسة بضعف :
_ لو حصلى حاجة يا أُسيد توعدنى أنك تقول لابنى أنى كان نفسى اوى اشوفه وقوله أنى كمان عملتله البتاع ده اللى مش عارفة اسمه بأيدى
قالت اخر كلماتها بمرح مرير فرأت نظرته الغاضبة منه متشدقًا :
_ ان شاء الله تقومى بالسلامة ياحبيبتى متقوليش كده !
فاق من ذكرياته وهو يغمغم فى أحضان الظلام بصوت تخنقه العبرات :
_ ربنا محرمكيش من ابنك ياحبيبتى بس حرمنى انا منكم ! ، الحمدلله على كل حال
مسح تلك الدمعة التى فرت من عينه ليكمل نزع ملابسه فى شرود تام وهو لا يشعر بأى شئ حوله ………………………
***
ارتدت ملابسها وأنتهت من تحضير امتعتها ، ثُمّ فتحت باب الغُرفة وتأكدت أن نيرة نائمة فى غُرفتها فأمسكت بحقيبتها وهرولت نحو الباب لتذهب قبل عودة زوجها ، لكن تصلبت بأرضها عندما وجدت الباب يفتح ويدلف منه فنظر الى حقيبة ملابسها وعاد بنظره لها فى وحشية هاتفاً :
_ ايه ده ياملاك ، بتحاولى تهربى تانى ولا ايه !
هزت رأسها بالنفى فى رعب جلى فباغتها بصفعة مميتة على وجنتها ، صرخت على أثرها … أغلق الباب بعنف وقبض على حجابها بقبضة فولاذية ساحبًا اياها خلفه كالحيوانة ليتجه بها نحو غرفتها ويدفعها بعنف على الفراش ويغلق الباب جيدًا ، فزحفت هى للخلف بأرتعاد وهى تتوسل إليه قائلة :
_ انا اسفة يا أكرم صدقنى مش هكررها تانى ، ابوس ايدك أاااا ……
قطع كلمتها صفعته الثانية لها وهو يصرخ بها فى صوت جهورى :
_ المرة اللى فاتت سامحتك وعدتهالك لكن المرة دى لا ياملاك عايزاة تغفلينى وتهربى منى ليه كنت مين انتى يا**** ، ورحمة امى لاوريكى أكرم بجد على حقيقته دلوقتى !
أنتفضت باكية وهى ترتجف امامه وتبكى بنشيج مسموع بينما هو كان غير مبالى لها ، فأنهال عليها بالصفعات القوية تحت مسمى العقاب !! ، كانت رائحة الخمر العفنة تفوح من بين اسنانه ، ظلت تصرخ وتبكى بشدة محاولة الفرار منه دون فائدة حتى تراخت قواها تدريجيًا وفقدت وعيها والدماء تسيل من فمها وانفها .. !!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أشلاء القلوب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى