رواية شبكة العنكبوت الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم آيات الصبان
رواية شبكة العنكبوت الجزء الرابع والثلاثون
رواية شبكة العنكبوت البارت الرابع والثلاثون
رواية شبكة العنكبوت الحلقة الرابعة والثلاثون
( أحلام حمادة )
أعمت أحلام الســفر »حمــادة« عن رؤية الفخ الــذي ينصب له، اعتاد طوال حياته على اســتغلال النساء والاستفادة منهن مما أصابه بالغرور؛ ولهذا مع إغرائه بالسفر والمال أغلق عقله عن التفكير السليم ، كان دوما يتباهي بنفســه وبأن الأجنبيــات يجدن فيه ما لم يجدنه في أي ذكر أجنبــي ، كان ينسى أو يتناسى انهن يعانين من الشــيخوخة ويأتين لقضاء وقت ممتع وتجارب غريبة فقط ليشــعرن أنهن ما زلن مرغوبات، وأن العمر ما زال فيه مكان للمتعة ، كان الاستغلال متبادلًا ، نقودهن مقابل جسده ووقته ، ثم يمضين إلى حال سبيلهن وينسين كل ما كان، في ثقافتهن هو مجرد داعر يستغلونه لإرضاء أجسادهن ، بينما في ثقافته يظن أنهن لا يســتطعن مقاومة إغرائه و رجولته، »حمادة« امتهن كلمة رجل بكل ما فيها من معانٍ ، اعتاد أن يأكل من عرق النساء، ســواء الكادحات أو الباحثات عن المتعة ، كانت »أسماء« ضحية مثالية في ظل ظروفها ، رحيل الأب ثم الأم ، أخوة صغار مســئولة عنهم ، أقارب بعيدين في المســافة وفي الود ، لم يكن لها في الحياة أحد ، كانت جميلة، رشيقة، مرحة، تعمل باجتهاد وتعرف كيف تحصل على رزقها ، لديها شقة ولن تكلفه أي شيء ، كانت صفقة جيدة، وفرصة لا تعوض، اليوم يقرر أن يعطيها حريتها ويجبرها أن تتنازل عن كل حق لها مقابل أن يتركها بســام ، الصفقة الأكبر في الطريق ويجب إزاحة أي عائق ، لولا ذلك لاستمر في استغلال الاثنتين ، فهكذا هو »حمادة«.
كانت »أســماء« بمساعدة «نادية« توشــكان على وضع اللمسات النهائية للفخ ، اســتأجرتا المكتب المفروش بالعجوزة ، بطاقة »حمادة« التى ســبق واعتقد انها قد ضاعت منه كانت طوق النجاة لهن، كانت »أسماء« محظوظة حين وجدتها بالمنزل ، جل ما ارادته يومها أن تتأكد من السجل المدني انه ليس متزوجًا عليها لشكها في تصرفاته، لم تكن تدرى أن هذه البطاقة في يوم ما ســتكون أداة الانتقام التى تستخدمها للنيل منه.
في اليوم الذي حدده »حمادة« للطلاق اصطحبت »أسماء« اثنين من الجيران كشــهود على عقد الطلاق وذهبت بهما إلى المأذون ، بمجرد أن وقع »حمادة« على ورقة الطلاق البائن شــعرت »أسماء« بالفرحة تدب في أوصالها، وتجاهلت أسلوب »حمادة« المهين وضحكاته الساخرة وهو يعدها بالندم على خســارتها إياه، بينما لسان حالها يردد : من يضحك أخيرا يضحك كثيرا يا حمادة الكلب.
بعد أن أطمأنت »أســماء« وحصلت على ورقة الطلاق بدأت اللعبة في الوصول إلى نهايتها، شرعت »نادية« فى زيادة جرعة الحماســة عند »حمادة« لتدفعه إلى الذهاب بجميع الأوراق إلى مكتب الســياحة الذي رشحه له العديد من الأصدقاء الوهميين ممن اخترعتهم «نادية«، سقط »حمادة« الذكر المغوار في براثن «ناديــة« بفضل ذكائها وقدرتها على التلاعب بأفكاره مســتغلة كل المعلومات التي أتيحت لها من »أسماء« ، لعبــت كل الأدوار ببراعة ، أصدقاءه المقربين والمرأة التي أحبها اونلاين ، والوســيطة السياحية، جميع من كان يتطلع شــوقا للعيش بينهم في الغرب كانوا امرأة واحدة أرادت أن تنتقم لكل نساء »حمادة«.
بعد أن ســلم الأوراق وجواز الســفر والنقود لـ«نادية« متمثلة في كاترينا الوسيطة الســياحية في مكتب العجوزة، وحصوله على ايصال بالسداد ليطمئن قلبه وتزداد ثقته ، انتظر »حمادة« على أحر من الجمر صدور تأشيرة دخول للبلد المنشود .
بعد رحيل »حمادة« انتظرت «ناديــة« قليلا من الوقت لتتأكد من عدم عودته قبل ان تودع المكتب للمرة الأخيرة ، كانت قد أثارت أطماعه حينما حدثته عن مزايا تلك التأشيرة التي تتيح له العمل من أول يوم ، وتؤهله للحصول على الجنســية في وقت قصير مما أسال لعابه و لمعت في عينيه لمعة الانتصار الوشــيك ، كما أخبرته ان الوقت المتوقع لانتهاء
الإجراءات لن يقل عن شــهر ، ولكن في هذه الأثناء يســتطيع أن ينهي متعلقاته ويستعد للهجرة .
استمرت «نادية« في محادثته من حسابات تلك الشخصيات الوهمية لعدة أيام بعد ذلك ، ثم انقطعت عنه شــيئًا فشيئًا تاركة إياه في حالة قلق شديد مما يحدث، ظل يحاول مراســلة الجميع لعدة أيام لكنهم اختفوا جميعا من على صفحته في لحظة، أصابته هيستريا بالغة بينما يبحث عن الجميع لكنه سريعا ما أدرك انه يبحث عن المجهول .
تبدل لون وجه »حمادة« إلى جميع ألوان الطيف حتى اســتقر على اللون القرمزي المائل للزرقة ، حينها بدأ يفكر في إمكانية أن يكون الأمر بمجمله خدعة ، بحث عن ايصال السداد واتجه في التو واللحظة إلى مكتب العجوزة ليجده مغلقًا، كان على وشــك أن يسقط مغشيا عليه ولكنه تحامل على ذاته وبدأ في الاستفســار من حارس العقار عن سبب غلق المكتب ، وســقطت عليه الصدمة الكبرى حينما أخبره برحيل مستأجرة المكتب منذ عدة أيام ، وبالتقريب استطاع »حمادة« أن يستنتج أن آخر يوم لكاترينا بالمكتب كان يوم زيارته لها ، مما أكد له شــكوكه في كونه ضحية نصب .
في خطــى ثقيلة لقدمين لا تقويان على حملــه ، توجه »حمادة« إلى الشرطة ليخبرهم بما حدث، قابله بالقسم شرطي لا يبدو عليه أي اهتمام بـ«حمادة« وقصته، كانت قصة عاديــة تحدث كثيرا لمغفلين يعميهم الطمع مثل »حمادة«، ســجل له محضرا بالواقعة ووعده بالعودة اليه بعد القيام بتحرياتهم والوصول إلى معلومات قد تدل على مستأجرى هذا المكتب.
عاد »حمادة« إلى منزله وقد زاد عمره مائة عام ، أصبح شكله أقرب للعجائز اللواتي طالما باع نفسه لهن ، كان يشعر أن حياته قد توقفت ، ها هو قد خسر زوجته وخسر جميــع أمواله واقترب من الجنون، ظل يفكر طوال الليل من عســاه يكرهه لهذا الحد؟ من دبر له هذا الأمر ؟ كانت الأســماء تتلاحق في ذاكرته، القائمة طويلة ، الا أن الاسم الوحيد الذي لم يربط بينه وبين كل هذه الأحداث كانت »أسماء«، كان يرى أنها أصغر وأتفه من ان يكون لها صلة بموضوع كهذا.
بعد عدة أيام وهو غارق في حالة من الاكتئاب العميق تم استدعاؤه إلى قســم الشرطة ، ذهب مسرعا إلى هناك آملا في ان يكونوا قد توصلوا إلى أي خيط يقربه من معرفة الجناة، لكنه وجد هناك شخصا يجلس فى مكتب التحقيقات مع الضابط المختص ، قام الضابط بتعريف الشخص لـ«حمادة« على انه السمســار الذى قام بتأجير المكتب للمرأة الأجنبية ، كان وصف الرجل لكاترينا متطابقًا مع وصف »حمادة« مما يعنى ان المستأجرة هي ذاتها التى استقبلت »حمادة« وحصلت منه على أمواله.
بعد ذلك تم اســتدعاؤهم لمكتب كبير المحققين بالقضية ، نزلت الصاعقة الكبرى على رأس »حمادة« حينما أكتشــف أن السمسار قد أجر لهذه المرأة المكتب ببطاقة »حمادة« الشخصية، وان العقد قد وقع في غير وجود السمسار، وأوضح موقفه بأنه كان يسهل لهم الإجراءات لا أكثر ولا أقل مدفوعًا بحسن النية.
ســأل الضابط »حمادة« عن كيفية وصول بطاقته إلى هذه المرأة ، وأجابــه ان بطاقته قد فقدت منذ قرابة ثمانية اشــهر وانه يعتقد أن مكان فقدانها إحدى المدن الســياحية التــي يعمل بها ، وأوضح انه لم يستخرج غيرها منذ ذلك الحين ، وانه قد تعود على استخدام جواز السفر كبطاقة هوية ، عاوده الضابط بســؤال عن ان كان يعتقد انه قد تركها مع شخص ما او كان هناك أشخاص مثيرون للشك بالنسبة له؟ فأجابه بأنه لا يستطيع أن يحدد شخصا بعينه وإن كان له عداءات مع عدد من النساء.
واستتنج الضابط بأن »حمادة« قد تعرض لعملية نصب الكتروني من عصابة على معرفة وثيقة به كون »حمادة« يعمل في مجال السياحة ولديه صديقات نساء كثيرات ، كما استنتج الضابط من أقوال »حمادة« انــه كثير العلاقات ولديه ضغائن مع العديد من الأشــخاص، وانه قد تكون إحدى هؤلاء الســيدات قد دبرت له هذه المكيدة لاسترجاع اموال قد ســبق واستولي عليها »حمادة« ، أو للانتقام منه بشكل أو بآخر وقد بدأ بالفعل تفكير »حمادة« يسـير فى هذا الاتجاه بعد مناقشة الأمر مع الضابط، هداه تفكيره إلى ان هذه المرأة الأجنبية المحتالة قد تكون قريبة لإحدى ضحاياه في فترة من فترات حياته وبدأ في استرجاع كل ذكرياته وجرائمه عله يهتدي للفاعل إلا انه لم يستطع أن يتوصل لنتيجة .
فى نهاية التحقيق صدمه الضابط ان امكانية الوصول لهذه العصابه قد يكون مســتحيلا بعد ان أغلقوا جميع حســاباتهم على الفيسبوك، وخصوصا انه لم يكن يحمل لهم اى ارقام هواتف او عناوين او هويات شخصية أو أية أدلة تسهل عملية التحقيق وتمكنهم من الرجوع اليها في بحثهم، خلص الأمر إلى عدم جدوى متابعة التحقيق في ظل افتقادهم إلى خيط يصلهم للجناة وبالتالي تقيد الجريمة ضد مجهول.
بكى »حمادة« كثيرا حتى ابتلت ملابســه من فرط الحزن والغيظ على ضيــاع ثروته، بينما حــاول الضابط تهدئته وتوضيــح أن الأمر في غاية الصعوبة لكون عملية الاحتيال محكمة الصنع ودقيقة التنفيذ ، كما انه من وضع نفسه لقمة سائغة في افواه المحتالين بسبب أطماعه ورغبته الشديدة
التى أعمت بصره و بصيرته فى السفر إلى الخارج وترك بلده وزوجته.
خرج »حمادة« من القســم محطمًا ، لا يملك من الحياة الا بضعة جنيهات فى جيبه، بعد فترة حزن قصيرة اســتعاد رباطة جأشه وقرر تعويض ما خسره فحجز تذكرة في الأتوبيس المغادر لشرم الشيخ.
على صعيد آخر كان الحاج »ســلامة« مــازال في الغيبوبة وحالته تتدهور يوما بعد يوم، بينما يتفاقم إحســاس »نورا« بالذنب كلما مر الوقت عليه بهذه الحالة، أما »مايسة« فقد كانت تعانى مع زوجها منذ يــوم الحادث، كان »خالد« يعاني من الاكتئاب الحاد بعد ما مر به ذلك اليوم، صدمته في »نهى«، خســارته لميراثه من أبيه واقتراضه لمبلغ كبير من المال ، خوفه من عدم وفاء أو التزام العصابة بوعدهم ونشر فيديوهاته الإباحية على وسائل التواصل الاجتماعي تسببت في تعرضه لأزمة نفسية شــديدة، مع ازدياد وطأة حالته بشكل مرضى بدأ في التقاعس عن أداء عمله لانشغاله الدائم بالتفكير ، كما بدأت الخلافات المتكررة بينه وبين مديره تتصاعد حتى تقرر إنهاء خدماته بشكل مفاجئ ، ليلتزم بحجرة نومه لا يخرج منها الا قليلا ، أطال لحيته وأهمل هيئته ، وعافت نفســه الأكل حتى خسر الكثير من وزنه وســاءت حالته الصحية نتيجة لذلك، كانت الحالة التي وصل اليها تثير شفقة »مايسة«، حينها فقط أدركت أن النار التي نشعلها للآخرين تطالنا معهم.
أما »ريم« فقد اصابتها حالة غريبة من اللامبالاة بالنســبة لزوجها وأصبحت تتفنن فى الإبتعاد عنه ، لم يعد لديها هذا الحب، فقدت الشغف والرغبة فيه ، حياة كانت لا تتصورها بدونه أصبحت حياة لا تستطيع أن تتنفس فيها رائحته، ازدادت رغبتها فى الانفصال عنه وأصبحت متأهبة لبــدء حياة أخرى، ولكن خوفها وخوفهــن جميعا من أن يتم ربطهن بتلك العمليات جعلهن مترددات في إخراج تلك الأموال إلى النور، ظلت نقودهن متكدسة في خزانة الشــقة الجديدة حبيسة جدرانها الأربعة ، كل ما يمتلكن ما زال حبيسًا لألربعة جدران، بما في ذلك هن بذاوتهن .
تمضية الأوقات في تلك الشــقة فقدت رونقها مــع تصاعد الأحداث وتعقدها، أدركن بدون أن يناقشن الأمر بينهن أن الجانب الآخر من الطريق ليس بالضرورة ان يكون اكثر اخضرارًا، أحيانا ما ينتظرنا في ذلك الجانب هو ما نخشى مواجهته، الخوف وضمائر مريضة تحتضر في غرفة الإنعاش.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية شبكة العنكبوت)