روايات

رواية زحليقة إلى زحل الفصل الرابع 4 بقلم آية محمد رفعت

رواية زحليقة إلى زحل الفصل الرابع 4 بقلم آية محمد رفعت

رواية زحليقة إلى زحل الجزء الرابع

رواية زحليقة إلى زحل البارت الرابع

رواية زحليقة إلى زحل الحلقة الرابعة

الفصل الرابع..
(حلم أميركا!…)
دبت قدميها بمدينة الأحلام،التي قضت أعوام طفولتها ترعى حلمها الثمين بزيارة أكثر الدول إثارة إليها، وضعت ألف حُلم وترقبت تحقيقه كل عامٍ، وحينما كانت تفشل تنتظر العام الذي يليه على أمل حدوث معجزة لا تشبه حياتها المختصرة بشيءٍ، لذا وضعته شرطًا لمن يريد الزواج بها، عساها تحطم استحالة تحققه، والآن يتحقق أمام عينيها، بعدما توقفت الطائرة بالمطار الدولي اتجهت مسك بصحبة مؤمن ويونس للحافلة الضخمة التي تحمل شعار الشركة المسؤولة عن الرحلة السياحية، تحركت الحافلة لساعاتٍ طويلة حتى وصلت لوجهتها “غابة اليونكوي الوطنية” ، والتي تبلغ مساحتها حوالى 117 كيلومترا مربعًا، وهي واحدة من أصغر الغابات المطيرة في الأراضي الأميركية، لكنها تفوق حجمها في التنوع البيولوجي، تعد غابة اليونكوي موطنًا لـ225 نوعًا من الأشجار المحلية – 23 منها لا توجد في أي مكان آخر في العالم – و164 نوعا من الفقاريات الموثقة، مثل الببغاء البورتوريكي المهدد بالانقراض، كانت تلك هي أول محطة لرحلتهم السياحية، قام مسؤول الرحلة من مقعده الامامي، واستدار تجاه الركاب ليخبرهم بعمليةٍ:
_سنخيم هنا الليلة وغدًا ستبدأ رحلتنا باستكشاف الغابة.
انصاع اليه السياح، وبدأوا بالهبوط تباعًا للأسفل، تركت مسك زوجها وأخيها يحملون الامتعة ثم ركضت للاسفل تطلع الغابة من حولها بانبهارٍ وحماس لخوض تلك الرحلة، هبط مؤمن أولًا، فالقى الحقائب أرضًا وهو يردد باستياءٍ:
_نقلة الدولاب كله بالشنطة!
لحقه يونس وهو يحمل حقيبة ظهره السوداء، فوقف يتأمل المكان من حوله بانبهارٍ، لم تكن فكرة جده سيئة بالمرةٍ، عساه بحاجة لجوٍ مماثل يبدد ملل حياته الروتينية، اتجه خلف الفوج الكامل، فقاموا بنصب الخيم جوار بعضهم البعض، كاد مؤمن بنصب خيمته، فأوقفه يونس وهو يشير اليه بتقزز:
_بتعمل أيه مينفعش نقعد هنا.
رفع رأسه اليه وهو يتساءل بدهشة:
_ليه؟
اشار يونس على الفاحشة التي تحيط بهم من جميع الاتجاهات، فأغلب من يشاركهم الرحلة شباب متحررين من أنحاء العالم، الفتيات ترتدي ملابس تكاد لا تستر العورة، متحررات بدرجة جعلته يشعر بأنه على وشك أن يتقيأ محله، والأبشع من ذلك العلاقات المنفرة التي يمارسونها علنًا دون خشية منهم أو حرجًا، الزنا والفحشاء تجمع جلستهم، حتى نسائهم كانوا يتشاركونهم فيما بينهم، حمل يونس أدوات التخيم والحقائب وأشار لمسك ومؤمن بغضبٍ:
_مستحيل نفضل هنا.. هنبعد شوية ونعمل الخيم هناك.
لم يناقشه مؤمن بقراره لشعوره بنفورٍ يفوقه، وخوفًا على زوجته مما يحدث هنا، فحمل ما تبقى من الأغراض ولحق بهما، ابتعدوا مسافة كبيرة عن الفوج، وبدأ يونس ومؤمن بتأسيس الخيام، فصنع مؤمن خيمة له ولزوجته وابتعد يونس عنهم بمسافة قليلة وصنع لنفسه خيمة مماثلة، تأويهم من الثليج المتنشر بالغابة في ساعات الليل المتأخر.
******
هربت الشمس مسرعة من عتمة الليل الكحيل التي أصابت السماء فجعلتها تغدف عن صفائها، فاجتمع الفوج بأكمله خارج الخِيَم يتشاركون حفل ملعون بالمحرمات والنبذ، لذا كان من المنطقي اشمئزاز يونس ومؤمن من أفعالهم، لذا فضلوا البقاء بعيدًا عن مجلسهم، لا يجتمعون بهم الا وقت التحرك من مكان لأخر، وما أن تأخر الوقت حتى ولج كلا منهما خيمته، تأكد مؤمن من انغلاق الخيمة جيدًا عليهما، ففرك يديه ببعضهما وهو يسرع تجاه الفراش الصغير حيث توجد زوجته التي تراقبه بنصف عين، جلس جوارها وهو يناديها بمكرٍ:
_أظن مفيش أحلى كده أجواء تحني فيها على الغلبان المسكين اللي استحملك طول الشهر اللي فات لحد ما جينا أميركا زي ما أنتي عايزة!
ابتلعت ريقها بارتباكٍ من طريقته الغير مبشرة بالمرة، فرفعت الغطاء تخفي به جسدها وهي تردد بغضبٍ:
_عايز أيه يا مؤمن، اطلع نام في خيمة يونس بادبك والا هصوت وألم عليك الاجانب.
رفع أحد حاجبيه بسخطٍ:
_الاجانب مقضينها برة وأنتي هتلميهم علينا وأنتي مراتي والله ما يحصل أنا قتيل!
تدحرجت لليسار وهي تشير اليه بعدم الاقتراب، فقال بضيقٍ:
_أعملك أيه تاااااني يا بت ما جبتك أمريكا أهو… نطلع أفغانستان عشان تحني يا عديمة المشاعر!
واسترسل بغضب وهو يشير لحجابها:
_ده أنتي حتى لحد الآن بتنامي بالطرحة قدامي شبه اللي عليكي تار وخايفة حد يعرفك
جذبت طرف حجابها جانبًا وهي توبخه بعناد:
_اتلم في ليلتك دي يا مؤمن وخليها تعدي بدل ما ادفنك هنا تحت الرمل!
ابتسامة واسعة تشكلت على وجهه وهو يغمز لها بنظرةٍ ظنها عاطفية:
_يا بت حني وسبيلي قلبك هاخده لعالم تاني.
كادت بدفعه ولكنه حاصرها بنظراته، شعرت مسك بمشاعرٍ غريبة تتحرك تجاهه، وخاصة حينما أحاط خديها بيده بحنانٍ، تمكن من ترويض شراستها التي كادت بالولوج لمعركةٍ مصرية بينهما، سمحت له بالاقتراب قليلًا، فشعرت بدفءٍ غريب يحاط بها، وكأنها تحلق في سماء فريدة من نوعها، وفجأة أصاب مؤمن دوار حاد، فارتد برأسه للخلف وهو يحاول التحكم بانفعالات وجهه، فازداد به ما يشعره بأنه على وشك القيء، فردد ساخرًا:
_أنا كنت عارف ان الجوازة دي سودة، انتي عملالي عمل صح، انا حاسس ان الدنيا بتلف بيا وهموت بذبحة صدرية وقتي!
جحظت عين مسك برهبةٍ، فتعلقت به وهي تشير اليه بفزعٍ:
_لا يا مؤمن انت مش بتودع اطمن… أنا كمان حاسة باللي انت حاسس بيه!!
احتدت الارض من أسفل قدميهما، فاهتزت من أسفلهما بقوة جعلته يتشبث بها وهو يصيح بصراخ:
_قدمك فقر حتى لما حاولت أقربلك بامريكا زلزل ضربها هي وسكانها!!
دفعته بعيدًا عنها وهي تردد بشراسة:
_وانت يعني اللي قدمك كاجو وسوداني، خلي الطابق مستور يابن منصور فتح الله.
تماسك جيدًا حتى لا يرتد للخلف، واجابها بتريث:
_ده وقته خناق، يلا نجري بسرعة قبل ما نموت هنا لا نلحق داخلة ولا خارجة.
وما أن اخفض قدميه عن فراشه حتى تصلب جسده حينما احاطته هالة عظيمة من الرمال المضيئة، رفع ذراعيه يتفحصهما بدهشة استحوذت عليه وهو يوزع نظراته على جسده بأكمله، فرسم بسمة باهتة لمن تتأمله بصدمة :
_ده عمل بأيه بس عشان ما أتفاجئش بعد كده.. ابقي مستعد؟
هزت رأسها يمينًا ويسارًا ببطءٍ، وبذلت مجهود مضاعف ليتحرك لسانها الناطق بهمس خافت:
_ماليش بالاعمال… مش أنا اللي عملالك!!
هز رأسه ببسمة يخفي خلفها رعب وعويل لا يتناسب مع رجولته:
_فعلًا.
أكدت له بإشارة صريحة من رأسها، ففغر فاهه حينما صدح صوتًا قوي من أسفل قدميه، وفجأة انزلقت قدميه بشيءٍ غامضًا سحبه للاسفل قليلًا، ارتعبت مسك مما يحدث أمام عينيها، تمسكت به في محاولة فاشلة لانقاذه، فأختل توازنها وسقطت من خلفه لتنتقل الهالة اليها أيضًا، فصرخت بجنون:
_يـونـــــــس!
******
يغفو بخيمته القريبة للغاية من خيمة أخته وزوجها الأبله، لا يعلم ماذا يضع على رأسه أكثر من حقيبته الثقيلة، ليمنع وصول صوتهما المزعج إليه، مازال البائس يبذل أقصى ما يمتلك ليجعلها تقبل به كزوج، حتى تناسى مشاركته له بنفس بقعة التخيم، تأفف يونس مما يحدث، وما يضيق به ارغمه بالسفر معهما وكأنهما أطفال لا تحرص التعامل مع الأخرون، ربما ظنها عزلة لائقة به ليبعد عن ازدحام الناس من حوله وليكن وحيدًا مثلما يرغب البقاء بمفرده على الدوام، ولكن أي راحة ستجد سبيلها اليه في وجود المزعج والمجنونة، حاول جاهدًا اغلاق عينيه للاستسلام لنومٍ قد يكون نجدته مما يستمع اليه منذ بداية الرحلة المشتركة بينهما، فازداد الصراخ القادم من خيمة شقيقته ومازال يتغاضى عن سماعه لأي شيء، حتى وصل اليه صراخها باسمه، انتفض يونس من مرقده، فجذب قميصه يرتديه على عجلة، ثم ركض اليهما، فوقف خارج الخيمة بترددٍ، فتملكه الحرج من فكرة اقتحام مخضعهما الخاص، كاد بالعودة ولكنه توقف حينما ناداه مؤمن هو الاخر، فاقترب من مدخل الخيمة وهو يجيبهما:
_في أيـه؟
اتاه صوت مؤمن الذي بدى بعيدًا للغاية رغم قرب يونس من الخيمة:
_الحقنـا!
عند نطقه لتلك الكلمة، اقتحم يونس الخيمة فصعق مما رأه، الرمال من أسفل قدميه منيرة بلون بنفسجي وكأنها تحمل اسطورة لا تصدق الا بالأعين، شمل الغرفة بنظرو متفحصة باحثًا عن شقيقته وزوجها، لمح يونس يد مؤمن تغوص بالرمال وهو يحاول الصعود للاعلى، فهرع اليه في محاولة بائسة بالتمسك به، فاحاطته على الفور نفس الهالة المضيئة ثم اندفع جسده بالرمال لينزلق الى مكان يشبه المزلقة، ظل بها مطولًا وعقله لا يستوعب الى أين تتجه تلك المزلقة المدفونة بالأرض، شيء جنوني لا يستعبه العقل وخاصة حينما قذفته بعيدًا عن رحمها ليصفو جوار مؤمن ومسك بأخر مكان قد يستوعبه العقل البشري!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية زحليقة إلى زحل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى