روايات

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل السابع والعشرون 27 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل السابع والعشرون 27 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء السابع والعشرون

رواية حبيسة قلبه المظلم البارت السابع والعشرون

حبيسة قلبه المظلم
حبيسة قلبه المظلم

رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة السابعة والعشرون

” تأثيرك الشديد علي أصبح يقلقني كثيرا يا حياة ..!!”
قالها بعفوية ولا وعي لتبتسم لا إراديا وهي تردد بشقاوة :-
” هذا اعتراف خطير للغاية يا بك .. أنت تعترف بمدى قوة تأثيري عليك ..”
ابتسم هذه المرة مرغما وقال :-
” ظننتك تعرفين ذلك منذ مدة او شعرتِ به على الأقل …”
أشاحت ببصرها بعيدا عنه للحظات وهي تقول بخفة :-
” سأخبرك شيئا لكن لا تتضايق مني ..”
رد على الفور :-
” انتِ من أردتِ أن ينتهي اليوم ممتعا كما بدأ ..”
ابتسمت وهي تستدير نحوه وتقول :-
” أعلم ذلك .. حسنا لن أتحدث ..”
قبض على كفها يخبرها بجدية :-
” بل قولي ما تشعرين به يا حياة .. أخبريني بكل ما ترغبين بقوله .. هيا أنا أسمعك ..”
تأملت كفه التي تقبض على كفها لا إراديا قبل أن ترفع بصرها نحوه مجددا تهتف بخفوت :-
” أحيانا كثيرة أشعر إنني في حلم .. حلم سينتهي لا محالة .. لا أعلم متى سينتهي بالضبط ولكنه سينتهي ..؟! لا أخاف من إنتهاؤه ولكنني أخشى وبشدة مما ينتظرني بعد إنتهاؤه ..”
سألها بسرعة وملامح متجهمة :-
” أين الحلم فيما يحدث بالضبط ..؟! هل تتحدثين عن إرتباطنا أم ..؟!”
قاطعته بنفس الخفوت :-
” عن كل شيء .. في الفترة الأخيرة تبدلت الكثير من الأمور في حياتي .. قبل أشهر قليلة كانت حياتي تسير بطريقة واحدة ثابتة منذ سنوات .. والدي كان كل عالمي ودراستي هي كل ما يهمني .. الآن تغير كل شيء .. لا أتحدث عنك أنت فقط .. انت وحنين وحتى والدتي وكل ما يحدث معي .. كل شيء يحدث بسرعة مخيفة بالنسبة لي وانا التي لم أعتد يوما على حدوث أي تغيير في حياتي ..”
” ألا تعتبرينه تغيير إيجابي ..؟!”
سألها بجدية لترتسم الحيرة على ملامحها وهي تجيب :-
” أتمنى حقا أن يكون هذا التغيير إيجابيا ..”
أضافت بتردد :-
” لهذا أنا أشعر بك دائما وأتفهمك .. أتفهم صعوبة ما حدث معك وكم التغييرات التي أطاحت بحياتك … بالطبع لا يوجد مقارنة بين وضعي ووضعك لكنني أستوعب مدى صعوبة ما مررت به …”
” هل تعلمين أين المشكلة ..؟!”
قالها وهو يشرد بأنظاره نحو البحر مضيفا بنفس الشرود :-
” إن كل شيء ما زال هنا .. في قلبي وروحي … إن هذه التغييرات الصعبة ما زالت محفورة داخلي .. لم أستطع تخطي ما مررت به حتى الآن ولم أستطع التعايش بعد مع وضعي الجديد ..”
” ولهذا تريد السفر …؟!
سألته بتأني ليلتفت نحوها مجيبا بصوت متحشرج :-
” بعدما حدث وسجلي الأسود لا مكان لي في هذه البلاد يا حياة .. ”
” بالطبع لا .. انت لست اول شخص ..”
قاطعها بعصبية خفيفة :-
” كفي عن طريقة تفكيرك هذه .. الحياة ليست بهذه البساطة .. هل تظنين الأمر بهذه السهولة حقا ..؟! هل تظنين إن من يعلم الماضي وسبب سجني لسنوات سيتعامل معي بإعتيادية .. يستقبلني ببساطة .. ليس الجميع مثلك وإن كان هناك من سيتقبلني فهم عائلتي فقط وأشخاص معدودين يثقون ببرائته اما المجتمع حولنا وجميع من فيه سوا يرونني دائما وأبدا السجين السابق المتهم بالمتاجرة بالممنوعات ..”
ردت بإنفعال :-
” لا يهم … لا يهم أي أحد .. لا يهم أي شيء … فليذهب الجميع الى الجحيم .. انت بريء وانت تدرك هذا جيدا … الناس والمجتمع لن ينفعوك بشيء ولن يرفعوا من قيمتك إذا تقبلوك وتغاضوا عن أمر سجنك .. الأهم من كل هذا هو انت وكيف تثبت نفسك من جديد ..؟!”
انتفض من مكانه مرددا بغضب مكتوم :-
” لا أستطيع .. لا يمكنني العمل هنا ولا إثبات أي شيء ما دمت أمتلك سجلا أسودا .. هل تعلمين إنني تراجعت عن مشروعي مع صديقي وسام ..؟! هل تعلمين لماذا ..؟! لإن وضعي كسجين سابق وسمعتي التي تدمرت ستجعل الجميع يرفض التعامل معنا .. وهذا ما حدث بالفعل وما أدركته لهذا فضلت الإنسحاب من المشروع خاصة إن وسام لا يستحق أن يخسر أمواله في مشروعه الذي يحلم به طويلًا بسببي ..”
تطلعت إليه بصدمة مما تسمعه .. هي لا تصدق ما تسمعه ولا تصدق إنه أخفى الموضوع عنها ..
نهضت من مكانها تتقدم نحوه تقبض على ذراعه بلين وتسأله :-
” لماذا لم تخبرني ..؟! ”
رد بملامح محتقنة :-
” بماذا سأخبرك يا حياة ..؟! سأخبرك بإنني فشلت في اولى محاولاتي قبل أن أبدأ بها حتى ..؟! سأخبرك إنني سمعت بإذني احد العملاء يرفض منحنا رخصة المشروع فقط بسبب وضعي كسجين سابق ويتحدث بكل وضوح عن عدم موافقة اي شخص على التعامل مع رجل بماضي كالذي أمتلكه …؟!”
” كان يجب أن تخبرني .. كان يجب أن أعلم ..”
قالتها بصعوبة قبل أن تردد بسرعة :-
” لا بأس .. ليس مهما ابدا ..”
قاطعها بجمود :-
” هل فهمت الآن لماذا قررت السفر الى الخارج ..؟! هل أدركت سبب رغبتي تلك ..؟! هذه البلاد لا تناسبني وما حدث معي في الماضي سيظل يلاحقني الى الابد .. ”
” أنا آسفة .. آسفة لإنني لم أفهمك .. آسفة لإنني فكرت بطريقة ليست صحيحة ..”
هتف بجدية :-
” انتِ فكرتِ بطريقتك المعتادة .. بمشاعرك البريئة النقية .. وتناسيت إن ليس الجميع مثلك .. انت لم تهتمِ حتى بالموضوع فقط لإنك تثقين ببرائتي .. اما البقية فهم لا يصدقون إنني بريء وانا لا يمكنني لومهم ..”
” وحتى لو لم تكن بريء .. نعم أنا أثق ببرائتك .. لكن هناك من يرتكب الأخطاء في بداية حياته .. هناك من يرتكب أخطاء ويعاقب عليها .. هل نستمر طوال الوقت في محاسبة الجميع على أخطائهم السابقة حتى لو انتهت بل حتى لو عوقبوا بسببها ..؟! هل نستمر في إدانة المذنب ونرفض وجوده بيننا بل نحطم أي محاولة له بإصلاح نفسه لأجل خطأ حدث وانتهى وهو أدرك خطأه ويريد معالجته … ؟!”
كانت تتحدث بإنفعال وهي تفكر إنه لا يحق لأي شخص أن يحاسب الآخرين على أخطائهم طالما انتهت وهم أدركوا مقدار خطئهم ولم يكرروه ..
” هذا هو مجتمعنا يا حياة .. هذا هو الواقع الذي نعيش فيه .. ما تتحدثين عنه فلا يفكر به سوى القليل جدا .. قليل جدا من يفكر مثلك يا حياة ..”
قالها بنبرة يائسة لتهتف بصوت متحشرج وشعرت بدموع خفيفة تملأ مقلتيها :-
” هذا المجتمع غبي وعقيم .. مجتمع متخلف ولهذا سيظل مكانه ثابتا لا يتقدم … ”
أغمضت عينيها بأرهاق بينما شعر هو بإرهاقها فهتف بسرعة وإقتضاب :-
” دعينا نغادر فأنا تعبت حقا اليوم ..”
هزت رأسها متفهمة وقد شعرت برغبته الصريحة في العودة الى شقته والإنفراد بنفسه قليلا …
تعلم مدى صعوبة ما قاله وإنه تسرع فيما تفوه به ..
اتجهت نحو القفص تحمله وهي تردد بخفوت :-
“هيا بنا اذا ..”
ثم سارت أمامه متجهة نحو سيارته وهي تشعر بإن عليها أن تعاود التفكير من جديد في أمر السفر فما سمعته اليوم كان كافيا لمراجعة قرارها في الأمر ..
…………………………………………………………..
كانت تتقدم بسيارتها نحو بوابة الفيلا الخارجية عندما وجدت ضوء سيارته يقتحم رؤيتها فتوقفت لا إراديا مكانها قبل أن تفتح باب سيارتها وتهبط منها متجهة إليه والذي هبط بدوره من سيارته يتقدم نحوها وملامحه رغم هدوئها بدت منزعجة ..
” شريف .. ماذا تفعل هنا في هذا الوقت ..؟!”
سألته غالية بدهشة ليرد ببساطة :-
” أنتظرك منذ حوالي ساعة لأتحدث معك ..”
شعرت بالإرتباك قليلا فسألته وهي تمحي إرتباكها تماما :-
” ماذا حدث يا شريف ..؟! هل هناك مشكلة ما ..؟!”
هتف بصوت جاد للغاية :-
” أنت تعلمين ماذا هناك يا غالية فلا داعي لهذا الإسلوب المراوغ الذي لا أحبه ولا يناسبك انت تحديدا ..”
ردت من بين أسنانها :-
” انا لا أراوغ يا شريف .. قل ما لديك من فضلك فوقوفنا هكذا في هذا الوقت تحديدا غير مناسب على الإطلاق …”
أخذ نفسا عميقا ثم قال :-
” حسنا سأتحدث بوضوح .. لقد خطبتك يا غالية .. أخبرت والدتكِ برغبتي بالزواج منك وانتِ رفضت .. هذا ما أخبرتني به والدتك … ”
توقف عن حديثه يلاحظ تجهم ملامحها ليضيف متسائلا بهدوء مصطنع :-
” هل يمكنني أن أعرف سبب الرفض ..؟! ”
ردت غالية بدهشة :-
” عفوا ..؟! ماذا يعني تريد معرفة سبب الرفض ..؟! انا رفضتك وانتهى الأمر ..”
” بالتأكيد هناك سبب يا غالية .. وأنا من حقي كرجل تقدم لخطبتك أن أفهم سبب رفضك ..”
كان يتحدث بقوة وثبات لتزفر نفسا عميقا ثم تهتف بجدية :-
” حسنا سأخبرك .. هناك اكثر من سبب .. أولهم إن طلبك كان مفاجئا وغير متوقعا بالنسبة لي وبالتالي فكرة الزواج منك بدت غريبة بالنسبة لي بل غير منطقية ..”
ردد بدهشة :-
” غريبة وغير منطقية ..؟! لماذا يعني ..؟! انا ابن عمك وأريدك منذ سنوات ولا تخبريني إنك لم تلحظي يوما رغبتي في الإقتران بك ولم تنتبهي الى مشاعري نحوك ..”
كان اعترافا غير مباشرا بكونه يحبها وهذا بحد ذاته ضاعف من ضيقها وتوترها ..
ردت مدافعة عن نفسها :-
” هذا كان في الماضي .. منذ سنوات .. كنت حينها في سنواتي الجامعية الاولى وانت على وشك التخرج … لكنك لم تصرح بشيء يا شريف .. انت سافرت بعدها وبقيت في الخارج لسنوات .. ماذا يفترض بي أن أفعل ..؟! أنتظرك حتى تعود وتتكرم علي وتخطبني فقط لإنني شعرت يوما ما بإعجابك ..؟!”
حل الصمت المطبق بينهما للحظات .. لحظات طويلة وكلاهما ينظر الى الآخر بقوة ..
كان يتأملها وملامحها فائقة الجمال ينعكس عليها ضوء القمر فبدت تتنافس مع القمر بحسنها وبهائها ..
كان عاشقا لها منذ سنوات .. منذ الطفولة ربما ..
وقبل سفره في سنواته الجامعية الأخيرة بدأ يحاول جذب انتباهه كي تشعر به وبما يحمله نحوها ..
لكن خطأه إنه لم يتخذ خطوة واضحة معها .. نعم الآن أدرك مدى خطأه .. كان عليه أن يخطبها رسميا .. بل كان عليه أن يتزوجها ويأخذها معه الى الخارج ليكمل دراسته هناك وهي معه لكنه إنشغل بتلك المنحة والتي كانت فرصة ذهبية في وقتها لا يمكن رفضها فإنطلق في مجال عمله كطبيب يرغب في دراسة أحد أصعب التخصصات الطبية متناسيا أي شيء عدا طموحه …
” ربما تصرفي كان خاطئا بالفعل لكن تأكدي إنني كنت مقررا التقدم لخطبتك ما إن أحصل على شهادة البورد العالمية رسميا …”
ردت بنبرة ساخطة قليلا :-
” هذا لم يعد مهما يا شريف .. ”
” ماذا تعنين ..؟!”
سألها بضيق لترد بصوت جاف :-
” انا اسفة حقا .. لكنني لست موافقة على طلبك فإضافة الى ما قلته هناك سبب ثاني أيضا يمنعني من الموافقة ..”
” ما هو السبب الثاني ..؟!”
سألها بتحفر لترد بفتور :-
” هناك آخر سبقك وتقدم لخطبتي وانا أريده وموافقة عليه ..”
اهتزت حدقتاه للحظات قبل أن يهتف بصوت مبحوح محاولا إخفاء ألمه :-
” فهمت .. ”
أضاف بسخرية لا تخلو من المرارة :-
” إذا هناك من سبقني إليك يا غالية ..”
أومأت برأسها دون رد ليتحدث بصوت بارد لا حياة فيه :-
” مبارك لك إذا وأعتذر عن أي إزعاج تسببت لك به …”
انسحب بعدها فورا بينما توقفت هي في مكانها تشعر بضيق وألم مما حدث لكن الصراحة ستظل أفضل من أي شيء وإن كانت جارحة قليلا فهو لا يستحق أن تمنحه أي أمل في إرتباطهما وهو عليه أن يدرك إن إرتباطها بآخر بات قريبا جدا ..
……………………………………………………………..
جلست حنين بجانب حياة على سريرها الصغير تتأمل أختها التي تجلس في منتصف السرير تضم فخذيها الى صدرها وملامحها شاردة تماما منذ أن عادت قبل حوالي ساعة ..
سألتها وهي تتربع في جلستها :-
” ماذا هناك يا حياة ..؟! منذ عودتك قبل ساعة وأنتِ على هذه الحالة … هل حدث شيء ما معك ..؟! هل تشاجرت مع نديم ..؟!”
إلتفتت حياة نحوها وردت بفتور :-
” كلا لم نتشاجر ولكن حدث شيئا مهما ..”
” ماذا حدث ..؟!”
سألتها حنين بإهتمام بعدما إعتدلت في جلستها لتجيب حياة :-
” انا بحاجة الى التفكير بأمر السفر بشكل جدي …”
” ألم تفكري مسبقا بل ورفضتي عرض نضال ..؟!”
سألتها حنين بتعجب لترد حياة بسرعة :-
” لا أتحدث عن المنحة التي جلبها نضال .. أتحدث عن السفر الى الخارج مع نديم ..”
سألت حنين بتعجب :-
” سفر مع نديم ..؟! هل نديم يخطط للسفر ..؟!”
تنهدت حياة ثم بدأت تخبرها بفكرة نديم في السفر سويا الى الخارج حيث يعمل هو هناك وتنهي بدورها دراستها ثم تقدم على الدراسات العليا …
قالت حياة تكمل حديثها :-
” الوضع هنا لا يناسبه ابدا .. انت تعرفين مجتمعنا وكيف يتعامل مع من هم مثله .. السفر في بلاد بعيدة والتعامل مع ناس غرباء تماما هنا سيساعده كثيرا …”
سألت حنين بجدية :-
” وماذا عنك ..؟! وماذا عن دراستك ..؟! أنت حتى لم تكملي دراستك هنا ..؟!”
ردت حياة بسرعة :-
” السفر سيكون لصالحنا نحن الاثنان .. فأنا سأحصل على الفرصة للتخرج من جامعة أجنبية معروفة وفرصة لإكمال دراستي هناك .. لا يمكننا أن ننكر إن مقترح المنحة الذي جاء به نضال كان مغريا جدا وفرصة ذهبية بالنسبة لي ولولا تصرفاته وغموضه كان من الممكن أن أوافق فعرض كهذا لا يرفض ..”
صمتت حنين بينما اكملت حياة بجدية :-
” سفري مع نديم ودراستي هناك لا يختلف كثيرا عن المنحة .. الفرق إن دراستي ستكون على حسابي الشخصي .. نديم سيتكفل بكل شيء ..”
أضافت بتردد :-
” في الحقيقة هذا أكثر ما يزعجني .. فأنا لم أكن أرغب بأن يتكفل أحد مصاريف دراستي ..”
” عفوا ..؟! أعيدي ما قلته .. انت سوف تسافرين معه وتتركين جامعتك وحياتك هنا وفي المقابل تشعرين بالضيق لإنه سيدفع مصاريف دراستك .. ؟! هل انت مجنونة يا حياة ..؟! ”
قالتها حنين بعدم تصديق لتسأل حياة بتردد :-
” ماذا تقصدين يا حنين ..؟!”
” قصدي واضح يا حياة .. اذا كان السفر لصالحك فعلا فلا بأس أن تسافري ولكن عليكِ التفكير جيدا قبل إتخاذ قرارك النهائي .. انت سوف تتركين جامعتك وحياتك هنا وتسافرين معه .. مستقبلك بالكامل سيصبح مرتبطا به .. انا لا أقول إنه لا يستحق أن تضحي قليلا لأجله لكن التضحية هذه المرة الكبيرة وأنت يجب أيضا أن تفكري في وضعك وتؤمني مستقبلك جيدا …”
” لا أعلم يا حنين .. انا حائرة للغاية ومترددة … هل تظنين إنني لست خائفة من تبعات قراري اذا وافقت ..؟! انا خائفة بالطبع ولكن نديم شخص جيد وأنا أثق به رغم كل شيء ..”
” بإمكانك أن تثقي بنديم قدر ما تشائين لكن لا تثقي بالظروف نفسها يا حياة ..”
صمتت حياة تماما وأخذت توازن الأمور في عقلها مجددا ..
منطقيا السفر سوف يفيدها ولن يضرها .. فهي ستنهي دراستها في الخارج وتحصل على شهادة تخرج من جامعة عالمية وليست محلية ومعترف بها دوليا ..
ستكون لديها فرصة كبيرة وربما هناك يهتمون بها أكثر وبطاقتها العلمية الواضحة والتي تحدث عنها الكثير من أساتذتها مسبقا لكن ماذا لو حدث ما تخشى منه ..؟!
ماذا لو لم تستطع الإستمرار مع نديم ..؟!
ماذا لو إنفصلا بعد مدة ..؟!
كيف سيكون الوضع حينها …؟! وكيف ستتصرف ..؟!”
التفتت حياة نحو اختها تقول بجدية :-
” اذا نظرنا الى جانب إكمال دراستي في الخارج فهو أمر جيد للغاية … فالشهادة التي سأحصل عليها من هناك سيكون معترف بها دوليا … وبالتالي السفر سيصب لصالحي انا ايضا …. ولكن هناك مشكلة واحدة ..؟!”
” مشكلة ماذا ..؟!”
سألتها حنين بترقب لترد حياة بجدية :-
” ماذا لو لم يستمر زواجنا ..؟! أقصد يعني ماذا لو حدث وإنفصلنا لا سامح الله ..؟! كيف سأنهي دراستي حينها ..؟!”
نظرت حنين اليها بصمت للحظات قبل ان تقول بجدية :-
” انت ستتزوجينه بالطبع اذا وافقت على السفر معه .. وانت تفكرين في نفس الوقت إن زواجكما قد لا يستمر .. هل تفكرين حقا إنه من الممكن أن تنفصلا قبل عام من زواجكما ..؟! ”
ردت حياة بسرعة :-
” انتِ قلتها بنفسك …. لا يمكنني الوثوق بالظروف ولا أحد يعلم ماذا يخبئ القدر لي هناك ..”
ضما حنين شفتيها للحظات قبل أن تقول بجدية :-
” برأيي ألا تفكري بهذه الطريقة .. لا تفكري منذ الآن فيما سيحدث إذا ما إنفصلتما لا سامح الله .. انت فقط فكري في وضعك الدراسي والأفضل لكِ … هل السفر سوف يناسبك …؟! هل سيكون جيدا لك ..؟! ”
هزت حياة رأسها ورغما عنها تذكرت نديم وما قاله ..
نديم يحتاج السفر .. يحتاج الى الإبتعاد عن عنها ورغم عدم قناعته بسفره الذي تعتبره هروبا لكنها تتفهمه وتتفهم سبب رغبته بالسفر خارجا خاصة بعدما أخبرها به ..
هي تريد الموافقة بل تشعر إن السفر قد يكون لصالحهما … ليس فقط من الجانب العملي والدراسي بل من جانبهما الشخصي ايضا … ربما وجودهما سويا في الخارج حيث بلاد جديدة وناس جدد سيطور من علاقتهما نحو الافضل .. بكل الأحوال هي لن تخسر شيئا فهي وافقت على الإرتباط به و أرادت بحق المحاربة لأجل كسب قلبه لذا فلا توجد مشكلة إن سافرا سويا بل على العكس تماما هناك سوف يزداد قربهما من بعضهما وربما يحدث ما تتمناه ويتعلق قلبه بها ..!!
تنهدت بتعب وهي تشعر برأسها يكاد ينفجر من كثرة الأفكار داخله فوضعت رأسها لا إراديا على المخدة وأغمضت عينيها لتشعر بحنين تنهض من جانبها وتخرج من الغرفة بعدما أطفأت الضوء لتفتح عينيها مجددا تتأمل الظلام الدامس هذه المرة بصمت وعقل عاد يفكر مجددا ويبحث عن القرار المناسب ..
……………………………………………………………
في صباح اليوم التالي
تقدمت أحلام من أشرف الذي كان يجلس على كرسيه المعتاد يتناول قهوته ويحمل بيده جريدة الصباح اليومية يقرأ بها بتمعن ..
وقفت بجانبه تردد وهي تحمل هاتفها :-
” حنين اتصلت بي وأخبرتني إنها قادمة مع حياة لتناول الإفطار معنا ..”
” اهلا بهما ..”
قالها وهو يبتسم بهدوء قبل أن يتسائل :-
” هل نضال ما زال نائما ..؟!”
هزت أحلام رأسها وهي تجيبه :-
” نعم ما زال نائما ..”
اومأ أشرف برأسه متفهما عندما سمع الاثنان صوت رنين جرس الباب فتقدمت أحلام نحو الباب تفتحها بعدما أشارت للخادمة إنها ستفتح الباب بنفسها …
فتحت الباب لتتفاجئ بهايدي أمامها والتي إبتسمت بعذوبة وهي تلقي تحية الصباح :-
” مرحبا زوجة عمي .. كيف حالك ..؟!”
بالكاد سيطرت أحلام على دهشتها وهي تجيبها :-
” اهلا هايدي .. الحمد لله بخير ..”
ثم أفسحت لها المجال لتتقدم :-
” تفضلي ادخلي .. عمك في الداخل ..”
” لقد أتيت لأجله أصلا ..”
قالتها وهي تبتسم لها قبل أن تتقدم بخطواتها الواثقة متجهة الى صالة الجلوس الداخلية تتابعها نظرات أحلام المندهشة من قدوم هايدي الى منزلهم فعائلة أخ زوجها لا يقوموا بزيارتهم إلا نادرا وفي المناسبات الرسمية فقط وما زاد من تعجبها إبتسامة هايدي اللطيفة والتي لا تشبهها على الإطلاق ..
هايدي المتعجرفة التي تتعامل مع الجميع بفوقية وترفع تبتسم لها وتحييها بهذه الطريقة اللطيفة ..
كان شيئا مدهشا وغير متوقعا ابدا ..
اما هايدي فتقدمت نحو عمها وهي تهتف بمرح :-
” صباح الخير عمي العزيز …”
أغلق أشرف الجريدة ووضعها جانبه ثم خلع نظارته وهو يبتسم ويرد تحية ابنة اخيه :-
” اهلا هايدي حبيبتي … كيف حالك ..؟!”
انحنت نحوه تقبله من وجنتيه وهي تردد :-
” اشتقت لك يا عماه فجئت لأراك اليوم …”
ابتسم أشرف مرددا رغم دهشته الخفية :-
” اهلا بك حبيبتي .. أنرتنا بوجودك ..”
أضاف مشيرا الى أحلام التي تقدمت نحويهما :-
” أخبري الخادمة أن هادي ضيفتنا اليوم على الفطور .. نحن ننتظر حنين وحياة .. ما إن يصلان حتى نخرج الى الحديقة لتناول الفطور ..”
هتفت هايدي بسرعة تدعي الخجل :-
” أشكرك يا عمي .. لكنني تناولت فطوري مبكرا وجئت فقط لرؤيتك فقد مر وقت طويل على قدومك آخر مرة الى منزلنا ..”
أضافت وهي تشير الى أحلام تسألها بنبرة مهتمة غير معتادة منها :-
” كيف هو وضعك الصحي يا زوجة عمي ..؟! هل أصبحتِ أفضل الآن ..؟!”
ردت أحلام وهي تبتسم برسمية :-
” الحمد لله .. انا الآن أفضل بكثير …”
أضافت وهي تشير الى زوجها :-
” سأذهب وأتفقد طاولة الإفطار ..”
اومأ أشرف برأسه قبل أن يلتفت نحو ابنة أخيه يسألها بإهتمام :-
” أخبريني يا هايدي … كيف حالك وحال نانسي ..؟! وكرم كيف حاله ..؟! ألن يأتي الى البلاد هذه العطلة ..؟!”
ردت هايدي بسرعة :-
” انا ونانسي بخير .. كرم لا ينوي العودة الى البلاد .. سيبقى هناك حتى ينهي سنته الأخيرة …”
هز أشرف رأسه متفهما عندما انتبه الاثنان الى نضال الذي كان يهبط درجات السلم بملابسه الرياضية البسيطة عندما أشار له أشرف بسرعة :-
” تعال يا نضال .. انظر من عندنا .. هايدي ابنك عمك ..”
تقدم نضال نحويهما بملامحه الباردة وألقى التحية بجمود :-
” صباح الخير ..”
نظرت هايدي بسرعة تمد يدها نحو وهي تبتسم برقة بعدما نهضت من مكانها :-
” اهلا نضال .. كيف حالك .. ؟! حمد لله على سلامتك .. أعلم إنه مر وقت طويل على عودتك لكنني لم أرك منذ عودتك حتى اليوم ..”
” اهلا بك .. شكرا لك ..”
قالها بصوت مقتضب وهو بالكاد يلمس كفها بينما سأل والده :-
” هل الفطور جاهز ..؟!”
سمع صوت أحلام وهي تقول :-
” مائدة الطعام جاهزة فقط ننتظر حنين وحياة فهما في طريقهما الى هنا …”
قال أشرف بسرعة مشيرا إليه :-
” بإمكانك أن تتناول فطورك قبلنا إذا كان لديك موعد هام ..”
رمقه نضال بنظراته مرددا بتحدي خفي بينهما :-
” بل سأبقى وأشارككم الفطور .. ”
سمع الجميع صوت جرس الباب يرن مجددا فقالت أحلام بسرعة وهي تتجه نحو الباب بسعادة :-
” ها قد وصلتا ..”
بينما سألت هايدي بتعجب :-
” من حياة تلك يا عمي ..؟!”
رد نضال نيابة عن والده :-
” ابنة أحلام وأخت حنين ..”
هزت رأسها بتفهم وعادت تصطنع الإبتسامة عندما وجدت حنين تتقدم بمرحها المعتاد تتبعها حياة التي تراها للمرة الأولى …
تطلعت حنين الى هايدي بدهشة واضحة لاحظتها الأخيرة التي تقدمت نحو حنين تبتسم لها وهي تحييها :-
” حنين ، كيف حالك ..؟!”
بادلتها حنين إبتسامتها رغم دهشتها وهي تجيب :-
” اهلا هايدي .. انا بخير .. انت كيف حالك ..؟!”
ردت هايدي برقة :-
” انا بخير الحمد لله ..”
أشارت حنين الى حياة تعرف هايدي عليها :-
” هذه حياة يا هايدي .. أختي من والدتي … ”
أكملت وهي تشير الى هايدي :-
” هايدي يا حياة .. ابنة عمي ..”
تبادلتا الفتاتان التحية قبل أن تسمع حياة نضال يحييها :-
” كيف حالك يا حياة ..؟!”
ردت حياة وهي تبتسم بشكل مقتضب :-
” بخير الحمد لله ..”
هتفت أحلام بجدية :-
” هيا الى الحديقة فالمائدة جاهزة ..”
سار الجميع نحو المائدة حيث أحلام اول المتقدمين نحو المائدة تتبعها حنين التي تتأبط ذراع حياة والتي أتت الى المنزل مرغمة بعد إصرار حنين وبعدها نضال تتبعه هايدي مع عمها ..
جلس الجميع على المائدة حيث ترأس أشرف المائدة وعلى جانبه الأيمن جلست أحلام وابنتيها حياة ثم حنين وعلى الجانب الأيسر جلس نضال وجانبه هايدي ..
تقدمت الخادمة تصب للجميع ما يفضلونه من مشروب مع طعام الفطور فبدأ الجميع يتناول طعامه بإستثناء هايدي التي اكتفت بقهوتها المرة كما تفضلها بالعادة ..
قالت حنين تتسائل :-
” مر وقت طويل على آخر مرة أتيتِ بها الى هنا يا هايدي .. بالأحرى مرت سنوات على ما أظن ..”
ابتسمت هايدي بتصنع وردت :-
” معك حق يا حنين .. لكن ماذا أفعل ..؟! الدراسة أخذت معظم وقتي .. لكن اليوم رغبت في رؤية عمي فقد مر وقت طويل على آخر مرة رأيته به وأيضا لدي موضوع هام أرغب أن أستشيره به ..”
ابتسمت حنين بإستخفاف بينما هتف أشرف وهو يبتسم لها :-
” انت مرحب بك في كل وقت يا هايدي .. هذا يعتبر منزلك ايضا يا حبيبتي ..”
كانت حياة تخفض رأسها نحو الأسفل تبتعد بأنظارها عن نضال الذي يحاصرها بنظراته منذ مجيئها ..
سمعت أشرف يشير الى هايدي مجددا :-
” وبشأن الموضوع الذي أتيتِ لأجله ، يمكننا التحدث على انفراد بعد الإنتهاء من تناول الطعام ..”
قالت هايدي بسرعة :-
” كلا يا عمي ، الموضوع ليس سريا ابدا .. فقط هناك عرض من احدى الشركات في الخارج للعمل هناك وانا أحببت أن أستشيرك بشأن العرض …”
سألها أشرف بإهتمام :
” هذا أمر جيد مبدئيا .. ما إسم الشركة وأين موقعها ..؟!”
ابتسمت وهي تعطيه اسم الشركة ثم تخبره بموقعها :-
” الشركة تقع في كندا يا عمي .. إنها من أكبر وأضخم الشركات هناك ..”
رفعت حنين حاجبها تردد بخفة :-
” ما قصة كندا وعروضها معنا لا أفهم ..؟!”
سأل أشرف ابنه نضال بجدية :-
” هل تعرف هذه الشركة يا نضال ..؟!”
رد نضال وهو يرتشف القليل من فنجان قهوته :-
” بالطبع أعرفها .. إنها شركة ضخمة وسبق وإن جمع بينها وبين الشركة التي أعمل بها عدة أعمال مشتركة ..”
قالت هايدي وهي تلتفت له تسأله بحماس :-
” حقا يا نضال ..؟! هل هي شركة جيدة يعني ..؟! وهل تنصحني بقبول العرض ..؟!”
رد نضال وهو يحرك الطعام بشوكته دون أن ينظر إليها :-
” نعم هي شركة جيدة جدا .. اما بشأن قبولك العرض من عدمه فهذا الأمر يخصك وحدك وأنتِ من تقررين الأفضل به ..”
قالت بسرعة :-
” انا فقط مترددة من فكرة الإستقرار في الخارج بعيدا عن هنا .. خاصة في كندا .. فأنا لا أعرف البلاد هناك أبدا ولا أمتلك أقارب هناك ..”
قال أشرف بعفوية :-
” هل يعقل ما تقولينه يا هايدي ..؟! نضال مقيم في كندا منذ اعوام … بإمكانه أن يساعدك متى ما أردتِ …”
ابتسمت هايدي وهي ترمق نضال بنظراتها بينما ارتشف نضال آخر رشفة من قهوته قبل أن ينهض من مكانه مستأذنا :-
” انا سأصعد الى غرفتي فلدي مكالمات مهمة يجب أن أنجزها قبل الظهر ..”
ثم تحرك بعيدا تاركا هايدي تكاد تغلي من الغضب من تجاهله الصريح لها بل تجاهل حديث والده أيضا لكنها أخفت غضبها بنفس الإبتسامة التي ترسمها على وجهها منذ أن جائت وحتى الآن ..
…………………………………………………………..

تقدم فراس نحو عائلته المجتمعة على مائدة الطعام ملقيا التحية قبل أن يجلس على كرسيه الموضوع بجانب والدته التي تترأس الطاولة بينما يقابله فادي أخيه على الجهة الأخرى وجانبه أختهما الصغرى لجين ..
سأل بإهتمام يتأمل كرسي ابنه الفارغ :-
” أين تميم ..؟! لماذا لا يتناول فطوره معنا ..؟!”
ردت باسمة والدته :-
” ما زال نائما .. تميم لا يستيقظ قبل الحادية عشر صباحا … لكنكِ بالطبع لا تدرك هذا فأنت لديك أشغال أهم من ولدك …”
توقف فراس عن تناول الطعام وإلتفت نحوها يسألها بضيق :-
” ما مناسبة هذا الكلام الآن ..؟!”
لكن والدته كانت غاضبة منه أساسا بعدما علمت ما فعله بعهد فقالت بصوت عصبي للغاية :-
” كيف تجرؤ وتفعل ما فعلته ..؟! كنت انتظرك منذ اول البارحة لكنك لم تعد حتى مساء البارحة متأخرا … كيف تجرؤ وتتصرف هكذا مع زوجتك السابقة وأم إبنك …؟!”
رد ببرود وهو يشيح بوجهه بعيدا عنها :-
” انا حر يا أمي .. حر فيما أفعله معها ولا يحق لأي أحد أن يتدخل بتصرفاتي ..”
ضربت باسمة سطح الطاولة بقبضتي يديها وهي تردد بعصبية :-
” كلا لست حرا ولن تكون .. تلك التي ضربتها وأهنتها هي أم ولدك الوحيد أم نسيت هذا أيضا ..؟!”
” هي من تجاوزت حدودها معي ..”
قالها من بين أسنانه لترد بقوة :-
” حتى لو .. تظل إمرأة ومن العيب أن تستقوي عليها .. وفوق كل هذا أم ولدك .. انا لا أفهم كيف أتصرف معك .. انا تعبت حقا منك ومن عنادك وتجبرك …”
قال فادي محاولا تهدئتها :-
” أمي إهدئي من فضلك ..”
انتفضت باسمة تردد بغضب :-
” لا تقل اهدئي .. انا مللت من هذا الوضع ومللت من أفعال أخيك الغير متزنة .. ”
أضافت تشير الى فراس متجاهلة وجهه المحتقن غضبا :-
” مللت من غرورك وأنانيتك … لا تفكر سوى بنفسك .. حتى ولدك لا تفكر به ..”
انتفض فراس من مكانه مرددا وهو يشير الى نفسه بعدم تصديق :-
” انا لا أفكر بإبني .. انا يا أمي …”
” نعم أنت .. يكفي أنك تحرمه من والدته منذ سنوات ..”
قالتها بقوة ليرد بنرفزة :-
” والدته هي من تخلت عنه ..”
” لم تتخلَ عنه وانت تدرك ذلك جيدا .. اتقي الله يا فراس .. ما تزرعه ستحصده يوما لا محالة وهاهو ابنك رغم كل شيء ما زال يريد والدته ويحبها بينما نفوره منك يزداد كل يوم أكثر ..”
هتف فراس بضيق :-
” انت غاضبة مني منذ أن أخبرتك بأمر زواجي …”
ردت بقوة :-
” زواجك بأكمله لا يهمني .. انا لست راضية عن زواجك لكن لا سلطة لي كي أمنعك .. ما يهمني هو حفيدي .. تميم كل ما يهمني ولا شيء سواه ..”
” انا لا أفهم لماذا ترفضين زواجي مجددا لهذه الدرجة ..؟!”
سألها بعدم تصديق لترد بتعنت :-
” أرفضه رفضا قاطعا ولن أقبل به أبدا … تريد الزواج لك ما شئت لكن أنا لن أعترف بهذه الزيجة مهما حدث ..”
هز رأسه بعدم تصديق قبل أن يقول بقوة وعناد :-
” سأتزوجها .. شئتم أم أبيتم سأتزوجها ولا أحد سيمنعني عن ذلك ..”
اندفع بعدها خارج المكان لتغمض باسمة عينيها بتعب وهي تتراجع الى الخلف لا إراديا فسمعت لجين تسألها بقلق :-
” ماما ، هل انت بخير ..؟!”
هزت باسمة رأسها دون رد بينما قال فادي بجدية :-
” ما كان عليكِ أن تتصرفي هكذا معه .. العناد لن يجلب نتيجة مع فراس تحديدا ..”
” هل تريدني أقبل بزواجه مجددا يا فادي ..؟!”
سألته باسمة بعدم تصديق ليرد فادي بجدية :-
” بكل الأحوال سينفذ ما يريده .. قبولنا بالأمر الواقع سيكون أفضل من وجهة نظري .. ومن يعلم ربما تنجح زيجته هذه المرة ..”
نظرت باسمة له بإستنكار فقال فادي مضيفا :-
” فكري في كلامي جيدا وستجدين إن كلامي هو المنطق الوحيد المناسب لشخص كفراس ..”
نهض بعدها مستأذنا الذهاب الى عمله تاركا والدته تفكر في حديث فادي رغما عنها قبل أن تهز رأسها معترضة محاولة إبعاد هذه الأفكار عنها فهي لن تقبل بأمر زواج فراس مجددا مهما حدث ..
…………………………………………………………..

أخرج هاتفه الذي يرن بإستمرار من جيبه ليندهش لا إراديا من إسمها الذي يضيء الشاشة فيجيب من بين أسنانه :-
” وتتصلين بي بكل وقاحة وصلافة يا ليلى ..”
جاءه صوتها البارد على غير العادة :-
” هناك حديث هام بيننا ومشاريع مؤجلة وإتفاقيات .. يجب أن نلتقي اليوم لننهي موضوع شيكات والدي فوالدي منحني حق إدارة الشركة رسميا ..”
” إذا بعد الآن أنتِ مديرة المجموعة ..؟!”
قالها بنبرة لا تخلو من السخرية لترد عليه بصوت جاف :-
” نعم هذا ما حدث …”
أضافت بجدية :-
” يجب أن نلتقي يا عمار واليوم ايضا ..”
هتف بصوت ساخر :-
” ألا تخشي أن أصفعك عندما أراك اليوم يا ليلى ..؟!”
ردت بنفس البرود :-
” لم أعد أخشى من أي شيء يا عمار ..”
” واااو تطور رائع ..”
قالها بتهكمه المعهود ليسمع صوتها المحتقن يسأله :-
” متى سنلتقي ..؟!”
” لدي فقط ساعتين قبل أن أجتمع مع الوفد الفرنسي … يمكننا أن نلتقي الآن ..”
قالت بسرعة :-
” وانا متواجدة حاليا ايضا .. هناك مطعم قريب من شركتك .. دعنا نلتقي به ..”
أعطته اسم المطعم وإتفقا أن يلتقيا هناك بعد نصف ساعة وبالفعل وصل عمار الى هناك في الموعد المحدد ليجدها في انتظاره فجلس أمامها يرمقها بنظرات مليئة بالشر تجاهلتها هي بثبات وقالت :-
” أتيت في موعدك :.”
رد بفتور :-
” انا دائما ما ألتزم بالموعد المحدد …”
” لقد منحني والدي ملكية ما طلبته وإدارة الشركة والمحامي يعمل على توثيق كل شيء بشكل رسمي ..”
” جيد ..”
قالها بإقتضاب قبل أن يضيف :-
” والآن جاء دور الشيكات …”
قالت بسرعة وجدية :-
” كما اتفقنا مسبقا … ستطلب من والدي أن يحول بقية أسهم الشركة بإسمي وجميع أرصدة البنوك ايضا مقابل أن تمنحه الشيكات وطبعا في المقابل سنسجل شيكات جديدة بإسمي أنا .. الموضوع سيكون سرا بيننا وكما وعدتك سوف أسعى لتسديد المبالغ الموجوده في الشيكات خلال السنوات القادمة وفي أقصر مدة ممكنة ..”
ردد بغموض :-
” أمر الشيكات لا تقلقي بشأنه .. أخبرتك إنني لا أهتم لهذا الموضوع تحديدا ..”
” ولكنه حقك والمبلغ ضخم جدا .. هذه ملايين الدولارات ..”
قاطعها ببرود :-
” هذا بأكمله ليس مهما .. المهم حقا هو انت .. هل واثقة مما تطلبينه ..؟! أنتِ تعلمين إنني سأجبر والدك على التنازل بما تبقى له من أسهم وأملاك لك بحجة إنك زوجتي ولكن تصرف كهذا تبعاته لن تكون هينة …”
” لا يوجد لدي حل آخر يا عمار .. يجب أن أنقذ املاك والدي من يد تلك المرأة …”
قالتها ليلى بقوة ليبتسم بهدوء وهو يقول :-
” في الحقيقة لا أنكر إن ما تفعلينه هو الأفضل بالطبع .. فتلك المرأة ليست مريحة وطمعها واضح لا خلاف عليه ..”
” إذا ستنفذ ما أريد … ؟!”
سألته بلهفة ليبتسم بغموض وهو يجيب :-
” غدا سأكون عند والدك وأخبره بما إتفقنا عليه ..”
ابتسمت بتوتر مفكرة إنه حتى الآن كل شيء يجري كما تريد رغم خوفها من عمار الذي لا تستطيع أن تثق به بشكل كامل لكنها في نفس الوقت تعلم جيدا ماذا ستفعل إذا ما حاول أن يغدر بها فهي أيضا لديها ما يجعلها قادرة على الوقوف في وجهه إذا ما أراد إعلان الحرب عليها مجددا ..
……………………………………………………………
كانت تجلس على مكتبها في شركتها التي تملكها وتديرها بنفسها تستند بظهرها على الكرسي خلفها وعيناها تنظران الى السقف فوقها بشرود …
تشعر بألم شديد يخنقها كلما تتذكر ردة فعله على خبر حملها وهي التي تأملت للحظة أن يفرح بالخبر ..
تعرف إن أملها كان غبيا لكنها حاولت أن تمنح نفسها الأمل والشجاعة أيضا لإخباره بوضعها الجديد وحقيقة وجود طفله داخل رحمها وهاهو يرفض الطفل بكل قسوة ممكنة ويريدها أن تتخلص منه ..
عادت تحتضن بطنها بحماية وهي تعتزم مجددا على الحفاظ على طفلها فهي لن تتخلى عن هذا الطفل مهما حدث حتى لو إضطرت أن تسافر الى الخارج وتنجبه هناك وتمنحه كنيتها …
لن يكون الأمر صعبا أبدا وحتى عائلتها لن تهتم كثيرا فهم أعطوها حريتها كاملة ويتوقعون اي شيء منها وفي النهاية هذا طفلها وهي لها الحق وحدها في تقرير مصيره وإذا والده لا يريده فهي ستتمسك به وتنجبه وبإمكانها أن تمنحه الرعاية الكاملة …
نهضت من مكانها مقررة زيارة طبيبها الذي بدأت تراجعه من مدة قريبة عندما خرجت من مكتبها تشير الى سكرتيرتها :-
” إلغي جميع مواعيدي اليوم فأنا مرهقة للغاية وأحتاج الى الراحة ..”
ثم خرجت من شركتها متجهة بسيارتها الحديثة الطراز الى عيادة الطبيب الذي إستقبلها مرحبا بها قبل أن يبدأ بفحصها من خلال جهاز السونار ..
” هذا طفلك يا مدام بوسي … ”
قالها الطبيب وهو يشير الى تلك الكتلة الصغيرة والتي تظهر بشكل غير واضح خلف الشاشة لتبتسم بوسي بسعادة لا مثيل لها وقد تناست في تلك اللحظة عمار ورفضه وما فعله وكل شيء فسعادتها بطفلها تغلبت على أي شيء ثاني ..
بعدها جلست أمام الطبيب تسأله عن أحوال حملها حيث أخبرها بصوته الرزين :-
” الحمل جيد للغاية ومستقر تماما .. طبعا ستكملين شعرك الثالث بعد عشرة أيام .. ما زلت في البداية لكن جميع الفحوصات والتحاليل تبشر بحمل سليم لا خوف عليه أبدا …”
ابتسمت بوسي وهي تشكره بسعادة قبل أن تأخذ منه صور السونار وتخرج من العيادة بملامح مبتهجة …
عادت الى شقتها حيث خلعت ملابسها وأخذت حماما دافئا قبل أن تصنع الطعام لها والذي يحوي على بعضا من المواد الغذائية الذي نصحها الطبيب بها ..
انتهت من تناولت طعامها ثم اتجهت الى غرفة نومها مقررة الحصول على قسطا من الراحة حيث غطت في نوم عميق بعد لحظات قليلة ويديها ما زالتا تحيطان بطنها بشكل لا إرادي ..
………………………………………………………….

كانت تسير متجهة نحو سيارتها التي ركنتها في الكراج الخلفي للمطعم بعدما ودعت صديقتها وقد قاربت الساعة العاشرة مساءا ..
شعرت بأصوات أقدام تسير خلفها فدب الخوف لا إراديا داخلها وقد شعرت إن هناك من يلاحقها في هذا الكراج الذي كان خاليا من أي شخص سواها فإلتفتت بسرعة الى الخلف لتشهق بفزع وهي تراه أمامها وقبل أن تصرخ كان يكمم فمها ويجذبها داخل سيارته ويغلق الباب عليها قبل ان يتجه نحو الجهة الأخرى ويركب سيارته …
” ماذا تفعل انت ..؟!”
صرخت به وهي تحاول فتح الباب ليهتف بها :-
” اشتقت لك يا مريوم …”
” اخرجني من هنا حالا يا عمار ..”
قالتها بعصبية شديدة ليسألها غير مباليا بما تقوله او تفعله :-
” لماذا لا تجيبين على اتصالاتي طوال اليومين السابقين ..؟! ”
” اخرجني من هنا فورا ..”
قالتها بصوت مرتفع جهوري لينحني نحوها ويقبض على ذقنها مرددا بقوة :-
” هل كنت تظنين إنه بإمكانك تجاهل اتصالاتي حقا ..؟! ها قد جلبتك معي داخل سيارتي إجباري عنك .. لو كنتِ أجبتِ على مكالماتي وتوقفتي عن عنادك الغبي ما كان ليحدث كل هذا ..”
هتفت بنبرة مرتعشة قليلا :-
” اخرجني من سيارتك حالا يا عمار .. ”
لكن عمار لم يبالِ بها وهو يشغل سيارته ويقودها متجها خارج الكراج لتبدأ بالصراخ بأعلى صوتها قبل أن تقفز عليه تضربه في مختلف انحاء جسده عندما توقف على جانب الطريق بعد لحظات واستدار نحوها وصفعها بقوة على وجهها بشكل جعلها ترتد الى الخلف بوجه مفزوع ..
قبض على ذراعها بعدما أطفأ السيارة متجاهلا وجهها الذي شحب تماما وتلك البقعة الحمراء التي غطت جانبه مرددا بقسوة :-
” احترمي نفسك ولا تتصرفي كفتاة عديمة الإحترام والتربية .. هذه المرة اكتفيت بصفعة واحدة فقط … مرة أخرى سأفعل ما هو أكثر بكثير ..”
حرر ذراعها لتنكمش بجسدها الى الخلف بسرعة فيضيف بصوته المتسلط :-
” قريبا سأطلق ليلى يا مريم وبعدها سأتفرغ لك تماما …”
أكمل وهو يرمقها بنظرات باردة :-
” فأنتِ تحتاجين الى إعادة تربية كي تصبحين مؤهلة لتكونين زوجة عمار الخولي .،”
” في أحلامك يا عمار … لن أصبح زوجتك سوى في أحلامك ..”
قالتها وقد بدأت تستعيد وعيها وقوتها ليضحك عاليا وهو يردد :-
” مع عمار الخولي الأحلام تصبح حقيقة ..”
” انت مريض .. مهووس ومتملك … انت لا يمكن ان تكون إنسان طبيعي ..”
قالتها بصوت محتقر لتنكمش على ذاتها بذعر عندما وجدته ينحني نحوها يهمس وأنفاسه الحارة تلفح وجهها :-
” انا عاشق يا مريم .. عاشق لكل إنش بكِ .. انا مغرم بك حد النخاع ….”
همست بصوت مرتعش باكي :-
” ابتعد ارجوك .. لا تقترب مني ..”
ابتسم وهو يحرك أطراف أناملها على جانب وجهها :-
” لا تخافي مني يا مريم .. أنا آخر من يؤذيكِ … أنا أعشقك يا مريم وأي تصرف مجنون يصدر مني سببه عشقك الذي سيطر على قلبي وروحي …”
” انت لا تعشقني .. انت أساسا لا تحب أحد .. انت لا تحب سوى نفسك ..”
ضحك وقال :-
” نعم أنا أحب نفسي كثيرا .. لن أنكر هذا .. ولكنني أحبك انت ايضا ..”
هتفت بتوسل :-
” دعني اخرج من هنا يا عمار .. اتركني من فضلك …”
” لماذا تجاهلتِ مكالماتي ..؟!”
سألها وهو يسير بأنامله فوق جسدها فردت بتلعثم :-
” انا لم أنتبه على هاتفي ورقمك غير مسجل عندي ..”
ضحك وهو يسألها بإستخفاف :-
” هل تخافين أن تجيبين على الأرقام الغريبة يا مريوم ..؟!”
” يكفي يا عمار ارجوك .. لا طاقة لدي بتحمل المزيد ..”
قالتها بغضب وهي تحاول قدر الإمكان إبعاد جسدها عنه لينحني نحوها مجددا يسألها :-
” هل تريدين الخروج من هنا ..؟!”
هزت رأسها بسرعة تجيب بلهفة :-
” نعم أريد ..”
ابتسم وقال بهدوء :-
” قبلة …”
” ماذا ..؟!”
سألت بعدم استيعاب ليرد بجدية :-
” أريد قبلة وبعدها سأسمح لك بالخروج من هنا ..”
” أيها السافل المنحط ….”
قالها وهي تهم بالإنقضاض عليه مجددا لكنها تراجعت بخوف الى الخلف عندما وجدت كفه يرتفع نحو الاعلى مجددا بنية ضربها بينما يقول بصوت قاسي :-
” أخبرتكِ إن عقابي سيكون أقسى في المرة الثانية ..”
” ما تطلبه مني لن يحدث سوى على جثتي ..”
قالتها بإصرار وأنفاس لاهثة ليبتسم وهو يردد :-
” لا تكوني واثقة الى هذا الحد ..”
وقبل أن تعي ما يحدث وفي لمح البصر كان يجذبها نحوه ملتقطا شفتيها بقبلة دامية تاق إليها منذ سنوات ..
ظل يقبلها بكل قوة وعنف ممكنين دون توقف بينما هي تحاول دفعه بلا فائدة ..
شعرت بأنفاسها على وشك أن تتوقف بسبب قبلته التي طالت أكثر من اللازم ليقرر ان يرحمها أخيرا ويدفعها بعيدا عنه رغم عدم شعوره بالإكتفاء منها ..
شعرت بجسدها يندفع الى الخلف تلقائيا حتى ارتطم بالباب خلفها بينما شفتيها كانتا تتألمان بسبب قبلته العنيفة القاسية ..
رفعت وجهها المصدوم نحوه ليقول وهو يمسح شفتيه بأطراف أنامله :-
” هل إستوعبت الآن إنني أحصل على ما أريد دائما ولا أحد يمكنه أن يمنعني عن أي شيء أريده …؟!”
” حقير ..”
همستها بصوت ضائع ودموعها بدأت تتساقط من مقلتيها عندما شغل سيارته مجددا وحركها عائدا الى كراج المطعم الذي لم يبتعد عنه قليلا ..
توقف في نفس المكان السابق وفتح أبواب السيارة الكترونيا عندما قال ببرود :-
” بإمكانك الخروج الآن وتذكري جيدا إن عمار الخولي لا يقال له لا او مستحيل ..”
فتحت السيارة بسرعة وخرجت منها ليتأملها وهي تسير بخطوات مترنحة قليلا نحو سيارتها فيبتسم وهو يردد داخله :-
” وها قد حصلت على أول قبلة يا مريم .. قريبا جدا سأحصل عليك بالكامل …”
ثم حرك مقود سيارته منطلقا خارج الكراج بسرعة فائقة..
………………………………………..:….:..:……………

” لقد تأخر الوقت كثيرا ويجب أن أغادر ..”
قالتها حياة وهي تنهض من مكانها لتقول حنين معتذرة :-
” كنت سآتي معك لكن غدا ستأتي صديقتي ..”
قاطعتها حياة بجدية :-
” لا عليكِ حبيبتي … لا داعي للإعتذار أبدا ..”
سألتها أحلام بجدية :-
” لماذا لا تبيتين هنا الليلة ..؟! المبيت هنا افضل من عودتك الى المنزل لوحدك…”
أضافت برجاء :-
” أنتِ ترفضين المبيت هنا مجددا منذ رحيلك ذلك اليوم ..”
” انا فقط لا يمكنني ..”
كانت تتحدث بتلعثم عندما قاطعتها حنين :-
” تحدثي مع نديم .. بالتأكيد سيوافق .. فالبقاء معنا أفضل من مبيتك لوحدك ..”
قالت أحلام معترضة :-
” هل سبب عدم مبيتك هنا هو السيد نديم ..؟! هل يمنعك من المبيت في منزل والدتك ..؟!”
ردت حياة بسرعة تبرر له :-
” كلا الأمر ليس كذلك .. هو فقط يرفض مبيتي بسبب وجود نضال .. كونه شاب وغريب ..”
قاطعتها أحلام بحنق :-
” ما هذا الهراء ..؟! نضال محترم للغاية .. عيب حقا أن يفكر بهذه الطريقة ..”
هتفت حياة بسرعة :-
” حسنا سأتحدث معه .. هو بالطبع لن يعارض ..”
هدرت أحلام بقوة :-
” لا تسمحي له أن يتحكم بكِ منذ الآن ..”
ردت حياة معترضة :-
” هو لا يتحكم بي .. هو فقط يخاف علي ..”
ثم انسحبت خارج المكان متجهة الى الحديقة الخلفية تجري اتصالا به عندما جاءها صوته المرحب فسألته :-
” كيف حالك اليوم ..؟!”
رد بجدية :-
” انا بخير وماذا عنك ..؟!”
ابتسمت وهي تجيب برقة :-
” انا بخير الحمد لله ..”
” كيف قضيت يومك ..؟!”
سألها بإهتمام لترد بجدية :-
” قضيته مع والدتي وحنين في منزل عمو أشرف …”
حل الصمت للحظات فبادرت هي بالقول :-
” ماما تريد مني أن أبيت عندهم الليلة خاصة إن حنين لا تستطيع العودة معي الى المنزل ..”
ران الصمت مجددا لتسمعه يهتف أخيرا :-
” هذا يعني إنك سوف تبينين وحدك في المنزل ..؟!”
قالت بتردد :-
” سأبيت في منزل ماما بعد إذنك ..”
سمعت صوت زفيره العالي فهتفت بترجي :-
” نديم من فضلك ..”
سمع صوته المحتقن يردد :-
” لا أريد أن يجمعكما مكان واحد … لا أريده أن يقترب منك مهما حدث ..”
” هو لا يمكنه الإقتراب مني .. إطمئن ..”
اضافت بتوسل :-
” فقط الليلة يا نديم .. لأجل والدتي على الاقل ..”
” حسنا .. كما تريدين ..”
قالها مرغما لتهتف بسعادة :-
” شكرا كثيرا .. انت حقا رائع ..”
تبادلا بعدها بعض الكلمات قبل ان تودعه وتغلق الهاتف عندما همت بالتحرك الى الداخل لكنه وجدته أمامها يرمقها بنظرات ساخرة وهو يردد :-
” يخاف عليكِ مني إذا ..؟!”
قالت وهي تهم بالدخول الى الفيلا مجددا :-
” ابتعد من فضلك ..”
لكنه توقف قبالتها يمنعها من التحرك فهمست من بين أسنانها :-
” ابتعد عني يا نضال …”
” وإذا لم أفعل ..؟!”
قالها بتحدي لتهتف بغضب مكتوم :-
” توقف عن هذا من فضلك .. ألا تملك قليلا من الإحترام ..؟!
ضحك بخفة ثم قال بجدية :-
” لو أعلم فقط سبب تمسكك به .. لو أستوعب فقط مالذي يعجبك به ..”
ردت بقوة وحدة :-
” احبه ويعجبني به كل شيء … ”
ضحك مرغما وقال :-
” تحبين رجلا يمتلك سجلا مليئا بالشوائب .. رجلا سجن لأعوام بتهمة مخزية خسر بسببها كل شيء حتى شهادته الجامعية … ”
أضاف بقسوة :-
” هل تعين ما تدفعين نفسك اليه يا حياة ..؟! هل تستوعبين ما تقدمين عليه ..؟! أنت تربطين نفسك برجل لا مستقبل له ..؟! برجل يصنفه القانون كمجرم ..؟! حسنا ألا تفكرين بأطفالك … ؟! عندما تنجبين أطفالا من أب مثله ..؟! ألا تفكرين في موقفهم عندما يكبرون ويعلمون إن والدهم سجين سابق بتهمة مخزية ..؟؟”
كلماته جاءت في وقتها دون أن يعلم فعادت كلمات نديم تتردد داخل أذنها من جديد ..
( اما المجتمع حولنا وجميع من فيه سوف يرونني دائما وأبدا السجين السابق المتهم بالمتاجرة بالممنوعات ..)
كان نضال واحدا من هذا المجتمع الغبي الذي يحاكم الشخص على خطأ واحد يتيم فيحاكمونه طوال العمر بسببه بل يحرمونه من ابسط حقوقه ولا يرحمونه مهما حدث …
” لا يهمني كل هذا … يكفيني إنني أعلم معدنه الحقيقي جيدا .. ويكفيني إنني أحبه وأريده وإنه أفضل شخص في نظري .. كلامك هذا لن يفعل شيء سوى إنه يزيد من تمسكي به ….”
قالتها بصوت قوي قبل ان تدفعه وتنطلق بعيدا خارج الفيلا بأكمله وقد إتخذت في تلك اللحظة قرارها النهائي ..
ركبت سيارة الأجرة واتجهت الى شقته .. لن تنتظر حتى صباح الغد .. ستخبره قرارها الليلة ..
امام شقته وقفت ترن الجرس بقوة عندما فتح الباب وانصدم من وجودها أمامها لتزداد صدمته وهي تندفع نحوه تحتضنه بقوة ..
تجمد في مكانه محاولا استيعاب ما تفعله عندما إبتعدت عنه بعد لحظات تخبره وهي ما زالت بين أحضانه :-
” انا موافقة يا نديم .. موافقة على الزواج بك .. موافقة على السفر معك الى الخارج .. موافقة على بداية جديدة تجمعنا سويا بعيدا عن هنا … موافقة يا نديم …”
………………………./………………………………..
دلفت الى غرفتها بملامح باكية عندما أغلقت الباب خلفها بالمفتاح …
اتجهت نحو الحمام الملحق بغرفتها وأخذت تغسل وجهها بالماء البارد عندما توقفت أمام المرآة تتأمل شفتيها المتورمتين وآثر قبلاته مطبوع عليها ..
أخذت تمسح شفتيها بقوة بأصابعها غير مبالية بالألم الذي تشعر به بسبب فعلتها هذه …
عادت تبكي بقوة وهي ترمي الماء البارد على وجهها والجزء العلوي من جسدها ..
خرجت بعد مدة بملامح باكية والمياه تتساقط من وجهها والخصلات الأمامية من شعرها بل ومقدمة نحرها أيضا ..
جلست على سريرها تبكي بعنف عندما اتجهت ببصرها نحو تلك الصورة التي تجمعها به ..
اتجهت نحو الصورة تتأمل نفسها وهي جانبه تبتسم بسعادة لا يشوبها شيء وهو بدوره يبتسم بنفس السعادة ..
” أكرم ..”
همستها باكية عندما إحتضنت الصورة وهي تردد وكأنه أمامها :-
” انا آسفة يا أكرم .. آسفة جدا .. ارجوك سامحني ..”
ظلت تبكي حتى شعرت بأنفاسها تتقطع من شدة البكاء فأعادت الصورة الى مكانها واتجهت نحو السرير تتمدد عليه وهي تحيط جسدها بذراعيها كالجنين …
ظلت على هذه الحالة لأكثر من نصف ساعة عندما صدر من هاتفها عدة رنات متتالية فإعتدلت في جلستها بقلق سيطر عليها لا إراديا عندما وجدت عدة صور مرسلة لها ..
سارعت تفتح الصور لتتجمد مكانها وهي ترى اول صورة حيث والدها يحمل طفلا صغيرا وجانبه إمرأة تعرفها جيدا ..
فتحت الصورة الثانية لتجد صورة لعقد زواج والدتها من تلك المرآة وصورة ثالثة لشهادة ميلاد الطفل ..
قرأت الرسالة المرفقة بالصور :-
” أخبري أختك الكبرى إن هذه نتيجة العبث معنا … كان عليها ألا تعبث معي فمهما حدث انا زوجته و أم الصبي الذي فشلت والدتك العزيزة في إنجابه وقريبا سأنجب له صبيا آخرا فقط قولي آمين ..”
انتفضت من مكانها تصرخ بقوة عندما فتحت باب غرفتها واندفعت خارج المكان تصيح بأعلى صورها :-
” بابا … احمد باشا … والدي العزيز ..”
هبطت درجات السلم بسرعة فائقة واندفعت نحو صالة الجلوس عندما وجدت الثلاثة أمامها .. والدها ووالدتها ومعهما ليلى .. عائلة مثالية لا ينقصها سواها .. هذا ما يظنه الجميع وهذا ما كانت تظنه هي لكن بعد الآن تلك الصورة المثالية تحطمت والعائلة تدمرت كليا ..
التقت نظراتها المشتعلة بنظرات والدها الذي أدرك من نظرة واحدة كل شيء لتصرخ مريم أخيرا صرخة قوية مخيفة كانت بداية لجحيم لن ينتهي مهما حدث ..
………………………………………………………..

ابتسم بإنتصار وهو يتأكد من قرائتها لرسائله متخيلا الجحيم الذي حل الآن في منزل أحمد سليمان …
حمل الهاتف ورماه في سلة المهملات بعدما أخرج بطاقته منه ومزقها ..
عاد الى مكانه عندما وجدها تخرج من غرفتها وتسير نحوه بملامح جامدة لا تشبه تلك الملامح التي كانت تستقبله بها بالعادة ..
” ماذا تريد يا عمار ..؟!”
سألته ببرود ليرد بجدية :-
” أريد أن أعرف قرارك ..”
أضاف وهو يسألها :-
” متى ستتخلصين منه ..؟!”
ردت ببرود :-
” لن أتخلص منه يا عمار .. سأنجبه حتى لو رفضت الإعتراف به ..”
” هكذا اذا …”
قالها وهو ينهض من مكانه ويتقدم نحوها بخطوات بطيئة لتشعر بالتوجس من نظراته التي تتفحصها ..
وقبل أن تبتعد كان يجذبها نحوه ويخرج بعض الحبوب من جيبه ويحاول أن يجعلها تبتلعها ..
” تناوليها هيا …”
قالها وهو يحاول إدخال الحبوب داخل فمها بينما هي كانت تجابهه بكل قوتها …
” ابتعد …”
قالتها وهي تدفعه بأقصى قوتها عندما ركضت نحو باب الشقة بذعر تفتحها وتخرج منها يلحقها هو بأقصى سرعة عندما وصل إليها وحاول أن يجذبها بينما هي تقاومه أعلى السلم وأثناء مقاومتها ومحاولاتها لدفعه فوجئت به يدفعها بكل قوته على السلم ليتدحرج جسدها فوق درجاته بعنف حتى أصبحت أسفله والدماء بدأت تخرج من جسدها لتفقد وعيها تماما بعد لحظات ..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!