روايات

رواية تراتيل الهوى الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم ديانا ماريا

رواية تراتيل الهوى الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم ديانا ماريا

رواية تراتيل الهوى الجزء السادس والثلاثون

رواية تراتيل الهوى البارت السادس والثلاثون

تراتيل الهوى
تراتيل الهوى

رواية تراتيل الهوى الحلقة السادسة والثلاثون

تجمد الدم في عروق تاج ونهض قائلا بتوتر: سروة اسمعيني قبل ما تقولي أي حاجة.
هزت رأسها كان الأمر أشبه بحريق في القلب، نظرات عيناها تتوجه فقط نحو تاج تلومانه بخيبة أمل وخذلان، نهضت عمتها بسرعة تقول بارتباك متلهف: سروة متفهميش غلط يا حبيبتي مش قصدي والله أنا….
لم تنتظر سروة لسماع المزيد، استدارت على الفور وغادرت تركض على السلم تتمنى لو بمعجزة ما تختفي، لحقها تاج فورا، كانت تركض على السلم تتمنى ألا يصلها، حاول تاج أن يصل لها وهو يناديها إلا أنها أسرعت وأوقفت سيارة أجرة وأمرت التاكسي أن ينطلق بأقصى سرعة، نظر أسرع تاج نحو سيارته وصعد إليها وانطلق يلحق سيارة الأجرة.
ضرب على المقود بعنف يلعن سوء الحظ الذي صادف مجئ سروة في نفس وقت كلام والدته عن رفضه الزواج منها في البداية، ضغط على دواسة البنزين حتى يلحقها، في سيارة الأجرة كانت سروة جامدة لا شيء يدل على ما تعانيه إلا عيناها ودموعها المحبوسة داخلهما ترفض النزول، في تلك اللحظة التي سمعت عمتها تتحدث كيف شعر تاج بالنسبة للزواج منها وظن أنه سيدمر مستقبله وحياته، تقسم أنها في تلك اللحظة سمعت صوت تحطم قلبها، كان تاج يحاول الوصول لسيارة الأجرة التي فرقت بينها وبينه عدة سيارات ويدعو أن تستمع سروة له، أغلق قبضته على المقود بشدة وهو يجز على أسنانه، لقد وصلت علاقته بسروة الآن إلى نقطة مصيرية، لكن كيف ستستمع له؟ لقد عمل جاهدا في جعلها تصدق أنه يرغب في إكمال حياته معها برغبته ولكن الآن لا شيء سيجعلها تصدق أنه اختارها بعقله …وبقلبه أيضا.
فجأة ظهرت سيارة أمامه أوقفته تنضم للطريق فضغط تاج على المكابح على الفور حتى يتفادى الاصطدام، أصدرت إطارات سيارته صوتا حادا وهي تحتك بالأرض فضرب بيديه على المقود بغيظ وغضب شديد، ثم أدار السيارة مرة أخرى وانطلق ليلحق بسروة.
وصلت سروة للمنزل فصعدت بسرعة وهي تركض لغرفة النوم وتغلق الباب ورائها بالمفتاح ثم رمت حقيبتها على الأرض وألقت بنفسها على السرير وهي تخبئ وجهها في الوسادة وتنفجر في البكاء بصوت مكتوم.
وصل تاج بعدها بدقائق وصعد بسرعة ثم تقدم لغرفة النوم وهو يناديها، حاول فتح الباب ليجده مغلقا بالمفتاح، طرق على الباب طرقات قوية وهو يقول برجاء: سروة افتحي الباب خلينا نتكلم.
علت شهقاتها فدفنت وجهها أكثر في الوسادة، سمع تاج صوت بكائها الذي مزق قلبه، كان يشعر بالعجز وبالذنب أمام بكائها الذي تسبب فيه دون قصده ولكن عليها أن تستمع إليه.
طرق مرة أخرى بقوة على الباب وهو يقول بتوسل: سروة افتحي بالله عليكِ، افتحي واسمعيني صدقيني أنتِ فاهمة غلط، ماما مكنش قصدها اللي أنتِ فهمتيه أبدا.
رفعت رأسها من الوسادة وصاحت به بقهر: أنا أخيرا فهمت صح! ليه تعمل فيا كدة؟ ليه؟ امشي مش عايزة أشوفك ولا أسمع صوتك!
ثم دفنت وجهها مرة أخرى في الوسادة وهي منهارة تمامًا، تنهد تاج بضيق وحزن ووقف حائرا لا يعلم ماذا يفعل وماهو هو الصواب في حالتها، يمكنه أن يجد المفتاح الإضافي أو يكسر حتى الباب ولكنه لا يعلم كيف ستكون ردة فعلها أو حالتها، ابتعد عن الباب لأنه لم يعد يتحمل صوت بكائها الذي يشعره بالاختناق والعجز وهو يأمل أن تهدأ بعد قليل حتى يتمكن من الحديث معها.
كانت تستعيد في ذاكرتها حديث عمتها مرارا وتكرارا كل مرة يؤلمها قلبها أكثر، اعتدلت على ظهرها فتساقطت الدموع من جانبي عيناها.
همست بحرقة ممزوجة بالمرارة: ليه؟ ده أنا حبيتك أكتر من نفسي طلعت بالنسبة لك حِمل تقيل كدة وبدمر حياتك ومستقبلك؟ يعني حتى قلبك مدقش ليا ولا مرة! طلعت ليها هي زي ما قالت! طب وأنا؟
عادت دموعها تنهمر أكثر من السابق وألم قلبها يكاد يفتك بها فوضعت يدها عليه عله يرحمها ويهدأ قليلا.
انقضى اليوم على ذلك الحال حتى حل المساء كلما حاول تاج أن يطلب من سروة أن تفتح حتى لتأكل قليلا تصرخ به بانهيار أن يذهب ويبتعد عنها وأنها لا تريد أن تراه فيعود تاج لمكانه مجددًا حتى نفذ صبر فنهض وهو مصمم على أن يجعلها تفتح الباب حتى وإن قام بكسره.
دق الباب وهو يقول بنفاذ صبر: سروة افتحي لو سمحتِ أنا مش همشي غير لما تفتحي متضطرنيش اكسر الباب.
لم تكن هناك أي إجابة فدق الباب مجددا وحين لم بجد أي إجابة منها أقترب بإذنه من الباب ليسمع لأي صوت قادم من الداخل، كان الجو هادئ بشكل مريب ففكر فجأة بقلق هل يمكن أن يكون حدث لها شيء؟
أخرج المفتاح الاحتياطي بسرعة يفتح الباب بخوف وهو يدعو ألا يكون حدث لها مكروه وإلا لن يسامح نفسه أبدا.
حين فتح الباب ولج بخطوات واسعة ثم توقف مكانه وقد رآها نائمة على السرير، أغلق عيونه وهو يزفر بارتياح، أغلق الباب برفق وتقدم إليها ثم جلس على السرير أمامها.
تأملها بعيون حزينة وهو يشاهد الدموع التي جفت على وجهها، اعتدل وهو يتمدد بجانبه ويدثرهما بالغطاء، وضع يده أسفل وجهه وهو يستلقي على جانبه ويستمر في تأملها، قلبه يتألم من أجلها لم يرد أبدا أن يكون السبب في اذيتها يوما، لقد عمل جاهدا حتى تصل علاقتهما لهذه المرحلة ويستطيع أن يجعل سروة تثق به لقد انهدم كل ماعمل لأجله في لحظة غير متوقعة.
رفع يده يمسح بها على وجنتها بشوق إلا أنه قطب حين وجد أن حرارتها مرتفعة قليلا، في تلك اللحظة فتحت سروة عينيها التي يظهر عليها التعب.
تغيرت نظرات سروة المتعبة إلى العتاب واللوم وامتلأت عيونها بالدموع.
قالت بصوت مرهق: ليه يا تاج؟ ليه تجرحني بالشكل ده؟
كان تاج على وشك الرد عليها والدفاع عن نفسه ولكنه لاحظ شيئا غريبا بها، كانت تفتح عيونها وتغلقها بتعب ثم تحدثت مرة أخرى كأنها تهلوس من كثرة البكاء والضغط النفسي: أنا مكنتش متوقعة أني عبئ تقيل عليك بالشكل ده.
حاول التحدث إلا أنها وضعت إصبعها على شفتيه وهي تتابع بمرارة: أنا كنت غبية لما فكرت أنك ممكن تحبني زي ما أنا بحبك.
اتسعت عيون تاج وخفق قلبه بشدة، وضع يده وأبعد إصبعها وهو يرد بلهفة: بس أنتِ مش غلطانة يا سروة، أنا…أنا بحبك فعلا.
هزت رأسها برفض وهي تقول بألم ممزوج بالحرقة: مش لازم تشفق عليا وتقول الكلام، أنا عارفة أنه قلبك مش ليا.
أقترب بوجهه منها وهمس لها بعاطفة جياشة: بصي في عيوني يا سروة وأنتِ تعرفي أنا عيوني عمرها ما كدبت عليكِ، هتشوفي فيها أني بعشقك مش بحبك بس
أغمضت عيونها بقوة ترفض النظر في عيونه أو تصديق ما يقوله، فكر سريعا فيما يمكن أن يثبت لها أنه يحبها هي.
اقترب منها سريعا يمطر أنحاء وجهها بقبلاته الحارة وهو يغرس أصابعه في شعرها يقربها منه، أغمضت سروة عينيها باستسلام، لم تقاومه لقد أرادت أن تشعر بقربه للمرة الأخيرة، برغم كل ماحدث كان قلبها ضعيفًا اتجاهه يرغب بتلقي الحب منه لآخر مرة، أرادت ذكرى أخيرة لها تبقيها معها لتؤنس وحشتها في الليالي القادمة بدونه، أرادت أن تودعه وتكون بقربه قبل أن تفترق عنه إلى الأبد.
في الصباح تحرك تاج في نومه وهو يمد يده حتى يشد سروة لحضنه إلا أنه وجد المكان فارغ فعقد حاجبيه باستغراب وفتح عيناه ليجد أن المكان فارغ، نهض وهو يبحث عنها في أرجاء الغرفة، ظن أنها في الحمام فناداها دون إجابة فنهض وطرق على الباب، لم يأته رد ففتح الباب ليجد أنه فارغ، ازدادت حيرته أكمل بقية بحثه في أرجاء الشقة ولم يجد لها أثرا، فكر بحيرة أن يمكن أن تكون ذهبت؟
ضرب بيده على جبينه بخفة وهو يفكر بالتأكيد ذهبت لبيت والدها فعاد لغرفة النوم حتى يرتدي ملابسه ويذهب إلى هناك بسرعة بالتأكيد هي مازالت غاضبة منه.
توقف أمام منضدة الزينة حين لمح ورقة عليها، رفع الورقة وفتحها لينقبض قلبه وهو يقرأ محتواها المُتمثل في كلمتين” متدورش عليا”.
اضطربت أنفاسه وهو يستوعب المعنى الحقيقي للكلمات وهمس بصوت مختنق: مصدقتنيش!
بعد مرور خمس أسابيع كان تاج يجلس في مكان عمله شاردا أمامه ولم يكن هذا مستغربًا فقد كانت هذه حالته منذ اختفاء سروة، بعدما قرأ تلك الورقة، ألقاها في القمامة ثم ارتدى ملابسه وهو يرفض طريقة سروة في الهروب وصمم على جعلها تستمع إليه، لن يسمح لها بهدم حياتهما سويًا بهذه السهولة، إلا أن مخططه ذهب أدراج الرياح حين لم يجد سروة في منزل والدها بل وصدم حين علم أن لا أحد منهم يعلم مكانها، كاد يجن جنونه وهو يبحث عنها في كل مكان يعرفه ولا يجدها، شعر بأنه على وشك أن يفقد عقله من شدة القلق عليها كما كان والدها ووالدته، حين وصلت منها رسالة بعد اختفاءها بأيام لوالدها تطمئنه عليها وتطلب منه ألا يبحث عنها وهي ستعود حين ترى الوقت ملائما.
لم يقتنع تاج بذلك وأكمل بحثه عنها دون جدوى حتى أنه وظف أناس ماهرين ليجدوها وها قد مرت خمسة أسابيع دون أثر لها، زفر بشدة وهو يستند بذراعيه على المكتب ويُخفي وجهه بين يديه بارهاق.
رفع وجهه بتعب حين رأى هاتفه يرن، رد بسرعة وهو بلهفة: ها عرفت حاجة؟
استمع للطرف الآخر قبل أن يرد بغضب: خمس أسابيع كل ده ومش عارف تلاقي مكانها أو أي معلومة عنها، هتكون راحت فين اختفت من على وشك الأرض!
تابع بعصبية: خلاص أقفل!
أغلق هاتفه وألقاه على المكتب بعصبية، ضرب بقبضه بقوة وهو يتسائل بحرقة: هتكوني روحتِ فين بس! للدرجة دي مش عايزة تشوفيني!
رن هاتفه مجددا فتنهد وهو يرد على والدته التي قالت بحماس: تاج سروة رجعت!
انتفض تاج ونهض من مكانه وهو يقول بعدم تصديق: بتتكلمي بجد يا ماما؟
أكدت والدته بسعادة: اه والله هي هنا دلوقتي لسة واصلة.
قال بارتباك: ط..طيب أنا جاي حالا.
أغلق الهاتف بسرعة وخرج من المكان هو يسرع لسيارته، قاد وهو يشعر بسعادة ممزوجة بالتوتر والترقب للقائهما بعد كل هذا الوقت، أين كانت يا ترى؟ هل هي بخير؟
أهم شيء لديه أن يتأكد من سلامتها ثم سيكون لديه حساب معها على اختفائها بهذا الشكل المقلق.
وصل وصعد السلم بلهفة يدفعه الاشتياق لرؤيتها وقد استبد به الشوق، حين ولج للمنزل ورآها توقف مكانه، كانت تجلس بجانب والدها تتبادل الحديث معه تضحك كانت تبدو مشرقة ومليئة بالحيوية عكسه هو الذي بهت وجهه ووجدت الهالات السوداء مكانها تحت عينيه من السهر قلقًا عليها وقد انخفض وزنه قليلا بسبب انعدام شهيته أغلب الوقت.
حين رأته سروة تغيرت قسمات وجهها وتحولت للجمود وظهر في عينيها البرود، تقدم نحوها تاج بتردد فنهضت سروة، رفع تاج ذراعيه ليحتضنها إلا أنها صدمته حين مدت يدها وأمسكت بيده تسلم عليه ببرود.
كانت عيون تاج تحدق إليها بعدم تصديق ولكنه تدارك الموقف وسلم عليها، كانت والدته تجلس بجانبها ولكن صامتة متوترة لعدم احتكاكها بسروة منذ آخر مرة فلم تجد الفرصة لتوضح سوء الفهم.
قال تاج بجدية: عايز أتكلم معاكِ ضروري.
رفعت سروة كتفيها: تمام هريح شوية ونتكلم.
أمسكها من ذراعها وهو يقول بصرامة: لا دلوقتي أنا قولت ضروري.
ثم دون أن يترك لها فرصة للرد شدها معه لغرفة نومها.
ولج بها للداخل فنزعت ذراعها من قبضته وهي تقول بغضب: إيه اللي أنت بتعمله ده؟
أغلق الباب ثم استدار لها وفي عيونه تحذير، تحدث بجدية: دلوقتي عايزك تقوليلي كنتِ فين؟
رفعت سروة حاجبها: و ده يخصك أو يهمك في أيه؟
رفع حاجبيه بعدم تصديق وفغر فمه بدهشة: يهمني في إيه؟ أنتِ بتهزري ولا بتتكلمي بجد؟
ابتسمت سروة ببرود: لا طبعا بتكلم بجد، شايفين بهزر فين؟
اشتدت تعابير تاج وقال بغضب ساخر: يخصني أني جوزك مثلا؟ اللي سبتيه أكتر من شهر ميعرفش أنتِ فين!
شبكت ذراعيها أمام صدرها وقالت بثقة: بالنسبة أني كنت فين دي حاجة تخصني فعلا أما بالنسبة لجوزي ده على وشك أنه يتغير.
قطب تاج بعدم فهم: يعني إيه؟
أجابته سورة بوجوم: طلقني.
حدق إليه تاج بصدمة وقد تذكر سبب خلافهما وتركها له، تقدم منها يمسك بذراعيها وهو يقول بتوتر: سروة أنتِ فهمتِ غلط ولازم تسمعيني مش معقول تهدي حياتنا كلها على سوء تفاهم.
تحولت ملامح سروة للغضب الشديد وهي تتذكر صورته وحديثه مع روفان وقالت بحدة: فهمت غلط؟ فهمت غلط في إيه؟ أنك اتجوزتنب غصب عنك؟ ولا أنك كنت شايف ده هيدمر حياتك ومستقبلك؟ مش ده الكلام اللي سمعته من عمتي نفسها؟ ولا أنت كنت بتحب واحدة تانية وهي هي نفس البنت اللي كانت في الحفلة!
تراجع تاج بذهول وهو لم يتوقع يوما أن تعلم سروة عن علاقته بروفان بل وأنها هي من كانت بالخفل: أنتِ عرفتِ منين؟
ابتسمت سروة بسخرية رغم الألم الحارق داخلها: مش مهم عرفت منين، المهم دي الحقيقة مش كدة؟
حاول تاج تبرير موقفه والدفاع عن نفسه لأنه لم يتوقع أن يكون في هذا الموقف في يوم من الأيام وقال بثبات: بس ده كان ماضي قبل ما اتجوزك ومات واندفن من يوم ما اتجوزتك وطلبت منك نكمل حياتنا مع بعض.
اغتاظت سروة منه بشدة وقالت بتهكم: صحيح بأمارة لما ورحت تقابلها وأحنا متجوزين! وتعاتبها ليه مسمعتكش لما حاولت تبرر لها أنك اتجوزت واحدة غيرها وأنت بتحبها هي.
رغم تظاهرها بالتماسك إلا أن صوتها ارتعش قليلا في نهاية الكلام والألم داخلها يزداد وهي تستعيد تلك الكلمات.
كان ذهول تاج يزداد فكيف علمت بكل هذا؟ لمعت فكرة في رأسه فجأة، بالتأكيد روفان! ربما أرادت الانتقام للمرة الأخيرة لأنه فضل سروة عليها.
أسرع لسروة التي تفاجئت وأمسك بوجهها بين يديها يقول برجاء صادق: سروة اسمعيني بالله عليكِ، أنا فعلا روحت يومها اقابلها لكن علشان احذرها متقربش مننا تاني وتخرج من حياتنا مش زي ما أنتِ فاكرة، الكلام اللي بتقوليه ده مكنش عتاب ليها ده كان استهزاء بيها والله.
تابع بصوت أجش: صدقيني روفان مبقاش لها وجود في حياتي ولا قلبي من ساعة ما اتجوزتك، ومن ساعة ما طلبت منك نكمل مع بعض مفيش غيرك في قلبي أنا بحبك أنتِ.
أمسكت بيده ونزعتها بعنف وهي تقول بشراسة: كداب! أنت كداب أنا مش مصدقاك!
تصلبت ملامح وجهه وقال بحدة: أنا مبكدبش يا سروة ولا مضطر أكدب عليكِ في حاجة زي دي.
ردت بجمود: على العموم مش هتفرق أنا عايزة أطلق.
حاول مجددا أن يجعلها تستمتع إليه وقال بعدم رضا: سروة أنا بحبك بجد أنتِ ليه مش راضية تصدقي؟
صرخت به سروة بعصبية: علشان أنت كداب أنت مبتحبنيش! طلقني أنا بقولك طلقني أنت إيه معندكش دم!
تحكم في غضبه وهو يقول بتحذير: مش هحذرك تاني أنا مش كداب أنا باقي عليكِ علشان كدة بحاول أصلح اللي أنتِ عايزة تهديه.
قالت سروة باستفزاز وكبرياء: متتعبش نفسك أنا مقبلش أكمل مع واحد شايفني مجرد عالة عليه ومكمل معايا عطف بس.
رد تاج باهتياج: برضو بتقولي عالة!
ردت سروة بانفعال: ايوا وأنا عايزة أطلق منك، ليه مش راضي تطلقني وتسيبني في حالي بقى! طلقني هو أنت مبتحسش! مش عايزة أكمل معاك هو بالعافية!
غادر الانفعال وجه تاج تاركًا ملامح جامدة.
قال بهدوء: لا مش بالعافية، أنا هنفذ لك رغبتك وأطلقك زي ما أنتِ عايزة.
ثم التفت وخرج من الغرفة، انهار قناع القوة الذي كانت تتسلح به سروة وجلست على السرير وهي تبكي وتضم نفسها، مهما تظاهرت بالقوة من داخلها مازالت ضعيفة للغاية أمامه، رغم أنها من استفزته ليوافق على الطلاق إلا أنه حين وافق بالفعل كأنه طعنة اخترقت قلبها.
لم يعد تلك ذلك اليوم وقد علم والدها وعمتها بالاجواء المتوترة بينهم منذ اختفاء سروة، في اليوم التالي أتى تاج فأخفت سروة توترها وهي تتجاهل وجوده رغم أنها تستمع بإنصات لما يتحدث به مع والدته ووالدها.
جلسوا لتناول الطعام وفجأة قال تاج بهدوء: عايز أتكلم معاكم في موضوع مهم، استمع له نصير وسميحة باهتمام بينما لم ترفع سروة بصرها عن طبقها.
قال تاج بجدية: أنا مسافر.
حدقوا إليه بصدمة بينما تجمدت سروة وهي تناظر الطبق الذي أمامها.
قالت والدته بذهول: هتسافر؟ فين وليه؟
أمسك تاج بيدها ورد بنعومة: شغل يا حبيبتي جالي فرصة شغل واستقرار هناك، عرضها عليا دكتور هناك وأنا رفضتها في الأول بعدين لما أصر عليا كام مرة وافقت لما لقيتها فرصة كويسة.
أنهى حديثه وهو ينظر لسروة بقصد ثم عاد يحدق لوالدته التي قالت بنبرة مرتجفة وهي على وشك البكاء: يعني الفرصة دي متنفعش هنا؟ لازم تسافر وتسيبنا؟
ربت على يدها وقال بحنان: اه هتبقى فرصة كويسة جدا ليا معلش يا ست الكل.
نظرت سميحة لسروة بعتاب فأشاحت سروة بوجهها بعيدا.
قال نصير بجدية وهو لا يريد التدخل بينه وبين ابنته: ربنا يوفقك يابني بس وحياتك هنا؟
نظر له تاج وقال بحزم: أنا مليش حياة هنا يا خالو.
صمت نصير وهو لا يدري بما يرد، شعرت سروة بالاختناق من رده فنهضت وهي تقول بجمود: عن إذنكم.
سارت لغرفتها تتبعها نظرات تاج، حين دلفت لغرفتها تسارعت أنفاسها وهي لا تصدق أنه سيسافر، سيتركها ولن تتمكن من رؤيته! حتى وإن افترقا كانت تطمع في رؤيته وبقائه قريبا منها بسبب القرابة التي بينهما ولكنه الآن سينهي كل هذا بسفره وخروجه من حياتها.
جلست على سريرها وهي تضم ركبتيها لصدرها، تحدق أمامها بعيون تلمع بالدموع دون أن تنهمر وهي تخبر نفسها أن ذلك أفضل، لقد انتهت حياتهما معا وهذا القرار هو الأصلح لهما.
إلا أن قلبها رفض الإقرار بهذا الكلام وبكى لفراقه، احنت وجهها ودموعها تنهمر بصمت على وجهها، شعرت بشخص يفتح الباب ويولج للغرفة فرفعت رأسها بسرعة لتجد نفسها في مواجهة عمتها.
مسحت دموعها بسرعة وهي تقول بتوتر: عمتو، فيه حاجة ولا إيه؟
اقتربت عمتها وجلست أمامها وهي تقول بجفاء: هتسبيه يسافر؟
ردت سروة متصنعة الجهل: هو مين؟
زفرت عمتها بحنق وردت: سروة مش وقته اللي بتعمليه ده، أنتِ عارفة كويس قصدي، هتسيبي تاج يسافر؟
قالت سروة ببرود: عمتو أنا مبقاش ليا علاقة بحياة تاج أنتِ عارفة كويس أنه خلاص طرقنا افترقت.
ردت عمتها بتهكم: والدموع دي كانت علشان مين؟
توترت سروة وحاولت تجنب النظر لها: دموع إيه؟ أنا مكنتش بعيط أنا بس مخنوقة شوية.
ردت عمتها بإصرار: مخنوقة علشان تاج مسافر.
نظرت لها سروة وقالت بحدة: عمتو لو سمحتِ الموضوع ده اتقفل خلاص.
نظرت لها عمتها في عيونها مباشرة وقالت بتحدي: تقدري تبصي في عنيا وتقولي أنك مش بتحبيه؟
اخفضت سروة نظراتها وقد عجز لسانها أن ينطق وينكر ما تقوله فقالت بصوت منخفض متألم: بس هو مش بيحبني هو بيشفق عليا وأنا كرامتي متسمحليش أكمل معاه وهو مش بيحبني.
تنهدت عمتها وقالت بعدم تصديق لما تسمعه:مين قالك أنه مش بيحبك؟ لو على الكلام الاهبل اللي سمعتيه مني انسيه خالص الحكاية دي كانت قبل ما يتجوزك.
ثم تابعت بحكمة وجدية: أنتِ مشوفتيهوش كان عامل ازاي وأنتِ مش هنا؟ مكنش بياكل ولا بينام من قلقه عليكِ يا ترى أنتِ فين وبتعملي إيه يا ترى كويسة ولا فيكِ حاجة، سايب كل حاجة في حياته ومش وراه هم غير أنه يدور عليكِ وقبل كل ده المفروض تكوني عرفتِ لوحدك أد إيه بيحبك، مخدتيش بالك من معاملته ليكِ؟ من لمعة عيونه لما بيشوفك؟ اختياره يكمل معاكِ حياته كلها بإرادته؟ طب حتى كزوج وزوجة المفروض تكوني بتحسي بشغفه ناحيتك؟ إيه كل ده ميعرفكيش أنه بيحبك واد إيه هو بيحبك؟
كانت ملامح سروة تُظهر الصراع الذي يدور بداخلها.
فقالت عمتها بلوم وهي تنهض: على العموم مفيش داعي للكلام طالما أنتِ رافضة تسمعي ومصرة تهدي حياتكم سوا بسبب أوهام ملهاش داعي بتفضلي الخوف على أنك تواجهي بشجاعة، خليكِ في خوفك ده بس مترجعيش تندمي بعدين!
ثم خرجت من الغرفة وتركت سروة في عذابها بين عقلها وقلبها والصراع الذي يدور بداخلها، رفضت الخروج من غرفتها بقية اليوم حتى حين حاول والدها الكلام معها تظاهرت بالنوم إلا أن عيناها لم تذق طعم النوم.
في اليوم التالي كانت جالسة في غرفتها مازالت على وضعها، حين دلفت عمتها للغرفة وقالت بجمود رغم وجهها الملئ بالدموع: تاج سافر.
تسمرت سروة مكانها تنظر لها بعدم استيعاب.
نطقت بتلعثم: س.سافر؟
أومأت عمتها فنظرت أمامها وصدرها يعلو ويهبط بانفعال، لماذا تشعر وكأن هناك شخص ضربها بشدة على رأسها؟
كأن قلبها انتُزع وسُلب منها؟ لقد سافر تاج؟ سافر قبل أن تراه وتُشبع عيناها من رؤيته؟ سافر قبل أن تودعه؟
وضعت يدها على بطنها وهي تشد عليها وتفكر باختناق
سافر قبل أن تخبره أنها تحمل داخلها جزء منه؟ تحمل داخلها طفله!
تدافعت الذكريات في رأسها منذ بداية زواجها من تاج وعمله بحقيقة ماحدث لها، وقوفه بجانبه ودعمه لها طوال الوقت، تضحيته من أجلها، دخوله السجن بدلا منها والمخاطرة بحياته ومستقبله، الحياة الهانئة التي عاشوها معا في شهر العسل.
بعد أن زالت الغشاوة عن عينيها تتذكر الآن أن تاج كانت أمامه الفرصة ذلك اليوم ليعود إلى روفان وعاد إليها! لقد اختارها هي!
انهمرت دموعها وهي تدرك الحقيقة التي اعمت نفسها عنها قصدًا لأنها كانت خائفة من أن تصدق، خائفة وقليلة الثقة في نفسها وترفض أن تصدق أنه يحبها! لذلك كانت تختبئ تحت ستار اللوم له لقد كان من السهل أن تعلق فشل العلاقة عليه هو بدلا من أن تخوض التجربة بنفسها.
نهضت بسرعة وهي تقول بلهفة: هو مشي امتى يا عمتو؟
نظرت لها عمتها بتعجب: من ساعتين كدة، طايرته الساعة اتنين.
نظرت سروة الساعة لتجدها الواحدة ظهرا.
نظرت لعمتها بتحفز: تفتكري هلحقه؟
حدقت إليها عمتها بدهشة للحظات قبل أن تبتسم بفرح: اه ربنا يوفقك حاولي.
ارتدت ملابسها في أقل من دقيقتين ثم خرجت وهبطت السلم وهي تدعو الله بأن تلحقه، ركبت سيارة الأجرة وهي تتوسل للسائق بأن يسرع بأقصى ما عنده.
كانت تدعو طوال الطريق بتضرع بأن تلحق به قبل أن يسافر كانت معدتها تؤلمها من الخوف والترقب، كانت تنظر الساعة كل ثانية تقريبا حتى وصلت أخيرا فاندفعت تركض إلى المطار، في البداية رفض الضابط أن يدخلها بدون جواز سفرها ولكن سروة توسلته وهي تبكي وقد شرحت له موقفها فسمح لها بالدخول.
ركضت وهي تتلفت برأسها في كل مكان باحثة عنه أو حتى عن طيفه، بحثت في مكان تقريبا حتى توقفت مكانها وهي تسمع نداء إقلاع طائرته، توقفت مكانها وهي تريد البكاء بأعلى صوتها إلا أنها انتحبت بصمت وهي تدرك أنها خسرت تاج، خرجت من المطار بخطوات بطيئة منكسة الرأس بحزن مرير حتى توقفت وهي تسمع صوتًا يناديها.
تجمدت مكانها بعدم تصديق ثم التفتت ببطء وهي تشعر أنها تحلم.
اتسعت عيونها بذهول وهي ترى تاج أمامها على مسافة منها، يمسك بحقيبة.
حدقت عيناه إليها بحب ممزوج بالشوق وهو يقول باستسلام: مقدرتش…. مقدرتش أسافر وأسيبك، مقدرتش أبعد عنك.
انهمرت دموع سروة هذه المرة بارتياح وهي تضحك بسعادة ثم ركضت لأحضانه، احتضنته سروة وهي تلف ذراعيها حول عنقه وتدفن رأسها في عنقه، استقبلتها ذراعي تاج الذي لف ذراعيه حولها واحتضنها بشدة وهو يرفعها من على الأرض ضاحكًا تغمر ملامحه البهجة والسعادة.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية تراتيل الهوى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى