روايات

رواية خطايا بريئة الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الجزء الحادي والعشرون

رواية خطايا بريئة البارت الحادي والعشرون

رواية خطايا بريئة
رواية خطايا بريئة

رواية خطايا بريئة الحلقة الحادية والعشرون

اتخذ من الفشل سلما للنجاح ومن الهزيمة طريقا الى النصر ومن المرض فرصة للعبادة ومن الفقر وسيلة الى الكفاح ومن الالام بابا الى الخلود ومن الظلم حافزا للتحرر ومن القيد باعثا على الانطلاق.
مصطفى السباعي
——————
كان يحتضن يدها طوال الطريق وأثناء قيادته للسيارة وكأنه يطمأنها بطريقته أنه لن يفلتها مهما حدث، بينما هي كانت تسترق له النظرات كل حين وأخر وهي تشعر براحة عارمة فهو كما عاهدته يساندها دون طلب وكأنه يسكن احشائها وعلى دراية تامة برغباتها وأحتياجتها
أكثر من نفسها.
فقد استغرق الطريق لهناك أكثر من ساعتين إلى أن وصلوا إلى ذلك الفرع الضخم الذي ينتمي لتلك المجموعة التي يديرها، صف السيارة وترجل منها ببسمة هادئة وفتح الباب لها قائلًا بحركة مسرحية اضحكتها:
-حمد الله على السلامة يا مغلباني نورتي مطعمك

تدلت من السيارة وهي تضم سترتها بأحكام على جسدها حين هبت تلك النسمات الباردة، ثم قالت بإنبهار وهي تطالع المكان من الخارج:

-وااااو بجد المكان تحفة يا “يامن” أنت عدلت فيه…أزاي بقى حلو كده أنا بقالي سنين مجتش هنا

أومأ لها وأخبرها بزهو:
-أومال انتِ فاكرة “يامن العشري” بيلعب ده انا لسة هبهرك لما تشوفي المكان من جوه

أبتسمت بسمة واسعة وهو يحتضن من جديد كف يدها ويسير بها للداخل، فحقًا كانت منبهرة بكل شيء فكان المكان ضخم للغاية ذات ثلاث طوابق لكل طابق ذوق خاص يشع بالرقي والفخامة

وأثناء مشاهدتها لساحة المكان رحب بهم أحد العاملين قائلًا بحفاوة:
-أهلًا يا”نادين” هانم والله المكان نور بأصحابه

أومأت له “نادين” ببسمة مجاملة وهي تستغرب كيف علم هويتها وكانت ستمرر الأمر مرور الكرام وتبرر أن “يامن” هو من أخبره بقدومها ولكن تفاجأت أن كل العاملين يعلمون من هي مما أثار حفيظتها وجعلها تميل على أُذنه متسائلة:
-هما عرفوا منين إني “نادين الراوي “صاحبة المكان

حانت منه بسمة حانية وأخبرها مشاكسًا:
-وهل يخفى القمر

-“يامن” بَطل رخامة وجاوبني

حانت منه بسمة مشاكسة وأدعى عدم معرفته ودعاها بحماس:
-تعالي افرجك على بقية التعديلات

أومأت له وسارت معه بجولة سريعة وحين وصلت للطابق الثالث فغرت فاهها وجحظت عيناها مما رأت فكان محيط المكان مفعم بأضاءة هادئة تبعث الراحة للعين وتتزين الطاولات بالشموع وصوت موسيقى كلاسيكية ناعمة تنتشر بأجوائه مما جعل بسمتها تتسع شيء فشيء وهو يخبرها أن ذلك الطابق يطلق عليه العاملين طابق العشاق وقبل أن تعبر عن مدى روعة المكان تجمدت نظراتها وتيبست قدماها وهي ترى صورة لها بعرض الحائط محاطة بأنوار خافتة تتركز عليها بطريقة رائعة تخطف الأنظار
أخذ الأمر ثوانِ عدة تستوعب ثم همست بشدوه تام:

-“يامن” ده أنا…

تنهد هو تنهيدة مُسهدة وأجابها وهو يشدد على يدها ويشملها بدفء عيناه:

-اه أنتِ يا مغلباني كنت لما باجي هنا بتوحشيني وبفضل أَعد الثوانِ علشان أرجعلك، وصورتك كانت بتصبرني وتهون الوقت عليا لغاية ما أرجع واطمن قلبي بقربك

غامت عيناها تأثرًا به بحديثه فكم لامت ذاتها على تجاهلها لتلك المشاعر الصادقة التي تفوح من افعاله وقد كانت بكل جبروت منها تتجاهلها بل وتتخذ منها نقطة لضعفه، انتشلها هو من دوامة أفكارها حين حضر رجل في العقد السادس من عمره ويدعى “حلمي” وهو من ينوب بإدارة المكان في غياب “يامن”:
-أهلاً يا “يامن” بيه المطعم نور بس أنا عاتب على حضرتك ليه مبلغتناش أن “نادين” هانم هتشرفنا كنا فرشنا الأرض ورد

ابتسمت هي بمجاملة بينما “يامن” هدر بجدية:
-معلش تتعوض يا “حلمي” وكويس أنك جيت عايزك تقعد مع “نادين” وتفهمها الشغل ماشي إزاي وخلي بالك هي مش هدلعكم زي و كلها ايام وهتبقى مكاني.

بهتت ملامحها لثوان قبل أن يقول “حلمي”:

-تحت أمرك يا “يامن” بيه بس والله هتقطع بينا واتعودنا عليك

أبتسم “يامن” وأجابه بمشاكسة:
-والله وأنا ما هصدق أرتاح منكم ومن مشاكلكم اللي مبتخلصش…

قهقه “حلمي” بينما استأنف “يامن”:
-الحق لازم يرجع لصحابه هما أولآ بيه

أيده “حلمي”:
-عند حضرتك حق بس اوعدنا كل ما تنزل اسكندرية تزورنا

أومأ له “يامن” واكد قائلًا:
-أكيد يا راجل يا طيب

-طيب تأمرني بحاجة تانية

-اه بلغهم في المطبخ يجهزولنا غدا وبعد كده عايزك تجبلي ملفات التوريدات أراجعها وياريت لو تبعتلي المحاسب على المكتب

أومأ له بطاعة بينما هي ما أن غادر همست بترقب:
-هو انت بتتكلم ليه كده كأنك هتسبني لوحدي

نفى برأسه وأجابها بثقة وهو يسير بها لأحد الطاولات القريبة:
-وقت ما تحتاجيني هتلاقيني وبعدين متقلقيش الحج “حلمي” مش هيسيب صغيرة أو كبيرة غير وهيفهمهالك بس الأول ناكل علشان نعرف نشتغل

نفخت أوداجها وهي تجلس على أحد المقاعد فليس ذلك مغزاها من السؤال فكانت تريده أن يخبرها أنه سيظل معها حينها ولكنه لم يتطرق قط لذلك مما جعلها تصاب بحالة من الذعر المستتر رفضت أن تعبر عنه.
حتى أنها ظلت ملازمة الصمت أثناء تناولهم للطعام أما هو فلم يحاول أن يفرض عليه حصار الحديث بل كان كل ما يفعله أنه يدس بفمها ويضع بطبقها كل ما تطوله يده بحنو شديد واهتمام فائق.
وبعد الكثير من الوقت الذي مر عليها كانت تشعر
بالضجر الشديد حين استفاض مساعده وأخذ يشرح حيثيات العمل وحقًا لم تستوعب حرف واحد مما حاول أن يوصله لها فكان عقلها وحتى نظراتها منشغلة بذلك المنكب على تلك الملفات على بعد خطوات قليلة منها وكم حمدت ربها أن الآخر أنتهى بعد أن صرع رأسها وغادر المكتب لتظل هي ثابتة على تلك الأريكة التي بزاوية بعيدة بمكتبه تراقب معالم وجهه الصارمة والجدية لحد كبير اثناء مناقشتة مع العاملين بسير العمل وإعطائهم أوامر قاطعة بتنفيذها وكم لامت ذاتها سابقًا حين اتهمته بسوء إدارته وقللت من شأنه، لم تمر دقائق وأنشغل مرة آخربمراجعة الأمور المالية مع المحاسب المسؤول عن ذلك، فكان يعمل دون كلل وبمثابرة غريبة جعلتها لا تستطيع أن تزيح بعيناها عنه ولكن هو لم ينتبه لها بل كان يصب كافة تركيزه على ما يفعله.
انصرف المحاسب من المكتب بعد وقت ليس بقليل ابدًا أشعرها بالملل، بينما هو رفع رأسه وأخذ يدلك عنقه بأرهاق بَين واصبح جلي على وجهه مما جعلها تنهض وتقترب منه مستندة على حافة المكتب في مواجهته قائلة:
-أنت بتتعب اوي مكنتش فاكرة الشغل صعب كده … وبعدين ده شغل فرع واحد أومال بتعمل أيه في الفروع التانية وازاي عارف توفق بينهم كده

حانت منه بسمة هادئة وهمس بدفء بعدما أزاح الأرهاق عن وجهه وتمسك بيدها يدثرها بين راحتيه:
-ولا يهمك كله يهون علشانك يا مغلباني

تأملته بنظرات نادمة تشعر بالخزي من ذاتها و تلعن تشكيكها به كونه يطمع بها وينسب أملاكها له كما كانت تعتقد، ولكن قد حدثها مساعده عن مثابرته التي رأتها بأم عيناها لتوها، وعن كونه يبذل مجهود خرافي كي يصبح ذلك الصرح بهذا الشكل الرائع والمشرف وكم وبخت ذاتها حين ادركت أنه رغم مجهوده إلا أنه لم ينسب شيء لذاته بل أخبر كل العاملين أنه ليس المالك الأصلي بل أنه يديره فقط والأغرب أن جميعًا يعلمون كونها هي مالكته.
-سرحتي في أيه؟

أنتشلتها جملته من شرودها مما جعلها تحاول نفض تلك الأفكار التي تؤلمها وتشعرها بالخزي من نفسها ثم أبتسمت بسمة باهتة لم تصل لعيناها وطلبت أول شيء جاء بخاطرها:
-أنا عايزة أروح أشوف البحر

أومأ لها ببسمة دافئة و وعدها بذلك قبل عودتهم
——————–
أما عن صاحبة الفيروزتان فقد ظلت ملازمة غرفتها وقد قررت أن تعود لعُزلتها من دونه فكانت تشعر بحزن لا مثيل له تبكي تارة، وتارة أخرى تنعي حظ قلبها فقد خذلها أكثر شخص لم تتوقع منه ذلك، وكيف تفعلها وهو مالك قلبها صاحب المواقف الرجولية الحاسمة التي شكلتها من جديد وأصلحت فسادها، فحقًا لا تستوعب إلى الأن كونه تخلى عنها بتلك السهولة وصرح بطريقة غير مباشرة انه لا يكن لها المشاعر؛ فماذا عن نظراته الحانية التي كانت تفيض بلأهتمام وماذا عن مؤازرته لها في أشد أوقاتها وماذا عن أفعاله، ونصحه، واحتواءه، وتحفيزه، ومشاكسته الحثيثة لها
حقًا تشعر أنها على حافة الجنون من تناقضه وكم حاولت أن تجد تفسير لكل ذلك ولكن دون جدوى، فكان صراع محتد يقام برأسها ولا تستطيع ردعه حين تعالى رنين هاتفها بنغمة تخصصها لرقمه وعندها كفكفت دمعاتها وهرولت بلهفة عارمة تتناول هاتفها وهمست بصوت مازال يحمل أثار البكاء:
-“محمد”…

أتاه الرد من الطرف الأخر مخالف لكل توقعاتها:
– أنا “شهد” يا “ميرال” أنا خليت “طمطم” تاخد منه التلفون بحجة اللعب علشان أكلمك وبصراحة أنا عندي علم باللي حصل بينكم

-أفتكرتك هو

-هو حالته صعبة يا “ميرال” من ساعة ما مشيتي وهو قافل على نفسه ومش عايز يتكلم

-هو ليه بيعمل فيا كده يا “شهد” أنا بحبه والله بحبه ومش هعرف اعيش من غيره

-هقولك بس عايزاك توعديني بحاجة الأول…
—————-
كانت تشعر بالتشتت والضياع في آن واحد فكيف لتلك القناعات والهواجس التي عششت بداخلها لسنوات أن تندثر بيوم وليلة وتدرك كونها جميعها بالية، حقًا الأمر يصعب عليها تصديقه او استيعابه دفعة واحدة فمن ناحية والدته التي لم تخدع ابيها كما اعتقدت وتزوجته برغبة من والدتها ومن جانب أخر علمها بمرض والدتها واستسلامها وكون كافة الخلافات التي كانت تدور بينها وبين أبيها جميعها كانت لأجل أن تخضع للعلاج وليس كما اعتقدت هي، أما هو فقد أدركت كونها كانت تتحامل عليه هباءٍ وتتجاهل مشاعره وعطائه ولا تقدر احتوائه لها في سبيل ذلك الأنتقام اللعين الذي لامحل له من الصحة وكم لعنت ذاتها على غبائها فاليوم اقتلع كافة قناعاتها وأثبت لها دون قصد أنه لن يطمع بها ولا بأموالها بل أن أملاكها عبء ثقيل على كاهله.

كان ذلك ما يدور برأسها وهي تجلس بجواره تتأمل على مداد بصرها مياه البحر الهائجة التي تشابه ثورة دواخلها، بينما هو كعادته احترم صمتها واراد أن يعطيها مساحتها الخاصة ولا يتطفل عليها فقط كان يجاورها يستمتع بتلك اللفحات الباردة التي تثلج قلبه المولع بها رغم كل شيء، فنعم اندثر غضبه وحاول أن يتناسى كل ما مر به معها سابقًا فوالدته أخبرته بدوافعها ورغم أنه كان يود أن يعاتبها بشأنها ولكنه فضل أن تبادر هي عندما تكون مستعدة لذلك، وبالفعل توقعه كان بمحله حين همست هي:
-كُنت عارف أن أمي هي اللي طلبت من مامتك تتجوز أبويا

تناول نفس عميق وأجابها:

-اه كنت عارف

لتعاتبه هي:
-وليه مقولتليش…

نظر لها وقال بنبرة رغم ثباتها ولكنها استشفت بها عتاب خفي:
-علشان عمري ما جه في بالي أن تفكيرك يوصل بيكِ لكده ولا كنت اتخيل انك تظني في أمي ظن سوء رغم كل اللي عملته علشانك

زاغت نظراتها ونكست رأسها وبررت وهي تشعر بالخزي من ذاتها:
-بس أنا مكنتش أعرف بمرض أمي ومكنتش اعرف بالتفاصيل دي كلها…

لتغمض عيناها بقوة وتوضح دوافعها قائلة:
-أنا كل حاجة كانت مفروضة عليا وأولهم فراق أمي، وسكوت ابويا، حتى أنت كنت مفروض عليا علشان كده كرهت حياتي ونقمت عليها واتمردت عليكم …

لتتنهد بتثاقل وتضيف سبب خزيها مسبوق بدمعاتها:
-بس طلعت غبية وظلمتكم و عارفة انكم كرهتوني وعمركم ما هتسامحوني ابدًا

كانت تتحدث ومع كل كلمة دمعة حارقة تهطل من عيناها وهي حقًا تلعن غباءها وتندم على كل افعالها المخزية، بينما هو وقف مواجه لجلستها وكوب وجهها قائلًا بنبرة حنونة متفهمة لأبعد حد:
-ششششش اهدي دموعك بتقتلني يا “نادين”…انسي وارمي اللي فات ورا ظهرك وافتحي صفحة جديدة مع نفسك وإذا كان على أمي هي بتحبك ومش زعلانة منك ومهما عملتي مش هتكرهك علشان محدش بيكره ولاده.

رفعت عيناها الباكية له وتساءلت بترقب شديد وبقلب يرتجف بين جنباتها ترقبًا لإجابته:
-وأنت؟

تنهد تنهيدة محملة بتلك المشاعر التي تجيش بصدره ثم تناول يدها وجعلها تستقر على موضع خافقه وكأنه أراد يطمئنها أن دقاته مازالت تناجي بإسمها وتنتمي لها ثم قال بنبرة دافئة مفعمة بالحب بثت بها السَكينة:

-اللي يحب ميعرفش يكره ومبيعرفش غير يسامح، وقولتلك قبل كده أنتِ الروح لروحي يا”نادين” و وجودك هو دليل حياتي

حانت منها بسمة متألمة من بين دمعاتها وهي تشعر أن ذلك الحب الذي يفيض من عينه و يشع من حديثه هي ليست جديرة به ولا تستحقه بالمرة، فيكفي أنها تذكرت ذلك اللعين” طارق” وما أقدمت عليه في سبيل انتقامها وهواجسها الواهية لذلك همست بخزي من ذاتها وبنبرة مرتعشة واهنة يحفها الندم:
-بس انا مستهلش حبك…
انا مستهلش حاجة ابدًا…يارتني موت مع أمي ولا كُنت عملت كده فيك وفيا

لم يتوقع انهيارها لذلك الحد واستغرب كثيرًا إصرارها كونها لا تستحق حبه، ولكنه لم يكن أمامه غير أن يهدأ من روعها ويحاول تهدئتها، فقد حاوط بكفوفه وجنتها وثبت نظراتها الباكية عليه وقال بنبرة رغم صرامتها إلا أنها كانت مغلفة بأحتواء لا مثيل له:
-بعد الشر عليكِ إِياك أسمعك تقولي كده تاني

نكست نظراتها ولم تستطيع مواجهته، ولكنه باغتها صارمًا وهو يثبت رأسها لأعلى كي يرى عيناها بوضوح:
-بصيلي…وبطلي عياط أنتِ قوية وعمري ما هسمحلك تضعفي وانا جنبك…أنتِ مش وِحشة ومش معنى أنك غلطتي تبقي متستهليش كلنا بنغلط ومحدش معصوم من الغلط وكلنا نستاهل فرصة تانية…أنا كمان غلطت و عايزك تسامحيني كنت غبي عمري ما حاولت اعرف سبب نفورك مني وكرهك لأمي وكان كل اللي شاغلني ازاي اكبح تمردك واقف قصاد عنادك ومجاش في بالي ان ممكن يكون ليكِ دوافع وكل اللي بتعمليه ليه سبب… أنا بجد آسف لو اتعمدت اخوفك واهددك بس صدقيني كان غرضي أخليكِ تتمسكِ بوجودي جنبك وتحسسيني إني الوحيد القادر على حمايتك،وآسف كمان علشان خليتك تخافي مني

اندثر نحيبها وظلت تطالعه بنظرات مغلفة بالحب وصافية لا تحمل أي ضغينة لأسبابه التي عددها، ليستأنف هو حديثه بنبرة واهنة متألمة تنم عن أن ما سيصرح به أكثر شيء لا يتمنى حدوثه:

– بس اوعدك عمري ما هكرر أخطائي تاني ولا هفرض نفسي عليكِ والقرار لسة بإيدك وأنا عارف أنك تقدري تتخطيني وتبدئي من جديد

وضعت كفوف يدها على يده التي تحاوط وجهها وقالت بمشاعر توقف عقلها أخيرًا عن إنكارها و قرر أن يجعلها تبوح بها بقناعة تامة:
-أنت فعلًا غبي …علشان مقدرتش تفهم إني كُنت بعاند نفسي وبكابر علشان مستسلمش لحبك أنت كنت السبب في الحرب اللي كل يوم تقوم جوايا بين عقلي اللي رافض سيطرتك وسُلطتك عليا وبيدور على أي طريقة يتمرد بيها عليك وبين قلبي اللي عصاني و حَبك…

كان يستمع لها بملامح مشدوهة غير مستوعب كونها تكن له المشاعر وتعترف الآن بكل طواعية بحبه فكان الأمر يصعب عليه استيعابه؛ لذلك تساءل بترقب:
-قولتي أيه؟

أجابته بصدق وبنبرة حالمة مغلفة بالمشاعر وهي تمرغ وجهها بكف يده كالقطط بوداعة:

-لو كان الزمن رجع بيا تاني كنت هختارك أنت ….أنا بحبك يا “يامن” بحبك

دمعت عيناه وكاد يظن انه يهيأ له، ولكن نظراتها الصادقة التي تفيض بالحب جعلته يتيقن من كون الأمر ليس من نسج خياله فكان يشعر انه لامس السماء من شدة سعادته حتى أن قلبه كان يرفرف بين أضلعه كالطير الذي أطلقوا سراحه احتفالًا بسلام موطنه.
فما كان منه غير أنه جذبها إليه واحتضنها ثم قبل أن تبادله هي عناقه حملها عنوة وظل يدور ويدور بها صارخًا بكل ما يعتمل بصدره من مشاعر جياشة غير عابئ للناس من حوله:

– ياااااااه أخيرًا أنا مش مصدق يا قلب “يامن” قوليها تاني وتالت ورابع عايز اسمعها…أنا عايز الدنيا كلها تسمعها معايا

أبتسمت هي تلك البسمة الآسرة التي طالما أوقعته بها وقالت عندما توقف عن دورانه دون أن يجعل قدميها تلمس الأرض وقد شدد على عناقاها أكثر حتى شعرت أنه يود أن يدفنها بين ثناياه:

– بحبك يا مجنون

– قلبي هيقف ياعاااااااالم قالت بتحبني…نادين بنت الراوي اعترفت وقالت بتحبني…بتحبني أناااااااا

كان يتحدث بجنون وبنبرة هستيرية وكأنه فقد صوابه من شدة سعادته فقد نال لتوه تلك الكلمة التي ستحرر قلبه الأسير وتجعله يطلق العنان لتلك المشاعر الجامحة التي كان يكبح الكثير منها كي لا يتحايل على مشاعرها، بينما هي تشبثت به وهي تشعر بشعور رائع لا يضاهيه شيء قط
فكانت لحظات حالمة مفعمة بالرومانسية جعلتهم يهيمون بها متناسين كل شيء غير عابئين بتجمهر المارة حولهم و تعالي الهمهمات بينهم، ولكن عندما لاحظت هي همست وهي تخفي وجهها بعنقه:
-فضحتنا يا مجنون

-أنتِ لسة شوفتي جنان ده أنا هبهرك…ليفصل عناقه لها وينزلها دون أن يفلت خصرها ويقول بصوت جهوري وبطريقة درامية جعلهتا تود أن تنشق الأرض وتبتلعها من شدة الخجل:
-بلاش سوء نية يا جماعة والنعمة مراتي…محدش يفهمني غلط

تعالت ضحكات كل من كان يحيط بهم فمنهم من تمنى لهم صلاح الحال ومنهم من أخذ يتمنى لهم السعادة الدائمة ومنهم من كان يصور ما حدث تخليدًا لذلك المشهد الفريد.

فقد أخفت وجهها بكتفه من شدة الحرج حين تمسك بيدها ورفعها لفمه يلثمها وكأنه أراد أن يكلل تلك اللحظة الحالمة لتطبع بذاكرتهم للأبد قبل أن يصحبها ويغادر المكان بينما هي كانت تحمد الله كونه منحها فرصة أخرى كي تبدأ من جديد وأزال تلك الغشاوة عن عيناها فتقسم أنها لن تستسلم لشيطانها مرة أخرى فقد أدركت أخيرًا أن خطيئتها لم تكن بريئة ولم تكن مبررة كما كانت تعتقد بل كانت أَثمة ويتوجب عليها أن تتوب عنها وتطلب الغفران من ربها قبل أن تودي بها وتجعلها تخسر أكثر شخص يعني لها و لا تتمنى خسارته.
—————
أما عن ذلك الساخط صاحب الحالة المذرية فقد مر عليه الليل بصعوبة بالغة لدرجة أنه كان يشعر أن حتى الوقت يتأمر عليه ويرفض أن يمر، ولكن حين اتى الصباح ومر عليه أربع وعشرون ساعة كاملة حمد ربه كونه سيرى النور مرة أخرى، وقبل ترحيله إلى النيابة كي يتم التحقيق معه استغل تلك المكالمة التي يمنحها روح القانون للمحتجزين وهاتف “يامن” كي ينجده ويجلب أحد ينوب بالدفاع عنه ولكن لم يتمكن من التواصل معه لذلك اضطر أن يهاتف “منار” ويخبرها بما حدث ويطلب منها أن تبعث له محامي كي يؤازره ويلحق به لسرايا النيابة وبالفعل بعد يوم طويل بين تحقيقات وإجراءات روتينية استنفذت طاقته بالكامل تم إخلاء سبيله بضمان محل إقامته لحين النظر بالقضية التي حدد لها جلسة بعد شهر من تاريخه.

فقد عاد لمنزله بملامح منهكة يجر أذيال الخيبة خلفه حين استقبلته “منار” حانقة:

-ممكن أعرف انت ازاي تخبي عليا حاجة زي دي…

لم يجيبها بل كان يطالعها بعيون غائرة متخاذلة يستغرب كيف تناست أن تتسأل عن حاله أولًا قبل ان تغدقه بتلك الأسئلة المقيتة خاصتها لذلك همس بعتاب وبنبرة لائمة:
-طيب مش تطمني عليا الأول يا “منار”
قلبت عيناها و تأففت قائلة باستخفاف وبلا مبالاة ذكرته بمواقف مشابهة:
-افففف هيكون حصلك إيه يعني!

كادت تقترب منه ولكن اقشعر وجهها ووضعت يدها على فمها قائلة بتقزز وبنبرة مشمئزة جعلته يود أن تنشق الأرض وتبتلعه بجوفها:

-يععععع إيه القرف ده ريحتك بشعة…

كان يظن أنها ستتلهف عليه ولكنها نفرت منه ولم تكلف ذاتها حتى أن تتصنع الأهتمام من أجله لذلك تحرك بخطوات وئيدة متخاذلة وقال بصوت منهك وهو يتخطاها للداخل يقصد المرحاض:

-اعمليلي حاجة تريح معدتي وياريت تحلي عن دماغي وتخليكِ بعيدة عني انا أصلاً مش فايقلك

دبت هي الأرض بغيظ وغمغمت ما أن أغلق باب المرحاض:
-ماشي يا “سُونة” بتتشطر عليا أنا… كنت اتشطر على المسهوكة السُهونة بتاعتك اللي رمتك في الحبس.
——————–
عاد بها بعد ليلة حالمة لم يكن في ابعد خيالاته أن تكون بتلك الروعة وأن يحظى بتلك الكلمة التي أحيته بها، فقد أطفئ المقود ونظر لها وهي غافية بجانبه بنظرات متمعنة عاشقة ثم همس ببحة صوته المميزة وهو يزيح بأنامله خصلاتها التي تدلى على وجهها:

-“نادين” وصلنا حمد الله على السلامة

رفرفت بأهدابها حين وصلها همسه وردت بنبرة ناعمة تحمل أثر النوم:

-الله يسلمك يا “يامن”
حانت منه بسمة ماكرة وتساءل بمشاكسه وبعيون مُسبلة:
-“يامن” حاف كده

-قصدك إيه مش فاهمة

-يعني مفيش حبيبي، روحي، قلبي،عشقي، أي حاجة من الحاجات اللي كنت بسمع عنها دي وهموت واجربها

نكست رأسها بخجل وضحكت تلك الضحكة التي استعادت رونقها من جديد وأصبحت أكثر فتنة من ذي قبل وهمست:

-أنت اكتر من كل دول ومفيش كلمة هتديك حقك

تهللت اساريره بشدة و هتف بخفة أضحكتها:

-ياريتك ما نطقتي قلبي حاسس بيه هيقف حتى شوفي…

سحب كف يدها ووضعه موضع خافقه لتشعر هي بصخبه تحت يدها وتقول:

-بعد الشر عليك يا حبيبي

باغتها مشاكسًا وهو يشدد على كف يدها الذي مازال يستقر على صدره:
-حبيبي …يالهوي عليا وعلى اليوم اللي مش هيخلص غير وهو جايب أجلي

سحبت يدها وهدرت بخجل وهي تقطم شفاهها:
-بَطل رخامة بتحرجني ويلا ننزل
علشان نقفل البوابة باين عليه عم “مُسعد” نام ونساها

نفى برأسه وقال بعيون مُسبلة تهيم بليل عيناها وبتنهيدات مُسهدة اربكتها:

– “نادين” طول عمري مؤدب مش كده! واظن انك تشهديلي بده وعمري ما فرضت عليكِ حاجة

أومأت برأسها تؤيد حديثه وهي تستغربه بينما هو أكمل بنبرة عابثة وعينه لاتحيد عن غايتها:

-أصل اللي هعمله دلوقتي ملهوش دعوة بالاحترام واحتمال يخليكِ تغيري رأيك

وقبل أن يصدر أي شيء منها كان هو ينقض على شفاهها يقبلها قبلة حالمة، متمعنة، بنهم شديد ينم عن تلك المشاعر التي يشعر بها تثقل قلبه وتكاد تقضي عليه إن لم يعبر عنها

استجابت هي له وبادلته قبُلته بحالمية شديدة حتى أنها كانت تضم رأسه بأناملها وتعبث بين خصلاته البُنية بحركات صدرت تلقائية منها ورغم ذلك جعلته يود أن يلتهمها

بعد وقت ليس بقليل قبل أن تفصل هي قبلته وتهمس بأنفاس متلاحقة بالكاد تستطيع تنظيمها:
-مجنون…

مرر إبهامه على شفاهها بزهو وهمس بأنفاس ثائرة وهو يتفرس بها بنظرات متيمة:

-عايزك تتعودي على الجنان علشان مفيش حاجة هتقدر تحجمني وتخليني اخبي مشاعري بعد النهاردة…

حانت منها بسمة باهتة لم تصل لعيناها فقد ذكرها حديثه في تلك السنوات التي اهدرتها بتمردها عليه، فحقً كانت غبية بكل ما تحمله الكلمة من معنى فكيف كانت غافلة عن ذلك الشعور الرائع بقربه وعن تلك السعادة الغامرة التي تنعم بها الآن.
وبعد جلد ذاتها لعدة ثوانِ همست وهي تكوب وجنته بنبرة نادمة:
-هتغير يا “يامن” وأوعدك هنعوض كل اللي ضاع مننا بس أنت ساعدني واوعدني أنك مش هتسبني مهماحصل
نفى برأسه وكأن ما قالته هو المستحيل بعينه وقال بكل إصرار دون لحظة تردد واحدة وهو ينزل كفوفها ويضع قبلة حانية على منهم:
-اسيبك…ده أنتِ روحي يا “نادين” حد يسيب روحه

نمت بسمة هادئة على ثغرها وعقبت بنعومة:
-ربنا يديمك ليا يا حبيبي

تحمح هو يجلي صوته وكرر مشاكسًا:
-حبيبي تاني … لأ كده كتير عليا وأنا بصراحة مش ضامن نفسي

قالها وهو يميل برأسه من جديد عليها ولكنها دفعته بدلال قائلة:
-لأ كفاية فضايح النهاردة ويلا ندخل البيت قبل ما حد من الجيران يشوفنا

توقف عن عبثه بمضض شديد فمازال لم يرتوي ويقسم أنه لو استمر لأخر العمر لن يكتفي منها بينما هي أبتسمت تلك البسمة الآسرة التي تأسر قلبه وتدلت من السيارة فما كان منه غير أن يتبعها غافلين عن تلك العيون القاتمة التي كانت تتربص بهم من بادئة وصولهم وظل صاحبها يتوعد لهم بأشد الوعيد.
—————–
صباح يومً جديد يحمل بين طياته الكثير لذلك العقلاني الذي لم تغفل عينه لدقيقة واحدة منذ ما حدث فقلبه يأن بين أضلعه ولم ينفك عن التفكير بها منذ الأمس وكم ناجى الله كي يرأف بها وبقلبه الذي ينتمي لها رغم قناعاته.
فكان بمزاج عكر للغاية حين حاولت شقيقته تقنعه بأن يعمل على أحد سيارات الأجرة التي يملكها جارهم بشكل مؤقت إلى أن يجد عمل بأجر أفضل فما كان منه غير الموافقة وبالفعل اليوم هو أول يوم له وقبل أن يخرج بالسيارة من منطقهم وجدها تقف أمامه وتلوح بيدها كي يتوقف، تجمدت نظراته لوهلة لايستوعب كونها تغاضت عن حديثه الرادع لها بلأمس وظهرت أمامه من جديد ورغم أن قلبه ارتعش أحفالًا لرؤيتها إلا أن ملامحه ظلت صامدة حين توقف وصعدت هي بجانبه قائلة باقتضاب دون أن تنظر له:
-عايزة اروح عين شمس لو سمحت

استغرق الأمر منه بضع ثوانِ كي يستوعب ما تحاول أن تفعله ولكنه فشل في فهمها لذلك هدر متسائلًا:

-بتعملي ايه هنا يا “ميرال “مش اتكلمنا امبارح

تنهدت بعمق واجابته بكل إصرار وبنبرة مقتضبة:
-مقتنعتش… واتفضل وصلني علشان متأخرة وعندي محاضرات

ضرب كف على آخر وقال بسخرية مريرة:
-أنتِ مجنونة رسمي

رفعت منكبيها وردت دون لحظة تردد واحدة:
-قول اللي أنت عايزه قول إني معنديش كرامة وقول كمان إني فرضت نفسي عليك وعلى بيتك وعلى حياتك بس انا مصدقت لقيتك وعمري ما هفرط فيك…وبعدين أنت قولت أن دي مشكلتي لوحدي بس الحقيقة أن دي مشكلتك أنت لأنك قولتلي قبل كده إني اتحب وإن كل اللي معرفوش يحبوني العيب فيهم مش فيا وانا اتعودت أصدقك

نعم قال ذلك مسبقًا وهو لا يحيد عن رأيه فياليتها تعلم أنها أصبحت تسري بدمائه سريان الدماء ولكن ماذا عن قلة حيلته ولذلك عليه أن يثبت ويدعي عدم الفهم كي لا يفتضح أمره:

-يعني إيه مش فاهم؟

زفرت في ضيق من تلبده الذي مازال يصر عليه واعتدلت بجلستها وقالت وهي تضم حقيبتها إلى صدرها وكأنها تستمد منها القوة لكي تظل على إصرارها ولا تيأس ثم قالت:

-يعني تسوق وتوصلني من سكات و اعمل حسابك انك هتلاقيني مستنياك هنا كل يوم
ومتقلقش شغل العداد بتاعك وهحاسبك زي الزباين العادية

مرر يده على وجهه وقال بكل عقلانية:
-اللي بيحصل ده غلط وأنتِ مش مدركة الوضع كويس…

أجابته هي بثقة استمدتها منه مسبقًا وبنبرة تقطر بالإصرار:
– لأ مدركة وعارفة الوضع اللي أنت تقصده كويس يا “محمد” ومش فارق معايا حاجة وعندي استعداد أقف قدام الدنيا كلها علشان تفضل جنبي

حديثها لم يبدو منطقي له ولم يستوعبه عقله لذلك قال بنبرة صدرت منه حادة بعض الشيء:
-أفضل جنبك بصفتي أيه؟

كانت تشعر بمعاناته وتشعر بتلك الحرب الضارية التي تقوم داخله وكونها تعلم أنه مازال متمسك بمنطقه وقناعاته الراسخة إلا أنها حاولت أن تؤثر عليه قائلة:
-مش لازم نحط مسمى لقربنا…خليه اللي بينا مش مشروط وأنا عمري ما هتحامل عليك ولا هفرض عليك حاجة…وعلشان خاطري أدي فرصة لقلبك يقرر بالنيابة عنك…

نظر لها نظرة عميقة مطولة ورغم ذلك التشتت التي رأته في عينه إلا أنها كانت تشعر أن خلف ذلك التردد شيء يعنيها ويكنه لها فما كان منها غير أن ترسل له بفيروز عيناها نظرات مطمئنة مفعمة بالإصرار جعلته يهمس بتنهيده مثقلة وهو ينظر لأعلى يناجي ربه كي يلهمه الصواب:
-حرام عليكِ يا “ميرال” أنتِ بتصعبيها عليا

جاوبته وهي تلامس ذراعه بحركة عفوية لم تتعمدها ورغم ذلك زلزلت دواخله وجعلت عينه تغرق ببحر عيناها:
-صدقني أنت اللي بتصعبها على نفسك وعليا انا مش فارق معايا حاجة غيرك…

إصرارها وتمسكها به جعل بصيص من الأمل يتسربل لتلك القناعات ويزعزع ثباتها، وعندها تذكر حديث شقيقته بشأن السعي من أجلها و أدرك أن تمسكها به لذلك الحد سيدعمه ويجعله يفعل المستحيل كي يكون جدير بها؛
لذلك قرر أن لا ينهك نفسه بالتفكير أكثر فهو يعلم ما عليه فعله:
-أنتِ مجنونة وجنانك ده معرفش هيودينا على فين
(ميراكريم)
أبتسمت وعيناها تهيم به ثم قالت بإصرار عظيم نابع من تلك المشاعر الجارفة التي تكنها له:

-مش مهم هنروح على فين المهم أننا نبقى مع بعض وتتمسك بيا زي ما أنا متمسكة بيك

تنهد تنهيدة مُسهدة وأتسعت بسمته وهو يشملها بأهتمام وفيض عيناه وكم تمنى حينها أن يبوح بما يختلج بقلبه لها ولكنه منع ذاته فلن يصرح ويعطي ذلك الوعد الصريح منه إلا إذا كان جدير به وفي استطاعته مجابهته والتصدي لكافة عقباته بينما هي كانت تشعر بحالة من السلام النفسي غير عادية فلولا محادثة “شهد” لها بالأمس وحديثها عن مخاوفه وتلك القناعات الراسخة التي يتمسك بها لم تكن تعلم فيما يفكر ولم تكن تشعر بتلك المعاناة التي تدور برأسه، فحقًا هي لا تكترث كونه لم يبوح لها بمكنون قلبه فيكفيها أنها ترى ذلك في عيناه وفي كافة أفعاله، فهي تعشقه ولا سبيل لها من دونه لذلك يتوجب عليها أن تحترم تلك القناعات الراسخة بداخله، فقد شعرت بموافقته الضمنية لها كي تظل بجواره وذلك كافي لها بل أكثر من كافي كي تشعر بالراحة والأمان.
————–
كأس يتبعه أخر حتى أصاب بحالة من الثمالة يرثى لها وكأن تلك الطريقة الوحيدة التي تلهيه كونها جعلته اغبى رجل على وجه الأرض، فمنذ تلك الليلة المشؤمة وهو يكاد يجن كي يتواصل معها ولكن لم يحدث ذلك حتى صديقتها الذي اضطر أن يسايرها كي تطمأنه عنها لم تريحه بل عاملته بطريقة فظة للغاية استفزته ولكنه صمد كي لا يجعل الشُبهات تحوم حوله، ولكن اليوم وكعادته في الآونة الأخيرة كان يقف أمام منزلها بصورة متوارية على أمل رؤيتها والاطمئنان عنها؛ وبالفعل حالفه الحظ ووجدها تعود برفقة الأخر وياليته لم يراها بأم عينه حينها وهو يقبلها داخل السيارة، يقسم حينها كان سينقض عليه وهو يظن أنه يتودد لها و يرغمها على ذلك ولكن لصدمته حين أمعن النظر داخل السيارة وجدها هي راضية مما جعل شيطانين الأرض جميعًا تتراقص أمام عينه وهو يدرك انها كانت تتلاعب به لذلك حاك شيطانه برأسه خطة جهنمية سوف تطيح بعدوه اللدود وتجعلها تأتي تحت قدمه كي يرضى بها بعد أن يتخلى عنها الأخر.

-خير يا صاحبي في أيه جيبني على ملا وشي ليه؟

قالها “فايز” وهو يجاوره على أحد المقاعد العالية التابعة لذلك البار العريض بأحد الأماكن الليلية التي يجتمعون بها، زفر “طارق” حانقًا وأخبره بشر:

-عايز منك خدمة

أجابه “فايز” برحابة:

-أنت تأمر يا “طارق” قولي عايز أيه؟

-هقولك بس الأول عايزك تراقبلي “ميرال” وتعرفلي مصاحبة مين وايه أراره

استغرب “فايز” وقال متهكمًا:

-“ميرال” إشمعنا أنت حنيت ليها ولا ايه؟

نفى “طارق” برأسه وأخبره بعيون قاتمة تقطر بالخبث:

-لأ… بس في دين قديم ولازم يسد و”ميرال” هي حلقة الوصل اللي هتقضي على “نادين الراوي”

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى