روايات

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل السادس والخمسون 56 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل السادس والخمسون 56 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء السادس والخمسون

رواية حبيسة قلبه المظلم البارت السادس والخمسون

حبيسة قلبه المظلم
حبيسة قلبه المظلم

رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة السادسة والخمسون

في قصص الخيال تولد الأميرات …
وفي قصتها كانت هي الأميرة ..
أميرة أتت من عالم الخيال لتعايش الواقع الذي لا يشبهها ولا يشبه عالمها الذي جائت منه …
جميلة كشمس مشرقة تمنح النور للحياة ..
قوية لكنها رقيقة ..
ذكية لكنها حالمة …
نقية كالماس وشفافة كالمياه …
هي أنثى عايشت الحياة بكل مضاداتها …
أحبت وتألمت …
سقطت ونهضت …
قاومت وانتصرت …
في النهاية هي اختارت أن تحيا فقط …
تحيا دون تعقيد .. دون شوائب ماضي لا يشبهها … دون أن تنغمس في حاضر لا يليق بها …
هي ستعيش بالطريقة التي تناسبها …
بالطريقة التي تشبهها …
حيث تجد ذاتها المفقودة في خضم الحياة ومطباتها …
منذ عام اختارت بداية جديدة .. مكان جديد وناس جدد …
منذ عام قررت أن تفكر بنفسها قبل أي أحد …
وهاهي الآن وبعد مرور عام على قرارها الذي اتخذته بعد تفكير بدأت تعيش حياتها بالشكل الذي تريده و يناسبها ..
هي سيدة قرارها والوحيدة التي تتحكم في بوصلة حياتها …
عام كامل حمل الكثير لها ..
حياتها تغيرت بشكل ملحوظ بل هي كلها تغيرت ….
لم تعد كالسابق …
أصبحت امرأة أخرى نجحت في الاستفادة من تجاربها السابقة في صقل شخصها بدلا من البكاء على اطلالها …
امرأة تسعى لتبني كيانا لها معتمدة على نفسها وقدراتها …
امرأة لم تتحرر من ذكريات الماضي كليا لكنها قررت أن تمضي قدما وتتجاهلها …!
هي تعلمت من الماضي …
نضجت ونظرتها للأمور تغيرت …
ورغم كل التغيرات التي سعت اليها ونجحت فيها ما زالت تحتفظ داخلها بفطرتها الخاصة …
هي تغيرت ولم تتغير …
هي فقط تعلمت كيف تحيا دون أن تظلم نفسها او تبخس حقها …!
تحركت بعملية داخل شقتها الصغيرة التي استأجرتها منذ تسعة شهور تقريبا …
تسعة شهور مرت على قدومها الى هذه البلاد …
كان قرارا صعبا وربما يبدو سريعا لكنها كانت تحتاج ذلك وبقوة …
ساعدها القدر لأول مرة عندما استيقظ والدها من غيبوبته قبل عام ….
ثلاثة أشهر قضتها مع العائلة قبل سفرها الى الخارج حيث انتظرت ان يستعيد والدها صحته وتنظم امورها كاملة قبل أن تتخذ قرارها بالسفر خارجا …
الحياة بدأت تستقيم في منزلهم ..
والدها تحسنت صحته تدريجيا وبدأ يمارس مهامه المفترضة بحق عائلته وأطفاله …
مريم وضعت جل تركيزها في دراستها …
ووالدتها تهتم بشؤون العائلة وتراعي والدها وإن لم تمنحه غفرانها بعد …
كل شيء كان يتقدم نحو الاحسن وعلى ما يبدو ان والديها شعرا برغبتها الصادقة في الابتعاد لفترة فقررا تحريرها من مهام العائلة التي أثقلت كاهلها كي تفعل ما تريده وتسافر خارجا دون أن ترتبط بأي شيء يخصهم …
هي تتواصل يوميا معهم بل وتتحدث مع عبد الرحمن صوت وصورة …
هو يخبرها انه يشتاق لها وهي تعده بزيارة قريبة عندما تستطيع أن تأخذ اجازة من عملها بينما ترسل له شهريا مجموعة من الألعاب التي يحبها …
أخيها الآخر يكبر حتى إنه أكمل عامه الاول منذ اربعة شهور تقريبا …
أرسلت له هدية بمناسبة ميلاده وجانبها هدية خاصة لعبد الرحمن كي لا يحزن …
كلا الطفلين متعلقين بوالدتها بشكل ملحوظ ووالدتها كعادتها لا تتوقف عن منحهما ما يحتاجانه من حب وحنان ورعاية أمومية …
لم تستغرب الأمر فهذه والدتها التي عرفتها لسنوات طويلة ..
والدتها التي لن تأخذ الطفلين بذنب أبويهما …
أما مريم فهي لا تتحدث معها ..
ما زالت ترفض التواصل معها بينما تسمع اخبارها من والدتها التي تخبرها كم تغيرت شقيقتها وباتت ملتزمة في عملها مع والدها بعدما تخرجت من جامعتها أخيرا …
حملت كوب قهوتها واتجهت به نحو الطاولة المربعة حيث تناولت فطورها سريعا والمكون من كوب قهوة حلوة قليلا مع شطيرة من الجبن و المرتديلا …
أنهت فطورها بسرعة قياسية وسارعت تغسل الكوب وتعيده مكانه وتنظف الطاولة قبل أن تتحرك الى غرفة نومها حيث تسحب سترتها و ترتديها فوق قميصها …
وقفت أمام المرآة تلقي نظرة سريعة على مظهرها كي تتأكد من هندامه …
شعرها الأشقر والذي قصته حتى منتصف رقبتها مصفف بعناية …
وجهها الخالي من مساحيق التجميل باستثناء كحلة العين وملمع الشفاه …
ملابسها الرسمية المكونة من تنورة ضيقة تصل الى نهاية ركبتيها فوقها قميص ابيض ومعه سترة عملية تماثل لون التنورة الرمادي …
حملت حقيبتها متوسطة الحجم ووضعت بها هاتفها قبل أن تسحب مفاتيحها من فوق المنضدة وتتحرك خارج الغرفة ومنه خارج العمارة السكنية الفخمة …
ركبت سيارتها الحديثة والتي اشترتها منذ حوالي اربعة أشهر بعدما اعتادت على البلاد الجديدة وحفظت الطرق المهمة مبدئيا …
قادتها متجهة بها الى مقر الشركة التي تعمل بها …
شركة يمتلكها شقيق احدى صديقات الجامعة والتي أخبرتها بإمكانية العمل لديه بعدما علمت برغبتها في السفر خارج والعمل هناك كنوع من التجديد ….
عندما أتت الى هنا لم تتوقع أن تكون الشركة بهذا القدر من الضخامة ….
حينها شعرت إن هذه فرصتها لتشق طريقها الحقيقي في ميدان العمل فسارعت تعمل باجتهاد كي تثبت وجودها بأسرع وقت خاصة وهي أتت الى الشركة بتوصية من المدير الذي لا تراه الا قليلا فهو يمتلك عدة أفرع في عدة بلدان وهذا أحد الفروع التي يزورها بين الحين والآخر تاركا صديقه نائبا عنه …
أوقفت سيارتها في كراج الشركة وهبطت منها متجهة الى الداخل عندما استقبلها حارس الأمن بابتسامة رسمية مرحبة بادلتها بمثلها كعادتها …
اتجهت نحو المصعد ووقفت امامه تنتظر هبوطه عندما وصل أخيرا لتدخل بسرعة وتضغط على الزر الذي يحمل رقم الطابق الذي تعمل فيه …
غادرت المصعد متجهة الى غرفتها المجاورة لغرفة مديرتها …
كانت تعمل في مجال دراستها .. العلاقات العامة وهي الآن معاونة لمديرة العلاقات العامة في الشركة السيدة لورين ….
دلفت الى مكتبها لتبدأ ممارسة عملها كالعادة عندما وجدت لورين تقتحم المكتب متحدثة بجدية :-
” ستذهبين بعد الظهر الى الفندق كي تتحدثي مع المدير بشأن الاحتفال السنوي لافتتاح الشركة …”
أكملت بنفس الجدية دون أن تنتظر اي رد من ليلى :-
” أنت سوف تتولين مسؤولية تنظيم الحفل هذه السنة بناء على رغبة المدير …”
ثم منحتها ابتسامة باردة وهي تنهي جوارها :-
” أرينا قدراتك الحقيقية يا ليلى ..”
ثم تحركت تهم بالمغادرة عندما قالت ليلى بسرعة :-
” آنسة لورين …”
استدارت لورين نحوها ترمقها بنظراتها الباردة المعتادة لتهتف ليلى وهي تنهض من مكانها :-
” أنا لا أعرف شيئا عن هذا الحفل … لم يمر عام حتى على وجودي ولا أفهم ما يمكنني فعله …”
تمتمت لورين وهي تشير الى العنوان الوظيفي الموضوع فوق مكتبها :-
” ماذا تقرئين هناك فوق هذه اللوحة الصغيرة …؟!”
منحتها ليلى نظرة باردة مشابهة لنظرتها وهي تخبرها :-
” معاون مدير العلاقات العامة …”
ابتسمت لورين بسخرية وهي تردد :-
” وماذا تعني العلاقات العامة من وجهة نظرك يا مدام …؟!”
أضافت بجدية حازمة :-
” أو لنغير السؤال … عادة ما هي الشهادة الجامعية التي يمتلكها منظمي الحفلات …؟!”
قاطعتها ليلى بجدية :-
” حسنا … فهمت …”
” جيد .. لا تنسي أن تذهبي اليوم الى الفندق … السيد منذر يريد حفلا مميزا هذا العام وهو يعتمد عليك …”
هزت رأسها بتفهم عندما غادرت لورين المكان لتتجه ليلى نحو مكتبها وتجلس عليه مفكرة في هذه المهمة الغير متوقعة قبل أن تقرر التوجه الى منذر الذي منحها هذه المهمة..
قابلها منذر بابتسامته المرحة المعتادة وهو يخبرها :-
” أحببت أن تتولي أنت مسؤولية تنظيم هذا الحفل المهم … أريد حفلا مختلفا هذا العام وأعتقد إنك سوف تستطيعين أن تفعلي ذلك وتقدمي لنا حفلا مميزا من خلال لمستك الخاصة المختلفة عن غيرها …”
وبدلا من أن يسعدها كلامه كان يمنحها مسؤولية مضاعفة …
مسؤولية لا مفر منها ..
تحركت ظهرا مغادرة الشركة متجهة الى الفندق حيث استقبلها مدير الفندق مرحبا بها بعدما أخبره منذر عنها ليحدثها عن الحفلات السابقة واهميتها بالنسبة الى الشركة ومقدار ما تدر عليها من صفقات جديدة فهذا الاحتفال السنوي يحضره اهم رجال الاعمال …
طال الحديث بينهما لفترة لا بأس بها قبل أن تقرر ليلى المغادرة والعودة الى شقتها للتفكير جيدا فيما ستفعله بشأن هذه الحفلة …
أثناء مغادرتها أجرت اتصالا سريعا بمنذر تسأله عن بضعة أشياء بشأن الحفل …
وصلت الى شقتها أخيرا فسارعت تأخذ حماما سريعا ثم ترتدي بيجامة بيتية قبل أن تتجه نحو صالة الجلوس وهي تحمل قدحا من عصير البرتقال البارد …
أجرت اتصالها المعتاد مع والدتها لتطمئن على الجميع قبل أن تجري اتصالا آخر تتأكد من وصول هديتها لغالية في الموعد المتفق عليه …
جلست بعدها ترتشف عصيرها وهي تقلب في هاتفها بعدم اهتمام عندما توقفت لوهلة امام صورته هو ومجموعة من رجال الدولة لتقرأ الخبر المرفق بالصورة والذي يخص افتتاحه مشروعا جديدا يعتبر من أضخم مشاريع العام بحضور اهم رجال الدولة والمجتمع …
عادت تتأمل صورته بتمعن وهي تراه يبتسم بفخر واعتزاز كعادته …
قلبت بالصور لتتوقف بعد لحظات امام صورة تجمعه مع رجلين لا تعرفهما وفنانة شهيرة تقف على جانبه الآخر تلتصق به بوضوح …
تأملت الفنانة الحسناء بتجهم سيطر على ملامحها بينما هو يقف جوارها مسترخيا مبتسما بجاذبية كعادته …
أغلقت الهاتف ورمته بعيدا بملل وعادت ترتشف عصيرها بصمت متجاهلة الضيق الذي شعرت به من رؤيته بجوار تلك الحسناء …
هي لا يحق لها أن تنزعج …
لقد مر عام على انفصالهما و تطليقه لها بعدما أصرت هي على ذلك …
من الطبيعي أن تدخل غيرها حياته خلال عام كامل …
ابتسمت بتهكم رغما عنها وهي تتذكر اعترافه لمرتين بحبه لها قبل أن تؤنب نفسها التي على ما يبدو لم تتعلم جيدا من تجربتها السابقة وما زالت تفكر بنفس الطريقة الغبية ونظرتها الحمقاء اتجاه من حولها …
كنان مثله مثل الجميع .. هو لا يختلف عن الرجال حوله وهي عليها أن تفهم هذا … لا بد أن يأتي يوم وتسمع خبر ارتباطه بغيرها ولا يجب أن تندهش أبدا حينها فهذا واقع الرجال …
الحب مرحلة مؤقتة قابلة للاستبدال في أي وقت طالما هناك العديد من النساء حولهم …
…………………………….
تجري خلف الصغير بسرعة تحاول التقاط علبة مكياجها منه …
وقف قبالها أخيرا وهو يرفع العلبة نحوها بضحكة مرحة لتسارع بالجري نحوه وحمله وهي تقبله بحب شديد …
ثم أخذت العلبة منه ووضعته أرضا لتجده يجرها من ملابسها وهو يشير الى العلبة مجددا لتخبره بجدية :-
” لن أسمح لك بتدميرها مثل غيرها يا جيسو …”
ثم مالت نحوه تخبره بحزم مصطنع :-
” كن مؤدبا ولا تعبث بأغراضي مجددا .. حسنا …”
ضحك الصغير بمرح عندما وجدت شيرين تتقدم ناحيتهما وهي تسألها :-
” هل عبث باغراضك مجددا …؟!”
ثم حملت الصغير وأخذت تؤنبه بهدوء لا يخلو من الحزم عندما قالت جيلان وهي تبتسم له بحب :-
” جَسور تحديدا يحق له أن يفعل بي و باغراضي ما يشاء …”
هتفت شيرين مستنكرة :-
” انت تفسدينه دلالا يا جيلان …”
مالت جيلان نحوه تعبث بخصلاته البنية وهي تخبرها :-
” ليس ذنبه انه يمتلك قلبي كاملا …”
تأملتها شيرين بذلك الفستان القصير والذي بالكاد يغطي منتصف فخذها فسألها بتروي :-
” هل ستخرجين اليوم ايضا ..؟!”
أومأت برأسها وهي تتحرك عائدة نحو غرفتها في الشقة التي تتشاركها معها بينما تخبرها اثناء مغادرتها :-
” نعم .. اصدقائي ينتظرونني بعد اقل من ساعة في المقهى المعتاد…”
لم تعلق شيرين على ما قالته وهي تتجه بصغيرها لتبديل ملابسها …
كانت تتحدث معه وهي تغير ملابسه :-
” لا يجوز ان تعبث بأغراض من حولك يا جَسور ..”
كان جَسور يتأملها بصمت فابتسمت له وهي تخبره بمشاكسة :-
” انت تلتزم الهدوء امامي لكن ما إن أتركك للحظة حتى تبدأ مهامك المعتادة …”
القى الصغير بجسده نحوها وهو يتمتم :-
” مامي .. حلوة …”
ضحكت وهي تحمله مجددا متجهة به نحو صالة الجلوس لتشغل له كرتونه المفضل وهي تضع داخل فمه مصاصته …
قابلت جيلان اثناء تحركها بعيدا عنه لتهتف جيلان وهي تنظر اليه :-
” موعد الكرتون اذا …”
قالت شيرين بارهاق :-
” انت تعرفين انه لا يتوقف عن مشاغباته الا في هذا التوقيت حيث يضع جل تركيزه مع الكرتون …”
تطلعت جيلان اليها بشفقة فابن اخيها متعب حقا لا يتوقف عن العبث والشغب طوال اليوم …
تمتمت وهي تنظر الى الصغير بحنو :-
” انه متعب حقا .. لا يتوقف عن الحركة طوال اليوم ..”
ثم ضحكت وهي ترى الصغير يصيح بفرح عليها :-
” جيلا …”
تقدمت نحوه وهي تخبره مبتسمة :-
” جيجي … نادني جيجي يا جيسو …”
ابتسم الصغير مرددا :-
” جيجي .. جيجي …”
” احسنت …”
قالتها وهي تنحني نحوه وتقبله من وجنته قبل ان تشير الى شيرين قائلة :-
“سأغادر .. حسنا ..”
” لا تتأخري …”
قالتها شيرين بجدية لتهز جيلان رأسها بعدم اهتمام وهي تتحرك خارج الشقة تاركة شيرين تتابعها بصمت حتى اختفت فعادت تنظر الى صغيرها وهو يتابع التلفاز بتركيز لتبتسم بحنو خالص فهذا الصغير هو أثمن شيء حصلت عليه طوال حياتها …
تشكلت غصة داخل حلقها وهي تتذكر والده الذي يقضي عقوبته في السجن …
السجن الذي دخله بسببها هي …
لولاها ما كان ليسقط عمار وينكشف امره ….
بالكاد سيطرت على دموعها وهي تخبر نفسها بحزم ان ما فعلته هو الصحيح …
كان يجب ان تفعل ذلك …
عمار كان يحتاج ان يستوعب ان العالم لا يدور من حوله وان الزمن مهما طال سيأتي يوم ويسقط …
الانتصار لا يدوم ..
الشر لا يدوم وهو عليه ان يدرك هذا جيدا …
……………………………………….
تقف بجانب مجموعة من الشباب والفتيات تتبادل الأحاديث معهم حيث تعلو ضحكاتهم الصاخبة بين الحين والآخر …
مال نحوها احد الشباب الذي لا يتواني عن اظهار اعجابه به وبجمالها الجذاب فسألها بفضول :-
” ماذا قررت يا جيجي …؟! أين سوف تدرسين …؟!”
تناولت القليل من عصيرها وهي تخبره ببرود :-
” لم أقرر بعد ….”
هتف الآخر باهتمام :-
” يمكننا مساعدتك في اختيار الجامعة الافضل هنا …”
تمتمت جيلان بنفس البرود :-
” أعتقد إنني سوف أدرس في ولاية أخرى …”
سألتها صديقتها الأقرب لها في المجموعة :-
” حقا …؟! أين سوف تدرسين …؟!”
ردت بجهل حقيقي :-
” لم أختر بعد … ربما في كندا …”
نظرت لها صديقتها بتعجب تجاهلته وهي مفكرة انها تحتاج الى الابتعاد عن هنا فشيرين دائما حولها ولا تتوقف عن مراقبتها وتحذيرها من أي تصرف تقوم به وهذا ما يقيدها كليا ….
حركت خصلة من شعرها وهي تتبادل النظرات مع ألبرت الذي أخبرها بجدية :-
” هل ترقصين معي ..؟!”
أومأت برأسها وهي تنهض من مكانها ليبتسم بحماس وهو يجذبها من كفها نحو ساحة الرقص …
أخذت ترقص معه بسلاسة حتى تغيرت الاغنية السريعة الى اخرى أكثر صخبا فتسارعت حركتها مع ايقاع الاغنية السريعة وهي تضحك بدورها باستمتاع وحماسها يزداد اكثر …
لحظات وشهقت بصمت عندما جذبها نحوه مقبلا شفتيها بعنف صدمها لوهلة قبل ان تستوعب ما يحدث فتدفعه بعيدا و تسقط بكفها فوق وجهه لينصدم الجميع مما حدث وتتوقف الموسيقى …
مسحت فمها بقرف وهي تمنحه نظرات حارقة بينما تسبه بصوت مرتفع حتى شعرت بصديقتها تقترب منها وتسحبها من يدها تهمس لها أن تهدأ ولا تتسبب بفضيحة في المكان …
طاوعتها جيلان مرغمة وهي تتحرك نحو الطاولة وتسحب حقيبتها متجهة بسرعة خارج المكان متجاهلة نداء صديقتها عندما وقفت في ركن مظلم تحتضن جسدها بذراعيها ترتجف كليا مما يحدث وجسدها يسيطر عليه شعور النفور والاشمئزاز من تلك اللحظة التي اقترب منها ألبرت لهذه الدرجة الحميمية ..
…………………………………
ترجل من السيارة يتأمل القصر حوله بابتسامة هادئة عندما سارع فيصل يتقدم نحوه يحتضنه باشتياق تتبعه توليب التي عانقها بسعادة قبل أن يقبل جبينها لتخبره بسرعة :-
” ماما تنتظرك في الداخل منذ ساعات الصباح الاولى …”
تحرك معهما بعدما القى التحية على الحرس وطلب من أحدهم ان يخرج حقائبه ليسير بجانب شقيقه وشقيقته مبتسما بفرحة لعودته بعد اكثر من عام قضاه خارج الوطن …
استقبلته والدته بلهفة ولم تستطع ان تكبح دموعها وهي تخبره بتأنيب :-
” لا تفعلها مجددا …”
قبل يديها وهو يخبرها بصدق :-
” لن أفعلها ابدا …”
ثم اتجه نحو والده الذي عانقه قبل ان يخبره وهو يربت على كتفيه :-
” اشتقنا لك و لجنونك يا ولد …”
قال راجي وهو يحتضنه بعد والده :-
” لقد توقف عن جنونه منذ زمن يا بابا …”
شدد مهند من عناقه وهو يخبره :-
” انت بالذات اشتقت لك يا حضرة الطبيب …”
ثم ابتعد عنه ليسأله راغب وهو يبتسم له :-
” وماذا عني …؟! أعتقد انني الوحيد الذي لم تشتق له …”
مازحه مهند :-
” كيف أشتاق لك ونحن نتحدث بشكلٍ شبه يومي …”
ثم سارع يعانقه وهو يهمس له بصدق :-
” شكرا على كل ما فعلته لأجلي وانا هناك .. شكرا على كل شيء …”
ابتعد مهند عنه ليخبره راغب وهو يربت على كتفه :-
” أنت شقيقي أيها الاحمق …”
اتجه نحو همسة يحتضنها بأخوية قبل ان ينحني نحو الصغير الذي تحمله بين ذراعيه يتمتم بفرحة :-
” ماشاءالله … تركته رضيعا لا يتوقف عن البكاء ..”
ابتسم راغب وهو يحمل طفله مرددا بفخر :-
” ابراهيم يمشي وبدأ يتحدث ايضا …”
ابتسم مهند متحكما في غصة سيطرت عليه وهو يتذكر طفلته التي كانت ستكون في عمره الآن …
اتجه نحو ابني شقيقه يحتضنهما باشتياق حقيقي ويشاكسهما قبل ان يتجه مع الجميع الى صالة الجلوس ليجلس جوار والدته التي اصرت ان يجلس جانبها وهي تخبره كم اشتاقت له وتؤنبه على سفره لمدة عام وتحذره من تكرار فعله …
” لقد أعددت جميع الاطعمة التي تحبها لك .. ”
قالتها زهرة بحنو ليهتف فيصل بمرح :-
” أين الطعام اذا ..؟! انا سأموت من الجوع ..”
هتف راجي بتهكم :-
” أنت دائما جائع يا فيصل ..”
لتقول توليب بضيق :-
” المشكلة انه لا يتوقف عن تناول الطعام ومع ذلك يحافظ على رشاقته … وانا لا أتوقف عن الحمية ابدا كي أحافظ على رشاقتي …”
” هذه طبيعة جسدي عزيزتي … مهما تناولت الطعام لا أسمن .. عكسك انت ..”
قالها فيصل بغرور لتهتف زهرة بجدية وهي تنهض من مكانها :-
” سأذهب وأتفقد الخادمات اذا ما إنتهوا من اعداد الطعام …”
قالت همسة بجدية وهي تنهض بدورها :-
” وانا كذلك …”
ثم سارت خلفها عندما أشار راغب لتوليب كي تأخذ الصغير منه قبل ان يلتفت نحو مهند يحادثه :-
” من الجيد إنك لم تبقَ في الخارج اكثر …”
ابتسم مهند مرددا بصدق :-
” لم يعد هناك داعي لمكوثي اكثر … لقد تعلمت ما احتاج تعلمه …”
هتف راغب متسائلا :-
” إذا هل اتخذت قرارك ام بعد ..؟؟ أين ستعمل ..؟! معي أم ستؤسس عملا خاصا بك …؟!”
ابتسم مهند قائلا بهدوء :-
” سأعمل معك في الشركة … ليس من العدل ان أتركك وحيدا …”
تنهد راغب مرددا براحة :-
” الآن تأكدت أن مهند القديم عاد أخيرا …”
حك مهند ذقنه يهتف بمشاغبة :-
” هذا كله لأنني سأعمل معك في الشركة ..”
هتف راغب بصدق :-
” الأمر لا يتعلق في عملك معي او لوحدك … انت فقط تغيرت وهذا بات واضحا لي …”
تمتم مهند بعيون غائمة :-
” بعد كل ما حدث معي كان لا بد أن أتغير … ليس من المعقول أن أبقى على حالتي السابقة بعد كل ما مررت به وتسببت به لغيري …”
أضاف يسأل شقيقه بنفس الخفوت :-
” كيف حال جيلان …؟! ”
رد راغب بنبرة باهتة :-
” بخير … هذا ما تقوله ابنة خالتها …”
سألها مهند بشك :-
” هل هناك شيء تخفيه عني ..؟!”
قال راغب بسرعة :-
” أبدًا.. هي فقط ترفض التواصل معنا .. ”
قال مهند بضيق :-
” هي تحملكم مسؤولية ما حدث ..”
تحدثت راغب بجدية :-
” لا بأس .. المهم ان تكون بخير .. لقد أنهت دراسة الثانوية هناك وقريبا ستدخل الجامعة … ”
هز مهند رأسه بصمت عندما أشار عابد له :-
” تعال معي لنتحدث لوحدنا في المكتب …”
هز مهند رأسه بتفهم وهو ينهض من مكانه يتبع والده باذعان بينما تقدمت زهرة بعدها وخلفها همسة لتقول زهرة بجدية :-
” نصف ساعة والطعام سيكون جاهز …”
ثم تسائلت :-
” أين مهند وعابد ..؟!”
ردت توليب وهي تلاعب ابراهيم :-
” بابا يتحدث مع مهند قليلا ….”
قالت زهرة بتوجس :-
” اتمنى ألا يعكر مزاجه بحديثه …”
قال راغب يطمئنها :-
” اطمئني .. هذا لن يحدث ابدا ..”
بينما هتف فيصل ضاحكا :-
” الوالد راضي عن مهند تماما …”
تنهدت زهرة براحة عندما سألتها توليب وهي تمنح الصغير لوالدته :-
” ماذا أرادت زوجي خالي منك …؟! ما هي الأخبار السيئة التي كنت تتحدثين عنها …؟!”
تجهمت ملامح زهرة وهي تخبرهم بتردد :-
” يسرا تطلقت من زوجها قبل يومين …”
سيطر الوجوم على ملامح الجميع عندما رفع راغب عينيه نحو زوجته ليرى نظراتها جامدة كليا قبل ان تمنحه ابتسامة باردة متهكمة فهمها على الفور فازداد وجوم وجهه بقوة متوعدا لها داخله …
…………………………………………..
وقفت تلتقط الصور لطفليها وهي تبتسم بحب …
كريم يرتدي بذلة رسمية حيث بنطال وقميص ابيض فوقه سترة سوداء مع الرباط بالطبع فبدا كرجل صغير بالكاد تجاوز عامه الاول منذ اشهر معدودة …
اما كاميليا فترتدي فستانا ابيضا منفوشا وشعرها الجميل مصفف بعناية ….
اخذت تلتقط الصور لهما بسعادة بعدما انتهت من تجهيزهما استعدادا لحفل زفاف غالية …
من كان يصدق ان يحدث كل هذا خلال العام المنصرم …؟!
فجأة وجدت نفسها جزءا من عائلة زوجها …
الجميع تعامل معها ببساطة ومحبة حتى اعتادت عليهم تدريجيا لذا قررت البقاء في منزل زوجها رغم سفره خارج البلاد بعدما مل من حياته هذه وفشلت هي في تقريبه من طفليه ليضرب بكل شيء عرض الحائط ويسافر خارجا تاركا اياها مع طفليه دون مبالاة …
أخبرها قبل سفره انها اذا كانت تريد الطلاق فستحصل عليه لكنها رفضت ذلك وقررت البقاء كزوجة له مع عائلته ليس لأجله بالطبع بل لأجل طفليها بعدما وجدت ان الافضل لهما ان ينشئان وسط عائلة والدهما في منزل العائلة خاصة وجدتهما تحبهما بشدة وترعاهما كثيرا بل تساعدها في تربيتهما رغم سنوات عمرها المتقدمة ..
جدتهما التي قاطعت ابنها بعد قراره بل شعرت بالحزن من فكرة رحيل حفيديها مع والدتهما لتتفاجئ بقرار نانسي بالبقاء معها لتشكر نانسي بشدة وهي تعدها انها لن تندم على قرارها هذا ..
اما شريف فهو متعلق بالطفلين بشدة والطفلان كذلك متعلقان به وكأنه هو والدهما وليس صلاح …
تجاهلت الألم الذي شعرت به وهي تجذبهما من فوق السرير لتتجه بهما نحو جدتهما حيث سوف يبقيان عندها حتى تنتهي هي من ارتداء فستانها …
حياتها تسير بشكل هادئ مستقر وهي سعيدة جدا في وجودها هنا مع طفليها وحماتها التي تعاملها كأم حقيقية وشريف الذي باتت تعتبره شقيقها بحق ..
والدتها غير راضية عن هذا الوضع ولكنها التزمت الصمت عندما شعرت برغبة ابنتها بذلك بل ورأت الراحة التي تسكنها وهي تعيش هنا مع عائلة زوجها …
تقدمت نحو حماتها التي استقبلت الصغيرين بسعادة وهي تفتح لهما ذراعيها ليتجهان بسرعة نحوها داخل احضانها بينما تخبرها نانسي :-
” سأذهب لارتداء ملابسي كي نغادر الى الحفل …”
” حسنا حبيبتي … خذي راحتك انت ..”
شكرتها نانسي بامتنان وهي تتحرك عائدة الى غرفتها لارتداء فستانها بينما تقدم شريف بعد لحظات مبتسما للصغيرين لتتأمله والدته بتلك البذلة الرسمية الانيقة وهي تخبره بصدق :-
” عقبالك يا حبيبي …”
أكملت بجدية :-
“متى ستتزوج وتجعلني افرح بك يا شريف ..؟!”
ابتسم شريف وهو يجذب كاميليا الى احضانه بعدما جلس قرب والدته يخبرها :-
” قريبا باذن الله …”
هتفت نجاة بسعادة :-
” حقا يا شريف ..؟!”
ابتسم شريف بصمت لتخبره والدته برفق :-
” غالية لم تكن نصيبك يا شريف لكن باذن الله سيعوضك الله بزوجة افضل منها فانت تستحق كل خير وليوفقها الله مع زوجها …”
تمتم شريف بصدق :-
” كما قلت يا أمي .. غالية لم تكن نصيبي … وفقها الله مع الرجل الذي اختارته وانا باذن الله سأجد من تناسبني كزوجة وتليق بي …”
ربتت نجاة على كفه بينما اخذ شريف يشاكس الطفلين الذي بات يتولى هو مسؤولية رعايتهما منذ قرار صلاح بالسفر بعيدا تاركا خلفه طفليه بلا مبالاة لا يعتقد انه سوف يغفرها له يوما …
عاد بذاكرته الى الماضي منذ عدة شهور عندما عبر شقيقه عن استيائه الشديد لهذه الحالة فهو لا يريد ان يتولى مسؤولية الطفلين او يكون مجبرا على أن يحيا بشكل يناسبه كزوج لامرأة لا يريدها وأب لطفلين مرغم على أبوتهما …
تطلع بشفقة الى الطفلين وهو يتذكر الحديث الآخير الذي دار بينهما :-
” انا لا يمكنني الاستمرار هذا .. لا يمكن أن أربط حياتي بها وبطفليها … ليس من المعقول أن تسير حياتي وفقا لقرارتكم ..هذه المهزلة يجب أن تنتهي حالا …. ”
” غادر أنت يا صلاح … غادر يا شقيقي .. عد الى حياتك القذرة وأنا سأبقى مع نانسي والطفلين وسأتولى مسؤولية الثلاثة . ”
ومنذ ذلك اليوم غادر صلاح دون رجعة وتولى هو المسؤولية كاملة …
………………………………….
في احد البارات الليلة …
يجلس امام النادل الذي يصب له مشروبه الكحولي المفضل فيأخذ
الكأس ويرتشف ما به دفعة واحدة قبل أن يطلب منه صب المزيد له …
استدار يتابع رقص الشباب والفتيات حوله وهو يرتشف مشروبه باستمتاع وهو يتبادل النظرات الماجنة مع احداهن ويبتسم لأخرى ويشاكس الثالثة بينما يخبر نفسه ان الليلة ما زالت في بدايتها وعليه ان ينتظر قليلا فربما تظهر بعد قليل فتاة أجمل يختارها لتشاركه ليلته كالعادة ..
حياته تسير على نفس الوتيرة ..
نوم صباحا وسهر مساءا لتنتهي السهرة ما احدى الجميلات ….
هذا حاله منذ قدومه الى هنا معتمدا على حسابه المصرفي في البنك متجاهلا كل شيء يخصه في البلاد …
تنهد بصمت وهو يعاود ارتشاف مشروبه عندما تجمد مكانه وهو يرى احداهن تدلف الى المكان ذات جمال مثير للغير حيث خصلات شعرها السوداء كالليل وبشرتها البيضاء كالثلج وملامح فاتنة لدرجة كبيرة …
تأملها بعينيه وهي تتقدم اتجاهه قبل أن تأخذ مكانها امام النادل وهي تطلب منه مشروب معين لم يهتم بمعرفة اسمه وتركيزه كله منصب عليها …
شعرت بنظراته نحوها فلوت ثغرها بابتسامة باردة قبل ان تتناول كأسها وترتشف منه مشروبها …
استدارت نحوه تسأله بسخرية :-
” هل اكتفيت أم تريد الاستمتاع في النظر الي بعد …؟!”
ابتسم وهو يخبرها :-
” أتسائل عن مدى المتعة التي سوف أشعرها عندما أعاشرك بينما النظر اليك فقط يمنحني كل هذه المتعة ..؟!”
ابتسمت بنفس السخرية وهي تسأله :-
” من أين أتيت بكل هذه الثقة ..؟! لمَ أنت متأكد هكذا إنك سوف تعاشرني …؟!”
” لا بد أن يحدث ذلك …”
قالها وهو يلتهم ملامح وجهها في عينيه مضيفا :-
” جمال كهذا لا يمكنني تفويته ابدا …”
ضحكت بصوت مرتفع قبل ان تتوقف عن ضحكاتها وهي تخبره ببرود :-
” انا لست مثل البقية …”
هتف بغرور :-
” يمكنني منحك ما تريدين …”
قاطعته بتهكم :-
” انت لم تفهم .. انا لا اتحدث عن الاموال …”
” إذا ..؟؟”
سألها بحيرة لترفع كأسها نحو شفتيها ترتشف منه مشروبها بتمهل مقصود قبل ان تضعه مجددا وهي تخبره :-
” انا لا أعاشر أي رجل كان … ولست محل اختيار الرجال .. على العكس تماما … انا أختار الرجل الذي أريد معاشرته وليس هو من يختارني ..”
ثم منحته نظرة باردة وهي تضيف :-
” وأنت لا تعجبني … لست نوعي المفضل للأسف الشديد …”
اشتعلت عيناه بقوة مما تقوله وقد ضربت كلماتها غروره في مقتل عندما وضعت كأسها مكانه وهمت بالنهوض وهي تردد :-
” أحتاج أن أرقص …”
لكنه قبض على معصمها يخبرها بغلظة :-
” لم نتعرف بعد .. انا صلاح .. وانت ..؟!”
حررت معصمها من قبضته ومالت نحوه لتسقط عيناه لا اراديا فوق فتحة جيدها الواسعة فتبتسم بتهكم وهي تخبره بلذوعة :-
” وانا ماذي …”
ثم استقامت بوقفتها وهي ترمقه باستخفاف مقصود قبل ان تتجه نحو احد الشباب الوسيمين وتطلب منه أن يراقصها والأخير لم يرفض فسارع يرحب بذلك تحت انظار صلاح المشتعلة غصبا من تلك الفتاة المغرورة ..
……………………………….
يقف أمام المرآة يغلق أزرار قميصه بينما ينادي عليها ليأتيه صوتها الرقيق وهي تخبره انها ستخرج بعد لحظات …
نظرت هي الى جهاز اختبار الحمل بقلق عاصف …
شحبت ملامحها تدريجيا عندما همست بعدم إستيعاب :-
” حامل … هل يمكن …!!”
ثم ما لبثت أن هزت رأسها بعنف تنفض الفكرة من رأسها لكن الشكوك غزت رأسها دون رحمة ..
هل يُعقل أن تكون حامل مجددا ..؟! وبعد عام واحد فقط على ولادة طفلتها ..؟!
أخذت تتطلع الى الجهاز بخوف بديهي عندما تجمدت مكانها والنتيجة تظهر بوضوح .. ايجابية …
ارتخى جسدها بعدم استيعاب وبات عقلها يراجع كل شيء …
طفلتها التي تأخذ منها اغلب وقتها وطاقتها بشقاوتها ومشاغبتها التي لا تنتهي …
عملها كمعيدة في الجامعة منذ شهرين فقط ومعاناتها في التوفيق بين عملها وواجباتها اتجاه طفلتها رغم مراعاة نديم لها ومساندته قدر المستطاع فهو الآخر يضع جل تركيزه في شركة الأدوية التي فتحها منذ أشهر قليلة والتي تأخذ اغلب وقته …
” يا إلهي …”
تمتمت بها بصعوبة وهي تستوعب ان وجود طفل في هذا الوقت تحديدا غير مناسب على الاطلاق …
يكفي انها طفلتها احتفلت بعيد ميلادها الاول منذ ايام قليلة …
شعرت بالاختناق يسيطر عليها عندما سمعت صوت طرقات على باب الحمام يتبعها صوت نديم القلق لتسارع بتعديل هندامها وهي تفتح الباب وتخرج له فيسألها وهو يتأمل ملامحها الشاحبة بقلق :-
” ماذا حدث ..؟! هل أنت بخير..؟!”
دون مقدمات وضعت الجهاز أمام وجهه ليهتف مصدوما :-
” أنت حامل يا حياة ..؟!”
تمتمت بضيق :-
” ماذا ترى أنت …؟؟”
ثم اتجهت نحو سريرها وجلست عليه منكسة رأسها نحو الأسفل باحباط …
تابعها بعينيه متأملًا ضيقها الواضح وهو لا يستطيع لومها بالطبع فهو يدرك ان المسؤولية ستكون كبيرة عليها للغاية وهي بالكاد تخطو اولى خطواتها في مجال عملها كمعيدة جامعية كما حلمت طويلا …
فرك جبينه بأنامله محاولا ان يبتلع سعادته بحملها فهذا ليس الوقت المناسب لاظهار فرحته كأي رجل سيحصل على طفل ثاني من زوجته وحبيبته وأم ابنته …
تقدم نحوها وجلس جوارها يخبرها بصدق :-
” لا بأس حبيبتي … أعلم ان الأمر صدمك ولكن لا تقلقي .. سنتدبر ذلك .. ستتشارك المسؤولية كالعادة …”
منحته نظرة حزينة وهي تخبره بتعب :-
” كيف سأعتني بهما مع عملي الطويل والمرهق …؟!”
أضافت باختناق :-
” ربما يجب أن أترك العمل عند الولادة كي أتفرغ لهما …”
قاطعها بحزم :-
” لن يحدث هذا … سوف تتركين عملك الذي بدأتِ به منذ شهرين وكنت تنتظرين الحصول عليه طويلا …”
تهدل كتفيها وهي تخبره :-
” لا حل آخر أمامي .. شمس ما زالت صغيرة وهناك آخر سيأتي في الطريق …”
جذبها نحوه يهمس لها :-
” أخبرتك ألا تقلقي .. سنتدبر الأمر دون أن يتأثر عملك .. لا تتركي عملك يا حياة … انا أكثر من يعلم مدى رغبتك بالعمل كاستاذة جامعية .. لا تتوقفي عن طموحك ابدا … ”
قبض على ذقنها يرفع وجهها نحوه يخبرها بجدية :-
” ألم يكن هذا كلامك ..؟! الطموح الدائم والتقدم باستمرار …”
هزت رأسها بصمت قبل ان تخبره :-
” ربما علي الانتظار حتى يكبران ويصلان الى عمر معين يمكنني فيه العودة الى العمل …”
” كلا .. سوف تبقين في عملك والطفلين سنتولى نحن الاثنين مسؤوليتهما وسنجلب ايضا مربية ثانية غير مربية شمس للطفل عندما يولد باذن الله ..”
أومأت برأسها على مضض فهي لا تحب أن تقوم المربية بمهامها اتجاه ابنتها …
فرغم وجود المربية منذ ولادة شمس الا انها كانت تعتني بها باستمرار ولا تطلب المربية الا قليلا حتى ان المربية شعرت بالحرج في البداية لعدم قيامها بأي عمل يخص الصغيرة الا قليلا …
قربها منه محيطا كتفيها بذراعه مرددا بجدية :-
” والآن انهضي وانهي تحضيراتك بينما سأذهب أنا وأتفقد شمس … ”
هزت رأسها بصمت وهي تنهض من جانبه تخبره :-
” لم يتبق سوى القليل .. ”
نهض من مكانه ليقبض على خصرها يجذبها نحوه يخبرها بصدق :-
” أحبك ….”
ابتسمت وهي تلقي نفسها بين احضانه ليطبع قبلة دافئة فوق شعرها قبل أن يخبرها وهو يبعدها عنه :-
” هيا اكملي تجهيز نفسك بسرعة .. يجب أن نكون اول المتواجدين ….”
ابتسمت وهي تتحرك سريعا للانتهاء من اعداد نفسها عندما تحرك هو خارج الغرفة متجها الى غرفة ابنتها ليجدها جاهزة للذهاب الى الحفل عندما ركضت نحوه بفستانها الكريمي المنفوش وهي تصرخ بفرحة :-
” بابي …”
رفعها عاليا وهو يقبلها بشغف من وجنتيها قبل ان يتمتم :-
” حبيبة بابي …”
ابتسمت المربية وهي تستأذن منه أن تغادر بعدما انتهت من تجهيز شمس ليتقدم نديم بطفلته نحو الكنبة ويجلس عليها مرددا بحماس :-
” سيصبح لديك أخ أو أخت قريبا يا شمسي …”
ابتسمت الصغيرة بعدم فهم ليجذب أناملها الصغيرة ويطبع عليها قبلة وهو يخبرها بضيق :-
” غالية ستغادر المنزل اليوم …”
هتفت الصغيرة ما ان سمعت اسم عمتها :-
” ليا .. ليا ..”
ابتسم على صغيرته التي اختارت ان تنادي عمتها ب” ليا ” فهي لا تستطيع لفظ اسم عمتها الصعب عليها …
تأملها بعينيها الزرقاوين و وجنتيها الورديتين وشعرها الذهبي بحب فشمس كلما كبرت كلما برز جمالها اكثر وهي التي ورثت منه ملامحها كلها …
عاد ينهض من مكانه وهو يحملها مرددا :-
” تعالي لننتظر ماما خارجا ….”
ثم تحرك بها متجها نحو صالة الجلوس ليتأمل المكان بشجن قبل ان يهمس لنفسه :-
” لقد آن آوان لمغادرة الفيلا والاستقرار بأخرى جديدة فغالية ستتزوج اليوم ولم يعد هناك داعي لبقائنا هنا اكثر …”
كان بحاجة ماسة الى مغادرة الفيلا رغبة منه في توديع كافة الذكريات السيئة التي عاش بها لكنه لم يرغب بفعل هذا قبل زواج غالية فهو يدرك ان شقيقته لن توافق على مغادرة المنزل الذي ولدت ونشأت به والاستقرار في مكان آخر …
اخذ يلاعب صغيرته حتى وجد حياة تتقدم منه بفستانها الأرجواني الذهاب لينهض من مكانه يخبرها وهو يتأملها :-
” تبدين رائعة والفستان جميل جدا …”
شكرته وهي تتناول ابنتها منه تخبره بفرحة :-
” ما كل هذا الجمال يا روحي …”
نظرت الى زوجها وسألته بينما تحتضن صغيرتها بين ذراعيها :-
” غالية انتهت من تحضير نفسها .. يمكنك رؤيتها فلم يتبق على الحفل سوى القليل …”
هز رأسه بصمت وهو يتحرك متجها الى الغرفة التي تمكث بها شقيقته حيث تتجهز لحفل زفافها الليلة …
تقدم الى داخل الغرفة ليجدها جالسة على الكرسي تبدو كملكة متوجة بذلك الفستان الرائع الذي ترتديه وجمالها البارز كالعادة …
همت بالنهوض ليمنعها بإشارة منه وهو يتقدم نحوها ثم ينحني مقبلا جبينها فتبتسم له وهي بالكاد تقاوم الدموع التي ملأت عينيها لتهمس بصوت متحشرج :-
” سوف أشتاق لك انت وحياة وشمس … ”
مازحها نديم متجاهلا الغصة التي تحكمت به:-
” تتحدثين وكأنك سوف تهاجرين خارج البلاد …”
شدد من قبضتها على كفه وهي تخبره بصدق :-
” انت كل شيء بالنسبة لي… شقيقي وسندي .. انا أحبك كثيرا …”
همس بصوت مختنق :-
” دائما ستجديني معك و جوارك … انت شقيقتي وابنتي التي أحبها اكثر من أي شيء …”
اكمل يشاكسها متعمدا :-
” لا تترددي أن تشتكي لي سيادة المقدم اذا أزعجك ولو قليلا …”
أخبرته ضاحكة رغم دموع عينيها :-
” لا يمكنه ان يفعل .. لن أسمح له بذلك …”
ابتسم وهو يربت على كتفها عندما طرقت حياة على الباب قبل ان تدخل مرددة بسعادة :-
” شمس تريد رؤية عمتها …”
نهضت غالية بلهفة مرددة :-
” حبيبة عمتها …”
جرت الصغيرة نحوها لتحملها غالية وهي تقبلها بلهفة بينما تتمتم الصغيرة وهي تتأملها بانبهار :-
” ليا … حلوة …”
ضحكت غالية وهي تخبر الصغيرة :-
” بل أنت الحلوة يا شمس …”
تقدمت حياة نحوها تخبرها بصدق :-
” سنشتاق لك كثيرا يا غالية …”
عانقتها غالية بعدما وضعت شمس جانبها وهي تخبرها مازحة :-
” كما قال زوجك .. تتحدثين وكأنني سوف أهاجر خارج البلاد …”
ابتسم نديم لها قبل ان يسمع رنين هاتفه فيجيب عليه محييا فادي …
ارتقعت نبضات قلبها وهي تستمع لحديث نديم معه حتى أخبرها بعدما اغلق الهاتف :-
” فادي سيصل بعد عشر دقائق … كوني مستعدة ..”
هزت رأسها بصمت وهي تشعر بالرهبة رغما عنها فاليوم زفافها على الرجل الوحيد الذي امتلك قلبها وهزمه ونال عشقها …
………………………………
تجلس تتأمل دعوة الزفاف بملامح جامدة رغم الألم الذي يملأ قلبها ..
لقد فعلها فادي وتزوج منها رغم رفضها الصريح لهذه الزيجة …
لم يهتم برفضها بل مقاطعتها له …
لم يهتم بأي شيء سوى تلك التي سحرته وسيطرت عليه كليا …
تتذكر رسالته الأخيرة لها حيث كتب :-
” انت تعلمين جيدا انني لم أفعل شيئا خاطئا … كان عليك ان تفكري بي وبمشاعري كما تفكرين دائما في فراس ووضعه … انا لم أفعل شيئا حراما او عيبا ..اتمنى أن تراجعي نفسك مجددا وتحضرين حفل زفافي وسأكون ممتنا لك طوال عمري يا أمي …”
توقفت عن أفكارها عندما سمعت صوت فراس يتحدث بحقد :-
” لقد فعلها .. تخلى عنا جميعا لأجلها .. لكن لا بأس … سيأتي يوم ويندم ويدرك مقدار ما خسره وحينها سيعود نادما متأسفًا …”
” أخاف أن يحدث العكس يا فراس …”
قالتها باسمة بتجهم ليهتف برفض :-
” بالطبع لا .. ابنك لم يراعِ أي أحد منا … لا والدته ولا أنا …. ”
أضاف ساخرا :-
” باعنا جميعنا لأجلها ..”
صدح صوت لوجين وهي تتقدم الى الداخل :-
” فادي ليس كذلك والجميع يعلم هذا .. هو دائما ما كان معنا ويتحمل مسؤوليتنا جميعا … حتى مسؤولية طفلك كان يتحملها نيابة عنك ..”
صاح فراس بغضب :-
” كيف تجرؤين وتتحدثين معي هكذا …؟! الآن أصبح فادي الأفضل .. ”
عقدت لوجين ذراعيها امام صدرها تخبره ببرود :-
” هذه الحقيقة وأنت تعلمها جيدا …”
ثم أكملت بقوة لا يعلم متى باتت تمتلكها شقيقته الصغرى :-
” وانت توقف عن تأنيب أمي واستغلالها عاطفيا كي تمنعها من حضور الزفاف …”
هتف بحزم :-
” أمي لا تريد حضور الزفاف وهذا ليس بسببي بل بسبب شقيقك الذي تزوج من فتاة ترفضها …”
” ترفضها بسببك …”
قالتها لوجين بحنق وهي تضيف :-
” الفتاة رائعة ولا ينقصها شيء … ”
هتف من بين اسنانه :-
” كانت خطيبتي يا هذه …”
قالت لوجين بلا مبالاة :-
” هذا لا يجعلها محرمة عليه .. اذا كان الشرع يسمح له بالزواج منها فمن نحن لنرفضه ..؟!”
اندفع فراس يصيح بوالدته :-
” هل تسمعين ما تقوله ابنتك المحترمة …”
هدرت لوجين :-
” انا محترمة جدا …”
” يكفي …”
صرخت بهما باسمة وهي تنهض من مكانها تمنحها نظرة صارمة لتهتف لوجين بحسم :-
” لا يمكنني التصرف مثلكما … انا مضطرة للذهاب الى الزفاف يا ماما … لن أترك فادي وحيدا .. سامحيني …”
” ماذا تقولين انت …؟!”
صاح بها فراس بعدم استيعاب قبل ان يهتف بوالدته :-
” هل تسمعين ما تقوله ..؟!”
نقلت باسمة بصرها بينهما قبل ان تشير لابنتها بجمود :-
” افعلي ما تريدين …”
ابتسمت لوجين بفرحة وهي تركض بسرعة خارج المكان استعدادا للذهاب الى الحفل بينما التفت فراس نحو والدته وهم بالتحدث لتوقفه باسمة بنظراتها الحازمة وهي تخبره :-
” لوجين لم تعد صغيرة ولا يحق لنا أن نمنعها من الذهاب لزفاف شقيقها ….”
……………………………………
حفل الزفاف ..
بدأ حفل الزفاف في احدى أفخم القاعات التي اختارتها غالية بنفسها بل أشرفت بنفسها على جميع تفاصيل الحفل دون استثناء ….
كان الحفل فخما جدا ومليء بالضيوف من أهل واقارب العريس والعروسة والمعارف والاصدقاء ….
ارتدت غالية فستانا من احد أشهر المحلات في باريس حيث اختارت الفستان المناسب بعد معاناة وسارعت تطلبه ليصلها قبل الزفاف بمدة لا بأس بها …
بدت جميلة بشكل يفوق المعتاد …
الفستان الابيض منحها جمالا شديدا فبدت كالبدر المنير مع تسريحة شعرها الأنيقة والمكياج الجذاب الذي اختارته بعناية هو الآخر …
ابتسم فادي برزانة وهو لا يتوقف عن تأملها بعينيه عندما همست له بحذر محاولة قدر الامكان اخفاء خجلها المتزايد :-
” ما بالك لا تتوقف عن النظر الي ..؟!”
ابتسم مرددا ببساطة :-
” ربما لانك عروسي …”
أضاف بمكر :-
” أم تريدين أن أشيح وجهي بعيدا عنك فيتهامس الضيوف عن العريس الذي لم ينظر لوجه عروسه ابدا …”
مطت شفتيها مرددة ببرود :-
” لا يهمني حديث أحد وأنت تعلم ..”
تنهد بجدية :-
” أنا أكثر من يعلم …”
ثم مال نحوها يخبرها :-
” لو كان بيدي لما أقمت حفل زفاف من الأساس …”
” عفوا ..”
تمتمت بها بحنق ليهتف ببرود :-
” لا أحب أن ينظر الجميع لك منبهرين بجمالك … انت أساسا تجذبين الأنظار عادة في أي مكان تذهبين اليه فكيف الحال وانت عروس الحفل والانظار كلها متجهة نحوك ..؟!”
منحته نظرة باردة وهي تخبره :-
” ما رأيك أن تحبسني في قفص وتمنعني من الذهاب لأي مكان …؟!”
هتف بخفة :-
” بل سوف أحبسك في منزلي ولن أسمح لجنس مخلوق أن يلمح طيفك حتى …”
همست بتحدي :-
” سنرى يا سيادة المقدم …”
ابتسم مرددا بوله :-
” سترين يا زوجة سيادة المقدم …”
كتمت ضحكتها وهي تشيح بوجهها عندما وجدت لوجين تتقدم نحويهما بجانب مي ابنة عمها وصديقة حياة في نفس الوقت …
نهض فادي بسرعة يستقبل شقيقته ويحتضنها بسعادة انتقلت الى غالية لا اراديا وهي تستقبل تهاني مي لها التي تعرفها جيدا فهي دائما ما تراها مع حياة وتتحدث معها …
مازحتها مي وهي تخبرها انها باتت تنتمي لعائلتهم رسميا …
في الحقيقة لقد تعرفت على عائلة عم فادي وقد وجدتهم عائلة لطيفة حقا استقبلوها بحفاوة واضحة …
اتجهت لوجين بعدها نحو غالية فسارعت الاخيرة تحتضنها وهي تخبرها بصدق :-
” شكرا لآنك أتيت …”
هتفت لوجين بصدق :-
” انا سعيدة لانك تزوجت بشقيقي … انت رائعة …”
أكملت وهي تبتسم لها :-
” جميلة جدا وقوية.. تليقين به كثيرا ….”
ابتسمت غالية وهي تشكرها مجددا بينما فادي يستقبل مباركة ابنة عمه قبل أن تتجه الفتيات مجددا نحو الحفل عندما همست غالية لفادي :-
” ألن نرقص …؟!”
” لم يأت موعد الرقصة بعد حسب جدول الحفلة …”
قالها بجدية لتخبره :-
” لا أتحدث عن رقصة السلو .. أقصد متى سنشارك الضيوف الرقص …”
هتف بعدم استيعاب :-
” عفوا …”
ثم اضاف بوجوم :-
” بالطبع لا تعنين الرقص وسط الحضور …”
هتفت بدهشة :-
” وما المشكلة في ذلك …؟! الجميع يرقص …”
هتف ببرود :-
” انت لست مثل الجميع …”
تمتمت بضيق :-
” عفوا …”
قال بجدية :-
” انت زوجتي وزوجتي لا تتمايل بجسدها وسط المدعوين …”
هتفت بحنق :-
” انه زفافي ….”
” زفافك او زفاف غيرك … انت لن ترقصي يا غالية … انا لا اقبل بهذا …”
قالها بصلابة جعلتها ترمقه بحنق قبل ان تشيح بوجهها بعيدا بغضب مكتوم …
……………………………..
اتجهت حياة نحو نانسي التي تجلس على نفس طاولتها مع بقية افراد العائلة لتهمس لها متسائلة :-
” أين الأولاد يا نانسي …؟!”
ردت نانسي بسرعة :-
” أخذتهم المربية الى الحديقة الخارجية …”
” حسنا ..”
قالتها حياة بجدية قبل ان تبتسم وهي تخبرها بمرح :-
” فستانك رائع بالمناسبة …”
ابتسمت نانسي وهي ترد بنفس المرح :-
” بالطبع … وهل يمكنني قول غير ذلك وأنت من اخترته …؟!”
ضحكت حياة وهي تخبرها :-
” يبقى القالب غالب يا نانسي …”
ابتسمت نانسي لحياة التي تحركت متجهة نحو زوجها تتحدث معه بينما ابتسمت نانسي بخفة وهي تتذكر الصداقة التي تكونت تدريجيا مع حياة وسببها الاساسي كان طفليها وابنة حياة …
من كان يصدق أن تصبح هي وحياة صديقتين بعد الموقف الغبي الذي سبق وجمعهما …؟!
ذلك الموقف الذي اعتذرت عنه اكثر من مرة لحياة التي فاجئتها وهي ترحب بها بشدة في اول زيارة لها لبيت عم زوجها …
حينها لم تستطع منع نفسها من الاعتذار لها وهي تخبرها عن الاوهام الغبية التي كانت تعيشها وقتها وجعلتها تتصرف بهذه الحماقة ..
لم تصدق ما فعلته حياة وكيف تصرفت بسماحة شديدة معها وكذلك نديم الذي منحته اعتذارا مختصرا بخجل قابله هو بتفهم شديد …
في ذلك اليوم تكونت العلاقة بينهما بعدما اخذ طفلتهما تلعب مع طفليها بسعادة فأصبحتا تلتقيان دائما …
نهضت مكانها مقررة التوجه الى الحديقة للاطمئنان على الاطفال عندما وجدتهم يجلسون فوق احدى المصطبات الموضوعة في الحديقة يتناول ثلاثتهم الحليب الذي أعدته المربية لهم …
ابتسمت وهي تتأملهم عن بعد دون أن تقترب ناحيتهم حيث يصرون على الذهاب معها او بقائها معهم ..
ضحكت بعدم تصديق عندما صرخت شمس بصوت عالي بعدما جر كريم خصلة من شعرها بقوة آلمتها لتنهض كاميليا من مكانها بسرعة متقدمة نحو شقيقها فتسارع وتضربه فوق وجنته بحزم لا يناسب عمرها الصغير مما جعل كريم ينتفض باكيا بينما شمس تبتسم منتشية بما فعلته صديقتها لأجلها وهي تخرج لسانها له بغيظ …
لم تصدق ما يحدث فصغيرتها شكلت جبهة مع شمس ضد شقيقها ..
تقدمت نحو كريم وهي تمنح كاميليا نظرة مؤنبة بينما كاميليا تخبرها بكلامها الغير مفهوم كليا عما فعله شقيقها بشمس …
ابتسمت للصغيرة ذات العينين الزرقاوين المشابهين لعيني طفلتها وهي تهدأ كريم حتى توقف عن البكاء فمنحته قبلة دافئة وهي تخبره بحزم ألا يضايق شمس بينما المربية تخبرها انها تتابعهم بحرص …
اعطت نانسي نصائحها كالعادة المربية وتحركت بعدما منحت الصغار الثلاثة قبلات سريعة لتعود الى القاعة فتجد عائلتها قد وصلت حيث والدتها وشقيقتها اتخذوا مكانهم بجانب عائلة عمها …
ابتسمت وهي تتقدم مرحبة بوالدتها وهايدي قبل أن تجلس بجانب شقيقتها تتحدث معها …
…………………………………….
تقدمت حياة نحو زوجها التي هتف بتجهم :-
” هل يوجد داعي أن تذهبي كل دقيقتين لطاولة زوج والدتك …؟!”
عقدت حاجبيها تسأله :-
” هل هناك مشكلة في ذلك..؟!”
تمتم وهو يرمق ذلك الذي يجاور والده بتفاخر كعادته :-
” هناك السيد يا نضال يا عزيزتي …”
” لا أصدق ما تقوله يا نديم …”
قالتها حياة بدهشة وهي تضيف بعبوس :-
” ما زلت تغار منه …”
هتف بغضب مكتوم :-
” لاحظي انك تتحدثين عن الرجل الذي كان يريد الزواج منك …”
تمتمت بوجوم :-
” انت تبالغ حقا … ثانيا انا أخبرتك انه لم يكن يريدني فعليا وانما كان يشبهني باحداهن …”
هتف بحزم :-
” كان يريد الزواج منك أم لا ..؟!”
زمت شفتيها دون رد ليهتف على مضض:-
” على العموم انا اتحمل وجوده في بعض الاحيان فقط كونه أخو حنين ليس إلا …”
” لا داعي لهذه الغيرة يا نديم … أساسا غالبا سيرتبط قريبا …”
هتفت بها جدية ليرفع حاجبه مرددا :-
” حقا سيفعل …؟!”
أومأت برأسها وهي تنظر اليه :-
” نعم ، هناك فتاة سيتقدم لخطبتها قريبا .. ”
هز رأسه بتفهم عندما وجد رجل كبير نوعا ما في السن يتقدم نحوهما وجانبه شابة جميلة وطفل صغير لا يتجاوز العاشرة من عمره …
رحب نديم بالرجل رغم تعجبه عندما ابتسم الرجل يخبره معرفا عن نفسه :-
” خليل الطائي … والد فادي …”
بالكاد سيطر نديم على دهشته وهو يرحب بالرجال قبل أن يتقدم الرجل مع الشابة والطفل نحو فادي الذي نهض مصدوما من قدوم والده الى الحفل …
تأملت غالية الرجل الذي رغم سنوات عمره المتقدمة ما زال محتفظا بوسامته وجاذبيته وقد كان يشبه فادي كثيرا …
” أبي …”
تمتم بها فادي مندهشا من قدوم والده رغم انه أخبره بموعد زفافه وأرسل له دعوة ايضا لكنه لم يتوقع أن يأتي حيث فعل ذلك بدافع الواجب فقط …
” لم أستطع تفويت زفافك يا فادي …”
قالها وهو يحتضن ولده بينما نهضت غالية بسرعة ليتقدم والد فادي نحوها ويبتسم لها قبل ان يقبل جبينها وهو يخبرها :-
” مبارك الزواج يا ابنتي …”
ابتسمت غالية بحرج وهي تشكره عندما كان فادي ينظر الى الشابة الجميلة والطفل بحيرة ليبتسم خليل وهو يشير الى الفتاة فتتقدم نحوه عندما أشار لفادي :-
” هذه جنى أختك يا فادي …”
ثم اشار الى الصغير الذي بدا شبيها بفادي للغاية :-
” وهذا فارس أخيك …”
اتسعت عينا فادي بعدم استيعاب عندما اكمل والده يخبره بايجاز :-
” انا باقي لمدة لا بأس بها هنا .. سنتحدث فيما بعد خاصة ان جنى تخطط للاقامة هنا وبالطبع لن أجد أفضل من أخيها لتعيش معه خلال فترة إقامتها في البلاد …”
………………………………………
كانت مريم تجلس بجانب والدتها بملامح منزعجة …
لقد اضطرت ان تطيع والدتها وتأتي الى حفلة زفاف ابنة خالتها بعدما قررت أن تتغير وتتوقف عن تمردها المعتاد …
عام كامل تغيرت به نوعا ما بعدما سعت هي الى ذلك …
عام مر عليها نجحت خلاله بالتخرج من جامعتها بل وبدئت العمل مع والدها …
عام حاولت خلاله تقويم نفسها وترويض تصرفاتها المتهورة …
شيء واحد فقط ما زال يكدرها وهي شقيقتها التي ترفض التواصل معها منذ مغادرتها البلاد ..
شقيقتها التي تشق هي الاخرى طريقها خارج البلاد بنجاح واضح …
ابتسمت لزاهر الذي بادلها ابتسامتها قبل أن تنظر الى الجانب الآخر متسائلة عن الطريقة التي تجعله يكون هادئا وودودا الى هذا الحد وهو يتعامل معها ومع والدتها بطريقته المعتادة متجاهلا الموقف الذي مر بينه وبين شقيقتها ..
شقيقتها التي تركت رجلا مثل زاهر يضيع من يدها …
ابتسمت داخلها بسخرية وهي تعلم ان زاهر لم يضع من يد شقيقتها فهو ما زال متمسكا بعزوبيته والسبب معروف …
شعرت بالشفقة لأجله خاصة وهي باتت متأكدة إن ليلى لم تنظر له يوما أكثر من ابن خال برتبة أخ ولن تفعل …
زفرت أنفاسها بملل قبل أن تستدير نحو والدتها التي حدثتها عن شيء ما فأخذت تتبادل الأحاديث معها وهي تريد أن ينتهي هذا الحفل بأسرع وقت …
……………………………..
بدأ العروسان رقصتهما على احدى الاغاني الرومانسية الشهيرة …
كان أنظار البعض مسلطة عليهما بينما البعض الآخر يتبادل الاحاديث مع بعضهم …
اتجه بعدها بعض الموجودين من المتزوجين او المرتبطين للرقص بجانب العروسين …
جذب نديم حياة يراقصها بينما كانت أروى تتابع المشهد أمامها بشرود …
لقد تزوجت غالية أخيرا ..
تخلصت من كابوسها …
ولكن ما الفائدة من ذلك ..؟!
لم يتغير شيء …
شريف لم يتقدم خطوة واحدة نحوها رغم ان غالية أعلنت خطبتها من فادي منذ حوالي عام …
عام كامل كانت تنتظر فيه أن يأخذ خطوة واحدة نحوها لكنه لم يفعل …
ربما كانت شقيقتها نرمين على حق …
المشكلة ليست في وجود غالية كما تعتقد ..
المشكلة انه لا يراها أبدًا …
ابتسمت بألم وهي تنظر الى غالية .. غالية التي ملكت قلب الرجل الوحيد الذي أحبته و تمنته زوجًا لها ..
ورغم ذلك لم تبالِ بمشاعره ولم تهتم وها هي تزف اليوم الى رجل آخر امتلك قلبها …
في النهاية شريف ما زال تعيسا وهي بدورها ستظل تعيسة …
اغمضت عينيها تكتم دموع القهر قبل ان تنظر نحوه فتجده يتبادل المزاح مع زوجة شقيقه …
الشقراء الجميلة والتي بدت جذابة للغاية بفستانها الرقيق ومكياجها الناعم …
أشاحت بوجهها بعيدا وهي تنظر الى غالية مجددا ..
غالية الجميلة البهية …
لطالما خطفت القلوب وجذبت الانظار عكسها هي ..
فهي ذات جمال عادي للغاية مقارنة بها …
هي لا شيء في وجودها …
كتمت وجعها داخلها وهي تتبادل الأحاديث مع شقيقتها محاولة الانشغال عن افكارها هذه قبل أن تلتقي عينيها بعينين تتأملانها بجمود استغربته لتشيح وجهها بعيدا بسرعة …!
……………………………………
ينام فوق سريره في السجن واضعا كفيه أسفل رأسه ينظر الى السقف مبتسما بسخريته المعتادة …
عام كامل مر على دخوله هنا …
عام انتهى وتبقى خمسة اعوام حسب المدة المعروفة لسنوات جلسة الثمانية .. السنة الواحدة بتسعة أشهر ..
خمسة اعوام ويغادر بعدها هذا المكان ..
ابتسم بتهكم وهو يتذكر كلمات رجله الذي زاره صباح البارحة … رجله الذي أكد عليه أن يرسل هديته الى أخته التي ستتزوج اليوم من مقدم في الشرطة كما عرف …
فادي الطائي شقيق خطيبها السابق فراس …
يا لها من صدفة مثيرة للسخرية …
ابتسم بخفة وهو يتذكر الهدية التي أرسلها لأخته في هذا اليوم المهم ..
هدية ستتذكرها طوال عمرها ….
الجميع يعتقد ان عمار الخولي انتهى ولكنهم لا يدركون انه متواجد دائما حولهم ومعهم حتى وهو داخل الحبس …
عمار الخولي سيبقى لعنتهم دائما وأبدا …
الى ما لا نهاية ..
تمت بحمد الله

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى