رواية سجينة جبل العامري الفصل التاسع 9 بقلم ندا حسن
رواية سجينة جبل العامري الجزء التاسع
رواية سجينة جبل العامري الفصل التاسع
رواية سجينة جبل العامري الحلقة التاسعة
ارتجف جسدها بعنف وقوة وهي تقع على الأرضية يتردد صدى الطلقة النارية في أذنها وهو يحمل ثقل جسده عليها بعد أن هبط معها على الأرضية..
سارت القشعريرة في بدنها بالكامل تنظر إليه وخصلاتها السوداء متبعثرة حول وجهها، يدق قلبها بسرعة ضارية ولوهلة شعرت بالخوف والهلع عليه معتقدة أن الطلقة أصابته..
شعرت بالدماء تسيل من جسده على ذراعها انتفض قلبها بين أضلعه وتأكدت من ظنها فقد فداها بعمره وأخذ الطلقة مكانها..
لم تستطع التحدث فقد لجم لسانها وهي تنظر إلى خصلات شعره السوداء القابعة فوق صدرها، لا تدري هل شعر قلبها بالهلع خوفًا أن يصيبه مكروه أو تتركه ينزف إلى أن يموت وتستطيع الهرب من سجنها!..
رفعت يدها عليه تهتف بشفتين ترتجف خوفًا:
-جبل! أنت كويس؟
رفع وجهه إليها بملامح مُتألمة فقد أخذ الرصاصة في ذراعه الأيسر، أومأ إليها برأسه دون حديث وعيناه تجوب وجهها مستقرًا على عينيها ينظر إلى الخوف بها الذي استشعره بمنتهى السهولة.. الخوف عليه ليس منه!..
-متخافيش
قالها بصوت حانٍ رقيق لأول مرة يخرج من بين شفتيه لها وهو ينظر داخل عينيها السوداء
نظرت إلى ذراعه الذي ينزف عليها وتفوهت بقلق بالغ ظهر في نبرتها الخافتة:
-أنت بتنزف
أغمض عينيه بألم وأجابها بإيجاز:
-بسيطة
وضعت يدها على جسده لأول مرة أمامه دون خوف، تلمسه بكل أريحية ولم تشعر بأن هذا خطأ بل شعرت أنه من الواجب عليها مساعدته لأنه “زوجها”
-طيب قوم
وقف ببطء يبتعد عنها وذراعه جوار جسده لا يستطيع تحريكه تخرج الدماء منه بغزارة تتساقط على الأرضية بعدما وقف على قدميه..
نظر إلى الخارج فوجد الحراس يركضون خلف بعضهم البعض يحاولون الإمساك بمن تجرأ وفعل ذلك..
مد يده اليمنى إليها وهي ممددة على الأرضية، نظرت إليه للحظات تحاول أن تجمع شتات نفسها تفكر في الأمور من زاوية أخرى ترى ما الذي يحدث معها وما الذي يريده منها بعد ذلك.. لما عقلها مشوش للغاية!
مدت يدها إليه فسحبها منها لتقف على قدميها أمامه تعدل من ملابسها وخصلاتها الثائرة..
وقفت تنظر إليه بعيون لا تفهم ما مضمون حديث لمساته وهمساته، تتسائل إن كان حنون أو غليظ القلب ليس به رحمة كما قال..
هي امرأة متحيرة بين هذا وذاك لأنها رأت قسوة قلبه وعنفوان أفعاله الذي أشتد بها عليها ورأت رحمة أحكامه وحنان نظراته لأي شخص بات مظلوم غيرها..
تابع النظر إليها يتوه داخل عينيها، يبادلها نفس الغرابة في الشعور فلا يدري أهو أراد جسدها وتربية ابنة شقيقة أو تغير شيء ما داخله ليقف الآن معتوه لسانه ملجم وحركاته مشلوله أمامها..
لم يستفق أي منهما إلا عندما دلفت والدته الغرفة تدفع الباب بقوة تتقدم منهما داخل الشرفة..
وجدت الدماء على ذراعها فاعتقد أن “زينة” المصابة فهلعت إليها تقول بخوف:
-زينة اتصابتي فين يا بتي ادخلي
نظرت إليها بتوتر خائفة من أن تدلى بأن ولدها من أصيب وليست هي، تحدثت بخفوت قائلة:
-مش أنا.. ده جبل
ابتعدت عنها تتقدم منه في الداخل بذعر وخشية من أن يكون أصاب ولدها مكروه وهو وحيد عمرها ومن تبقى لها:
-ابني.. جبل
أومأ إليها برأسه ينظر إليها بحنان يبعث إليها الأمان والاطمئنان من نظرات عينيه:
-أنا بخير يما متخافيش جات سليمة
رأت “زينة” نظرته لوالدته ونبرته الحنونة الخافتة المنبعثة لها، ودت لو كانت هذه النظرة والكلمات الرقيقة إليها فقط ليجعل قلبها يطمئن..
اعترضت والدته بقوة والدموع متحجرة بعينيها تنظر إليه بقلق وخوف:
-إزاي يابني الدم نازل منك سيل
خرجت “زينة” من الشرفة وعادت إلى الداخل وهو يتحدث مع والدته
تابع يحاول تهدأتها ولكنه يتألم لا يستطيع مواساة أحد الآن فقال بجدية:
-قولتلك بسيطة متخافيش خدش في دراعي
دلفت إليهم مرة أخرى وتقدمت إليه بقطعة من القماش تهتف برفق:
-اربط ايدك بدي علشان النزيف لحد ما نروح الوحدة
أخذها من يدها وحاول لفها باليد الأخرى فلم يستطع أقتربت منه هي واخذتها منه مرة أخرى تقوم بلفها على ذراعه وربطها بأحكام تحت نظراته الفاحصة لها ونظرات والدته المتعجبة لما تفعله معه.. تتسائل هل لان الحديد وارتخى؟
قال بخشونة وجدية:
-الدكتور هيجي هنا مش هروح الوحدة مش مستاهلة
رفعت بصرها إليه وأشارت إلى ذراعه قائلة بتوجس:
-إزاي دي رصاصة دخلت دراعك
أجابها مُبتسمًا بزاوية فمه لا يدري هذه سخرية أو ابتسامة حقيقة بعد أن مس اهتمامها به:
-جرح سطحي.. وإلا إزاي بكلمكم وواقف كده
أشارت إليه بيدها وهي تنظر إلى وجهه وابتسامته التي لا تدري لما تواجدت الآن بين حديثهم:
-طيب أدخل ارتاح
أكدت والدته على حديثها وهي تجذبه من ذراعه الأيمن ليدلف إلى الداخل:
-ادخل يابني ادخل
دلفت خلفهم إلى الداخل فتسائلت بعد أن جلس على الفراش:
-فين رقم الدكتور أكلمه
أجابها وهو يكرمش ملامح وجهه بألم شديد أصابه، هتف بجمود يُجيبها:
-شوية عاصم يجي يجيبه
استشعر خوفها حقًا ورآه الجميع والدته وشقيقته عندما هتفت بانفعال وخوفها يظهر على ملامحها:
-شوية ايه ايدك بتنزف
كانت شقيقته دلفت إلى الغرفة منذ لحظات فصاحت تتسائل وهي تتقدم منه:
-أنت بخير يا جبل؟
أومأ إليها برأسه وجد “وعد” تتقدم منه بخوف وذعر رُسم على ملامحها وتسائلت بخوف ونبرة قلقة مرتعشة:
-بابا جبل حصلك ايه
أقترب بوجهه يقبلها مُحتضن إياها بذراعه وقال بحنان وحب:
-أنا كويس يا حبيبتي متخافيش
بنظرات طفلة أشارت إلى ذراعه وقالت بخفوت:
-في دم عليك
أردف بجدية والألم يشتد به يقول:
-دي شكة صغيرة.. روحي روحي مع خالتك دلوقتي
أخذتها “إسراء” التي كانت تقف على أعتاب الغرفة وخرجت وخلفها شقيقته لم يبقى معه سوى والدته وزوجته “زينة”..
لحظات والأخرى وأتى “عاصم” بالطبيب بعدما علم بأن “جبل” من أصيب بالطلق الناري بينما رأته “إسراء” وهي تسير في الخارج يتقدم إلى الأعلى مع الطبيب والعاملة “ذكية” التي تسير أمامهم لتفسح لهم الطريق..
تبادلت النظرات معه، لقد كانت نظرات محملة بالحب والاشتياق، ولوعة الغرام المخفي بينهم تحرقهم هما الاثنين، تحدثت الأعين تدلي بكل ما يشعر به القلب دون حركة واحدة من الشفاة..
دلف “عاصم” بالطبيب إليه فخرجت والدته ولكن “زينة” بقيت معه..
تقسم أنها لا تدري ما الذي يحدث لقلبها الخائن، لقد عذبها، سجنها، أخذ ما يحق لها، هددها بأبشع الأشياء وآخر ما فعله انتهك جسدها بكل غلظة وعنف والآن هي تشفق عليه وتشعر بالخوف والهلع بعدما حدث له؟..
لا تدري هذا حدث لأنها رأت الجانب الآخر منه أو ماذا؟ رأت ضعفة مع صغيرتها، حنانه عليها وعلى الآخرون غيرها، حكمته في العدل بين الناس ورد الظالم عن ظلمه وأخذ الحق للمظلوم..
لا تدري تغيرت لأنه أصبح يعاملها أقل خشونة وأكثر هدوء ورفق؟ ولكن كل هذا لا يشفع له عندها..
كل هذا لا يشفع حتى وإن تساقطت منه الرحمة والحنان حتى وإن اعترف بالحب وأراد الغفران على قلبها تتبع القسوة وأن يدلي بحرمانه الرحمة والغرام..
نظرت إليه وهو يتألم أسفل يد الطبيب الذي قال أنها لم تغوص داخل لحمه بل كانت سطحية للغاية، لم يأخذ المخدر لأنه من الأساس لا يوجد فتحمل وملامحه تصرخ بالألم ولكن لسانه لا يقدر على نطقها..
أقتربت منه، جلست على الفراش عندما شعرت بتألمه المكبوت قدمت يدها إليه تتمسك بيده بحنان تشدد عليها تحاول أن تجعله يطمئن.. ما تفعله من المؤكد نابع عن تربيتها الأصيلة فما فعله بها لا يستحق بعده أن تعامله هكذا..
شدد من مسكته ليدها وهو يتألم بقوة وخرجت آنة من بين شفتيه المضمومة على بعضها.. يشعر بالخجل والضعف لأنه يتألم أمامها ويشعر بالخجل من نفسه لأنها تقابل كل سيئاته بالحسنى..
هل هي تشعر بالشفقة تجاهه أو تشعر بشيء آخر مثله؟..
انتهى الطبيب وقام بربط يده وترك لهم روشته الأدوية المطلوبة فأبتعد “عاصم” لاحضارها لكن “جبل” أوقفه وهو يهتف بخشونة متألمًا:
-مين عمل كده؟
استدار “عاصم” ينظر إليه بتوتر لأن الرجل الذي فعلها هرب منهم ولم يستطيعوا الإمساك به:
-لسه مش عارف
اعتدل “جبل” في جلسته يتغاضى عن الألم الذي يشعر به وسأله باستفهام:
-يعني ايه مش عارف اومال هو راح فين
قال بجدية شديدة يُجيبة وعيناه في الأرضية:
-هرب يا جبل
كان يعتقد أنهم أمسكوا به فاستغرب بشدة وهو يسأله:
-هرب؟ يعني ايه هرب اومال انتوا بتعملوا ايه
تحدث الآخر وهو يشير إليه بيده يقول ما حدث ولكنه يعلم أنه لن يصمت على هذا:
-دخل الغابة واختفى فيها معرفناش نمسكه وأنا رجعت على طول أشوفك لكن سبت الرجـ ـالة يدورا عليه
سخر منه قائلًا:
-يا راجـ ـل؟ وفكرك هيلاقوه
صرخ بعنف وصوت عالي اهتز له جسد تلك الواقفة جوار الفراش:
-أنا اللي هقولك تشتغل إزاي يا عـاصـم
نظرت إلى عينيه التي عادت مُخيفة وتشنج ملامحه فقالت برفق:
-اهدى
صرخ بها بقسوة شديدة يخرسها فلا يحب أن يتدخل أحد بحديثه:
-اسكتي
تحدث يُكمل بصوته العالي، ونبرته تحمل الهمجية والعنفوان الشديد تجاة “عاصم”:
-لولا ستر ربنا كان زمان مراتي ميته فاهم يعني ايه وتقولي هرب
نظرت إليه باستغراب، إنه يقول زوجتي؟ لقد دافع عنها ووقف أمام المدفع وهو يعلم أنه على وشك الموت؟ ما الذي كان يفكر به عندما فعل ذلك؟
هل هي رجـ ـولة زائدة منه ولكنها تشك بهذا لأن الرجـ ـل الحقيقي لا ينتهك جسد امرأة عنوة عنها، أم لأجل ابنتها وابنة شقيقه أو هناك سبب أكبر من كل هذا هي لا تعلمه..
أكمل بكلمات مُهينة وهو ينظر إليه بغضب وعصبية شديدة:
-لو مشغل معايا رجـ ـالة مكنش هرب
اغتاظ “عاصم” وشعر بالإهانة خاصة أنه يقول كل هذا أمام زوجته فأردف بعنف يعلمه بما يقول:
-جبل
صرخ هو الآخر أمامه دون توقف وصوته يعلو أكثر بعد أن شعر بالعجز الشديد والبغض تجاة نفسه وحراسه:
-جبل ايه وزفت ايه.. القصر بقى حمام عمومي أي حد بيدخله ويعمل اللي عايزة الحرس كانوا فين.. فين اللي قولت يقفوا بره القصر
تحدث “عاصم” بتذمر:
-كانوا بيلفوا حواليه
أردف بصرامة وحزن وكلمات لا تحتمل النقاش:
-وقف حرس أكتر على مدخل الجزيرة مش عايز حد يدخل ولا يخرج منها لحد ما نلاقيه وهو لو في الغابة يا إما نلاقيه يا إما الديابة تاكله
أكمل بمنتهى القسوة والعنف على حديثه السابق:
-والحرس على القصر من بره يزيد واللي يقرب تدولة مكافأة نهاية الدنيا
أومأ إليه عاصم وخرج من الغرفة بينما هي وقفت تنظر إلى عيناه المخيفة الذي عاد بريقها مرة أخرى وتعود كلماته مرة خلف مرة على أذنها بقسوة ضارية..
يأمر بالقتل ويدرك أنه إن بقي في الغابة ستأكلة الذئاب وقلبه لم يرق أو يلين بل بمنتهى العنفوان أمر هو بذلك..
نظرات الخوف منه عادت إلى عينيها وألجمت شفتيها عن الحديث فبادلها القوة بنظراته وكأنه يقول لها أن سقوطه ليس سهل ورحمته ليست دائمة بل قسوته وجبروته هم الدائمين وما تراه ليجعل قلبها يرق ناحيته ما هو إلا لحظات تمر على حياته كالهفوة السريعة أو لمسة الرياح المارة بسطحية..
❈-❈-❈
“بعد بضعة أيام”
أحاطت قلبها بسلاسل وأغلقته بأصفاد حديدية، خوفًا من اقتراب الجوى منه ليحترق بلوعته ورغبته الملحة في الاقتراب منه والغوص داخل أمواجه لمعرفة أسراره المكنونة في أعماقه..
دومًا ما كانت سريعة الفهم، جيدة التركيز، ولكن الآن سرعة الإدارك لا تعمل عندها، ترى كل شيء وتستغرب حدوثه، تبصر بعينيها أفعاله ولا تصل إليها أهدافه..
تخبطت أمواج قلبها الثائر بجسدها الهزيل الذي اعتبرته شاطئ هوى يغوي قلبه كلما نظر إليها وشاهد حضورها..
تنهدت بعمق تخرج زفرة حادة من صدرها المكبوت تستغرب أفعاله تجلس الآن جلسة صافية مع حالها لتحاول إدارك ما الذي يحدث وما الذي يريد فعله..
هل تعيد على عقلها كل ما حدث منذ بداية الأمر لتحاول الفهم أم ماذا!..
نعم ستفعل ذلك.. بداية الأمر أنه كان باردًا معها مُتجبر ومتكبر، أشعرها بأنه لا يبالي وجودها.. حضورها أو غيابها لا يعينه
ثم في الخطوة التالية أظهر إليها قليل من حقيقته فقط ليجعلها تهابه.. لم تخضع له ولم ترتوي بحديثه فازاح القناع عن وجهه وأظهر إليها ما بداخله لتقع خائفة والرهبة تزحف إلى قلبها وعقلها وارتجاف جسدها ما كان إلا رعبا منه..
رأت وجهه الحقيقة قتلة للبشر، تحديه لها، عنفه معها، وتهديده الصريح والواضح، والأسوأ والأسوأ من كل ذلك مرة بعد مرة إلى أن بغضته، شعرت بالكراهية الشديدة تجاهه لو كانت نالت الفرصة لقتله لفعلتها وهي بالفعل حاولت..
عندما قام بانتهاك ما لا يحق له، أنه فعلها مرة واحدة منذ أن كتبت زوجته والآن أدركت لما فعلها، فقط ليريها أنه يستطيع فعل أي شيء وبأي وقت ليجعلها تعلن أنه الأمر الناهي والمتحكم الوحيد، والقاضي الذي يحكم وينفذ
عندما عارضته ورفضت هيمنته عليها علم كيف يستطيع أن يجعلها تنظر إلى عيناه الخضراء القاسية بكل قهر وكسرة، علم كيف يشعرها بالمذله والضعف ولم يبخل عليها في فعل ذلك بل منذ أول لحظة لها معه نهب أنوثتها وحريتها..
أقترب منها مرة واحدة فقط! ولم يفعلها ثانية ثم من بعد ذلك حاولت التأقلم وفهم ما يحدث فبادر هو بمعاملتها أفضل من السابق..
لا تدري كيف ولما، لا تدري لما نظراته التي تغرق بها والبحث داخلها عن أسباب تغيره معها، لا تدري لما حضرته تلبكها وتشعرها بالتوتر..
تغيره معها جعلها لا تفهم شيء أبدًا، بدأت تتحدث معه هي الأخرى ليس أفضل ولم تتقبله بعد ولكن تتحدث معه..
أصبح أب لابنتها، لاحظت تغير واضح في حياة ابنتها بعدما أصبحت تنادية باسم والدها وقد شكل هو هذا الدور حقًا معها منذ أن تزوج منها.. ترى حبه إلى الطفلة ظاهر بعينه وترى حب الطفلة إليه فتخاف أن تفعل شيء يفقدها ذلك الحب والحنان منه لأنها حرمت منه مبكرًا.. هل وجود “جبل” الآن يعوض ابنتها عن والدها “يونس”؟
هل تبقى فقط لأجل ابنتها؟ أو لأجل نفسها وتحاول خوض حياة أخرى معه!..
وقفت على قدميها ودق قلبها بعد ذلك الهراء الذي هتف به عقلها، ما الذي تتفوه به ما الذي تفكر به..
لوعة فراق زوجها المحب أثرت عليها أم ماذا!؟
آخر ما حدث تلك الرصاصة التي أخذها بدلًا منها، لقد كان يعلم أنه سيموت أن أتت به ولم يتردد في فعلها بل بصدر رحب استدار ليجعل نفسه في المواجهة
ثم هتف بكلمة زوجتي بكل حرقة خوفًا عليها!..
ما هذه التراهات!.. ما الذي يريده من كل هذا أو ما الهدف منه، ما الذي تفعله هي وما الذي ينتظرها بعد؟..
احتارت في وصف مشاعرها واحتارت في الوصول إلى بر جاف تقف عليه! لن توصل إلى مرسى معه إلا بعد أن تسير في دروبه جميعها سوى أن كانت قاسية أو حنونة تربت على قلبها..
ستفعل، ستبقى إلى النهاية لتمر بكل مراحل المشاعر معه بداية من الكراهية إلى الغرام، ستبقى لتعرف كل سر خفي في الجزيرة، ستبقى لأجل ابنتها وحقوقها الذي أخذها منها بالإكراه
بينما هو على الناحية الأخرى يشعر بالنقيض تماما، يعلم ما الذي هو مقدم عليه ويفهمه جيدًا..
في البداية لم ينظر إليها بعيون رجـ ـل، لم يشتهي أي شيء بها إلا بعد حديث والدته له، أثارت مشاعره وحركت رغبته تجاهها..
فعلها بالقوة والعنف فعلها، أصبحت زوجته حلالًا له وأخذ ما يطيب مشاعره منها وما يرضي رجـ ـولته..
لكن يوم بعد الآخر يرى نفسه يصبح أكثر هدوءا معها، أكثر عقلانية، أكثر حديث، أحب ابنتها وأقترب منها وشعر أنها ابنته هو ليست ابنة شقيقه..
نظر إليها بعيون جائعة تحترق بها الرغبة المشتعلة تجاهها بالهوى القادم مع العاصفة التي ستدمج قلوبهم معًا..
نظرته الشغوفة نحوها وحديثه الهادئ اللين يعلم أثره عليه جيدًا ويعلم لما يخرج منه.. هل سيحيا قلبه مرة أخرى ويعود إلى الحب!..
هل سيكون هناك نقطة ضعف أخرى غير السابقة تدمر ما بقى منه وتزعزع كيانه وما وصل إليه!..
أنها لا تحبه بل تبغضه وتريد قتله والخلاص منه، إذا أحبها ستكون هي السكين الذي ينحر عنقه بكل شر وكراهية على عكس الأخرى كانت تحبه وكان يهوى كل ما بها فغدرت به وطعنته في منتصف قلبه..
لكنه مع كل ذلك رأى الخوف بعينيها عليه، لا يدري إن كان خوف حقًا أو شفقة خالصة تجاة ما حدث له أو هي وقفت جواره لأجل ما فعله خوفًا عليها..
الآن كل ما يستطيع فهمه أن قلبه بدأ لها بالخفقان، وعيناه بدأت بالنظر إليها بنظرات أخرى غير تلك الراغبة بها، بل أصبح يرمي سهام الحب والغرام متلهفًا لضمها ونيل عناق حاد منها يروي به ظمأ قلبه وحرمانه من الهوى لسنوات..
لن يحرم نفسه أكثر من هذا، سيترك العنان لقلبه ليفعل ما يريد وأن أرادها قلبًا وقالبًا ستكون معه رغما عنها وعن الجميع ولن يتركها ترحل من هنا إلى الأبد.. ستكون سجينة جبل العامري بحق..
طال الاشتياق لحبيب يغمر القلب بالحب واللوعة التي تحرقه بالغرام، طال الفراق الذي جعله وحيدًا ليلًا يعاني وحدة الآنات المتألمة مطالبة بالغفران، فكلما خفق اشتاق وكلما اشتاق احترق والتهبت نيرانه تخرج بفوران من داخل أعماق قلبه الثائرة..
دقات متعالية بها جمرات مُشتعلة تطالب بالحب لقلبين دامت الوحدة مرساهم الوحيد لفترة طويلة، فكانت أشبه بالحياة دون روح، ولم يكن أحد غيرهما “زينة” العاصفة القادمة عليه لتدمر كل ما به و “جبل” ذلك الصلب الشامخ الذي وعد بالبقاء وأن يبعثر عاصفتها إلى أن تخمد..
❈-❈-❈
جلست “إسراء” على الفراش مُمددة القدمين تستند بظهرها إلى ظهر الفراش تنظر إلى الفراغ أمامها في الغرفة بهيام وعيون لامعة بالحب والاشتياق..
ارتسمت ابتسامة هادئة على شفتيها وهو يأتي على خلدها بنظراته وحديثه وقوته..
عضلات جسده وطوله الذي يبتلعها، عينيه الساحرة! هل قالت ساحرة! لم تسحرها هذه العينين إلا قريبًا بعد أن توطدت العلاقة بينهم وأصبحت أقوى بكثير وأعمق من السابق..
حيث كانت تستمع إلى كلماته المعسولة التي تخجلها وتلبك كلماتها، ونظراته الغريبة الصارخة باللهفة، حركاته الذي كانت تعوقها كلما أرادت الذهاب والابتعاد عنه..
قلبها يدق بعنف أثناء وجوده أمامها ومتابعة نظراته إليها، روحها ترفرف وهي تتحدث معه وتستمع إلى خشونة صوته ورجـ ـولته الطاغية..
هل هذا حب! وقفت على قدميها بلهفة تسير بالغرفة تفكر في حديثها وما يمليه عليها عقلها.. هل أحبته! لأول مرة تمر بهذه المشاعر، تسير على جسر ملئ بالورود الحمراء ذات الرائحة الطيبة المشعة بالحب والغرام.. هل أحبته؟ هل هذا هو شعور المحبين؟ أن تطير الفراشات داخل معدتهم وأن يخفق قلبهم وكأن هذا الخفقان طبول تقرع للإعلان عن حرب ضارية! هل هذه مشاعر العاشقين! أن يشعروا بأمواج البحر الثائرة مقبلة عليهم تأخذ جسدهم ليطفو فوق سطح الماء بكل سعادة..
خرجت من شرودها على صوت هاتفها المزعج الذي يدق يعلنها بوصول مكالمة إليها.. من هذا المزعج في هذا الوقت المتأخر من الليل
أقتربت منه سريعًا حتى لا تستفيق “وعد” تخرسه وهي تنظر إلى شاشته الذي أنارت بإسم “عاصم”
رفرف قلبها ودق في ذات الوقت وارتسمت الابتسامة على شفتيها بفرحة وسعادة وهي لا تشعر إلا بفراشات الحب تطير داخل معدتها تعلنها بأنها أحبته حقًا!؟
استقر الهاتف بين يدها بعد أن انتهت المكالمة ولم تجيب عليها بسبب كثرة المشاعر الذي زارتها وجعلتها تنظر إلى الهاتف بعدم تصديق وتعيد على عقلها كل ما كانت تقوله منذ قليل..
نظرت إليه بيأس وانزعاج لأنها لم تُجيب عليه وعلقت ملامح وجهها بشدة وهي تلقي الهاتف جوارها على الفراش بحزن لكن ما لبست إلا وجدته يعلن عن وصول المكالمة إليها مرة أخرى.. أخذته سريعًا تنظر إليه وعندما وجدته هو يعاود الاتصال لم تنتظر كثيرًا وأجابت متلهفة:
-أيوة
أجابها من الناحية الأخرى بصوته الرخيم يتحدث:
-فكرتك نمتي
وقفت على قدميها تُسير في الغرفة وهي تحادثه وقالت بنفي سريعًا:
-لأ لأ أنا صاحية
سألها بتطفل:
-مردتيش ليه أول مرة طالما صاحية
أجابته وهي تكذب عليه فلا تستطيع قول أنها كانت تنظر إليه ولا تستطيع الإجابة بسبب المشاعر الذي حاوطتها بحبه:
-ملحقتش أرد عليه أصلي كنت بعيدة عنه
استنكر حديثها وهو يجيب عليها قائلًا بيقين وهو يعلم أنها لا تترك الهاتف من يدها:
-بعيدة عنه! أنتي من ساعة ما أخدتيه تاني وأنا حاسس إن مافيش في حياتك غيره
أردفت بجدية تسرد عليه ما يحدث معها ليجعلها تبقى طوال الوقت جليسة مع هاتفها وهي تشير بيدها وكأنه يراها تسير في الغرفة:
-أصل بصراحة الجو ملل أوي هنا يا إما نتفرج على التلفزيون يا إما أقعد مع زينة أو وعد يا أما الموبايل وأنت عارف جبل من وقت ما تعب طول ماهو هنا زينة بتعمله كل حاجه ووعد رجعلها التابلت فـ مافيش حاجه أعملها غير أقعد على الموبايل
سألها بغلظة متهكمًا:
-وبقيت الناس اللي في القصر مش مقامك ولا ايه
وقفت في موضعها وسألته بتوتر:
-أقولك بصراحة!
أومأ برأسه وقال بجدية ورفق:
-أكيد
قالت بخوف وهي تتذكر نظرات والدة زوج شقيقتها لها وللجميع وأكملت بانزعاج وضيق من شقيقته:
-طنط وجيدة بخاف منها، نظراتها غريبة وتخوف وبتتكلم بجد أوي إنما فرح دي متكبرة أوي وبتكرهني أصلًا
ضيق ما بين حاجبيه واستنكر قولها فسألها بجدية ليعلم ما الذي بينها وبين “فرح”:
-بتكرهك ليه
قالت بلا مبالاة وهدوء وهي لا تدري ما الذي يفكر به:
-معرفش بس من وقت ما جيت بتعاملني وحش أوي وبترمي كلام وحش فـ كبرت دماغي منها بقى
صمت قليلًا ثم قال بمرح يشاكسها:
-أنتي بتعرفي تكبري دماغك أهو
ابتسمت بسعادة وهي تمازحه قائلة:
-طبعًا أنا أعجبك
تحرك في الحديقة وهو ينظر إلى شرفة الغرفة الموصدة ومن خلفها تظهر إنارة الأضواء الخافتة، قال بسخرية:
-لأ منا عارف أنتي كبيرة مش صغيرة وتعرفي تعملي كل حاجه
سألته بانزعاج واقفة في موضعها:
-أنت بتتريق ولا ايه
أجابها بلين يأكل ما بقي من عقلها:
-أنا أقدر اتريق عليكي بردو
أكملت سيرها مرة أخرى وتفوهت بجدية متسائلة بعد أن شعرت بالملل يُسيطر عليها:
-بقولك يا عاصم هو أنا مقدرش أخرج بره القصر، أمشي في الجزيرة أشوف الناس أي حاجه أنا بجد زهقت
حاصرها بسؤاله الخبيث وهو يبتسم باتساع:
-اشمعنى أنا بقى اللي بتقوليله
ارتبكت كثيرًا وصمتت قليلًا وهي تنظر إلى الأمام بوجنتين حمراء للغاية اشتعلت من شدة الخجل فلا توجد إجابة مناسبة ولكنها أردفت:
-مش… مش أنت صاحبي بردو
مرة أخرى بمكر يحاول إخراج الكلمات منها وهو يعلم أنها الآن تموت خجلًا:
-صاحبك بس!
هربت من محاولة محاصرة لها وقالت متسائلة بصوت خافت رقيق:
-هتخرجني
أومأ بالموافقة ولكنه مصر على اخجالها بحديثه الماكر الخبيث الذي يعلم أثره جيدًا:
-ماشي هخرجك بس بشرط
سألته باستغراب:
-ايه هو
رد بمنتهى البساطة وخشونة صوته تثير ما بها ومع تلك اللهفة التي خرجت من بين كلماته واستشعرتها جيدًا:
-اخرجي البلكونة عايز أشوفك
كررت كلمته مرة أخرى بذهول وخجل:
-تشوفني!
أومأ مرة أخرى برأسه للأمام يهتف بخبث ولوعة الاشتياق لها تحرقه:
-آه اخرجي مش أنا صاحبك بردو
تقدمت من الشرفة المغلقة فتحتها ببطء حتى لا تصدر صوت وخرجت إليها تطل عليه بوجهها الحسن وعينيها الزرقاء الرائعة:
-أهو خرجت
ينظر إلى وجنتيها الحمراء من كثرة الخجل الذي تشعر به إنه يدرك ذلك، ينظر إلى شفتيها الوردية ونظرتها الساحرة إلى عينيه، بعد أن تذوق حرارة رؤيتها الملتهبة في جسده قال بصوت رجولي أجش:
-تصدقي إن القمر نور دلوقتي بس
سخرت من حديثه قائلة بتهكم تشير إلى السماء:
-والقمر اللي في السما ده بيعمل ايه
حرك رأسه يمينًا ويسارًا ينظر إليها ولا يستطيع إبعاد عينيه عن وجهها وسحره تفوه بحب يغازلها:
-لأ ده نجم إنما القمر الحقيقي هنا قدامي أهو
صمتت ولم تتحدث فقط يستمع إلى أصوات أنفاسها العالية تنظر إلى الأرضية بخجل بعد أن أبعدت عينيها عنه فقال مُمازحًا إياها يخجلها أكثر:
-مكسوفه ها
خرج صوتها مبحوحًا يصدر بخفوت وخجل يقتلها:
-بس بقى
نظر إليها مطولًا وعشقه إليها الذي أعترف به مؤخرًا يدفعه نحوها بقوة ضارية، فتابع بصوت رجولي أجش:
-إسراء
حرك كل ما بها بعد الاستماع إلى نبرته الذي أسكرتها فقالت بخفوت ورفق:
-نعم
خرجت كلمة واحدة من شفتيه نابعه من قلبه الذي يدق بعنف في حضرتها وود إعلامها بكم الاشتياق الذي يشعر به نحوها فقال بلوعة قاتلة:
-وحشتيني
نظرت إليه للحظة واحدة فقط فلم تستطع المواصلة اخفضت الهاتف من على أذنها ودلفت إلى الداخل راكضه تغلق باب الشرفة من خلفها، ووقفت خلفه تضع يدها على موضع قلبها الذي تعالت دقاته وخرج ليصل إلى مسامع أذنها..
ترفرف عاليًا بين الفراشات والعصافير المغردة بأسامي الحب والغرام في سماء صافية تماثل زراق عينيها وسحاب بيضاء تماثل بشرتها وما اختلف في الأمر شعورها بالنيران تخرج من وجنتيها بسبب خجلها التي شعرت به وهو يرمي عليها كلمة الاشتياق التي خرجت منه بلوعة ولهفة قاتلة..
بينما هو وقف ينظر إلى الشرفة وعيناه لا تستطيع أن تنحرف بعيدًا عنها فما كان يخطر على باله يومًا أن يقع لعشق فتاة صغيرة جميلة مثل هذه خجلها يربكها ويحرك ما بها..
لم يخطر على باله أن تأتي تلك الصغيرة التي تنزعج أن ناديتها بالصغيرة وتطير فرحًا كالطفل أن عبرت لها بأنك تراها فتاة كبيرة ناضجة..
أعترف لنفسه من فترة صغيرة للغاية أنه أحبها، ليس صغير وليس مراهق حتى لا يعلم ما الذي يشعر به ويمر به في حضورها واشتياقه لها ورغبته الملحة على أن تكون معه وله..
أدرك كيف يشعر بالحب والغرام، حين تهتز رجولته أن رأى رجـ ـل غيره يبصرها، أن يدق قلبه بكثرة في حضورها وحتى إن تذكرها، أن يتلهف لرؤيتها وتحرقه نار الاشتياق ولوعة الفراق إن غابت عن عينيه لحظة..
الآن يعترف، لقد عشقها وذلك الإعتراف الصحيح يخفي داخله الكثير..
على الناحية الأخرى كان هناك قلب يحترق أيضًا مثل قلبيهما ولكنه كان يحترق بالغيرة والغل، الحقد والكراهية..
تنظر إليه بعيون مشعة بالظلام الدامس والكره الدفين داخلها، تتنفس بعمق وسرعة شديدة ليست قادرة على مواكبة أنفاسها بانتظام بسبب انفعالها..
دلفت إلى غرفتها بعدما رأت ما حدث بينهم وأدركت أيضًا ان هناك مكالمات هاتفية إذًا تطور الوضع بينهم وأصبح أكثر سوءا بالنسبة إليها..
اشتعلت نيران الغيرة بقلبها ونهشت حشاياه، فار بركان غضبها وخرجت من الغرفة بعنفوان وكره لا نهائي أن تركته عليهم سيحرقهم هما الاثنين وكل من يقف أمامها..
هبطت إلى الأسفل وخرجت إليه نظرت إلى داخل عينيه وأخذته من يده بعد أن أقتربت منه تبتعد عن مسامع الحرس فصرخت به بعصبية:
-ايه اللي بتعمله ده يا عاصم
أجابها بعدم فهم لما تقصده بما فعل:
-ايه اللي عملته
أردفت بحرقة تشير بيدها بعصبية وعنف تنظر إليه بشر وحقد:
-البت اللي اسمها إسراء شيفاك فعلًا مشغول بيها وعايزها وأنا مش هتوه عندك لما تعوز حاجه
فهم ما الذي تقصده فـ أومأ برأسه للأمام وهتف بلا مبالاة وبرود:
-وافرضي ده صح وأنا عايزه أنتي عايزة ايه
صدح صوتها الصارخ بوجهه بشراسة وعنفوان فلم تتخيل أن يُجيبها بهذا البرود:
-نعم؟ عايزة ايه أنت اتجننت يا عاصم
أقترب منها وبعيون قاسية حادة تحدث بغلظة وخشونة ينظر إليها بعمق:
-لأ متجننتش أنتي اللي لسه معقلتيش أنا عايزك ترجعي بآخر مرة اتقابلنا فيها في محطة واحدة وأنتي هتعرفي إذا كنت اتجننت ولا لأ
تابعت نظراته القاسية عليها ورأت اللا مبالاة الخالصة التي يتحدث بها فقالت بحرقة:
-وأنا عايزاك تعرف أنت بتلعب مع مين يا عاصم
ابتسم بزاوية فمه وهو يتهكم قائلًا بسخرية:
-أنا مش بلعب أصلًا يا فرح
اشتعل جسدها بالغضب ونظرتها نحوه أصبحت نارية عنيفة تود الآن لو تأتي بسكين تنحر إليه عنقه أو تأخذ عينه الذي نظر بها إلى أخرى:
-خد بالك قلبتي وحشه
لم يبتسم هذه المرة بل خرجت الضحكات من بين شفتيه بقوة وكم كانت خلابة يحرك رأسه باستياء فنظر إليها قائلًا بسخرية مرة أخرى:
-ده تهديد يعني
قالت بجدية شديدة محاولة اخافته على الرغم من أنها تعلم أنه ليس ذلك الرجـ ـل الذي سيخيفه تهديد من رجـ ـل أو امرأة:
-اعتبره زي ما أنت عايز
نظر إليها بعمق وهدوء ولم يريد أن يتحدث أحد عن شقيقه صديقة الغالي “جبل” حتى وإن كان ما بينهم سابقًا “خلف القصر”:
-فرح.. بلاش تقولي كلام أنتي مش قده ويلا اطلعي بقى ولا عاجبك شكلك هنا وأنتي معايا قدام الحرس
أكملت على حديثه متهكمة بعد أن وضعت يدها اليمنى في وسط خصرها:
-ولا خايف أنت حد يقول لجبل إني واقفة معاك
نظر إليها بقوة قائلًا بقسوة وغلظة:
-أنا مبخافش من حد.. وحتى لو أكيد مش هخسره علشانك
هددته بقوة ووضوح وعلمت أن هذه الكلمات هي المناسبة التي ستجعله يخاف حقّا فغمزت بعينيها بشر قائلة:
-أنت فعلًا مش هتخسره يا عاصم.. أنت هتخسر حد تاني لو متعدلتش معايا
احترق قلبه من مجرد فكرة أتت على عقلة فصاح بها بعنف وعصبية وصوته يعلو:
-احترمي نفسك واتكلمي كويس أنتي لسه مشوفتيش قلبتي وبعاملك على إنك عيله هبلة مش فاهمه حاجه
حركت يدها على خصرها تحاول مضايقته بلا مبالاتها بعد أن أشعلت قلبه بالنيران خوفًا عليها فقالت بتكبر:
-لأ العيله دي البت اللي أنت باصصلها إنما أنا فرح ستك وتاج راسك
نظر إليها بشر وود لو يقتلع عنقها من مكانه فمن هذه سيدته! صاح وهو يجز على أسنانه محاولًا للتحكم في نفسه حتى لا تنفلت الأمور منه:
-قسمًا بالله إن ما خفيتي من وشي هتصرف معاكي تصرف يناسب وساختك.. غوري
علمت أنه وصل إلى ذروة غضبه فلم تريد أن تتأزم الأمور أكثر من هذا.. نظرت إليه بقوة وألقت عليه آخر كلماتها المهددة:
-ماشي يا عاصم.. ماشي أنت اللي بدأت
سارت مُبتعدة عنه تعود إلى الداخل وهي ترفع حجاب رأسها الذي هبط ليستقر على عنقها.. عائدة إلى الداخل بقلب يشتغل وروح تحتضر من نظراته وغضبه الذي لم يخرج إلا عندما تحدثت بالسوء عنها..
لن تتركه هكذا، لن ينعم بحياته هكذا بتلك السهولة مع تلك الغبية التي أتت لتأخذ مكانها ولكنها ليست ضعيفة لتتركها تفعل ما تشاء بل ستجعلها تفكر ألف مرة قبل النظر إليه بعد ذلك..
بينما هو نظر إليها بغضب دمائه فارت داخل عروقه بسبب حديثها الغبي ونظراتها نحوه بل وتهديدها له أيضّا تلك الغبية الماكرة..
فتاة غبية مغرورة ومتكبرة تعتقد أن كل ما تريده سيكون لها دون حساب أو نقاش.. ليس هو ذلك الرجل الذي سيفعل لها ما تشاء على حساب نفسه وسعادته..
❈-❈-❈
ولج “جبل” إلى الغرفة ليلًا في ساعة متأخرة، أغلق الباب وتقدم إلى الداخل لينظر إليها نائمة على الفراش بهدوء ونعومة رآها بها..
تلك الشرسة القوية التي تقف أمامه خمدت نيرانها ومن أمامه الآن امرأة متفتحة كوردة حولها الأشواك بكثرة، فينجرح أثناء محاولة الوصول إليها..
ملامحها هادئة مرسومة بدقة وعناية، جميلة وجمالها الطبيعي خلاب، أقترب منها ينظر إلى جسدها الأبيض الذي يظهر بعضًا منه بسبب قميصها ذو اللون البنفسجي من قماش الستان..
كم بدت امرأة صارخة بالأنوثة تغريه ليقترب منها يطفئ نيران شوقه إليها الذي لم يخمدها إلا مرة واحدة فقط..
توجه إلى الفراش وصعد إلى مكانه فكانت تعطيه ظهرها في هذه الوضعية، أقترب منها بيده اليمنى يسير بكفه على ذراعها الأبيض الظاهر أمامه بنعومة وخفه..
أقترب من رأسها يستنشق خصلات شعرها ورائحة عبيرها الذي يسكره..
حرك أصابعه عليها ذهابًا وإيابًا وهو يقترب منها بكل الطرق ففتحت عينيها واستدارت بجسدها ببطء شديد تنظر إليه بعيون نصفها مغلقة يغلبها النوم..
أقترب منها بجسده وهبط عليها برأسه يضع يده حول وجهها يمسد عليه بحنان ورفق وهي تنظر إليه لا تدري ما الذي يحدث..
فهبط على شفتيها يقتنص منهما رحيق العسل الذي أخذه مرة واحدة من قبل عنوة وقهر فلم يكن يعلم حينها أنه سيشتاق إليه مرة أخرى وشوقه يزداد إلى هذه الدرجة..
وجدها مسالمة، ليست مغلوبة على أمرها ولكنها مستسلمة أسفل يده تترك له زمام الأمور غير معترضة على شيء..
اعتبرها دعوة صريحة منها ليأخذها ويدلف بها إلى بساتين الورود مختلفة الألوان والروائح ليس بها أشواك بل رقيقة ناعمة الملمس يعوض ذلك اليوم المشؤوم الذي خلده بذكراها..
مستمتعًا بكل لحظة تمر جوارها وهي راضية مستكينة بين يديه مستمتعة بنظراته ولمساته وكأنها تطالب بالمزيد منه لأول مرة منذ سنوات كثيرة لم تعلم طريق إلى هذه المشاعر..
المشاعر الجياشة الذي أخذتهم إلى عالم غريب لأول مرة تسير به معه وهو لأول مرة يشعر بحلاوته وتزداد رغبته الملحة في التكملة إلى النهاية وما بعد النهاية..
اشتعلت رغبته تجاهها فترك الأشواك متجاهلًا إياها متقدمًا منها يأخذها إلى شاطئ أمواجه ثائرة متضاربة كمشاعرة الراغبة، تقدمت أمواج المتعة واللذة الراضية تغطي على رمال البغض والكراهية وصدفها راضيًا مستمتعًا وكأنه بمرحلة من مراحل الهوى..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية سجينة جبل العامري)