رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم سارة علي
رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء الرابع والثلاثون
رواية حبيسة قلبه المظلم البارت الرابع والثلاثون
رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة الرابعة والثلاثون
في صباح اليوم التالي
فتحت عيناها الخضراوين مستيقظة من نومتها أخيرا ..
نومتها التي إستمرت طيلة ساعات الليل بعدما فقدت وعيها بين ذراعيه فحملها ووضعها على السرير ثم ألقى الغطاء فوقها وتركها نائمة دون أن يفكر في جلب طبيب لها والاطمئنان عليها حيث قضى الليل بأكمله مستيقظا بدوره يفكر فيما حدث بينهما وحقيقة كونها لم تكن عذراء ..
رغم انه كان شبه متأكد من ذلك فلا سبب سوف يدفع أخيها لتزويجها الا سبب كهذا وخاصة مع شرطه الغريب بعدم لمسها أكد له شكوكه لكن أن يكتشف الأمر بوضوح منحه شعورا من الغضب المتفاقم وخيبة الذات ..
هو مهند الهاشمي الذي عرف بنات بعدد شعر رأسه وخبير الفتيات الأول يقع بهذه الطريقة ويتزوج من فتاة لم يكن الأول في حياتها ..
فتاة لم تصل الى السابعة عشر من عمرها بعد وفقدت عذريتها بطريقة لا يعملها لكنه سيعلمها بالتأكيد بعدما يؤدبها ويعاقبها جيدا ..
يتمنى لو يعاقب أخيه الذي يجزم إنه يعلم بكل هذا ويتمنى لو يلقي غضبه الذي يشبه الجحيم فوق رأسه ورأس أخيها المغرور لكنه لن يفعل ..
رجولته تمنعه أن يفعل ذلك فكيف سيفعل ذلك ويظهر أمامهما بمظهر الشخص الغبي علنا !!
كلا هو لم يكن غبيا .. هو كان يعلم كل شيء وإختار أن يدعي الغباء كي ينال ما يريد …!
والنتيجة إنه منح اسمه لعاهرة كهذه وتورط معها ..
هذه نتيجة تسرعه وتصرفاته الغير محسوبة ومحاولاته المستميتة للخروج من دائرة عائلته والتحرر عنهم بعيدا ..!
شعر بها تتململ داخل فراشها فنهض من مكانه متجها نحوها وهو ما زال عاري الصدر مكتفيا بإرتداء بنطاله ..
وقف مباشرة فوقها فتلاقت عيناها اللي فُتِحت لتوها بعينيه الزرقاوين الحادتين ..!!
انتفضت من نومتها وعادت اليها ذكريات الليلة الماضية على الفور حالما رآته فسيطر على ملامحها الفرع الشديد ..
” إستيقظتِ أخيرا !!”
قالها بصوته الجليدي البارد لتتراجع الى الخلف لا إراديا منكمشة على نفسها فأضاف مكملا بنفس الصوت الجليدي المخيف :-
” توقفي عما تفعلينه ومحاولات الإستعطاف خاصتك .. هذا لن يؤثر بي ولن يمنعني عن محاسبتكِ ..”
تشنجت ملامحها وترقرت الدموع داخل عينيها دون رد فانحنى نحوها يقبض على كتفيها بقوة يقربها منها ليشعر بإنتفاضة جسدها بين ذراعيه ..
ردد بصوت قاسي :-
” تنتفضين بين ذراعي الآن وانا زوجك بينما تمنحين جسدك بإريحية لرجل آخر لا يحل لكِ .. تمنحينه شرفك وعذريتك أيتها الساقطة ..!”
انتفضت باكية بنشيج مكتوم فأكمل وهو يهزها بعنف بلا مبالاة بما حل بها :-
” استمري في بكائك .. استمري هيا .. لن تؤثري بي أبدا .. دموع التماسيح خاصتك لن تؤثر بي ..”
قالت بصوت مبحوح ما إن توقف عن هزها وهي تغالب دموعها :-
” انا لم أفعل شيئا … ”
” بل فعلتِ كل شيء .. ”
صاح بها بقوة فأحاطت جسدها المنتفض بين ذراعيها وهي تبكي بصمت ..!!
اقترب منها مجددا يصيح بغضب مدمر :-
“أخبريني عنه .. من هو ..؟! من ذلك الذي منحته جسدك دون تفكير بشرف والدك وعائلتك .. ؟! تحدثي هيا …”
انتفضت مبتعدة نحو الطرف الآخير من السرير فقال وهو يتقدم نحوها مجددا من الطرف الآخر يحاوطها بجسده يتحدث بسلاطة دون أن يرف له جفن :-
” من فعل ذلك ..؟! تحدثي .. لن أترككِ دون أن تخبريني عمن فعل ذلك … تحدثي هيا .. سأقتلك ..”
قال كلمته الأخيره وهو يقبض على رقبتها بكفيه يعتصرها بشدة فشعرت بالإختناق يسيطر عليها ..
كان غاضبا بشدة .. ساخطا على نفسه وعليها وعلى كل شيء ..
غضب مهند الهاشمي عادة مدمر ولا يوجد شيء يمكن إيقافه مهما حدث فكيف إذا تعلق الأمر بشرفه ..؟!!
” ارجوك ..”
همست بضعف وهي تحاول أن تدفعه ليقول غير مباليا بملامح وجهها التي إحمرت كليا ودموعها التي جفت فوق وجنتيها :-
” من هو ..؟! أخبريني عنه .. ما اسمه ..؟! كيف تعرفتِ إليه ..؟! كيف ..؟!”
” لا أعرف ..”
بالكاد إستطاعت نطقها وشعر هو بدوره بنفسها يتقطع بين كفيه فدفعها بعنف لستقط بكامل جسدها على السرير بينما هو إبتعد عن السرير يسير بجانبه محيطا خصره بذراعيه مرددا بعصبية مخيفة :-
” سأقتله .. والله سأقتله ..”
عاد يتقدم نحوها فزحفت بجسدها الى الخلف مرددا بنفس القوة والعينين المشتعلتين غضبا مخيفا :-
” سأقتله ثم أقتلك يا جيلان .. والله سأقتلك .. ”
” ارجوك ..”
همستها بذعر فقفز فوق جسدها لتصرخ هلعا ليكتم فمها كي لا يسمع صوت صراخها أحدا وهو يهتف بعصبية :-
” وأخوك الباشا يتحدث بكل عنجهية معي بل ويهددني أيضا .. كان عليه أن يعاقب أخته التي فرطت بشرفها بدلا من عنجهيته وغروره …”
أضاف يسألها بعينين تحاصران عينيها المذعورتين :-
” راغب كان يعرف ايضا ، أليس كذلك ..؟!”
هزت رأسها دلالة على عدم معرفتها ليبعد كفه عن فمها عائدا بجسده الى الخلف مرددا بينه وبين نفسه بصوت مسموع :-
” سأحاسبه .. وسأحاسب أخيك الحقير .. سأحاسب الجميع وأولهم أنتِ وعشيقك الساقط ..”
حاولت أن تعتدل في جلستها وهي تردد بصوت مبحوح باكي :-
” والله لم أفعل شيئا .. كنت مرغمة ..”
قاطعها قبل أن تنهي حديثها يصرخ بها :-
” لا أريد سماع صوتك .. اخرسي .. اخرسي تماما ..”
أضاف بحدة :-
” والله سأحاسبكِ حسابا عسيرا يا جيلان .. لن أرحمك ثانية واحدة بعد الآن .. من الآن فصاعدا سترين وجه مهند الهاشمي الحقيقي ويا ويلكِ من وجهه …!!”
انكمشت مجددا كعادتها منذ بداية حديثه فأضاف بقوة مهيمنة وملامح بدت متوحشة للغاية :-
” من الإن فصاعدا ستعيشين في جحيم لا ينتهي يا جيلان .. يا ابنة عمي المصون ..”
نهض من فوق السرير يضيف بقوة ثابتة لا تتزحزح :-
” أمامكِ حتى المساء وتخبريني بإسم عشيقك الحقير .. وإذا لم تفعليِ فقسما بربي سأفعل ما لا يمكنك تخيله ..!!”
أضاف وهو يتجه نحو الباب ويسحب المفتاح الخاص بالجناح ثم استدار نحوها يشير لها :-
” ستبقين في هذا الجناح .. لن تخرجي منه بعد الآن حتى أوافق انا .. سأغلق الجناح وأخرج .. كل شيء بعد الآن سوف يسير بناء على أوامري ..”
أضاف وهو يرفع إصبعه في وجهها مرددا بتحذير :-
” وإياكِ ثم إياك أن تخبري أحدا بما حدث بيننا أو أن تشتكي لأي أحد عما حدث من خلف الباب ..”
أضاف وهو يتقدم نحوها مشيرا:-
” هاتي هاتفك …”
لم تتحرك إنش واحد فقط جسدها كان يرتجف فجذب الهاتف الموضوع على الطاولة ووضعه في جيبه مرددا بحسم :-
” لن تأخذي هاتفك مجددا فأنتِ فتاة لا يمكن أن تؤتمن على أي شيء والله وحده يعلم ما قد تفعلينه بهذا الهاتف ..”
انهى كلماته واندفع خارجا مغلقا الباب بالمفتاح لتسمع هي صوت إغلاق الباب فتشهق باكية بصمت وهي تضع كفها فوق فمها وقد أدركت إن جحيمها بدأ بالفعل ..
اما هو فهبط الى الأسفل ليتجه نحو مكان وجود الخادمات فأشار الى إحداهن يخبرها بصوت قوي :-
” بعد ساعة من الآن خذي الفطور الى جيلان هانم .. هذا مفتاح الجناح .. سوف تضعين الفطور لها وتغادرين بعدما تغلقين الجناح بالمفتاح .. المفتاح سيبقى معكِ حتى أعود وأخذه منكِ.. نفس الشيء ستفعلينه وقت الغداء وإذا سأل أحدٌ من عائلتي عما يحدث أخبريهم إنها مريضة للغاية .. مصابة بالإنفلاونزا او ما شابه ولا يجب أن تهبط الى الأسفل كي لا يصابوا بالعدوى .. هل فهمت ..؟!”
هزت الخادمة رأسها بتفهم لا يخلو من الخوف ليمنحها المفتاح وهو يؤكد حديثه السابق :-
” إياك أن تفعلي شيئا يختلف عما أمرتكِ به .. وإلا سيكون عقابك قاسيا .. نفذي ما قلته بالحرف الواحد. .”
عادت تهز رأسها بتفهم ليبتعد عنها وهو يزفر أنفاسه بقوة قبل أن يفتح هاتفه ويقلب في أرقامه فيصل الى رقمها ينظر إليه بتردد ما بين رغبته بالذهاب إليها وهو يثق إنها ستعرف كيف تخفف عنه وطأة غضبة وبين قراره بإقصائها من حياته لفترة حتى تتأدب وتدرك حجم خطأها وتعرف كيف تتعامل معه ..
حسم قراره أخيرا وبعث رسالة مختصرة كتب فيها :-
” أين أنتِ الآن ..؟!”
وبعد لحظات قليلة وجدها تتصل به فضحك ساخرا وهو يراها تتلهف بسرعة لإجابته ليضغط على زر الإجابة ويتحدث معها مقررا بحسم :-
” سأنتظرك في شقتنا ..”
………………………………………………………………..
وقفت أمام المرآة ترتدي أقراطها الناعمة بعناية عندما سمعت صوت طرقات على باب غرفتها يتبعها دخول مريم ما إن سمعت صوت أختها يسمح لها بالدخول ..
تقدمت مريم نحوها تسألها بصوت مرهقا ما زالت آثار النوم تسكنه :-
” هل ستذهبين الى والدي ..؟!”
ردت ليلى وهي تستدير نحوها :-
” نعم سنذهب انا وماما إليه .. أبقى عنده قليلا ثم أذهب الى الشركة لأرى ما يحدث ..”
” أنا أيضا سأذهب لكن بعدكما بقليل .. أحاول الإستيقاظ جيدا فالنعاس ما زال يغالبني ..”
هتفت ليلى بجدية :-
” عودي الى النوم لساعتين آخريتين .. وبعدها خذي حماما منعشا ثم اذهبي لرؤية أبي .. من الأفضل أن ترتاحي أكثر قبل ذهابك ..”
قالت مريم بجدية :-
” سأتناول فطوري سريعا اولا ربما تساعدني القهوة في رفع نسبة نشاطي قليلا ..”
قالت ليلى بجدية وهي تسحب حقيبتها :-
” هيا بنا إذا …”
خرجت الفتاتان من الغرفة ليلى بطلتها الأنيقة ومريم ببيجامة نومها ترتدي فوقها روب طويل وقد عجزت عن تبديل ملابسها ..
هبطتا الى الطابق السفلي لتجدا والدتهما تجلس على طاولة الطعام ترتشف قهوتها وطبقها كما هو لم تضع فيه شيئا ..
ألقيتا تحية الصباح وجلستا على جانبها الأيمن لتسألها ليلى :-
” سنذهب سويا الى بابا ، أليس كذلك ..؟!”
هزت فاتن رأسها موافقة دون رد لتهتف مريم بدورها :-
” لم تتناولِ شيئا يا ماما ..”
ردت فاتن بصوت حزين :-
” لا شهية لدي لتناول أي شيء ..”
قالت ليلى بترجي :-
” هذا لا يجوز يا ماما .. انتِ تحتاجين الى طاقة فأمامك يوم طويل وشاق ..”
أضافت مريم بدورها :-
” ستتعبين يا ماما إذا لم تتناولي شيئا وربما يهبط السكر عندك او الضغط لا سامح الله ..”
قالت فاتن بحزم :-
” سأخذ شيئا خفيفا معي أتناوله عندما أشعر بالجوع ..”
قالت ليلى بحذر :-
” وخذي شوكولاتة او شيئا حلوا كي تتناوليه إذا هبط السكر عندك لا سامح الله ..”
هزت فاتن رأسها دون رد وكان واضح كم التعب والألم المسيطران على ملامحها ..
هتفت مريم بتردد :-
” ماذا سنفعل بذلك الصغير ..؟!”
همت ليلى بالرد لكن والدتها قاطعتها :-
” ماذا سنفعل به مثلا يا مريم ..؟! سيبقى في منزل والده حتى يحن قلب والدته وتأخذه مجددا ..”
سألت مريم مجددا:-
” وإذا لم تفعل ولم يحن قلبها ..؟!”
ردت فاتن بعقلانية :-
” هذا منزل والده سيبقى فيه حتى لو لآخر العمر ووالدك سيخرج بإذن الله قريبا من المشفى ويتصرف مع والدته ويدبر أمره .. في النهاية هذا الصغير ابنه وأخوكِ ووجوده هنا في حالة غياب والدته هو الشيء الأكثر منطقية .. أليس كذلك يا مريم ..؟!”
هزت مريم رأسها على مضض لتنظر فاتن الى ليلى وتسألها عن قصد :-
” أليس كذلك يا ليلى ..؟!”
” بالطبع يا ماما ..”
قالتها ليلى بهدوء لتهتف فاتن بجدية :-
” هذا أخوكما .. مهما حدث وأيا كانت والدته يبقى أخوكما .. ولدتم جميعا لنفس الأب وتحملون نفس الدماء والكنية ..”
قالت مريم تتسائل مجددا :-
” هل ستخبران بابا بما حدث البارحة ..؟!”
ردت ليلى بسرعة :-
” بالطبع لا يا مريم ..كيف سأخبره بشيء كهذا .. سوف يسوء وضعه إذا علم بتصرف سهام الحقير مع إنني أفضل أن يعرف بالأمر كي لا ينصدم عندما يعود الى هنا بعد أيام معدودة ويراه دون معرفة مسبقة بما حدث ..”
” انا لا أفهم ماذا حدث لتتصرف هكذا ..؟! هل علمت بأمر الميراث ..؟!”
سألت مريم بإهتمام لترد ليلى بجدية :-
” نعم وحدث غير ذلك ايضا ..”
توقفت للحظات ثم قالت :-
” تشاجرت مع والدك وهو بدوره ألقى يمين الطلاق عليها ..”
” هكذا إذا .. كان عليكِ أن تقولي هذا منذ البداية .. الآن فهمت سبب تصرفها البارحة ..”
قالها مريم وهي تبتسم بسخرية لتسألها فاتن :-
” ماذا تعنين ..؟!”
ردت مريم بجدية :-
” ما أعنيه إن تصرف سهام هانم محاولة منها لإستعادة ما خسرته .. هي تستخدم الصغير كورقة ضغط على أبي كي يعيدها على عصمته ويمنحها جزءا لا بأس به من أملاكه وأمواله ..”
أيدتها ليلى :-
” نعم ، هذا بالضبط ما فكرت به .. تترك الصغير لدينا وعندما يعلم والدي بما حدث ويرى حاجة الطفل لوالدته سيضطر الى التوافض معها .. ”
” انا لا يمكنني أن أرى شيئا أحقر من هذا .. تستغل ابنها للضغط على والده وتتخلى عنه وترميه عندنا وهي حتى ليست واثقة من طريقة معاملتنا له ..”
قالها مريم بنفور لتهتف فاتن بشرود :-
” عادي جدا .. هناك من يفعلن أسوء من ذلك .. ليست كل أم تستحق هذا اللقب وليس جميع الأطفال ينالون حظهم الجيد في آبائهم وأمهاتهم ..”
” ولكننا نلنا حظا كبيرا رائعا بوجودك كونك أمنا ..”
قالتها ليلى بمشاعر صادقة لتؤيدها مريم :-
” نعم نحن محظوظتان بك كثيرا يا ماما ..”
أدمعت عينا فاتن التي قالت بجدية :-
” هل تصدقاني لو أخبرتكما إنكما أفضل شيء حدث لي في حياتي ..؟! انا حتى بعدما فعله والدكما بي سأبقى ممتنة له كونه كان سببا بعد الله في إنجابي لكما ..”
أدمعت عينا ليلى وهي تضغط على كفها بحب فربتت فاتن على كفها قبل أن تأخذ نفسها ثم تقول :-
” كنت سأفكر أن آخذ عبد الرحمن إلى والدك .. بالتأكيد سيفرح بوجوده لكن أخاف أن يخبره بما حدث فيحدث العكس وتستاءحالته ..”
” برأيي ألا نفعل ذلك الآن .. ”
قالتها ليلى بحذر لكن مريم قالت بجدية :-
” هو في السادسة من عمره او ربما أكبر .. يمكن أن يزور والدي قليلا ثم يعود الى هنا .. برأيي بابا سيفرح عندما يراه ..”
قالت فاتن بدورها :-
” وربما عندي يرى طفله الذي ما زال صغيرا سوف يتحسن وضعه عندما يدرك إن هناك مسؤولية طفل لم يتجاوز السابعة من عمره معلقة في رقبته .. ”
” وما الحجة التي سنقولها له بحيث إننا جلبنا له الصبي ..؟! سيعلم كل شيء عندما يراه ..”
قالتها ليلى بجدية لتزفر فاتن أنفاسها بقوة ثم تقول :-
” أجلا هذا الأمر لاحقا …”
أضافت وهي تنهض من مكانها مشيرة الى ليلى :-
” إذا انتيهت من فطوركِ دعينا نذهب ..”
ردت ليلى والتي ارتشفت القليل من قهوتها سريعا :-
” اساسا لا شهية لدي لشيء ..”
ثم سارت جانب والدتها بعدما ودعت مريم لتقبض على ذراعها وهي تسير جانبها مرددة بجدية:-
” برأيي إن بابا يجب أن يعلم بتصرف سهام .. هو سيخرج خلال أيام أساسا ويرى كل شيء بعينه وأيضا أخاف أن تزوره سهام في المشفى وتخبره بتصرفها او تبعث له مرسالا .. لو نمهد له نحن ما حدث ويصبح لديه علم أفضل ..”
” اسإلي الطبيب اولا ..”
قالتها فاتن بتحذير لترد ليلى بجدية :-
” بالطبع سأفعل ذلك .. اساسا لن أقوم بأي تصرف دون إستشارة الطبيب وأيضا سأمنع سهام من الوصول الى والدي او رؤيته ..”
” هل ستجلبين حرس امام غرفة والدك ..؟!”
سألتها فاتن بعدم تصديق لترد ليلى بتصميم :-
” نعم سأفعل .. انا مضطرة لذلك .. اساسا تواصلت مساء البارحة مع شركة متخصصة بهذه الأمور كي يجهزان حارسين يقفان أمام غرفته يمنعان دخول سهام او اي مرسال وأي شخص مهما كان دون وجود أحد منا بجانبه وسهام بالذات سأطلب من مدير المشفى منعها من الدخول الى المشفى أساسا ..”
” أصبحت تفكرين بكل شيء وتنظمين كل شيء بطريقة تبهرني شخصيا ..”
قالتها فاتن وهي تتأملها بفخر لا إرادي لتبتسم ليلى وهي تربت على كتفها مرددة :-
” أفعل كل شيء لأجل سلامة أبي وسلامة عائلتنا كلها بالطبع … لا تقلقي يا ماما .. طوال ما أنا موجودة معكم لن أسمح لأي شخص أن يمس أيا منكم بسوء ..”
” أثق بذلك أكثر من أي شيء .. انا فخورة بك يا ليلى .. فخورة بقوتك وعطائك ومدى إهتمامك بجميع من حولك .. انا أشعر بفخر شديد لإنكِ إبنتي ..”
جذبتها والدتها نحوها تحتضنها بقوة لتبادلها ليلى عناقها وهي تبتسم بسعادة سكنت روحها بسبب كلام والدتها الذي جاء كالبلسم لجروحها وجعلها تشعر بالفخر الشديد لذاتها بسبب قدرتها رغم كل شيء على الإستمرار وتقديم الدعم والمساندة لجميع من حولها وهذا منحها شعورا شديدا بالقوة والثقة بالنفس ..شعورا كانت إفتقدته لسنين طويلة وهاهو عاد إليها مجددا وبعودته شعرت إن ليلى القديمة عادت أخيرا ..!!
……………………………………………………………..
خرجت حياة من غرفة نومها وهي ترتدي ملابسها والصداع الشديد يلازمها طوال الليل بحيث لم تستطع النوم سوى لسويعات قليلة جدا كان نومها خلالها متقطعا أسوء ما يكون ..
تأملت إتصالات والدتها وحنين العديدة وكذلك مي فإكتفت برسائل مختصرة تخبرهن إنها بخير وستتصل بهن بعد عودتها من الجامعة دون أن تذكر أمر تعبها ..
تقدمت نحو المطبخ لتجده نضيفا مرتبا ونديم ليس موجود فيه ففكرت إنه ما زال نائما ..
بدأت تسعل بقوة حتى شعرت بالتعب فجلست لا إراديا على الكرسي جانبها تستند بكفيها فوق الطاولة مخفضة وجهها نحو الأسفل ومغمضة عينيها والصداع الشديد عاد اليها مجددا مع ألم بدأ يغزو أغلب جسدها ..
ظلت على هذه الحالة حتى سمعت صوتا يسألها بقلق :-
” حياة .. ماذا حدث ..؟! هل أنت بخير ..؟!”
رفعت وجهها المرهق نحوه فردت مدعية الصلابة :-
” نعم انا بخير .. فقط صداع خفيف ..”
تحاملت على نفسها وهي تنهض من مكانها تردد :-
” سأعد الفطور لي .. ماذا تريد أن تتناول معي ..؟!”
تقدم نحوها وجذبها من كفها قائلا :-
” اجلسي انتِ وأنا سأعد الفطور لكلينا .. ماذا يؤلمك بالضبط ..؟!”
ردت بتعب واضح :-
” صداع شديد يؤلمني ..”
” سأعد لك الفطور ثم أمنحك دواءا للصداع ..”
قالها بجدية ثم آمرها وهو يشير الى الكرسي المجاور للطاولة :-
” اجلسي هيا مكانك وانا سأعد كل شيء ..”
كانت مرهقة لدرجة لا تسمح لها بمعارضته فنفذت أوامره وجلست على الطاولة بتعب شديد فبدأ نديم يعد طعام الفطور سريعا فوضع أمامها البيض المقلي وانواع من الجبن والقشطة والعسل والتوست الأسمر …
صب الشاي لها وله ثم قال وهو يجلس أمامها :-
” هيا تناولي طعامك ..”
حملت قطعة من التوست الأسمر ووضعت فوقها القليل من المربى ثم بدأت تتناولها ببطء شديد ومعها الشاي الحار …
انتهت أخيرا من تناول القطعة فهمست بضعف :-
” أريد دواء الصداع ..”
نهض من مكانه مسرعا وجلب لها الدواء وصب لها الماء فتناولته بسرعة ثم شكرته بخفوت ليهتف نديم بجدية وقلق وهو يربت على شعرها القصير :-
” لا تذهبي الى الجامعة اليوم يا حياة .. من الواضح إنك مريضة وتحتاجين الى الراحة ..”
ردت بخفوت :-
” دوامي قصير أساسا .. أقل من ثلاث ساعات وتنتهي محاضرات اليوم ولا أريد الغياب من البداية ..”
زفر أنفاسه وهو يتطلع الى وجهها الشاحب بقلق ليقول بعد لحظات :-
” سأوصلك انا بنفسي ..”
قاطعته برفق :-
” لا داعي لذلك ..”
لكنه كان مصرا وهو يقول :-
” من المستحيل أن أترككِ تغادرين لوحدك .. سأوصلك بنفسي وانتظرك أيضا .. ولا مجال للرفض ..”
ثم توجه مسرعا نحو غرفته لتغيير ملابسها بينما وجدت هي بندق يقترب منها فرفعته بتمهل وهي تلمس فوق فروة رأسها بحنو والألم ما زال يسيطر عليها ..
خرج نديم مسرعا مرتديا ملابسها فنهضت من مكانها وهي تحمل بندق وحقيبتها لتقول مشيرة الى الكلب :-
” لا يمكننا تركه هنا لوحده .. سنأخذه معنا ..”
هز رأسه دون معارضة وهو يراها بهذا الوضع المتعب لتسير أمامه وتخرج من الشقة يتبعها هو ..
هبطا سويا الى الخارج حيث لفحتها نسمات الهواءالباردة التي تدل على قرب قدوم الشتاء فسعلت بقوة ليهتف نديم بقلق :-
” لنذهب الى الطبيب يا حياة بدلا من الجامعة ..”
لكنها كانت مصرة على الذهاب الى جامعتها فقالت :-
” لا تقلق يا نديم .. انها موجة سعال خفيفة .. دعنا ندهب الى الجامعة من فضلك ..”
فتح سيارته التي جلبها له داني مساء البارحة واستخدم جهاز الموقع لكي يعلم طريق الجامعة ..
وصل بعد حوالي ربع ساعة ففهم إن داني اختار موقعا قريبا من جامعة حياة للغاية ..
التفت نحوها مرددا بجدية :-
” سأنتظرك حتى تنهين محاضراتك .. سأبقى هنا ..”
ردت تعارضه :-
” هل تمزح يا نديم ..؟! امامي حوالي ثلاث ساعات .. غادر انت وسأعود انا ..”
” كلا لن أغادر ..”
قالها بإصرار فقالت بسرعة :-
” غادر من فضلك وتعال بعد انتهاء الدوام على الأقل .. لقد أصبحت أفضل حقا فالدواء بدأ يأخذ مفعوله حتى إن الصداع خف علي كثيرا …”
نظر إليها بعدم اقتناع فقالت بتوسل :-
” نديم من فضلك …”
” حسنا يا حياة .. اذهبي انت الآن فمحاضرتك ستبدأ …”
هزت رأسها بتفهم ثم هبطت من السيارة ليتابعها بأنظاره حتى دخلت الى الجامعة وإختفت تماما فيشير الى بندق الجالس خلفه يحادثه وكأنه يفهمه :-
” نحن لن نعود الى الشقة بالطبع .. سنبحث عن مكان قريب نجلس فيه حتى ينتهي دوامها ثم نأتي فورا ونأخذها ..”
حرك مقود سيارته يبحث بنفس الجهاز عن اقرب مقهى او مطعم من الجامعة ولحسن حظه وجد مقهى قريب للغاية في نفس شارع الجامعة فقرر الدخول اليه والبقاء فيه حتى تنتهي محاضرات حياة ..
اما حياة فدلفت مسرعة الى قاعة المحاضرات وجلست في المدرج الأخير حيث بدأت المحاضرة فشعرت بالألم يكسو جسدها مجددا …
كان ألمها يزداد مع مرور الوقت حتى كادت أن تغادر المحاضرة لكنها تحاملت على نفسها وأنهتها ..
انتهت المحاضرة أخيرا بعد حوالي ساعة ونصف فبقيت مكانها مخفضة رأسها نحو الأسفل وهي تحيط جانبيه بأناملها تضغط عليه بقوة عل الصداع يخف إضافة الى ألم جسدها وأطرافها الشديد ..
شعرت بظل يتكون فوقها فرفعت وجهها لترى مايكل يسألها بقلق :-
” هل انت بخير ..؟!”
ردت بصوت ضعيف :-
” انا متعبة للغاية ..”
” انهضي وغادري الى المنزل فورا .. سآخذك الى هناك ..”
قالها بجدية لتشكره وهي تقول :-
” أشكرك كثيرا .. لكن زوجي سيآتي ويأخذني ..”
” دعينا ننهض اولا ونخرج من هنا …”
نهضت من مكانها وبدأت تلملم أغراضها حتى شعرت بفقدان توازنها فسارع يسندها ويجلسها في مكانها مجددا ..
” حياة انت مريضة حقا .. كيف أتيت الى الجامعة ..؟!”
سيطر الضعف عليها وهي تردد :-
” لقد حدث وأتيت ..”
اخرج هاتفه من جيبه وقال :-
” سأتصل بجينا كي تأتي ونأخذك الى المنزل .. اعلم إنك لن تقبلي أن تغادري الجامعة معي لوحدي ..”
” لا داعي حقا يا مايكل .. سأتصل بزوجي ..”
قاطعها مايكل بقوة :-
” لن ننتظر زوجك .. سنوصلك فورا ..”
وبالفعل سارع يتواصل مع جينا التي أتت فورا وأسندتها حيث كانت حياة تستند عليها وهي تغادر الجامعة عندما رن هاتفها فهتفت بضعف :-
” هاتفي يرن .. ربما نديم يتصل بي ..”
حملت جينا حقيبتها وأخرجت هاتفها عندما توقفتا بجانب السيارة الذي سارع مايكل لتشغيلها فسألت جينا :-
” هل أجيب نيابة عنك وأخبره إنك آتية ..؟!”
هزت حياة رأسها بسرعة وهي تشعر بعدم قدرتها على الحديث فسارعت جينا تتحدث :-
” مرحبا انا جينا .، صديقة حياة .. هي متعبة للغاية ..”
سمعت صوت نديم يهتف منتفضا من مكانه بخوف وقلق :-
” ماذا حدث معها ..؟! انا سآتي حالا ..”
هتفت جينا بسرعة تحاول تخفيف قلقه الواضح :-
” هي ستأتي معي انا ومايكل الى المنزل .. لا تقلق فقط حاول أن تكون متوجدا عندما نصل لتهتم بها ..”
قال بسرعة :-
” انا في المقهى جانبكم .. انتظراني وسآتي خلال دقيقتين ..”
ثم اغلق الهاتف دون أن يسمع ردها فأشارت جينا الى مايكل الذي هبط من سيارته :-
” زوجها في المقهى جانبا .. سيأتي حالا ..”
ثم سارعت تجذب حياة من ذراعها تخبرها :-
” انتظري في السيارة حتى يصل زوجك ..”
جلست حياة في المقعد الأمامي للسيارة لتضع جينا كفها على جبينها فتهتف بسرعة :-
” أشعر إن حرارتها إرتفعت قليلا ..”
نظر مايكل الى حياة بقلق حتى وجدا سيارة فخمة تقترب منهما يهبط منها نديم بسرعة والذي تقدم نحويهما وتحديدا نحو حياة وهو يتسائل بلهفة :-
” كيف حالها ..؟!”
ردت جينا بسرعة :-
” مريضة للغاية .. وحرارتها بدأت ترتفع ..”
جذبها نديم من مكانها فتحاملت حياة على نفسها بسرعة وسارت معه نحو السيارة بضعف شديد ..
أجلسها في المقعد الخلفي ومددها عليه ثم عاد الى مايكل وجينا يشكرهما عندما هتف مايكل بسرعة :-
” هناك طبيب يمكنك أن تتصل به حيث يأتي الى المنزل ويفحصها ..”
أضاف وهو يفتح هاتفه :-
” يمكنني التواصل معه ومنحه عنوان منزلك وستجده عندك خلال ساعة ..”
” سأكون ممتنا كثيرا لك ..”
قالها نديم بسرعة ليسارع مايكل بالاتصال في الطبيب قبل أن يخبره إنه سيعطي رقم هاتفه لنديم ليرسل له موقع شقته ..
انهى المكالمة ثم أعطى رقم هاتف الطبيب لنديم الذي سارع يرسل موقع الشقة له قبل أن يشكر مايكل وجينا بإمتنان شديد ثم يودعانه بعدما طلبا رقمه كي يتواصلا معه ويطمئنان على حياة ..
قاد نديم بعدها سيارته متجها الى شقته عندما هبط من سيارته بعدما أوقفها في الكراج واتجه الى المقعد الخلفي وحمل حياة التي غفت تماما ثم سارع يفتح الباب لبندق وهو يحمل حياة ليقفز الكلب ويسير خلفهما متبعا خطوات نديم …
دلف نديم الى الشقة وهو يحملها بين ذراعيه يتأملها بقلق شديد وخوف شعر به يكسو كل إنش من جسده ..
سارع ووضعها على السرير في غرفتها ودثرها جيدا بالأغطية قبل أن يخرج من مكانه منتظر خروج الطبيب يتبعه بندق الذي فوجئ به يتقدم نحوه ويحرك رأسه الصغير على قدمه فحمله نديم وهو يشعر بسكون غريب سيطر على الكلب والذي يبدو إنه شعر بما أصاب صاحبته وتأثر لأجلها ..
أخذ نديم يمرر أنامله بين فرو الكلب وهو يردد :-
” لا تقلق .. مجرد مرض خفيف وسينتهي .. حياة قوية وستكون بخير …”
قالها وكأنه يتحدث مع نفسه في الحقيقة وليس مع الكلب .. يحاول أن يحفي قلقه بل يبعده تماما وهو يخبر نفسه إنها قوية وستتخطى مرضها بكل تأكيد ..
………………………………………………………
فتحت نانسي عينيها على صوت رنين هاتفها فجذبت الهاتف لتجد اسم صلاح يضيء على الشاشة ..
اعتدلت في جلست وأجابت على إتصاله تردد بصوت ناعس :-
” اهلا صلاح ..”
” مرة واحدة فقط اتمنى أن أتصل بك وأجدكِ مستيقظة ولستِ نائمة كالعادة ..”
قالها بتهكم لتتجاهل لهجته وهي تتسائل :-
” ماذا حدث لتتصل مبكرا ..؟!”
هتف ساخرا :-
” مبكرا .. الساعة تجاوزت الواحدة ظهرا ..”
زفرت أنفاسها مرددة بملل :-
” بالنسبة لي مبكرا .. المهم بالتأكيد هناك سبب لإتصالك بي ..”
قال صلاح بجدية :-
” نعم وسبب مهم جدا .. تحدثت مع عائلتي ووافقوا على أمر خطبتنا .. لم يتبقَ سوى تحديد موعد مع عائلتك كي نزور منزلكم ونتقدم رسميا لخطبتك ..”
سيطر الإرتباك عليها وهي تقول بإضطراب :-
” نعم بالطبع .. سأخبر ماما وأحدد موعدا مناسبا معها ..”
سأل صلاح بإهتمام :-
” هل عدت الى منزل عائلتك أم ..”
ردت بسرعة :-
” ما زلت في الفندق لكنني سأعود قريبا ..”
” حسنا .. انتظر منك اتصالا في أقرب وقت كي تخبريني بالموعد المحدد ..”
أنهى اتصاله معها لتنظر الى الهاتف بعدما أغلقته مفكرة في كيفية إقناع والدتها بهذه الزيجة ..
نهضنت من مكانها وتوجهت نحو الحمام تغتسل ..
خرجت بعد مدة وهي ترتدي روب الإستحمام وتجفف شعرها بالمنشفة عندما سمعت صوت رنين هاتفها لتحمله فتجد عدة اتصالات من هايدي ورسائل تخبرها إنها قادمة الى الفندق الذي تقطن به لتتحدث معها ..
رمت هاتفها جانبا وجلست على السرير بتعب وعقلها لا يتوقف عن التفكير ..!!
بعد حوالي ربع ساعة فتحت نانسي الباب لأختها وهي ما زالت ترتدي روب الإستحمام فدلفت هايدي الى الداخل لتغلق نانسي الباب خلفها وهي تسمع أختها تتسائل :-
” هل كنت تستحمين وانا أتصل بكِ ..؟!”
اومأت نانسي رأسها دون رد فوضعت هايدي حقيبتها الأنيقة على الطاولة ثم توجهت نحوها وسألتها بإهتمام :-
” كيف أصبحت الآن ..؟! هل أعصابكِ هدأت قليلا .. ؟!هل أنتِ أفضل الآن ..؟!”
ردت نانسي بقوة مصطنعة :-
” أعصابي هادئة منذ مدة ولا تنفعل إلا بسبب والدتك وتصرفاتها ..”
” لقد جئت أساسا لأجل هذا الموضوع ولأجل الاطمئنان عليك بالطبع ..”
قالتها هايدي بجدية لتهتف نانسي وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها :-
” تحدثي بوضوح يا هايدي ودون مراوغات .. مالذي تودين قوله والذي بالطبع إتفقتِ عليه اولا مع ماما ..”
قالت هايدي مدافعة عن نفسها :-
” سأقول ما لدي وماما لا علاقة لها بما أقوله لكن هذا لا ينفي إنها ترفض أمر هذه الزيجة تماما ..”
تغضن جبين نانسي بصيق فقالت هايدي بجدية :-
” ماما معها حق يا نانسي .. صلاح الخولي لا ينفع زوجا لك .. هو أساسا لا يصلح لعلاقة حقيقية .. سمعته تسبقه ولا يمكن لشخص كهذا أن تربطي حياتك به ..”
قالت نانسي بتحدي :-
” ولكنني أريده وهو يريدني وعائلته ستتقدم لخطبتي .. فقط ينتظرون موعدا تحدده والدتي ليأتون الى منزلنا ويخطبونني رسميا ..”
” أي موعد ..؟! أخبرتكِ إن ماما ترفض الأمر تماما …”
قالتها هايدي بعدم تصديق لترد نانسي بجدية :-
” هي مجبرة أن توافق .. انا أريد صلاح ولا توجد قوة على هذه الأرض ستمنعني عنه …”
” ماذا جرى لكِ يا نانسي ..؟! ما سر هذا التمسك المريب ..؟! متى أساسا أصبح صلاح مهما لكِ لهذا الحد ..؟! هو كان مجرد صديق بل أقل من ذلك وأنتِ بالأساس كنتِ مغرمة بإبن عمه ..”
قاطعتها نانسي بعصبية شديدة :-
” من فضلك توقفي .. أمر نديم انتهى .. لقد تزوج ووفقه الله مع إمرأة غيري ..”
” هكذا فجأة أصبح نديم مجرد ماضي .. نديم الذي أحببته لسنوات كما نعلم جميعا … وفجأة أصبح صلاح كل شيء .. هل هذه تصرفات منطقية بالله عليك ..؟! انتِ ماذا تفعلين بنفسك بالضبط ..؟! لماذا تحاولين تدمير نفسك بهذا الشكل ..؟!”
قالتها هايدي بعصبية فشلت في السيطرة عليها فردت نانسي بشفاه مرتجفة بل وجه يرتجف بالكامل وكأنها على وشك الإنخراط في بكاء شديد :-
” نعم أنا هكذا .. أدمر نفسي .. تصرفاتي غير منطقية .. اتركاني افعل ما أريد .. لا تتدخلان في حياتي .. ”
” انتِ مسؤولة منا ونحن نخاف عليكِ .. ألا تفهمين ذلك حقا يا نانسي ..؟!”
هتفت هايدي بها بصدق لتصيح نانسي بإنفعال :-
” كلا لا أفهم ولن أفهم وكلامك هذا لن يغير قراري .. انا سأتزوج من صلاح اما شعوركما بالمسؤولية إتجاهي وخوفكما علي لم يعد ينفع بشيء لإنه تأخر كثيرا يا هايدي .. تأخر لدرجة لا يوجد هناك مجال للرجعة لذا من فضلكما قفا جانبي لمرة واحدة وساعداني في أهم خطوة قادمة في حياتي ..”
” كيف تريدين أن نقف معك ونساندك في خطوة ستدمر حياتك ..؟!”
سألتها هايدي بعدم إستيعاب لترد نانسي بإنهيار بدأ يظهر عليها رقد فشلت في السيطرة على أعصابها :-
” لإن عدم حدوث هذه الخطوة هو الدمار الحقيقي لحياتي …”
” ماذا تقصدين ..؟!”
سألتها هايدي بتوجس لترد نانسي وهي تنهار باكية :-
” ألم تفهمي بعد ..؟! انا يجب أن أتزوجه .. لا يوجد لي حل آخر .. انا مجبرة على ذلك .. هذه الزيجة يجب أن تتم على آية حال …”
سألت هايدي وهي تبتلع ريقها :-
” انت لا تقصدين ذلك بالطبع ..”
ردت نانسي بدموع لاذعة :-
” بل أقصده ..”
أضافت وهي تسقط مكانها ببكاء على أرضية الغرفة :
” انا دمرت نفسي .. منحت جسدي وشرفي له .. لا حل أمامي سوى أن أتزوجه .. هذه الطريقة الوحيدة لإستعادة شرفي …”
تجمدت ملامح هايدي كليا وهي تستمع لإعتراف أختها الخطير قبل أن تنحني أرضا نحوها تهتف بعدم تصديق :-
” كيف حدث هذا ..؟! كيف إستطعتِ فعل هذا .. ؟! كيف تلاعبتِ بشرفك بكل إستهتار ..”
قالت كلماتها وهي تضربها على ذراعها بقوة وتردد بإنفعال باكي :-
” كيف ..؟!! كيف ..؟!! كيف …؟!!”
انهارت نانسي باكية وهي تردد :-
” لم أكن في وعيي … كنت مخمورة تماما وهو كذلك .. حدث كل شيء دون وعي منا .. والله لم أكن واعية لأي شيء ..”
أضافت وهي تقبض على كفي أختها تتوسلها :-
” ساعديني يا هايدي .. انت الآن أصبحتِ تعرفين سري .. لا احد سواك يعلم .. اساسا لا يوجد غيرك يمكنني إخباره بشيء كهذا ويمكنه مساعدتي .. من فضلك ساعديني ..”
أضافت من بين بكائها :-
” صلاح سيتزوجني .. حتى هو من اقترح أمر الزيجة .. هو من أراد ذلك لإنه نادم بشدة ..”
رمت نفسها بين أحضان أختها تتوسلها ببكاء يمزق نياط القلب :-
” ساعديني ارجوك .. اقنعي ماما بأمر الزيجة .. ارجوكِ يا هايدي .. أتوسل إليك ..”
أغمضت هايدي عينيها بقوة والدموع الحارقة تجمعت داخلها وعقلها بدأ يعمل دون توقف لإيجاد حل لهذه المصيبة ..
…………………………………………………………….
جلس فراس أمام أوليفيا التي أتت الى مكتبه أخيرا بعدما اتفقا على هذا الموعد ..
سألها وهو يضع فنجان قهوته أمامه :-
” إذا ما رأيك بشركتي ..؟!”
ردت أوليفيا وهي تبتسم :-
” رائعة .. شركة فخمة للغاية كصاحبها تماما ..”
ابتسم بخفة ثم قال :-
” إذا متى ستبدئين العمل معنا ..؟!”
ردت بجدية :-
” امنحني بعض الوقت .. سأرتب أموري كاملة حتى أكون جاهزة لبدأ العمل معك ..”
ابتسم ورد بعملية :-
” نحن في انتظارك دائما وفي أي وقت ترغبين ..”
” تمسككِ بي لهذه الدرجة يسعدني حقا .. يبدو إن تأثير غالية قوي عليك ..”
قالتها وهي تغمز له بمكر ليضحك وهو يردد:-
” بالطبع .. غالية خطيبتي وزوجتي المستقبلية وانت من طرفها .. ”
أضاف وهو يضغط على شفتيه :-
” وأي شخص من طرف غالية سيكون غالي علي مثلها تماما …”
ابتسمت بجاذبية مفرطة وقالت :-
” هذا واضح .. ”
ثم أضافت بضحكة رائقة :-
” إذا بهذه المناسبة سأتصل بغالية وأشكرها وأدعوها على العشاء وبالطبع أنت مدعو معها .. هل لديك عمل مهم مساء الغد ..؟!”
رد وهو يتأملها بقوة :-
” حتى لو كان لدي عمل هام .. سوف أؤجله لأجل عزيمتك ..”
ابتسمت بخفوت ثم نهضت من مكانها وهي تحمل حقيبتها لينهض بدوره فتمد يدها له تحييه فيقبض على يدها يضغط على عن قصد مرددا :-
” أراكِ مساء الغد إذا ..”
ابتسمت وهي ترد بحماس :-
” بالطبع .. كلي حماس لهذا العشاء ..”
ثم سحبت يدها من بين قبضته وغادرت ليبقى هو مكانه يتأملها للحظات قبل أن يتجه نحو مكتبه ويحمل هاتفه يجري اتصالا بها :-
” اهلا عهد .. جهزي تميم سآتي وأخذه خلال نصف ساعة ..”
جاء صوتها الإعتيادي :-
” سيكون جاهزا في إنتظارك …”
أغلق الهاتف ثم حمل مفاتيحه وغادر المكان ..
وصل الى هناك بعد حوالي ثلث ساعة فركن سيارته جانبا وهبط منها متجها الى داخل العمارة متوسطة الحال حيث صعد الى الطابق الثاني حيث توجد شقة زوجته السابقة ..
ضغط على جرس الباب ليجد تميم يفتح الباب له مرددا بسرعة :-
” خمس دقائق وأكون جاهزا ..”
ثم ركض الى الداخل تاركا والده عند الباب لتأتي عهد بعد لحظات بطلتها الإعتيادية البسيطة حيث بيجامتها المحتشمة الأنيقة وشعرها الأسود الطويل المرفوع عاليا بشكل كعكه وبالطبع وجهها الخالي من مستحضرات التجميل ..
لطالما كانت مثال للبساطة الشديدة في المنزل ورغم هذا كانت تجذبة بقوة مخيفة دون أن تبذل أي مجهود يذكر ..
في الواقع عهد المرأة الوحيد التي جذبته رغم كونها عادية جدا .. بسيطة للغاية وعفوية في كل شيء ورغم هذا كان يحترق بجوارها بطريقة لم يشعر بها مع أي إمرأة سواها دون أن يفهم سبب ذلك وحتى الآن لا يمكنه أن يفهم ..
سمعها تقول بصوتها الرقيق :-
” بإمكانك الدخول وإنتظاره في الداخل ..”
لوى فمه ساخرا :-
” سوف تسمحين لي بالدخول ولا يوجد رابط شرعي بيننا ..”
كان يسخر من مبادئها الشديدة وإلتزامها الممل بالنسبة له كالعادة لكنها تجاهلت سخريته وردت بجدية شديدة :-
” سأترك الباب مفتوح بالطبع والأهم من ذلك إن ماما موجودة في الداخل يعني لست لوحدي ..”
ردد بنفس التهكم اللاذع :-
” إذا كان الأمر هكذا ودخولي لن يمس مبادئك المبجلة فسأدخل ..”
ثم دلف الى الداخل يتأمل الشقة البسيطة والأنيقة في نفس الوقت متذكرا عدد المرات التي جاء بها الى هنا اثناء فترات زواجهما …
اتجه يجلس على الكنبة فسألته بلباقة :-
” هل تشرب شيئا ما ..؟!”
رد رافضا :-
” شكرا ، سأنتظر تميم حتى ينتهي من تجهيز نفسه ..”
قالت بجدية :-
” سينتهي خلال دقائق .. هو فقط كان نائما عندما اتصلت بي ولهذا أخذ وقتا حتى إستيقظ ..”
هز رأسه بتفهم ليسمعها تسأله :-
” ستجلبه إلي مجددا ، أليس كذلك ..؟!”
تأملها على مهل يلاحظ نظرات الرجاء في عينيها فإبتسم بمكر :-
” حاليا لا أعلم .. لكن لا تقلقي عندما أتزوج قريبا سأجلبه أثناء فترة شهر العسل يبقى معك فأنا لن أكون متفرغا له للأسف ..”
ردت بجدية وإمتنان :-
” سأكون ممتنة لك كثيرا ..”
شعر بالغيظ لعدم إهتمامها بأمر زواجه بل عدم ظهور أي آثار للغيرة على ملامح وجهها التي لطالما كانت شفافة تكشف عن مشاعرها بوضوح ..
هل تتعمد إدعاء عدم الإهتمام أم إنها بالفعل ليست مهتمة من الأساس ..؟!
نهض من مكانه متقدما نحوها فظلت واقفة مكانها بصلابة ليردد وهو يقف على مسافة قريبة منها يتسائل عن قصد :-
“تشتاقين إليه كثيرا ، أليس كذلك ..؟! تريدنه دائما جانبك ..؟! يؤلمك فراقه لأيام ..”
” إنه طفلي الوحيد والذي لا يوجد عندي غيره ..”
” ولن يكون هناك سواه ..”
قالها بحزم قبل أن يضيف بتهديد صريح :-
” وانت تعلمين جيدا نتيجة ما سيحدث إذا ..”
قاطعته بقوة :-
” لن يحدث أي شيء من هذا يا فراس .. اطمئن انا لا أتزوج مجددا .. ليس لأجلك بل لأجل تميم .. انا لدي صبي لا أريده أن يكبر وهو يرى والدته زوجة رجل آخر .. أعلم مدى قسوة هذا الشعور على الأطفال عموما وخاصة الصبيان وتميم شخصيته لن تتقبل شيئا كهذا وانا لن أعرض إبني ليعيش تجربة مؤلمة كهذه ..”
” احسنت .. تتصرفين بتعقل وتفكرين بتميم قبل نفسه ..”
قالها ببرود لترد مجددا :-
” أخبرتك إنه وحيدي الذي ليس لدي سواه ..”
قال عن قصد :-
” كان لديك كل شيء يا عهد لكنكِ تنازلت عن كل ما لديك بكل تكبرتِ فغدوتِ وحيدة تستجدين رؤية ابنك مني ..”
” ربما تظن ذلك .. ربما من وجهة نظرك كان معي كل شيء عندما كنت على ذمتك لكن واقعيا ورغم كل هذا معك فقدت أهم شيء .. كرامتي وكبريائي اللذان طعنتهما مرارا بتصرفاتك ..”
” انت تكذبين على نفسك .. اعترفي انك تصرفت بشكل خاطئ متسرع .. والنتيجة إنك خسرتِ وجود ابنك وحيدك جانبك بسبب تخليكِ عنه حفاظا على كرامتك وكبريائك المزعومين ..”
قالت بتحدي :-
” انا لم أتخلَ عن طفلي أبدا يا فراس بل أنت من جعلتني أتنازل عن حضانته مجبرة .. وكرامتي تلك كانت مهمة بالنسبة لي فأنا إمرأة لا يمكنها العيش بدون كرامة .. انت تفننت في دعس كرامتي وكبريائي ولو كنت استمريت معك صدقني لكانت الأمور تطورت بشكل أسوء …”
أضافت والألم يكسو ملامحها :-
” عندما أتذكر عدد الفرص التي منحتك إياها وكم تهاونت بحق نفسي لأجلك أشعر بالنفور من ذاتي .. انا بسببك كرهت نفسي يا فراس ولولا طلاقي منك ما كنت لأستعيد ذاتي أبدا ..”
حل الصمت المطبق بينهما وكلاهما يتبادلان نظرات القوة والتحدي قبل أن يسمعا صوت تميم يهتف بهما :-
” انا انتيهت من تجهيز نفسي ..”
……………………………………………………
في صباح اليوم التالي
كان يجلس على طاولة مكتبه يتابع أعماله عندما اتصلت به سكرتيرته تخبره :-
” تقى هانم تريد مقابلتك …”
رد بملل :-
” دعيها تدخل ..”
دلفت تقى بعد لحظات وهي تبتسم بملامح رائقة حيث تقدمت نحوه تحييه ثم تجلس أمامه تخبره :-
” جئت لأخبرك بما حدث .. لقد عاد مهند الي .. تحدث معي وأراد رؤيتي وإلتقينا ..”
ابتسم عمار بمكر مرددا :-
” حقا ..؟!”
هزت رأسها وهي تقول :-
” حقا ..؟! لقد غادر شقتنا منذ ساعتين تقريبا .. قضينا ليلتنا سويا .. ”
” هذا شيء حدث لصالحنا تماما ..”
قالها بمكر لتبتسم وهي ترد :-
” لهذا أتيت الى هنا فورا .. لأخبرك بما حدث ونقرر الخطوة القادمة ..”
ردد عمار بقوة :-
” الخطوة القادمة أصبحت واضحة وتنفيذها يجب أن يتم سريعا …”
” عم تتحدث بالضبط ..؟!”
سألته بعدم فهم ليرد بتأفف :-
” بهذه السرعة نسيت ..؟!! لقد تحدثنا بهذا الأمر منذ يومين .. موضوع حملك و ..”
قاطعته بجدية :-
” كيف سأحمل يا هذا .. ؟! الأمر ليس بيدي ..”
ضحك عمار مرددا بوقاحة :-
” لكنكما كنتما سويا البارحة وهو لم يأخذ احتياطاته على ما أعتقد ..”
تجاهلت وقاحته مرددة :-
” إلام تخطط بالضبط يا عمار ..؟!”
قال عمار عن قصد :-
” انا أخطط لما سيفيدك حقا .. لما سيجعل مهند بل جميع أفراد عائلته يعترفون بك كزوجة له .. أليس هذا ما تريدينه يا تقى ..؟! زواج شرعي وعلني .. ؟! زوجة حقيقية معترف بها أمام الجميع ..؟! أم أعجبك البقاء في الظل ..؟!”
ردت بسرعة :-
” بالطبع هذا ما أريده وأتمناه ولكن صعب أن يحدث ..”
” لن يكون صعبا أبدا .. عندما تحملين طفل مهند سيكون مجبورا هو وجميع من حوله على الإعتراف بك وبطفلكِ ..”
” وماذا إن لم يفعلوا ..؟! ماذا لو رفضوا الإعتراف ..؟! والأهم إنني لست حاملا من الأساس ..”
رد بقوة :-
” موضوع حملك اتركيه لي ..”
نظرت له بعدم تصديق فيضيف ببرود :-
” لا تنظري إلي هكذا .. عائلة الهاشمي لا يتخلون عن أبنائهم .. عندما يصل الأمر الى هنا فيتقبلون الزيجة مجبرين .. انا أعرف هذه العائلة جيدا وأعرف طباعهم .. انا أتحدث عن ثقة تامة ومعرفة مسبقة .. بالتأكيد لا أنوي توريطك ..”
” حسنا ولكن كيف سأحمل بطفل مهند ..؟!”
سألته بنفاذ صبر لينهض من مكانه ويتقدم نحوها منحنيا جوار أذنها مرددا :-
” ألم تسمعي عن التلقيح الإصطناعي من قبل ..؟!”
جحظت عينيها وهي تردد :-
” تلقيح اصطناعي ..؟! ولكن كيف ..؟! ”
أضاف تستدير نحوه تسأله بعدم تصديق :-
” هل سأطلب من مهند أن نقوم بالتلقيح الإصطناعي ..”
قاطعها بغضب مكتوم :-
” أنت إما غبية فعلا أو تتغابين ..؟!”
نظرت له بعصبية مكتومة فأضاف بعدما أخذ نفسا عميقا :-
” افهمي يا تقى .. انت أمام مهند حملتِ منه بعد ليلة البارحة ، حسنا ..”
هزت رأسها بحركة آلية ليضيف موضحا أكثر :-
” لكن واقعيا انت ستلجأين للتلقيح الإصطناعي .. سنطلب من أحد الأطباء تلقيحك إصطناعيا بحيث تحملين حالا وتخبرين مهند بحملك بعد حوالي شهر .. ”
” وكيف سألقح نفسي ومهند لا علم لديه ..؟!”
سألته بعدم استيعاب ليردد ببساطة :-
” لا علاقة لمهند بالأمر .. سنأخذ نطفة من شخص مجهول ونلقحك بها ..”
انتفضت من مكانها تردد بعدم تصديق :-
” هل تريدني أن أحمل من رجلا غير زوجي …؟!”
قبض على كتفها يجلسها مجددا على الكرسي وهو يقول :-
” اخفضي صوتك اولا وكفي عن قول زوجي لإنه ليس زوجك أبدا وهذه الورقة التي معك لا يعترف بها إثنان في السوق المحلي ..”
نظرت إليه بغضب مكتوم وقالت :-
” لا يمكنني فعل ذلك .. لا يمكنني خيانة مهند ..”
رد بقوة :-
” من أين جائت الخيانة ..؟! هل أطلب منك القيامة بعلاقة مع رجل آخر ..؟! افهمي أيتها الغبية ..”
زفر أنفاسه بتعب ثم قال :-
” الأمر بسيط وبعيد عن الخيانة .. فقط تلقيح اصطناعي من رجل لا تعرفين شكله حتى ..”
” وهذا الطفل الذي سيأتي .. لن يكون ابن مهند .. هل تعلم معنى هذا ..؟! هذه جريمة بحق الإنسانية لا يمكنني إرتكابها ..”
رد بقوة وشيطنة:-
” هذا الطفل لن يأتي .. لن تلديه أساسا .. ستجهضينه قبل أن تكملي شهرك الثالث ..”
” انا لا أفهم ما تفكر به حقا ..”
قالتها بضياع ليصيح بغضب :-
” لإنك غبية ..”
أكمل بقوة :-
” افهمي أيتها الغبية .. هذا الطفل مجرد وسيلة .. وسيلة لإعلان زواجك علنيا من مهند .. وسيلة لتكوني زوجة حقيقية معترف بها أمام الجميع .. وسيلة ستتخلصين منها حالما ننتهي من غايتنا .. هل فهمت الآن ..؟! يعني بإختصار أنتِ ستحملين بسرعة وتذهبين الى مهند وتخبريه إنك حملت بعد تلك الليلة وبعدها ستطلبين منه الإعتراف بزواجكما وهو ما إن يتأكد من حملك سيضطر الى القبول ويجبر عائلته على قبولك بينهم وبعدها بأقل من شهرين تناولي أي دواء يجعلك تجهضين الطفل وحينها ستتخلصين من هذه الجريمة لكن بعدما تصبحين زوجة مهند الهاشمي رسميا …”
نظرت إليه بتردد وعدم اقتناع قبل أن تسأل :-
” وانت ، ماذا سوف تستفيد من كل هذا ..؟!”
رد بتحذير :-
” هذا الأمر لا يخصك .. ما يخصك هو ما تريدنه وتسعين إليه والذي يتفق مع مصالحي الشخصية ..”
” وأختك ..؟! ماذا سيكون موقفها عندما يتزوج زوجها بأخرى ..؟!”
سألته بإهتمام ليرد بقوة :-
” ألم تفهمي بعد إن زواج مهند وجيلان سينتهي عاجلا أم آجلا وإن هذا الزواج مجرد حبر على ورق .. لا يهمني ولا يهم جيلان .. زواج مؤقت وسينتهي لا محالة لذا ظهورك كزوجة وضرة لأختي لن يهم أيا منا .. انشغلي بنفسك فقط ولا عليك بغيركِ ارجوكِ..”
نظرت له بقلق ليسأل :-
” ماذا قررت ..؟!”
ردت بخفوت وعدم اقتناع :-
” امنحني بعض الوقت للتفكير على الأقل ..”
ثم نهضت من مكانها وهمت بالتوجه نحو الخارج عندما سمعته يقول بتنبيه :-
” لا تنسي يا تقى .. أمامك يومان او ثلاثة بالكثير .. يجب أن نقوم بعملية التلقيح بأسرع وقت كي يتماشى مع توقيت البارحة وسيكون أفضل إذا تكرر ما حدث البارحة الأيام القادمة ..”
نظرت له بصمت محمل بالنفور والفكرة نفسها بدت غير منطقية بالنسبة لها ولا تصدر سوى من شخصا ذو تفكير شيطاني كالذي أمامها ..
………………………………………………………………
كانت تجلس على سريرها تحتضن ساقيها بذراعيها تنظر أمامها بصمت وعقلها لا يكف عن التفكير ..
منذ صباح البارحة وهي محبوسة بين جدران هذه الغرفة والطعام يأتيها بأوقات محددة بأوامر من زوجها الذي لم يعد حتى الآن …
تركها كحيوان محبوسة بين جدران هذا الجناح دون أن يكلف نفسه ويطمئن عليها ..
لحظات قليلة وسمعت صوت باب الجناح يفتح فإنتفضت من مكانها لتجده يعود أخيرا حيث رمى مفاتيح سيارته مع مفتاح الجناح على الطاولة يتبعها بهاتفه المحمول ..
انكمشت على جسدها لا إراديا ليلتفت نحوها يسألها بسخرية لاذعة :-
” كيف حال زوجتنا العزيزة ..؟!”
لم تجب بل بقيت تتأمله بصمت فقال بتحذير :-
” انظري همسة تريد الإطمئنان عليك .. أخبرتها إنكِ كنت مريضة وشكننا إنه مرض معدي لهذا بقيتِ في الجناح .. إياك أن تنطقي حرفا مخالفا لما قلته .. حسنا ..؟!”
اومأت برأسها دون رد عندما سمعا صوت طرقات على باب الغرفة ليتجه نحو الباب ويفتحها فيجد همسة أمامه فيبتسم لها بتصنع وهو يقول :-
” ادخلي الى الداخل .. انا سأخرج الى الحديقة قليلا ..”
ثم منح جيلان نظرة محذرة قبل أن يغادر فتتقدم همسة نحوها تسألها بإهتمام :-
” كيف أصبحتِ الآن ..؟! هل انتِ أفضل الآن ..؟!”
ردت جيلان بصوت مبحوح :-
” نعم ، انا بخير .. ”
أضافت بحذر :-
” بعني البارحة كنت مريضة تماما لكن اليوم أصبحت أفضل …”
” مهند أخبرنا بذلك وكذلك الخادمة …”
اومأت جيلان برأسها متفهمة فجلست همسة على الكنبة وأشارت الى جيلان لتجلس جانبها فسارعت جيلان تجلس جانبها لتسألها همسة :-
” هل انتِ بخير ..؟! تبدين منطفئة تماما ..”
ردت جيلان بألم خفي :-
” أبدا .. فقط أشتاق لبابا وماما كثيرا .. هكذا فقط ..”
ابتسمت همسة بحزن ترد :-
” أعلم شعورك هذا جيدا .. فأنا عشت نفس تجربتك في عمر مقارب لعمرك تقريبا ..”
” إنه أصعب شعور من الممكن أن يعيشه أي شخص .. شعور أن تفقدي والديك .. عائلتك وسندك ..”
كانت تتحدث بشرود فقبضت همسة على ذراعها تخبرها بجدية :-
” نحن عائلتك وسندك يا جيلان بعد الله سبحانه وتعالى .. لا تنسي ذلك ابدا ..”
ادمعت عينا جيلان بينما تغضنت ملامح همسة بإنزعاج فإندفعت نحو الحمام تفرغ داخل المغسلة مافي جوفها ..
تبعتها جيلان بقلق حتى خرجت همسة وهي تضع كفها على معدتها فسألتها جيلان بقلق :-
” ماذا حدث ..؟! هل أنت مريضة يا همسة ..؟!”
ردت همسة بخوف :-
” لا أعلم .. أشك إنني حامل ولكن لا تخبري أحدا ..”
إنفرجت ملامح جيلان وهي تردد بسعادة وقد تناست كل ما حدث :-
” حامل حقا ..؟! يا له من خبر رائع ..؟
هزت همسة رأسها بشرود ولم تبدُ هناك ملامح للسعادة على وجهها فسألتها جيلان بقلق :-
” هل أنتِ بخير يا همسة..؟!”
ردت بسرعة تبتسم بتصنع :-
” نعم انا بخير لا تقلقي .. فقط أحتاج أن أرتاح قليلا .. سأراكِ على الغداء ..”
ثم غادرت الغرفة مسرعة لتتجه جيلان نحو السرير وتجلس عليه بصمت حتى دلف مهند مجددا بعد لحظات يتسائل :-
” لقد غادرت همسة أخيرا …”
بدا متحفزا وهو يتحدث متقدما نحوها مرددا :-
” إذا ، أخبريني هيا عن ذلك الحقير الذي منحته جسدك ..؟!”
ردت بصوت منخفض وهي تقبض على شرشف السرير بكفيها :-
” لا أعرفه .. لا أعرف من هو ..”
” هل تظننيني ساذجا لأصدق حديثك هذا ؟!”
قالها بغضب قبل أن يجذبها من ذراعيها ويوقفها أمامه مرددا بقوة :-
” تحدثي يا جيلان أفضل لك .. انا لا صبر لدي لهذه التصرفات ..”
ردت باكية :-
” والله لا أعرفه .. صدقني .. ”
ضحك مرددا بتهكم :-
” يا إلهي .. هل منحتِ جسدك لرجل لا تعرفينه حقا .. ؟! كيف حدث ذلك …؟! أم إنه لم يكن شخصا واحد وبالتالي لا يمكنكِ أن تحددي هويته ..”
صرخت باكية :-
” يكفي أنا لا أسمح لك … هل فهمت ..؟!”
قبض على ذراعها بقوة جعلتها تصرخ آلما ليردد :-
” انت لا يحق لك أن تفتحي فمك اساسا .. ألا يكفي إنني تورطت بك .. ؟! تزوجتكِ والله وحده يعلم كم شخص لمسكِ قبلي ..”
” انا لم أكن أريدك .. هم أجبروني عليك .. أخي وأخيك .. أنا أكرهك .. لا أطيقك ..”
كانت تتحدث بإنهيار وهي تضربه على صدره ليقبض على كفيها بقوة شديدة مرددا وهو يشملها بنظراته المشمئزة :-
” إذا كنت تكرهيني ولا تطيقيني فأنا أشمئز منكِ ومن فكرة كونكِ زوجتي .. لقد تزوجت بمجرد عاهرة .. أخبريني كيف حدث هذا ..؟؟ من ذلك الحقير الذي منحته جسدك ولوثتِ شرفكِ وشرفنا جميعا بسبب تصرفك الدنيء …؟!”
” نعم انا عاهرة .. انا دنيئة ومقرفة … انا كل شيء سيء قد تراه … وانا أكرهك .. سأكررها دائما يا مهند .. أنا أكرهك ولا أطيقك ولا يمكنني تحمل وجودك .. أكرهك أكثر حتى من ذلك الرجل الذي إغتصبني ..!!”
توقف مكانه للحطات مراجعا كلماتها ليتقدم نحوها يسألهت بقرب أكبر :-
” كرري ما قلته .. آخر جملة قلتها ماذا كانت …”
مسحت دموعها تردد :-
” لا أتذكر ما تفوهت به أساسا ..”
أضاف بتركيز شديد :-
” قلتِ اكرهك اكثر من الرجل الذي إغتصبني ..”
أضاف يتسائل بعدم تصديق :-
” هل تعنين إنك تعرضتِ للإغتصاب حقا ..؟! هل كانت حادثة إغتصاب .. ؟!”
صاح بنفاذ صبر :-
” أخبريني ودعيني أفهم ..”
ابتلعت ريقها بصعوبة ودموعها تغرق وجهها قبل أن تقول :-
” سأخبرك بكل شيء .. سأخبرك الحقيقة الكاملة وانت حر في التصديق من عدمه ..”
نظر لها بتركيز شديد لتغمض عينيها وتأخذ نفسا عميقا قبل أن تبدأ حديثها …
………………………………………….
امام مكتب سكرتيرتها وقف عمار يتسائل :-
” أخبري بوسي هانم إنني هنا …”
” بالطبع يا بك ..”
قالتها السكرتيرة وهي تحمل الهاتف وتتصل ببوسي تخبرها إن عمار الخولي في الخارج وعيناها تتطلعان اليه وهو يقف بجسده الضخم قليلا الطويل بحذر ..
اغلقت الهاتف وقالت :-
” خمس دقائق والهانم ستكون في انتظارك ..”
اومأ برأسه دون رد واتجه نحو الكنبة المقابلة لها يجلس عليها ..
تطلع الى ساعته فوجدها تقدمت خمس دقائق لينهض من مكانه ويدلف الى الداخل دون إستئذان فتقف بوسي من مكانها بسرعة والشاش ما زال يغلف يدها اليسرى ..
” حتى وانت مريضة تحتفظين بكامل جمالك وأناقتك ..”
قالها وهو يتأمل طلتها شديدة الأناقة برسميتها التي تناسب العمل وملامح وجهها الجميلة لتتسائل بأعصاب بالكاد إستطاعت أن تسيطر عليها وهي ترى أمامها الرجل الذي حاول قتلها بل وقتل طفلها الذي أرادته بقوة :-
” ماذا تريد يا عمار ..؟! لماذا أتيت الى هنا ..؟!”
رد وهو يتقدم نحوها ثم يقف مباشرة أمامها قائلا :-
” جئت للاطمئنان عليك اولا ولأقول لكِ حمد لله على سلامتك يا بوسي ومبارك لك عودتك الى عملك …”
تجاهل الكره الذي ملأ ملامحها بسبب كلامه وجلس على الكرسي المقابل لها قائلا بهيمنة :-
” والآن اجلسي ودعينا نتحدث فهناك أحاديث مهمة بيننا للغاية ..”
قالت وهو تضغط على أعصابها بقوة :-
” لا يوجد حديث بيني وبينك .. غادر من هنا حالا لإنني لا أطيق رؤية وجهك …”
رد بلا مبالاة :-
” بل يوجد الكثير وانتِ مضطرة لسماعي .. لأجلك قبل أن يكون لأجلي ..”
أضاف متشدقا :-
” اجلسي يا عزيزتي ولا تتعبيني أكثر وأعدك إنني لن أطيل في الحديث ..”
” قل ما لديك بسرعة ..”
قالتها بغضب مكتوم وهي تجلس أمامه ليردد ببرود :-
” لقد وصلتني بعض الأخبار عنك .. أخبار لم تعجبني بتاتا ..”
” عم تتحدث بالضبط ..؟!”
سألته بجمود ليرد بجدية :-
” منذ خروجك من المشفى وانت لا تكفين عن محاولة البحث خلفي والتواصل مع منافسيني وأعدائي في سوق العمل ..”
تطلعت اليه بصمت للحظات قبل أن تهتف بقوة وعدم اهتمام :-
” نعم ، هذه حقيقة ..”
سأل مبتسما :-
” هل تحاولين إيذائي بهذه الطريقة ..؟!”
ردت ببساطة :-
” حتى الآن لا أريد ذلك .. ليس لإنني لا أريد إيذائك .. بل لإن الوقت المناسب لإيذائك لم يأتِ بعد ..”
رد بثقة :-
” ولن يأتي .. وأنتِ تدركين هذا جيدا …”
هنفت بتحدي :-
” سيأتي يا عمار .. سيأتي اليوم الذي ستنتهي تماما به ..”
” انت لا يمكنك فعل أي شيء .. تعلمين هذا جيدا ولكنكِ ترفضين الإعتراف ..”
قالها بإستهانة لترد بمكر :-
” طالما إني هكذا فماذا تفعل هنا في مكتبي ..؟! لماذا تتحدث مع واحدة لن تستطيع فعل أي شيءلك من الأساس ..؟!”
هتف ضاحكا :-
” هل تظنين إنني أتيت هنا خوفا منك ..؟! لا تكوني معتزة بنفسك لهذه الدرجة ولا تمنحي نفسك حجما أكبر من حجمها الأصلي … انا أتيت لإنني لا أريد إيذائك بسبب محاولاتك السخيفة والفاشلة بكل الأحوال لإيذائي وأيضا لإنه وبصراحة تامة لا مزاج لدي للعب مع الصغار ..”
لاحظ ملامحها المشتعلة ليهتف بجدية :-
” دعينا نتحدث بوضوح .. ما رأيك أن ننسى ما حدث ونسعى لبداية جديدة .. بداية نظيفة تماما ..”
” بداية جديدة .. ونظيفة ومعك أنت تحديدا ..”
قالتها مدعية الدهشة قبل أن تضحك بخفة وهي تردد بتهكم :-
” من الصعب أن يجتمع كل هذا سوية يا عمار .. انت بالذات لا تناسبك البدايات النظيفة ..”
هتف بقوة :-
” سنعقد اتفاقيات مهمة وأمنحك الدعم الكامل والغير مشروط .. ستصلين بشركتك الى القمة .. معي أنا ستُفتح لك أبواب جديدة لن تصلي إليها بدوني وأنتِ تدركين ذلك جيدا ..”
نهضت من مكانها ترد بنفس القوة :-
” وانا لا أريد دعمك ولا مساعدتك .. افهم جيدا .. منذ ذلك اليوم ونحن أصبحنا عدوين .. إذا كان هناك شيء ما سيجمعنا يوما فهي الحرب والإنتقام ..”
ضحك مرددا :-
” الحرب مرة واحدة يا بوسي ..”
أضاف بتعمد :-
” أنتِ أكثر شخص يعلم نتيجة دخول حرب معي .. لقد شاهدت بعينيكِ نتاج ذلك مع الكثير قبلك وبالطبع لا تنوين أن تكوني ضحية جديدة من ضحاياي ..”
قاطعته بتمهل :-
” بل كنت … انا بالفعل إحدى ضحاياك … وكوني ضحيتك فسوف أسعى بكل قوتي لنيل حقي منك .. هكذا فقط وهذا كل ما أريده …”
همس ببرود :-
” إذا أنت إخترتِ الحرب .. ومصرة على إختيارك ..”
ردت بقوة :-
” نعم مصرة تماما ولن أتراجع أبدا مهما حدث …”
” حسنا كما ترغبين ..”
قالها بلا مبالاة وهو ينهص من مكانه مغلقا أزرار سترته قبل أن يهتف ملوحا بيده :-
” أراك في حربنا القادمة يا بسبس ”
تابعته وهو يخرج بغضب متفاقم لتحمل هاتفها وتضغط على احد الارقام تخبر صاحبه بنرفزة :-
” لقد كان هنا وغادر منذ لحظات .. الحقير يهددني بكل وقاحة ممكنة ..”
……………………………،……………………………..
كانت تجلس على مكتبها تتابع العمل بملل وشعوور التعب يملأ كيانها ..
لم تنم البارحة سوى بضعة ساعات لتقضي الصباح في المشفى مع والدها ثم تتحدث مع الحراسة التي وصلت من شركة الأمن وتطمئن على سير الأمور كما خططت لها لتعود وتجد الكثير من الأعمال المتكدسة التي تنتظرها …
وهاهي تجلس على مكتبها تشعر بظهرها يكاد ينشطر نصفين من التعب ..
وجدت سكرتيرتها تتصل بها فأجابتها لتخبرها :-
” زاهر بك يريد مقابلتك يا هانم ..”
قالت بسرعة :-
” ادخليه فورا ..”
دلف زاهر يحمل معه زهور التوليب المفضلة لها فإبتسمت ترحب به وهي تتناول زهور التوليب تتنفس رائحتها بسعادة قبل أن تشكره :-
” أشكرك حقا .. كنت بحاجة شيء يعدل مزاجي ولا يوجد أفضل من زهور التوليب المفضلة عندي ..”
أشارت له حيث الكرسي المقابل لها :-
” تفضل اجلس ..”
ثم جلست مقابلة له فهتف وهو يتأملها بإعجاب أخجلها :-
” كرسي الإدارة يليق بك للغاية ..”
ابتسمت وهي تشكره مجددا بخفوت وقليل من الخجل قبل أن تسأل :-
” ماذا تحب أن تشرب ..؟!”
رد بجدية :-
” في الحقيقة أنا لم آت لأشرب شيئا هنا بل أتيت لأدعوك للخروج سويا فأعلم جيدا إنك تحتاحين للقليل من تغيير الجو. بعدما حدث في اليومين السابقين ..”
تنهدت بتعب وهي ترد. :-
” ما حدث كان يفوق طاقتي حقا يا زاهر .. لكن لا بأس كل شيء يمر ..”
هتف بجدية :-
” انت قوية يا ليلى .. قوية للغاية وقوتك هذه سبب إستمرارك .. رغم كل الظروف ما زلت تتمسكين بالحياة وتتشبثين بها بكل قوة ممكنة .. تحاولين إستعادة ذاتك والحفاظ على حياة من حولك وحمايتهم .. برأيي هذا سبب كافي يدعوكِ للتفاخر بنفسك والشعور بالسعادة فرغم كل شيء تماسكت بكل صلابة وتخطيت الكثير من الأمور التي تدعو الى الإنهيار الحتمي ..”
ابتسمت مرغمة وهي ترد :-
” ليس تماما يا زاهر لكن بالفعل أحاول التماسك قدر المستطاع .. كلامك يعني لي الكثير .. اشكرك حقا …”
قال بجدية :-
” سوف تتخطين كل هذا .. كوني واثقة من هذا ..”
نظرت له وهي تبتسم بهدوء دون رد ليهتف :-
” والآن هيا انهضي سنذهب ونتناول العشاء في احد المطاعم فأنا لم أتناول شيئا منذ الصباح..”
هتفت تتسائل بإستغراب :-
” لماذا لم تتناول غدائك ..؟!”
رد مبتسما :-
” كان لدي أعمال هامة جدا في الوزارة … لم أنته منها حتى العصر ثم عدت ونمت فورا وها انا استيقظت واتيت اليك .. ”
اضاف بقوة :-
” انت لن ترفضين الخروج معي بالطبع .. ولن ترفضين مشاركتي طعام العشاء ..”
ابتسمت مرددة بحرج :-
” سآتي معك فأنا أساسا جائعة للغاية ولم أتناول شيئا منذ الصباح ..”
قال بحماس وهو يشير إليها :-
” هيا بنا اذا ..”
بعد مدة جلسا في احد المطاعم الراقية يتناولان طعام العشاء عندما انتهت ليلى من تناول كامل طبقها حيث هتفت بعفوية :-
” كنت جائعة لدرجة إنني أنهيت طبقي كاملا ..”
ابتسم مرددا :-
” بالعافية على قلبك .. هل تفضلين نوعا معينا من الحلويات ..؟!”
قالت بسرعة :-
” لا ارجوك .. لقد تناولت طبقا كاملا ولا يمكنني تناول المزيد كما إنني لا أتناول الحلويات في المساء عادة ..”
” لا تغيرين عاداتك مهما حدث يا ليلى ..”
قالها ممازحا لترد وهي تضحك :-
” هناك قواعد ثابتة في هذه الحياة لا يمكن تغييرها ..”
رد نيابة عنها :-
” كجمالك مثلا ..”
سيطر الخجل عليها عندما أضاف :-
” دوما ما كنت كالقمر بالنسبة لي .. أراك قمرا وجميع النساء نجمات لا يرتقين لجمالك البهي ..”
تجمدت ملامحها للحظات وذكرى قديمة تعود إليها وحديث خاص جمعها مع الرجل الذي أحبته بكل كيانها حيث كانت تسأله بغيرة:-
” هل تحاول إقناعي إنك لا تشعر بالإنجذاب لأيا من الفتيات الجميلات حولك ..؟!”
فيرد عليها وهو يتطلع إليها بشغف :-
” هل يوجد عاقل يتطلع الى النجوم والقمر بجانبه .. ؟!”
فيخرسها بإجابته ويجعلها عاجزة عن الرد ..
أفاقت من شرودها على صوت زاهر فحاولت أن تخفي ضيقها وألمها من هذه الذكرى وهي تردد مبتسمة بشحوب :-
” ما رأيك أن نخرج قليلا ونسير في الهواءالطلق ..؟!”
هتف بسرعة :-
” لم لا ..؟! فكرة جيدة ..”
وبالفعل أخذا يسيران في الشوارع الهادئة حيث الوقت قارب على الغروب عندما وقفا أمام البحر يتأملان غروب ااشمس ..
” احب منظر غروب الشمس كثيرا .. في العادة كنت أحب الشروق لكن في السنوات الأخيرة أصبحت أفضل غروبها ..”
قالتها وهي تتأمل مظهر الغروب بإستمتاع ليبتسم مرددا :-
” لكل واحد منهما ميزاته .. شروق الشمس بداية نهار جديد يمنحك آملا بأحداث جديدة جيدة وتغيرات لصالحك وغروب الشمس يخبرك إن هذا الواقع يوم يبدأ ثم ما يلبث أن ينتهي .. ينتهي بما كان يحمله سواء من أفراح أو أحزان … ”
” أنت فيلسوف يا زاهر حقا …”
قالتها وهي تبتسم بإعجاب ليهتف ضاحكا :-
” أتمنى أن تكونين صادقة في كلامك ولا تتحدثين هكذا بدافع المجاملة …”
ردت على الفور :-
” لست من النوع الذي يفضل المجاملات ..”
” أعلم يا ليلى ..”
صمت قليلا ثم قليلا :-
” هل تعلمين إن إسمك أجمل إسم سمعته في حياتي .. اسم له نغمة موسيقية خاصة به ..”
” لا تبالغ ..”
قالتها بسرعة ..
” هل تعلمين معنى اسمك ..؟!”
نطق اسمها بتلذذ :-
” ليلى .. من الليل وسواده ..”
أضاف وعيناه تستحوذان على عسليتها بنظرات غارقة فيها تماما وبلهجة ساحرة قال :-
” لكنني أحب معناه الثاني أكثر .. ليلى .. الخمر والنشوة .. نشوة الخمر التي تجعل المرء فاقدا لتعقله .. احب معناه هذا لإنه يشبه مشاعري نحوك .. يشبه غرقي في بحر عشقك .. يشبه تلك النشوة التي تغمرني كليا بمجرد رؤيتك او سماع صوتك الرقيق … يشبه فقداني لكامل تعقلي وبرودي وثباتي في حضرة وجودك ..!!”
” زاهر ..”
قاطعته وهي تضيف بتوسل :-
” من فضلك لا تفعل هذا ..”
” مالذي تطلبين مني عدم فعله ..؟!”
سألها بجدية لترد بلهجة مرتبكة ونبرة خافتة :-
” لا داعي لهذا الكلام وانا وانت ..”
قاطعها بقوة :-
” ما بنا يا ليلى ..؟! لقد أخبرتك سابقا .. انا انتظرت وصبرت بل ورضيت بخسارتك لسنوات طويلة فلا تتوقعي مني تصرفا غير هذا بعدما أتتني الفرصة أخيرا .. هذه المرة لن أتراجع .. انا قررت وانتهى .. سأحارب بكل قوتي لأنال ما تمنيته لسنوات وظننت إن نيله مستحيلا ..”
” كلا يا زاهر .. انت لا تفهم … اتفهم مشاعرك وتسعدني حقا .. انت رجل رائع ولكنني لست مناسبة إطلاقا لكل هذا .. انا حاليا مشوهة عاطفيا .. مشتتة تماما وقلبي محطم ..”
قاطعها بجدية :-
” أعلم ذلك .. أتفهم صعوبة ما عايشته كما أدرك جيدا مشاعرك ناحية نديم .. يصعب علي قولها وأشعر بالغيرة عندما أتذكر ما جمعكما يوما وقوة مشاعرك نحوه لكنني مضطر الى القبول بهذا على مضض ومواجهته أيضا كي أستطيع أن أبدا حياتي معك على أساس صادق ومتين ..”
هتفت ليلى بخفوت :-
” الأمر لا يتعلق بمشاعري ناحية نديم فقط .. نعم هذا سبب رئيسي ولكن هناك أسباب أخرى .. انا يا زاهر لم أعد كالسابق .. مشاعر الحب والعاطفة عموما لم تعد تناسبني .. حقا أشعر إن مشاعري تشوهت تماما وقلبي انكسر ولا يمكن أن يعود كالسابق وينبض لرجل مجددا ..”
” سيعود وينبض مجددا .. سأعالج إنكسار قلبك وتشوه مشاعرك .. كوني واثقة بذلك ..”
” زاهر ..”
قالتها بتوسل ليهتف بإباء :-
” انا احبك يا ليلى وسأفعل كل شيء لأنال قلبك …”
أضاف بقوة:-
” ولكن في النهاية انتِ ابنة عمتي ولذا لا يمكنني التصرف بشكل خارج حدود المنطق والعادات ..”
” ماذا تعني ..؟!”
سألته بتوجس ليهتف بحسم :-
” انا أريد خطبتك يا ليلى .. أريد علاقة علنية تجمعني بك .. لن أقول زواج لإن أعرف جيدا إنك لست مستعدة أبدا لتجربة كهذه في هذا الوقت وانا أريدك زوجتي وانت راضية وعلى أتم الإستعداد وسعيدة جدا لكن مع هذا انا لا يمكنني التقرب منك ومحاولة كسب قلبك دون رباط شرعي لذا سأقولها مجددا أنا أريد خطبتك وسأكون أسعد رجل في هذا العالم إذا وافقتِ على طلبي ..”
نظرت إليه بعدم تصديق وعقلها لم يستوعب بعد طلبه وتشتت روحها تضاعف أضعافا كثيرة ..
” لا يمكنني قبول طلبك .. أعتذر حقا ..”
قالتها فجأة وانسحبت راكضة وكأنها تهرب من شيئا مخيفا .. تهرب من ظلام يبتلعها بقوة .. تهرب من مشاعر رجل شديدة لا تريدها أبدا .. تهرب من عشق جارف تكره فكرة وجوده .. هي تهرب من كل شيء وأي شيء دون أن تعي .. دون أن تستوعب إن هروبها لا يعني سوى تمسكها بكيانها الذي بات يهمها أكثر من أي شيء ..
هي تفتش عن ذاتها المفقودة وتحاول مداواة روحها المجروحة لوحدها دون حاجة لشخص في حياتها ..’هي ليست بحاجة لمن يعالج جروحها ويشفى قلبها كما إنها ليست بحاجة لإيذاء قلب غيرها ومشاعره لذا فالهرب كان هو الحل .. عفوا الرفض ..
دلفت الى الفيلا وهي تضع يدها على قلبها ..
لا تعلم لماذا جاء طلب زاهر كصفعة مدوية فوق وجهها .. ربما لإنها إستوعبت أخيرا إنها حرة وإنها لم تعد زوجة لرجل لا تطيقه وربما لإنها عادت تتأكد مجددا من إستحالة عودة نديم إليها رغم إنها تعترف داخلها إنها لا تريد عودته حتى لو كانت تحبه بقوة لكنها لا تريده ..
حقا لا تريده فما فعله بها وما تسبب له من آلام وخذلان جعلها تنأى بنفسه عنه فنديم بعد خروجه من السجن لم يعد نديم الذي عرفته .. لم يعد العاشق الحنون .. الإنسان المحب .. اللطيف للمحترم .. لم يعد نديم الذي عشقته لسنوات وكانت تراه رجلا مثاليا بحق ..
لقد إنقشعت تلك القشرة المثالية التي كانت تظهر عليه وظهر منها نديم آخر جديد تماما .. نديم لا يمكن أن تتفق معه أبدا مثلما لا يمكن أن تغفر له خطاياه في حقها ولا خطاياها في حق نفسها عندما دمرت حياتها وضحت بسنوات عمرها لأجله …
………………………………………………………….
اندفعت الى داخل غرفة مريم التي كانت تقوم بتسريح شعرها لتتوقف الأخيرة مكانها وهي تسأل بدهشة :-
” منذ متى وأنت تقتحمين غرفة أحد دون إستئذان ..؟! انا حقا لم أعد أستوعبك … دائما ما كنتِ تؤنبيني بسبب هذا التصرف والآن تتصرفين هكذا و ..”
قاطعتها ليلى بقوة :-
” مريم يكفي …”
توقفت مريم عن حديثها لتضيف ليلى بوجع :-
” مريم انا متعبة .. ”
” حسنا اهدئي ..”
قالتها مريم بقلق وهي تحاول الإقتراب منها مضيفة :-
” ماذا حدث معك ..؟!”
لكن ليلى تجاوزتها وألقت حقيبتها على السرير ثم قالت بألم كتمته داخلها لسنوات :-
” لم يعد يمكنني التحمل .. والله لم يعد يمكنني ذلك .. ”
أكملت وهي تستدير نحوها بعينين دامعتين وصوت مبحوح :-
” تعبت يا مريم.. تعبت من كل شيء …”
” اهدئي من فضلك اولا ..”
قالتها مريم بجدية محاولة تهدئتها لتضيف متسائلة :-
” أخبريني ماذا حدث وأين كنتِ ..؟! أساسا لقد تأخرتِ بالعودة و ..”
قاطعتها ليلى بعنفوان :-
” ليس مهما أين كنت .. المهم هو ما أشعر به ويرهقني للغاية ..”
” بلى مهم .. لإن حالتك هذه نتجت بسبب شيء ما حدث وأدى بك لهذا الوضع ..”
قالتها مريم وهي تتحداها بنظراتها أن تنكر فجلست ليلى على السرير بتعب وهي تغطي وجهها بكفيها ..
جلست مريم بجانبها تلمس كفها وهي تهمس برقة لا تشبهها :-
” أخبريني ماذا حدث ..؟! أخبريني يا ليلى .. انا أختك وسأفهمك جيدا ..”
رفعت ليلى وجهها المحتقن نحوها تردد بوجع خفي :-
” كنت مع زاهر .. ”
هتفت مريم تتسائل بريبة :-
” حسنا ، وماذا بعد ..؟!”
ردت ليلى بدموع مكتومة :-
” لقد عرض على الزواج .. زاهر يريد التقدم لخطبتي …”
حاولت مريم السيطرة على الصدمة التي ظهرت على ملامحها وإخفائها والتعامل مع الأمر وكأنه شيء عادي حيث بنبرة عادية :-
” حسنا ، أين المشكلة في هذا ..؟؟”
سألت ليلى بعدم تصديق :-
” حقا لا ترين مشكلة في هذا ..”
ابتسمت مريم تردد ببساطة :-
” أين المشكلة في أن تتلقى شابة عزباء عرضا للزواج من رجل أعزب ..؟!”
” بلى توجد مشكلة ..”
قالتها ليلى بعناد قبل أن تضيف بقوة :
” توجد ألف مشكلة وأهمها إن هذا العرض جاء في وقت غير مناسب على الإطلاق .. في وقت لم أكن بحاجة الى شيء من هذا النوع تحديدا ..”
” حسنا ، انت غير مستعدة للإرتباط مجددا .. أتفهم هذا جدا ..”
قالتها مريم بجدية لتنهض ليلى من مكانها وتقف أمامها تواجهها وتردد :-
” نعم لست مستعدة ولن أستعد لفترة طويلة .. انا ما زلت في مرحلة التحرر من الماضي ومداواة جروحي لذا لست مستعدة لشيء من هذا النوع الآن تحديدا بل ربما لسنوات قادمة ..”
نهضت مريم بدورها تهتف :-
” حسنا أتفهم هذا .. سأقولها مجددا .. أتفهم ذلك جيدا وهذا أمر طبيعي …أخبريني الآن .. ماذا قلت له بعدما عرض عليك الزواج ..؟!”
ردت ليلى بحنق :-
” رفضت بالطبع يا مريم .. ما هذا السؤال ..؟!”
هزت مريم كتفيها تردد ببساطة :-
” حسنا ، انا لا افهم أين المشكلة بعد .. لقد عرض عليك أحدهم الزواج وانتِ رفضتيه .. رفضتيه كونك لست مستعدة للدخول في علاقة عاطفية حاليا وهذا برأيي تصرف منطقي وحكيم ، لكن كونك لا ترغبين في الإرتباط حاليا .. كونك لست مستعدة لدخول علاقة عاطفية فهذا لا يعني ألا يقترب الرجال منك ويحاولون الإرتباط بك فأنتِ بالنهاية حسناء عزباء تستطيعين جذب من الكثير من الرجال حولك وهذا أمر طبيعي لأي أنثى في وضعك .. انت لن تمنعي الرجال من إبداء إعجابهم او محاولاتهم للتقرب منك كما لن تمنعي الرجال من التعبير عن رغبتهم بالإرتباط بك لكنكِ تستطيعين أن ترفضي عرضهم بكل رقي كونك لست مستعدة لهذا الآن ودعيني أخبرك إنك لستِ الوحيدة التي تمر بفترة كهذه ..”
” هل ترين الأمر بهذه البساطة حقا ..؟!”
سألتها ليلى بعدم إستيعاب لترد مريم بجدية :-
” اخرجي من كلامي شيئا واحدا خاطئا .. الأمر بهذه البساطة بالفعل وانت تضخمينه لأسباب مختلفة لا أظن إنه بإمكانك التحدث عنها ..”
ردت ليلى معاندة :-
” كلا انا لا أضخم الأمر .. قد يكون الأمر بسيطا بالنسبة لك .. لكن ليس بالنسبةلي .. زاهر ليس رجلا عرض الزواج علي فقط .. زاهر يحمل مشاعرا نحوي تخيفني من قوتها .. انتِ لم ترِ كيف يتحدث عني وكيف يراني وكم يحبني ..”
” جيد ، انت محظوظة إذا ..”
قالتها مريم بخفة قبل أن تضيف :-
” ولكن هذا لا يجب أن يتسبب بتعاستك بل يجب أن يجعلك سعيدة كون رجل بمواصفات زاهر يعشقك لهذا الحد ..”
كزت ليلى على أسنانها وهي تردد :-
”
ماذا يحدث بالضبط يا مريم ..؟! هل تتعمدين قول هذا …؟! انت تحبين زاهر جدا وكنت سعيدة عندما علمتِ بمشاعري نحوي .. منذ متى وانت تملكين هذه الحكمة والعمق الشديد .؟!”
” عفوا ، انا حكيمة بالفعل ولكن حكمتي لا تظهر سوى في المواقف التي تستحق ذلك .. اختي تأتي منهارة وتبكي لإن هناك رجل يعشقها بجنون … ”
أضافت وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها تسألها عن قصد :-
” حسنا زاهر يعشقك وعرض عليك الزواج ايضا وانت رفضتي عرضه والأمر انتهى الى هنا ، مالذي يزعجك الآن ..؟! لماذا انتِ غاضبة لهذا الحد ..؟!”
هتفت ليلى بسرعة :-
” انا لست غاضبة ولكن …”
توقفت عن حديثها وهي تأخذ نفسها بقوة قبل أن تقول :-
” نعم يا مريم .. انا غاضبة .. انا غاضبة جدا ايضا .. غاضبة من نفسي اولا ومن زاهر ثانيا .. زاهر الذي لم يتفهم وضعي ومقدار صعوبة ما مررت به فيحاول إقحامي في علاقة كهذه … علاقة قائمة على مشاعر شديدة القوى من أحد طرفيها بينما الطرف الآخر لا يشعر بأي شيء .. عندما يتحدث هو بعشق جارف وأنا أقف أمامه دون أن يتحرك أي شيء داخلي .. دون أن يؤثر كلامه ولو حتى التأثير الطبيعي الذي تتعرض له أي فتاة في موقفي فهذا يجعلني غاضبة حقا مني ومنه ومستاءة للغاية ..”
” لا تغضبي من نفسك .. ما شعرت به أمر طبيعي .. لقد مررت بتجربة عاطفية صعبة حقا ومؤلمة وتخطيها سيكون صعبا ويحتاج الى وقت طويل ..”
هتفت وهي تجلس على سريرها تقاوم دموعها المهددة بالإنهمار :-
” ولكنني أريد أن أتخطى هذه العلاقة وأنساها تماما .. ليس لأجل الإرتباط ولكن لأجل نفسي ..”
أضافت وهي تنظر الى عيني مريم بقوة :-
” هل تعلمين يا مريم ..؟! صحيح انا حزينة لان حب سنوات انتهى بهذا الشكل لكن حزني الأكبر على ما هدرته من سنوات لأجل هذا الحب .. أسوء شعور في العالم عندما تضحين بالكثير ولا تجدين مقابلا لتضحيتك .. تنتظرين أن يأتي اليوم الذي تحصدين فيه نتاج تضحيتك فلا يأتي أبدا …”
” أعلم ذلك ولكن يجب أن تتجاوزي هذا الشعور .. انت ضحيت لأجل من لا يستحق .. تصرفت بناء على شخصيتك النبيلة وصدقيني بكل الأحوال كنتِ ستتصرفين بنفس الطريقة حتى لو كنت تعلمين النتيجة وحتى لو كانت تضحيتك تلك لشخص آخر غير نديم لإنك هكذا يا ليلى .. دائما ما تفكرين بالجميع قبل نفسك وقلبك لا يمكن أن يسمح لك بتجاهل شخص ما يحتاج الى المساعدة لذا فتضحيتك أمر مفروغ منه وانا واثقة انك بكل الأحوال كنت ستفعلين الشيء ذاته حتى لو أخبرك أحدهم بالنهاية مسبقا ..”
قالت ليلى بقوة وثبات ظهر على تقاسيم وجهها الناعمة :-
” لكنني لن أكون هكذا بعد الآن .. سأتغير .. حقا سأتغير .. لإن هذه الحياة لا تناسب شخص بهذه الصفات .. بصفاتي هذه لن أستمر في هذه الحياة ولن أكون سعيدة أبدا ولا رابحة لذا يجب أن أتغير …”
” تفكير جميل واتمنى ان يحدث لكن هل تغيير الطباع أمر سهل يا ليلى ..؟!”
قالتها مريم بعقلانية لتنهض ليلى من مكانها وهي تردد عاقدة العزم على التغيير :-
” سيكون سهلا .. بعد كل ما مررت به سيكون سهلا ..”
” لو كان سهلا حقا لكنت حاولت الإستفادة من مشاعر زاهر مبدئيا .. ربما كنت ستجدين شيئا مختلفا معه ..”
التفتت ليلى نحوها تنظر لها بشراسة غريبة عليها فكانت مريم تواجهها بالحقيقة المرة ..
حقيقة إن أخلاقها منتعتها من مجرد أن تعطيه أملا ضئيلا وهي لا تشعر بشيء نحوه …
لم تفكر حتى في السماح له بالتقرب منها ولم تتأمل أن يغير عشقه لها شيئا ..
تصرفت بعادتها .. بكل صراحة .. رفضته بكل ثبات وأهم أسباب رفضها عدم تفكيرها في إيلام شخص لا ذنب له سوى إنه أحبها ..!!
قالت مريم ببرود :-
” لا يوجد رجل في هذا العالم يستحق أن تبكي لأجله أكثر من يوم ..”
” وهل نسياني لرجل يستدعي أن ألقي بنفسي بين أحضان رجل آخر ..؟!”
” كلا ، لكنه يستدعي أن تستوعبي إن الحياة لم ولن تتمحور أبدا حول شخص واحد … الحياة عبارة عن العديد من أشخاص .. يدخل البعض حياتنا ويخرج بعضهم الآخر .. والرجال عموما وجودهم في حياتنا ليس دائما فأغلب الرجال بطبعهم هوائيين ويعشقون التغيير .. يستطيعون أن يحبوا مرة ومرتين وثلاث وأكثر ويستطعيون التخلي ببساطة ويعالجون جروحهم بسرعة مريبة .. هكذا هم الرجال فلمَ علينا نحن النساء أن نبكي سنوات لأجلهم ولا نفعل مثلهم ونتخطاهم بسهولة كما يفعلون بالضبط ..؟!”
” انت مخطئة يا مريم .. المشكلة ليست في الرجال او النساء .. المشكلة في الشخص ذاته .. هناك أشخاص قادرون على التخطي والبدء من جديد والوقوع في الحب أكثر من مرة وهناك أشخاص على العكس تماما لا يستطيعون تخطي مشاعرهم أبدا مهما حدث ..”
أضافت تنهي الحوار بعدما أطلقت تنهيدة طويلة :-
” أمنيتي الوحيدة ألا أكون من النوع الثاني ….!!”
…………………………………………………………
بدأت تسرد على مسامعه ما حدث معها بالتفصيل ..
بدءا من تعرفها على ذلك الشاب عن طريق الفيسبوك وما جمعهما بأحاديث وانجذابها إليه ووقوعها في شباكه بعدما أغرقها بالإهتمام وكلمات الإعجاب حتى أرادت أن تلتقيه بشدة ليحدث ما أرادته ويحدث معها اسوء شيء في حياتها عندما خدرها وحملها الى شقته وصورها وهي عارية ثم هددها بتلك الصور ..
كانت تتحدث والدموع اللاذعة تسقط على وجنتيها بصمت بينما تسترسل هي في حديثها وبدت قد إنفصلت عن العالم الخارجي تماما ولسانها يتحدث دون وعي منها :-
” هددني إن لم أقابله في الموعد المحدد سينشر صوري .. لم أستطع الرفض .. لم أجد حلا سوى الذهاب .. والله لم أستطع أن أرفض فكيف يمكنني الرفض وصوري العارية معه .. ؟! ذهبت في الموعد المحدد وسلمني هو الى احد الرجال الذي نال مني ما أراد ثم أغمي عليها بعدها ولا أتذكر ما حدث سوى إنني إستيقظت في المشفى وعمار أمامي مصدوم بما حدث معي ..”
توقفت عن حديثها الأخير والذي قالته دفعة واحدة تلتقط أنفاسها ..
كانت المرة الأولى التي تخبر بها أحدا عن تلك الحادثة ..
لقد إمتنعت تماما عن التحدث بما حدث فلا عمار يعلم التفاصيل الكاملة ولا حتى الطبيبة التي إحترمت صمتها بشكل غريب وعمار الذي لم يضغط عليها بسؤال فظل الأمر مكتوما داخل صدرها لا احد يعلم عنه شيئا مفصلا بإستثناء التفاصيل الأساسية التي أخبرت بها عمار وإمتنعت عن ذكر التفاصيل الدقيقة لكن اليوم تحدثت ..
قالت كل شيء بالتفصيل .. جميع ما حدث معها .. ربما لم تفضِ بعد بمكنونات صدرها كاملة ولا مشاعرها منذ تلك الحادثة لكنها على الأقل تحدثت بتفاصيل الحادث ..
تحدثت كيف إنجذبت لذلك الشاب الذي لا تجرؤ حتى على تذكر صورته بل تمنع نفسها من مجرد التفكير به وتذكر شكله بل ورسائله ..
اما الآن فهي بعدما إنتهت من حديثها تذكرته جيدا بل بدأ كل شيء يُعاد أمامها بشكل يحرق قلبها …
” كيف يمكنني التصديق ..؟! ما تقولينه لا يمكن تصديقه ..”
أفاقت من أفكارها المعذبة على صوته الحاد ففزعت من مكانها لا إراديا تهتف ببكاء يمزق القلب حيث تشعر بدموعها تحرق عينيها :-
” والله هذا ما حدث .. انا لم أكذب في حرف واحد …”
” ولمَ يجب أن أصدقك ..؟؟”
سألها وهو يلوي فمي لترد بصوت حائر متردد :-
” لإن ..”
توقفت عن حديثها وأغمضت عينيها بقهر فهي عاجزة عن الرد ..
لا تجد ردا مناسبا .. لا وسيلة تدافع بها عن نفسها بل هي أساسا لا تريد أن تدافع عن نفسها فكيف تفعل ذلك وهي ترى نفسها مذنبة بل تعاقب نفسها منذ ذلك اليوم بعزلتها عن الجميع وإنفرادها بذاتها ورفضها التحرر من قيد الألم الذي يحاوطها ..
” ماذا ..؟! ألا يوجد لديك جواب ..؟!”
سألها بتهكم مقصود لتبتلع دموعها وترد بشفاه مرتجفة ونبرة حائرة حقا :-
” انا لا أعرف ماذا أقول … لا أجد شيئا أقوله ..”
أضافت وقد عادت وإنفصلت عن الواقع مجددا وقد لاحظ هو ذلك عندما بدت وكأنها تهذي :-
” لكنني مذنبة .. انا السبب فيما حدث .. انا دمرت حياتي …”
هطلت دموعها بغزارة وهي تسقط على ارضية الغرفة تحتضن جسدها المرتجف بين ذراعيها تردد مجددا بخفوت وصل إليه رغم إنخفاض صوتها :-
” انا مذنبة .. مجرمة .. عاهرة … انا لا أساوي شيئا .. ليتني توفيت مع بابا قبل أن يحدث هذا .. ليتني لم أفعل ذلك بل ليتني لم أولد ..”
بدت كلماتها غير مترابطة وهذيانها واضح فإندفع نحوها يرفعها من مكانها قابضا على كتفيها مرددا بهيمنة مخيفة :-
” أفيقي يا جيلان .. تصرفك هذا لن يجعلني أرحمك …”
ردت بخفوت :-
” انا لا أنتظر منك الرحمة أساسا .. لا أنت ولا أي أحد سيرحمني ..”
أنهت كلماتها وكانت نظراتها التائهة الضائعة المليئة بالخذلان معبرة للغاية عما يعتمل داخلها فنفض كفيه عنها وأخذ يدور داخل الغرفة وقد أصبح كقنبلة موقوتة تهدد بالإنفجار الحتمي يراجع كلامها وهو حائر بين التصديق من عدمه ..
لا يصدق أن يكون هذا تمثيلا ..
لا يمكن أن تكون جيلان تمتلك هذا الكم من الذكاء والحنكة لتؤلف مسرحية كهذه وتؤديها بإحترافية ..
الفتاة أصغر من أن تفعل كل هذا والبراءة والضياع واضحان عليها ..
نهر نفسه بقوة وهو يخبرها ألا ينخدع بمظهرها البريء ودموعها ولا يمنحها الحكم النهائي دون التأكد من حقيقة حديثها …
كلا لن يصدقها حتى يتأكد اولا .. حتى يتأكد من حقيقة كل حرف نطقته .. حينها فقط سيصدقها .. وعندما سوف يصدقها سيفكر حينها ماذا سيفعل فهو حقا لا يستطيع تخيل تصرفه بعدها ..
ليتأكد أولا ثم يفكر في القادم ..
تقدم نحوها مرددا بقوة وهو يقف مواجها لها فإلتقت زرقاوتيه المشتعلتين بلهيب مخيف بعينيها الباكيتين :-
” لن أصدق حرفا واحدا مما قلتيه دون دليل .. والدليل سأبحث عنه بنفسي .. سأبحث وأعرف الحقيقة كاملة لكن صدقيني يا جيلان إن كنتِ تكذبين في حرف واحد مما قلته سأبرحك ضربا لدرجة تجعلك تتمنين الموت ولا تجدينه ..”
أضاف وهو يميل نحوها بقوة :-
” وحتى لو كان حديثك صحيحا فهذا لا يعني إنني سأتركك دون عقاب .. سأعاقبك يا جيلان .. سأعيد تربيتك من جديد .. سأريكِ كيف تستهينين بسمعتك وشرفك .. كيف تعبثين مع شاب لا تعرفينه .. ستعاقبين على كل هذا لكن في الوقت المناسب بعدما أدرك تفاصيل الحقيقة كاملة .. ما زال هناك وقت يا عزيزتي فكوني مستعدة لعقابك في كلتا الحالتين ..”
……………………………………………………………….
بعد مدة من الزمن ..
كانت تجلس على طرف سريرها مخفضة رأسها نحو الأسفل وهي تقبض بكفيها على شرشف السرير اما هو فيقف خارجا في الشرفة يدخن سيجارته بشراهة شديدة وعقلة لا يكف عن مراجعة كلماتها بل نبرة صوتها ونظراتها وكافة خلجاتها وهي تتحدث يحاول إستنشاف الحقيقة التي سيبحث عنها منذ الغد ..
سمع صوت رنين هاتفه فسحبه ليجد تقى تتصل به. .
زفر أنفاسه بملل وهم بالرفض لكنه تراجع عن قراره في آخر لحظة ورد عليها مفكرا إنه يحتاج للصحبة بل لأي شيء يلهيه عن أفكاره المدمرة ..
” حبيبي .. اشتقت إليك ..”
كان صوتها ناعما مثيرا للغاية كعادتها لا يمكن لأي رجل مقاومته كجمالها الساحر ..
” أين أنت ..؟! لماذا لم تأتِ مجددا ..؟!”
سألته بنبرة حزينة ليرد ببرود قاتل :-
” مشغول يا تقى ..”
أضاف بلا وعي وإنفعال :-
” هناك مئة مشكلة فوق رأسي .. كل يوم شيء جديد بل مصيبة جديدة ..”
سألته بإرتياب :-
” ماذا حدث يا مهند ..؟؟”
أضافت برقة شديدة :-
” أخبرني يا حبيبي .. مالذي حدث ..؟! انا هنا معك وسأساعدك في حل كافة مشاكلك …”
رد وهو يأخذ نفسا عميقا :
” أعلم يا تقى لكنني حقا أكثر ما أحتاجه الآن هو الإنفراد بنفسي بعيدا عن أي شخص ..”
سألت بنبرة غيورة :-
” حتى عنها ..؟!”
سألها بحنق :-
” تقصدين جيلان .. زوجتي الصغيرة ..”
وقبل أن ترد كان يهتف بقوة :-
” هي أكثر شخص أرغب في الإبتعاد عنه وأكثر شخص لا أرغب برؤيته أمامي ..”
سمع صوت تنهيدتها المطمئنة فتململ قائلا :-
” سأغلق الآن .. كما أخبرتك … أحتاج الى الإنفراد بنفسي قليلا …”
أغلق الهاتف دون أن ينتظر جواب منها وعاد ينظر أمامه وقد رمى سيجارته التي قاربت على الإنتهاء ارضا وأشعل غيرها ..
لحظات قليلة وشعر بأنفاس متقطعة خلفه فإلتفت بحدة ليجدها أمامه تناظره بعينين خجلتين وملامح مرتبكة ليسأل بعنف :-
” ماذا تريدين ..؟!”
أجابت بخوف :-
” الخادمة جائت تخبرني إن العشاء بعد نصف ساعة و …”
دفعها عن قصد متجها الى الداخل مجددا لترتطم في الحائط خلفها شاعرة بألم في ذراعها فتأوهت بصمت اما هو فتقدم نحو الخادمة التي هتفت وهي تبتسم برسمية :-
” زهرة هانم طلبت مني إخبارك انت وجيلان هانم إن العشاء بعد نصف ساعة وهي تنتظر كليكما على طاولة العشاء مع بقية أفراد العائلة ..”
هز رأسه مرددا بإقتضاب :-
” حسنا ، فهمت ..”
انسحبت الخادمة خارجا وأغلقت الباب خلفها ليستدير نحو الخلف مجددا ليجدها تلتصق بالحائط خلفها بعدما دخلت الى الغرفة ليتقدم نحوها بملامح جعلتها تشعر بالرعب خاصة مع خطواته السريعة نحوها حينما وقف أمامها يسألها بقوة :-
” ما إسم المستشفى التي تم إيداعك بها بعد الحادثة ..؟!”
ردت بنبرة مرتجفة :-
” لا أتذكر ..”
صاح بقوة :-
” لا تكذبي ..”
هتفت بصوت باكي وقد أخافها بشكل مضاعف :-
” والله لا أعلم .. لم أكن واعية حينها لأي شيء ..”
قبض على ذراعها بشدة يتسائل :-
” من يعلم بتلك الحادثة سوى أخيك ..؟!”
ردت باكية وآثار الألم ظهرت على ملامحها الباكية :-
” الطبيبة التي تتابع حالتي ..”
سألها :-
” وراغب ..؟! ألا يعلم ما حدث …؟!”
هزت رأسها نفيا مرددة :-
” لا أعلم .. انا لا أعلم أي شيء ..”
دفعها بعيدا عنه بنفور وأدار ظهره لها يزفر أنفاسه عدة مرات بقوة عندما اتجه نحو هاتفها الذي كان معه منذ البداية وفتحه بسرعة يبحث عن أي شيء فلم يجد شيئا مهما بل إن الهاتف كان خاليا من مواقع التواصل الإجتماعي حتى بل لا يحوي سوى صورا معدودة لرسوماتها الأخيرة وقد لاحظ إن الهاتف يبدو جديدا …
التفت نحوها يسألها وهو يرفع الهاتف في وجهها :-
” هل نفسه الهاتف الذي كنت تتواصلين مع ذلك الحقير خلاله ..؟!”
هزت رأسها نفيا بسرعة ودون رد ليسألها بعصبية :-
” أين ذلك الهاتف إذا ..؟!”
هتفت بخوف :-
” لا أعلم .. سرقوه مني حينها ..”
زأر بغضب وهو يتجه نحو طاولة التجميل ويدفع بعض الحاجيات فوقها لتسقط أرضا وتتحطم فتتراجع الى الخلف أكثر وهي تحتضن جسدها بيديها وتبكي رعبا منه ومن حالته ..
صاح وهو يقف مواجها لها لكن هناك مسافة لا بأس بها بينهما :-
” توقفي عن البكاء …”
أضاف بلهجة متسلطة :-
” اذهبي وأغسلي وجهك جيدا وغيري ملابسك .. سننزل لتناول الطعام مع العائلة ..”
أكمل بتحذير :-
” إياك ثم إياك أن يشعر أحد من عائلتي بأي شيء ..”
هزت رأسها بسرعة وبكاء مكتوم ليضيف بقوة :-
” وإذا سألوكِ عن سبب غيابك أخبريهم إنك كنت مريضة وخفتِ أن تتسببي بعدوى لأحد لكنك أفضل بكثير الآن ..”
عادت تهز رأسها بسرعة دون ليزمجر بها بشدة :-
” تحركي هيا ..”
انتفضت من مكانها تجري بسرعة نحو الحمام ليبقى لوحده يشد فوق شعره بقوة ولا يعرف ماذا عليه أن يفعل في تلك اللحظة لكن ما يعرفه جيدا إنه غاضب لدرجة تجعله يرغب في حرق كل شيء حوله وأولهم جيلان ..!!
……………………………………………………….
في جناح راغب الهاشمي ..
دلف الى جناحه بعد يوم عمل طويل وشاق ليجدها تجلس على حافة سريرهما تشبك كفيها ببعضيهما وشعرها يغطي وجهها المنخفض نحو الأسفل من الجانبين ..
ألقى التحية ببرود وهم بالتوجه نحو الحمام لكنه توقف على صوتها ينادي عليه فإستدار نحوها ليرى نظراتها التي تدل على عدم إرتياحها فسأل بجدية :-
” ماذا هناك ..؟!”
نهضت من مكانها وتقدمت نحوه حتى وقفت قربه ..
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بتردد :-
” جيلان .. ”
سألها مهتما بحق :-
” ما بها جيلان ..؟!”
هتفت بخفوت :-
” أشعر إنها ليست بخير وإن هناك شيء ما يحدث بينها وبين مهند ..”
” كيف شعرت بذلك ..؟! على أي أساس يعني ..؟!”
سألها مستفسرا لترد موضحة :-
” لإنها بقيت في غرفتها ليوم كامل وكان الجميع ممنوع من الدخول إليها .. طبعا مهند أخبر الجميع إنها مريضة ويخشى أن تعدي أحدا منا ..”
” ربما بالفعل مريضة …؟!”
سألها بجدية لتهتف بتفكير :-
” لا أظن ذلك .. لقد دخلت إليها اليوم وكانت تبدو صحيا بخير ولكن نفسيا ليست بخير أبدا …”
زفر أنفاسه ببطأ مرددا بضيق :-
” اللعنة عليه إذا كان ما تقولينه صحيح .. ماذا سأفعل بمهند هذا لا أعلم ..؟!”
أضاف مرددا بشدة :-
” سأنتظر قدوم وقت العشاء وأرى إذا ما سيسمح لها بمشاركتنا العشاء أم لا …”
هزت رأسها بتفهم وصمتت للحظة ثم هتفت بتردد ظهر على ملامحها :-
” هناك شيء آخر يجب أن تعرفه ..”
سألها بجدية :-
” شيء ماذا ..؟!”
ردت بخفوت :-
” انا حامل ..”
تجمد لوهلة غير مستوعبا ما سمعه .. همسة حامل .. كيف حدث ذلك ..؟!
ضحك داخل نفسه ساخرا مفكرا إن الأمر يبدو عجيب فهو لا يلمسها سوى مرات معدودة وبالتالي أمر حملها يبدو مفاجئا له وغير وارد ..
سمعها تهمس بخفوت :-
” لا أعلم كيف حدث ذلك .. انا عادة أخذ إحتياطاتي ..”
سأل بهدوء مريب :-
” هل تشعرين بالضيق …؟!”
رفعت وجهها نحوه ولم تجب لكن عدم الرضا كان واضحا على ملامحها فتجاهل ذلك وهو يردد بفخر وإعتزاز شاهدته على وجهه بنفس الطريقة في المرتين السابقتين :-
” هذا رائع .. سنحصل على طفل ثالث ..”
ردت عن قصد :-
” نعم .. ستحصل على طفل جديد .. وريث جديد لك ولعائلتك ..”
قال ببرود :-
” بالطبع .. وريث آخر يحمل اسم العائلة .. عائلتي التي أسعى لتكبيرها بإستمرار .. انا سعيد حقا يا همسة بهذا الخبر الذي غير مزاجي مئة وثمانون درجة ..”
أضاف وهو يقترب منها منحنيا نحوها يقبل وجنتها بخفك :-
” شكرا على هذا الخبر الرائع .. مبارك لنا حملك يا همسي …”
ثم ابتعد عنها يلتقط عينيها الجامدتين بعينيه المتحدتين لتهمس أخيرا :-
” تحضر بسرعة فالعشاء بعد أقل من نصف ساعة ..”
وبالفعل خلال نصف ساعة كانا يهبطان حيث غرفة الطعام لينتبه راغب على وجود مهند وجيلان فيلقي التحية وهو يسير نحو كرسية وزوجته خلفه ..
جلسا في مقعديهما وكانا آخر الحاضرين عندما هتف راغب وهو يبتسم بهدوء :-
” هناك خبر مفرح يجب أن أشارككم به …”
سأل عابد بإهتمام :-
” خبر ماذا ..؟! هل هناك شيءيخص العمل ..؟!”
رد وهو يرمق زوجته الجامدة بنظراتها :-
” بل شيء أهم من العمل بمراحل …”
أضاف وهو يعيد بصره نحوه والده :-
” سيكون لديك حفيد جديد يا أبي .. همسة حامل وانت ستصبح جدا للمرة الثالثة ..”
صرخت زهرة بفرحة حقيقية شاركتها بها توليب ابنتها بينما قال عابد بسعادة :-
” حقا .. ؟! مبارك يا بني .. لقد أسعدني هذا الخبر كثيرا …”
أضاف وهو يشير الى همسة :-
” مبارك يا ابنتي ..”
ردت همسة بخفوت :-
” شكرا عمي ..”
نهضت زهرة نحو همسة تحتضنها وتقبلها من وجنتيها ثم احتضنت ابنها الذي وقف بدوره يبادلها عناقها اما توليب فباركت لهمسة التي ردت بإبتسامة مصطنعة مباركتها هي واخوة راغب البقية راجي وفيصل وطبعا مهند وجيلان…
هتفت توليب بسعادة بعدما عاد الجميع يتناول طعامه :-
” عليكما أن تأتيا بفتاة هذه المرة ..”
قالت زهرة والفرحة ما زالت تنير وجهها :-
” كل ما يجلبه الله خير .. المهم أن يأتي سالما غانما وتنهض والدته بسلامة .. لكنني اتمنى أيضا أن تكون فتاة …”
قالت توليب بسرعة :-
” إذا كانت فتاة سوف تسميانها على اسمي فأنا عمتها الوحيدة …”
هتف راغب بجدية :-
” أظن إن كان هناك شخص سوف أسمي إسم ابنتي عليه فستكون والدتي ….”
ابتسمت زهرة بإمتنان وإحتقنت ملامح همسة بقوة ليهتف فيصل مازحا :-
” ربما يأتي صبي وحينها ستسميه فيصل …”
” لا ارجوك .. لا نحتاج لفيصل جديد يأخذ طباعك ..”
قالتها توليب ممازحة ليزجرها فيصل بضيق مصطنع بينما يهتف راجي بجدية :-
” توقفا عن شجاركما المعتاد .. صبيا أم فتاة لا فرق … لكن بعدما أنجبا صبيين أظن إن جميعنا نريد فتاة جميلة تنير منزلنا ..”
هتفت زهرة وهي تنظر له بجدية :-
” عقبالك يا حبيبي ..”
آمنت توليب على دعوتها بينما تحدث راغب مشيرا الى جيلان :-
” كيف حالك يا جيلان ..؟! سمعت إنك مريضة …”
التقط بعينيه ملامح مهند المتجهمة ليضيف عن قصد :-
” سلامتك .. ماذا حدث بالضبط ..؟!”
ردت بصوت مبحوح :-
” أشكرك … إنفلاونزا خفيفة وأصبحت أفضل الآن الحمد لله ..”
ابتسم راغب بتصنع مرددا :-
” الحمد لله …”
نهض مهند من مكانه فجأة مرددا بعدما لم يعد يحتمل الجلوس أكثر وسط الجميع والتصرف وكأن لا شيء مهم حدث معه :-
” عن إذنكم .. لقد شبعت ..”
أضاف يخبر جيلان عن قصد :-
” أنتظرك في جناحنا ..”
تبادل راغب النظرات مع والده بينما اكتفت جيلان بهزة من رأسها عندما نهضت بعد قليل تستأذن الجميع وتتجه نحو جناحهما ..
دلفت الى الداخل لتجده ينهض من مكانه بسرعة مرددا بتهديد :-
” إذا علم أحد بما حدث وما أخبرتني به سأقص لسانك وخاصة أخيك ..”
هزت رأسها بسرعة وخوف ليهتف بينه وبين نفسه :-
” الحقير .. يهددني أيضا وأخته إرتكتبت المصائب .. لكن لا بأس سأقتص منك ثأري يا عمار الخولي وأريك ماذا بإمكان مهند الهاشمي ان يفعل .. انت تحديتني وانا قبلت التحدي ….”
عاد ينظر اليها بقوة فتحركت مسرعة نحو الحمام تاركة إياه يتابعها بسخط وإبتسامة ساخرة تعلو ثغره ..
……………………………………………………
كان يراقبها وهي نائمة على سريرها بعمق وتقاسيم وجهها الناعمة يظهر عليها التعب …
تقدم نحوها يميل بوجهه يتأمل وجهها الساكن تماما فيبتسم مرغما وهو يرى في وجهها شيئا مختلفا تماما .. ملامحها تجذبه بقوة رغم بساطتها وشخصيتها تجذبه أكثر بعفويتها وقوتها وكل ما فيها ..
مد يده يزيح خصلة من شعرها سقطت فوق جبينها فوجد الحمى تسيطر عليها كليا ..
شعر بالقلق يتضاعف داخله لأجلها فنهض بسرعة واتجه نحو المطبخ حيث وضع المياده بالباردة في صحن واسع قليلا وبحث عن أي قطعة قماش مناسبة ليعد الكمامات لها ..
عاد إليها مجددا وجلس جانبها يضع الكمادات فوق جبينها ووجنتيها وخوفه عليها يزداد وهو يرى كم حرارتها مرتفعة ..
ظل يداويها بالكمامات قبل أن يتوقف عن ذلك وينهض من مكانه مقررا أن يعطيها دواءا خافضا للحرارة عله يساعد في تخفيض حرارتها الى جانب الكمادات …
حمد ربه إنه اشترى هذا الدواء الى جانب الأدوية التي كتبها الطبيب لها والذي يدرك مفعوله جيدا وتأثيره السريع وتمنى أن يؤثر بها بسرعة …
عاد إليها وجلس جانبها مقررا إيقاضها كي تشرب دائها ..
بدأ يربت على وجنتها بخفة فأخذت تتململ وهي تأن ألما عندما همس لها :-
” استيقظي يا حياة .. فقط تناولي الدواء ثم عودي للنوم مجددا ..”
بدت تهذي بكلمات غير مفهومة وهي تتململ في مكانها وتأن وجعا فأخذ بعض قطرات المياه يرشها على وجهها بخفة وحرص ..
فتحت عينيها أخيرا بتعب وإنهاء ليبتسم لا إراديا وهو يرى مقلتيها البنيتين تتأملانه بعدم استيعاب فقرر أن يعدل وضعية جلوسها فقبض على ذراعيها بخفة وأجلسها ساندا إياها على السرير وهي غير واعيه تماما لما يحدث …
حمل الدواء وهمس لها وهو يضعه امام فمها :-
” افتحي فمك ..”
وجدها تغمض عينيها وهي تميل برأسها على كتفه فهمس وهو يربت على وجهها :-
” حياة .. افتحي فمك من فضلك .. فقط تناولي الدواءونامي مجددا …”
وعندما وجدها على نفس الوضعية ما زالت نائمة على كتفه عاد يعدل جلستها وهو يبلل وجنتيها بالمياه فرمشت بعينيها مجددا ليهمس بقوة وهو يقرب الحبة من فمها :-
” افتحي فمك بسرعة ..”
وأخيرا استطاع ان يضع الحبة داخل فمها ثم يعطيها كوب الماء الذي بالكاد شربت منه رشفة صغيرة قبل أن تعاود وضع رأسها فوق كتفه وهي تهذي بكلمات غير مفهومة …
” ستصبحين افضل …”
قالها وهو يتأمل رأسها الموضوع على كتفه فيجذبها نحوه بين أحضانه حيث جعلها تنام بين أحضانه وهو يميل برأسه فوق رأسها مغمضا عينيه وشعور الراحة والآمان الذي تملكه في تلك اللحظة لا يضاهيه شعور …
مرت حوالي ساعتين وقد غفا نديم اثناءذلك على نفس الوضعية عندما استيقظ فجأة منتفضا ليشعر بحياة تتحرك فيقبض على ذراعيها ويحتضنها مجددا قبل أن يسارع ويضع يدها فوق جبينها فيجد إنها ما زالت تعاني من الحمى لكن بدت وكأن الحمى إنخفضت بشكل ملحوظ …
ثبت جسدها على السرير وأسند رأسها كذلك ثم قرر أن يعاود استخدام الكمامات مجددا فعاد يملأ الصحن بالمياه الباردة ثم بدأ بوضع الكمامات فوق وجهها ..
فتحت عينيها وأخذت تتأمله بصمت وهو يضع لها الكمامات ليسمعها تهمس فجأة :-
” ستصاب بالعدوى ..”
رد بلا مبالاة :-
” ليس مهما .. المهم أن تكوني بخير ..”
ابتسمت رغم تعبها مرددة :-
” عندما تتعب مثلي وتشعر بنفس الألم ستندم على ما تفعله ..”
أبعد الكمامة عن وجهها ووضعها داخل الصحن وقال وهو سعيد بتجاوبها معه:-
” هل تعتقدين حقا إنني سأندم …؟! حتى لو تألمت بسبب المرض فلن يكون بقدر آلمي وأنا أراك تتألمين هكذا .. أراك طريحة الفراش بلا حول ولا قوة … لذا كل ما يهمني أن تكوني بخير حتى لو أصابني المرض بعدها ..”
” سأعتني بك حينها ..”
قالتها بخفة ليبتسم وهو يردد :-
” سأعتبر هذا وعدا ..”
ضحكت قبل أن تتأوه بألم ثم تقول بتأكيد :-
” وعد جاري تنفيذه ..”
عادت تغمض عينيها بإرهاق حتى شعر إنها نامت مجددا فهمس بخفوت :-
” لقد أتعبتني كثيرا يا حياة …”
نطقت بهذيان ولا وعي :-
” وأنا أحبك كثيرا يا نديم …”
” هل ما زلتِ تحبينني حقا ..؟!”
سألها بلهفة لتجيب وهي تميل على كتفه بعينين مغمضتين :-
” حبي لك لا يتوقف مهما حدث .. حبي لكِ لا نهاية له .. لقد تأكدت من هذا بعدما حاولت مرارا أن أتوقف عن حبك وفشلت ..”
هتف بصدق :-
” وانا لا أريده أن يتوقف أبدا لذا لا تحاولي مجددا لأجلي ولإنك لي وستظلين تحبيني الى الأبد كما انا سأبقى معك الى الابد ..”
فتحت عينيها قليلا تسأله :-
” هل تعدني بذلك حقا ..؟!”
رد بثبات :-
” أعدك يا حياة ..”
همست وقد عادت تغمض عينيها :-
” لا تعدني بشيء لا تستطيع إيفاءه ..”
أكملت بهذيان واضح هذه المرة ولا وعي :-
” انت تؤذيني بوعودك الكاذبة .. مثلما تؤذيني بتصرفاتك معي ….”
” صدقيني آخر شيء أريده هو إيذائك …”
قالها وهو يتأملها بعدما غفت تماما ليعدل وضعية جسدها حيث مددها على السرير وجذب الغطاء فوقها ..
عاد يزيح خصلات شعرها مجددا وهو يتأمل وجهها لدقائق طويلة دون ملل قبل أن ينحني نحو جبينها ويقبله ببطء …
إبتعد عنها مغمضا عينيه للحظات قبل أن يفتحها مجددا يتأمل ضعفها الظاهر على ملامحها ورغما عنه نظر الى شفتيها الجافتين تماما فشعر بتأنيب ضمير لما يفكر به في تلك اللحظة ..
يرغب في تكرار تلك التجربة مجددا لكنه لا يريد إستغلال حالتها تلك ..
أفكارة كانت مشتتة لكنه لم يقاوم هذه الفرصة وهو ينحني نحو شفتيها يقبلها ببطء لذيذ وكانت المفاجئة عندما شعر بها تتجاوب معه ..!!
في صباح اليوم التالي ..
فتحت عينيها وهي تشعر بضعف عام في معظم انحاء جسدها والحرارة تغزو جسدها حتى بدت ملابسها تخنقها بشدة ..
لحظات واستوعبت وجوده جانبها وجسده يحاوط جسدها فإلتفت تنظر إليه بعدم تصديق لتجده ينام بعمق وذراعيه تحاوطان جسدها المتعب …
” يا إلهي ..!!”
تمتمت بخفوت وهي تشعر بمشاعر مختلطة بين السعادة لوجودها بين أحضانه وبين ضيقها من إصراره على الإقتراب منها وتحسين علاقتهما بينما هي تنأى بنفسها بكل الطرق عنه وتحاول حماية قلبها المولع به من الإنجراف خلفه ..!!
هو يصر على إقحامها في ظلماته التي تعرف جيدا إنها إذا ما دخلتها لن تخرج منها إلا وهي محطمة القلب ..
تعلم إنها أدركت هذا متأخرا مثلما تعلم إنها خذلته لكن الله وحده يعلم كم تتألم وتتعذب داخلها لأجله ولأجل الحزن الذي يظهر عليه بصمت كونها تبعد نفسها عنه ..
تتمنى لو تعود كما كانت .. تتمنى لو تحتويه وتمنحه الحب والحنان وكل شيء لكن ما حدث جعلها تدرك مكانتها الحقيقية ..
ربما لو كان هناك آملا في أن ترتقي مكانتها يوما عنده وتصبح حبيبة بدلا من دواء لجروحه لكانت بقيت على وعدها معه لكنها تعلم جيدا إن مكانتها ثابتة ولن تتزحزح مثلما تعلم جيدا إن المريض سيشفى يوما و حينها لن يحتاج الى الدواء وعليها أن تكون جاهزة بقوة لليوم الذي سينتهي مفعولها عنده ..!!
أغمضت عينيها مرغمة وهي تقرب وجهه بين أحضانه تستغل نومه العميق فتحظى بلحظات قصيرة بين أحضانه ..
شعور رائع تملكها وهي بين ذراعيه وكم تمنت لو كانت الحياة تسير كما تريد وكان هو يحبها كما تعشقه هي ..!!
ابتعدت عنه قليلا تتأمل وجهه الوسيم فتشعر بعشق جارف يغزو قلبها ..
أرادت أن تلمس وجهه بشدة لكنها تذكرت إنها حرمت على نفسها قربه فقبضت على أناملها بقوة تمنعها من التقرب منه وهي تتأمله وقد تحول العشق الجارف لألم شديد يجثم فوق صدرها فأغمضت عينيها تكتم دموعها التي تعبر عن مدى عجزها وضعفها وقلة حيلتها .!!
لحظات واعتدلت في جلستها وهي تأخذ نفسا عميقا قبل أن تقرر النهوض بعيدا عنه .. وضعت قدميها فوق الأرض وهمت بالنهوض من مكانها ..
لكن ما إن وضعت قدميها فوق الأرض حتى شعرت بعدم قدرتها على الوقوف وخلل في توازنها فإستندت على الحائط مغمضة عينيها بتعب قبل أن تستعيد توازنها فتسير بخطوات بطيئة متجهة نحو باب الغرفة …
فتحت الباب ببطأ كي لا يستيقظ وسارت خارج الغرفة تحاول أن تسيطر على مشاعرها التي ثارت بسببه فعادت تبث البرود لقلبها وروحها وهي تتجاهل كل مشاعرها المؤلمة وأفكارها المعذبة ..
اتجهت نحو المطبخ وقد أدركت لتوها كم تشعر بالعطش ففتحت الثلاجة وأخرجت المياه التي وجدتها باردة قليلا فزفرت أنفاسها بضيق مفكرة إنها من الأفضل ألا تتناول شيئا باردا ..
اتجهت نحو الأقداح المرصوصة على الخزانة وجذبت قدحا ثم حملت احدى قناني المياه الموضوعة خارج الثلاجة وصبت المياه قبل أن تتناول القدح دفعة واحدة كي تروي عطشها الشديد في تلك اللحظة ..
كانت تشعر بالتعرق الشديد بعدما أصابتها الحمى فوضعت القدح جانبا وهي تستند بكفيها فوق الطاولة تأخذ نفسا عميقا عندما سمعت صوت يسألها بقلق واضح :-
” هل أنتِ بخير يا حياة ..؟!”
تجمدت مكانها وأول ما فكرت به إنه كان يشعر بما فعلته قبل لحظات وإندفاعها المتهور داخل أحضانه ..
عضت على شفتيها بقوة ثم استدارت نحوه تتأمل ملامحه تكتشف من خلالها اذا ما كان مستيقظها حينها او شعر بها أم كان نائما تماما ولم يشعر بها كما تظن ..
لم تجد سوى الخوف الصادق على ملامحه فشعرت بالقليل من الراحة مفكرة إنه من المستحيل أن يكون قد شعر بها ..!!
سمعته يسأل مجددا بقلق أكبر :-
” حياة ..؟!! هل انت بخير ..؟! هل تشعرين بألم..”
قاطعته تجيبه وقد انتبهت إنها تجاهلت سؤاله الأول وإنخطرت في أفكارها بلا وعي منها :-
” الحمد لله .. انا بخير .. يعني اليوم أشعر إني أفضل …”
تقدم نحوها يضع كفه فوق جبينها بعفوية فإرتجف جسدها لا إراديا من لمسته بينما تنهد هو براحة قائلا :-
” لقد إنخفضت الحرارة تماما … الحمد لله ..”
” الحمد لله ..”
تمتمت بها بخفوت قبل أن تضيف وهي تنظر إليه بحذر :-
” انا بحاجة الى حمام دافئ .. ”
هز رأسه بتفهم ثم قال :-
” خذي حماما دافئا بينما أعد الفطور لك …”
” حسنا ..”
قالتها بطاعة وهي تخرج من المطبخ عائدة الى غرفتها تاركة إياه يتابع رحيلها بصمت قبل أن يأخذ نفسا عميقا ثم يتجه ليعد الفطور لها ..
دخلت حياة الى غرفتها وأغلقت الباب خلفها بقوة ثم سارعت تخلع الجزء العلوي من بيجامتها وهي تتجه نحو الحمام حيث فتحت المياه الدافئة واستعدت لأخذ حمام طويل تزيل به تعب البارحة الطويل ..
خرجت بعد مدة وهي ترتدي بيجامة ثقيلة قليلا وتجفف شعرها بالمنشفة ..
وقفت أمام المرآة وجذبت المشط تسرح شعرها القصير قبل أن ترفعه كاملا على شكل كعكة …
تأملت وجهها الذي بدأ يستعيد الحياة مجددا عندما قررت الخروج من الغرفة لتناول شيئا ..
خرجت من غرفتها واتجهت الى المطبخ لتجد مائدة معدة بشكل رائع تحتوي الكثير من أصناف الطعام الملائمة لوجبة الفطور لتتطلع إليها منبهرة قبل أن تسمع صوته يأتي من خلفها وهو يردد :-
” إنتيهت من حمامك إذا .. هيا اجلسي وتناولي طعامك .. انتِ لم تتناولِ شيئا منذ صباح البارحة ..”
التفتت له تنظر له بصمت دون رد عندما أضاف وهو يحمل ابريق الشاي ويصب الشاي لها في كوبها :-
” تناولي الطعام كي تتناولي بعده دوائك …”
هزت رأسها بصمت وهي تجلس على الكرسي فوضع كوب الشاي أمامها ..
حملت الكوب ترتشف منه القليل قبل أن تحمل قطعة من الجبن وتتناولها بينما جلس هو مقابلا لها يتناول طعامه بدوره ..
تقابلت نظراتهما للحظة فأخفضت بصرها أرضا بينما ابتسم هو بهدوء وعاد يتناول طعامه لتفعل هي المثل وقد شعرت بمدى جوعها فقررت أن تستمتع بهذه الوجبة اللذيذة ..
انتهت من تناول فطورها لتهمس وهي تحمل كوبها بعدما نهضت من مكانها :-
” الحمد لله ..”
” توقفي ..”
قالها وهو ينهض من مكانه لتنظر إليه بإستغراب فيجذب الكوب من يدها :-
” اذهبي انت وارتاحي في غرفتك وانا سأنظف الطاولة ..”
” انا بخير يا نديم .. دعني أنظف الطاولة ..”
قالتها بجدية ليرد بقوة :-
” أبدا ، انتِ ستذهبين وترتاحين ولن تفعلي أي شيء ..”
قالت بجدية :-
” ولكنني حقا بخير .. يعني أصبحت جيدة الحمد لله ..”
وجدت الرفض واضحا في عينيه فهتفت بتأني :-
” دعني أساعدك على الأقل ..”
ضحك بخفة مرددا :-
” لماذا تتحدثين وكأنني سأنظف الشقة كلها .. اذهبي يا حياة ولا تعاندي .. انت بحاجة الى الراحة أكثر من أي شيء …”
زفرت أنفاسها بتعب ثم هزت رأسها مرغمة بعدما وجدت الإصرار واضحا عليه لتتجه بإستسلام مجددا نحو غرفتها حيث جلست فوق سريرها ووضعت الغطاء الثقيل فوقها تتدثر به جيدا ..
بعد حوالي ربع ساعة كانت تتحدث مع والدتها عندما سمعت صوت طرقات على باب غرفتها فودعت والدتها بسرعة قبل أن تهتف بجدية :-
” تفضل ..”
فتح الباب ودلف الى الداخل وهو يحمل أدويتها معه وقنينة المياه ..
هتف وهو يضع قنينة المياه على الطاولة جانبها :-
” دوائك يا حياة ..”
فتح احدى العلب وأخرج منها حبة الدواء لتأخذها منه وتتناولها ثم عاد وأعطاها الأخرى والثالثة أخيرا ..
انتهت من شرب قدح المياه فوضعته على الطاولة جانبها وهي تردد بإمتنان :-
” شكرا ..”
رد بجدية :-
” لا شكر على واجب ..”
أضاف وهو يتسائل :-
” كنت تتحدثين مع والدتك ، أليس كذلك ..؟!”
اومأت برأسها فعاد يسألها :-
” كيف حالها ..؟!
ردت بهدوء :-
” الحمد لله بخير ..”
هتف بجدية :-
” عندما تتصل بك مجددا أرسلي لها تحيتي ولكلا من حنين والسيد أشرف ..”
هم بالتحرك خارج المكان ليسمعها تردد بخفوت :-
” هي ترسل لك تحياتها أساسا ..”
التفتت نحوها ومنحها إبتسامة هادئة قائلا بخفة :-
” أشكرها كثيرا .. المرة القادمة دعيني أتحدث معها وأحييها بنفسي ..”
” ليس ضروري .. سأخبرها بتحيتك ..”
قالتها فجأة قبل أن تنظر الى جمود وجهه فتضيف بتردد :-
” أقصد يعني لا داعي أن تشغل نفسك و ..”
قاطعها ببرود مقصود :-
” والدتك هي حماتي وواجب علي أن أتحدث وأسأل أحوالها بسبب صلة القرابة التي تجمعنا .. ”
أضاف عن قصد :-
” ولا تقلقي هذا لا يعني إنك مجبرة على فعل نفس الشيء مع والدتي .. انا أدرك إنك لا تعتبريني زوجا لك وبالتالي والدتي لا تعد حماتك ..”
اندفع بعدها خارج المكان لتتطلع إلى آثره بإحباط وهي تفكر إنه فهمها بشكل خاطئ فهي حقا تحدثت بعفوية وهي تفكر إنه ليس من الداعي أن يكلف نفسه ..
لعنت غبائها فلم يكن عليها قول هذا وهي تدرك حساسية الوضع بينهما ..
ماذا حدث إذا تحدث مع والدتها يعني ..؟! واقعيا هو زوجها وهناك عقد زواج يجمعهما ويسكنان في نفس الشقة ..؟!
ظلت تؤنب نفسها لفترة من الزمن حتى نهضت أخيرا من مكانها تعزم العقد على التحدث معه ..
خرجت من غرفتها وسارت تبحث عنه في ارجاء الشقة لتجده يقف في الشرفة ينظر الى الخارج وفي يده كوبا لا تعلم محتواه ..
” نديم اريد التحدث معك ..”
قالتها فجأة وهي تتقدم نحوه داخل الشرفة وتقف امامه ليستدير نحوها ويسألها بتعجب :-
” ماذا حدث يا حياة ..؟!”
هتفت وهي تشبك كفيها :-
” أردت أن أشكرك على إهتمامك بي البارحة واليوم ايضا .. ”
ابتسم دون رد فأضافت وهي تنظر إلى عينيه بإمتنان صادق :-
” صحيح لم أكن واعية تماما لكن من الواضح إنك إعتنيت بي طوال الليل وسهرت جانبي .. أشكرك حقا ..”
” لم أفعل أي شيء يستحق الشكر .. انت زوجتي ومن الطبيعي أن يكون أول من يهتم بك عندما تمرضين ..”
ابتسمت بحرج وهي تومأ برأسها قبل أن يهتف فجأة :-
” ادخلي الى الداخل فورا يا حياة ..”
نظرت له ببلاهة ليجذبها من ذراعها ويدفعها الى الداخل فتهتف بغضب من تصرفه :-
” ماذا تفعل يا نديم ..؟! هل جننت ..؟!”
رد بعصبية خفيفة :-
” تقفين في الشرفة والهواء البارد يلفحك بقوة وانت ما زلت مريضة وكذلك شعرك ما زال مبللا بالتأكيد ..”
تفهمت غضبه بينما أضاف بعفوية :-
” هل انت غبية يا حياة ..؟!”
احتقنت ملامحها بقوة لتهتف من بين أسنانها :-
” لا أسمح لك .. انا لست غبية ..”
أضافت وملامحها تشتعل غضبا :-
” أساسا أنا المخطئة لإنني تقدمت نحوك وشكرتك .. لم يكن علي فعل ذلك ..”
ضربت الأرض بقدميها قبل أن تندفع متحركة خارج صالة الجلوس لتتوقف وهي تسمعه ينادي عليها فتلتفت نحوها تسأله وهي تحيط خصرها بذراعيها :-
” نعم ..!!”
منحها إبتسامة أبرزت وسامته وقد بدت عينيه الزرقاوين لامعتين بقوة :-
” تصبحين جميلة للغاية عندما تغضبين ..!!”
احتقنت ملامحها مجددا لكن هذه المرة بخجل واضح فإندفعت بسرعة خارج المكان لتعلو ضحكاتها بسعادة تمكنت منه .. كانت سعادة حقيقة شعر بها لأول مرة منذ وقت طويل ..
…………………………………………………….
مساءا بحدود الساعة السابعة ..
كانت تجلس على سريرها تتحدث مع جينا التي اتصلت تطمئن عليها وقد استمرت في التحدث معها لأكثر من ربع ساعة عندما سمعت صوت مايكل يهتف مازحا :-
” دعيني اتحدث مع الفتاة وأطمئن عليها يا جينا ثم أكملي ثرثرتك التي لا تنتهي ..”
سمعت جينا ترد بغيظ :-
” هذه ثرثرة فتيات والأفضل أن تبتعد من هنا ..”
وجدت صوت مايكل يهتف بها ويبدو إنه جذب الهاتف من جينا رغما عنها :-
” كيف حالك يا حياة ..؟! طمئنيني عليك ..”
ابتسمت بهدوء وهي تردد :-
” الحمد لله .. أخبرت جينا منذ قليل .. انا أفضل بكثير ..”
” ستأتين غدا الى الجامعة ..؟!”
سألها لتجيب بحيرة :-
” لا أعلم .. لم أقرر حتى الآن ..”
سمعت صوت جينا البعيد قليلا تتحدث :-
” لا تأتي غدا .. ارتاحي ليومين آخرين ..”
عادت تسمع صوت تذمر مايكل وهو يردد :-
” امنحيني الفرصة للتحدث معها يا جينا ..”
أضاف بعدها :-
” اتمنى لك الشفاء التام عزيزتي حياة ..”
أكمل بجدية :-
” وبالنسبة لدعوة العشاء .. ما رأيك أن تتناولي عشائك عندنا في شقتنا اليوم .. انا وجينا نعد طعاما لذيذا للغاية .. سنقضي وقتا ممتعا ويمكنك أن تأتي مع زوجك إذا كان يحب أن يشاركنا عشائنا بالطبع ..”
همست بحيرة :-
” لا أعلم حقا يا مايكل ..”
سمعت صوت جينا التي هتفت بعدما جذبت الهاتف من يد مايكل :-
” ستأتين بالطبع .. ما زال هناك بعض الوقت أمامك .. نامي لساعتين وارتاحي بها ثم تعالي عندنا .. سوف نستمع كثيرا .. انظري انت مدعوة رسميا وزوجك بالطبع ولا يمكنك رفض دعوتنا ابدا ..”
أكملت وهي تشير الى مايكل :-
” ستأتي على العشاء .. لا تقلق .. تفضل وأخرج الآن فما زال لدي الكثير من الثرثرة معها ..”
ضحكت حياة مرغمة وهي تشعر حقا بالإستمتاع بالحديث مع جينا بمرحها وعفويتها التي جعلتها تحب التحدث معها رغم إنها لم تلتقِ بها سوى مرتين ورغم إختلافهما التام في كل شيء ..
بعد مدة من الزمن خرجت من غرفتها متوجهة نحو صالة الجلوس حيث أنهت حديثها مع جينا ..
وجدته جالسا يتابع شيئا ما على هاتفه فجلست على الكنبة المقابلة له وهي تحتضن جسدها بذراعيه فرفع وجهه نحوها يسألها بإهتمام أفرحها رغما عنها :-
” هل انت بخير ..؟! هل تحتاجين الى شيء ما ..؟!”
ردت بخفوت :-
” كلا لا أحتاج لأي شيء .. الحمد لله انا بخير ..”
ابتسم لها ثم عاد ينظر الى هاتفه لتهتف بتردد:-
” ألن تنام أبدا ..؟!”
رد بجدية وهو ينظر إليها مجددا :-
” لا أشعر بالناس …”
أضاف بمكر:-
” لقد نمت أجمل نومة البارحة بحيث أظن إنني لا أحتاج أن أنام بعدها لأيام طويلة ..!!”
هتفت بعدم فهم :-
” هل نمت جيدا البارحة ..؟! ظننتك سهرت طويلا ..”
نهض من مكانه واتجه نحوها يجلس جانبها مرددا بإبتسامة غريبة :-
” نعم سهرت .. كانت سهرة رائعة ثم نمت أروع نومة في حياتي ..”
تطلعت إليه بعدم استيعاب قبل أن تتذكر وجودها بين ذراعيه فتحتقن ملامحها وتبدأ بقضم شفتيها لثواني قبل أن تقول بإقتضاب متعمد :-
” جيد ..”
أدارت وجهها نحو الناحية الأخرى فسألها وهو يقبض على ذقنها مديرا وجهها نحوه :-
” ماذا حدث ..؟!”
ردت بجدية :-
” لم يحدث شيء ..”
قال معاندا :-
” بل حدث .. هل أغضبك نومكِ بين ذراعي البارحة ..؟!”
تجمدت ملامحها فأضاف بصدق وهو يلمس خصلات شعرها برفق :-
” لا تغضبي .. لستِ أنت من نمتِ بين ذراعي بل انا من تعمدت النوم بين أحضانك ..”
نظرت له بعدم تصديق ليضيف وهو يحاصرها بنظراته العذبة :-
” لم يكن بإمكاني تفويت فرصة كهذه … ”
ابتلعت ريقها بضعف بينما اكمل بصدق :-
” ليلة البارحة كانت بدايتها سيئة للغاية لإنك كنت تتألمين ولكن ما حدث بعدها جعلني سعيد للغاية .. ”
” ماذا تقصد ..؟!”
سألته وهي تنهض من مكانها وتقف أمامه ليردد بإبتسامة خافتة :-
” انت لا تتذكرين شيئا اما انا فلن أنسى أي تفصيلة من ليلة البارحة ..”
” ماذا حدث ليلة البارحة ..؟!”
سألته بعدم إستيعاب ليبتسم دون رد فهتفت بحذر :-
” نديم …”
لاحظ الإختناق يسيطر عليع بل الدموع ملأت عينيها فنهض من مكانه بسرعة يقول :-
” اهدئي يا حياة .. لم يحدث شيء .. انا اتحدث عن روعة شعوري وانت نائمة بين ذراعيي .. هذا كل ما حدث .. انا جذبتك كي تنامي بين ذراعي وهذا ما جعل تلك الليلة مميزة بالنسبة لي .. الليلة التي نمت بها بين ذراعي لأول مرة .. ”
أشاحت وجهها بضيق وقلبها يخفق بقوة مما يقوله ونبرة صوته التي تدغدغ مشاعرها وتجعلها ترغب في رمي نفسها بين أحضانه ..
لا تعرف كيف تفوهت فجأة فقط كي تهرب من هذا الحوار المرهق لأعصابها ومشاعرها :-
” لقد دعاني مايكل على العشاء …”
” مايكل ..!!”
رددها بعدم استيعاب لتبتسم بعفوية وهي تثرثر :-
” نعم ذلك الشاب الأجنبي .. الذي أخبرتك عنه مسبقا وكيف ساعدني في أول أيامي في الجامعة ..انت رأيته البارحة وتحدثت معه ..”
” نعم تذكرت وتعرفت عليه البارحة فعلا .. ولكن كيف يعني يدعوك على العشاء ..؟!”
سألها وهو يعقد ذراعيه أمام صدره متحفزا لترد بعدم انتباه ونفس العفوية :-
” دعاني على العشاء عنده في شقته .. كنوع من التعارف ..”
هتف بصوت عصبي غير مصدق :-
” ستذهبين الى شقة رجل غريب ..”
قاطعته بسرعة وهي تنظر نحوه بحذر :-
” الأمر ليس كذلك .. مايكل أساسا مرتبط ..”
سألها وهو يكتم غضبه بصعوبة :-
” متزوج يعني ..؟!”
ردت بخفوت :-
” كلا ولكن لديه حبيبة …”
” وهل هذا كافي برأيك ..؟!”
سألها بغضب ظهر داخل عينيه وفي كافة ملامح وجهه لترد بضيق :-
” هي حبيبته وليست زوجته لكنها تعيش معه في شقته .. يعني لن يكون هناك لوحده .. أساسا عرفني على حبيبته منذ يومين وهي حقا لطيفة للغاية ودعتني بنفسها ..هي نفسها من ساعدتني البارحة ..”
قاطعها ببرود :-
” كفي عن قول حبيبته .. المعنى المناسب أكثر عشيقته ..”
” هل هناك مشكلة ما يا نديم ..؟! لماذا تتحدث معي هكذا ..؟!”
سألته بضيق ليرد ببرود وغضب مكتوم :-
” المشكلة إنك في خضم كل هذا تناسيتِ وجود رجل في حياتك .. رجل يحمل صفة زوجك .. تناسيتني وكأنني ليس لدي وجود …”
” انا ؟!!”
هتفت بعدم تصديق قبل أن تتمتم بكلمات غير مفهومة ثم تتحرك بعيدا عنه وهي تأخذ نفسا عميقا وهي تشعر بالغضب منه ومن ذاتها أكثر ..
التفتت نحوه تهتف بقوة :-
” انا لم أنسك يا نديم ولكن انت من نسيت إتفاقنا ..”
اندفع نحوها مرددا بعصبية :-
” أي أتفاق بالضبط ..؟! الإتفاق الذي قررته انتِ دون أن تستشيريني .. ؟! الإتفاق الذي قررته ونفذته دون حتى أن تسأليني عن رأيي ..؟!”
” هذا الإتفاق هو الأفضل لكلينا ..”
قالتها بقوة ليرد بتعنت :-
” قد يكون افضل لك لكنه ليس لي بالتأكيد ..”
” يومت ما ستدرك إنه أفضل قرار اتخذته ..”
قالتها بثقة ليصيح بإنفعال شديد :-
” يكفي يا حياة .. توقفي عن التصرف وكأنك وحدك من تدركين مصلحتي … توقفي عن هذا الكلام الغير مقبول .. اتفاقكِ هذا لا ينفعني بشيء ولن يفعل .. انت تتوهمين ذلك فقط بل تحاولين إقناعك إن هذا الأفضل لي لكن واقعيا هذا الإتفاق هو الأفضل لك انت .. اتخذتيه لأجلك انت .. يعني الاساس كان مصلحتكِ ..”
همست بعدم تصديق :-
” انت ماذا تقول ..؟! نعم انا لا أنكر ، انا أهتم بمصلحتي وفكرت في وضعي بعدما تستفيق من تلك الغيبوبة التي تعيش بها ..”
” أي غيبوبة ..؟!”
سألها بغضب لترد بصراحة :-
” غيبوبة المشاعر التي تتعمد وضع نفسك بها .. عندما تفيق وتدرك إنك لم تحب سوى إمرأة واحدة سيكون دوري حينها انتهى .. سيكون علي الخروج من حياتك فأنا ليست المرأة التي تبقى مع رجل لأجل شعوره بالواجب نحوها .. لذا كان يجب أن أحمي نفسي منذ اول يوم أصبحت فيه زوجتك .. نعم فكرت في مصلحتي ولكن في مصلحتك انت ايضا .. لم أكن أريدك أن تنجرف في علاقتك ستصبح ورطة حقيقية فيما بعد عندما تكتشف حقيقة مشاعرك وعندما تنتهي حاجتك لعلاقتنا هذه …”
ضحك غير مصدقا ما تتفوه به :-
” انتِ كيف توصلتِ لكل هذا .. ؟! كيف فكرت بذه الطريقة ..؟! هل تجيدين قراءة المستقبل ..؟!”
رددت بغضب :-
” لا تسخر مني ..”
هتف بقوة :-
” أعتذر حقا ولكنني سأسخر منك مجبرا لا مخيرا فأنتِ صعنت قصة كاملة من وحي خيالك وصدقتها وتصرفتِ بناء عليها ..”
” يكفي يا نديم .. يكفي حقا .. الى متى ستهرب من مشاعرك ..؟! الى متى ستبحث عن دواء لجروحك من خلالي ..؟!”
سألته وهي تنظر اليه بقوة قبل ان ترفع إصبعهاا امام صدره تردد :-
” توقف عن الكذب على نفسك .. كن صادقا مع نفسك .. انت تحبها .. لا يمكنك نسيانها .. انت ..”
صمتت تكتم شهقتها الباكية ليردد بعدم تصديق :-
” انا دوما ما كنت صادقا معكِ انت تحديدا كنت صادقا .. لم أنكر مشاعري نحوها يوما .. لم أنكر ما جمعني بها .. لكنها باتت ماضي .. ”
” ماضي ما زال يحيا داخلك ..”
قالتها بألم مكبوت ليرد بقوة :-
” لست انت من تحددين ذلك .. انظري الي يا حياة .. كل ما تقولينه اوهام .. انا أردتك زوجة حقيقة وشريكة حياة للأبد ..حتى لو كنت دواء لجروحي لكن رغبتي بك ليست لكونك بلسم يداوي آلامي فقط بل رغبة رجل في إمرأة يريدها شريكة .. لقد قلت هذا مرارا وانت لم تفهميه ولا أعلم كيف أجعلك تفهميه وتصدقيه ..”
” شريكة حياة … زوجة حقيقة .. رباط ابدي ..”
قالتها تردد كلماته بنفس طريقته لكنها أكملت وهي ترفع كفيها عاليا :-
” دون حب .. دون مشاعر حقيقية .. دون عشق يجمعنا .. هذه الحياة التي تريدها ..”
” لم أخبرك يوما إنني أحبك .. بل لم أتحدث يوما عن الحب .. لكن أخبرتك عن عمق ما يجمعنا .. اما المشاعر وكل ما يتعلق بالعاطفة فأنا لم أذكره وهذا يعني إنني لم أخدعك ولو للحظة واحدة .. انت كنت تعلمين كل هذا ورضيت ..”
قاطعته بقوة :-
” يكفي .. نعم انت لم تخدعني.. انت كنت صادقا معي وانا من خدعت نفسي بنفسي .. أعلم إنك لا تحبني وأعلم إنني إرتضيت هذا في بادئ الأمر ولكن هذا الوضع لم يعد يناسبني .. لقد اخطأت .. أعترف بذلك .. وها انا اخبرك بوضوح إنني لا يمكنني فعلها .. لا يمكنني العيش هكذا .. دون حب .. دون مشاعر متبادلة .. لا يمكنني أن أذوب فيك عشقا بينما انت لا تشعر بنفس العشق نحوي .. انا اسفة .. قل عني أنانية .. قل عني كاذبة او مخادعة او اي شيء .. قل إنني خذلتك ، منحتك أملا وسرقته منك ولكنني إنسانة .. إنسانة تحتاج الى رجل يحبها حقا كما تحبه .. هذا من أبسط حقوقي يا نديم …”
” وانا لست هذا الرجل بالطبع …”
قالها يبتسم بخيبة لتبتسم بألم وهي تردد بصوت مبحوح :-
” نعم انت لست هذا الرجل وأعلم إنك لن تكون ..”
أكملت وهي تمسح وجهها بكفيها مرددة بتعب :-
” هذه العلاقة بل هذا الوضع بالكامل أصبح مرهقا جدا لكلينا ..”
” مالذي يريحك يا حياة ..؟!”
سألها بجدية لترد بحسم :-
” لم يعد هناك أمامنا سوى حل واحد .. الطلاق ..!!”
…………………………………………………..
دلف الى احد النوادي الليلة وملامحه تنطق بما يعتمل داخله من غضب …
الطلاق .. تريد الطلاق .. تمنح نفسها الأعذار والمبررات بكل قوة ..
وماذا عنه ..؟! ألا تفكر به ولو قليلا ..؟! ألا تتذكر وعدها له ..؟! هل نسيت وعودها ..؟! كلا هذه ليست حياة التي يعرفها .. لقد أصبحت إنسانة أخرى …
يؤلمه تغيرها .. تؤلمه معاناتها ويشعر بعذاب شديد وهو يرى الحياة تختفي منها تدريجيا .. يراها تذبل بوضوح ..
والأسوء من ذلك عندما يتذكر إنه سببا في كل هذا ..
هو من تسبب بألمها .. هو من سرق حيويتها … قتل عفويتها وأنهى الحياة داخلها ..
ألا يكفيه ذنبه في حق ليلى .. ؟! ألا يكفيه إنه تسبب بالكثير لها ..؟! هو منذ ذلك اليوم وذنب ليلى يقيده بقوة … ذنبها في رقبته الى الأبد .. ليلى التي دمرها بنفسه … قتل عشقهما بسبب غروره وكبريائه … إبتلعها داخل ظلماته وحطمها بقسوته فتحملت ما ليس لها ذنب فيه ..
ليلى التي ضحت بعمرها لأجلها وهو لم يقدم لها سوى الخذلان والتعاسة ..
خذلها وخذل حبهما وهاهو يعيد الكرة مع حياة ..
يؤلمها هي الأخرى .. يسرق الحياة منها ويبتلعها داخل ظلماته كما فعل مع ليلى ..
ها هو يحمل ذنب إمرأة أخرى في عنقه بعد ليلى .. ليلى التي مهما فعل لن يستطيع تعويضها عما عايشته بسببه !
تقدم نحو البار وهو يشير للنادل أن يمنحه أحد أنواع المشروبات الكحولية ..!!
لقد عاهد نفسه ألا يفعلها مجددا وهاهو يفعلها من جديد ويتناول المحرمات للمرة الثانية او ربما الثالثة في حياته !!
انهى تناول كأسه الثاني عندما شعر بإحداهن تجلس جانبه تردد بخفة :-
” هل يمكننا التعرف ..؟!”
نظر لها لوهلة يتأمل جمالها المثير بشعرها الأسود الطويل وملامحها الجميلة بل فاتنة حيث سمرة بشرتها المحببة وعينيها الواسعتين وشفتيها المثيريتين والمطليتين باللون الأحمر الغامق ..
كحل عينيها الجذاب وجسدها المثير والذي يغطيه فستان احمر قصير ذو حمالات رفيعة يمنحها جمالها مضاعفا لجمالها الآخاذ ..
كان جمالها لا غبار عليه .. لكنه لم يهتم فهو لديه ما يكفيه من المشاكل اضافة الى إنه لم يكن من المنجذبين للنساء عامة فسابقا كانت ليلى المرأة الوحيدة التي تهمه فلا يتذكر إنه نظر يوما لسواها او إهتم بأخرى غيرها رغم محاولات البعض لذلك لكن وجود ليلى في حياته كان يجعله لا يرى سواها ..!!
عاد يرتشف من مشروبه لتمط شفتيها وهي تتسائل مجددا :-
” لماذا لا تجيب ..؟! من غير اللائق أن يتجاهل رجل وسيم مثلك فاتنة مثلي ..؟!”
استدار نحوها يردد :-
” وهل من اللائق أن تأتي فاتنة مثلك بنية التعرف على رجل هكذا ببساطة ..؟!”
ردت وهي تضع كفها فوق كتفه :-
” اذا كان رجلا نال إعجابها فلم لا ..؟!”
نطق بعربية :-
” اللعنة ، هذا ما ينقصني ..”
رددت بعدم تصديق :-
” انت عربي ..”
أضافت بعربية طليقة ؛-
” انا عربية ايضا ..”
نظر لها بدهشة لتضحك بخفة وهي تردد :-
” غريب ، أليس كذلك ..؟!”
هز رأسه بعدم اكتراث وهو يتناول مشروبه لتتسائل بجدية :-
” منذ متى وانت تعيش في امريكا …؟! ”
لم يجبها فعادت تسأل بإلحاح :-
” انت مستقر هنا ، أليس كذلك ..؟!”
وعندما لم تجد ردا هتفت بنبرة مليئة بالدلال :-
” لماذا تتجاهلني ..؟! هل سينقص منك شيء إذا أجبت على أسئلتي..؟!”
التفت نحوها يسأل بنفاذ صبر :-
” ماذا تريدين ..؟!”
ردت تبتسم بعذوبة :-
” أريدك أن تتجاوب معي ..”
” لا تحلمي بذلك .. انا لست من هذه النوعية .. ابحثي عن صيد اخر ..”
قالها بقوة وهو ينهض من مكانه متجها خارج المكان لتنهض بدوره تلحق به وهي تردد :-
” هل أنت جديد هنا ..؟!”
لم يجبها حيث خرج من البار لتتبعه وتجذبه من ذراعه بقوة فيصيح بها بغضب وهو ينفض ذراعه من بين كفها :-
” ماذا تفعلين ..؟! هل جننت ..؟!”
ردت ببرود :-
” اهدأ قليلا .. انا لم أفعل شيئا … انت فقط توقف عن الهرب مني … ولا تظن إني سأتركك بسهولة ..”
تأفف بنفاذ صبر لتسأله مبتسمة بلا مبالاة :-
” إذا انت جديد هنا … ”
هز رأسه دون إجابة وهو ينظر أمامه لتهتف تهتف بخفة وهي تقترب منه اكثر :-
” لم أكن أعلم إن الرجال العرب وسيمين لهذا الحد ..”
” ألم تلتقِ رجال عرب مسبقا ..؟!”
تسائل بملل وهو يبعدها عنه متعمدا لترد وهي تمط شفتيها بإمتعاض :-
” بل إلتقيت .. وصاحبت عددا لا بأس منهم .. لكنني تركتهم فورا .. أغلبهم متعنتين وغيورين .. متملكين جدا وانا لا أحب هذا ..”
ردد هازئا :-
” بالطبع .. انتِ تفضلين الشراكة عموما .. تعدد العلاقات يعني ..”
هزت كتفيها ترد ببساطة :-
” ليس تماما .. لكنني أحب الرجال المتوازنين .. أكره الغيورين .. ممقتين جدا ..”
أضافت وهي ترمقه بنظرات حارة :-
” لكنك تبدوا مختلفا عنهم .. ليس فقط كونك وسيما .. بل تبدو ذو شخصية متفتحة راقية للغاية ..”
قاطعها بملل وهو يحاول التوجه خارج المكان:-
” انا سأذهب .. لقد تأخرت هنا ..”
هتفت وهي تقبض على ذراعه تردد ببديهية :-
” سآتي معك .. ”
ردد بعدم تصديق :-
” الى أين ..؟!”
أجابت ببساطة :-
” أريد التعرف عليك أكثر .. أنت أعجبتني كثيرا وانا لن أضيع فرصة كهذه ..”
رد بضيق :-
” انا يجب أن أعود الى المنزل ..”
سألته بجدية :-
” هل تعيش وحدك أم …”
قاطعها ببرود :-
” أعيش مع زوجتي ..”
” حقا ..؟!”
هتفت بها بعدم تصديق قبل أن تضحك وهي تضع كفها على قلبها :-
” أووه لقد صدمتني حقا وحطمت قلبي .. كنت أظنك عازبا ..”
هتف بنبرة متهكمة :-
” أعتذر حقا لتحطيم قلبك …”
ردت ببساطة وهي تضع كفها على صدره:-
” لا بأس .. لا داعي للإعتذار ..”
أضافت وهي تقترب منه بقوة مرددة بصوت مغوي :-
” أساسا إغواء رجل متزوج ممتع للغاية بل يكون أحيانا إيقاعه أكثر متعة من إيقاع الرجل العازب ..”
” انت غير طبيعية ..”
رددها بملامح نافرة لترد وهي تضع كفيها فوق كتفه وتقرب وجهها من وجهه :-
” لماذا ..؟! لإنني صريحة .. لإنني لا أخفي إعجابي بك وإنجذابي لك .. ”
” عبرتي عن إعجابك وانجذابك .. حسنا أتفهم هذا .. لكن يؤسفني قول هذا .. إعجابك ليس متبادلا .. ”
هم بالتحرك لتجذب ذراعه مجددا فيتأفف بنفاذ صبر بينما تسأله بسرعة :-
” انتظر ، انت لم تخبرني اسمك حتى ..”
نظر لها للحظات قبل أن يقبض على ذراعها بقوة يجذبها نحو الحائط يلصقها فيه مرددا بغضب مخيف :-
” اسمعيني يا هذه .. انا لست فارغا إطلاقا لهذه التفاهات .. لدي ما يكفيني من مشاكل .. اغربي عن وجهي .. انا حتى لحظات قليلة كنت أتعامل معك بكياسة لكن صدقيتي صبري انتهى وسألغي كل ما أحمله من رقي واحترام ..”
” ماذا حدث ..؟! اهدأ ..؟! لم انت متوتر الى هذا الحد ..؟!”
سألته دون تأثر بحديثه ليرد بنفس الغضب :-
” ألا تستوعبين ما أقوله .. انا لست متوترا وإنما غاضب .. ابتعدي عني افضل لك ..”
هم بالتحرك لتسأله ببرود :-
” هل غضبك بسبب زوجتك ..؟!”
توقف مكانه للحظات يلتقط أنفاسه الغاضبة قبل أن يلتفت نحوها يردد بتحذير :-
” لا تجلبي سيرتها على لسانك …”
عقدت ذراعيها أمام صدرها وهي تستند على الحائط خلفها تتسائل :-
” هل تحبها لهذه الدرجة ..؟! تبدو حزينا للغاية بسببها ..”
” ألم أخبرك ألا تتحدثي عنها ..؟!”
سألته ببرود :-
” لماذا ..؟! ليكن بعلمك انا صاحبة جيدة وأفهم في المشاكل العاطفية وحتى الزوجية …”
” نعم ، سأستشيرك قريبا ان شاءالله ..”
قالها بتهكم صامت وهو يهم بالتحرك ليسمعها تقول :-
” لا أحد يعرف صنف الرجال بقدري ولا أحد يعرف تفكير النساء مثلي .. انا أعرف الجنسين وأستطيع أن أحدد كل شيء يخص كليهما مثلما أستطيع الآن أن أحل جميع مشاكلك …”
رد ببرود دون أن يلتفت نحوها :-
” صدقيني لو لم يتبق سواك فلن ألجأ إليك لحل مشاكلي ..”
” لا تكن مغرورا ..”
قالتها وهي تتقدم نحوه حيث وقفت أمامه تضيف وهي تعقد ذراعها أمام صدرها :-
” الجميع يحتاج الى النصيحة والمساعدة ..”
” وهل انت من يفترض بها أن تساعدني ..؟!”
سألها وهو يتأملها بتهكم مقصود لترد بثقة :-
” نعم .. بكل تأكيد يمكنني ذلك وأكثر ..”
أنهت كلماتها وهي تضع كفها على صدره ليهتف بجمود:-
” ” هل تعلمين إنك مثيرة للشفقة ..؟!”
ردت ببرود :-
” وانت احمق …”
” لا تتجاوزي حدودك …”
” انت من تجاوزت حدودك اولا ..”
قالتها بقوة ليتسائل عن قصد :-
“هل هذا عملك ..؟!”
عقدت حاجبيها تتسائل :-
” ماذا تقصد ..؟!”
ردد ببساطة :-
” جذب الرجال ومعالجة حلولهم مقابل المال .. طبعا طريقة معالجة الحلول معروفة ..”
سألته بملامح مليئة بالحنق :-
” هل تظنني عاهرة ..؟!”
ردد ضاحكا :-
” لا عفوا انت أشرف الفتيات ..”
” ماذا أتوقع من شرقي متخلف مثلك ..؟!”
قبض على ذراعها يهمس بقوة :-
” أخبرتك ألا تتجاوزي حدودك ..”
” انت من بدأت وعليك التحمل …”
ردت بقوة وعيناها تحاصران عينيه بشراسة مخيفة قبل أن تفاجئه بقبلة على شفتيه وهي تدفعه الى الحائط خلفها ..!!
……………………………
كانت تتأمل ليلى التي تجلس على الكنبة تحتضن كوب القهوة خاصتها شاردة في عالمها الخاص فهتفت تحاول إخراجها من صمتها :-
” فيمَ أنتِ شاردة ..؟!”
نظرت ليلى إليها وقالت بخفوت :-
” لا شيء …”
تنحنحت مريم وقالت بتردد :-
” كنت أريد التحدث بشأن عمار ..”
عقدت ليلى حاحبيها تسأل بضيق :-
” ما به ذلك الدنيء ..؟!”
سألت مريم بجدية :-
” هل ما زال يضايقك ..؟! يعني رأيته عندما زار والدي …”
” كيف رأيته ..؟! ألم يغادر بعد دخولي الغرفة ..”
سألتها ليلى مستفسرة لترد مريم وقد شعرت إنها تسرعت في حديثها :-
” رأيته .. يعني انا خرجت بعد دخولك انت وزاهر بلحظات .. كان واقفا يجري اتصالا مع احدهم ..”
اكملت تكذب عن قصد :-
” كان يبدو مشغولا للغاية ويتحدث بأشياء مهمة حتى كان منفعلا قليلا وانا تفاجئت من وجوده وفهمت إنه تحدث معك عندما حياني بشكل مقتضب وغادر …”
هزت ليلى رأسها بتفهم وردت :-
” السخيف .. جاء كي يطمئن على والدي .. طريقة متعمدة لإستفزازي لكنني لن أهتم .. لقد اكتسبت مناعة ضده وضد تصرفاته المجنونة ..”
” انه مجنون بالفعل ..”
تمتمت مريم بها بخفوت قبل أن تتسائل مجددا :-
” ما زال هناك عمل مشترك بينكما ..؟!”
ردت ليلى وقد تذكرت أمر الشيكات فعاد الضيق يكسو ملامحها :-
” للأسف .. ما زال هناك عمل مشترك بيننا وانا مضطرة لإتمامه ..”
” متى سيخرج عمار الخولي من حياتنا ..؟!”
غمغمت بها مريم بإنفعال مكتوم لترد ليلى بحسرة :-
” أصبحت أشعر إن حدوث هذا مستحيل .. أشعر وكأنه أصبح ملتصقا بنا الى الابد … ”
” سيخرج .. وقريبا جدا ..”
قالتها مريم بينها بين نفسها بعزيمة وملامحها بدت مليئة بالقوة بتلك اللحظة عندما اهتز هاتفها ففتحته لتجد رسالة من عمار فتجمدت للحظات قبل أن تهتف بينها وبين نفسها :-
” ليتني تذكرت عشرة دنانير أفضل ..”
فتحت الرسالة لتجده كتب لها :-
” انا بالقرب من منزلك .. في الشارع الجانبي .. انتظرك حالا في أمر ضروري لا يتحمل التأخير ..”
نظرت الى الرسالة بعدم تصديق من هذا المجنون ثم تأملت الساعة التي تجاوزت الثامنة مساءا ..
عادت تنظر الى ليلى التي شردت في ملكوتها مجددا فنهضت من مكانها وتسحبت خارح المكان دون أن تشعر بها ليلى ..
خرجت من الفيلا وتوجهت نحو سيارته في المكان الذي حدده لتفتح الباب وتدلف الى الداخل تهتف بعصبية :-
” هل جننت ..؟! ماذا تفعل هنا ..؟! ألم أخبرك إنني لا أريد رؤية وجهك ..”
قاطعها بحدة وصرامة :-
” توقفي .. اضبطي لسانك قليلا .. أتيت لأمر هام سأنتهي منه …”
ثم شغل سيارته وحرك مقودها لتهتف بعدم تصديق :-
” ماذا تفعل ..؟! إلى أين تأخذني ..؟!”
رد ببرود :-
” ساعة واحدة فقط وسأعيدك لنفس المكان الذي أخذته منك … لا تقلقي فأنا لا أنوي خطفك مجددا ..”
أضاف وهو ينظر إليها بتحدي :-
” إياك أن تفتحي فمك بكلمة واحدة طوال الطريق .. اقل من نصف ساعة وستفهمين كل شيء ..”
ابتلعت ريقها بقلق وهي تنظر أمامها عندما وجدته يتوقف بعد اقل من ثلث ساعة امام احد المستودعات لتسأله بخوف لا إرادي متأمله المكان الذي لا يحوي سوى المستودعات :-
” لماذا توقفت هنا ..؟!”
لم يجبها بل أخرج من جيبه هاتفه وفتحه ليضع صورة الرجل الذي خطفها أمامها :-
” هذا الرجل الذي خطفك ، أليس كذلك ..؟!”
” لقد أخبرتك بذلك مسبقا .. ما فائدة تكرار السؤال …؟!”
عاد يعبث في هاتفه قبل أن يفتح فيديو أمامها تظهر به بوسي وهي تتقدم نحو الرجل الذي نهض يحييها بترحيب حار حيث جلست الأخيرة واضعة قدما فوق الأخرى قبل أن تمد يدها بشيك …
” ما هذا الفيديو ..؟!”
سألت مريم بعدم استيعاب ليغلق عمار الفيديو ويعبث في هاتفه مجددا حيث فتح لها تسجيلا صوتيا سمعت فيها بوسي تتحدث :-
” كل شيء تم كما أريد .. الفتاة تم إختطافها وإعادتها بمساعدته كما توقعنا .. لم يتبق سوى أن ترسل تلك الصورة كي تعتقد إن كل ما حدث إتفاق بينه وبينك وهي ستصدق فورا كونها تدرك حب عمار لها وبالتالي سوف تعتقد إنه يرغب أن يظهر بدور البطل أمامها ..”
” ولكنها ستواجه عمار بعد ذلك وهذا يعني إنني سأقع في مصيبة ..”
قاطعته بوسي بقوة :-
” انت ستحصل على نصف مليون دولار .. لوحدك … دونا عن بقية رجالك .. هناك اكثر من شخص ييستطيع دعمك وحمايتك منه .. مثلما كان هو يدعمك يوما ..”
انتهى التسجيل لتصيح مريم بعدم تصديق :-
” بوسي .. عشيقتك هي من فعلت ذلك ..”
اومأ عمار برأسه وهو يرد :-
” نعم ، انتقاما مني وليس منك .. ”
” كيف يعني ..؟! ما علاقتي بالأمر ..؟!”
سألته بعد فهم لترد :-
” انا وهي انفصلنا منذ مدة . ومنذ ذلك اليوم تريد الثأر مني .. بوسي تدرك مشاعري نحوك لذا استغلت ذلك وقررت أن تؤذيني من خلالك .. خطة بسيطة للغاية .. تخطفك وتبلغني لآتي وأنقذك ثم تخدعك وتجعلك تظنين إنني المتسبب في خطفك لأظهر بدور البطل أمامك وفي هذه الحالة ستكرهينني اكثر كوني سمحت لنفسي أن أخطفك وسمحت لرجالي أن يرعبوكِ بل ويعنفونك ايضا ..”
” وما ذنبي انا ..؟! ما علاقتي بالأمر ..؟! ثانيا منذ متى وهي تعلم بعلاقتنا ..؟؟”
ردد ببرود :
” منذ ذلك اليوم الذي داهمتني به وهي معي .. استطاعت ان تدرك بحنكتها ما أحمله نحوك .. لأكن صريحا هي سألت وانا لم أكذب بالطبع ..”
” اللعنة .. دوما ما تتسبب انت لي في المشاكل ..”
قالتها بضيق وهي تنظر أمامها تعقد ذراعيها أمام صدرها ليرد بقوة :-
” ربما كنت السبب الذي دفعها لخطفك .. تم اختطافك بسببي .. لكنني لم أخطفك .. لست من فعلها .. ”
نظرت اليه بصمت ليرد بقوة :-
” انا أحمل العديد من صفات الشر .. انا شخص شرير واعترف بهذا لهذا آخر ما قد أفكر به أن أقوم بتمثيلية سخيفة كهذه للحصول على إعجابك او تحريك مشاعرك نحوي ..”
ابتلعت ريقها ولم ترد ليضيف بقوة :-
” الرجل في داخل المستودع .. اذا كان هناك شك داخلك يمكنك رؤيته بنفسك والتحدث معك ..”
” لا أريد ..”
قالتها بسرعة وحزم ليهز رأسه متفهما فيأخذ نفسا عميقا ثم يقول :-
” والآن تبقى شيئا واحدا ..”
نظرت له بقلق لتجده يفتح أزرار قميصه لتنكمش على نفسها وهي تصيح :-
” ماذا تفعل ..”
رد بجدية :-
” لا تقلقي .. لن أفعل أي شيء مما خطر على بالك .. أخبرتني إنني لن أنالك قسرا مهما حدث … ”
أضاف وهو يخلع قميصه فتظهر عضلاته البارزة فتشيح وجهها بسرعة لتسمعه يقول بقوة :-
” أعتذر اذا تسببت بخذش حيائك الذي أشك في وجوده لكن تبقى هناك اتهام واحد أريد تبرئة نفسي منه ليس لشيء إلا لتتعلمي أن تفكري قليلا بعقلك قبل إتخاذ اي تصرف ..”
اضاف بجدية :-
” انت اتهمتني إن كل شيء كانت تمثيلية بقيادتي والأهم إنك شككتِ بأمر الرصاصة لذا من فضلك القي نظرة على كتفي كي تتأكدي من صحة إصابتي ..”
” لا داعي لذلك ..لقد تأكدت و ..”
قاطعها بقوة مخيفة :-
” انظري ..”
التفتت بسرعة تنظر الى كتفها فترى آثر الجرح الذي رغم تشافيه ما زال واضحا فقال بتهكم مقصود :-
” يمكننا الذهاب الى أي طبيب تختارينه كي يؤكد لك حقيقية إصابتي …”
” أخبرتك إنه لا داعي لذلك ..”
قالتها وهي تشيح بوجهها مجددا ليعاود ارتداء قميصه قبل أن يهتف بها وهو يغلق أخر أزاره :-
” بإمكانك النظر انا .. لقد ارتديت قميصي ..”
نظرت له بتوتر للحظات قبل ان تقول :-
” عمار انا لا اعرف حقا ماذا اقول ..”
قاطعها ببرود :-
” لا تقولي شيئا يا مريم ..”
هتفت بصوت متحشرج :-
” انت لا يمكنك لومي .. الصورة كانت واضحة ولو كنت مكاني ..”
رد عن قصد :-
” لو كنت مكانك لفكرت بنفس الطريقة .. تصرفك كان طبيعيا كونك تكرهينني وبالتالي كرهك لي يجعلك تصدقين أي شيء يسيء لي ..”
زمت شفتيها فأضاف عن قصد :-
” كرهك لي لا خلاف عليه يا مريم وعليه لقد اتخذت قراري ..”
نظرت اليه بتأهب فأكمل ببساطة :-
” لقد فكرت جيدا .. ووجدت إنني لا أريدك بهذه الطريقة .. لا أريدك مجبرة … لا أريدك لي وانت تمنحيني نفسك لأجل حماية اختك او عائلك او اي شيء آخر يجبرك على ذلك .. ربما لو كانت أخرى غيرك لفعلتها لكن انتِ تحديدا لن يرضيني ان أراك مجبرة على الإنتماء لي .. لن أشعر بلذة او سعادة عندما أمتلكك غصبا .. لذا وبما إنك لا تحبيني بل تكرهينني ، سأحررك مني .. من الآن فصاعدا انت خارج حياتي .. تماما .. ولن يجمعني بك اي شيء …”
نظرت إليه بعدم تصديق لتجد الجدية واضحة على ملامحه فسألت بتردد :-
” هل تمزح معي …؟!”
رد بنفس الجدية والثبات :-
” ابدا ، انا لا أمزح معك .. من الآن فصاعدا كوني مطمئنة تماما لإنني خارج حياتك كليا …”
” انت منذ ايام كنت تهددني بأمر الشيكات بل تريد الزواج مني ..”
قالتها بصوت مرتجف ليرد ببساطة :-
” كل هذا انتهى .. أمر الشيكات سأحله مع ليلى دون إيذائها ابدا وعرض الزواج تراجعت عنه فأنا حقا لم أعد أرغب بك كزوجة ..”
أضاف بنفس الهدوء :-
” أساسا انا سأتزوج قريبا من فتاة إخترتها وتقدمت لخطبتها .. فتاة قررت أن أستقر معها وأبني عائلة تخصني فأنا كما تعلمين تجاوزت الثلاثين من عمري وآن الآوان لأستقر وأحصل على اطفال يرثون اسمي ..”
” لقد حدث كل هذا في هذه الفترة ..”
هتفت بعدم استيعاب ليبتسم بخفوت وهو يرد :-
” ليس تماما .. الفتاة كانت حبيبتي سابقا وعدنا نلتقي منذ مدة .. هي تناسبني من جميع النواحي والوحيدة التي تفهمني وتعرف كيف تمتص غضبي وتريحني …”
تنهد ثم قال :-
” لذا هي الوحيدة التي تصلح لتكون زوجتي ..”
أكمل وهو ينظر لها :-
” بإمكانك أن ترتاحي الآن يا مريم .. لقد تحررتِ مني تماما …”
عادت تنظر أمامها تشرد في حديثه حتى سمعته يقول :-
” سائقي سيعيدك الى منزلك .. هو موجود خارجا في السيارة السوداء خلفي ..”
نظرت اليه بعدم تصديق ليضيف :-
” لدي عمل مهم .. لا يمكنني إيصالك بنفسي …”
هزت رأسها بآلية ثم فتحت الباب وتحركت خارج السيارة متقدمة نحو السيارة الأخرى لينظر عمار إليها للمرة الأخيرة من مرآة سيارته قبل أن يحرك السيارة أخيرا منطلقا بأقصى سرعته تاركا إياها تتابع آثره بعدم تصديق ..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)