روايات

رواية خطيئة ميريام الفصل السادس 6 بقلم سارة علي

رواية خطيئة ميريام الفصل السادس 6 بقلم سارة علي

رواية خطيئة ميريام الجزء السادس

رواية خطيئة ميريام البارت السادس

رواية خطيئة ميريام الحلقة السادسة

الفصل السادس ” النبضة الأولى ”
وقفت دارين تتأمل بناية الشركة الشاهقة للحظات قبل أن تتحرك بخطواتها الواثقة داخل الشركة …
كانت تسير متجهة الى موظفة الاستعلامات بينما عينيها تنظران الى المكان شديد الفخامة بإعجاب ..
سألت موظفة الاستعلامات بعدما منحتها إبتسامة رسمية :-
” أتيت لمقابلة عمر بك …”
هزت الموظفة رأسها بتفهم وهي تخبرها رقم الطابق الذي توجد به غرفة المدير لتتحرك دارين متجهة الى المصعد الكهربائي …
دلفت الى المصعد وضغطت على الزر الذي يحمل رقم الطابق لتفتح بعدها كاميرا الهاتف تلقي نظرة سريعة على ملامح وجهها وشعرها تتأكد من كمال شكلها قبل أن تخرج من المصعد بعدما فُتحت الباب لها ..
سارت نحو مكان المكتب بينما تعيد الهاتف الى حقيبتها لتقف أمام مكتب السكرتيرة التي رفعت وجهها لها تهتف ببرود:-
” نعم ..”
هتفت دارين بنفس البرود :-
” لدي موعد مع السيد عمر… ”
تأملتها السكرتيرة لوهلة قبل أن تسألها :-
” أنت المهندسة الجديدة …”
أومأت دارين برأسها لتهز السكرتيرة رأسها بتفهم قبل أن تجري اتصالا سريعا بمديرها …
عادت بعدها تنظر الى دارين تخبرها :-
” عمر بك ينتظرك في الداخل …”
تحركت دارين نحو مكتبه لتطرق على الباب بخفة فيأتيها صوته الرخيم يسمح لها بالدخول …
دلفت الى الداخل وأغلقت الباب خلفها ثم سارت أمامه ليرفع عينيه نحوها يتأملها لوهلة فيجد أمامة فتاة جميلة للغاية وجذابة ترتدي ملابس رسمية قليلا وتبتسم برزانة لا تخلو من الجاذبية الملفتة …
بدورها دارين كانت تقيمه وهي تتقدم نحوه فهو بدا وسيما للغاية وقد منحته بعض الخصل البيضاء التي تتخلل شعره جاذبية أكبر ووقارا يليق به وبمكانته كرجل ينتمي لصفوة المجتمع …
حاولت أن تتجاهل نفورها اتجاهه والذي تولد داخلها بعدما علمته فحمحمت وهي تقف أمام مكتبه مواجهة له :-
” مرحبا عمر بك ..”
هتف عمر وهو يبتسم برسمية :-
” أهلا آنسة دارين …”
ثم أشار الى الكرسي الجانبي :-
” تفضلي …”
جلست دارين على الكرسي ووضعت حقيبتها فوق طاولتها ثم نظرت الى عمر تخبره بعدما رسمت على شفتيها إبتسامة هادئة :-
” أنا سعيدة حقا برؤيتك يا بك …”
” وأنا كذلك يا آنسة ..”
قالها عمر وهو يبتسم برزانة قبل أن يضيف بهدوء :-
” أنت تعلمين إن وجودك هنا جاء بتوصية من صديقي المقرب …”
هزت رأسها بصمت ليضيف باهتمام :-
” لقد حدثني جمال عن مدى ذكائك وشطارتك في عملك … وهذا شجعني على قبول توصيته …”
قالت بسرعة :-
” أنا بالفعل كذلك .. لقد تخرجت من جامعة تعد من أفضل الجامعات في العالم بتقدير جيد جدا إضافة الى عملي كمتدربة في إحدى الشركات الضخمة ورغم إنني لم أستمر في عملي فيها بسبب ظروف منعتني من مزاولة العمل حصلت على توصية خاصة من مدير الشركة …”
فتحت حقيبتها وأخرجت منه جهاز فلاش صغير تخبره بآلية :-
” جميع ما تحتاجه من معلومات عني ستجده هنا في هذا الفلاش …”
أخذ عمر الفلاش يتأمله لثواني قبل أن يضعه جانبا وهو يهتف :-
” لا داعي لذلك .. أنا أثق بحديث جمال ولكن …”
تراجع بجسده قليلا الى الخلف وهو يضيف :-
” لا بد أن أرى إمكانياتك بنفسي قبل أن يتم تعيينك رسميا هنا …”
قالت بسرعة لا تخلو من الثقة :-
” وأنا جاهزة لهذا …”
قال بجدية وهو يتصل بسكرتيرته :-
” سعاد سوف تأخذك الى مكتب سالم ليتولى القادم … ”
نهضت من مكانها بسرعة عندما دلفت السكرتيرة ليخبرها عمر :-
” خذي الآنسة دارين الى مكتب سالم حالا يا سعاد ولا تنسي أن تخبريه عنها …”
هزت سعاد رأسها بإذعان وهي تشير الى دارين أن تتبعها لتمنح دارين إبتسامة شاكرة قبل أن تتحرك خلف دارين التي سارت بها حيث مكتب سالم والذي يقع مقابلا لمكتب والده …
أشارت السكرتيرة لها تخبرها وهي تشير الى الكنبة الموضوعة في الغرفة الخارجية لغرفة مكتبه :-
” انتظريني هنا ..”
ثم تحركت الى داخل غرفته تتابعها دارين بنظرات منزعجة قبل أن تعاود تأمل الغرفة الصغيرة الحجم قليلا متعجبة من عدم وجود سكرتيرة خاصة لسالم مثل والده …
خرجت سعاد بعد دقيقتين وقالت لها :-
” سالم بك ينتظرك في الداخل ..”
هزت دارين رأسها بتفهم وحملت حقيبتها ثم نهضت من مكانها وتوجهت الى الداخل بعدما طرقت على الباب لتجده منكبا على حاسوبه الشخصي بتركيز مرتديا نظارة طبية منحته جاذبية خاصة وهو الذي بدا شبيها بوالده للغاية …
رفع عينيه من فوق الحاسوب وأشار لها فورا :-
” تفضلي يا آنسة …”
سارعت دارين تجلس على الكرسي باسترخاء وهي ترسم على شفتيها نفس الإبتسامة الهادئة الواثقة لتجده يغلق حاسوبه ويخلع نظارته الطبية ليسترخي بدوره في جلسته ويخبرها بنبرة جافة :-
” انا بطبيعتي لا أحب التوصيات لكنني للأسف مضطر الى قبول تدريبك هنا معنا لإن الوالد أراد ذلك بل أصر عليه ..”
أزاحت دارين خصلة من شعرها تضعها خلف أذنها وهي ما زالت تحتفظ بنفس الثقة داخلها لتخبره بهدوء :-
” أتمنى ألا يكون حكمك عليّ فيما بعد مرتبطا بأمر التوصية ….”
قال سالم على الفور :-
” بالطبع لا ..”
أضاف بجدية :-
” الأمر يتعلق بمدى كفاءتك .. في النهاية انا رجل عملي جدا واذا وجدت أمامي مهندسة مجتهدة تستحق أن تعمل في شركتي فلن أفكر في شيء آخر سوى ضمها لمجموعة المهندسين العاملين في الشركة والذين حرصت على انتقائهم فردا فردا …”
كانت نظراته ونبرة صوته تخبرها إنه يتعمد ذكر كل كلمة تخرج منه فهو يخبرها منذ البداية إنه لا يهتم بأمر التوصية ولن تؤثر في قراره في بقائها من عدمه …
شمخت برأسها تخبره بصلابة :-
” سأكون من ضمنهم وقريبا أيضا بإذن الله …”
هتف بجدية :-
” أتمنى ذلك يا آنسة …”
أكمل مشيرا لها :-
” ستذهبين عند سعاد مجددا كي تأخذك الى السيد رفعت رئيس المهندسين وهو الذي سيتولى مسؤولية تدريبك لمدة شهرين قبل إتخاذ القرار المناسب في بقائك وعملك معنا أم لا …”
عاد يسحب نظارته ويرتديها ثم يتبعها بحاسوبه الذي فتحه مجددا لتنهض هي من مكانها وتحمل حقيبتها وتتحرك خارج المكان متجهة الى سعاد حيث ستبدأ تدريبها أخيرا …
………………………………………………..
وقفت شهد أمام المرآة تتأمل مظهرها للوهلة الأخيرة قبل مغادرتها المنزل متجهة الى الشركة كما طلبت منها منى عندما وجدت والدتها خلفها تتأملها بحنان وهي تخبرها :-
” تبدين متحمسة للغاية بسبب تدريبك في الشركة …”
التفت شهد نحو والدتها وهي تبتسم بفرحة ما زالت تسيطر عليها منذ أن علمت بقرار منى في ضمها الى شركتها وقالت :-
” متحمسة جدا يا ماما وأشعر إنني سوف أطير من الفرحة ..”
تقدمت والدتها نحوها وقالت بينما تلمس خصلاتها العسلية بخفة :-
” أنا سعيدة جدا لأجلك .. أخبرتك إن الأيام القادمة ستكون أفضل بإذن الله …”
ضحكت شهد وهي تعانقها بخفة تخبرها بعدما تنهدت بصمت :-
” ستكون أفضل بوجودك معي بإذن الله …”
ربتت والدتها على شعرها قبل أن تخبرها :-
” هيا سارعي لمغادرة المكان والتوجه الى الشركة … عليك أن تصلي قبل منى هانم ..”
” حسنا ..”
قالتها شهد بسرعة وهي تسارع لإرتداء حذائها عندما سمعت طرقات على الباب فهمت بالنهوض لفتحها لكنها وجدت والدتها توقفها وهي تخبرها بينما تتجه خارج غرفة نومها الصغيرة:-
” سوف أفتحها أنا ..”
ثم فتحت الباب لتتفاجئ بمنى أمامها فهمست بدهشة :-
” منى هانم ..!”
ثم أكملت بسرعة وحرج :-
” اهلا يا هانم .. تفضلي …”
انتفضت شهد من مكانها ما إن سمعت بإسم منى لتدخل منى وهي تمنح والدتها إبتسامة رسمية قبل أن تسألها :-
” أين شهد ..؟!”
أضافت وهي تلتفت حولها :-
” أتمنى ألا تكون غادرت بعد …”
خرجت شهد من غرفتها الصغيرة المجاورة لغرفة الجلوس وهي تقول بسرعة :-
” انا هنا يا هانم .. لم أغادر بعد …”
قالت منى بسرعة بعدما ألقت اليها نظرة سريعة :-
” هيا إذا .. ستذهبين معي اليوم …”
ثم تحركت خارج المكان تتابعها بشهد بدهشة فهي مذهولة مما سمعته حتى سمعت والدتها تخبرها بسرعة :-
” هيا يا شهد .. تحركي بسرعة ..: لا تدعي الهانم تنتظرك …”
سارعت شهد تركض اتجاه غرفتها تجذب حقيبتها وتتجه مسرعة خارج المنزل الصغير الملحق بالقصر لتجد منى تقف بجانب سيارتها تنتظرها فتقدمت نحوها وهي تتمتم معتذرة :-
” أعتذر لإنني تأخرت ..”
قاطعتها منى وهي تتحرك إتجاه كرسي السائق :-
” اركبي هيا …”
فسارعت شهد تفتح الباب الآخر وتركب جانب منى التي شغلت سيارتها وبدأت في قيادتها …
سيطر التوتر بشدة على شهد وهي تجلس بجانب احدى سيدات القصر الذي تعمل به والدتها كخادمة تجاورها في سيارتها الحديثة …
شعرت منى بتوترها فقالت بصوتها الجاد :-
” التوتر لا يناسب الفترة القادمة يا شهد … أنت تحتاجين لإثبات ذاتك في مجال دراستك .. اليوم تبدئين العمل في شركة ضخمة مع مئات الموظفين وعشرات المهندسين تحديدا الذين يتنافسون لإبراز قدراتهم وإثبات وجودهم في الشركة لذا عليك أن تتسلحي بذكائك وجديتك في العمل كي تستطيعين منافستهم والتفوق عليهم أيضا والأهم أن تمتلكي شخصية قوية وثقة في نفسك وقدرات تؤهلك لهذه المنافسة …”
هزت شهد رأسها وهي تتمتم بصدق :-
” معك حق يا هانم …”
قالت منى بجدية :-
” عليك أن تتوقفي عن قول هانم … أنت ستكونين موظفة لدي وأنا مديرتك … ناديني كجميع الموظفين … ”
هزت شهد رأسها مجددا بإذعان قبل أن تنظر من خلف النافذة الى الطريق وهي شاردة تفكر فيما ينتظرها في تلك الشركة …
…………………………………………..
أخذت حوراء ترتشف عصيرها البارد بصمت بينما صديقتيها تتحدثان باستمرار…
كانت شاردة تماما غير منتبهة على حديثهما وهي التي تفكر به كعادتها حتى سمعت صديقتها تنادي عليها فسألها بملامح متجهمة :-
” ماذا هناك يا رزان …؟!”
سألتها رزان باهتمام :-
” ما بالك يا رزان …؟! أنت شاردة منذ بداية اليوم …”
تمتمت حوراء بضيق خفي :-
” لا يوجد شيء …”
تحدثت صديقتها الأخرى :-
” كيف لا يوجد شيء ..؟! هذا الشرود وراءه الكثير بالطبع …”
أضافت بجدية :-
” دعيني أخمن … الأمر يتعلق بفارس .. أليس كذلك …؟!”
هزت حوراء رأسها بصمت لتقول رزان بسرعة :-
” أخبرتك ألف مرة أن تتوقفي عن التفكير به يا حوراء … لا أفهم لمَ مصرة لهذه الدرجة عليه …”
قالت حوراء بسرعة :-
” لإنني أحبه يا رزان ولن أتوقف عن التفكير به ..”
قالت رزان بسخرية :-
” حقا ..؟! وماذا بعد ..؟! تفكرين به طوال الوقت و تحزنين بسبب تجاهله لك دائما … ألا تلاحظين إنه بات يسيطر عليك كليا ويشغلك عن كل شيء يجري حولك …؟!”
زمت حوراء شفتيها بصمت بينما قالت غيداء صديقتها الاخرى بسرعة :-
” حسنا يا حوراء … نحن نفكر في مصلحتك … فارس هذا لا يستحقك … ”
هتفت حوراء بحدة :-
” ليس هذا ما أنتظر سماعه منكما … أنا أفكر في طريقة للوصول الى قلبه وأنتما ..”
قاطعتها رزان ببرود :-
” لا توجد أي طريقة يا حوراء .. انت لا يمكنك أن تحصلي على قلبه مهما فعلت … الحب وما شابه هو أمر بديهي لا يحتاج الى مخططات لتكوينه… ”
” لماذا لا يحبني إذا ..؟! ”
سألتها حوراء بحيرة تتسائل عن السبب الذي يجعل فارس ينأى عنها وهي الجميلة بل الفاتنة التي لطالما أثارت إعجاب كل شاب يراها لتقول رزان بتعقل :-
” لإن الحب وتكوينه لا علاقة له بمدى جمالك او ثراءك او نجاحك حتى …”
تحدثت غيداء بتردد :-
” ربما يحب غيرك …”
اتسعت عينا حوراء بعدم تصديق وهي تردد :-
” يحب غيري .. معقول ..؟!”
ثم قالت بسرعة تنفي هذا الحديث :-
” بالطبع كلا … فارس لا يحب أي واحدة … أساسا أنا سألته وهو أخبرني بذلك …”
لوت رزان شفتيها تخبرها ببرود :-
” وهل تعتقدين إنه سيخبرك بوجود إحداهن في حياته وهو يراك تلتصقين به طوال الوقت وتحاولين جذب إنتباهه بكل الصور …؟! بالطبع لن يفعل .. سينكر ذلك تهربا منك …”
” مستحيل …”
قالتها حوراء بذعر حقيقي من فكرة أن يكون فارس متعلقا بغيرها لتقول غيداء محاولا التخفيف عنها :-
” وربما لا تكون هناك أخرى في حياته … ربما هو صادق في حديثه …”
سألتها حوراء بأمل :-
” أليس كذلك يا غيداء ..؟!”
قالت غيداء بسرعة :-
” سيكون كذلك بإذن الله ولكن ..”
توقفت قليلا ثم أضافت بحذر :-
” ولكن رزان معها حق .. ما تفعلينه ليس حلا يا حوراء .. الحياة لن تتوقف على فارس .. أنت جميلة ومئة شاب بل ألف شاب غيره يتمناك …”
” وأنا لا أريد سواه …”
قالها حوراء بإصرار لتتأفف رزان بملل بينما قالت غيداء بجدية :-
” والحل ..؟! ماذا ستفعلين مجددا ..؟! لقد حاولت بكل الطرق …”
تمتمت رزان بسخرية :-
” لم يتبق سوى أن تخطفينه و تجبريه أن يتزوجك …”
تجاهلت حوراء سخرية صديقتها وقالت بجدية :-
” ربما علي تغيير تصرفاتي فعلا … أحتاج الى التصرف بشكل مختلف قليلا …”
سألتها غيداء بإهتمام :-
” كيف ..؟!”
ردت حوراء وهي تشرد بعينيها :-
” ربما علي أتصرف بشكل معاكس …. أنا أعتقد إن حبي الظاهر له يجعله يزداد تكبرا علي ويضاعف من غروره بنفسه … ”
أضافت وهي تحرك خصلة شعرها بينما المكر يعلو ملامحها :-
” ربما يجب تغيير تصرفاتي معه … لا بأس بقليل من التجاهل الذي سيجده غريبا للغاية … ”
وافقتها غيداء بخبث :-
” وربما نحتاج الى قليل من الغيره …”
هتفت رزان بعدم تصديق :-
” ماذا تقولان أنتما ..؟!”
” لا تتحدثي أنت …”
قالها حوراء بصرامة قبل أن تضيف وهي تبتسم لغيداء :-
” أحسنت يا غيداء … علينا أن نثير غيرته … ولكن كيف ..؟!”
ظهر مكر مشابه على ملامح غيداء وهي تخبرها :-
” سأخبرك …”
…………………………………………
وقف قرب النافذة المطلة على الشارع الخارجي المزدحم بالسيارات يرتشف قهوته بصمت بينما عقله يعود الى الوراء قليلا حيث عامين من الزمن متذكرا حديثها الأخير قبل سفرها :-
” أنا آسفة يا فارس … لكنني لا أستطيع … لو كنت تحبني حقا لكنت تفهمت وضعي .. لكنك لا تفعل … أنت ترفض تفهمي يا فارس … عائلتك ترفضني وأنا لا يمكنني البقاء معك رغم رفضهم لي … صدقني لا يمكنني ذلك … أنا سوف أسافر يا فارس … سأخرج من حياتك حالا ولكن تذكر دائما بعد رحيلي إنني أحببتك حقا … أحببتك أكثر من أي شيء …”
عاد يرتشف قهوته من جديد وهو يتذكر رحيلها بعدها ..
لقد مضى عامين على رحيلها ..
كانت حبه الأول …
أول من دق قلبه لها …
أحبها وهي كذلك أحبته لكن الظروف أبت أن تجمع بينهما …
بسبب رفض عائلته الصريح لها وما تبعه من أحداث جعلتها تقرر الرحيل أخيرا بعدما فقدت الأمل في علاقتهما ..
أفاق من شروده على صوت خالته ترحب به بعدما طلبت منه المجيء لشركتها ليلتفت وهو يبتسم فتقبله بحب وهي تطلب منه أن يجلس على الكنبة الجانبية في المكتب ..
قالت منى هي تضع ملفا كانت تحمله معها على الطاولة المقابلة للكنبة :-
” هل تأخرت عليك ..؟!”
أجاب فارس بخفة :-
” قليلا …”
ضحكت مرددة :-
” مهما تأخرت فأنت مجبر على انتظاري ..”
مازحها بدوره :-
” بالطبع ، ألستِ خالتي ..؟!”
رددت وهي تنظر إليه بعدم رضا :-
” خالتك التي تكبرك بثلاثة أعوام ليس إلا …”
ابتسم وهو يعود بظهره للوراء يسألها بجدية :-
” ما سبب دعوتك إلي يا منى ..؟! هل الأمر يتعلق بالعمل أم …”
قاطعته منى بجدية :-
” بل يتعلق بك …”
أضافت وهي تضع قدما فوق الأخرى :-
” و كذلك حوراء أيضا …”
تغضنت ملامحه برفض فوري وهو يهتف :-
” حتى أنتِ يا منى ..؟!”
قالت منى بسرعة :-
” ماذا فهمت أنت ..؟! أنت فهمتني بشكل خاطئ.. أنا لست مع البقية أبدًا في رغبتهم بذلك …”
قال بجدية :-
” ولا أنا …”
” أعلم ذلك …”
قالتها بتأكيد قبل أن تضيف :-
” ولكن عليك أن تنتبه … والدتك تريد ذلك بشدة وتسعى إليه …”
تجهمت ملامحه تماما لتضيف بتأني :-
” وجدك يتمنى حدوث ذلك أكثر من أي شيء …”
قال فارس بثقة :-
” دعيهم يتمنون كما يريدون … في النهاية لن يحدث سوى ما أريده وأنت تعلمين ذلك …”
” أعلم ذلك جيدا ولكن …”
توقفت قليلا قبل أن تضيف :-
” كن حذرا قليلا … ولا تستهين بحوراء…”
هتف فارس بتهكم :-
” ما بالك يا منى …؟! حوراء تلك ليست سوى فتاة مغرورة حمقاء لا تجيد شيئا سوى السخرية من الآخرين والتقليل منهم .. تعتقد إنها من خلال ذلك يمكنها أن تسيطر على الجميع وتحصل على ما تريد …”
هتفت منى بجدية :-
” هل تعلم يا فارس ..؟! أحيانا كثيرة أشفق عليها .. حوراء نتاج تربية خاطئة بكل أسف وخسارة أم كانت ستؤثر بها بشكل مختلف تماما …”
قال فارس بجدية :-
” حتى لو ما تقولينه صحيحا ولكن هذا لا يمنع إنها لديها استعداد لذلك … لا أعتقد إن تدليل خالي وجدي لها هو من جعلها تعامل من حولها بتلك الطريقة المستفزة … هناك أشياء فطرية لا علاقة لها بالتربية والنشأة …”
” ربما ..”
قالتها منى بخفوت قبل أن تضيف :-
” ولكن مع هذا سأقولها مجددا .. لا تستهين بها .. حوراء ذكية للغاية وتفعل أي شيء للحصول على ما تريد …”
ابتسم فارس مرددا بعدم تصديق :-
” ما بالك يا منى ..؟! هل هناك شيئا لا أعرفه ..؟!”
تنهدت منى وهي تخبره :-
” فقط توخى الحذر منها …”
هز رأسه بتفهم قبل أن يتحدث معها قليلا بشؤون العمل حيث يجمع شركته بضعة مشاريع مع شركتها ناقشها معها قبل أن ينهض من مكانه وتنهض هي بنتها لتوديعه ليتفاجئ بتلك التي تدخل من الباب وهي تحمل ملفا معها …
تمتم مدهوشا من وجودها:-
” شهد …”
رفعت شهد وجهها سريعا قبل أن تنصدم برؤيته فتهتف بسرعة :-
” أهلا فارس بك ..”
قالت منى بجدية :-
” تعالي يا شهد …”
ثم أشارت تخبر فارس :-
” شهد تتدرب في شركتي يا فارس ….”
سألها بإهتمام :-
” هل تدرسين الهندسة ..؟!”
أومأت شهد برأسها لتقول منى وهي تتحرك اتجاه مكتبها :-
” الهندسة المعمارية .. إنها مبدعة يا فارس … لديها مستقبل باهر …”
قال فارس وهو يبتسم لها برزانة :-
” منى لا تمدح أحدا بسهولة … لا يعجبها العجب كما يقولون …”
ارتفع نظرات منى الحادة نحوه بينما ابتسمت شهد بحرج ليغمغم بخفة :-
” أنا أقول الحقيقة ولا يمكنك إنكار ذلك …”
أشارت منى الى شهد تخبرها :-
” يمكنك أن تأخذي الملف … لقد وضعت التواقيع المطلوبة عليه …”
سارعت شهد تأخذ الملف ثم تستأذن منهما بخفوت وهي تتحرك خارج المكان ليتابعها فارس بنظراته حتى غادرت المكتب قبل أن يعود الى منى ينظر لها بتساؤل لتبتسم له قائلة :-
” لا تستغرب ذلك … أنا أحب شهد كثيرا …”
أكملت وهي تجلس فوق كرسيها :-
” أحب الفتيات أمثالها كثيرا … فتاة ذكية ومجتهدة .. تسعى لخلق كيان لنفسها رغم مقومات حياتها البسيطة للغاية …”
هز فارس رأسه بتفهم قبل أن يخبرها إنه سيغادر ثم تحرك خارج من المكان ليتوقف أمام السكرتيرة للحظات مترددا …
سألها أخيرا :-
” أين يقع مكتب الموظفة التي غادرت قبل لحظات ..؟!”
هتفت السكرتيرة بجدية :-
” تقصد شهد .. مكتبها في نفس الطابق في الجهة المقابلة …”
ثم أخبرته برقم الغرفة ليتوجه الى هناك متجاهلا التساؤلات التي تنبع داخله عما يجعله يذهب وراءها ليتوقف قرب الغرفة الواسعة والتي تضم مكاتب العديد من المهندسين فيجدها تنحني أمام ورقة هندسية بيضاء موضوعة فوق مكتبها وعلى ما يبدو إنها ترسم مخططا هندسيا فوقها …
تجاهل تلك النبضة الغريبة الهاربة من قلبه وهو يتأمل فستانها الناعم وشعرها المنسدل على جانبي وجهها بنعومة وتلك الإبتسامة التي أضائت وجهها بعدما رفعت وجهها من فوق التصميم تتأمله بسعادة قبل أن تزيح خصله ناعمة من شعرها خلف أذنها …
شعر بالغضب من نفسه وهو يقف في باب المكتب يتأملها بصمت غريب يثير التساؤلات فهم بالتحرك لكن نظراتها التي تلاقت بنظراته جمدته كليا ..
لقد ألقت شهد القبض عليه متلبسا وهو يتأملها بشرود مثير للشبهات …
………………………………
تقدمت دارين نحو ميريام التي كانت تجلس أمام حاسوبها الشخصي تتأمل صورة لحوراء تملأ الشاشة أمامها …
هتفت بجدية وهي تجلس على الكرسي الجانبي :-
” أنت تهتمين بأمر تلك الفتاة أكثر من البقية …”
سارعت ميريام تغلق الحاسوب بنفس الصمت لتضيف دارين :-
” أشعر إنك تتحاملين عليها أكثر من عمر نفسه حتى …”
تمتمت ميريام :-
” ربما لإنها صغيرته ومدللته …”
توقفت قليلا قبل أن تضيف :-
” او ربما لإنني كلما أراها أتذكر ابنتي التي كان من المفترض أن تكون مكانها …”
نظرت نحو دارين تضيف بخفوت :-
” هل تعلمين إنها مواليد نفس السنة التي أنجبت بها ابنتي…؟! كلما أراها أشعر بالحسرة على طفلتي التي رحلت بتلك الطريقة البشعة بسبب والدها الحقير بينما هي ترعرعت بين أحضانه ونالت حنانه و إهتمامه وكل شيء …”
تطلعت دارين لها بشفقة بينما أكملت ميريام بحقد :-
” تلك الفتاة وحدها من ستحرق قلبه وتجعله يشعر بما شعرت به طوال السنوات الفائتة …”

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطيئة ميريام)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى