روايات

رواية عشق بين هشيم مشتعل الفصل السابع 7 بقلم آية العربي

رواية عشق بين هشيم مشتعل الفصل السابع 7 بقلم آية العربي

رواية عشق بين هشيم مشتعل الجزء السابع

رواية عشق بين هشيم مشتعل البارت السابع

رواية عشق بين هشيم مشتعل الحلقة السابعة

تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن!
من قال لك هذا ؟
من الذي أخبرك عما تشتيه السفن؟
ربما اشتهت السفن لقاء الرياح
ربما ودت تحديها أو المرح معها أو تلقينها درساً في الحياة .
أأنت أصدق أم الله !
بسم الله مجريها ومرسيها
قف على رأس سفينك وانطلق
ودع الرياح تأتي كيفما تشاء يا مرحباً بها
وكن على يقين أن لك مرسى وزرقاً ونصيباً
بقلم آية العربي
꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
ليلاً
استيقظ صالح منتفضاً على طرقات عنيفة على باب منزله ، أسرع نحو الباب يفتحه ليتفاجأ بثلاثةِ رجال من الشرطة يقتحمون المنزل وأحدهم ينظر حوله متفحصاً المكان فتحدث صالح بصدمة وأثر نعاس متسائلاً :
– خير يا باشا .
استيقظ محمد على صوتهم بينما تحدث شخصاً ذو ملامح قاسية قائلاً :
– معانا إذن بتفتيش دارك .
تعجب صالح وتساءل :
– إذن ليه يا باشا خير ؟ ، وعتفتشوا على إيه عندي؟
تعمق الضابط في وجهه ثم قال باستفزاز :
– هتعرف يا روح أمك .
تفاقم غضب صالح فـ جُل ما يبغضه هو أن أحدهم يسبه بأمه الغالية المتوفاة ، جاهد نفسه وغضبه ليتحلى بأقوى درجات الثبات النفسي والبدني بينما أشار الضابط لرجاله قائلاً :
– فتشوا الدار .
أسرعوا هنا وهناك ودخل أحدهم غرفة محمد الذي نهض وخرج يقف جوار صالح وتحدث موجهاً حديثه إلى الضابط :
– مين اللي قالكم يا باشا إن عندينا حاچة مخالفة ؟
هنا توتر صالح وتذكر أمر بندقية والده لذا لف نظره تلقائياً نحو غرفة وردة المغلقة والتي تنام هي بها .
نظر الضابط نحو محمد ولم يرد عليه بل نادى على أحدهم يقول :
– فتش الأوضة دي .
قالها يشير على غرفة صالح فأسرع صالح يقف عند بابها ويردف بثبات وقوة :
– استنى يا باشا مرتي چوة .
توقف الشرطي بجزءٍ من المرعاه بعدما كان يود أزاحته بينما التفت صالح يطرق الباب ويقرب وجهه منه وقد تيقن أن ما يبحثون عنه سيجدونه لذا قال بنبرة هادئة حزينة :
– وردة ، ألبسي حاچة واخرچي برا دلوك .
عدة ثواني وفتح الباب وخرجت وردة ترتدي ملابس فضفاضة فاقتحم الشرطي الغرفة وبدأ يفتش عن ما تم إبلاغهم به .
بعثر المكان والأغراض وألقى بكل ما تطاله يده أرضاً حتى توقف أمام تلك الخزانة الموصدة ولم يستطع فتحها فتحرك نحو قائده يتحدث :
– مافيش حاچة ياباشا بس فيه ضلفة مقفولة چوة .
تحرك الضابط للداخل بتأهب وصالح يتبعه بصدرٍ ضيق ثم طالعه يردف بخبث كأنه وجد مقصده قائلاً :
– افتح الضلفة دي .
تنفس صالح بقوة ودعا ربه سراً ولكن ليس بيده حيلة يدرك جيداً ما سيحدث ويعلم من المتسبب ولكن لا سبيل أمامه الآن .
وليحدث ما يحدث لذا دس يده في جيبه ليخرج المفتاح فلم يجده .
ضيق عيناه متعجباً وهو يتذكر فلحقته وردة تردف بهدوء :
– المفتاح في البنطلون اللي إنت غيرته إمبارح يا صالح .
أومأ لها لقد نسي أمره ثم تحرك نحو وعاء الملابس في الداخل ينتشل من بينهم بنطاله ويبحث في جيبه عن المفتاح الذي وجده وتعجب من ذلك فهو لا ينساه ولكن ليس الآن وقت التعجب لذا عاد إلى غرفته بقلبٍ متألم ومد يده يفتح الخزنة أمام أعينهم .
نظر الضابط لداخلها ، لم يكن بها سوى عدة أوراق ملكية خاصة بالأرض والحظيرة وبعض الأوراق القانونية الأخرى .
تعجب الضابط والتفت يطالع صالح الذي يقف متعجباً أيضاً وقال :
– هو ده اللي في الخزنة ؟
تحمحم صالح وتغلب على صدمته لذا تحدث بثبات بعد أن اطمئن قلبه قليلاً قائلاً :
– دي أوراق الأرض يا باشا وشوية أوراق تانية بحتاچها في المصالح الحكومية .
نظر الضابط بغيظ لرجليه وتحدث :
– دوروا كويس قوي ، ودوروا في الزريبة .
بدأوا يبحثون في الأماكن المتبقية وصالح يتبعهم من مكانٍ لمكان وعندما انتهوا من المنزل تحركوا للخارج نحو الحظيرة يبحثون فيها فلم يجدوا شيئاً لذا غادروا خالين الوفاض .
ربما حيازة سلاح لدى أصحاب الأراضي أمراً طبيعياً في تلك المنطقة وغيرها خاصةً وأنه يستخدم فقط للدفاع عن النفس ولكن على ما يبدو أن الكعك في أيدي الأيتام عنصرية وحقد وكيد لذا فقد جعل الله كيدهم في نحرهم وأنجاه .
عاد صالح إلى منزله ودلف يغلق الباب وعيناه منكبة على تلك التي تجلس بجوار والده على الأريكة بعدما لملمت بعض الأغراض ، هي الأخرى تطالعه بصمت ، نظرتها تعبر عن الكثير .
تقدم منها وتساءل بترقب :
– البندقية فين يا وردة ؟
نظرت إلى محمد الذي ابتسم لها بود وهو على يقين أنها الفاعلة ثم عادت تنظر له وقد أرادت استفزازه لذا اخفضت نظرها وهزت منكبيها تردف بخبث :
– وأني إش عرفني ، مش إنت حاططها چوة وقافل عليها؟ .
ابتسم محمد بهدوء فنظر له صالح بشك لذا تحدث بنفاذ صبر :
– قالتلك إيه يابا ؟ ، وعرفت كيف إن دول چايين ؟
تحدث محمد بهدوء وهو يهز منكبيه :
– معرفش يا ولدي ، قوليله يا بتي عرفتي كيف !.
تحمحمت ونهشها التوتر قليلاً لذا قالت بعيون زائغة :
– مش مهم عرفت كيف يا صالح ، بس المهم دلوك إن البندقية دي مبقاش ينفع تبقى في دولابك ، لازمن تتحط في مكان تاني .
استغفر ربه ومسح على وجهه وعاد يسأل من بين أسنانه بنفاذ صبر :
– متاخدنيش في دوكة يا بت الناس وقولي عرفتي منين إنهم جايين يدوروا على السلاح ، وخبيتيها فين ؟؟
صمتت مقيدة لوعدها إلى نهال التي بدأت تهاتفها بعد ذاك البلاغ الذي قدمه صالح لعلمها أن عائلتها لن تصمت عن ذلك .
قبل عدة ساعات
قد أخبرتها نهال عبر الهاتف أنهم اتفقوا على تقديم بلاغ يفيد بأن صالح بحوزته سلاح لينتقموا منه بعد أن أقنعهم رامي بذلك خاصةً ووجهه أصبح ممتلئاً بالكدماتِ بفعل لكمات صالح له .
لذا فهي عملت على إخفاء تلك البندقية ودون ملاحظة صالح فأسرعت إلى الخارج واستغلت الوقت الذي يستحم فيه وتسحبت إلى ملابسه المعلقة تنتشل من جيب بنطاله مفتاح تلك الخزنة ، تحركت عائدة واتجهت تفتحها دون ملاحظة محمد الذي كان يصلي في غرفته .
أخرجت البندقية سريعاً وعادت تغلق الخزنة ثم التقطت إحدى الأقمشة ولفتها بها ثم أخفتها أسفل الفراش واعتدلت تتنفس بعمق وراحة ، نظرت مجدداً نحو دولاب الملابس الخاص بصالح ، تحركت نحوه وفتحته والتقطت منه قميصاً لونه أزرق ثم قربته من أنفها تستنشقه بقوة ، ملابسه وأغراضه جميعها عطرة ومميزة ، رائحته كلما تحرك تتوغل إلى أنفها حتى أنها باتت تعشقها ، لقد تعرفت أمس على مملكة عطره ورأت مصنع عطوره الصغير وهي تنظف البيت ، مما زاد وتضخم إعجابها به وبشخصيته .
سحبت ملابس نظيفة له ثم تحركت عائدة إلى الخارج ومنه إلى الردهة الفاصلة بين الحمام والمطبخ لتضع المفتاح مكانه وتعلق الملابس النظيفة بالقرب من متناول يده ، تنفست بقوة ثم طرقت باب الحمام قائلة بهدوء يتوغلها :
– صالح ! ، چبتلك غيار چديد وفوطة نظيفة .
كان في الداخل متعجباً ، برغم نبضاته التي تعنفه وتذكره بعشقه لها إلا أنه أجاب مختصراً :
– تمام .
اغتاظت من جفائه وتحركت نحو المطبخ لتجهز وجبة العشاء ، أما هو فكان يسيطر على تفكيره شقيقها وما فعله به اليوم ولكن الآن وبعد ندائها تبدلت خيوط عقله لتنسج هيأتها وعيونها وحركاتها أمامه ، يعشقها ولم يعشق سواها ومع كل حرفٍ تنطقه يود لو كانا في عالمٍ آخرٍ خالٍ من الهموم ، لكان مع كل حرفٍ نطقته قبلها ومع كل حركةٍ لها ضمها بقوة ، كانا سيعيشان أجمل أيامهما ولكن هل حقاً تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ؟
لقد تمنى لو أنها فقط تنظر له ، تنطق إسمه والآن هي ملكه وحلاله ولا يستطيع لمسها ولا التنعم معها ولا حتى وضع رأسه عند قدميها ؟
تنهيدةً حارة معذبة خرجت من فمه أسفل المياة المنسكبة عليه ثم أغلق الصنبور وتحرك يفتح الباب قليلاً ثم مد يده يلتقط المنشفة التي أحضرتها ليجفف جسده ثم ارتدى ملابسه وخرج يجفف خصلاته وينظر نحو المطبخ حيث كانت تقف تعد الطعام وتواليه ظهرها ، تعلم أنه خلفها وتتمنى ما يفعله الآن ، تتمنى أن يتأملها وها هو يفعل ، تظل هي أنثى تشتهي الحب بعد كل تلك القسوة التي عاشتها ، تظل تحلم بالحنانِ والاحتواء برغم قناع القوة الذي ترتديه ، ليتهما التقيا في عالمٍ آخر .
حركها فضولها لتلتفت متأملة أن تراه وهذا ما حدث ، التقت عيونهما في لقاءٍ صامتٍ ولكنه استطاع هز قلبيهما وإحداث فوضى عارمة في مشاعر كليهما .
توترت نظرتها ونظرت حولها وتخلت عنها قوتها لتتلعثم وتقول بتوتر من نظراته :
– نـ نعيماً .
هيأتها قيدت لسانه ، تلك العباءة البيتية التي جلبها تكاد تلتهمها ، يبدو أنها صممت لها خصيصاً ، جميلة بتلك العيون السوداء كوردة تفتحت لتوها .
توردت وجنتاها خجلاً من طول تحديقه بها وعادت تردف متسائلة بتوتر :
– فيه حاچة يا صالح ؟ .
تحمحم وانتبه على ما يفعله لذا أردف وهو يبعد نظره عنها قائلاً بقلبٍ صارخٍ يطالب بقربها :
– لا ، سرحت شوية بس .
تحرك نحو الخارج وتركها في حالة مميزة ورائعة جديدة كلياً عليها .
بعد وقتٍ وبعد تناول العشاء سوياً اتجهت إلى غرفتها لتنام ، ولكن هناك ما ستفعله بعد نومه .
انتظرت إلى أن تأكدت من نومهما وفتحت نافذتها وألقت منها البندقية وأحضرت مقعدين خشبيين كانا في الغرفة ، أحدهما وضعته في الداخل والآخر خارجاً ثم صعدت على الأول وقفزت من النافذة إلى الخارج وهي تحمل في يدها مجرفةٍ صغيرةٍ .
تنفست بعمق وتوتر وهي تنظر حولها ، المكان ساكن ومظلم نوعاً ما ، فقط ضوء القمر وحولها الأرض الزراعية الخاصة بزوجها .
تحركت عدة خطوات حتى وصلت إلى مكانٍ ما عند شجرة ثم انحنت وبدأت تحفر سريعاً حتى استطاعت حفر فوهة مناسبة وضعت بها البندقية وردمت فوقها التربة مجدداً ثم اعتدلت تقف وتقفز بقدميها فوق الأرض لتساويها ثم عادت سريعاً من حيث أتت وأعادت أغراضها وأغلقت نافذتها وتمددت على الفراش لتنام بتنهيدة قوية وهي تدعو الله أن تمر الأمور بسلام .
꧁꧁꧁꧂꧂꧂
عاد يكرر سؤاله عليها بنبرة أكثر حدة عندما طال صمتها وهي تتذكر ما حدث قائلاً بشك :
– إنتِ ليكِ كلام مع حد في القصر ؟
نظرت له بصدمة ، كيف علم ذلك ؟ ، ونظرتها أكدت له ظنه لذا تحدث بضيق من صمتها :
– أخوكي هو اللي بلغ عني ، علشان ضربته الصبح ، يعني بعد كل اللي حُصل ده بقى ليا حق عليكِ إنك تقوليلي عرفتي كيف وعملتي إيه ؟ ، وإلا إكدة يا بنت الناس إنتِ بتزيدي الفجوة بينا وأني صبري قرب ينفذ .
شخصيته تحمل الكثير من الأمور وها هي تستكشف الجزء الصارم منه ، عيونه ثابتة استطاع إخفاء مشاعره ببراعة ليظهر جانبه الجاد والحاد .
تنفست بقوة ثم نظرت إلى محمد وعادت تنظر إليه قائلة باستسلام :
– ايوة يا صالح اتكلمت مع نهال ، نهال صاحبتي قوي وبتحبني قوي قوي ، وهي قالتلي إنهم هيبلغوا عن السلاح اللي عندك بعد ما الكلب اللي ماشي مع أخوي قاله عليه ، بس هي حلفتني ما أقول لإنها بتترعب منهم وخصوصاً من رامي ، علشان إكدة أخدت المفتاح من وراك وانت بتستحمى وطلعت البندقية ودفنتها برا تحت الشجرة اللي قدام شباكي .
استمع لها هو ووالده الذي تحدث قبله وهو يربت على كتفها بإعجاب وسكينة :
– عفارم عليكِ يا بتي ، نظرتي ليكِ في محلها صُح ، من أول ما شفتك وأني قولت إنك نصيب إبني الحلو عن كل اللي شافه .
نظرت له وتحدث بود ونبرة يغلفها الندم :
– لا يا عمي أني بكفر عن ذنبي ، صالح شاف بسببي كتير .
وقفت بعدها تتحرك نحو صالح حتى وقفت أمامه ونظرت له بعمق قائلة برجاء :
– أهلي قاسيين قوي يا صالح ، واللي بيدوس لهم على طرف بيدوسو عليه بكل قوتهم ، خلينا نبعد عنهم واصل وكفاية قوي لحد إكدة ، ابعد عن رامي يا صالح أني خايفة عليك .
تعمق في عينيها ولمح الصدق فيهما ، نبرتها ووقوفها أمامه وعلى مقربةٍ منه جعل صرامته تلين لها ، ولكن في حديثها بعض الغموض والأسرار التي تحتفظ بها ، إلى الآن لا يستوعب كل تلك الأحداث ولكنه لن يستسلم ولن يخضع ولن يتهاون في حقوقه .
زفر وتحدث وهو يلتفت ليحافظ على ثباته :
– ادخلي نامي دلوك ، الفجر قرب يطلع .
ابتلعت ريقها وأومأت تتحرك نحو الغرفة بصمت واحباط ، باتت ترغب في رؤية حنانه وحبه .
نظر له محمد بعتاب فتابع حديثه كي ينهي جدال لا يريده قائلاً :
– الواضح إكدة إن عيلة السيوفي بيحاولوا يضيقوا عليا البيع والشرا ، الراجل اللي كان بيشتري المحصول مبيردش عليا ، واهم كانوا رايدين يوقعوني في قضية سلاح .
استغفر محمد ربه وتحدث متسائلاً بقلقٍ وخوفٍ عليه :
– طب والعمل يا صالح ؟ .
– هعمل زي زمان يا حج محمد ، هنزل السوق وأبيع أني محصولي بنفسي ، هدور على تاجر تاني يشتري القمح اللي في المخزن ، والفاكهة أديني بعرف أصرفها للتجار ، متقلقش .
أومأ محمد ونظر له بثقة وقال يخفي ما يشعر به حتى لا يؤثر عليه :
– مش قلقان يا ولدي ، أني متأكد إنك هتلاقي حل .
أومأ صالح ووقفت يفكر في أموره ويرتب الحلول وهو يطلب العون من ربه .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
صباحاً في قصر السيوفي
يجلسون جميعهم على مائدة الفطور ، حتى رامي بات يجلس معهم منذ أن اتفقوا .
جاءهم الخبر الذي أحقن وجوههم لذا تحدث عادل موبخاً أخاه :
– يعني ملقوش حاچة عنديه يا أخوي ! ، مش تبقى تتأكد من العرّة اللي انت ماشي وياه بدل ما نبلغ ويطلع بلاغ كاذب وندخل في حوارات بسبب واحد زي ده .
آخر ما يريده رامي هو سماع تلك الكلمات ، فمنذ أن جاءهم خبر عدم وجود أي سلاح في منزل صالح وهو يفكر في طريقة ينتقم بها لما فعله به ، لذا نظر نحو شقيقه وتحدث بغضب مرتسماً على ملامحه :
– بقولك إيه ، متتكلمش معايا واصل دلوك ، أني روحي في مناخيري ومش ناقص .
تحدث جابر ليمتص غضب ابنه الذي بصعوبة استطاع ترويضه قائلاً :
– ملوش لزوم الحديت ده يا عادل ، أخوك چه وبلغنا وكلنا اتقفنا على البلاغ ، يبقى كلنا في نفس المركب ، وانت يا رامي حقك هيرجع بس مش بطريقتك دي واصل ، اهدى وفكر زين وأني هرجعلك حقك والضربة اللي ضربهالك هياخد مكانها عشرة ، بس دلوك اصبر واتفرج على أبوك .
مسح وجهه بعنف وتحدث بنبرة مغلولة سوداء :
– اصبر كيف يا أبوي ، بقولك خدني على خوانة ولازماً يدفع التمن النهاردة قبل بكرة ، ولا انت عايز الناس تقول ابن چابر انضرب من حتة عيل مالوش عازة ولا له قيمة .
تحدث جابر بقوة وجمود :
– اللي هينطقها هنقطع لسانه ، محدش في البلد كلاتها يقدر يجيب سيرتك ، إنت ولد السيوفي ، وكيف ما قولتلك ، اصبر وهو بنفسه اللي هيزن على خراب عشه ، وهيغور من البلد كلاتها قريب أوي .
كانت دعاء تتابع ما يحدث بتعجب من قسوة تلك العائلة التي وقعت بينهم بفضل والدها .
بينما تتابع شريفة ما يحدث بصمت بعد عودة جبروت جابر مجدداً .
لتشعر بالعجز والهوان لذا بحثت في جبعتها عن أي حديث فلم تجد سوى دعاء التي تجلس أمامها لذا قالت تطالعها :
– معتكليش ليه يا دعاء ؟ ، نفسك مقفولة ولا إيه ؟ ، لتكوني حامل ؟
نظرت لها بصدمة وتعجب من نطقها بهذا الحديث فجأةً هكذا وبدون مقدمات والتفت الجميع يطالعها وهي تجيب :
– لا يا مرت عمي باكل أهو ، وبعدين حامل كيف دا أني لسة مكملتش شهر .
تحدث عادل بطريقة مهينة وبنبرة جريئة فظة قائلاً :
– كفاية قوي ، كتير أصلاً شهر ، شهر كمان وهتچوز التانية لو مافيش حمل .
انسحبت الدماء من وجهها ونظرت له بصدمة فتابع وهو يضحك بلا مبالاة ساخراً من هيأتها :
– مالك اتخلعتي إكدة ليه ، بهزر معاكِ يا قلبي ، هستنى شهر تالت متقلقيش .
ضحك عالياً وضحكت شريفة بينما تأفأف رامي وجابر ، أما هي فأدركت الآن أنه لا يمزح برغم ضحكاته ، هو على استعداد لفعلها إن لم تنجب في أقرب وقت .
فهذه العائلة لا تملك عزيزاً قط وهذا ما استشفته هنا
꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
في مساء اليوم عاد صالح إلى منزله بأثقالٍ من الهموم تعتليه وتقبض على صدره وتتزاحم في عقله بعدما رفض كل التجار التعامل معه .
حتى من كان يورد لهم الفاكهة والخضروات أخبروه بكل أسف أنهم مجبورين على عدم التعامل معه مجدداً .
طوال طريقه يفكر في حل ، أحرقوا نصف محصوله والنصف الآخر سيفسد بسببهم ، كلما حاول التقاط أنفاسه وتقبل زوجته في حياته أتت أفعالهم لتذكره باتهامها له ، اتهاماً قلب حياته رأساً على عقب ، منذ تلك اللحظة ولم ينعم بالراحة ، رأى مالم يره طيلة حياته وهدموا ما شيده دوماً ألا وهي سمعته الطيبة .
لم يرغب بالذهاب إلى منزله ، مؤكد سيراها وهذا مالا يريده الآن لذا تحرك نحو الشجرة التي كان يجلس أسفلها دوماً .
جلس واستند عليها ورفع رأسه عالياً ، ينظر إلى النجوم نظرةً مختلفةً تماماً عن كل مرة ، الآن تمنى لو يعود به الزمن لعدة أيامٍ فقط .
تنهد بقوة ومسح على وجهه بتعب ثم ظل شارداً يبحث مع عقله عن حلٍ ولم يعِ على تلك التي أتت إليه تجلس تجاوره وتساءلت بهمس :
– مالك يا صالح ؟ .
انتبه لها فتنهد وفلف وجهه للجهة الأخرى ، صوتها دوماً يأخذهُ عنوةً من نيران يأسه إلى نيران عشقها ، وكلاهما يحرقانه ولم ينعم بجنته بعد .
تنهدت ثم تحدثت بترقب :
– عملولك إيه تاني ! ، احكيلي .
التف لها ينظر لعينيها لثوانٍ ثم زفر وتحدث بنبرة عتاب جادة وهو يصارحها :
– منعوا التچار يتعاملوا معايا وإلا هيقطعوا رزقهم ، فكرهم إكدة هيكسروني ، بس معاهم حق ، أني لو فيه حد عمل مع بتي إكدة واستغلها وضحك عليها مش بعيد اقتله .
حزنت لحالته وابعدت عينيها بندم ثم عادت تطالعه وتحدثت لتوضح له القليل من حقيقتهم قائلة بنبرة حزينة :
– بس لو بنتك اتچوزته يبقى يتحرم عليك قتله ، إنت متعرفش حاجة يا صالح .
– عرفيني .
قالها بجدية مطلقة وبترقب فتنهد بحيرة ثم راوغت ، ليس وقت حمل المزيد من الهموم والغضب ، لذا تحدثت قائلة :
– مش وقته ، دلوك لازمن نلاقي حل للمحصول اللي هيفسد ده ، إيه رأيك لو تنزل إنت السوق وتبيعه بنفسك ؟.
كان هذا تماماً ما يفكر فيه ، حتى أنه سيطلب مساعدة صديقه محمود وسيارته لنقل المحصول ومن ثم سيحاول بيعه بنفسه للناسِ بدلاً من التجار .
فإن استطاعوا إجبار التجار لن يستطيعوا إرغام أو حجب الناس على الشراء ، ولهذا أومأ يردف :
– هعمل إكدة ، الصبح هتوكل على الله .
تنهدت براحة ودعت سراً أن يمر الأمر بسلام دون افتعال مشاكل له من طرف عائلتها وإلا حقاً يجب عليها أن تعاقبهم ولكن كيف ؟؟؟
أخرجهما من شرودهما نداء محمد على وردة فوقفت تلبي نداؤه وقبل أن تتحرك عائدة للداخل قالت :
– يالا قوم علشان تتعشى .
حنيناً جديداً وقوياً تمتلكه تجاهه ، حنيناً يجعلها بحاجته ويجعلها أكثر أنوثةً معه .
حنيناً يعيده إلى والدته التي يشتاق لها ، حنيناً يرغمه على حب التعامل معها برغم كل ما وقع عليه بسببها ، حنيناً يجعله متسامحاً عاشقاً لها .
أومأ لها فتحركت عائدة وتتبعها بعينيه إلى أن دخلت وجلس يعاود التفكير والتدبير في أموره ثم رفع رأسه عالياً يوكل الأمور لصاحبها ووقف بعدها يخطو هو الآخر إلى الداخل .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
صباحاً في سوق البلدة
صخب أصوات الباعة والمشترون وزحام هنا وهناك .
الكل يعلي على بضاعته والأوضاع طبيعية ككل يوم .
ولكن فجأة دلفت سيارة صغيرة (ربع نقل) إلى السوق وتوقفت جانباً وترجل منها صالح ومحمود أمام أعين الجميع ليبدءا سريعاً في عرض بضاعتهما وبيعيها وسط الزحام .
البعض سعد والبعض ارتاحت ضمائرهم بعدما أجبرتهم عائلة السيوفي واستعملت ضغوطها المعنية معهما.
وقليلاً من البائعين كان الحقد يتآكلهم منه لذا بمجرد أن وصل صالح إلى السوق وصل هذا الخبر إلى رامي السيوفي الذي كان يجلس في وكالة عائلته .
وقتاً قليلاً وتهافتت الناس على سيارة محمود وبضاعة صالح الصالحة ، خاصةً وأن أسعاره مميزة .
توغلت الراحة إلى قلب هذا الصالح وكذلك محمود الذي يجاوره ويصرخ بحماس وينادي على المشترين .
ولكن فجأة بعد وقتٍ قليلٍ انتشر في المكان رجال تابعين لعائلة السيوفي وبدأوا يمنعون المشترين ويسحبونهم عنوةً من جوار سيارة محمود .
وهنا بدأ الخوف والقلق يتسرب إلى الناس من هيئة هؤلاء لذا ابتعد جزءاً كبيراً منهم .
نظر محمود نحو صالح الذي أدرك فعلتهم ولكنه أشار لمحمود بعدم التدخل وإكمال ما يفعلانه .
لم يتبقَ سوى القليل على سيارة محمود وخاصة أنهن من النساء أما الرجال فتم إجبارهم على الإبتعاد .
جاء رامي ووقف خلف رجاله ينظر نحو صالح بضيق مرتسماً على وجهه نظرات الحقد والتشفي والتوعد ، بينما صالح لم يعره اهتمام لذا أشار رامي لأحدٍ من رجاله وحين جاء إليه همسه قائلاً :
– بعد النسوان دي من على العربية .
أومأ الرجل وتحرك يزيح السيدات ولكن صرخت إحداهن بغضب وهي تنفض يدها منه قائلة :
– بعد يدك عني .
آخر ما كان يرغب به صالح هو الاشتباك مع هؤلاء ولكن عند تلك النقطة ولم يحتمل المساس بإحداهن لذا قفز من فوق صندوق السيارة أرضاً وتحدث محذراً وهو يقف أمامه :
– اتعامل مع رچالة وملكش صالح بالحريم واصل .
أومأ له الآخر وابتسم لنجاح استفزازه ورفع يده ليلكمه ولكن صدها صالح ولكمه بدلاً عنه لينحني الرجل متفاجئاً به ولكن فجأة تجمع حول صالح عدة رجال وفي لحظة غدرٍ من أحدهم ضربه على رأسه بعصا خشبية صلبة تحت أنظار الجميع فتعالت الصرخات من النساء وجاهد صالح ألا يظهر تأثره بتلك الضربة ولكنها نزلت عليه قاسية آلمته بقوة .
وضع كفه تلقائياً على رأسه فتحسس دماءه ولكنه تجاهلها والتفت سريعاً يقبض بيده على العصا التي كادت تسقط فوق رأسه مجدداً بينما نزل محمود يصد الآخر فأصبح الاثنان ظهرهما متقابلان يجابهان هذان الضخمان .
ولكن عائلة السيوفي تمتلك الكثير من هؤلاء لذا جاء غيرهم وبدأوا يلقون عبوات البضاعة أرضاً ويسحقوها بأقدامهم تحت أنظار صالح المعذبة الذي يحاول التصدي لهذا الضخم حتى خارت قواه وسقط على عقبيه بانهيار .
سقط وسط دمائه التى سالت من رأسه على وجهه ، سقط وسط محصوله المدهوس ولم يعد يحتمل أكثر ، سقط مستسلماً ليأسه وتحت أنظار رامي المتشفية .

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية اضغط على : (رواية عشق بين هشيم مشتعل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى