روايات

رواية رمضان كريم الفصل الرابع 4 بقلم شمس محمد

رواية رمضان كريم الفصل الرابع 4 بقلم شمس محمد

رواية رمضان كريم الجزء الرابع

رواية رمضان كريم البارت الرابع

رمضان كريم
رمضان كريم

رواية رمضان كريم الحلقة الرابعة

“رمضان كريم”
“تعافيت بك_ الجمعة الرابعة”.
_____________________
*قال رسول الله ﷺ : مَن صَامَ رَمَضَانَ، إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ*
*قال الإمام إبن حجر رحمه الله: المراد بالإيمان: هو الاعتقاد بحق فرضية صومه، والمراد بالاحتساب: طلب الثواب من الله تعالى*
“قال العلامة بن عثيمين رحمه الله قوله إيماناً واحتساباً أي إيماناً بالله عز وجل، وتصديقاً بخبره، ومعنى واحتساباً أي تحسباً للأجر والثواب المرتب على صوم رمضان”
__________________________________
أيام معدودات نطلب فيها من الخالق أن يعفو ويغفر لنا ويجعلنا من العُتقاء، فاللهم إن كُنا مُقصرين فيما سبق أجعلنا من أوائل الطائعين فيما هو قادم…
يوم الجمع الأول في الجمعة الثانية من شهر رمضان المُعظم، هنا حيث تقابل العائلات والتجمع المُحبب للقلب، وقد وصل “وليد” إلى شقة “خديجة” بعد صلاة الظُهر مباشرةً وقد وقف يطرق الباب حتى وجد “نَـغم” تفتحه له وهي تبتسم بسعادةٍ وما إن رآته فتحت ذراعيها له وهي تقول بنبرةٍ ضاحكة:
_خالو، وحشتني أوي.
مال عليها يضمها بين ذراعيهِ وارتفع بها من جديد وهي تقبع فين عناقه وقد هتفت بنبرةٍ ضاحكة:
_إحنا جايين النهاردة عندكم، جيت هنا إزاي؟.
مسح على خصلاتها وهتف بنبرةٍ هادئة:
_جيت أخدكم معايا، دخليني أنتِ بس.
تركها وركضت أمامه فيما دلف هو وأغلق الباب خلفه وحينها وجد “جاسمين” تصرخ مُهللةً باسمه وهي تقترب منه فحملها هو بين ذراعيهِ هي الأخرى فوجدها تُلثم وجنته وحينها ضحك هو الآخر وسألها بنبرةٍ هادئة حينما لاحظ غياب أخته:
_هي ماما فين؟.
ابتسمت بحماسٍ وهي تجاوبه:
_ماما جوة بتعصب اللحمة.
ألقت الجملة عليه بكل تلقائيةٍ دون أن تنتبه لما تتفوه به بينما هو لوى فمه بتهكمٍ ثم أنزلها أرضًا والتفت حتى يدخل فأوقفته “جاسمين” بقولها:
_أنتَ رايح فين؟.
التفت برأسه يجاوبها بتهكمٍ مشيرًا بذلك إلى جملتها:
_رايح ألحقها قبل ما تضايق المكرونة، أكل الناس مش لعبة، روحي جتك وكسة في لسانك عوجتي لسان أبونا.
تجاوز محيطها ودلف للمطبخ حيث مكان وقوف “خديجة” التي سألته بتعجبٍ ما إن ظهر أمامها أخوها:
_بتعمل إيه هنا؟ ما إحنا شوية وهنيجي عندكم.
أقترب منها يلثم جبينها ثم هتف بنبرةٍ هادئة بعدما ابتسم لها يجاوب فصولها المقروء في عينيها حيث أتى إلى هنا دون علمها:
_جيت علشان المهلبية بتاعتك يعيني أتمرمطت في الموقع ولسه قدامه لحد المغرب علشان شغله يخلص، كلمني وقالي آجي أخدك علشان مش هتعرفي تيجي لوحدك أنتِ والسرب بتاعك، حتى يوم الجمعة مش راحمينه.
تنهدت هي بقلة حيلة وهتفت بوجهٍ مبتسمٍ تعبر عن قلة حيلتها:
_هنعمل إيه يعني؟ الحمدلله على كل حال، يعني كدا هنروح معاك؟ طب وهو هيفطر فين وليه مقالش ليا طيب؟.
حرك كتفيه تزامنًا مع قولهِ مفسرًا:
_ماهو يعيني برضه تليفونه فصل وكلمني قبل صلاة الجمعة قالي آجي آخدكم علشان هو هييجي على الفطار دا لو لحق يعني، الواد “يزن” فين صح؟.
ابتسمت وهي تجاوبه بنبرةٍ ضاحكة:
_راح يصلي الجمعة مع “يونس” والباقي وشوية و “يونس” هييجيبه هنا دا على أساس إننا هنمشي قبل المغرب بشوية، بس أكيد هنمشي دلوقتي فهكلم “يونس” يجيبه.
حرك رأسه موافقًا لها وهو يبتسم فيما أتت “جاسمين” من الخلف تسألها بحماسٍ بالغٍ ألتهب عند استماعها لحديث “وليد”:
_ماما إحنا هنمشي دلوقتي؟.
التفت لها “وليد” يهتف ساخرًا وهو يقلد طريقتها:
_لأ هي مش هتيجي معانا، عارفة ليه؟ علشان بتعصب اللحمة لما تبقى محترمة وتبطل تضايق أكل الناس هناخدها معانا، يلا بقى يا عسلية روحي ألبسي.
ركضت نحو غرفتها وهي تضحك فيما ضرب هو كفيه ببعضهما وقد ضحكت “خديجة” حينما فهمت مقصد الحديث الدائر بينهما، وقد تحرك “وليد” نحو شرفة الشقة بعدما استأذن شقيقته وأخرج هاتفه يطلب رقم “يونس” الذي جاوبه على الفور وهو يقول بأدبٍ كعادته:
_السلام عليكم، إزيك يا عمو “وليد”.
ابتسم الآخر وجاوبه مُبتسمًا حتى ظهر أثر التبسم على صوتهِ:
_وعليكم السلام، بخير يا حبيبي، استأذنك تجيب الأستاذ “يزن” علشان هنروح دلوقتي بيتنا، لو هتعبك آجي آخده أنا.
هتف الآخر بلهفةٍ يوقفه وكأنه يقف على أعتاب بيته:
_لأ لأ خليك، أنا هجيبه دقايق وهكون عندك.
ابتسم “وليد” وجلس على المقعد وبالفعل مرت دقائق قليلة تبعها وصول “يونس” برفقة “يزن” معه وحينها تحرك “وليد” يفتح الباب له فوجد ابن أخته يهلل برؤيته وهو يفتح ذراعيه وقد تلقفه “وليد” ولثم جبينه فيما ابتسم “يونس” وأنتظر حتى رحب “وليد” برؤيته وعانقه وقد فصل بينهما صوت “يزن” الذي هتف بسعادةٍ:
_بص يا “لـيدو” “يونس” جابلي إيه؟ فانوس.
أشار الصغير بقوله إلى الفانوس الصغير الذي يضمه بأحد كفيه فيما ابتسم “وليد” له ومسح على خصلاته فيما أتت “جاسمين” ومعها “نغم” وحينها قالت بضيقٍ:
_وأنا ؟؟ عاوزة فانوس.
ابتسم لها “يـونس” وأخرج من جيب سترته الشتوية اثنين آخرين ومد يده لها بأحدهما وأنتظرها تلتقطه منه ثم مد كفه الآخر لـ “نـغم” وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_خدي يا “نـغم” فانوسك.
حركت رأسها نحو “وليد” تستأذنه قبل أن تأخذه وحينها تذكر هو أمها حينما كانت تفعل الحركة ذاتها فأومأ موافقًا لها وقد التقطته هي من بين أنامل “يونس” وهتفت بوجهٍ مبتسمٍ تشكره بقولها:
_شكرًا يا “يونس” شكله حلو أوي.
ابتسم هو بصمتٍ ثم هتف بنبرةٍ هادئة يوجه حديثه لـ “وليد” يستأذن منه للرحيل قائلًا:
_طب أنا همشي بقى علشان هنروح عند تيتة نفطر هناك، مع السلامة يا عمو “وليد”.
رحل من المكان فورًا يتجه نحو بيته فيما ابتسم “وليد” حينما فهم مقصد مجيء “يونس” إلى هنا وهو أنه بالطبع يعطيها ما يَخصها، وقد خرجت “خديجة” بعدما تممت على كل شيء يخصها وسألت أخيها بقولها:
_هو إحنا هناخد “خلود” كمان معانا؟..
انتبه لها أومأ موافقًا ثم أضاف مُكملًا:
_آه علشان “عمار” هيقفل الصيدلية على الفطار وهييجي على البيت برضه، هي هتقعد بابنها قدام وأنتِ وعيالك في الكنبة ورا، بسرعة بس علشان نلحق نوصل قبل العصر.
حركت رأسها موافقةً ثم تحركت من أمامه نحو الداخل تبدل ثيابها وتممت على ثياب صغارها وبعد مرور دقائق أخرى نزلوا من الشقة ووقف هو بجوار سيارته أمام بناية سكن الأخرى التي نزلت بابنها فاقترب منها يحمل عنها حقيبته فوجدها تهتف بنبرةٍ ضاحكة:
_تصدق إنك جيت في وقتك؟ أنا شوية وكنت هطلب “أوبر”.
جاوبها ساخرًا وهو يشير إلى نفسه قائلًا:
_وتجيبي “أوبر” ليه؟ أنا أهو، هاتي بس الواد دا أبوسه.
أخذ منها الصغير يلثم جبينه ثم داعبه ببنانه ومسح على رأسه حتى همهم الصغير مستمتعًا بمداعبة الآخر الذي لثمه من جديد ثم خرج من البناية فوجد “خديجة” تقترب منه تمسك الصغير وهي ترحب برؤيته وحينها وقف يبتسم بقلة حيلة ثم فتح أبواب سيارته مُشيرًا لهم جميعًا بالدخول.
_________________________________
في بيت الرشيد…
كالعادة الصوت المحبب للقلب والضجيج الذي لم تمل منه النفوس، والمشاجرات المُحببة للقلب وهي مشاجرات الصغار مع بعضهم وأصوات مشاغبتهم الذي ملأ البيت بأكملهِ وقد جلس “حسن” بين “طارق” و “وئام” يقومون بإكمال عملهم هنا بعدما أمر “محمود” بجلوسهم في البيت وعدم الذهاب إلى عملهم وبناءًا عليه تم لجوئهم إلى هذا المكان ينهون فيه المتبقي من عملهم المتراكم…
أثناء إندماجهم فيما يفعلون ركضت نحوهم “جاسمين” مهللةً مما جعل “حسن” يضرب وجهه بكلا كفيه حينما ركضت ابنته نحوها تهلل صارخةً باسمها وقد هتف متضرعًا بيأسٍ:
_يا رب العلاقة دي تتعدل أو تنتهي.
استمع له “طارق” وهو يكتم ضحكته وقد وصل “يزن” يركض نحو أخواله ومعه “نغم” التي ركضت نحو الفتيات الصغيرات وقد ركضا نحوهما “مازن” و “زياد” معًا لتبدأ رحلة المرح لدى الجميع…
بينما في الأسفل وكعادة أي بيتٍ يلتزم بعهد العزائم في شهر رمضان المبارك، هنا حيث وقوف النساء في المطبخ لتحضير الطعام وتجهيزه وحينها دلفت لهن “خديجة” تستمع للترحيبات الحارة بقدمها المُبكر عن الموعد المُحدد فيما جلست “خلود” على أقرب مقعد يقابلها وعلى ذراعها صغيرها وقد هتفت “هدير” بتهكمٍ حينما وقع بصرها عليها:
_هو أنتِ هتعيشي الدور؟ قومي يا سكر شوفي حاجة أعمليها، وهاتي الواد دا علشان بحبه أكتر منك بصراحة.
انتبهت لها “خلود” حينها رفعت رأسها بعيدًا عن صغيرها وهتفت بنبرةٍ ساخرة:
_لو بتحبيه حبي أمه وأبعدي عنها متفتحيش بوقك معاها لحد الفطار يا “هدير” وكدا يبقى كتر ألف خيرك.
في تلك اللحظة خرجت “سلمى” ركضًا من الداخل ترحب برفيقتها التي فتحت ذراعها وهي تستقبل ضمتها لها أكثر من مرحبة وقد آثرت “هدير” تركهما بمفردهما ودلفت من جديد نحو الداخل لتكمل معاونة الجميع..
في الأعلى جلست الفتيات مع بعضها بجوار “محمود” الذي حمل على فخذه “سيلينا” ابنة “وئام” الصغيرة ثم أخرج حافظة نقوده يقوم بتوزيع المال على الفتيات وهو يبتسم لهن وقد أقترب منه “فارس” يسأله بمشاكسةٍ:
_و الرجالة ملهاش نصيب يا حج “محمود”؟.
ضحك له “محمود” ثم مد كفه بالأموال له وحينها ركض له “علي” هو الآخر وخلفه بقية الصبية فرفع “طارق” صوته يمازح عمه بقوله:
_طب وإحنا يا عمي؟ دا إحنا حتى سمعنا الكلام أهو.
حينها هتف “محمود” يمازحه بقولهِ:
_ياض دا انتوا اللي المفروض تدوني، أومال أصحاب شركة بالاسم بس يعني؟ هات أنتَ منك ليه، مش كدا يا “حسن”؟.
وجه سؤاله الاخير لـ “حسن” الذي ابتسم له وهو يقول بخنوعٍ تام يدلي بترحيبه:
_أنا عيوني ليك يا عم “محمود” شوف تتمنى إيه؟.
ابتسم “محمود” له بتأثرٍ وهتف بنبرةٍ هادئة:
_والله يا بني ما كنت أتمنى غيرك لبنتي، ربنا يحفظكم لبعض ويفرحك بعيالك، يا أمير يا ابن الأُمرا.
في هذه اللحظة تدخل “وليد” يهتف ساخرًا:
_ومين السبب مش أنا؟ أدعيلي أنا كمان لو سمحت.
رفع “محمود” كفيه يتضرع بقلبه قبل لسانه أن يحفظ الله الصغار ويحميهم ويبارك في عمر آبائهم وقبل أن ينزل كفيه طارت كرة القدم لتضرب وجهه بعدما ركلها “زياد” وحينها هتف “مازن” ساخرًا يوجه الحديث لجده:
_أنتَ شكلك أتوصيت أوي في الدعا.
أرتفع صوت الضحكات وكذلك “محمود” أيضًا الذي ضحك هو الآخر بيأسٍ فيما حرك “وليد” رأسه نحو ابنه الذي ظهر الخوف على ملامح وجهه لكنه تلبس وشاح الشجاعة واقترب من جده يهتف بنبرةٍ هادئة آسفة:
_أنا آسف يا جدو متزعلش مني، مكانش قصدي والله.
مسح “محمود” على كتفه وهو يومئ له موافقًا كأنه يخبره لا عليك وقد أقترب منهم “وليد” يهتف بنبرةٍ جامدة بعض الشيء:
_مفيش كرة هتتلعب هنا يلا أنتَ وهو روحوا أقعدوا.
نظر الصبية لبعضهم بضجرٍ وقبل أن يترك “وليد” الكرة وجد زجاجة صغيرة تضربه في قدمه وحينها لم تكن سوى “سيلينا” ابنة شقيقه التي ابتسمت له وهي تلفت نظره نحوها لكي يحملها وقد ضحك رغمًا عنه وحملها بين ذراعيهِ فوجد “جاسمين” تهتف بضيقٍ:
_متشيلهاش، نزلها أحسنلك.
لثم الصغيرة عدة مرات يعاند بتلك الطريقة الأخرى التي ركضت نحوه وخلفها “فاطيما” وكلتاهما ترمقه بشررٍ جعل “حسن” يتشفى به قائلًا:
_أحسن، إلهي يا رب تفضل متدبس فيهم طول العمر كدا.
أما الآخر فدهائه هو المتحكم به لذا جمع كل الفتيات حوله وجلس على الأرض ثم هتف بنبرةٍ ضاحكة يمازحهن:
_بقولكم إيه؟ اللي هتقعد ساكتة الأول هسرح ليها شعرها.
ظهرت صرخاتهم المهللة بفرحٍ وقد بدأ هو بتنفيذ إقتراحه لكي يساهم في حالة هدوء لعلها تملأ البيت من بعد ضجيجٍ لم يكف لو ثوانٍ قليلة.
وقد انقسم البيت لعدة فئات، حيث فئة الصبية الصغار يلعبون سويًا بكرة القدم بعدما سمح لهم “وئام” والفئة الأخرى هي الفتيات في حلقة دائرية حول “وليد” الذي جلس في المنتصف يرتب خصلات “سيلينا” وقد أمر أن يسير الدور تصاعديًا من الأصغر حيث الأكبر والفئة التالية هي فئة الرجال الذين جلسوا ينهون عملهم..
_________________________________
بعد مرور عدة ساعات…
بدأ الغروب يظهر لترحل الشمس في نهاية اليوم وتبدأ مع رحيلها الدقائق المُحببة للقلب حيث النسايم اللطيفة التي تظهر في الأجواء، وصوت القُرآن في إذاعة القرآن الكريم بأقدم الأصوات التي عُرفت بها شوارع المحروسة، ومعه ركض الجميع وارتفاع الأصوات في ضجيجٍ مرتفعٍ لكي يذهب كل فردٍ إلى بيته ليلحق موعد الآذان، تزامنًا مع ظهور الشباب في الشوارع يعملون على توزيع التمرات الرطبة والعديد من العصائر والمشروبات السائلة قُبيل المغرب بلحظاتٍ…
في هذه اللحظة أوقف “ياسين” سيارته تزامنًا مع وقوف “عمار” بدراجته النارية أمام بعضهما تزامنًا مع جملة القاريء الذي أتى صوته من المسجد:
_”صدق الله العظيم”.
حينها رفع “ياسين” رأسه للأعلى وهو يقول بسخريةٍ:
_يلا نطلع قبل ما ياكلوا نايبنا، أنا واقع.
رد عليه “عمار” ضاحكًا:
_طب يلا، لسه فيه ٣٢ إعلان يتمنوا فيهم إفطارًا شهيًا، متقلقش هنلحق.
ابتسم “ياسين” وقبل يولج البيت وجد “محمود” ينزل وخلفه الشباب والصبية الصغار وقد هتف بنبرةٍ هادئة:
_يلا هنروح نصلي ونرجع نفطر، بعدها نسلم.
ساروا خلف بعضهم يتجهون إلى المسجد أولًا لأداء صلاة المغرب قبل تناول الفطور بينما “ياسين” و “عمار” فقد تناول كلًا منهما تمرة واحدة رطبة ينهون به صيامهما وقد أنهوا فريضة الصلاة ثم توجهوا إلى البيت من جديد يتناولون الإفطار مع بعضهم يلتفون معًا حول مائدة الطعام في الطابق الأسفل وقد جلس كلًا منهم بجوار زوجته وأسرته وكأنها مائدة رحمن وسط الشارع وليست مجرد عزيمة عائلية…
وقد ابتسم “وليد” وهو يمازح “عمار” قائلًا:
_قاعد بتفطر مع دعوة رمضان وعيلتها كلها يا ابن المحظوظة، مين قدك يا دكتور “عمار”؟..
ضحك له “عمار” وهتف بأدبٍ كعادته:
_دا شرف ليا وربنا يطرح البركة في البيت ويجعله مفتوح دايمًا بوجودكم فيه، أنتوا عيلتي وربنا يعلم.
تدخل “مرتضى” يهتف بنبرةٍ ضاحكة وهو يوزع أنظاره في أوجه الشباب جميعًا وحينها هتف يمازحهم:
_هو الحقيقة يعني بنات العيلة دي واخدين نقاوة مش على حد، وش القفص بصحيح، ربنا يحرسكم يا عيال.
انتشرت الضحكات بينهم فيما حرك رأسه نحو “هدير” وهتف يشاكسها بقولهِ:
_صح يا “هدير”؟.
حركت رأسها موافقةً وهي تنظر لزوجها تبتسم بخجلٍ وحينها مال “حسن” على أذنها يهتف بسخريةٍ:
_مش لايق عليكِ الكسوف دا، بإمارة احضني يا “حسن”.
كتمت ضحكتها وهي توكزه في كتفهِ وقد ضحك هو الآخر ثم حرك رأسه نحو ابنته التي غمزت له وهي تبتسم، وعلى الطرف الآخر وضعت “خديجة” الطعام أمام زوجها وهي بإهتمامٍ:
_شكلك تعبت النهاردة، لو محتاج ارتاح شوية هنا.
ربنا على كتفها قائلًا بامتنانٍ لها:
_متقلقيش، أنا بخير بعدين حد يسيب اللمة الحلوة دي وينام؟ دا عم مرتضي يفضحني، دا نسخة من حبيبك.
أشار بحديثه إلى والده وقد ابتسمت “خديجة” حينما فهمت ذلك ثم عادوا لتناول الطعام معًا من جديد لتمر دقائق أخرى على تناول الطعام ورفع الصحون من فوق الطاولة ونظرًا لكثرة العدد والأيدي العاملة تم ترتيب كل شيءٍ وتجهيز الشاي الذي تم وضعه أمام الرجال وحينها هتف “وليد” يسأل “عمار” بتكهنٍ وهو يشير إلى الصغار بقولهِ:
_ما تقولنا كدا يا “عمار” الناس اللي بتفضل تتحمس في أول رمضان وبعدها تبطل واحدة واحدة دول نعمل معاهم إيه؟ نحبسهم لحد العيد في البيت؟.
ابتسم “عمار” وقد فهم سبب السؤال وحينها عدل وضع صغيره على ذراعه يمسح عليه وهتف بنبرةٍ هادئة يوجه الحديث إليهم:
_المفروض إننا نحارب نفسنا طول الشهر، يعني حماس البدايات الأولى دا المفروض نجاهد بيه طول الشهر، رمضان شهر زي الهدية كدا للإنسان علشان يجاهد نفسه بحق، يحاول معاها مرة واتنين وتلاتة، الكسبان بجد هو اللي يخسر نفسه القديمة في رمضان، يعني دلوقتي أول عشر أيام عدوا، فيه اللي فضل زي ماهو وفيه اللي أتلهى وفيه اللي غير نظامه، يبقى الحل إنه يفوق لنفسه ويحاول، يعني نزحم وقتنا بطاعات أكبر، اقرأ القرآن بعد كل فرض، ممكن مثلًا أقسم بعد الخمس فروض ١٠ صفحات أقرأهم وأتدبر المعاني فيهم، ونقرأ أذكار الصباح والمساء، نحاول نبعد عن الموبايلات والتلفزيونات وأي حاجة تلهينا عن ترتيب نفسنا، مينفعش ربنا ينعم علينا بأيام معدودة وإحنا نهملها…
صمت الجميع ينظرون له فيما أضاف هو مُكملًا:
_ رمضان مش بس للصيام أو الصبر على الأكل والشرب، رمضان علشان تربي نفسك، لو عصبي وبتغضب، يبقى تصبر وتهذب نفسك، لو مهمل ومالكش نظام، يبقى ترتب وقتك وتحافظ عليه، زي ما بتصوم وأنتَ عارف إن المغرب هيأذن وصيامك هينتهي، لازم برضه تصبر على كل ابتلاء وكل حاجة تقيلة وأنتَ واثق إن ربنا سبحانه وتعالى هيكرمك، ولو محصلش اللي أنتَ عاوزه يبقى على الأقل هتتعلم درس يفيدك في اللي جاي، الصيام عن الأذى وعن الكلام المسيء والنميمة وعن كل حاجة تأخرك خطوة في شخصيتك، يبقى لو ضاع مننا وقت نلحق نعوض في اللي جاي، فاللهم إن كنا مقصرين فيما مضى، فأصلحنا وقربنا منك فيما هو قادم..
أنهى الحديث مبتسمًا ثم أضاف من جديد بنبرةٍ هادئة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
“الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ..يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَ”.
وقال رسول الله ﷺ:
“ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم، إني صائم”.
وعنه أيضًا رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ﷺ:
“من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”.
أنهى الحديث ثم أضاف من جديد مفسرًا:
_يعني نصوم عن الكلام الوحش وأذى الناس والنميمة والكلام الكذب وأي فتن للنفس أو كره لحد في قلوبنا، منجيبش سيرة حد ونسيب الناس في حالها أحسن، وياريت برضه لو تفضل نجاهد نفسنا وشيطاننا، وياريت نطلع من رمضان كسبانين نفسنا بقلوب جديدة بدل اللي باظت مننا دي، ومش عيب نعترف قدام نفسنا إننا مقصرين، العيب بجد إننا نعمل نفسنا مش دريانين، علشان كدا أبدأ من تاني وأجري في طريقك لربنا، بدل ما تجري في طريق الدنيا اللي هي أصلًا دنيا..
نظر له الصغار وكذلك الكبار وقد صوت آذان العشاء عاليًا يقطع الصمت الدائر بينهم وحينها هتف “ياسين” يوجه حديثه للصغار:
_ها يا رجالة، هنروح نصلي التراويح ولا نستنى رمضان الجاي نبدأ من الأول؟.
أنتشرت الضحكات عاليًا وتجهزوا جميعًا للذهاب إلى المسجد وخلفهم الرجال من الكبار حتى الصغار يركضون أمامهم نحو المسجد بفرحةٍ يتسابقون لدخول المسجد وقد وقف “وليد” مع “عمار” أمام باب المسجد يهتف بنبرةٍ هادئة يمتن له بقولهِ:
_شكرًا لكلامك، على فكرة أنا كنت محتاجه أكتر منهم، بس لزقتها فيهم، ربنا يكرمك، قولتلي أنتَ أخوك مين؟.
ضحك “عمار” له ودلف معه المسجد يقف الشباب في صف الصلاة بجوار بعضهم خلف الرجال وبجوارهم الصغار يكملون الصف وهاهم رجال المستقبل تبدأ خطواتهم الصحيحة من هنا، فخير النشأة هي نشأة رجال بداخل المساجد..

يتبع…

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية رمضان كريم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى