روايات

رواية خطايا بريئة الفصل الأول 1 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الفصل الأول 1 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الجزء الأول

رواية خطايا بريئة البارت الأول

رواية خطايا بريئة
رواية خطايا بريئة

رواية خطايا بريئة الحلقة الأولى

في ذلك الحي الراقي الذي يتلبس بثوبه الأخضر والمعتق على أرصفته تلك الأشجار اليافعة التي تستيقظ عليها العصافير صباحًا لتعزف تلك الأنشودة الهادئة التي عكر صفوها صوت تلك الأنغام الغربية التي صدحت من داخل أحد المنازل التي تتباعد عن بعضها حتى يتمتع قابعيها بتلك الخصوصية المميزة

فكانت هي تتمايل بِجسدها على أنغامها وهي تتطلع لأدائها المثير في المرآة بِكل غرور وكأنها لم ترى أنثى أجمل منها على وجه الأرض فهي تتمتع بِبشرة حنطية تشابه لون سنابل القمح وعيون سوداء ساحرة تشبه سماء الليل ولكن ليس النجوم هي ما تسطع بها بل المكر و الفتنة الخالصة ، مررت يدها بين خصلاتها الفحمية الهوجاء التي تتعدى خصرها النحيل ومنحنياتها التي تخفيها تحت كنزتها الواسعة وذلك البنطال الفضفاض ،ثم زفرت بِضيقٍ وهي تتذكر تعليماته الصارمة بشأن ملابسها فهي حقًا سأمت كبته لحريتها ،لطالما طمحت أن تعيش حرية مطلقة كالفراشة دون قيود ولكنه يتعمد ردعها ، لتواسي ذاتها أنها لابد ان تتقبل منه أي شيء ولكن بِشرط أن لا تدخل والدته بِقراراته وعلى ذكرها أتاها صوتها من خلف باب غرفتها :

-وطي الصوت شوية يا “نادين”

يلا الفطار جاهز هتتأخري على جامعتك

نفخت أوداجها بِغيظٍ وصاحت متأفأفة بعدما أطفأت ضجيج جهازها اللوحي :

– طيب …..جاية …جاية

قلبت عيناها بِملل وأخذت تلملم بكُتبها ليطرق باب غرفتها بِطرقات تعلم صاحبها ، لتزيح الحنق عن ملامح وجهها وتستبدله بِبسمة واسعة وتهم بفتح الباب قائلة وهي تراه يستند على الحائط أمامها و يربع يده :

– صباح العسل…. طب والنعمة وحشتني والبيت كان مضلم من غيرك

رفع حاجبه بِمكر فهو يعلمها ويعلم تلك الطريقة الملتوية خاصتها كي تؤثر عليه وتفلت من العقاب بعد كل خطأ ترتكبه :

– صباح الأونطة اللي ما بتدخلش عليا بعد كل مصيبة

شهقت بِبراءةٍ و عقبت :

– أَونطة ليه بس ده أنا كيوت خالص ومش بعمل حاجة

هز رأسه وقال في تهكم وناعستيه البُنية تشملها :

– لأ ما هو باين راجعة بعد نص الليل و استغليتي سفري يومين وعيشتي حياتك فاكراني مش هعرف

ابتلعت ريقها وأجابته بِثقة مبالغ بها :

– كنت بذاكر مع “نغم “والوقت أخدني…. مأجرمتش يعني وبعدين انت عارف “نغم”وعارف إن أحنا أصحاب من زمان وأظن واثق تمامًا في أخلاقها لتستأنف بِتمرد وهي ترفع حاجبيها المنمقين :

– وبعدين هي أمك لازم تقومك عليا ده بدل ما تقولي وحشتيني يا نادو

تلاشى هدوءه و جز على نواجزه وهو يقبض على ذراعها قائلًا بنبرة صارمة يحفها التحذير :

– عيب كده ….ومش هي اللي بلغتني …..وأخر مرة أحذرك ملكيش دعوة بيها و مسمهاش أمك… كلمة مش لطيفة علشان تطلع من بنت متربية زيك ….فااااااهمة

هزت رأسها بِقوة وقالت تدعي الوداعة :

– الست الوالدة ارتحت كده ممكن بقى تسيب إيدي بتوجعني

قالت أخر كلمة وهي تسبل عيناها بِنظرة عتاب لم يستطيع الصمود أمامها ، ليتركها ثم يزفر بِضيقٍ و يلعن نفسه و يكوب وجنتها قائلًا بعدما استعاد هدوءه بعض الشيء :

– نادين امي خط أحمر وأنتِ عارفة ده فبلاش طريقتك دي أنا مش بحبها علشان بتطلع أسوء ما فيا…..

ابتلعت غصة بِحلقها وأومأت له بِطاعة يعشقها منها ، ليبتسم بسمته البشوشة الدافئة تلك التي لا تفارق وجهه إلا بسبب حنقه منها:

– حقك عليا

أومأت له ليستأنف بِنبرة صادقة :

-على فكرة بقى وحشتيني يا “نادو”

تنهدت في عمق وهو يشملها بِناعستيه التي تفيض بِمكنونها التي تعلمه جيدًا ،ثم شهقت في خفوت وهو يقترب يضع قبلة عميقة أعلى وجنتها، يقسم أنه لم يكن بنيته سوى أرضائها ولكن كيف الصمود أمامها وهي بكل تلك الفتنة، وجد نفسه يحاوط خصرها ويقربها منه و دون أي مقدمات آخرى كان يدفنها بين ضلوعه وكأنه يطمئن ذلك النابض بِصدره انها معه ولن يستطيع أحد نزعها منه ، تصلب جسدها وزادت وتيرة أنفاسها عندما غرس وجهه بين خصلاتها الهوجاء قائلًا بإنتشاء وبِصوتٍ متهدج اربكها :

– كنت بَعد الدقايق علشان أرجعلك وأشم ريحتك واطمن انك معايا

أبتسمت بسمة ناعمة وهي تدفعه بِرفق وقالت ووجهها يشتعل خجلًا :

– “يامن” هتأخر على المحاضرة الأولى

أومأ لها وتفهم خجلها بِبسمةٍ مريحة بينما هي فرت من أمامه تسبقه إلى طاولة الطعام

——————————

-لسة زعلانة يا بنتي…..؟؟؟

جملة قالتها “ثريا”والدة “يامن” أثناء تناولهم الطعام لترد هي بِبرود ساخر تعمدته وكأن تحذيره لها قد تبخر :

– محدش يعرف يزعلني يا مرات بابا

زفر “يامن” بِقوةٍ و وضع شوكته من يده بِعصبية محدث صوتًا قويٍ أجفلها وجعل نظراتها تهتز بتوجس وإن كاد يفقد أعصابه ويوبخها ككل مرة على تطاولها مع والدته ،ولكن والدته ربتت على ساقه من تحت الطاولة كي يهدء بينما هي لاحظت حركتها تلك لتنبسط معالم وجهها وتفتر عن بسمة مفعمة بالانتصار الذي لم يدوم حين قال بِنبرة آمرة:

-أعملي حسابك مفيش مذاكرة برة البيت تاني

أعترضت بِعصبية :

– بس انا مبعرفش اذاكر لوحدي و”نغم” معاها مراجع وبتشرحلي اللي مش بفهمه

= خلاص خليها هي تجيلك

نفت برأسها وبررت :

– باباها مش هيرضى انت عارف هو مشدد عليها أزاي

ليزفر أنفاسه ويقول بِقرار قاطع :

– خلاص قوليلي أسماء المراجع دي وبكرة تبقى عندك وأي حاجة مش فهماها هساعدك أنا فيها

كادت تعترض مرة آخرى ولكنه صرخ بها بنبرة صارمة تعرف جيدًا أن لا رجعة فيها :

– من غير اعتراض …..كلامي يتسمع

أحتدت نظراتها السوداية أكثر وهي ترمق والدته بِحقدٍ بائن أحزن”ثريا” كثيرًا عندما كللته بِكلماتها المسمومة :

-يارب تكونِ أرتحتِ يامرات بابا

عقبت “ثريا ” بِطيبة مستنكرة :

– أنا يا بنتي ده انا نفسي أشوفكم أحسن الناس

رفعت حاجبها المنمق مستنكرة قولها وكادت ان ترد بِعجرفة كعادتها لولآ صوت ارتطام كوبه الزجاجي بلأرض الذي زاحه بغضب أعمى تخشى تبعاته ورغم ذلك تعاند :

= ناااااااادين ولا كلمة كمان واتفضلي اسبقيني على العربية

دبت الأرض بِقدمها وتناولت كُتبها ثم انصاعت له تاركته يشرد في آثارها بِضيق فحقًا هو سأم من طباعها تلك وحديثها اللاذع مع والدته وكأنها تتعمد أن تثير غضبه وتخرجه عن طوره ، فهو إلى الآن لا يعلم فيما أجرمت والدته لتعاملها هكذا رغم كل ما كابدته في رعايتها بعد وفاة أمها وجلب أبيها للعيش معهم انتشله من شروده صوت والدته الحنون وهي تربت على يده :

– معلش يا حبيبي بكرة تعقل وربنا يهديها والله أنا بدعيلها في كل صلاة ، دي بنت الغالي ومعزتها من معزته انا بس صعبان عليا حالها

أزاح غضبه جانبًا و قبل يدها وقائلًا بِحنوٍ :

– بالله عليكِ متزعليش منها “نادين” قلبها أبيض هي بس مندفعة وأكيد متقصدش تضايقك

= مش زعلانة يا حبيبي ربنا يعلم انا بحبها أد ايه

رفع حاجبه بِمشاكسة وقال بفخر واعتزاز ليس ابدًا بِموضعه :

– لازم تكونِ بتحبيها يا ماما دي مرات أبنك حبيبك وبكرة تبقى أم عياله ………..

———————–

آما على بُعد عدة امتار من ذلك الحي الراقي نفسه وخصةً بتلك الشقة ذات الذوق الرفيع التي أشرفت هي على تصميم كل ركن بها كي تكون كيانها الصغير الذي يجمعها به وبأطفالهم و تكتفي بهم عن العالم أجمع

فنجدها تتحرك في رشاقة وبِخطواتٍ مفعمة بالنشاط تحضر طعام الفطور ،شهقة خافتة صدرت منها عندما شعرت بيده تحاوطها من الخلف وصوته الذي صدر خشن أثر نومه :

– يا صباح الجمال

بادلته تحية الصباح بِبسمة هادئة بعدما التفتت له:

– صباح الخير ….شكل مزاجك رايق النهادرة يا “حسن “

غمز “حسن “بتسلية وقال بِنبرةٍ مشاكسة يعلم انها تخجلها :

– يخربيت “حسن” دي اللي بتطلع من بؤك شبه الرصاص وبترشق في قلبي

ابتسمت تلك البسمة الرقيقة التي تجعله يظن أن العالم خلى من كل مصائبه ولم يتبقى غير ربيع بسمتها و سلامها النفسي الذي ينفض دواخله ويعبث بأفكاره ونواياه

– حسن سرحت في ايه!!!

انتشله صوتها الناعم مما جعله يجيبها وهو يقترب من وجهها بِبطءٍ ويشدد أكثر على خصرها لتصبح هي وهو لا شيء يفصلهم وكأنهم جسد واحد :

– عيون حسن وقلب حسن من جوة

تنهدت تنهيدة حارة وتساءلت بنبرتها الناعمة تلك وعيناها تغوص بِعينه البُنية القاتمة بتيه يذهب عقله ويحفز غريزته دائمًا :

_ بتحبني يا “حسن” ؟؟

اومأ لها دون تفكير وكأن الأمر اعتيادي بالنسبة له و دون أن يؤكد بِكلمات هي بأمس الحاجة إليها مال يلثم شفاهها بِقبلة كانت كافية ليمنحها جوابها

– الله ….الله يا سي بابي بقى سيبنا هنموت من الجوع وبتدي مامي سكر

هتفت بها “شيري” أبنتهم بنزق طفولي وهي تربع يدها وتمط فمها ، فصل هو قبلته بأنفاس لاهثة ونظر لبعثرتها وحرجها الذي أصبح جلياً على وجهها وكأنها تم القبض عليها لتوها بالجرم المشهود ، هز رأسه ساخرًا وقال لأبنته بِعتابٍ طفيف :

– هو انا معرفش استفرد بمراتي ابدًا واخد منها سكر يا لمضة

نفت الصغيرة بِرأسها واجابته بِحروفٍ متكسرة :

– لأ خد مني انا السكر أنا أحلى منها

قهقه “حسن” بِقوة على طفلته وحملها يقضم وجنتيها الشهية قائلًا في مزاح جعل الصغيرة تكركر ضاحكة وهو يتوجه بها إلى الخارج :

– ده انا هموتك يا لمضة وههريكِ سكر لغاية ما تقولي حرمت يا بابي

أبتسمت” رهف” وهي تشاهد ذلك المشهد الذي لم يتكرر كثيرًا بسبب إنشغال زوجها المستمر ، لتحمل الأطباق وتلحق بهم

——————–

أوصلها إلى جامعتها دون ان يتفوه بِبنت شفة تاركها تمارس لعبة التجاهل خاصتها فهو على يقين تام انها غاضبة منه ، يقسم انها تخرج أسوء ما فيه ،وتعلم أنه لا يقبل التجاوز ابدًا بِحق والدته وقد حذرها العديد من المرات ولكن تتعمد ان تعانده وتلقى بِتحذيراته عرض الحائط انتشله من عاصفة افكاره صوتها المتمرد :

– متجيش تاخدني هاخد أوبر مع “نغم”

زفر انفاسه دفعة واحدة و اوقف السيارة ينظر لها نظرات حادة مشتعلة وهي تلملم أشياءها وإن كادت تفتح باب السيارة قال بإصرار وهو يقبض على يدها :

– انا هاجي اخدك زي كل يوم

نفخت اوداجها وصرخت بوجهه بِعناد كعادتها بعدما نفضت يده :

– مش عايزة و سبني براحتي محدش هياكل مني حتة وياريت بلاش تعيش الدور اوي كده يا “يامن” انت بتعمل اللي عليك واكتر

أزاح نظارته الشمسية كاشف عن ناعستيه الثائرة بعدما استفزته بِتمردها المعتاد واعتراضها الدائم ويستطرد بكل ثقة وكأنه يذكرها غافل كون ذلك السبب سبب شقائها :

– أنا مش عايش الدور يا “نادين” دي وصية ابوكِ ليا و ده حقي اللي الشرع سامحلي بيه طول ما انتِ على ذمتي ……… وكلمة كمان هاخدك أروحك وهحلف مفيش جامعة تاني

نفخت أوداجها بِقوة من تهديده الصريح لها وفي أقل من دقيقة واحدة كانت تترجل من السيارة و تركض بعيد عنه بِخطواتٍ عصبية جعلته يلعن تحت أنفاسه وهو ينظر لآثارها فلمَ تعارضه دائمًا وتجبره على تهديدها في كل مرة ، لمَ لم تتفهم كونه يفعل ذلك لأنه يعشقها ويخشى عليها من تلك النسمات العابرة بِجانبها ترى إن لم يكن والدها فعل ما فعله قبل موته كانت بادلته مشاعره هل كانت ستتفهم خوفه عليها دون وصية أبيها تنهد بِعمقٍ وهو يمسد ذقنه بِحركة ملازمة له ما أن اختفت عن أنظاره وتأكد أنها أصبحت بالداخل ثم شرع بالقيادة غافل عن ذلك القابع بِسيارته وعينه تطلق شرار يكاد يحرقه بِموضعه

——————-

أبتسمت بزهو وهي ترى نظراتهم المُسلطة عليها و إن كادت تخطوا نحوهم اوقفها صوت صديقتها :

– “نادين” عاملة أيه ؟؟؟

قالتها فتاه سمراء هادئة الملامح وتزين وجهها بِحجابٍ يتناسب مع ملابسها المُحتشمة

– أهلًا يا “نغم”

أجابتها بِعدم تركيز وعيناها عليهم لا تحيد عن موضعهم، لاحظت “نغم” نظراتها وقالت بِتوبيخ:

– نفسي تسيبك من شلة الفساد دي وتركزي في الدراسة ومع جوزك

= بس متقوليش جوزك ….

قالتها بتأفف وبِعدم رضا لترد “نغم” بِعقلانية :

– ده الواقع اللي لازم تتقبليه وتحترمي قواعده …..

هزت رأسها بلا مبالاة وأخبرتها :

– سيبك بقى… مش كل ما تشوفيني تقعدي تسمعيني كلمتين انا هروح أشوف الشلة وهبقى اكلمك علشان أخد منك المحاضرات اللي فايتاني

= لأ روحي سلمي عليهم وهستناكِ تحضري معايا المحاضرة الأولى مش هتحرك إلا رجلي على رجلك

قلبت “نادين” عيناها بسأم من إصرار صديقتها بينما

تنهدت “نغم” وهزت رأسها بلا فائدة وهي تراها تنضم لهم ليرحبوا بها بِحفاوة كبيرة وبسماتهم جميعًا تفيض إعجاب

فتلك هي” نادين” ولن تتغير بتاتًا منذ أيام الدراسة؛ فطالما كانت تتمرد على كل شيء وتعشق دور القيادية لكي تكون دائمًا محط انظار كل من حولها ،رغم انه يوجد الكثير أجمل منها لكن لا أحد يستطيع يضاهي جاذبيتها وفتنتها وخاصًة عندما تضحك تلك الضحكة الرنانة التي تطلقها لتوها و تقسم انها تجعل العابد يرتكب أفظع الخطايا من أجلها

——————–

بينما عند صاحب البُنيتان القاتمة لاحظ وجوم أبنه أثناء جلوسه على طاولة الطعام ليتسأل مستفهمًا :

– مالك يا استاذ مكشر ليه كده على الصبح

صدر صوت “شريف” المتذمر :

– الباص هيفوتنا ….وانا جعان

ليبعثر “حسن” خصلات الصغير ويسأله في عتاب :

– طيب حقك علينا أخرنا معاليك مفيش بقى صباح الخير الأول

= صباح الخير يا مامي

قالها الصغير وهو يوجه نظراته لوالدته دون أن يعير ابيه اهمية مما جعل “حسن “يستغرب فعلته ويتسأل من جديد :

– انت لسة زعلان علشان مرحناش الساحل

هز الصغير رأسه بنعم ليبرر” حسن “:

– بس أنا وعدتك إني…..

قاطعه الصغير بتذمر :

– انت بتكدب و مامي قالت الكداب بيروح النار

نزل قول الصغير عليه كدلو ماء بارد مما جعله يتناوب معها النظرات كي تنوب عنه وتدخل ككل مرة ،التقطت نظراته و وجهت الصغير :

– عيب كده بابا مينفعش يتقاله كده اتأسف فورًا

= سوري يا بابي

أومأ له تزامنًا مع رنين هاتفه وكعادته نظر لشاشته بِعيون زائغة وببديهية قام برفض المكالمة و نهض من مقعده قائلًا :

– انا لازم اجهز عندي اجتماع مهم

= مش هتفطر يا “حسن” ؟؟

هز رأسه ب لا وهو ينظر لها نظرة غريبة لم تستنبط منها شيء وتوجه لغرفة النوم دون ان يتفوه بِبنت شفة وكأن تأثير تلك الجملة التي صدرت بكل براءة من صغيره حركت شيء ما بداخله وجعلت ضميره يتأكله

نظرت هي لظهره بِضيقٍ واسترسلت بنبرة حانية معاتبه وهي تكوب وجه صغيرها :

– كده برضو يا”شريف” تزعل بابي

ده بيحبك وملوش في الدنيا غيرنا وبعدين هو عنده شغل ولازم نعذره ….بابي اول ما يفضى هياخدنا في المكان اللي تشاوره عليه هو وعدنا بكده وبابي عمره ما وعد وخلف وعده غير لو حاجة غصب عنه

أومأ لها الصغير في تفهم واعتذر مرة آخرى لتهدر “رهف” بنبرة آمرة غير قابلة للحياد كأي أم :

– طب يلا كل واحد يخلص طبقه بسرعة علشان منتأخرش

إنصاعوا لها لتنظر لهم بعيون ساهمة تفكر به وبذلك التغير الذي طرأ عليه في الآونة الأخيرة

————————

جلست بين أصدقائها بكل زهو منفردة بتلك الأضواء التي تسلط عليها بِغياب “نادين” تلك المتبجحة من وجهة نظرها التي تستحوذ على اهتمام كل من حولها

– أوعوا متجوش يا شباب هزعل منكم ده بابي عامل بارتي يجنن هيفوتكم نص عمركم لو مجتوش

قالتها بتفاخر واضح لهؤلاء الذين يجلسون متراصين حولها على الطاولة

لترد أحدى صديقاتها وتدعى”منه” بِمجاملة :

– أكيد يا “ميرال” هنحضر “نادو” قالت انها جاية كمان والبارتي أكيد هيبقى يجنن

أبتسمت” ميرال ” ببهوت وقالت بِغيظٍ :

– “نادو” ….متأكدة انها مش هتيجي أصل بيقولوا خطيبها رجعي متخلف ومش بيرضى يخرجها لوحدها

قهقهوا جميعًا على حديثها لتتسأل أخرى ساخرة :

– ايه الجو القديم ده …معقول لسه في رجاله كده!!

= مفيش ياقلبي وعلشان كده يستحق يبقى مع “نادين الراوي “

فاجأتهم جميعًا بعدما قطعت حديثهم بِكل غرور وكأن لا يوجد أنثى على وجه الأرض غيرها

أبتسمت “ميرال” بسمة مغتاظة وهمهمت بِحقد:

– متتكسفيش وقولي أنه مش بيثق فيكِ…. عااااادي يعني

قهقهت بكامل صوتها الأنثوي المفعم بالفتنة واقتربت كأنها تخبرها سر من أسرار الحرب :

– عذراكِ يا بيبي اصلك معدومة الثقة وفاكرة كل الناس شبهك…..مش كده يا “طارق”

باغتته بِجملتها ذلك الذي كان يجلس يشاهد ما يحدث بِثبات رغم تلك النيران المستعرة بداخله لينظر لها نظرة قاتلة ثم دون مقدمات نهض تاركهم ومعالم وجهه قد تجهمت بِشكلٍ واضح مما جعل “ميرال” تزوغ نظراتها وتتناوبها بين الجميع الذين كانوا يتهامسون ويعتلي وجوههم بسمة ساخرة تعلم المغزى منها

بينما هي ابتسمت بأنتصار بعدما وجدت أنها بتلك الجملة أربكتها و اشعلت النيران بقلبها وجعلت عيناها تقدح لتوها وتهز ساقيها بطريقة هستيرية كي تكبح غضبها لتضيف” نادين ” بِمكر وهي تضع يدها على فمها مدعية البراءة :

– أيه ده هو انا ضايقتك ………..سوري يا “ميرال” بجد

جزت “ميرال” على نواجزها وتمنت لو جذبتها من خصلاتها ومرغتها بالأرض ولكن “نادين” دائمًا ما تكون ردود أفعالها أسرع :

– طب يا جماعة أنا لازم أمشي ومتقلقيش انا هكون اول الحضور في عيد الميلاد لتميل على إذن “ميرال” هامسة بِخبث تجيده :

-وهجيب الرجعي المتخلف بتاعي معايا علشان أثبتلك العكس

ذلك آخر ما تفوهت به تاركة” ميرال” تلعنها بِسرها و تستشيط غضبًا وتقسم انها سترد لها الصاع صاعين

——————————

لحقت به للغرفة لتجده يتحدث بالهاتف بِصوتٍ خفيض للغاية وما أن رآها توتر وبِسرعة البرق كان ينهي محادثته ، اوقفها الأمر لبرهة عاندت فيها أفكارها وسألته :

– هتتأخر يا حبيبي

هز رأسه وهو يرتدي ملابسه وقال بِتبرير :

– انتِ عارفه انه غصب عني المشروع أخد كل وقتي ولازم يتسلم كمان اسبوعين وخايف ملحقش وادفع الشرط الجزائي

احتضنت ظهره وقالت داعية كي تخفف عنه :

= هتلحق يا “حسن ” ربنا يقويك معلش هانت بكرة ربنا اكيد هيكافئك على تعبك

استدار لها وكوب وجنته الممتلئة قائلًا بأمتنان :

– والله يا قلب “حسن” مش عارف من غيرك ومن غير فلوسك اللي ادتهالي كنت هعمل ايه ….

= انا اللي من غيرك ولا حاجة يا “حسن” ربنا يخليك لينا وبعدين فلوسي هي فلوسك

تنهد بِعمقٍ ومال على وجنتها يقبلها و وعدها :

– أدعيلي يا رهف ….وإن شاء الله اول ما اسلم المشروع هرجعلك كل فلوسك وكمان هعملك كل اللي نفسك فيه

اعترضت هي بكل سلام نفسي :

– انا مش عايزة حاجة غير إني أشوفك مبسوط وبتحقق احلامك، انت أهم عندي من نفسي يا “حسن”

جعد حاجبيه ورفض :

– بس ده حقك يا “رهف” و ورثك من أهلك

عارضته هي بِقناعة وثقة تامة :

– أنا وأنت واحد و في الأخر كله هيبقى لينا ولمستقبلنا كلنا مش كده يا “حسن “

أجابها بعدما تهللت اساريره وأحتضنها بِقوة :

– كده يا قلب “حسن “من جوة

لترفع رماديتاها وتسأله بتيه يذهب عقله دومًا :

– بتحبني ؟؟؟؟

انتظرت رده ولكن هو لم يجيبها بل فضل أن يؤكد لها بِطريقته التي يجيدها ويظنها أبلغ من الكلام

—————————–

غادرت من بينهم بعد حديث تلك المتعجرفة وهي تستشيط تريد أن تنفث غضبها بأي شيء ، لتصعد إلى سيارتها وتقودها بسرعة جنونية إلى ذلك المكان البعيد اعلى تلك الهضبة التي طالما انفردت بنفسها به ، وما ان وصلت لوجهتها تدلت من سيارتها واستندت على مقدمتها وظلت فيروزاتها شاردة في تلك الإطلالة الرائعة للبلد من اعلى ،و ظلت جملة واحدة هي ما تتردد بِعقلها ( أصلك معدومة الثقة وفاكرة كل الناس شبهك )

لتقول في قهر وبِعيون غائمة وهي تتذكر الأحداث السابقة وتلك الفضيحة التي اوقعتها “نادين” بها متعمدة وبسببها خسرته :

– اقسم بالله لهدفعك تمن كل اللي عملتيه فيا وبنفس طريقتك يا “نادين”

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى