روايات

رواية رمضان كريم الفصل الأول 1 بقلم شمس محمد

رواية رمضان كريم الفصل الأول 1 بقلم شمس محمد

رواية رمضان كريم الجزء الأول

رواية رمضان كريم البارت الأول

رمضان كريم
رمضان كريم

رواية رمضان كريم الحلقة الأولى

“تعافيت بك_ الجمعة الأولى”
______________
‏دنا رمضانُ وانهالتْ دموعي
وروحي نحو ربي في رجوعِ
فيا رحــمــنُ مدَّ لنا بعمرٍ
لندركَ شهرَنا بين الـربــوعِ
ونسمع في الأذانِ نداءَ خيرٍ
وحيَّ على الصلاةِ مع الجموعِ
_”رمضان مبارك عليكم جميعًا”.
__________________________________
مرحبًا بكَ في يوم الجمعة..
وليست كأي جمعة هي جمعة النزهة والمرح، تحديدًا جمعة شراء منتجات رمضان المبارك، فهيا بنا نرى اليوم مع عائلةٍ كانت تعرف بالعقل؛ ثم باتت تُعرف بالجنون.
تحديدًا في شقة “رياض”..
كان “ياسين” جالسًا بجوار والده بعد عودتهما من صلاة الجمعة ومعه صغيره “يـزن” الذي جلس بجوار جده وقد جلست “جاسمين” على قدمي جدها والبقية حولهم، وحينها تحدثت “زهرة” وهي تقول بنبرةٍ هادئة تحذر ابنها:
_خلي بالك منهم يا حبيبي، الدنيا هناك بتكون زحمة أوي والعيال بتتوه خلي بالك، يا إما تسيبهم هنا وتروح لوحدك مع “خديجة” وتخليهم هنا.
انتبهت لها “خديجة” وهتفت بأسفٍ لها:
_ماهو بصراحة “ياسين” وعدهم بالخروجة دي يا ماما، فمش هينفع مناخدهمش لأن كدا هتبقى نكد على دماغنا إحنا، بس متقلقيش لو لقينا الدنيا زحمة هنرجع مش هنطول.
تدخل “ياسين” يهتف بسخريةٍ ردًا عليها:
_زحمة؟ دا كان زمان لما كان فيه فلوس، إنما حاليًا نازلين نتفرج كلنا واللي هيقدر يجيب ربنا يعينه بقى، ربنا ييسرها على عباده ويهونها علينا.
في هذه اللحظة نطقت “جاسمين” بنبرةٍ ضاحكة أعربت عن حماسها وسعادتها:
_طب هنعلق الزينة إمتى؟ هنعلق هنا الأول النهاردة وبعدين عندنا؟.
توجه “ياسين” إليها بنظراتهِ ثم هتف ساخرًا:
_لأ مش النهاردة، ومش دلوقتي خالص.
شهقت “جاسمين” بدهشةٍ وطالعت أخوتها وحينها حركت “نغم” كتفيها كأنها تخبرها بمدى جهلها عن الأمر، فيما عقد “يـزن” مابين حاجبيه وحينها تحركت “خديجة” لكي ترتشف المياه فيما قررت “جاسمين” أن تعانده كعادتها وقفزت من موضعها الذي تمثل في فخذي جدها “رياض” وهتفت بعدما تخصرت في وقفتها إحتجاجًا على أوامره الباطشة التي لم ترحم صغيرة مثلها:
_يعني إيه مش هنعلق الزينة؟ ماهو بنجيبها ليه؟.
حينها تحرك ووقف “ياسين” مجاورًا لزوجته التي مالت بجسدها للأمام تملأ الكوب من المبرد فيما هتف هو بلامبالاةٍ دون أن يكترث لنيران هذه الصغيرة:
_بنجيبها قبل ما تغلى أكتر، مش علشان نعلقها في نفس اليوم، بعدين لسه أقل فاضل ٢٠ يوم على رمضان.
حركت “جاسمين” رأسها للجهةِ الأخرى ساخرةً وهي تسأله بتهكمٍ:
_والله؟ دا مُـبـربـر يعني إننا منعلقش الزينة؟.
انتشرت الضحكات عليها وفي هذه اللحظة خالفت “خديجة” الجميع حينما بصقت المياه على زوجها بسبب ضحكاتها على كلمة ابنتها الغريبة وكذلك زادت الضحكات أكثر حولهما ليغمض “ياسين” عينيه في محاولةٍ منه لكتم غضبه بسبب عائلته المجنونة.. يا الله لما أصبح هذا العاقل المتزن مثل المُبتلى وسطهم؟ حينها رفعت “خديجة” كفها تضعه على فمها بفزعٍ من فعلتها فيما فتح هو عينيهِ وأطبق شفتيه معًا ليجدها هتفت بخجلٍ من فعلها أمامهم:
_أقسم بالله ما كان قصدي، يا خبر أسود، طب إيه؟.
زفر “ياسين” وحرك رأسه نحو البقية فارتفع صوت الضحكات من جديد عليه وحينها ملأت “خديجة” الكوب مُجددًا ترتشف منه فيما هتف “ياسين” ساخرًا يسأل ابنته:
_قولتي إيه يا بنت المجانين؟ سمعيني كدا تاني؟.
هتفت بنفس الإصرار تلقي بنفس غباء كلمتها:
_مُـبربر.
من جديد يرتفع صوت الضحكات عليها وهي تطالعهم بحيرةٍ من ضحكاتهم حتى أخوتها وعقدت حاجبيها وحينها أقترب منها “ياسين” وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة جاهد لكتمتها:
_حبيبة بابا، اسمها مُـبرر، مش مبربر، دي من التبرير، إنما بتاعتك دي من القرف، يرضيكي تقرفينا كلنا كدا؟.
حينها شهقت من جديد كمن عثر على كنزٍ مفقودٍ وهي تقول جملتها المعتادة:
_أيوة صح هي دي، برافو عليك شاطر.
أنهت جملتها ثم حركت رأسها نفيًا تنفي سؤاله السابق فيما أعتدل هو بيأسٍ ثم دفعها بخفةٍ إلى جدها واستعد للدخول نحو الداخل لكي يبدل ملابسه فهتفت هي من جديد تسأله بحنقٍ حينما تذكرت:
_أيوة يعني مش هنعلق الزينة برضه؟.
__________________________________
المكان هنا أحب الأماكن على القلوب..
المكان الذي شهد على الكثير والكثير وأغدق الجميع بالحنان والدفء، تحديدًا شقة “ميمي” وحينها اجتمع عندها الصغار مع الآباء وقد امتلأ البيت بأصواتهم معًا وقد أقترب “عُـمر” من والدهِ هاتفًا بتوسلٍ:
_يا بابا، شغل بقى أغاني رمضان.
قلب “عـامر” عينيه بمللٍ من إلحاح صغيره ورد عليه بنفاذ صبرٍ من كثرة تكرير نفس الطلب:
_يابني فين الأغاني دي؟ مش معايا والله.
حينها توسعت بسمته وحرك رأسه بحماسٍ وهو يقول:
_عندك، أنا حملتها كلها إمبارح، يلا علشان خاطري، محدش عارف يشغل الحاجة هنا غيرك، يلا بقى.
زفر “عـامر” مُطولًا ثم تنهد وتوجه نحو السماعات الكُبرى وأوصل هاتفه بها وأنتظر دقائق ثم رفع الصوت أكثر ليجد الصغار جميعهم أقتربوا منه وانتشر الصوت مع الكلمات وسط صوت الصغار مُهللين بسعادةٍ مع الكلمات:
_أهو جه يا ولاد هيصوا يا ولاد..
أهو جه يا ولاد زقططوا يا ولاد..
في كل عام ويانا معاد…
وعمره ما بيخلفش ميعاد..
في كل عام ويانا معاد
وعمره ما بيخلفش ميعاد..
أهو جه يا ولاد..
أهو جه يا ولاد.
حينها رقص الصغار وهم يصفقون بفرحةٍ كُبرى كونهم شارفوا على أكثر الأيام بهجةً وسعادةً، حينها صفقت “ميمي” بكفيها معًا وهي تضحك بسعادةٍ لأحفادها، ترى البيت بهم تملئه السعادة ويزهر مثل زهو الحدائق في الربيع..
أقترب “زيـن” من خاله “خالد” يسأله بحماسٍ:
_خالو أنتَ قولت هتخلينا نعلق الزينة سوا كلنا، متنساش.
حينها لوى “خالد” فمه بتهكمٍ ثم هتف ساخرًا:
_ يا راجل؟ طب أتوكس هو إحنا لاقيين؟ محدش ناوي يدفع يا حبيبي في فلوس الزينة، وأنا مش مسئول الحي هدفع ليهم، فليك عليا نعمل شقة تيتة “عفاف” وأبوك هيعمل شقة تيتة “ميرفت” أعمل معاه.
أقترب “يـونس” حينها يقول بلهفةٍ:
_طب والشارع؟ مش هنزين الشارع؟ لأ علشان خاطري يابابا، إحنا بنفرح كلنا خد الفلوس اللي محوشينها ونعلق زينة في الشارع هنا، علشان خاطري.
تدخل “ياسر” حينها يهتف بعدما أرتشف من كوب الشاي الذي أمسكه في كفهِ:
_وهو إحنا عايشين هنا؟ لازمته إيه يا بني؟.
حينها جاوب “يونس” بدلًا عن البقية مفسرًا:
_ياعمو “ياسر” إحنا بنفرح هنا، لما بنحط الزينة كلنا مع بعض بنفرح وبنحس بيه، كفاية المدارس دي محشورة كدا ومش حاسين بحاجة، أهو يوم بنفرح فيه وكل الناس بتفرح معانا، يلا بقى.
تدخل “عـامر” بعدما بدل الأغنية بأخرى غيرها ثم جاور البقية وهو يقول بنبرةٍ هادئة مبتسمًا في وجه الصغار:
_بصوا وعد مني الجمعة الجاية هيكون فاضل كام يوم لسه، هنروح نجيب الزينة ونيجي بعدها نزين الحارة، حلو كدا؟.
قفز الصغار مُجددًا بسعادةٍ ثم قفزوا على “عامر” الذي رفع صوته عاليًا وهو يضحك بعدما أرتموا عليه ثم أرتفع صوت الصغار مُجددًا مع الصوت:
_رمضان كريم فتاح يا عليم..
٣٠ يوم فيه هنا وسعادة…
الله..الله.. الله..الله.
قعدة رمضان حلوة يا جدعان شهر الإحسان كله عبادة.
ضحكت لهم “ميمي” وهي تراهم مع بعضهم يتسارعون في التجهيز لهذا الشهر غافلين عن أزمات الكبار و المسؤوليات التي وقعت على عاتق الجميع خاصةً مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الجميع، لكنها فرحة صغارٍ لم تعرف أي شيءٍ سوى الحضور في الوقت اللازم لذلك دون أن تشغل بالها بما يوقف هذه الفرحة، فكونوا مثل الصغار وأتركوا نفسكم للفرح حتى ولو للحظاتٍ عابرة لعل حزنكم يرحل عنكم حينما يعلم أنه أتى المكان الخاطيء.
__________________________________
_هل هلاله رمضان كريم…
آه يا جماله رمضان كريم،
فوانيسه والعة..
أيوحة…
لمبة وشمعة…
رمضان كريم
رمضان كريم زي العادة
من دا على دا وكل يوم عندنا في جديد..
صدح هذا الصوت عاليًا في منطقة الغورية عصرًا يوم الجمعة، فأهلًا بك وسط المدينة المتكدسة لتعلم كيف تكون تحضيرات الشهر الكريم في هذه البلد، حيث تسير أنتَ وأسرتك وأحبائك وسط الغُرباء عنك ترى العديد والعديد من القماش الخيامي الاحمر المُزركش باللون الأزرق وهو الدلالة الأشهر للاحتفال في هذا الشهر…
ثانيًا العديد والعديد من الفوانيس بمختلف أنواعها وخامتها، فتارةً ستجدها معدنية لامعة باللون الذهبي، وتارة أخرى تجدها خشبية بنية اللون، وتارة بلاستيكية بألوان مبهجة تشبه الأيام المُقبلين عليها، هنا رائحة العطر الطيبة والبخور والأدوات الجديدة في المحلات، صوت الأغاني القديمة بمختلف كلماتها تتردد في الأذان ومنها:
_رمضان جانا وفرحنا بُـه
بعد غيابهُ وبقاله زمان..
غنوا وقولوا شهر بطوله
غنوا وقولوا أهلًا رمضان..
رمضان جانا..
قولوا معانا، أهلًا رمضان، رمضان جانا.
هذه هي الأغنية الأشهر هنا وسط العديد من الزحام وأدوات التزيين وسط الشوارع التي حافظت على قدم الطراز فيها، ثم تتحرك بوسط الشوارع لتجد الأغنية الثانية في مكانٍ حوى الكثير من أدوات الزينة:
_مرحب شهر الصوم مرحب..
لياليك عادت في أمان…
بعد إنتظارنا وشوقنا إليك جيت يا رمضان.
بنفس التوقيت سار “ياسين” بأسرته وسط هذا المكان يمسك الصغيرين في كفيهِ و “خديجة” أمامه تمسك “نـغم” وبالطبع لأنها تشبهها لأنها مُطيعة على عكس الدُمية الصغيرة، حينها حالة ذهولٍ أصابت الصغار من دهشتهم بالمكان وكثرة الأدوات فيه وحينها أشارت “جاسمين” نحو أحد المحال وهي تقول بنبرةٍ ضاحكة غلفتها السعادة:
_بابا هنروح نجيب من هناك.
سألها “يزن” بحيرةٍ من فرحتها بالمكان:
_شوفتي حاجة عنده عجبتك؟.
حركت رأسها نفيًا وأضافت ضاحكةً بنفس السعادة:
_لأ مشغل الأغنية اللي بحبها بتاعة رمضان.
كتمت “خديجة” ضحكتها كعادتها فيما أخفض “ياسين” رأسه لها ثم أعادها من جديد يدعو ربه أن يمده بالصبر قبل أن يصبح في نهاية الأمر مجرد أبٍ تجردت منه الإنسانية ليصبح قاتلًا لفتاةٍ هربت من أحد الأفلام الكرتونية لتصب حياته بلعنة هو أطيب من أن يتجاوب معها…
أقترب بهم من المحل يراقب الأدوات بعينيهِ أولًا كغيره يتابع الأسعار بعينيهِ قبل أن يتهور ويدفع كل ما يملكه هُنا ثم يعاود التفكير في كيفية العودة بهم، وقد أقترب بهم وحينها لمح السعادة في عيونهم وأولهم زوجته نفسها، فلم يجد بُدًا سوى أن يفرح هو الأخر وأشار لهم أن يقوموا بشراء ما يريدون..
وقف معهم يبتسم لهم وهو يرى الأدوات والفوانيس التي نالت إعجابهم وزوجته معهم تساعد في انتقاء الاشياء المناسبة لأعمارهم وللحالة المادية أولًا، لكن سعادتها مع الصغار مُجددًا كانت تُبدد أي تردد أو رفضٍ لهم، أقتربت “جاسمين” من والدها وهي تشير له حتى يخفض نفسه لها وحينها أمتثل لمطلبها فقالت بنبرةٍ خافتة:
_عاوزة طبلة مسحراتي، ينفع؟.
رفع عينيه يطالع ما أشارت عليه فابتسم رغمًا عنه وهتف بنبرةٍ هادئة:
_ينفع، روحي هاتي واحدة.
حينها لثمت وجنته بقبلةٍ خاطفة فاقترب “يـزن” منه ضاحكًا وحينها فهم “ياسين” سبب ضحكته فأشار له لكي يجلب له واحدة هو الأخر ثم أقترب من “نَـغم” يسألها بنبرةٍ هادئة:
_حبيبة بابا مش عاوزة واحدة؟.
خجلت هي أولًا ثم هتفت بقلة حيلة ذكرته بزوجته:
_مش عارفة بس حاسة إني كبرت شوية عليها.
حرك رأسه نفيًا ثم مال عليها وهو يقول بحنوٍ كعادته:
_بس أنتِ صغيرة، يدوب ٨ سنين، بطلي تكبري نفسك وخلاص وشوفي عاوزة أنهي واحدة، بعدين دي بـ ١٠ جنيه، دي اللي هتخلينا أغنيا يعني؟ روحي يلا.
أقتربت “نَـغم” من أخوتها تنتقي معهم هذه اللعبة الصغيرة وحينها أعتدل واقفًا بجوار زوجته التي ابتسمت له وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
_ربنا يباركلنا فيك، هتفضل طول عمرك فاهمهم.
مرر عينيه عليها وابتسم بزاوية فمه وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة مُشيرًا خلفها:
_وفاهمك يا كتكوتة.
عقدت ما بين حاجبيها فيما رفع هو ذراعه يلتقط عروسًا كن خلفها ثم وضعها في كفها وهو يقول بنبرةٍ هادئة تمامًا وقد تذكر أول ذكرى جمعت بينهما في لقاءٍ يشبه ذلك:
_كل سنة وأنتِ طيبة، ربنا ما يقطعلنا عادة.
لمعت عيناها بالعبرات تأثرًا بموقفهِ بينما هو ابتسم بنفس الهدوء ثم أشار على صغاره وهم ينتقون الأشياء وقال:
_أنتِ جايبالي أحلى ٣ هدايا صحيح فيهم هدية مهنجة شوية، بس على قلبي زي العسل، روحي يلا شوفي هما عاوزين إيـه، وأنا هحرز الهدية دي قبل ما ضرتك تفضحني.
ضحكت له ونظرت له بامتنانٍ ثم اتجهت لصغارها تقف بجوارهم بينما هو وضعها على الطاولة بجوارهِ ثم أنتظر حتى أنتهت مهمة الانتقاء الأولىٰ وهي شراء متطلبات الصغار أولًا ومعهم شقته، ثم متطلبات الجميع كونه الخبير الاقتصادي والاستراتيجي في هذه المهمة، وللحق هناك سر هو يخفيه عن الجميع وهو أنه منذ أيام طفولته وهو يعشق هذا المكان في الأيام السابقة لشهر رمضان..
وقف مع الصغار يكمل شراء بقية المنتجات الخاصة بتزيين بيته وبيت والده مع صغاره وقد صدح الصوت الذي جعل “جاسمين” تبتسم وتفرح ثم أشارت لأخوتها وسط بقية الصغار في المكان في مثل أعمارهم:
_رمضان في مصر حاجة تانية
والسر في التفاصيل..
رمضان في مصر حاجة تانية
طعمه بطعم النيل..
في كل حتة بنتمشى..
فوانيس وزينة في الشارع..
صوت الأدان يدخل قلبك
ونصلي تراويح في الجامع..
حالة سعادة برائحة مختلفة في المكان هنا وسط المشتريات والمنتجات وآشعة الشمس الدافئة التي وُجِدَت في المكان كالدفء الذي شارف على إغداق الأيام القادمة،
فيا رحــمــنُ مدَّ لنا بعمرٍ…لندركَ شهرَنا بين الـربــوعِ.
__________________________________
أنامل صغيرة رقيقة…
صوتٌ ناعم مثل صوت مواء القطة،
بكاءٌ يرتفع بنسب مختلفة بين حينٍ والأخر، صوتٌ جديد تمت إضافته لهذا البيت بوجود الصغير “عُـمير”، حينها كانت “سيدة” تحمله بين ذراعيها وهي تهدهده، هذا الصغير ابن الابن الصغير، لذا كانت تستدرك العمر المار عليها وقد أتت “خلـود” تجاورها وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
_حاولت اسمع كلامك وأنام بس مقدرتش، صحيت تاني، هاتيه عنك أنتِ وقومي ارتاحي شوية، أنا خلاص صحيت.
ضحكت لها “سيدة” وأعطته لها وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
_أمسكي وسمي الله الأول، دا الغالي ابن الغالي.
ابتسمت لها “خـلود” ثم أخذت الصغير تقوم بعدل وضعهِ على ذراعيها وهي تراقب صغيرها بتيهِ لازالت تحت أثره كلما نظرت في وجههِ، نعم لقد ساهمت في تربية كل أطفال العائلة وأصبحت على دراية كافية برعاية طفلٍ مثله، أما عند هذا فهي أمامه تعجز كُليًا في تقدير مشاعرها له..
ابتسمت وهي تتذكر أن الأيام القادمة ستشهد مغامرة جديدة مع زوجها الذي وقع تحت شفقة الجميع بسبب عدم حصوله على نومه الكافي، أصبح مثل السارق حينما يخطف ساعة واحدة وسط اليوم أو يذهب لعملهِ ينام به، ابتسمت “خلـود” وهي تتذكر أن هذا هو العام الأول في شهر رمضان برفقة هذا الصغير وبالطبع ستتلون حياتها برفقتهِ..
في هذه اللحظة دلف “عمار” بهدوء وألقى التحية عليهم ثم جاور أمه بعدما لثم جبين صغيره النائم وقد أغلق هو عينيه بوضعٍ أعرب عن تعبه، وحينها قامت “سيدة” بأخذ الصغير من أمه ثم أشارت لها بعينيها ففهمت عليها “خلود” وأومأت موافقةً وكأنها تؤكد لها ماكانت تنتوي فعله، ثم أقتربت من زوجها تسأله بنبرةٍ صبغتها بالاهتمام:
_مالك؟ شكلك مش كويس وتعبان.
فتح عينيه لها ثم وضع رأسه على كتفها وهو يقول بنبرةٍ ناعسة:
_هموت وأنام، أنا طبقت النهاردة في الشغل، وإمبارح بسبب عياطه النوم طار من عيني، ودلوقتي المفروض ننزل؟ بس والله أنا مش قادر، وعارف إنك عاوزة تروحي بس أنا عاوز أنام مش هقدر أسوق الموتوسيكل، لو مصممة أطلب “أوبر”؟.
ابتسمت له ثم رفعت كفها تمرره في خصلاتهِ تمسح على رأسها وهي تقول بنبرةٍ هادئة وحكمة صبغت حديثها:
_على أساس يعني إني خلاص جاحدة؟ لأ طبعًا نام وأرتاح خالص وريح نفسك شوية وأنا هقعد بيه هنا، وبكرة نروح لما تيجي من الشغل، بعدين هو تقريبًا إحنا لبسنا في الوضع دا، محدش قال إن الخلفة صعبة كدا، وصعبة من كله، صحيًا وماديًا بس يلا الحمدلله.
أغمض “عمار” عينيه وسحب نفسًا عميقًا ثم رفع رأسه عن كتفها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_ضريبة، اللي أنا فيه دا ضريبة لازم تتدفع، يا رب بس أقدر أكون قد إني أخلف وأشيل مسئولية عيل، الناس فاكراها حاجة سهلة وعادي، بس أنا شايفها صعبة وصعوبتها زادت لما بقى قدام عيني، المهم أنتِ أخبارك إيه؟ نمتي؟.
_أنام !! يعني إيه الكلمة دي؟
هكذا كان ردها حينما سألته بأسفٍ وقد رسمت البكاء الزائف على وجهها وحينها ضحك هو بيأسٍ ثم ضمها مُجددًا هو تلك المرة ومسح على ظهرها ليجدها حقًا تثاءبت وأغمضت عينيها وحينها فتح إحدى عينيه يهتف بخبثٍ:
_أنتِ قولتيلي عاوزة فانوس لمين؟.
رفعت رأسها بسرعةٍ كُبرىٰ وهي تقول بلهفةٍ:
_قولتلك لو ظروفك متاحة عاوزة واحد بصورة “عُـمير” وإحنا معاه، وواحد تاني بصورتي أنا وأنتَ ومعانا “سكر” و “لـوز” أنا سألت، مش طلبت؟.
أعادها لمكانها من جديد تستند على كتفهِ ثم هتف بنبرةٍ هادئة وهو يمسح على ظهرها:
_صحيح أنا فلست بعد الخلفة بس مش مُعدم يعني، قولي يا رب وإن شاء الله نعمله، إحنا نقدر نزعل أم العيال يعني؟.
ضحكت “خلـود” ثم وضعت رأسها بأريحية أكثر على صدرهِ ورفعت كفها تضعه نحو موضع قلبه بعدما أغمضت عينيها وحينها أغمض عينيه هو الأخر ينعم بلحظة هدوء نادرة قبل أن يفسدها عليهم صغيره.
في هذه اللحظة وضعت “سيدة” الصغير صاحب الشهرين من عمرهِ في الفراش ثم خرجت وكادت أن تُنادي ابنها لكنها رأته نائمًا وهو يضم زوجته، فابتسمت بشفقةٍ ثم تحركت تغلق الأضواء والتلفاز الكبير ثم عادت من جديد تجلس برفقة الصغير.
__________________________________
_رمضان.. رمضان
ولا بعودة يا رمضان
رمضان.. رمضان
ولا بعودة يا رمضان..
صدح الصوت في بيت آل “الرشيد” تحديدًا فوق سطح البيت حيث المكان الذي جلس فيه “محمود” كبير العائلة وسط شباب عائلته، وبجواره جلس “وئام” يدون طلبات عمه تجهيزًا لعمل حقائب رمضان البلاستيكية للأشخاص الذين وجدوا في أشد الحاجة لمثل هذا الشيء البسيط.
استمر “محمود” في إلقاء الطلبات وحينها لاحظ الشباب كثرتها فتحدث “وليد” بتعجبٍ من كثرة الكميات المطلوبة:
_مش شايف إن الحاجة كتيرة؟ دي تقريبًا أكتر من رمضان اللي فات، بلاش فتحة الصدر، الأسعار دايسة على الكل، اللي أنتَ مجمعه مننا يدوبك يجيب رز ولو جاب سكر يبقى فل أوي، أنتَ واخد بالك؟.
أومأ “محمود” موافقًا له ثم هتف يؤكد حديثه:
_عارف، وعلشان كدا قولت هعمل زي كل سنة وماليش دعوة، الأرزاق على الله مش على العباد، فيه ناس محتاجة الحاجة دي وفيه ناس مستنية دا، اللي أنا هطلعه دا علشان دا رزق عندي ربنا كرمني بيه، بنطلع صدقة علشان إحنا اللي محتاجين بركة في اللي عندنا، وأفتكر علطول حديث سيدنا محمد ﷺ:
“ما نقص مالٌ من صدقةٍ”.
_عليه أفضل الصلاة والسلام.
هكذا كان الرد فيما أضاف هو للشباب:
_النهاردة إحنا بندي، بكرة هنقف قدام ربنا وهناخد حسنات، وإذا كان على الفلوس والرزق فدي رزق من ربنا سبحانه وتعالى، وعلشان تطمنوا يعني اسمعوا الكلمتين دول لا الدولار هو اللي هيأخر رزقك ولا هو اللي هيمنعه؛ الرزق من عند ربنا وبس، عُمر ما كان رزق ربنا خاضع لـ سعر الدولار، ولا عُمر الستر كان ليه علاقة بـ سعر البورصة ولا الجنيه عامل كام النهاردة..
“ربنا هو اللي بيرزق وهو اللي بيستر”
فـ سيبكم من كل الأرقام وتعالوا نحسبها صح ونعرف إن “المُعادله مع ربنا” و ربنا قال في كتابه العزيز:
﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَاتُوعَدُونَ
فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ﴾.
لو كان رزق الإنسان على الإنسان لَهُلِكنا وضعنا
وحينما سُئِلَ “الحسن البصري” عن الراحة كان جوابه:
علمتُ أن رزقي لا يأخذه غيري، فأطمئن قلبي، وعلمتُ أن عملي لا يقوم به غيري فاشتغلت به وحدي، وعلمت أن الله مطّلعٌ علي فاستحييت أن يراني عاصيًا، وعلمتُ أن الموت ينتظرني فأعددتُ الزاد للقاء ربي” فاللهم أرزقنا برحمتك الواسعة وأغننا بحلالك عن حرامك.
ابتسموا له وفهموا مقصده فيما سأله “وليد” بضيقٍ كعادتهِ كل عامٍ في هذا التوقيت:
_طب سؤال بقى !! ليه إحنا اللي مكتوب علينا المرمطة؟ يعني ما كنا كلمنا أي تاجر وجاب الحاجة، أو خلينا محل يعملها لينا، ليه نروح ونتعب ونجيب ونعبي؟ غاوي مرمطة ليه؟.
ابتسم “محمود” ثم رفع كفه يشير نحو صغار العائلة الذين أخذوا جانبًا فوق السطح يلعبون فيه كرة القدم وأضاف بنبرةٍ هادئة:
_علشان دول؟ علشان يكبروا على الخير وأنهم لازم يساعدوا غيرهم، يكبروا ويشوفوا الدنيا ويعرفوا إن واجب عليهم مساعدة غيرهم، قولتلكم ١٠٠ مرة كل واحد فيكم مسئول عن حياة كاملة، فلما يكبروا يلاقوا أهاليهم بيساعدوا الناس وفاهمين يعني إيه صدقة ويعني إيه دا خير بيدور ويرجع للناس، فهمت؟ عاوزهم يتعبوا معانا ويشوفوا ويكبروا كدا علشان يكملوا من بعدنا، هي أجيال بتسلم أجيال، وجهزوا نفسكم الجمعة الجاية هنعمل الشنط كلنا مع بعض.
من جديد حكمة رجلٍ كبيرٍ تملأ المكان ليصلهم مغزى فكره في حياةٍ تأخذ المرء نحو الهاوية، حياة لم يعهدها المرء في حياته سابقًا لكنه أجبر على التعامل فيها بكل الظروف، فإذا كان طريقك يقودك نحو السقوط في الهاوية، فأجعل هاويتك هاوية النجاة.

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية رمضان كريم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!