روايات

رواية خطايا بريئة الفصل الخامس عشر 15 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الفصل الخامس عشر 15 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الجزء الخامس عشر

رواية خطايا بريئة البارت الخامس عشر

رواية خطايا بريئة
رواية خطايا بريئة

رواية خطايا بريئة الحلقة الخامسة عشر

قمة الخذلان أن أعلمك أول دروس الوفاء، وتلقينني أنتِ أقسى دروس الغدر، أن أوفيك كل حقوق العشق، وتسلبيني أنتِ كل حقوقي الإنسانية لأدور حول نفسي في حلقة مفرغة، أبحث عن الأسباب والمسببات.

———————-

صفع باب غرفتها ودون أي مقدمات كان يقلب الغرفة رأسٍ على عقب؛ يبحث عن شيء بِعَينه.

أما هي شهقت بفزع وانتفضت من فراشها متخذة أحد زوايا الغرفة كملجأ لها تنكمش به وهي تظن أنه أتى ليعنفها مرة أخرى، ولكنه لم يعيرها أي أهمية بل كان يبحث بكل مكان… الأدراج،والخِزانات وبين طيات الأرفف، ولكن دون جدوى إلى أن لفت نظره حقيبتها التي كانت ترتديها بالأمس ملقاة بزاوية الغرفة، انقض عليها ومد يده يسحب هاتفها المغلق يضعه في جيبه ثم فض كافة محتوياتها على الأرض بنفاذ صبر؛ وحينها تأكدت كافة ظنونه.

جثى يتناول المفتاح المزعوم وتلك العلبة البلاستيكية التي من الوهلة الأولى علم فحواها والغرض من استخدامها لينهض و يختصر المسافة إليها بخطوتان ليس إلا ويصرخ وهو يجذبها من خصلاتها بعصبية مفرطة ويلوح بما تحوي يده أمام نظراتها:

-ده أكيد مفتاح الباب الوراني اللي كنتِ بتهربي منه وتستغفليني…إنما بقى الحبوب دي بتاعة ايه انطقي؟

كانت تكاد تموت من شدة ذعرها حين انفضحت فعلتها فكانت شاحبة ونظراتها زائغة تعجز عن الرد وكل ما كانت تفعله هو محاولتها حماية وجهها كي لا ينال من صفعاته مجددًا، ليصرخ هو بنفس السؤال من جديد وهو يجذب خصلاتها للخلف أكثر بطريقة قاسية جعلتها تصرخ وتتعلق بيده راجية أن يتركها ولكنه كان في اوج غضبه وكأن عقله يرفض الاستيعاب بعد ويود أن تؤكد هي:

– ردي عليااااااااااااا حبوب ايه دي؟؟

فرت دمعاتها وهي تغمغم مستنكرة:

-مع..رفش

ليضرب الحائط خلفها بقوة ويصرخ بوجهها بصوت جهوري روجت له جدران المنزل:

– كدااااااابة ….تعرفي دي حبوب منومة دي اللي بتحطي منها لأمي علشان تخرجي مش كده…

نفت براسها بطريقة هستيرية مستنكرة الأمر ولكن نظرة واحدة داخل عيناها أكدت له انها كاذبة مما جعله ينهرها بحدة وهو يرج بها من خصلاتها غير عابئ بصراخها ولا بكائها المكتوم بسبب أن بعض الخصلات فارقت فروة رأسها أثر قبضته:

– أد ايه انتِ زبالة وانا غبي علشان وثقت فيكِ…

تعلقت بيده وترجته من بين شهقاتها الباكية:

-انت بتوجعني… سيب شعري

زئر بقوة وهو يجاهد كي لا يفلت زمام غضبه أكثر فما كان منه غير أن نفضها عنه وكانها تثير اشمئزازه ثم أخذ ينطر أنامله كي يخلص تلك الشعيرات العالقة بينهم وهو ينظر لها نظرة قاتلة جعلتها تخور على ركبتيها وتضع يدها على وجهها وتنخرط في بكاء مرير تنعي به حالها وما توصلت له، بينما هو كان كالثور الهائج الذي لم يرى أمامه فقد قام بتحطيم كل ما طالته يده داخل الغرفة حتى أنه حمل مقعد تسريحتها وقذفه بالمرآة محدث على أثر تحطيمها ضجيج قوي تردد صداه في أرجاء الغرفة وجعلها تصرخ بجزع وتحاوط رأسهاغافلة انه بفعلته تلك ينفث عن غضبه عوضًا أن يؤذيها، فلم تهدأ صرخاتها قط إلا حين جثى على ركبتيه أمامها وصرخ بهياج شديد وهو يقبض على ذراعيها يؤرجحها:

-أنا كتير قولتلك وحذرتك أمي خط أحمر بالنسبالي،

ولو كنت بتنازل في حق نفسي مش هتنازل في حقها هي ابدًا

كانت عيناها دامية من شدة بكائها وكادت انفاسها تخبو بصدرها من شدة شهقاتها ولكنه لم تأخذه بها شفقة فقد تمادت وحقًا فاق الأمر قوة أحتماله ولذلك هزها بقوة أكبر هادرًا بصوت قاسي خالي من أي تهاون بتلك التساؤلات التي عجز عقله عن استيعابها:

-أنتِ إيه الجبروت والسواد اللي جواكِ ده؟

ده جزات الست اللي ربتك وراعتك بعد موت امك!!

قوليلي عملت ايه تستاهل عليه كده؟؟

طب ضميرك مأنبكيش من نحيتها؟؟

طب ازاي كنت بتحطي عينك في عينيها وبتتعاملي معاها وأنتِ بتأذيها، انتِ للدرجة دي وِحشة وانا كنت مخدوع فيكِ؟؟

لتتهدج نبراته ويستأنف باشمئزاز وكأنها تثير غثيانه هو ينفضها بقوة جعلتها تسقط على الأرضية متألمة :

-أنا بجد ندمان وقرفان من نفسي إني حبيت واحدة زيك

كانت تستمع لحديثه وضميرها ينهش بها وكأنه كان في غفوة واستيقظ لتوه، وحينها تدخل عقلها وهاجمها بتلك المبررات من جديد شعرت أن الأمر يتخطى قدرتها على التحمل ولذلك وضعت يدها على اُذنها وصرخت بانهيار تام بصوت مختنق بعبراتها:

-كفاااااااااااية…كفاااااااية بقى

تطلع لانهيارها بعيون جامدة، قد اندثر بها ذلك الدفء الذي كان يعتمرها ثم قال بنبرة قاطعة كحد السكين وهو يخطو بعيد عنها:

-انتِ لسه ما شوفتيش حاجة ومن هنا ورايح هخليكِ تجربي الذُل اللي على أصله يا بنت الراوي

ليغادر غرفتها ويغلق خلفه بابها ويوصده بمفتاحه دون أن يرأف بها وبنحيبها ولا لصرخاتها الموجعة وكأنها بدلت لين قلبه المُولع بها إلى آخر صلد كالجلمود بفضل أفعالها التي يهيئها لها شيطانها كونها بريئة مبررة في سبيل انتقامها

——————

أما في أحدى قرى الصعيد فقد

كان يهرول فرحًا بعودة محبوبته بعد غياب دام لعدة أيام مرو عليه بصعوبة بالغة من دونها

فكان قلبه يهفو لها يسبقه حين وجدها تدلف لتوها إلى ردهة المنزل وتركض لترتمي بين يده قائلة بنبرة ملتاعة:

-توحشتك جوي يا “حامد”

دثرها “حامد” بين أحضانه أكثر وأخبرها بإشتياق ولوعة تشابه لوعتها:

-وأني كما توحشتك يا جمري وأيامي كانت غابرة من غيرك

قطمت “قمر” طرف شفاهها ورفعت رأسها له تسأله بعيون كحيلة تفيض بالعشق:

-توحشتني صُح يا “حامد”؟؟

تنهد هو تنهيدة حارة مفعمة بالمشاعر وهو يكوب وجهها الصبوح بين يده وقال بوله تام:

-ايوة يا جلب “حامد”الليالي كانت عاتمة من غيرك ومصدجت رچعتِ تاني تنوري سمايا يا حبة الجلب

اتسعت بسمة “قمر”من ذلك الغزل الذي يغدقها به زوجها ويهون الكثير عليها وقالت بنبرة تقطر بمكنونها وهي تمرغ وجهها بكف يده الذي يحاوط وجهها:

-ربنا يخليك ليا يا “حامد”

لوت “ونيسة” فمها يمينًا ويسارًا بعدم رضا وهي تدلف لتوها هي وزوجها لردهة المنزل

بينما ضرب “عبد الرحيم”الأرض بعصاه الأبنوسية قائلًا بحدة كي يقطع تلك اللحظات الحالمة بيهم:

-واه چرى أيه كانكم مايعين إكده اللي ينضركم يجول بجالكم سنين متفارجين مش كام يوم

تحمحم “حامد” بحرج، بينما هي أطرقت رأسها وسحبت طرف وشاحها تغطي به فمها من شدة خجلها وهرولت نحوهم تقبل أيديهم احترامًا وتبجيل لهم قائلة:

-كيفك يا بوي وكيف صحتك

والله توحشتك يا أْما “ونيسة”

رفعت “ونيسة” طرف فمها بحركة مستنكرة ولم تعقب و اكتفى “عبد الرحيم” بهز رأسه كونه بخير واستأنف حديثه الخالي تمامًا من اللباقة:

-طالما متجدرش على بعدها إكده ياولدي كنت عجلها وجولها تجعد في دارها وبلاها علاچ ولا حُكَمة وتضيع وجت على الفاضي

ابتلعت هي غصة مريرة بحلقها من تجريحاته المستمرة بشأن عدم إنجابها وقالت بنبرة متحشرجة على حافة البكاء:

-إن شاء الله متكونش على الفاضي المرة دي؛ الحَكيمة طمنتني وجالتلي إن في أمل ابجى حِبلة

حانت من “عبد الرحيم” بسمة هازئة ورد ساخطًا:

-بعد جد أيه يا جمر لما شعر ولدي يشيب

أطرقت هي رأسها ولم تستطيع أجابة سؤاله فما كان منها غير أن تنسحب قائلة بنبرة منكسرة:

-العلم عند ربنا يا بوي…ما تواخذنيش أنا تعبانة من الطريج ومحتاچة ارتاح

كان هو صامت احترامًا لشخص أبيه فلا يجوز أن يتعدى حدود الأدب ويعاتبه أمام زوجته ولكن عندما غادرت هي نظر لآثارها في ضيق شديد وهدر مدافعًا في محاولة بائسة منه كي يجعل أبيه يكف عن تسلطه:

-ليه تكسر بخاطرها أكده يابوي مَرتي ست البنات وعَاجلة ولو هتروح للحُكمة فده علشان انتوا ضغطين عليها و مش مجتنعين إن مش بايدها حاچة

لم يعجبه الأمر ولذلك عقب على حديث ولده بسخط:

-بكفياك يا ولدي مرتك أرض پور ومفيش منيها رچا

-بس هحبها ولو لفيت الأرض كلتها مش هلاجي ضفرها وإذا كان على الخِلفة أنا راضي بحكمة ربنا ومش عاوز من الدنيا غيرها

قالها “حامد” بحمقةٍ شديدة جعلت ونيسة تضرب على صدرها بحسرة، بينما” عبد الرحيم” صاح متجبرتًا:

-والله وچه اليوم اللي تناجرني فيه يا “حامد” وتجف جصادي

زفر “حامد “في ضيق وقال مبررًا:

-يا بوي أنا مليش في الدنيا غير رضاك ورضا أمي بس هي مرتي وكرامتها من كرامتي ويعز عليا تچرح فيها وتنجرزها بالحديت في الرايحة والچاية بالله عليك يا بوي لو بتعز ولدك صُح بكفياك

احتدت نظرات” عبد الرحيم” القاتمة وسايره:

-ماشي يا ولدي لما أشوف أخرتها معاك

ليستأذن “حامد” كي يصعد لزوجته وما أن غادر قالت “ونيسة” بعدم رضا وهي تولول:

-جولتلك سحراله ومصدجتنيش يا “عبد الرحيم”

بينما هو جلس على أحد المقاعد يسند ذقنه على عصاه الأبنوسية وهو يفكر كيف يتمكن من كسب ولده لصالحه حتى لا يخسر وِده ويخرج عن طوعه ويعيق ما يطمح له.

—————

-حجك عليا يا حبة الجلب

قالها “حامد” بحنو وهو يربت على ظهرها كي يراضيها، ولكنها جففت دمعاتها وقالت والحزن يغلف صوتها:

– أنا اللي محجوجالك يا “حامد” انا اللي معرفتش أچبلك حتة عيل يشيل أسمك

-واه خلاص بقى جفلي على السيرة الماصخة دي، وبعدين يا بت الناس مش جولتي الحكيمة قالتلك إن العلاچ الچديد ممكن يجيب نتيچة وأن المسألة مسألة وجت يبقى لازم نصبر وربك هيچبر، وحتى لو ربك مأذنش أني راضي ومكتفي بيكِ انتِ بتي وحبيبتي وحبة جلبي من چوة

ابتسمت من بين بكائها وهي تشعر بقلبها يتراقص فرحًا من تفهم زوجها وحبه لها الذي يغلف كل أفعاله وحتى حديثه ورغم أنها تعلم أن لأبويه سُلطة عليه ويخشى سخطهم ولكنها تعذره فهو حنون، لين القلب ولذلك لن تتحامل عليه أكثر وخاصةً بعد أن استرقت السمع لدفاعه المستميت عنها قبل أن تدلف لغرفتهم، لتقول بحب :

-ربنا ما يحرمني من طيبة جلبك ولا حنيتك يا “حامد”

-ولا منيكِ ياجلب “حامد”

طب ايه جوليلي وريحي جلبي روحتى لعمي “سعيد” زي ما جولتلك

أومأت له بنعم وقالت بصوت خفيض للغاية تحسبًا أن يستمع لهم أحد:

-ايوة زرته في المستشفى في سوهاچ انا وامي وعطيته الفلوس زي ما جولتلي وفكيت ضيجته وخالة “هانم”بعتالك السلام وبتجولك كتر خيرك

-وهو كيف صحته يا جمر؟

تنهدت “قمر”وقالت بتفائل:

-ادعيله يا “حامد” وإن شاء الله هيبجى كويس

أومأ لها وتمتم بتضرع:

-ربنا يشفيه ويعافيه و يجومه بالسلامة

أمنت هي على دعواته، ليباغتها هو بجذبه لها من خصرها وقوله بنبرة مشاغبة:

-طب أيه مفيش حاچة علينا ولا أيه؟

لم تتفهم حديثه وتساءلت:

-هااااتجصد أيه؟

ليتساءل مرة أخرى ولكن بشغب أكبر وهو يتفرس بمعالم وجهها:

– بجالك كام يوم غايبة يا بت الناس

تنهدت واجابته بقلة حيلة وهي تستند على صدره:

-واه انا عجلي مش دفتر

-يبجى افكرك

شهقة خافتة صدرت من فمها حين أنحنى بجذعه عليها وحملها قائلًا وهو يتوجه بها للفراش:

– إني بجى فاكر وحاسب بعدك عني بالدجيجة والثانية يا جمري وعلشان إكده هعوضهم كلاتهم

ليضعها على الفراش كي ينعم بنعيم قربها كيفما شاء فحقًا كان يحترق من شدة توقه لها أما هي فكانت مأخوذة بلهفته عليها وحالتها لا تختلف كثيرًا عنه غافلة أن القدر يخبأ لها فاجعة ستودي بذلك القرب وربما للأبد.

——————-

استيقظت”ثريا” بعد عدة ساعات وهي تشعر بألم مبرح برأسها، وقد أخبرها “يامن” كل شيء وعن فعلت تلك اللعينة بها، وحينها ضربت صدرها وقالت بملامح متقلصة شديدة الحزن وكأنها تعاتب شخص تلك اللعينة:

-ليه كده بس يا بنتي هونت عليكِ… انا مش مصدقة كل ده يطلع منك!!

أجابها هو بأنفعال:

-لأ صدقي الهانم كانت بتخدرك ومفرقش معاها انها بتأذيكِ بالحبوب دي والله اعلم المرة الكام اللي عملت كده…ده غير انها كانت بتستغفلني وبتخرج من ورايا، ده أنا جايبها من القسم وكانت سكرانة طينة أنا كويس إني مسكت نفسي ومقتلتهاش.

كان يتفوه بكل كلمة بغضب قاتل وهو يشعر أنه على حافة الجنون، مما جعل “ثريا ” تربت على ظهره قائلة بمواساة:

-اهدى يا ابني واستعيذ بالله من الشيطان الرچيم…هي الغلط راكبها وتستاهل اكتر من كده كمان…بس مش معنى كده أننا نموتها بالحيا دي أمانة في رقبتنا علشان خاطري هات مفتاح اوضتها هطمن عليها

نفى برأسه وشياطين الجن والأنس تتقاذف أمام عينه ثم زفر حانقًا:

– لأ يا أمي و متحاوليش انا لا يمكن ارجع في كلامي

عاتبته “ثريا” من جديد راجية وهي تربت على ظهره:

-متخليش غضبك يعميك أنا مش هلومك ومش هتدخل في اللي بينكم بس خليني أطمن عليها

أعترض مجددًا ولكن تلك المرة بنبرة قاطعة غير قابلة للتفاوض:

-لأ يعني لأ دي واحدة متستهلش قلقك ولا خوفك عليها وانا هخليها كده مش هي شايفة أن أنا ذللها خليها تجرب الذُل وانا بقى عايزها تعترض علشان أكسر دماغها واخلص من قرفها

عاتبته “ثريا” بنظراتها ولكنها لم تعقب فهي تعلم أن ما فعلته ليس هين بالمرة ولا يصح أن يمر مرور الكرام.

——————

لم تغمض له عين طوال الليل وظل يتقلب بفراشه الذي يخلو منها وهو يستجدي النوم ولكن دون جدوى يقسم أنه لا يعلم ما أصابه ولكن عندما حل الصباح برر لذاته انه فقط توتر عادي بسبب حماسه الزائد لما هو مقبل عليه فقد نهض و أخذ يحضر حقيبته ويستعد لذلك اليوم الميمون بالنسبة له وحين انتهى اخذته قدميه إلى غرفة اطفاله كي يودعهم قبل مغادرته وحين سقطت عينه عليها تتوسطهم ووجد أثار الدموع على وجنتها شعر بشيء من تأنيب الضمير فهو يعلم أنه زادها عليها حين هددها بهم ولكن هيأ له شيطانه أنه الحل الأمثل كي يجعلها تتقبل الأمر وظن أنها حتمًا ستفعل مع الوقت.

فقد قبل جبين ابنائه أثناء نومهم ثم مال عليها يضع قبلة اعلى خصلاتها هامسًا في خفوت بالكاد يسمع و بصراحة نابعة من بقايا ضميره غافل كونها تدعي النوم:

-انا عمري ما اقدر احرمك منهم بس غصب عني كان لازم أضغط عليكِ علشان متعارضيش قراري ومتسبنيش …أنا مقدرش اتخيل حياتي من غيرك…

ذلك آخر شيء قاله قبل أن يربت على خصلاتها ويغادر تاركها تفتح عيناها تنظر لأثره بعيون غائمة متألمة و دون أن تأخذ لحظة تفكير واحدة نهضت من الفراش متوجهة للنافذة تتوارى خلف ستائرها كي تشيعه بنظرات أخيرة وهو يغادر ولكن لصدمتها وجدت الآخرى تنتظره بكامل بهائها، أما هو كان يبتسم لها بإتساع وكأن تلك الصفراء هي مصدر سروره الوحيد، وقبل أن يصعد إلى السيارة حانت منه نظرة خاطفة لنافذتها جعلتها تتراجع للخلف عدة خطوات و تتعالى وتيرة أنفاسها بشكل غريب وكأنها تعجز عن التقاط الهواء ثم ارتمت على أحد المقاعد تحتضن جسدها بذراعيها كي تحفز ذاتها على الصمود ولا تنهار ولكن كان الأمر مؤلم يفوق احتمالها فقد عصتها دمعاتها وتهدلت هاربة من سجن عينها كي تفضح هشاشتها ومع حالة الانهيار العارمة التي اصابتها هاتفت “سعاد” ابنة عمها وإن اتاها الرد غمغمت من بين شهقاتها المقهورة التي تدمي القلب:

-انا اخدت قراري خلاص وعايزاكِ تساعديني

أتاها رد “سعاد “المترقب من الطرف الأخر:

-بس قرارك صعب يا “رهف” ومينفعش ترجعي فيه ولا يكون في ندم بعديه

أجابتها بإصرار عجيب لم يكن من طباعها يوم بعدما تذكرت جملته الصادقة التي صدرت منه وهو يظنها غافية غافل كونه طمئنها دون أن يشعر وجعلها تقرر أن لا شيء سيردعها فحقًا فاض بها وقد اتى اليوم لتثور حفاظًا على بقايا كبريائها الذي دهسه تحت قدمه:

-عارفة عواقب قراري كويس ومش هرجع فيه…لتبتلع غصة مريرة بحلقها تكاد تخنقها و تستأنف بنبرة متألمة وبقلب مدمي يقطر دمًا:

-هو اللي اضطرني لكده انا

لازم ادفعه التمن يا “سعاد” وغالي اوي.

—————-

مر أكثر من اسبوعين عليها وهي تشعر بتحسن كبير منذ أن توقفت عن تلك الحبوب اللعينة التي كانت تسلبها إرادتها، فرغم محاولاتها السابقة بالامتناع عنها إلا أنها كانت سابقًا تفشل فشل ذريع ورغم علمها أن تناولها كان ناتج عن تعودها، لا إدمانها ولكن كانت تتلاشى إرادتها و تستسلم لطنين رأسها وتظن أن بها خلاصها؛ فسابقًا لم يكن لديها هدف أو شيء يحفزها ويدعم عزيمتها ولكن الآن أصبحت هو يمثل كل ذلك لها بل أصبح محور تفكيرها، ورغم انه مُتحفظ معها ولم يحيد عن منطقه ولا طباعه الثابتة إلا أنها تشعر بالاهتمام يغلف كل أفعاله وحقًا أصبحت مأخوذة به و بكل شيء يصدر منه

فها هي منذ أن صعدت للسيارة ولم تشيح بفيروزاتها عنه وكأنها تراه للمرة الأولى مما جعله يرتبك قليلًا ويقول بثبات اثناء قيادته:

-مش ملاحظة انك متكلمتيش من ساعة مركبتي العربية

أجابته بتنهيدة حالمة:

-مش عايزة اتكلم وحاسة إني عايزة ابصلك وبس

مسد جبهته بسبابته وابهامه بإرتباك أصبح ملازم له الآونة الأخيرة بفضلها وبفضل تلميحاتها التي تأخذ مجرى آخر يخشاه ومازال عقله يستنكره فلم يعقب بل صب كافة تركيزه على الطريق، ولكنها زادتها عليه حين همست ببسمة ناعمة:

-انا عايزة احكيلك على حاجة

تأهب لحديثها وحثها بعينه أن تسترسل، لتبتسم بعيون لامعة وتخبره:

-انا مبسوطة إني سمعت كلامك وروحت للدكتور بصراحة ارتحت اوي بعد ما اتكلمت معاه، وكمان اتبسطت أن بابي فضى نفسه مخصوص وجه معايا تعرف إن دي أول مرة أحسه قريب مني وخايف عليا بجد.

أبتسم وأجابها بعفوية دون أن يحيد نظراته على الطريق:

-محدش في الدنيا هيحبك أكتر من ابوكِ وام…

ابتلع باقي حديثه ولعن تسرعه ولكنها تفهمت وهدرت بعدما انطفأت لمعة عيناها واندثرت بسمتها:

-مش شرط يا “محمد” أنا أمي محبتنيش

أغمض عينه بقوة يلعن غبائه ثم صف السيارة بجانب الطريق وقال بنبرة حانية مفعمة بالاهتمام:

-احنا قولنا ايه؟

مش هنبص ورانا تاني وهنفكر بس في اللي جاي، واللي محبناش ولا اتمسك بينا دي مشكلته هو؛ علشان احنا ناس جميلة وتتحب وهو حد مبيعرفش يميز وميستهلش حتى نفكر فيه ونحزن نفسنا

رغم أن حديثه متكرر بالنسبة لها ولكن صيغة الجمع الذي نطق بها جعلتها تشعر براحة و طمأنينة لا مثيل لها، ليشرق وجهه من جديد وتفتر شفاهها عن بسمة هادئة ثم قالت بإقتناع:

-أنت عندك حق…

رفقت قولها بسحبها لحقيبتها وأخراج هاتفها ثم أخذت تنقر على شاشته عدة مرات إلى أن توصلت لذلك الحساب الوهمي التي تتبع به أخبار تلك السيدة التي لا تستحق لقب والدتها وقبل أن تضغط على حذف الحساب شعر هو بترددها وتشوش نظراتها وحينها تفهم ماذا تنوى أن تفعل فما كان منه غير أن يربت على يدها ويشملها بنظرات محفزة تفيض بالاهتمام، استقبلتها هي ببسمة هادئة ودون أي لحظة تفكير أخرى كانت تقوم بالنقر مجددًا وتحذف ذلك الحساب من هاتفها وهي تنوى أن تستمع لنصيحته ولا تهتم بما مضى، فربما هو محق وهي ليست بذلك السوء ومن الممكن أن تحظى بالحب ولكن السؤال هو هل سيمنحها قلبه أم فقط ستحظى بذلك الأهتمام تحت مسمى أخر لا يمت بتاتًا لتلك المشاعر التي أصبحت تكنها له

-برافو عليك انا فخور بيكِ و بإرادتك

قالها هو لينتشلها من دوامة أفكارها التي نفضتها عنها الآن و ابتسمت بسمة صافية مفعمة بالتفاؤل قائلة:

-عارف نفسي في ايه…

لوهلة تعلقت بندقيتاه بها قبل أن يتساءل باهتمام كعادته:

-أيه؟؟

أجابته بحماس وببسمة مشرقة:

-نفسي تأكلني فول من على نفس العربية زي المرة اللي فاتت بصراحة وحشني اوي اعمل مركب زيك واغطسها في الطبق وياريت بقى لو معاها بصلتين يااااه والله جوعت على السيرة

قالت أخر جملة بتعبير غريب وهي تقطم شفاهها السفلية تقلد طريقته ذلك اليوم ليقهقه ضاحكًا بتلك الطريقة الخشنة المفعمة بالرجولة التي دغدغدت حواسها وجعلت بسمتها الهائمة تتسع شيء فشيء حين قال:

-لسة فاكرة…ده انا حسيت يومها من كتر أسئلتك إنك من كوكب تاني

هزت رأسها مستنكرة واجابته بتنهيدة عميقة:

-فعلًا كنت مستغربة ولما أنت اتكلمت معايا وبقيت تجاوبني الصورة وضحت قدامي، يعني مثلًا:الحاجات التافهة والبسيطة بالنسبالي؛ اكتشفت انها كبيرة اوي وليها قيمة عند ناس تانية، وعرفت إن كفاح الناس البسيطة دي وصبرهم هو قمة الرضا.

تهادت ضحكاته تدريجيًا وهو يستمع لها وكم راقه انه استطاع أن يؤثر حديثه بها، لتضيف هي بخجل وهي تلملم خصلاتها وتضعها خلف اذنها:

-أنت خلتني اشوف الدنيا من منظور تاني يا “محمد ” أنا مش عارفة ازاي عرفت تأثر عليا كده بس كل اللي أعرفه إني اتعلقت بيك لدرجة إني بستنى كل يوم الصبح علشان بس اشوفك واتكلم معاك

تبًا لقناعاته ولحدود منطقه فكيف الصمود أمام عفويتها وتلميحاتها المتكررة له، حقًا كان ضائع يتمنى لو يجد قشة يتشبث بها وتنقذه من الغرق داخل بحر عينيها ولكن لم يجد سوى تلك المشاعر الطاغية التي ثقلت قلبه وجعلته يعافر كي لا يغرق بها.

فقد دام تشابك نظراتهم لعدة ثوانٍ حالمة أرادت هي لو لم تنتهي ولكنه أحبطها و أزاح رأسه بعيد عنها يغمض عينه بقوة يحاول أن يسيطر على ارادة ذلك النابض بصدره فيبدو ان البراعم النامية بقلبه، تفتحت، وأينعت وأصبحت مزدهرة رغم محاولته الشتى لوأدها.

تنهدت هي بعمق وقاطعت مداهمة أفكاره قائلة كي تخفي حرجها:

-طيب انا جعانة هتوديني ولا لأ…

اوما لها ببسمة باهتة لم تصل لعينه ثم انطلق بها ليلبي رغبتها وهو يتيقن تمامًا أن ما كان يخشاه و يظنه يستحيل حدوثه قد تخطى حدود المنطق والعقل وحدث بالفعل.

——————-

أما عن صاحب البنيتان القاتمة فقد نال ما طمح وقد مر اسبوعين على عقد قرانه من الآخرى وها هو ينعم بقربها

بكل الطرق الممكنة، غارق حد النخاع في إرضاء ذلك الذكر بداخله، مأخوذ بكل شيء بها جرأتها، طريقتها في تدليله،…فهي امرأة واثقة تعلم ماذا يريد دون أن يطلب

فبعد ليلة فاقت كل توقعاته كالمعتاد سند ظهره على جذع الفراش متمتمًا بأنفاس متهدجة:

-يخربيتك هتجننيني

أطلقت هي ضحكة متغنجة وهي ترفع الغطاء على عليها قائلة:

-انت لسة شوفت حاجة يا “سُونة”

– اكتر من كده هتعملي ايه بس

مطت فمها وسألته وهي تعبث بأناملها على صدره:

– هو انت زهقت يا “سُونة”

نفى برأسه وقال مبرراً وهو يمرر يده بخصلاتها الشقراء:

-ابدًا بالعكس انا عمري ما حسيت إني عايش غير معاكِ بس يعني أنتِ أخدة تليفوني ومش عطيالي فرصة حتى أطمن على الولاد ولا الشغل

تأففت هي:

-يوووووه بقى الولاد مش لوحدهم وأمهم معاهم ما انت كتير بتسافر وتسيبهم ومفيش حاجة بتحصل، والشغل في كذا حد يقدر يمشيه من غيرك، وبعدين احنا في شهر العسل ومينفعش حاجة تاخدك مني

وبعدين انا مصدقت بقيت ليا يا “سونة”

قالت أخر جملة بنبرة مائعة للغاية وهي تطبع قبلة على شفاهه كانت بمثابة دعوة صريحة له، وحينها اقنع ذاته بحديثها و وجده منطقي لحد كبير ليقرر انه لن يفكر بأي شيء الآن سوى أن يشبع رغبته ويلبي دعوتها

———————–

أما عن صاحب القلب الثائر الذي خذلته تلك المتمردة، فمنذ ذلك اليوم المشؤوم وهو يلتزم بوعده لها و يذيقها مّر صنيعها، يحتبسها بالغرفة و لم يسمح لها أن تطأ قدميها خارجها قط، ورغم إلحاح والدته المستميت ليعفو عنها إلا أنه لم يقبل ولم يتهاون بتاتًا حتى أنه منع والدته أن تتدخل بلأمر مرة أخرى، وكأنه يود أن يمنحها هُدنة مع ذاتها كي تفكر بكل ما اقترفته من خطايا وتندم عليها، لا ينكر أن قلبه اللعين يعلن عصيانه عليه كل ليلة وخاصة عندما يستمع لنحيبهامن خلف باب غرفتها، ولكن كيف التهاون معها بعد كل ما اقترفته فغضبه منها مازال يطغي على كل شيء حتى ارادة قلبه.

فقد تناول صنية الطعام من والدته ككل يوم دون أن يعير نظراتها الراجية ولا الحاحها أي أهمية

ثم توجه لغرفتها يدس المفتاح بالمكان المخصص له ويديره زافرًا بقوة ما أن وطأت قدمه داخلها وهو يتوقع انه سيجدها بالفراش ككل يوم عندما يأتي إليها بالطعام وتتصنع النوم ولكنه وجد فراشها يخلو منها، لتنكمش معالم وجهه ويضع الطعام أعلى الطاولة بجانب طعام الصباح التي لم تمسسه ويلعن ذلك العند المستوطن بها وهو يبحث بناعستيه الثائرة عنها، لفت نظره شرفة حجرتها المواربة ليخطو نحوها بخطى واسعة وما أن فتح بابها كاد قلبه يهوي بين قدميه عندما وجدها باهتة بملامح منطفأة فرت منها كافة ألوان الحياة وتجلس على سور شرفتها تدلي قدميها خارجها
و رغم الخوف الذي تسلل لقلبه انه من الممكن أن يفقدها إلا انه يعلم انها تحاول تستعطفه وتستحوذ على اهتمامه ليس إلا؛

ولذلك لم يتخلى عن جموده معها و هدر بمكر وهو يستند على السور بكفوف يده ويشرد في نقطة وهمية بالفراغ :

-معتقدش أنك بالغباء ده، و بتفكري تنتحري، بس لو ده اللي وصلتيله بتفكيرك مش هعارضك بالعكس أنتِ كده هتوفري عليا كتير وتريحيني.

كونه يعلمها تمام المعرفة تعمد أن يستفزها بحديثه ويشعرها أن ما تفعله لن يؤثر به، فإن استشعرت هي عكس ذلك ستستغل الأمر لصالحها

وبالفعل كانت فِطنته بمحلها حين رفعت عيناها الغائرة له وهمست بصوت مازال يحمل بطياته حفنة من التمرد وهي تتخلى عن جلستها وتقف في مواجهته:

-لأ متقلقش انا مش غبية، ومش هخليكم ترتاحوا مني زي ما ارتحتوا من امي

رغم تلميحها المبطن الذي جعل التساؤلات تتقاذف برأسه إلا أنه أجل التفكير به وقد اعتلى جانب فمه هازئاً من نجاح حيلته وقال بلامبالاة فاجأتها و وخزت قلبها:

-واحدة بسواد قلبك لازم تفكر كده بس على العموم افهميها زي ما أنتِ عايزة مبقتش تفرق.

أبتلعت غصة بحلقها وكادت ترد ولكنه سبقها بنبرة باردة خالية من أي دفء أصابت قلبها بالصقيع:

-الأكل عندك… وبراحتك لو عايزة متكليش، أنا بس بخلص ضميري علشان لو حصلك حاجة محسش بذنبك

قالها وهو يخطوا خارج الشرفة دون أن ينظر لها نظرة واحدة تنم عن قلقه أو اهتمامه مما جعل عيناها تغيم و تنظر لآثره بنظرات غائرة يحتلها الحسره، و تتساءل أين ذهب لين قلبه و تهاونه معها ألهذه الدرجة كانت أفعالها مخزية وجعلته يمحي تلك المشاعر التي كان يكنها لها!

هل مقتها لتلك الدرجة التي تجعله لا يطيق حتى النظر لها، مهلًا لمَ تهتم الآن! فمن المفترض أن تنقم عليه أكثر بعد أن عنفها وقسى عليها…مهلًا ايضًا لمَ تشعر بتشتت عظيم يحتل كافة كيانها ولمَ ذلك الفراغ الموحش ينخر أحشائها!

أيا ترى بسببه وبسبب حديثه السابق الموبخ لها هل من الممكن أن يكون محق وهي بذلك السوء الذي أصبح يراها به. حقًا لا تعلم هي ضائعة مشتتة بين ألم قلبها وهواجس عقلها الذي يبرئ كل أفعالها ويقنعها أنها مبررة في سبيل انتقامها وعند وصولها لتلك الفكرة وجدت ذاتها تنخرط بنوبة بكاء مرير وهي تتيقن أنها لم تؤذي أحد سوى نفسها.
(مراكريم)
————–

أما هو فقد حاول اقناعها ان تعيد له هاتفه ولكنها رفضت ورغم أنه ود بشدة ان يطمئن على أطفاله إلا انها استطاعت بطريقتها أن تؤثر عليه وتقنعه انهم بخير وهاهو ينتظرها كي تتحضر ليصحبها لتناول العشاء فقد أشعل أحد سجائره واخذ ينفث دخانها بنفاذ صبر فقد تأخرت كثيرًا وحقًا سأم الأنتظار ولكنه لم يستطيع أن يعترض حتى لا يفسد يومه الحافل معها،

ولكن حين خرجت له تدلى فكه وهو يراها ترتدي ذلك الثوب الذي يلتصق على جسدها وكأنه جلد ثان لها وهدر قائلًا:

-ايه ده انتِ هتخرجي كده ؟؟

أعتلى حاجبيها وقالت بثقة وهي تتطلع لهيئتها بالمرآة أمامه بكل ثقة :

-اه يا “سُونة” ماله كده!

هب واقفًا وأجابها بحدة:

– ماله ايه، وزفت ايه؟ الفستان ضيق جدًا ده لبستيه ازاي مستحيل اسيبك تنزلي كده روحي غيريه

زفرت حانقة واعترضت:

-بس هو عاجبني ومش هغيره وبعدين مالك يا “سُونة” ما أنا كنت بلبس زيه قبل ما نتجوز وكنت بتتهبل عليا

تأفف بغيظ وبكثير من التناقض قال وهو يطفئ سيجارته المشتعلة بكعب حذائه:

– الوضع اختلف، دلوقتي أنتِ مراتي وشايلة اسمي.

قهقهت هي بصخب وإجابته دون حياد عن رأيها:

-بس أنا مش هغيره ومتهيئلي أنت اتجوزتني كده وقبلت تشيلني أسمك؛ وانا برضو كده ومش هغير ستايلي ونمط حياتي علشان أفكار رجعية ملهاش قيمة

لم يروقه حديثها وهدر منفعل:

-“منار “مش بحب الاسلوب ده

حانت منها بسمة مغوية أثناء اقترابها منه وقالت بنبرة متلاعبة وهي تعبث بأناملها المطلية في تلك الشعيرات الظاهرة من فتحة قميصه:

-اهدى يا “سُونة” متتعصبش وتبوظ مودي وبعدين أنا هبقى معاك ومفيش حد هيقدر يرفع عينه فيا علشان معايا أجمد راجل في الدنيا وكفاية اوي أنك مالي عيني.

ختمت حديثها وهي تضع قبلة عابرة أعلى فمه كي ترضي تلك النزعة وحين بدا يلينزويقترب منها دفعته برفق وببسمة ماكرة نفت بسبباتها أمام وجهه وقالت بهمس مغري للغاية:

-مش دلوقتي لما نرجع.

لتضيف بنبرة تقطر بالفتنة وهي تقرص وجنته:

-هستناك في العربية ياريت متتأخرش يا “سُونة”علشان بتوحشني

قالتها وابتعدت عنه تسحب حقيبتها كي تسبقه دون أن تعطيه أي مجال للرد وكأنها تود أن تثبت لذاتها قبل منه أنها لن تخضع وتكون نسخة ثانية من تلك الغبية التي سخط عليها.
(ميراكريم)
———————

كانت حريصة على افتتانه بها بكل الطرق أثناء سهرتهم، تتلاعب على اوتاره بكل حرفية وتعلقه بها أكثر بتلك الطريقة التي رغم فجوجها إلا أنها كانت تجدي نفع معه فقد تعمدت أن تجعله دائمًا تواق لها مستخدمة أحد حيلها الذكية التي تأكدت من تأثيرها حين همست بأذنه بطريقة مغوية بكلمات تصيبه بالجنون …

فقد تصلب جسده؛ ولذلك قرر في التو أن ينهي سهرته .

ليؤشر للنادل ويعطيه بطاقته الائتمانية كي يسدد ثمن فاتورة الطعام

وهو يخبره أن يتم الأمر بعُجالة كونه لا يستطيع الأنتظار اكثر، وبالفعل هرول النادل كي ينفذ طلبه ولكن عاد له بعد بضع دقائق قائلًا:

-آسف يا فندم تقريبًا البطاقة الإئتمانية بتاعة حضرتك مفهاش رصيد

تفوه بها بأسف بعدما كرر المحاولة لاكثر من مرة، ليجعد “حسن” حاجبيه ويسأله بعدم استيعاب:

-نعممممممممم…أنت متأكد اكيد المشكلة عندك!

نفى النادل وهو يناوله البطاقة مرة آخرى قائلًا:

-حضرتك تقدر تتأكد بنفسك

لتتسأل هي بتهكم وببسمة صفراء دون أن تعطي صدمته أي اهمية :

-ازاي كده يا “سُونة” معقول أنت بجلالة قدرك معكش رصيد

هب واقفًا وأجابها:

-لأ… اكيد المشكلة من عندهم ياريت تسبقيني على العربية

أومأت له وغادرت بينما هو رفض عقله الاستيعاب و أصر أن يحاول بنفسه لعدة مرات ولكن دون جدوى

ليضيق بُنيتاه القاتمة بعد أن فطن للأمر الذي لم يتوقع أن يصدر منها حتى في أبعد أحلامه، وتوحشت نظراته وهسس بنبرة متوعدة شديدة الغضب:

-عملتيها يا “رهف”…

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)

‫3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى