روايات

رواية خطايا بريئة الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الجزء السابع والثلاثون

رواية خطايا بريئة البارت السابع والثلاثون

رواية خطايا بريئة
رواية خطايا بريئة

رواية خطايا بريئة الحلقة السابعة والثلاثون

“مؤلم أن تتصنع الابتعاد، وأنت من الشوق تكاد تنفجر.”
– جبران خليل جبران
—————–
-إكده والله ما ليكِ حج واصل
قالتها “قمر”وهي تدخل لها غرفتها وتجدها منكمشة بالفراش وساهمة في نقطة وهمية في الفراغ إلى ان استحوذت على انتباهها وردت عليها:
-لأ ليا حق ومتدافعيش عنه
-يا حَزينة ده الراچل كان هيتخرع عليكِ وجت ما كنتِ غميانه ده جطع جلبي وهو هيصرخ بأسمك وكان راسه وألف سيف يچيب حكيم عشان يطمن
تنهدت متسائلة وهي تدعي البرود:
-هو فين؟
– يهمك أمره بعد ما طردتيه بنص الليل
رفعت نظراتها لها وهي تشعر بالضيق مما فعلت فلم تغمض عيناها وظلت تفكر به وبكل كلمة نطق بها، فهي رغم عنادها تعلم انها مخطئة وخطئها فادح بالنسبة له، وكم كانت تتخوف من تبعات اخطائها وردود أفعاله نحوها ولكن تقسم أنها لم تتوقع قط أن يتركها ويتخلى عنها دون أن يعير أنه هو حصن أمانها و ملجأها الوحيد منذ صغرها فتعودت تركض إليه حين تخطئ وهو بدوره يتفهمها ويتهاون مع أخطائها ويتغاضى عن أفعالها ويحاول بشتى الطرق احتوائها ولكن هي لم تقدر وتمادت وظنت أنه يفعل شيء اعتيادي لا قيمة له بالنسبة لها ولكن ما حدث من توابع لذلك اليوم المشؤم جعلها تدرك أنها لا تنتمي لشيء في حياتها بقدر ما تنتمي إليه وحقًا ذلك ما اوجع قلبها انها اكتشفت ذلك مؤخرًا وقبل أن تحصد توابع اخطائها.
-واه مسهمة فإيه؟
انتشلتها “قمر” من دوامة افكارها لتتلعثم مكررة بلهفة حاولت اخفائها:
-هو بات فين يا “قمر”؟
اعتلى حاجب “قمر” واجابتها:
-مخبراش و محدش نضره من وجتها وشكله إكده يأس وعاود البندر يشوف اشغاله
ابتلعت ريقها بخوف وهبت من الفراش متسائلة بلهفة جعلت “قمر” تتعجب من حالها:
-مشى…وسابني
-واه مش أنتِ اللي محچرة راسك وعاوزة إكده
نفت برأسها وهرولت من امامها تتفقد أمره وهي تكاد تموت رعبة كونه تركها مرة أخرى فقد بحثت عنه في كافة الغرف وحتى ساحة البيت ولكن لم تجده لتخرج من الباب وتجول محيط المكان بعيون غائمة وأنفاس متلاحقة وقلب يلتوي بين ضلوعها يقصد إيلامها كونها لم تستمع لصرخاته وعصته في سبيل عنادها، لتقترب منها “قمر” متسائلة:
-ملجتهوش
نفت برأسها…لتخمن “قمر”:
-يمكن عاود صوح ده حتى عربيته مش موچودة
نفت برأسها ترفض تصديق الأمر ثم اخذت تعصر عقلها تفكر أين من الممكن أن تجده وإن أتت تلك الفكرة برأسها سألت “قمر” :
-تعرفي توديني بيت خالي” سعيد ”
-ايوه اُمال بس هنعمل ايه هناك!
-ممكن يكون عنده
وهنا تهكمت” قمر” كي تسبر أغوارها:
-ولو لجتيه هتعملي إيه؟هتجبري بخاطره!
تأففت هي وراوغت بنفاذ صبر:
-لما ابقى الاقيه الأول ابقى افكر هعمل ايه يلا تعالي وصليني
تنهدت “قمر” وسايرتها ولكن بعدما جلبت لها أحد عبائتها المصحوبة بغطاء الرأس وجعلتها ترتديها وحين فعلت اصطحبتها إلى هناك وما أن وصلوا اخذت تجول محيط البيت بعيناها على أمل ان تجده ولكن بلا فائدة وحينها قالت” قمر”:
-مش هندج على الباب ولا إيه؟
اجابتها بفطنة وهي تدلك جبهتها تشعر بذلك الدوار اللعين يداهمها :
– خالي الوقت ده اكيد في الأرض ومفيش حد هتلاقيه في البيت غير طنط “هانم” مراته واكيد “يامن” مش جوه في غياب خالي
-ها صوح كيف فاتتني دي
تحاملت على ذاتها وزفرت العديد من انفاسها ثم تقدمت بضع خطوات لتصل للأرض الزراعية لعلها تجده وحقًا كادت تموت قهرًا من حسرتها وتفقد الأمل لولآ صوته ذات النبرة المميزة الذي همس خلفها:
-بتدوري على حاجة.
اغمضت عيناها بأرتياح ونمت بسمة على ثغرها أخفتها سريعًا وهي تحاول جاهدة أن تلزم ثباتها ولا تشعره بما يعتريها، ثم استدارت لتتجمد بأرضها ويتلجم لسانها وهي تراه يقف أمامها بقفطان اسود حالك يضاهي بلونه لون شاربه الكثيف وذقنه التي جعلها تستطال تزين وجهه وتزيد من وسامة ملامحه الرجولية وتمنحه إطلالة طاغية لا تقاوم ورغم انها لاحظتها بالأمس إلا انها لم تنتبه لمدى جاذبيتها من شدة أنفعالها وكأن شيطانها لم يظهر لها سوى غضبها منه وذلك العتاب الذي كان يثقل قلبها.
اعجبه صمتها واخذ ينظر لها نظرات دافئة مثل دفء الشمس التي تعكس نورها داخل بُنيتاه وتجعلها تبدو كسيل من الشوكولاته الذائبة التي تمنت أن تغرق بها وبلذتها في وقتها.
-كل ده تفكير ده شكل الحاجة اللي بتدوري عليها دي غالية أوي عندك وهتزعلي لو ضاعت
قالها بنبرة مبطنة وهو يمط فمه كي يغيظها حين رأها ساهمة تجول بعيناها على تقاسيمه بنظرات يعلمها جيدًا ويعلم ما المغزى منها رغم عنادها التي استمرت عليه حين اجابته:
-مش بدور على حاجة انا كنت جاية اشوف خالي بس يظهر انه مش هنا…تلعثمت وتلجلجت لأكثر من مرة وحتى انها تهربت بنظراتها منه كي لا يفتضح أمرها لحين اتاها صوت “قمر” متسائلة بفرحة:
-اخيرًا لاجتيه يا “نادين”
زفرت بارتياح وغيرت مجرى الحديث كي تتستر على لهفتها:
-لأ ملقتهوش شكله في الأرض
جعدت “قمر” حاجبيها بعدم فهم فمن تقصده هي يقف أمامهم ولكن الأخرى استأنفت كي توضح لها:
-هسلم على طنط “هانم “وهبقى اجيله مرة تانية
حانت منه بسمة عابرة وهو يتفهم ما تحاول فعله وقال ساخرًا وهو يشعلق حاجبيه ويضرب كف على آخر:
-ياه على سوء النية ده انا كنت فاكرك جاية تطمني عليا
اكتفت بالنفي برأسها وادعت أن أمره لا يعنيها بينما بداخلها كانت تشعر بالارتياح كونه مازال هنا وإن كادت ان تلتفت وتعود للمنزل كي ترى زوجة خالها كما أخبرته منعها بقوله:
-طب ابقي كلمي امي طمنيها علشان تلفوني فاصل ومعيش شاحن، وبالمرة قوليلها انك مش راضية ترجعي معايا
ردت هى بعناد تصر عليه رغم صرخات قلبها التي تتوسل لاستسلامها:
-ايوة مش هرجع معاك يا “يامن “وعايز تمشي اتفضل محدش هيمنعك
مرر يده على وجهه يستدعي اخر ذرة صبر بداخله ثم أجابها بنبرة واثقة:
-مش همشي غير وانتِ معايا يا “نادين” ولو كنتِ أنتِ عنيدة أنا اعند منك واقدر اخدك بالعافية ومفيش حد هيقدر يمنعني فمتضطرنيش لكده
رفعت سبابتها بوجهه هادرة:
-محدش يقدر يجبرني على حاجة أنا مش عيزاها وحتي لو كنت انت
تمسك بسبابتها وانزلها ثم دثر يدها بين يده قائلًا بنظرات دافئة افتقدتها منه:
-اقدر يا “نادين” وانتِ عارفة كده كويس وطولة بالي عليكِ دي علشان بحبك ومقدرش اعيش من غيرك
بعثرها كعادته وزعزع ثباتها فقد وهنت نظراتها ووخارت قواها وتمنت أن ترتمي بين يديه وتعبر عن اشتياقها لذلك الحصن الأمين الذي يشيده حولها ولكن لا سبيل من الجهاد ضد تمرد عقلها، فقد لملمت شتاتها و نزعت يدها من بين يده ثم لوحت بها بلامبالاة قائلة قبل أن تفر هاربة من أمامه:
-بس أنا اقدر اعيش من غيرك ولأخر مرة بقولك مبقتش عيزاك ولا حتى طايقة أبص في وشك
خنجر مسموم انغرس بقلبه من إصرارها ورفضها له ورغم معرفته أنها تعاند لا أكثر إلا ان كسى الحُزن معالم وجهه وشعر أن قوة احتماله على وشك النفاذ ليزفر انفاسه دفعة واحدة وتظل نظراته معلقة على أثرها بملامح يائسة متهدلة إلى أن اتاه صوت” قمر “التي شَهدت على عنادها وعقبت مواسية:
-هتكابر…وحياة رَبنا بتعشجك بس لساتها واخدة على خاطرها منك متجلجش بكره تروج
حانت منه بسمة باهتة لم تمسس الحزن الذي يحتل عينه ثم قال كي يغير سير الحديث:
-عايزة تقولي ل “حامد” حاجة انا هروحله
هزت رأسها واخفت فمها بطرف شالها قائلة بحرج:
-ايوة بالله عليكِ جوله مينساش الجلاب إلا لادد عليّ جوي ونفسي ريحاله
تنهد هو وهز رأسه ثم غادر ليلحق ب”حامد” وخالها لتقول “قمر” بتعاطف قبل ان تلحق بها:
-رَبنا يحنن جلبها عليك يا حزين
———————-
تمت التحقيقات الأولية وقد اعترف “سنقر “عليها كونها هي من حرضته على قتل “فاضل” وقد أخبرهم بمكيدتها فكانت تأمره أن يقوم بسرقة القصر كي يظن رجال الشرطة أنه حادث سرقة ولكن “محمد” الذي ادلى بشهادته ضدهم افسد الأمر على الأخير ومع ضغط رجال الشرطة على “دعاء” خرت بكل شيء وقصت عليهم كيف يسرت الأمر ومن ساعدها وبالفعل تم القبض على خادمتها ورجال “سنقر” الذين كانوا معه يومها.
وهاهو” فاضل “يجلس بمكتب أحد الضباط بعدما سمح له برؤيتها، لتدخل هي بملامح شاحبة تخالف تلك الهيئة الزاهية المتباهية التي كانت عليها و يجر بها إحد الأمناء كالخرقة البالية التي لانفع منها وحين رأته تهللت اساريرها وارتمت عليه قائلة:
-“فاضل” انا كنت متأكده انك مش هتصدق أنا عارفة أنك بتحبني مش كده يا “فاضل”
ابعدها عنه قائلًا:
-اخرسي خالص انتِ ليكِ عين تنكري عملتك السودة
نفت برأسها وجثت تحت قدمه تود تقبيلها قائلة:
-سامحني يا “فاضل” وانا هعيش خدامة تحت رجلك انا غلطت والطمع كان عاميني حقك عليا
رفسها بقدمه بعيدًا عنه وقال بصحوة بعدما انقشعت غشاوة عينه :
-للأسف مبقاش ينفع الندم يا “دعاء” انا بحمد ربنا أنه كشفك على حقيقتك قبل ما كنت خسرت بنتي وخسرت نفسي
-اسمعني يا “فاضل” انا…
حاولت الدفاع عن ذاتها في محاولة بائسة منها كي تستعطفه ولكن قاطعها هو:
-انت طالق…طالق…طالق يا”دعاء”
صرخت هي بهستيرية واخذت تهز برأسها ليستأنف هو كي يزيدها عليها:
-انا رجعت كل اللي كتبته بأسمك ليا بالتوكيل العام اللي كنتِ عاملاه علشان اخلص بيه إجراءات البيوتي سنتر بتاعك
شهقت هي متفاجئة في حين هو رمقها مرة أخيرة بتشفي قائلًا:
-اظن حقي ورجعلي يا “دعاء” هانم انا طول عمري عارف أنك طماعة وهدفك الأول والأخير الفلوس وعلشان كده رفضت اخلف منك… وبصراحة مكنش فارق معايا طمعك وكنت بعوضك بالفلوس وانا فاكر كده بملى عينك علشان متفكريش في فرق السن اللي بينا، لكن عمري ما توقعت أن طمعك يخليكِ تحاولي تقتليني….يا خسارة يا” دعاء” أنتِ طلعتِ حقيرة وقليلة الأصل ده أنا لو كنت مربي حيوان كان هيحن عليا ويصون العِشرة اكتر منك
قالها بتهكم قبل أن يغادر تاركها تنفجر بالبكاء وتخور قدميها بها لتفترش الأرض صارخة بقهر تنعي ما اوصلت ذاتها له بسبب أطماعها.
—————
أما عنه فكان يجلس يسند جبهته على سطح مكتبه ينعي حاله كعادته حين هرول إليه أحد العاملين معه قائلًا:
-“حسن” بيه في لجنة معاينة راحت الموقع واكتشفت أن المرحلة التانية مجهزش فيها حاجة وان مواد البناء زي ما هي وأن مدة تنفيذ العقد فاضلها كام يوم وتخلص والمستشار القانوني بتاعهم بلغني أنهم هيقاضوا حضرتك وهيطلبوك بالشرط الجزائي
حل رابطة عنقه وقال وهو يكوب رأسه بكفوف يده :
-ده اللي كنت خايف منه يا “صلاح”
-طب والعمل يا فندم احنا كده بنضيع والشركة بتنهار ده حتى المشاريع البسيطة أصحابها سحبوها والعمال معظمهم امتنعوا عن العمل علشان خاطر أجورهم المتأخرة والباقي منهم قدم استقالته وساب الشركة
مرر يده بين خصلاته الفحمية وقال بقلة حيلة:
-مش عارف أعمل إيه شقى عمري كله بيضيع قصاد عيني ده غير إني ممكن اتحبس كمان
-حضرتك لازم تتصرف يا فندم
هز “حسن” رأسه بضيق شديد واخذ يفكر بشكل جدي بطريقة مجدية لحل أزمته
——————
تعدت منتصف الليل حين كانت هي تبدل قطعة القماش المبللة فوق جبين ابنتها و تكاد تموت رعبة عليها فحرارة جسدها لم تنخفض ورغم حدوث الأمر معها لمرات عديدة سابقًا واستطاعتها التعامل معه ولكنها لم تستطيع تماسك أعصابها كونها بمفردها لذلك لم تشعر بذاتها إلا وهي تلجأ لتلك الجارة طارقة على بابها وهي تأمل أن يكون بالعمل كي لا تلتقِ به ولكن عاندها حظها وفتح هو الباب يطالعها مستغربًا في حين تلعثمت هي واخذت تفرك بأناملها:
-آسفة إني خبطت في وقت متأخر زي ده…لتصمت لبرهة تستعيد رباط جأشها وتستأنف متسائلة:
-هي طنط صاحية كنت محتجاها
لاحظ “نضال” توترها البادي عليها ولكنه تخوف من سؤالها تحسبًا لحديثها اللاذع لذلك أجابها بثبات:
-هصحيها استني ثوانِ
-لأ خلاص انا هتصرف… شكرًا
قالتها وهي مرتبكة وتواليه ظهرها تنوي النزول لشقتها مما أثار ريبته ودفعته نخوته في سؤالها:
-يا بشمهندسة استني لو محتاجة حاجة قوليلي يمكن اقدر اساعدك
رفعت رماديتاها التي دومًا يحتلها حزن دفين إليه وهي تشعر بتردد عظيم اعجزها عن النطق
بينما هو استشف التشتت بنظراتها و رغم عجرفتها السابقة معه إلا انه كان يرى بنظراتها شخصية أخرى أكثر هشاشة مما تدعي لم يتعود عليها وحقًا لا يعلم لمَ وخزه قلبه و اراد طمئنتها وإن كاد يتحدث خرجت “كريمة” متسائلة بلهفة بعدما ايقظها صوتهم:
-خير يا بنتي
تنهدت “رهف” واخبرتها بعيون راجية:
-معلش يا طنط البنت اللي بتساعدني اجازة النهاردة واتصلت بالصيدلية مش بيردو عليا و”شيري” تعبانة اوي و”شريف” نايم وانا خايفة اسيبهم لوحدهم ممكن بس تقعدي معاهم عقبال ما أجيب علاج من أي صيدلية فاتحة
زفر هو حانقًا من عنادها بينما ردت “كريمة”:
-ألف سلامة عليها يا بنتي انا هنزل معاكِ
اعترض هو طريقها:
-استني يا امي ليوجه نظراته ل “رهف” ويستأنف:
-خليني ابص على البنت الأول
نفت برأسها وعاندت وهي تشعر بالحرج من طلب مساعدته بعد فعلتها:
-انا عارفة العلاج اللي كان الدكتور بيكتبه ليها لما بتسخن هجبهولها والصبح هاخدها للدكتور بتاعها
رد بتهكم وهو يضرب كف على آخر:
-ده على اساس إني تارزي مش دكتور يا بشمهندسة مش كده
حاولت تبرير حرجها كي لا يتفهمها بشكل خاطئ:
-انت مش دكتور اطفال
تنهد و أجابها بثقة عارمة:
-هو صحيح مش تخصصي بس أقدر أعمل اللازم
ابتلعت هي رمقها بحرج في حين هو أصر بنبرة لا تقبل النقاش:
-اتفضلي…قالها وهو يؤشر لها بيده بجدية ثم وجه نظراته لوالدته واستأنف:
– وانتِ كمان يا أمي اتفضلي انزلي معاها وانا هجيب شنطتي واحصلكم علشان اكشف على البنت
أومأت والدته وربتت على ظهر “رهف” تطمئنها:
-متقلقيش يا بنتي إن شاء الله خير…و”نضال” هيطمنك عليها
هزت “رهف” رأسها وتدلت الدرج معها في طريق شقتها
وبعد بعض الوقت قام هو بفحص الصغيرة وعمل اللازم لها حتى انه رفض نزول “رهف” لجلب الدواء بذلك الوقت المتأخر و احضره بذاته وظل بجوار الصغيرة هو و والدته وبالطبع “رهف” إلى أن اطمئن عليها وحينها نظر نظرة عابرة داخل ساعة يده وقال موجه حديثه لوالدته:
-“كرملة” يلا نطلع الحرارة نزلت والبنت بقت احسن
هزت والدته رأسها وهي بالكاد تفتح عيناها واجابته:
-ماشي يا ابني
لتوجه حديثها ل “رهف” التي تجلس بجوار ابنتها تحتضن يدها أثناء نومها:
-عايزة حاجة يا بنتي
هزت “رهف” رأسها وقالت بإمتنان عظيم وهي تنهض تودعها:
-ربنا يخليكِ يا طنط اسفة علشان تعبتك بس ملقتش حد الجأ ليه غيرك
حانت منه بسمة عابرة من تعمدها استثناءه من حديثها في حين ردت “كريمة” بود وهي تربت على ذراعها:
-الجيران لبعضيها يا بنتي وربنا يعلم أنا حبيتك أد ايه ربنا يديم المعروف
ابتسمت هي بسمة هادئة جعلت نظراته تتجمد عليها لوهلة قبل أن تستأذن “كريمة”قائلة:
-هسبقك يا “نضال” عن اذنك يا بنتي
هز هو رأسه وكاد يلحق خطواتها إلا ان “رهف” همست بخجل وهي تفرك بيدها:
-شكرًا يادكتور تعبتك
تنهد هو ونظر لها نظرة مطولة اخجلتها على الأخير وجعلتها تطرق رأسها حين قال بصوته الرخيم:
-مفيش تعب ولا حاجة يا بشمهندسة ألف سلامة عليها متقلقيش هتقوم الصبح احسن
ابتسمت بهدوء وبكل تحفظ شكرته من جديد بنبرة تقطر بحرجها:
-انا بكرر اسفي يا دكتور…بتمنى حضرتك تقبل اعتذاري…
مسد منحدر أنفه و أجابها ببساطة حتى يخفف من توتر الأجواء ولا يزيدها عليها:
-اعتذارك مقبول يا بشمهندسة ومعنديش مانع نعمل معاهدة سلام
ابتسمت بسمة عابرة واطرقت برأسها بكل تحفظ ليضيف هو أثناء سيره للخارج:
-ياريت بعد كده بلاش تكرري علاج من نفسك من غير ما تستشيري دكتور
هزت رأسها ليستأنف بعملية:
-ويفضل لو تشربيها سوايل دافية هتفيدها
هزت رأسها من جديد وهي تتبع خطواته ليهمهم وشيء لعين بداخله يدفعه دفع للنظر لرماد عيناها:
-تصبحي على خير يا بشمهندسة
كانت تنوي محادثته بشأن عيادته ولكن حين ألتقطت نظراته ارتبكت وابتلعت ريقها بتوتر و اجابته بتحفظ وهي تتحاشى النظر له وتطرق برأسها بملامح لا تفسر بالمرة:
-وحضرتك من اهله يا دكتور
أومأ لها و ولاها ظهره صاعدًا لشقته وعلى ثغره بسمة عابرة بمعنى لا فائدة من عنادها فهي تصر على التزامها برسميتها معه والاحتفاظ بتلك الكلمة التي يمقتها( حضرتك) ولسبب ما وجد ذاته يتفهم كونها مازالت لا تريد أن تتخلى عن التكليف بينهم وحقًا لم يود أن يعقب أو يتطرق لأي مواضيع جانبية معها حتى لا تتفهمه بشكل خاطئ كعادتها.
——————
أما عن تلك التي مازالت تصر على عنادها فكانت طوال الليل تتقلب على فراشها بعدم راحة وكأنه جمر مُشتعل يحرقها، تتوسل أن ينتهي الليل وينهي معه عذاب افكارها فلم تراه من حينها حتى انها توقعت أن يأتي كي يطمئن عليها ويلح كعادته كي تعود معه ولكنه لم يأتي حتى ظنته يأس من وصالها بعد ذلك الحديث اللاذع الذي لم تعنيه قط وها هي ما أن اتى الصباح غادرت غرفتها و جلست على مائدة الطعام والقلق يحتل قلبها فماذا لو يأس حقًا وقرر تركها! حاولت نفض افكارها والثبات على موقفها ولكنها وجدت ذاتها متوترة بشدة تؤرجح جسدها بحركة بسيطة غير متزنة ملازمة لها حين تشعر بالخوف… تحمحم ” عبد الرحيم” وهو يجلس بجوارها قائلًا بخبث مقيت:
-كنك يا بت خيتي اوعاكِ تكوني لساتك واخدة على خاطرك
توقفت عن هز جسدها وتعلقت عيناها به واجابته وهي تحاول جاهدة التمسك بثباتها:
-انا كويسة … لتلتقط نظراته المهتمة التي لم تصدقها يوم وتتسائل:
-هو انت فعلًا كنت هتجبرني ياخالي
نفى برأسه يدعي صدق نواياه وأجابها:
-مش إچبار يا بتي انا جلبي عليكِ وخابر زين أنك مش واعية لمصلحتك عشان إكده كنت عاوز استرك واخلى معاكِ راچل يحافظ على مالك…هما مش بيجولو الخال وَالد وانا كيف ابوكِ ومن حجي أطمن عليكِ
لم تقتنع بحديثه فهي تعلم ماذا يكمن خلفه هي ليست بتلك السذاجة التي يظنها فلولا عودة “يامن” وانقاذها من براثنه كانت لاتعلم ماذا سيحل بها وهنا تذكرت جملة’ قمر” حين أخبرتها(أنتِ متعرفيش وش عمي الحجيجي ولا تعرفي يجدر على ايه) لذلك حاولت تشيد حصون مانعة لذاتها حتى تجعله يكف عن محاولاته:
-انا مبقتش قاصر يا خالي وعارفة مصلحتي كويس ومش هسمح لحد يفرض عليا ولا يغصبني على حاجة
ادعى “عبد الرحيم “المسالمة قائلًا:
-براحتك يا بت خيتي بس جوليلي ناوية على ايه ويا الغريب
زاغت نظراتها واخذت تفرك بكفوف يدها من تحت الطاولة ولم تعلم بما تجيبه، لاحظت” قمر” التي انضمت لهم لتوها ارتباكها وردت بالنيابة عنها:
-واه هتعاود مع چوزها يا عمي ودي عاوزة كلام
زجرها “عبد الرحيم” بحدة:
-جولت جبل إكده تسكري خشمك يا غراب البِين …وبعدين ترچع وياه كيف وهي مش طايجة حتى تجعد في ريحه
نكست “قمر” رأسها بحرج بينما ردت “نادين” :
-انا بس اللي أقرر يا خالي …ومحدش ليه الحق يدخل
هنا تدخلت “ونيسة” التي أتت حاملة أحد الأطباق و وضعتها على الطاولة وهي تنظر لها شذرًا:
-شوف البت وبچاحتها احنا معندناش حريم تجدر تفتح خشمها بالحديت ده اتحشمي يا بت “غالية” واعملي حساب لوچود خالك وهيبته
-انا عملة حساب ليه يا مرات خالي وإلا مكنتش لسة قاعدة في بيته لتوجه نظراتها ل “عبد الرحيم” وتستأنف:
-بس يظهر انكم مضايقين مني ومش حابين وجودي وسطيكم
هنا صرخ “عبد الرحيم “بحدة في زوجته:
-معوزش اسمع حسك ده واصل
-معتشترش غير عليّ روح شوف بت خايتك اللي كيف الفرسة الطايحة وكأن ملهاش كبير
-لأخر مرة بحذرك اتكتمي
تناوبت” نادين ” نظراتها بينهم بينما حاول” عبد الرحيم” مسايرة الأمر:
-انتِ فوج راسي يا بتي واللي هتشوري بيه هنفذه طوالي و وحياة وَلدي مهغصبك على حاچة…بس بجول طالما انتِ مش ريداه يبجى همليني اتصرف وعهد عليا اخليه يطلجك
شحب وجهها ونفت برأسها بحركة بسيطة وما إن كادت ترد دخل هو برفقة “حامد” الذي قال فور دخوله:
-السلام عليكم يا أهل الدار
تساءلت” قمر” وهي تنهض تنزع عنه عبائته:
-اتأخرت ليه إكده يا” حامد”
اجابها “حامد “بنظرات مشتاقة اخجلتها وبصوت خفيض للغاية لم يصل لأحد وهو يناولها لفافة كبيرة:
-بجالي يوم بليلة هدور على الجلاب يا حبة الجلب
تناولت من يده ببسمة واسعة اخفتها سريعًا بطرف شالها ثم همست بخجل:
-رَبنا يخليك ليا يا “حامد” وميحرمنيش واصل من دخلتك عليّ اللي تشرح الجلب
-خبر ايه منك ليها!
قالها “عبد الرحيم” بصرامة نفضتهم معًا و جعلت “حامد” يتحمحم ويقول:
-جايين يا ابوي ليوجه نظراته ل” يامن “ويستأنف مرحبًا:
-تعال يا غالي الدار دارك
في تلك الاثناء كانت نظراتهم متشابكة تتحاكى بالكثير وقد لاحظ هو من الوهلة الأولى شحوب وجهها ومن نظرات “عبد الرحيم “الكارهة له تفهم ما كان يدور بينهم لذلك قال وهو يوجه نظراته لها دون أن يعير “عبد الرحيم” أي اهمية:
-معلش يا “حامد” بس عايز مراتي في كلمتين
رغم أنتفاضة دواخلها وذلك السلام الذي سَكن قلبها برؤيته إلا انها رفعت نظراتها له بشيء من التردد لولا انه تقدم من موضع جلستها و مال عليها جاذب يدها ينهضها وما إن كاد يسحبها كي تسير معه جذبت يدها من خاصته وصرخ صوت عقلها متمردًا:
-سيبني أنت مبتفهمش قولتلك خلاص مش عايزاك ومبقاش في كلام بينا
توحشت نظراته بطريقة اثارت ريبتها وجعلتها تتراجع خطوتين بينما هو نفرت عروقه و كور قبضته بقوة كي يتحكم في زمام ذاته من طريقتها وعنادها التي لم تنفك من السير في منهجه، وقبل أن يتفوه بشيء
اتاه صوت “عبد الرحيم” متهكمًا:
-مجالتلك مش ريداك هي
جصة أبو زيد هنتنا نزيد ونعيد فيها…همل البِنية وطلجها يا ساجع
حانت منه بسمة مريبة تعلم هي ما سيحل بعدها ثم هدر وهو يرفع سبابته بتحذير قوي دون مهابة:
-كلمة كمان مش هعمل اعتبار لحد وصدقني وقتها متلومش غير نفسك
وقبل ان تستوعب حديثه كان يختصر المسافة بينهم التي صنعتها وينحني بجزعه ويحملها على كتفه كالجوال ثم دون أن يعير شهقاتها المتفاجئة أي اهمية واعتراضها كان يسير بها في طريق غرفتها التي تمكث بها تارك “عبد الرحيم “يتوعد له اشد الوعيد و” ونيسة “تلوي فمها يمينًا ويسارًا بعدم رضا ناعتتهم بقلة الحياء بينما “قمر” و”حامد” تناوبو النظرات بينهم وهم بالكاد يكتمون بسماتهم.
——————
-ماشي يا استاذ “صلاح” شكرًا أنك بلغتني
ذلك آخر ما قالته “رهف” قبل أن تغلق الخط…زافرة انفاسها دفعة واحدة وهي تدرك كونها تأخرت في رد ذلك الدين القديم الذي مازال عالق بعنقها ورغم برائة نواياها حينها إلا أن ضميرها لم يكن رحيم بها وظل يؤنبها.
——————
اخذت تضربه بقبضتها على ظهره لحين وصل بها للغرفة ولكنه كان غير عابئ بها ولا بدفاعها فقد فاض الكيل به ونفذ صبره من استخفافها فقد اغلق الباب خلفه ثم انزلها لتدفعه بصدره قائلة:
-انت عايز مني ايه !
قبض على يدها التي تضربه بها بقوة هادرًا بنبرة صارمة وبنظرات يتطاير الغضب منها بطريقة جعلت دواخلها تنتفض:
-كفاية عِند بقى وفوقي انا ليا طاقة… اه غلطت بس مغلطتش لوحدي أنتِ كمان غلطانة وغلطك اكبر مني ومع ذلك دوست على كرامتي و رجعت ليكِ علشان بحبك لكن لو فاكرة أن حبي ليكِ هيخليني ممسحة تحت رجلك تبقي غلطانة انا بتغاضى بمزاجي ومش معنى كده انك تقلي مني وتسوقي فيها و تكلميني بالطريقة دي قدام الناس أنتِ مراتي وغصب عنك لازم تحترميني
-سيب إيدي يا “يامن” انا مش عايزة ابقى مراتك ومتقدرش تجبرني اعيش معاك بالعافية
لاح على ثغره بسمة مريبة لطالما تخوفت مما يحل بعدها، وقبل أن تتوقع رد فعله كان يكبل يدها خلف ظهرها بيد وباليد الأخرى يدسها بخصلاتها يعبث بأنامله نزولًا لعنقها بحركات اربكتها للغاية وجعلت وتيرة انفاسها تتعالى وكرد فعل اغمضت عينها بترقب حين همس وهو يقترب بوجهه وكأنه سيقاسمها انفاسها:
-أنت بتعاندي نفسك أنا متأكد أنك لسة بتحبيني زي ما عمري ما بطلت أحبك والدليل أنك حاطة دبلتي جنب قلبك
قالها بعبثية تامة وهو يبعد وجهه عنها ليخيب آمالها و يسحب حبل سلسالها الذي تخفيه تحت ملابسها ويتدلى منه تلك الحلقة الماسية التي لمحها بالصدفة أثناء معافرتها بين يديه
تقلصت معالم وجهها وفتحت عيناها تطالعه بغيظ شديد ثم حاولت إفلات يدها من قبضته، وكونه يعلمها تمام المعرفة علم ماذا تنوي لذلك حل قفل السلسال تحت مضضها وما إن أفلت يدها حاولت دفعه عنها ولكنه كان يقبض على خصرها بقبضة من حديد ويقبض باليد الأخرى على رسغها وهو يحذرها بعينه ثم دون مقدمات أخرى كان يلبسها إياه ولكن بيدها اليسرى هادرًا بنبرة قاطعة كحد السكين:
-لو دبلتي اتقلعت من ايدك تاني متلوميش غير نفسك
جزت على أسنانها ليستأنف هو بتسلية يتعمد اغاظتها:
-تصدقي في الشمال شكلها احلى
ضربت قدميها بالأرض وصرخت بغيظ:
– بكرهك يا “يامن” بكرهك
-وانا بحبك وده كفاية بالنسبالي
قالها بغمزة من عينه جعلتها تكاد تموت غيظًا منه حتى إنها قبضت على خصلاتها وكادت تقتلعهم من رأسها لولا قوله بجدية :
-سيبي شعرك واتفضلي لمي حاجتك علشان هنرجع القاهرة النهاردة لينا بيت نقدر نتعاتب فيه براحتنا ولا انتِ عاجبك الوضع هنا ومستنية لما امسك في خناق خالك واعمل مصيبة
-اعمل اللي تعمله برضو مش هرجع
ثارت ثائرته وأكد بصوت جهوري منفعل وبنبرة واثقة للغاية وهو يضغط على كل كلمة تخرج من فمه:
-لأ هترجعي وبلاش تراهني على قوة احتمالي اكتر من كده علشان أنتِ عارفة أني اقدر اخدك غصب عنك وغصب عن عين أي حد هيحاول يتشددلك وحتى لو اضطريت ارتكب جناية
رغم الخوف الذي دب قلبها من تهديده إلا انها لم تبدي أي ردة فعل تذكر فقط ظلت متجمدة بأرضها تحاول طمئنة ذاتها و نفض تلك الافكار السوداوية عن رأسها في حين هو تناول الحقيبة من فوق خزانة الملابس وقذفها على الفراش قائلًا بنبرة قاطعة كحد السكين لا تقبل التفاوض اجفلتها:
-نص ساعة وتكونِ جاهزة هستناكِ تحت وبتمنى متتأخريش…علشان انا على اخري من الراجل اللي تحت ده
قال آخر جملة بنبرة محذرة يقصد ارهابها وكسر عنادها بها كما السابق؛ فيبدو انه ادرك أن تلك الطريقة الوحيدة التي تجدي نفع معها فمنذ حديثها اللاذع له بالأمس وهو يتعمد أن يتركها لهواجس عقلها حتى انه امتنع عن السؤال عنها ليشتت افكارها ولكن لم يستطيع الصمود أكثر، فكيف لعاشق مثله التغاضي عن انين قلبه الممتلئ بها فقد تركها تتأكل نفسها وخرج من باب الغرفة لتتناول هي أحد الوسائد وتقذفها خلفه ثم تصرخ صرخات متقطعة من شدة غيظها و تشعر بالمهانة من طريقته في الضغط عليها، فكانت تمرر يدها بخصلاتها وكأنها على حافة الجنون ولم يكن أمامها إلا ان تهاتف “ثريا ” تستشيرها وبالفعل قامت بفتح هاتفها وطلبت رقمها لترد” ثريا “متلهفة:
-كده يا بنتي قلقتيني عليكِ أنتِ كويسة
نفت برأسها وهي تعدل من وضع هاتفها على اُذنها وتجلس على طرف الفراش قائلة:
-مش كويسة يا ماما
-اهدي وفهميني ايه اللي حصل
لتقص عليها كل ما حدث فلم يكن من “ثريا “غير أن تؤنبها وتواجهها بخطئها وتوبخها على ردود أفعالها و كأي أم تريد الصالح لابنائها حاولت أن تكون على حياد وقد أخبرتها أنه لم يفعل ما فعله سوى كونه يحبها ومازال متمسك بها ولابد أن تقدر انه تغاضى عن سوء افعالها وقد طمئنتها ايضًا أنها ستظل تساندها عند عودتها وقد أقنعتها أن تنصاع له وتعود من جديد لأحضانها تحسبًا لتهوره … وبالفعل اقتنعت بحديثها وكأنها لم تكن تتوق للعودة من ذاتها وتتحجج بعنادها.
——————–
-روح اطلبها منه ومتضيعش وقت
قالتها “شهد” كي تحفزه بينما هو اجابها بعقلانية شديدة:
-مينفعش يا “شهد “الراجل يقول ايه بستغل الموقف لصالحي…
اعترضت “شهد”:
-وفيها ايه ما انت انقذت حياته ورجعتله بنته وكشفت ألاعيب الصفرا مراته ده المفروض يديهالك وهو مغمض ومفروض يكون اتأكد أنك أمين عليها
-“شهد” بلاش نسبق الأحداث انا هستنى شوية تكون الأمور هدت وهبقى اروح اتقدملها تاني
لوحت “شهد “برأسها وأخذت تتمتم حانقة:
-خليك كده ماشي بدماغك لغاية ما هتلاقي البت تروح منك
-“شهد” وبعدين بطلي برطمة وروحي حضري الغدا
تأففت هي بغيظ تقلد طريقته لتحين منه بسمة عابرة ويضرب كف على أخر قائلًا:
-والنعمة مجنونة
طرقات على الباب جعلتها تعود له قائلة وهي تتخصر بجسدها:
-والنعمة بكرة افكرك و ابقى قول “شهد” البركة قالت
-طب خشي جوة يا بركة علشان افتح الباب بدل ما هعلقك زي بنتك
إنصاعت له وظلت تبرطم غير عابئة بتحذيره ليتقدم هو ويفتح باب الشقة ليجد مالكة قلبه أمامه تبتسم بسمة واسعة وتهمس وفيروز عيناها يتوهج بعشقه:
-وحشتني يا” حمود ”
-“ميرال “بتعملي ايه هنا وليه سبتي ابوكِ
لملمت خصلاتها وقالت له بعفوية كعادتها كي تفحمه:
-لأ ما انا جبته معايا هو وابيه “كاظم”
-معاكِ فين! وكاظم مين؟
اتسعت بسمتها واشارت بيدها نحو الدرج ليجد ابيها يصعد وبرفقته رجل اربعيني وقور للغاية يُسنده، تحمحم يجلي صوته وتساءل بنظراته لتؤشر له أن يصبر في حين رحب هو بإرتباك شديد من موقعه:
-اهلًا يا “فاضل” بيه اتفضل
اشرأبت “شهد” برأسها من الباب وقالت بصوت خافت لم يصل إلا ل “محمد”:
-يالهوي ايه اللي جاب ابوها ومين اللي معاه ده
نكزها “محمد” كي تفوت للداخل وأمرها بصرامة:
-ادخلي حطي حاجة على شعرك و متفتحيش بوقك بكلمة انتِ فاهمة
هزت” شهد “رأسها وانصاعت له وحين وصلوا امام باب الشقة رحب “محمد” بهم من جديد ودعاهم ليدخلوا ويجلسوا في غرفة الصالون المتواضعة، تناوب النظرات بينهم وهو يتوق لأن يشرع أي منهم في الحديث، ليتحمحم “فاضل” اخيرًا قائلًا:
-أنا عارف انك مستغرب زيارتي
اجابه “محمد” بإرتباك:
-بصراحة اه اتفاجئت بيها
لينطق ذلك الشخص الاربعيني الذي برفقة “فاضل”:
-احنا جينا نشكرك على اللي عملته يا “محمد” وبصراحة انا عاجز عن شكرك
ربت “فاضل” على ساقه ثم استأنف بعده وهو يرى الفضول يقذف من عينه:
-ده “كاظم” ابن اخويا كان عايش برة بقاله سنين ولما سمع اللي حصل نزل هو وبنته علشان يطمن عليا واصر أنه يجي يشكرك بنفسه
تهللت أسارير “محمد” واجابه برزانة:
-انا معملتش غير الواجب يا “فاضل” بيه والحمد لله ربنا ستر وجت سليمة
تحسس “فاضل” ضمادته التي تكسو مؤخرة رأسه وقال:
-مش سليمة اوي يا ابني بس الحمد لله
وهنا قهقه الجميع تزامنًا مع دخول” شهد “التي ارتدت اسدالها المزركش و وضعت طرحته على شعرها كي تخفيه كما أمرها حاملة بيدها صنية محملة بأكواب العصير ترحيبًا بهم:
-قضى اخف من قضى والله انتو نورتونا وشرفتونا
لتضع ما بيدها وتجذب “ميرال” تحتضنها قائلة بود حقيقي ادهش “فاضل” ومن معه:
-وحشتيني يا “ميرال” و وحشني الرغي معاكِ والله كنت هتجن عليكِ وعمالة اقوله روح لابوها بس هو دماغه ناشفة و…
-شــــــــــــــــــــــــــــهد
كادت أن تسترسل بإندفاع كعادتها لولا أنه زعق بأسمها و
زجرها كي لا تتمادى في الحديث لتهز رأسها بقوة وتقول بتلقائية كعادتها دون أن ذرة لؤم واحدة:
-يوه يقطعني يا خويا والنعمة نسيت انك موصيني مفتحش بوقي
-افصلي وتعالي اقعدي
قالها و هو يجذبها تجلس بجواره قائلًا بإرتباك:
-“شهد “اختي يا “فاضل” بيه معلش هي عشارية اوي وبتاخد على الناس بسرعة
-اه والله
قالتها كي تؤيد حديثه وهي تهز رأسها وتمط فمها بوداعة لينكزها “محمد” بكتفها برفق كي تصمت ولكنها عقبت متسرعة:
-يوه والنعمة ما قولت حاجة أنت بتغمزني ليه!
اغمض “محمد” عينه بقوة وهو يتوعد لها أما عن “ميرال” فكانت تكبت ضحكاتها بصعوبة بالغة كي لا تثير اعصابه هي الأخرى، أما عن “كاظم ” فقد كان ترتسم على وجهه بسمة هادئة، ليرحب “فاضل “بها:
-اهلًا يا “شهد”
-اهلًا بيك والله شرفتونا
قالتها بمجاملة ليضيف” كاظم” :
-الشرف لينا يا أنسة “شهد”
لوت فمها وهمست ساخرة:
-أنسة…طب دي تيجي برضو
ليعقب “كاظم “بحرج:
-أسف بس شكل حضرتك صغير وعلشان كده توقعت أنك أنسة
لوهلة ظنت بإندفاعها أنه يتعمد مغازلتها بطريقة متوارية حتى كانت سوف ترد رد لاذع يليق بحديثه ولكن حين نظرت له نظرة خاطفة استشفت وقاره و رزانته وتداركت كونه ليس بشاب لعوب كما ظنت، لذلك اطرقت رأسها ولم تعقب خوفًا من أخيها الذي أجاب بالنيابة عنها :
-لأ” شهد” ارملة من يوم موت جوزها وهي وبنتها عايشين معايا ومالين عليا الدنيا
تنهد “كاظم” ببسمة رزينة للغاية بينما ابتسم “فاضل” بسمة هادئة وقال وهو يشمل محيط شقتهم بعيناه:
-قولي يا “محمد “الشقة اللي انتو عايشين فيها دي بتاعتك
استغرب” محمد” السؤال ولكنه أجابه:
-لأ دي شقة “شهد” انا شقتي فوق هي كانت شقة ابويا وامي الله يرحمهم وانا غيرت عقدها و وضبت فيها…ودي الشقة اللي كانت “ميرال” وصاحبتها قاعدين فيها
ليقول “فاضل” بتفهم:
-مفيش داعي تبرر “ميرال” حكتلي كل حاجة وقالتلي كمان انك راجل جدع وبتشتغل شغلانتين
-اه انا شغال الصبح محاسب في شركة وبليل بطلع بالتاكس
أومأ “فاضل” بتفهم وتساءل كي يصل بالحديث لتلك النقطة التي أراد التأكد منها من بادئة الأمر:
-وده مش تعب عليك
اجابه “محمد” بعزة نفس وبكبرياء شامخ:
-لازم اتعب علشان احس بقيمة القِرش وبعدين انا عندي اتعب واشتغل بس متحوجش لحد والشغل مش عيب و عمره ما بيعيب صاحبه
تنهد “فاضل “بعمق ورمقه بنظرات مبهمة لم يستشف” محمد” منها شيء في حين هي كانت تطالعه بفخر وهي لا تعلم للمرة الكام التي وقعت بها في حبه
لينهض” فاضل” قائلًا:
-طيب احنا هنمشي دلوقتِ بس هنستناك بكرة أنت واختك في القصر
تناوب النظرات بينه وبين “شهد” التي هدرت متسرعة :
-ليه خير إن شاء الله بأي مناسبة
اجابها “فاضل” متهكمًا:
-أنتِ اكيد بتفهمي في الأصول يا “شهد “ولازم تيجوا تطلبو البنت مني جوة بيتها ليوجه نظراته نحو “محمد” الذي كان يقف متسمر مشدوه بأرضه ويستأنف:
-ولا ايه يا” محمد” عندك رأي تاني؟
نفى “محمد” برأسه واتسعت بسمته شيء فشيء بسعادة متناهية بينما
شهقت “شهد” متفاجئة ثم ضمته لها قائلة بحنو شديد:
-مبروك يا “حمود” الف مبروك ربنا يسعدكم يا خويا
ربت “محمد” على ظهرها وتساءل بعدم تصديق وهو يخرجها من بين يديه:
-يعني حضرتك موافق
هز” فاضل” رأسه لتصفق “ميرال” بيدها وترتمي تقبل وجنة أبيها قائلة وقلبها يتراقص بين ضلوعها:
-ربنا يخليك ليا يا بابي انا مبسوطة أوي
حانت من “فاضل” بسمة هادئة وأخبر “محمد” بجدية شديدة:
-انا وافقت بس ليا شروط ولازم توعدني أنك هتوافق عليها
-وأنا تحت أمر حضرتك وهعمل المستحيل علشان اثبتلك إني جدير بيها
نظر له “كاظم” نظرة اعجاب مطولة تنم عن احترامه لشخصيته ثم ربت على كتفه يدعمه بينما ختم” فاضل” حديثه:
-اتمنى ده يا “محمد”…هستناك ولو اتأخرت ممكن ارجع في كلامي
ضربت” شهد” صدرها وقالت بخفة:
-يا لهوي ترجع في كلامك ده إيه إحنا مش هنتأخر ولو عايزنا نيجي معاكم من دلوقتي هتلاقينا قبليكم في القصر
قهقهوا على مزاحها ليؤكد “محمد”:
-بإذن الله يا “فاضل” بيه ٨ بالدقيقة هنكون عندك
وبدون تمهيد او مقدمات كانت “شهد “تطلق زغروتة عالية تصم الآذان من شدة سعادتها لتجلب بها بُشرات عدة لتحقيق الأمنيات وأولها أن يتمم الله فرحتهم على خير.
—————-
-هتوحشك يا “نادين ”
-وانتِ كمان يا “قمر” هتوحشيني خلي بالك من نفسك
هزت “قمر” رأسها بعيون غائمة وغمغمت وهي تحضنها وتقبل وجنتها بمحبة خالصة:
-اللي هيهون عليّ فراجك إني واعية إن الصالح ليكِ انك تبجي مع چوزك رَبنا يهدي سركم ويصلح حالك ويتمم امانتك على خير
أمنت “نادين “بسرها وحانت منها بسمة مفعمة بالأمل عند ذكر الأمر ثم قالت بود:
-ابقي كلميني وطمنيني عليكِ واوعديني لما تنزلي القاهرة تبقي تزوريني
هزت “قمر” رأسها ودمعاتها تنهمر تأثرًا بفراقها لتحثها “نادين” بنظراتها الدامعة:
-خلاص بقى علشان خاطري من غير عياط
اومأت لها وجففت دمعاتها ليأتيهم طرق على باب غرفتها وصوت “حامد” الذي صدح من خلفه:
-يا بت عمتي چيت اخد شنطتك
فتحت “قمر” الباب ليلاحظ هو بكاءها ويقول معاتبًا:
-هتنوحي وتفرطي في دموعك الغالية ليه يا جمري! البِنية معاودة لبيتها وچوزها المفروض تفرحلها
– فرحنالها بس هيعز عليّ فراجها يا “حامد” يعلم ربنا اني حبيتها كيف خيتي تمام
– اوعدك نزورهم في اجرب وجت انا اتفجت مع “يامن” على إكده علشان هيودينا لحكيم زين
-صوح يا “حامد”
-صوح يا حبة “جلب” حامد
هزت رأسها بسعادة متناهية بينما “نادين” كانت تشاهد ما يدور بينهم ببسمة هادئة وتتمنى لهم السعادة الدائمة التي تليق بصبرهم واحتسابهم، لينشلها قول “حامد” بصدق وطيب نية:
-انا كيف اخوكِ تمام لو احتجتي ايتها حاچة أني موچود كلميني وهتلاجيني جصادك انا خدت عهد عليه ما هيزعلكيش واصل ولو حوصل وعملها ومكنش في عوار عليكِ جَسمًا بالله لچيب من الطين واحط على راسه انتِ وراكِ رچالة
-أنت طيب اوي يا “حامد”
انت كمان اوعدني متزعلش “قمر”
نظر ل “قمر” نظرة عاشقة تفضح ما يكنه لها ثم قال بصدق:
-جمر دي حبة الجلب يا بت عمتي ومجدرش ازعلها حد يزعل روحه
توهجت” قمر” من تغزله بها ثم قالت بخجل:
-ربنا يخليكِ ليا يا “حامد” وربنا ما يجيب زعل واصل
امنو على دعواتها لتستأنف هي كي تغير سير الحديث قبل أن يخجلها أكثر بمعسول كلامه :
-طب هِم بجى زمان چوزها على نار
-عندك حج يلا لافيني الشنطة واسبجوني لتحت عجبال ما اشوف الغفير خرج الزيارة ولا لع
ناولته” قمر” حقيبة “نادين” وسبقوه للأسفل إلى أن وقفوا على بوابة المنزل من الخارج أمام موقع سيارته التي كان يقف يرتكز عليها لحين خروجها، وما أن رأها اعتدل بوقفته وبداخله يكبت بسمة مفعمة بالسعادة لإنصياعها له، ليخرج” عبد الرحيم” وزوجته كي يودعوها وبعد أن عاتبها “عبد الرحيم” وحاول بث سمه لأخر مرة بعقلها ولكنها لم تهتم وراوغته كونها تعلم اين الصالح لها ليودعوها ولكن ببرود مريب لم يريحها، لتتحاشى هي النظر له وتلتهي بالحديث مع “قمر” في حين أن تركزت نظرات “عبد الرحيم” بنقطة بعيده ونمت على ثغره بسمة مفعمة بالكثير وهو يظن أنه على وشك تحقيق ما خطط له وهو يؤشر بحركة محسوسة متفق عليها كي ينفذ ولكن في ذات اللحظة احتل الخوف معالمه وزاغت نظراته حين وجد وَلده يهرول حامل الحقيبة، حاول” يامن” إلتقاطها منه ومال بجزعه عليها ولكن “حامد” اصر والتفت بسرعة متناهية لموقع” يامن” كي يرفعها عن الأرض ويضعها بمؤخرة السيارة وفي غفوة من الزمن وفي لمح البصر كانت
تنطلق طلقة غادرة تستقر بصدر أخر شخص تمنى ذلك الطامع بنواياه الآثمة ايذائه فقد شلت الصدمة الجميع وجعلتهم يشهقون بفزع في حين خر جسده متهدلًا وسقط طريح غارق بدمائه
ليصرخ “يامن” بصدمة هائلة وهو يتفقد جسده:
-“حامد”…”حامد” هتبقى كويس حد يطلب الاسعـــــــــــــــــــــــاف اسعــــــــــــــــاف بسرعة
-وَلدي
قالتها والدته بعويل وهي تولول مهرولة إليه بينما “عبد الرحيم” كان يقف مشدوهاً وعينه تكاد تخرج من محجرها قبل أن يهرع له صارخًا بقهر على فقدان ولده الوحيد:
-وَلـــــــــــــــــــــــــــدي
بينما هي استغرق الأمر منها ثوان حتى تستوعب الأمر وحين فعلت صرخت صرخة قوية شقت بقهرها عنان السماء حين اقتربت من موضع رقدة جسده المدرج بالدماء على الأرض وأخذت تهز بجسده بهستيريا :
-حـــــــــــــــــــــــــــــامد…يامُري يا مُري حـــــــــــــــــــامد يامُري رد عليّ يا حـــــــــــــــــامد إِياك تهملني
وهنا تعلقت عيناه الواهنة بها والتوى فمه في شبه بسمة وهو يتلمس بأنامله وجهها الصبوح الغارق بدمعاتها مغمغم بنبرة واهنة للغاية قبل أن يغلق عينه ويستسلم لذلك الظلام الدامس الذي يسحبه معه دون هوادة:
-على عيني ههملك يا جمر
سقطت يده عن وجهها وسقط معها ثباتها لتصرخ بأنهيار وهي تهز بجسده راجية:
-لع…لع متهملنيش يا “حامد” انا مليش غيرك انت ابوي واخوي وكل دنيتي رد علي يا “حامد” يا مُرك يا جمر … يا مُرك يا جمر …حامد رد عليّ يا جلب جمر رد عليّ يا جلب جمر متهملنيش… متهملنيش …لتنظر للأعلى وتصرخ بقهر من بين نحيبها الحارق الذي يمزق نياط القلب:
-يا رَب إني مليش غيره هموت بعديه…هموت بعديه
اعتلى صوت نواحها وصراختها وببكاء الجميع في حين هي كانت تنهمر دمعاتها دون هوادة وهي تشاهد ما يحدث و لا تصدق ما اصابه ولكن كرد فعل وجدت ذاتها تخرج هاتفها بأيدي مرتعشة تهاتف سيارة الإسعاف
في حين هو انتابه حالة من الهياج وهو يرى وَلده الوحيد مسجي امام نظراته فما كان منه غير أن يسمح لشيطانه ان يسيطر عليه ويجعل الحقد يغشي على عينه حين نهض مرددًا بجنون تام وبتوعد مقيت وهو ينقض على بندقية الغفير الذي كان يعلقها بكتفه أثناء حمله لعدة اقفاص ويقف بها بالزاوية فقد نزعها منه بالقوة وصوبها نحو “يامن” قائلًا بجنون تام وبكل حقد وجبروت لامثيل لها:
-مش والدي المجصود يا غريب أنت اللي لازمنًا تموت مش وَلدي
ذلك آخر ما تفوه به قبل أن تنطلق رصاصة من بندقيته التي يحملها ودون أن يمهل أحد أن يأخذ ادنى حذر منه كانت تستقر رصاصته بكل أسف في جسد من أراد الغدر به من بادئة الأمر.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى