روايات

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء الخامس والثلاثون

رواية حبيسة قلبه المظلم البارت الخامس والثلاثون

حبيسة قلبه المظلم
حبيسة قلبه المظلم

رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة الخامسة والثلاثون

في صباح اليوم التالي ..
كانت تجلس أمامه ومعهما مجموعة من المدراء والموظفين يناقشون أمر الصفقة التي تجمع شركة والدها بشركته تحاول أن تركز جيدا وتفهم فهي ما زالت جديدة في مجال العمل وتحتاج الى وقت لإستيعاب هذا الكم من التراكمات والأعمال ..!!
انتهى الاجتماع الأخير بعد أكثر من ساعتين ليخرج الموجودين تدريجيا حتى فرغت الغرفة تماما ولم يتبقَ سوى هي وهو !!
نظر عمار إليها وسأل :-
” كيف حال والدك ..؟!”
أجابته بدبلوماسية وهي تلملم أغراضها :-
” افضل الحمد لله ..”
” الحمد لله ..”
تمتم بها بخفوت فتوقفت هي عما تفعله ونظرت إليه وقالت :-
” نحن يجب أن نتحدث بشأن موضوع الشيكات ..”
قاطعها بجدية :-
” سنفعل ولكن قبلها سأخبرك شيئا هاما ..”
شعرت بالخوف يدب في قلبها فمالذي سيخبرها به عمار ..؟!
عمار لا يأتي منه سوى الشر فما هو نوع الشر القادم ..؟!
سألته بقلق :-
” تحدث ..”
صمت قليلا ثم قال بجدية :-
” انا سأتزوج ..”
” نعم ..”
قالتها بصوت مرتفع لا إراديا فسأل مستغربا :-
” ماذا حدث ..؟!”
هدرت به :-
” ما علاقتي انا بهذا ..؟! تتزوج او تذهب الى الجحيم ..؟! ما شأني أنا ..؟!”
كز على أسنانه مرددا :-
“حسنا اهدئي اولا .. ”
اخذت نفسا عميقا وارتخى جسدها أخيرا بعد تشنجه طوال لحظات انتظارها سماع ما يريد قوله رغم إن اللحظات لا تصل الى دقيقة واحدة !!
نظرت اليه تسأله ببرود :-
” حسنا ما شأني أنا بزواجك من عدمه ..؟! لماذا تخبرني بهذا أساسا ..؟!”
ابتسم مرددا بمكر محاولا إستفزازها :-
” ومن أفضل منك ويمتلك ذوقا أجمل من ذوقك لأخذ رأيه في عروسي ..؟!”
” عمار لا تستفزني ..”
قالتها ليلى بنفاذ صبر ليتنهد ثم يهتف بها :-
” في الحقيقة فقط أريد منك أن تمدحيني أمامها عندما تسألك عني …”
صاحت بعدم استيعاب :-
” انت بالتأكيد تمزح معي …”
ضحك مرغما ثم قال يدعي المزاح :-
” أحب إغضابك يا لولا ..”
صاحت بنفاذ صبر :-
” انظر لا ينقصني سواك … كف عن التساخف ..”
تراجع بظهره الى الخلف متحدثا بجدية اخيرا:-
” حسنا سأكف عن التساخف واتحدث .. في الحقيقة انا قررت الزواج .. قراري جدي هذه المرة يعني اريد زواج واستقرار ..”
قاطعته بملل :-
” حسنا ، لا أفهم حتى الآن .. ما علاقتي انا بكل هذا ..؟!”
رد بضيق :-
” ربما لو تمنحيني الفرصة لأنتهي من حديثي ستفهمين ..”
تنهدت بصوت مسموع ثم نظرت اليه تستمع الى ما سيقول ليقول :-
” العروس تعرفينها .. تعرفينها جيدا ايضا …”
” عمن تتحدث ..؟!”
سألته بتفكير ليرد بجدية :-
” شيرين .. ”
صممت للحظات تستوعب ما قاله قبل أن تتسائل :-
” شيرين صديقتي … ؟! لا أصدق .. متى عادت من الخارج أساسا و …”
قاطعها :-
” تطلقت وعادت منذ عدة اشهر .. وانا عرضت عليها الزواج رسميا بل تحدث مع عائلتها ايضا ..”
” وهل هي موافقة ..؟!”
سألته بإهتمام ليرد بثقة :-
” ستوافق .. ”
“جيد .. اذا ما المطلوب مني ..؟!”
سألته بلا مبالاة ليرد بهدوء :-
” ليس مطلوب منك اي شيء .. فقط أردت إخبارك ليكون لديك علم كون شيرين صديقتكِ المقربة وايضا كي لا تتسببي بمشاكل لي مجددا معها كما حدث سابقا ..”
” صديقتي هذه انا لم أرها منذ أعوام ولم نتواصل نهائيا طوال الأعوام السابقة ..”
” حقا ..؟! ظننت إنكما إلتقيتما بعد عودتها ..؟!”
ردت ببرود :-
” كلا لم نلتق ولن نلتقي بالتأكيد …”
ضحك بخفة مرددا :-
” لإنها ستتزوج بي ، أليس كذلك ..؟!”
سألته :-
” هل يوجد سببا آخر برأيك ..؟!”
هتف بخفة :-
” لا تكوني قاسية يا لولا .. لا تعلمين ربما كل شيء يتغير .. تستعيدين صداقتك مع شيرين ومن خلال هذا نصبح نحن ايضا اصدقاء ..”
” لماذا هل جننت ..؟! اسمعني يا عمار .. امر زواجك من شيرين لا يخصني .. هي حرة وانت كذلك .. إذا أردتما الزواج فهنيئا لكما .. ”
ردد بجدية :-
” المهم ألا تتصرفي كمصلحة إجتماعية وتذهبين وتنصحينها برفضي ..”
هتفت بإستخفاف معتمد :-
” هل تخاف أن أفعلها وأخبرها بكل قذاراتك فتتراجع وترفض الزواج بك ..؟!”
” ليلى ..”
قالها بتحذير لترد بقوة :-
” لا تخاف .. لا أنوي فعلها .. هل تعلم لماذا ..؟! لإن المرأة التي توافق أن تتزوج رجلا دمر أخيه وسرق خطيبته لن يهمها أي أشياء اخرى .. يبدو إنها ما زالت مغرمة بك ومجنونة بحبك .. هذا التفسير الوحيد لموافقتها على الزواج بك ..”
” على العموم كلامي واضحا ولن أكرره ..”
قالها بملل لتهتف بجدية :-
” لا تقلق .. لا أفكر بفعل شيء كهذا أبدا ..”
أضافت بجدية :-
” المهم دعنا نتحدث بأمر الشيكات و ..”
قاطعها :-
” سنتحدث .. اساسا انا سأختصر الموضوع تماما ..”
صمت قليلا قم قال :-
” انا أطلبك مبلغ كبير جدا .. اعلم جيدا وضع شركتكِ المادي حاليا .. انت تحتاجين الى وقت لتسديد هذا المبلغ وبالتأكيد سيكون التسديد على دفعات ..”
أكمل بجدية :-
” لقد قررت .. سأمنحك وقتا مفتوح مبدئيا حتى تستعيد الشركة نشاطها التجاري وبعدها ستبدئين بتسديد الديون على دفعات .. مثلا مليون دولار كل عام او نصف مليون .. حسب ميزانية الشركة ..”
تطلعت إليه مرددة بعدم تصديق :-
” انت تتحدث بصدق ..”
رد ببساطة :-
” انا لا أمزح في مواضيع المال والعمل .. نعم أتحدث بكل جدية وصدق ..”
” لكن هذا يعني إن التسديد سيأخذ أعواما طويلة …؟!”
هتفت بها بدهشة ليردد بعدم اهتمام :-
” وما المشكلة في ذلك ..؟! طالما اموالي ستعود الي كاملة في النهاية فليس مهما كم عام ستأخد حتى تعود المهم إنها ستعود ..”
سألته بشك :-
” ومالذي يجبرك على هذا …؟! لماذا ستتحمل وتنتظر سنوات لتسديد المبلغ ..؟!”
رد بعقلانية :-
” ليس حبا فيكِ بالطبع .. ولكن انا اعرف وضعكِ جيدا ووضع الشركة السيء .. وفي نفس الوقت انا وضعي المادي وممتاز … ميزانية الشركة عندي ممتازة بل اكثر من ممتازة .. وهذا المبلغ مجرد زيادة لا اكثر .. لذا لماذا سأضغط عليك وأطلب منك التسديد بسرعة وانا لا أحتاج الى المبلغ اساسا ولن يؤثر علي وفي المقابل وضعك أيضا لا يسمح بالتسديد .. لذا هذا الحل الأمثل ..”
تظلعت إليه بصمت تتأمله بريبة تحاول أن تفهم ما يدور داخل عقله الشيطاني ..!!
هتفت بعدم اقتناع :-
” في الحقيقة يصعب علي تصديق هذا …”
سألها بملل :-
” لماذا ..؟!”
ردت بجدية :-
” انت لا تفعل شيئا لله يا عمار .. بالتأكيد هناك شيء كا تخطط له وراء هذا ..”
” شيء ماذا يا ليلى ..؟! اطمئني لا يوجد شيء ..”
” حقا ..؟! بكل الأحوال ستظل رقبتي بين يديك طالما الشيكات معك والله وحده يعلم ماذا ستطلب مني مستقبلا مقابل عدم تسديد الشيكات ..؟!”
تمتم بخفوت :-
” بكل الاحوال صلاحية الشيكات لعامين ..”
قاطعته بجدية :-
” نعم هذا ما وقعنا عليه ولكنني بالطبع لا يمكنني تسديد اكثر من ربع المبلغ خلال العامين القادمين وربما حتى ربع المبلغ لا يمكنني تسديده لإن وضع الشركة مجهول تماما ..”
” إذا أنت تظنين إنني اكذب فيما أقوله ولست صادقا وإنني سأستغلك يوما ما مقابل هذه الشيكات ..؟!”
” لو كنت مكاني ، هل كنت ستصدق هذا الكلام الغير منطقي ..؟!”
” ولم لا ..؟!”
رددها ببرود لترفع حاجبها قائلة :-
” لإنني أعرفك يا عمار .. نحن عشرة سنوات ..ولإني أعرفك جيدا أعرف إن هذا التصرف اللطيف الإنساني لا يناسبك .. !! مثلما أعلم جيدا إنك أكثر شخص يجيد انتهاز الفرص للتحكم بمن حوله ..”
انحنى بجسده متقدما نحوها قليلا مرددا :-
” انت تظلمينني يا ليلى .. وسأثبت لك ذلك ..”
عاد يتراجع الى الخلف مضيفا :-
” خلال أيام سآتي ومعي المحامي الخاص بي .. رسميا سأمدد فترة تسديد الشيكات لعشرة اعوام قادمة … وسنوثق ذلك ايضا .. اظن لا يوجد تأكيد اكثر من هذا ..”
انعقد لسانها داخل فمها وهي تحاول استيعاب ما يقول ..
هل جن هذا الرجل ..؟!
هل هو مريض وسيموت قريبا ويريد التكفير عن ذنوبه ..؟!
سخرت من تفكيرها وهمت بالتحدث عندما قاطعتها السكرتيرة التي دخلت تخبرها :-
” ليلى هانم .. زاهر بك في الخارج ويريد رؤيتك ..”
نهض عمار على الفور مرددا وهو يغلق أزرار سترته :-
” انا سأذهب الآن ..”
اكمل وهو ينحني نحوها هامسا لها :-
” لا داعي أن نجعل العاشق الولهان ينتظر كثيرا في الخارج ..”
منحته نظرات حادة قوية ليبتسم بمكر قبل أن يتحرك خارج المكان فيجد زاهر في الخارج فيحييه بإيماءة من رأسه ليرد زاهر تحيته بإيماءة مختصرة قبل أن يسمع السكرتيرة تخبره إن ليلى تنتظره في الداخل ..
………………………………………………………..

دلف زاهر الى الى غرفة الاجتماعات ملقيا التحية لتنهض ليلى من مكانها تستقبله ..
ردت تحيته بجدية وقليل من الخجل ظهر على ملامحها تجاهله وهو يقول :-
” في الحقيقة لقد جئت لتوديعك .. ”
” توديعي !!”
هتفت بها بعدم فهم ليضيف شارحا :-
” سأسافر غدا .. سأعود الى الخارج وأحببت أن أودعك قبلها .. ”
سألته بعفوية :-
” لماذا ستسافر ..؟! على أساس إنك نويت الإستقرار هنا ..؟!”
رد بجدية :-
” كنت أفكر بذلك لكنني لم أتخذ قرارا نهائيا … ”
هزت رأسها بتفهم ثم قالت بتردد :-
” لا أعلم ماذا يجب أن أقول ..”
رد بجدية :-
” لا تقولي شيئا .. هذا كان متوقعا ..”
” انا حقا اعتذر ..”
قاطعها بقوة :-
” لا تعتذري ابدا يا ليلى .. انت لم تخطئيِ ابدا .. انا من تسرعت واخطأت وعلى العكس تماما انت كنت صريحة معي وصادقة بشكل مثير للإعجاب ..!!”
ابتسمت بتردد بينما سأل هو :-
” اذا هل يمكننا أن نتناول الطعام سويا ..؟! يعني كوداعية قبل السفر ..؟!”
ردت بسرعة :-
” بالطبع يمكن ..”
ابتسم بهدوء بينما أضافت هي :-
” اساسا انا أيضا أريد التحدث معك .. ”
” جيد اذا هيا بنا ..”
قالها بجدية لتبتسم وهي تقول :-
” امنحني بضعة دقائق فقط ..”
قاطعها دخول السكرتيرة التي نظرت لها ليلى بتساؤل فقالت بجدية :-
” بوسي هانم تريد رؤيتك … ”
تمتمت ليلى بينها وبين نفسها :-
” ماذا تريد هذه مجددا …”
سمعت زاهر يقول :-
” اذا كان لديك موعد يمكننا تأجيل الموعد حتى المساء ..”
ردت ليلى بجدية :-
” ابدا .. ليس هناك موعد او ما شابه ..”
اضافت :-
” هل يمكنك الإنتظار لدقائق .. سأنهي حديثي معها سريعا .. لا تقلق حديثي معها قصير فأنا أعرف ماذا تريد … عشر دقائق او ربع ساعة بالكثير وسنخرج …”
” خذي راحتك يا ليلى .. سأنتظرك هنا ..”
ابتسمت ثم أشارت الى السكرتيرة :-
” اطلبي لزاهر بك ما يفضل تناوله حتى أنتهي من حديثي مع بوسي هانم ..”
ثم غادرت مسرعة لتجد بوسي تنتظرها وهي تجلس امام مكتب سكرتيرتها حيث نهضت ما ان وجدت تدلف الى الداخل مرددا :-
” اهلا بك ليلى هانم ..”
ردت ليلى :-
” اهلا بوسي هانم ..”
أضافت تتسائل بسرعة مقصودك :-
” تفضلي ، ماذا هناك ..؟!”
” نتحدث في الداخل افضل ..”
قالتها بوسي بجدية لترد ليلى :-
” لا داعي لذلك .. وجودك هنا سببه واضح وردي لن يختلف عن المرة السابقة ..”
قالت بوسي بتأني :-
” ربما السبب نفسه لكن الطلب مختلف .. في الحقيقة انا هذه المرة أتيت لسبب مختلف ..؟!”
” سبب ماذا .؟!”
سألتها ليلى وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها لتهتف بوسي :-
” انا أريد مساعدتك في أمر بسيط جدا .. اريد رقم نديم الخولي .. رقمه الحالي في امريكا .. حاولت أن أحصل عليه لكنني فشلت فهل يمكنك أن تساعديني في الحصول عليه ..؟!”
ردت ليلى بسخرية وعدم تصديق :-
” وهل تظنين إنني أمتلك رقمه حقا ..؟! بوسي هانم انت تعرفين كل شيء بالطبع .. يعني بالتأكيد انا لا أمتلك رقمه …”
قالت بوسي بجدية :-
” حسنا ولكنه يظل ابن خالتك .. تستطيعين الحصول على رقمه بسهولة .. من خالتك او ابنة خالتك ..”
” انظري بوسي هانم .. كان بودي مساعدتك حقا لكنني للأسف الشديد اخترتِ الشخص الخطأ .. انا لا يمكنني مساعدتك لإنني أساسا لا اتحدث مع خالتي او ابنتها …”
” هل تحاولين إقناعي إنك لا تستطيعين الحصول على رقمه أبدا بأي طريقة ..؟!”
تنهدت ليلى بقوة ثم قالت :-
” كيف سأحصل عليه وانا لا أتواصل معه ولا مع عائلته ..؟! من أين سأجلبه مثلا ..؟! ”
عبست ملامح بوسي بينما قالت ليلى بجدية :-
” اسمحي لي بقول شيء ما …”
رمقتها بوسي بنظراتها فقالت ليلى :-
” برأيي ما تفعلينه لن يجدي نفعا … توقفي عما تحاولين فعلك لأجلك انت قبل أي أحد ..”
أضافت بجدية :-
” الانتقام لن تجنين منه شيئا جيدا ..حسنا اتفهم سبب رغبتك شديدة في الانتقام و ربما معك كل الحق ولكن عمار ليس بهين على الاطلاق .. خصما قويا وشرسا ..اضافة الى إن الإنتقام نفسه يضر صاحبه قبل الجميع .. افضل شيء تفعلينه ان تنسي عمار تماما وتقلبين صفحته وتبدئين صفحة جديدة ..”
هتفت بوسي بإستهزاء :-
” حقا ..؟!”
أضافت بتهكم :-
” هل تظنين إنني جبانة او سلبية لدرجة التنازل عن حقي ..؟! هذا الشخص أذاني … أذاني كثيرا وانا لا يمكنني التنازل عن حقي منه كما فعلتِ انت …”
ضغطت ليلى على أعصابها وهي ترد بثبات :-
” اذا كنتِ تظنين إن تنازلي عن انتقامي جبنا او ما شابه فانت مخطئة .. في فترة ما كنت قررت الانتقام فعليا ولم أكن أخاف أبدا وحتى الآن انا لا أخاف .. لكن كل ما في الأمر إنني فكرت بموضوعية .. عمار دمرني اكثر منك .. ولا أحد سيلومني اذا قتلته بيدي هاتين .. لكن ماذا سأجني من محاولتي للإنتقام منه ..؟! لن أجني شيئا على العكس ربما سأخسر .. سأخسر نفسي وإنسانيتي وضميري فالإنتقام لا يتوافق مع كل هذا لذا انا تركت فكرة الانتقام ليس خوفا او جبنا بل ترفعا مني عن الانتقام من شخص نذل وحقير افضل شيء هو تجاهله تماما .. وهناك شيء اخر مهم .. عمار آذاني كثيرا واكثر من اي احد لكنني انا من سمحت له بذلك .. سمحت له بإيلامي وتعذيبي وإبتزازي لأجل من لا يستحق لذا انا أتحمل جزءا من مسؤولية ما حدث كما تتحملين انت ايضا جزءا كبير مما أصابك ففي النهاية انت من كنتِ معه ومنحته نفسك !!”
احتقنت ملامح بوسي بقوة لتتسائل مجددا :-
” اذا لن تساعديني في الحصول على الرقم ..”
” للأسف لا يمكنني .. لإنني فعليا لم يعد يجمعني بعائلة الخولي تواصل من اي نوع … هذه العائلة خرجت من حياتي تماما .. خالتي نفسها أصبحت خارج حياتي … تعاملي الوحيد مع عمار ولأجل العمل لا أكثر .. لذا أعتذر مجددا .. عن إذنك فانا لدي موعد هام ويجب أن أغادر الشركة الآن ..”
أنهت كلماتها وخرجت من المكتب تاركة بوسي تتآكل غيظا وهي تردد بين وبين نفسها :-
” ما هذه الفتاة ..؟! منحتني درسا في الأخلاق .. لا تعترف بجبنها فتقلب الأمر ضدي ..”
حملت حقيبتها بعصبية واتجهت خارج الغرفة عندما أخرجت هاتفها من حقيبتها وأجرت إتصالا بأحدهم وهي تسير نحو المصعد ..
توقفت جانب المصعد وهي تسمع صوته يجيبها فرددت بضيق :-
” فعلت ما طلبته … أعطتني محاضرة في الأخلاق …”
سمعت صوت ضحكاته للحظات قبل أن يتوقف متسائلا :-
“رفضت أن تعطيكِ الرقم ، أليس كذلك ..؟!”
ردت بضيق :-
” بالطبع رفضت وبقوة ..”
” كنت أعلم ذلك …”
قالها بثقة لتردد بتجهم :-
” ما الهدف من ذهابي إليها والقيام بكل هذا وانت تملك رقم الشاب أساسا لا أعلم ..؟!”
” كل شيء له هدف وهدف مهم ايضا .. ”
زفرت أنفاسها مرددة بحنق :-
” تحدثت معي بطريقة أزعجتني حقا .. وتقول إنها قطعت علاقتها بعائلة الخولي وهي ما زالت تتعامل مع رأس الثعبان .. حقا تدعي المثالية ..”
رد بخفة :-
” ماذا قالت لك لتنفعلي هكذا ..؟! ”
” ليس مهما ..”
قالتها بغضب مكتوم قبل ان تضيف :-
” لكن دعني اخبرك .. ليلى هذه لن تحصل على شيء منها .. هي لا يمكن أن تتعاون معنا أبدا ..”
سمعته يرد بثقة :-
” ستتعاون .. مجبرة لا مخيرة ..”
” كيف ..؟!”
سألته بحيرة ليرد بنبرة ماكرة :-
” كيف ، ستعرفينها في الوقت المناسب ..”
” كل شيء لديك غامض ..”
قالتها بغيظ ليهتف بجدية :-
” الغموض مفيد عزيزتي بوسي ..”
” لكننا سويا في هذه اللعبة ..”
رد ببرود :-
” لسنا سويا .. نحن فقط نتعاون في نقاط معينة .. في النهاية انا من يخطط لكل شيء وانت تفعلين ما هو مطلوب منك والمقابل هو الحصول على الإنتقام ..”
اضاف منهيا حديثه بحسم :-
” الى اللقاء عزيزتي ..”
اغلق الهاتف في وجهها لتنظر الى الهاتف بغيظ وهي تردد :-
” اللعنة عليك يا عمار .. متى سأتخلص منك ..؟! متى سينتهي كل هذا ..؟!”
ضغطت على زر المصعد ليصعد إليها وهي تشعر بإنزعاج لا مثيل له ..
…………………………………………………………
في احد المطاعم الراقية ..
كانت تجلس أمامه تتناول قهوتها بصمت وهو كذلك …
اخذت تنظر الى الشارع الخارجي من النافذة الواسعة المطلة عليه تتأمله بشرود …
عادت ترتشف من قهوتها عندما وضعت فنجانها في مكانه وسألته :-
” متى ستسافر اذا ..؟!”
رد بجدية :-
” مساء الغد ..”
هزت رأسها بتفهم ثم عادت تتسائل :-
” وخالي وزوجة خالي ..؟! ماذا عنهما ..؟!”
رد بجدية :-
” لا أعلم .. سيبقيان الفترة القادمة هنا لكن غالبا سيعودان فيما بعد .. انت تعرفين لقد اعتادا على الحياة في الخارج ..”
اومأت برأسها بينما اضاف :-
” وأختي مستقرة هناك مع زوجها وأطفالها .. ماما بالذات لا يمكن أن تعيش بعيدا عنها ..”
” معها حق .. ”
قالتها وهي تبتسم قبل ان تضيف :-
” أتواصل مع زينب بين الحين والآخر .. أطفالها رائعون حقا ويشبهونها كثيرا بإستثناء ابنها الكبير يشبه والده ..”
” نعم الكبير شبيه والده فعلا اما الفتاة والصغير آخر العنقود يشبهانها هي …”
ابتسمت بخفة وهي تردد :-
” حفظهم الله وبارك فيهم لها ..”
آمن على دعائها عندما سمعت صوت هاتفها يرن فحملته لتجد غالية تتصل بها ..
ظهر الضيق على ملامحها وهي تتجاهل المكالمة حتى انتهت تامت فوضعت الهاتف على الوضع الصامت وهمت بإرعاجه الى مكانه لكنها وجدتها تعبث لها رسالة مضمونها :-
” يجب أن نتقابل ضروري .. هناك شيء هام يخصك عندك يجب أن تأخذيه ..”
تأملت الرسالة بإستغراب وشردت وهي تنظر الى الهاتف مفكرة في ذلك الشيء الذي يخصها عندما سمعت صوتا يهتف بترحيب :-
” زاهر حمدان هنا .. إنها حقا صدفة رائعة ..”
رفعت ليلى وجهها لا إراديا بينما نهض زاهر يرحب بالشخص الذي عرفته فورا فشعرت بالدهشة تعتريها ..
لم تعد تعلم عدد الصدف التي جمعتهما سويا ..!!
” أثير الهاشمي .. كيف حالك ..؟!”
ابتسم أثير مرددا :-
” بخير .. متى أتيت الى هنا ..؟! لقد تفاجئت عندما رأيتك …”
رد زاهر :-
” أتيت منذ عدة ايام وسأسافر غدا .. انت كيف حالك ..؟! وكيف حال سيادة الوزير ..؟!”
أشاحت ليلى وجهها تنظر مجددا نحو النافذة بينما سمعت أثير يجيب :-
” سيادة الوزير بخير .. أعماله لا تنتهي …”
” وانت ..؟! اين تعمل حاليا..؟!”
رد أثير مبتسما :-
” سأسافر بعد اسبوعين الى جنيف في سويسرا ..سأستقر هناك لحوالي عام مبدئيا وسأرى بعدها ما سيحدث ..”
” رائع .. سوف تستمع هناك كثيرا ..”
“اتفق .. سويسرا رائعة اساسا ..”
انتبه زاهر الى ليلى فأشار إليها قائلا :-
” صحيح نسيت أن أعرفك .. ”
ضغطت ليلى على شفتيها وهي تستدار فتظهر الدهشة على ملامح اثير لكنها اختفت في ثواني وحلت محلها نظرات ماكرة ضايقتها ..
” ليلى سليمان .. ابنة عمتي ..”
أضاف وهو يشير الى اثير :-
” أثير الهاشمي يا ليلى .. صديق قديم وابن الوزير حاتم الهاشمي ..”
” اهلا اثير بك ..”
قالتها ليلى برسمية وإبتسامة كارهة بينما هتف أثير مبتسما بخفة :-
” لا أصدق .. يعني ما أكثر الصدف التي جمعتنا ليلى هانم .. ”
ابتسمت ليلى مرددة بأقتضاب :-
” نعم ، ما أكثرها ..”
سأل زاهر بإستغراب :-
” هل تعرفان بعضكما ..؟!”
ردت ليلى بسرعة :-
” ابدا .. فقط سبق وجمعتنا الصدفة مرتين .. يعني مجرد صدفة لا اكثر ..”
” كانت صدفة اكثر من رائعة ..”
قالها ساخرا لتكز على أسنانها بقوة بينما قال أثير منهيا الحوار :-
” حسنا اسمح لي يا زاهر .. يجب أن أغادر الآن .. سنتواصل فيما بعد بالتأكيد ..”
ودعه ثم أشار الى ليلى وهو يرفع كفه :-
” الى اللقاء مجددا في صدف جديدة يا هانم ..”
هزت رأسها بعدم اكتراث عندما عاد زاهر وجلس أمامها فسألته بسرعة :-
” هل هو صديقك حقا ..؟!”
رد زاهر بنبرة عادية :-
” نعم رغم إنه يصغرني بعدة أعوام لكننا عملنا سويا لفترة وأصبحنا أصدقاء ..”
أضاف يتسائل :-
” متى إلتقيتما وكيف ..؟!”
ردت وهي تزفر نفسها بضيق :-
” لا تذكرتي .. إلتقيته مرتين بالصدفة .. أسوء مرتين في حياتي ..”
سأل بعدم فهم :-
” لماذا ..؟! ماذا حدث ..؟!”
ردت بإنزعاج ظهر على ملامح وجهها :-
” انه مستفز حقا .. مغرور ولا يطاق .. ”
ضحك بخفة مرددا :-
” نعم هو مغرور قليلا ..”
” قليلا .. بل كثيرا وكثيرا جدا أيضا .. اقسم بالله إنني عندما رأيته اليوم شعرت بإختناق لا مثيل له ..”
” لهذه الدرجة ..؟!”
سألها زاهر وهو يكتم ضحكاته لتهتف بنرفزة :-
” انت تضحك يا زاهر ..”
” حسنا ، اخبريني ماذا حدث بينكما لكل هذا ..؟!”
تجهمت ملامحها وهي تخبره بما حدث في المرتين اللتين إلتقيا به صدفة ..
أنهت حديثها لتجد زاهر يقول بجدية :-
” هذا هو أثير وهذا طبعه .. ”
” طبعه سخيف ولا يطاق ..”
ابتسم مرددا :-
” حسنا اهدئي ..”
هتفت بجدية :-
” كيف إتفقت معه وأصبح صديقك ..؟!”
رد بجدية :-
” أثير ليس سيئا الى هذه الدرجة يا ليلى .. هو مغرور صحيح ومعتز بنفسه لكنه محترم .. نحن عملنا سويا لمدة عامين .. كان هو متدرب وانا رئيسة .. ”
هتفت بجدية :-
” إذا يعمل في الخارجية …؟!”
اومأ زاهر رأسه وهو يرتشف من فنجانه قبل ان يجيب :-
” نعم ، لديه مستقبل رائع ينتظره ..”
” بالطبع هناك مستقبل رائع ينتظره .. والده وزير يا زاهر .. ماذا تتوقع ..؟!”
قالتها بتهكم ليهتف زاهر بجدية :-
” في الحقيقة قد يكون هذا تفكيرك انت والأغلبية وربما معك الحق في تفكيرك لكنني كونني عملت معه بل أشرفت عليه فأؤكد لكِ إنه شاب ممتاز .. ذكي ومثقف .. لبق جدا ويتحدث عدك لغات .. يعني ايا كان منصبه و أيا ما سيصل إليه في المستقبل فهو يستحقه لإنه ذكي للغاية والأهم مجتهد وطموح جدا ..”
ردت قائلة :-
” حسنا اتركنا منه .. لن نقضي اليوم نتحدث عنه ..”
” حسنا .. تحدثي انت اذا ..”
سألت بإرتباك :-
” ماذا سأتحدث ..؟!”
ابتسم قائلا :-
” ألم تقولي إن هناك شيئا هاما تريدين قوله لي ..؟!”
هزت رأسها ثم أخفضت نظراتها للحظات قبل أن ترفعها مجددا وهي تقول بتوتر :-
” تلك الليلة .. يعني بعدما تركتك بتلك الطريقة ..”
” أخبرتك إنني تفهمت ذلك .. انا أخطأت أساسا .. لم يكن الوقت مناسب أبدا لذلك ..”
قاطعته بسرعة :-
” لحظة من فضلك .. انا تصرفت بشكل ليس جيد تماما .. تركتك فورا بطريقة تزعجني للغاية كلما تذكرتها ..”
تنهدت ثم قالت :-
” زاهر انا فعلا كانت مشاعري مشحونة وقتها ولم أتحمل سماع حديثك ومدى حبك لي ..”
أضافت ببطأ :-
” شعرت بالألم .. تألمت حقا لإنني أضعت حبي كهذا من يدي وعندما إكتشفت هذا الحب كان الوقت مر بشكل صعب للغاية .. ما مررت به أصعب مما أتخيل ..”
هتف بحيادية :-
” أعلم ذلك ولهذا أخبرك إنني بدوري أخطأت .. تصرفي كان عجولا وغير محسوبا .. لم أراعِ وضعك وما مررت به وتسرعت في إظهار حبي لك دون تمهيد ..”
” انا لا الومك ..”
قالتها بصدق قبل أن تضيف :-
” فقط أريدك أن تعلم إن هذا الرفض ليس لشخصك .. هذا رفض عام ومطلق .. انا ..”
صمتت قليلا تأخذ نفسا عميقا وتزفره ببطأ ثم تضيف بهدوء :-
” أحتاج وقتا .. وقتا أستعيد به نفسي .. وقتا أتخطى بع الماضي وأداوي جروحي .. انا أحتاج أن أعود ليلى السابقة .. ربما حينما أعود كالسابق أستطيع أن أعشق مجددا ..”
ابتسم وقال بثقة لمعت في عينيه :-
” ستعودين .. انا واثق من هذا .. انت قوية وستتخطين الماضي بكل ما فيه وستعودين ليلى السابقة .. صدقيني ستعودين .. أنا أثق بك وبقدرتك على ذلك ..”
منحته إبتسامة ممتنة وهي تردد :-
” هذا كل ما أتمناه حقا …”
………………………………………………………….
كان عمار يجلس في احد المقاهي القريبة من منزلها ينتظر قدومها …
لقد اتصل بها عدة مرات وظلت تتجاهل اتصالاته حتى أجابته أخيرا فأخبرها إنه يريد رؤيتها ورغم رفضها الشديد استطاع اقناعها في نهاية المطاف وهاهي قادمة في طريقة إليها ..
قدرته على إقناعها في المجيء تخبره إنه سوف يستطيع إقناعها في أمر الزواج .. هو يدرك إن مشاعرها قوية نحوه لكنها تحمل خوفا كبيرا داخلها سوف يسعى جاهدا للقضاء عليها والحصول على موافقتها ..
تأملها وهي تدلف الى داخل المقهى اخيرا ترتدي ملابسا ناعمة وبسيطة لكنها راقية تشبهها تماما ..
وجهها فائق الجمال خالي من مستحضرات التجميل ورغم هذا ما زالت جميلة وجمالها واضح للعيان ..
شعرها منسدلا على جانبي وجهها بتلك الخصلات الشقراء التي تلونه وتضفي عليها جاذبية مختلفة ..
تقدمت نحوه بعدما بحثت عنه بعينيها ووجدته حيث وضعت حقيبتها على الطاولة وجلست أمامه تسأله بجدية يظهر الضيق فيها :-
” نعم ، ماذا تريد مني ..؟؟”
رد بهدوء :-
” اهدئي اولا ..”
اضاف بجدية :-
” على الأقل قولي مساء الخير ..”
” انت تعرف إنني لم أكن أود المجيء لولا إصرارك علي .. لا أستطيع البقاء طويلا .. أخبرني ماذا تريد كي أذهب بسرعة …”
” ألن تطلبي شيئا اولا ..؟!”
سألها لترد بسرعة:-
” عمار اخبرتك إنني أريد الرحيل بسرعة .. قل ما لديك من فضلك ..”
” حسنا ، سأتحدث ..”
قالها بهدوء قبل أن يضيف بثبات :-
” انا لا أقبل رفضك الزواج مني .. انا أريدك يا شيرين .. أريد أن أتزوجك ولن أتراجع عن رغبتي مهما حدث ..”
” وانا أرفض ذلك .. لا أقبل بك زوجا ..”
قالتها بتحدي ليهز رأسه ثم يقول :-
” لا تتخذي قرارا تندمين عليه فيما بعد .. شيرين انت تحبينني وانا أحبك .. هذا واقع لا يمكنك إنكاره وعليه يجب أن نتزوج ..”
هتفت بقوة :-
” لا تتخذ من مشاعري ورقة للضغط علي .. ”
” لا أفعل ذلك .. انا فقط أذكرك بما يجمعنا ..”
قالها بصدق لترد بحدة :-
” أعلم ذلك ولا أنكره لكن مشاعري نحوك لن تتجعلني أتراجع عن قراري بالرفض ..”
أكمل بجدية :-
” إذا كنت تريد الحصول على اعتراف بالحب يرضي غرورك فسأقولها ، انا احبك .. نعم احبك واعترف بهذا .. هذا ليس شيئا يدعو للخجل أبدا .. ولا شيء يجب أن أخفيه .. لكن حبي لك لا يشفع لك أفعالك ولا يغير من حقيقتك لذا فأنا سأتجاهل مشاعري تماما كما تجاهلتها لسنوات واستطعت تناسيها بالفعل ..”
” تتوهمين يا شيرين .. إن كنتِ تظنين إنكِ قادرة على تجاهل مشاعرك نحوي مجددا كما فعلت قبل سنوات فأنتِ مخطئة .. الوضع تغير .. انتِ نفسكِ تغيرت ..”
أضاف وهو يتنهد بقوة :-
” شيرين انا احبك .. أخبريني ماذا أفعل لك كي توافقي ..؟! اطلبي مني ما تريدنه .. ضعي الشروط التي تريدنها ..”
قاطعته بثبات :-
” لا تحاول يا عمار .. لن تغويني بكلامك هذا ..”
” انا لا أحاول إغوائك … انا فقط أحاول إخبارك كم أحبك وأريدك ..”
كان الصدق واضحا على ملامحه وهو يتحدث فمسحت على وجهها بتعب ..
ألا يكفيها ما تعانيه منذ أيام بسببه ..؟!
ألا يكفيها محاولاتها المرهقة لتجاهل مشاعرها والسيطرة عليها رغم إنها أدركت بالفعل إنها تعشقه بل إنها لم تحب يوما غيره .. أحبته منذ سنوات وما زالت تحبه حتى هذا اليوم ..
لكن عمار رجل مخلوق من ظلام .. وإذا ما منحته نفسها سيبتلعها داخل ظلامه لا محالة ..
” ارجوك يكفي .. انظر الى نفسك يا عمار .. اساسا لو كنت تحبني لكنت إبتعدت عني وعن طريقي ..”
” حقا ..؟!”
سألها بنبرة هازئة لترد بجدية :-
” نعم ، انت رجل مظلم .. تحمل داخلك ظلاما لا ينتهي .. فعلت العديد من الأشياء التي لا تغتفر .. في داخلك حقد دفين على من حولك مخيف للغاية .. خططك لا تنتهي وانتقامك لا ينتهي وكبريائك وغرورك لا يمكن أن تسيطر عليهما .. لذا اذا كنت تحبني حقا كما تقول فالأفضل أن تبتعد عني كي تحميني منك يا عمار .. لو كنت تحبني حقا فسوف تخشى علي منك ومن ظلامك .”
” انا احبك .. وانا رجل مظلم بالفعل .. وأناني .. أناني بك يا شيرين .. انا اسف .. لكن ان كنتِ تنتظري مني تصرفا مثاليا بالتخلي عن المرأة التي أريدها كي أحميها من نفسي فهذا تصرف لا يناسبني ..”
أضاف بقوة وحزم :-
” انا اريدك ولن أتنازل عن رغبتي بك وأعلم جيدا إنني سأحميك ولن أسمح لأي مخلوق أن يؤذيك او يؤلمك مهما حدث …”
ردت بنفس القوة :-
” ممن بالضبط ستحميني ..؟! من نفسك ..؟! منك يا عمار ..؟! انت من سيؤذيني .. انت من سيؤلمني … انت لا أحد غيرك …”
” امنحيني فرصة يا شيرين .. فرصة واحدة وسأثبت لك العكس ..”
نهضت من مكانها تجذب حقيبتها وهي تردد:-
” لا يوجد فرص عندي يا عمار .. لقد خسرت الكثير من السنوات هباءا .. لست مستعدة للتضحية بالمزيد من السنوات ..”
اندفعت خارج المكان فنهض يلحقها ليراها تسير بسرعة خارج المقهى فتبعها يركض خلفها وهو ينادي عليها :-
” توقفي يا شيرين ….”
وعندما لم تتوقف ركض بسرعة وجذبها من ذراعها يسحبها نحو الشارع الجانبي لتصرخ بقوة :-
” ماذا تفعل ..؟!”
كان شارعا سكنيا واسعا يحوي منازل كبيرة والعديد من القصور ايضا لكنه هادئ تماما خالي من السكان في هذا الوقت حيث الساعة تجاوزت السادسة مساءا ..
” توقفي واسمعيني ..”
قالها بقوة لتشعر بأنفاسه اللاهثة قريبة منها فتتوتر ملامحها بينما هو يقول :-
” انا أريدك يا شيرين .. ليس لإنني أحبك فقط بل لإنني أحتاجك .. انت المرأة الوحيدة التي أعلم جيدا إنها تحبني دون شروط والمرأة الوحيدة التي أعلم إنها تستطيع بكلمة واحدة ان تمتص غضبي وبعناق بسيط تحتويني كلي … شيرين ارجوك .. نعم انا مظلم .. مليء بالندوب .. شخص سيء .. لكن بوجودك سأتغير .. شيرين انا قبلك لم أفكر في أشياء جعلتني أفكر بها .. اشياء بدأت أفكر بها بل أريدها بسببك … الإستقرار والإنجاب .. أريدك معي .. زوجة وحبيبة .. ام لأولادي .. اريد تكوين عائلة تكونين أنتِ أساسها .. لا تحرميني من هذا ارجوك ..”
كانت المرة الاولى التي تراه بها بهذه الحالة … هناك ضعف واضح في عينيه رغم جمود ملامحه … نبرة صوته آلمتها .. لم يكن عمار الخولي الذي عرفته .. عمار المغرور بجبروته الذي لا نهاية له .. كان شخصا آخر .. رجل يحتاج إليها .. كلا بل شعرت وكأنه طفلا .. طفلا يتيما يتعلق بها كتعلقه بوالدته ..!!
تعلم إن ماضي عمار كان قاسيا .. تعلم الكثير مما أخبرها عنه قبل سنوات .. تعلم هوسه بوالدته وكرهه لوالده ..!!
تعلم كل هذا وتتعاطف معه بشدة ..
ولكن رغم كل هذا تخشاه .. تخشى ظلامه .. تخشى الإنغماس معه فتجد نفسها في القاع … !!
” شيرين ..”
همس بها وهو يلاحظ إختلاج ملامحها فأحاط وجهها بين كفيه مرددا بصوت مبحوح :-
” امنحيني فرصة واحدة .. فرصة واحدة ولن تندمي بعدها .. أعدك بذلك ..”
نظرت إليه بعينين تراكمت الدموع داخلهما فوضع جبينه فوق جبينه يأخذ أنفاسه لتغمض عينيها والدموع تتدفق من مقلتيها …
ابعد جبينه عن جبينها يتأمل عينيها الباكيتين ليردد وهو يمسح دموعها :-
” لا تبكي يا شيرين .. لا تبكي ارجوك ..”
شهقت باكية فجذبها بين أحضانه يعانقها بقوة ..
كانت تبكي بسببه ولأجله ..
كانت تبكي بحرقة ..
حرقة عاشقة تود البقاء بين أحضان حبيبها لكنها تعجز عن ذلك .. تعجز بإرادتها هي لا بإرادة غيرها ..!!
شدد من عناقها وهو يربت على شعرها مرددا :-
” صدقيني ستعيشين معي بسعادة .. سأمنحك كل شيء … صدقيني يا شيرين ..”
ابتعدت عنه تهتف بنبرة باكية :-
” توقف يا عمار من فضلك ..”
” لن اتوقف حتى تصدقيني وتمنحيني موافقتك ..”
قالها معترضا بشدة ليتفاجئ بها تحتضن وجهه بين كفيها هي هذه المرة تردد :-
” أود كثيرا أن أوافق .. أريد حقا أن أكون زوجتك وأعيش معك في منزل واحد .. أريد اطفالا منك .. صدقني اتمنى لو بإمكاني فعلا .. لكنني لا أستطيع نطقها حتى .. استطيع قول احبك لكنني أعجز عن قول موافقة على الزواج بك ..”
” شيرين ..”
أوقفته وهي تضع أناملها فوق شفتيها :-
” لو بيدي لكنت معك للأبد .. لكنني أخشى منك وأعلم جيدا إنك لن تتغير .. انت إنغمست في انتقامك لدرجة أصبحت معمي تماما .. جبروتك بلغ درجة مخيفة وانا لا يمكنني تحمل هذا ..”
قبل أطراف أصاعبها بأناملها ثم قبض على كفيها وهو يقول :-
” سأنهي إنتقامي .. اساسا الانتقام انتهى .. ونديم نفسه اصبح بعيدا في بلد اخر .. ”
انحنى نحوها يقول :-
” اما جبروتي فهو مع من يستحق فقط .. جبروتي لا يظهر إلا لمن يحاول المساس بي او بشخص يهمني …”
” عمار ..”
همستها بضعف وهو تلاحظ نظراته التي تحاصر شفتيها ليهمس بحرارة :-
” أريد تقبيلك بشدة يا شيرين ..”
” عمار ..”
قالتها بنبرة ضعيفة لينخفض نحو شفتيها اكثر :-
” هل تتذكرين قبلتنا الأولى والوحيدة …؟!”
أغمضت عينيها بذكريات وهي تتذكر تلك القبلة الخفيفة التي أخذها فجأة وبسرعة والتي تشاجرت بسببها معه وقاطعته لأيام قبل أن يعدها بعدم تكرارها فتغفر له أخيرا بعد خصام طويل على وعد بعدم تكرارها ..
فتحت عينيها لترى الرغبة واضحا في عينيه قبل أن تشعر بشفتيه تلمسان شفتيه ..
قبلها أخيرا ببطء ورغبة شديدة ..
كانت اول قبلة حقيقية بينهما فالأولى كانت سريعة وخفيفة لكنها ظلت مطبوعة في ذاكرتها رغم رفضها لها ..
بادلته هي قبلته رغما عنها فهي تعشقه رغم كل شيء ورغم رفضها ..
ظلا على هذه الوضعية لفترة حتى ابتعد عنها وهو يبتسم بتلذذ فرفعت نظراتها اللامعة نحوه قبل أن تنسحب بسرعة راكضة بعيدا عنه تهرب من نفسها قبل أن تهرب منه ..
همس وهو يضحك بتفاخر :-
” ستوافق .. ستوافق يا عمار .. لا يمكن أن ترفض بعدما حدث … ولا بعدما قلته …”
أخذ نفسا عميقا ثم تحرك بخطوات سلسة عائدا نحو المقهى ليدفع حساب القهوة التي طلبها ويغادرها وهو يشعر بإنشراح غريبة وثقة شديدة بموافقتها ..
……………………………………………….
دلفت الى الشقة أخيرا بعد يوم دراسي طويل وشاق ..
تستطيع القول إن هذا اليوم هو اول يوم دراسي فعلي في هذه الجامعة ..
خلعت حذائها ووضعته بجانب الكنبة التي جلست عليها بتعب …
تراجعت بظهرها الى الخلف تشعر بإرهاق كبير ورغبة أكبر في الخلود للنوم …
تسائلت داخلها اذا ما كان عاد أم لا ..
لقد سهرت طوال ليلة البارحة تنتظر عودته بعد خروجه بتلك الطريقة ..
سهرت حتى ساعات الفجر الاولى لكنه لم يعد ..
قلقها تضاعف ففكرت أن تتصل به لكن كبريائها منعها بقوة …
وفي النهاية غفت في مكانها حتى استيقظت بعد حوالي اربعة ساعات فإنتفضت من مكانها وجرت الى غرفته تبحث عنه تتأمل أن تجده لكنه لم يعد رغم إن الساعة تجاوزت الثامنة صباحا ..
تضاعف قلقها بشدة وخافت حقا أن يكون أصابه شيء …
لقد مرت ليلة كاملة ولم يعد ..
أين ذهب وهما في بلد غريب لا يعرفان به أحد ..؟!
قررت أن تنحي كبريائها جانبا فإتصلت لتجد هاتفه مغلقا فشعرت بالرعب يملأها عليه ..
وبعد محاولات لحوالي ساعة يأست من عودته او قدرتها على التواصل معه فقررت ان تذهب الى الجامعة حيث لا حل آخر أمامها ..
ذهبت الى الجامعة وحضرت نصف المحاضرات بذهن شارد بينما حاولت أن تنتبه قليلا في بقية المحاضرات ..
لقد لاحظ مايكل شرودها وكذلك جينا فأخبرتهما بإختصار عن حدوث شجار خفيف بينهما ومغادرة نديم الشقة وغيابه لليلة كاملة ..
حاولا التخفيف عنها والتهوين عليها حتى مر اليوم وانتهت الجامعة وعادت الى هنا ..
نهضت من مكانها وكلها أمل أن يكون عاد بالفعل ..
اتجهت نحو غرفتها فوجدت الباب مفتوح كما تركته فشعرت بقلبها ينخلع داخل أضلعها فمن الواضع إنه لم يعد بالفعل ..
دلفت الى غرفته لتجدها خالية فتشعر بخوف رهيب …
جلست على سريرة تقاوم دموعها التي تهدد بالهطول في تلك اللحظة ..
تحاول ان تفكر كيف تتصرف ولكن ماذا ستفعل وبمن سوف تستعين ..؟!
هطلت دموعها بغزارة على وجنتيها فأخذت تبكي بصمت لمدة من الزمن قبل أن تنهض من مكانها وهي تتأمل الغرفة حولها فتقع عينها على قميصه المطوي بعناية فوق الطاولة فإتجهت تسحبه وتشمه قبل أن تضمه الى صدرها بقوة وهي تنخرط في البكاءمجددا ..
خرجت أخيرا من الغرفة وهي تحمل القميص معها حيث قررت الإحتفاظ به كغرض منه ستأخذه معها عندما ينفصلان ..
حملت حقيبتها ودلفت الى غرفتها حيث رمت الحقيبة ارضا ووضعت القميص جانبها تتأمله قبل أن تهطل دموعها مجددا ..
شعرت بالحاجة للتحدث لشخص فلم تجد أمامها سوى مي التي سارعت تتصل بها والتي من حسن حظها كانت متواجدة فردت عليها فورا .،
” ماذا هناك ..؟! لماذا تبكين …؟!”
سألتها مي بقلق شديد لترد حياة بنحيب :-
” نديم .. نديم غادر المنزل منذ مساء البارحة ولم يعد حتى الآن ..”
” ماذا يعني غادر ولم يعد ..؟! توقفي عن البكاء واشرحي لي من فضلك ما حدث ..”
توقفت عن بكائها وقالت بنبرة مرتجفة :-
” لقد تشاجرنا .. غادر في منتصف الشجار ولم يعد حتى الآن … لقد مر حوالي يوم كامل ولم يعد ..”
” هل اتصلت به ..؟!
ردت بسرعة :-
” بالطبع فعلت .. هاتفه مغلق .. ماذا افعل يا مي ..؟! أين أذهب أخبريني …؟! ماذا لو أصابه شيء ..؟! ”
قالت مي بسرعة تحاول تهدئتها :-
” اهدئي يا حياة من فضلك .. ربما سيعود بعد ساعة او ساعتين .. حبيبتي بالطبع لم يصبه سوء .. هو فقط يريد الإنفراد بنفسه .. غاضب منك ولا يريد رؤيتك ..”
أضافت تحاول أن تلهيها قليلا :-
” أخبريني ، لماذا تشاجرتما ..؟! مالذي حدث بينكما ..؟!”
تنهدت حياة بصوت مسموع قبل أن تخبرها بما حدث بدءا من مرضها ثم مواجهتهما الأخيرة ..
” لا أصدق يا حياة .. حقا لا أصدق .. يعني بعدما اهتم بك ورعاكِ ليوم كامل واعتنى بك بل وأخبرك عدة مرات عن مدى أهميتك عنده وقيمتك لديه تفعلين هذا .. ”
أضافت بإنفعال مكتوم :-
” ما هذه التصرفات الحمقاء ..؟! ما هذا الجنون ..؟! ثانيا انت كنت تعرفين منذ اول يوم بحبه لتلك الفتاة وكنت تعرفين كل شيء ..”
ردت حياة مبررة بألم :-
” ولكنني لم أكن أعلم إنها ضحية مثله تماما وتعذبت لأجله ..”
” هذا هراء .. نعم هي مسكينة وضحت وتعذبت لكن انت ايضا لم يكن لديك علم بهذا .. أخبرته بتضحيتها وبقي متمسك بكِ انت .. ورغم هذا تتصرفين هكذا .. الرجل يريدك .. يريدك حقا .. كان بإمكانه أن يتراجع عن الزواج منك وانت بنفسك رفضت إتمام الزواج ورغم هذا توسلك ألا تفعلي .. ألم تخبريني فيما بعد إنه كان يعلم بتضحية ليلى قبل هذا الموقف ورغم هذا أصر على إتمام الزفاف وتوسلك أن تتزوجيه وظل يحاول معك كثيرا دون فائدة ..”
أخذت مي نفسا عميقا ثم قالت :-
“مالذي تفعلينه بنفسك وبالشاب يا حياة ..؟! إلى أين تريدين أن تصلي ..؟! انت لم تكونِ هكذا أبدا .. دائما كنت عاقلة ومتفهمة .. دائما ما تحكمين عقلك قبل أي تصرف .. انا لا أصدق إنني من أوجهك الآن بينما دائما ما كان يحدث العكس وانتِ من توجهيني .. عودي الى رشدك يا حياة ..عودي قبل أن تخسري الكثير مما يصعب تعويضه فيما بعد .. عودي قبل إتخاذ قرارات تندمين عليها مستقبلا …”
” يكفي يا مي .. لا ينقصني كلامك هذا .. اساسا بي ما يكفيني ..”
ردت مي بجدية :-
” يجب أن يكون هناك من يواجهك بالحقيقة .. يواجهك بأخطائك ..”
” أين الخطأ الذي إرتكبته ..؟! انا لم أفعل سوى ما هو صحيح .. لقد واجهته بالحقيقة التي يتهرب منها .. لقد طلبت منه ألا يستمر في إيهام نفسه ..”
” على أي أساس قررتِ إنه يهرب من حقيقة ما وإنه يوهم نفسه وكل هذه الأشياء .. ؟! هل تعيشين داخل عقله وفي قلبه ..؟! يكفي يا حياة .. نديم لو كان لديه رغبة في العودة الى ليلى او كان ما زال يحبها لظهر ذلك عليه بوضوح خاصة بعدما أدرك تضحيتها .. لما كان حاول أن يصلح علاقتكما أكثر من مرة .. على العكس تماما كان بإمكانه ان يوافق ببساطة على قرارك بزواج مؤقت وكان سيكون مرتاحا وسعيدا ..، ما بالك يا حياة ..؟! استخدمي عقلك قليلا .. ”
” انا أستخدم عقلي ولذلك أفكر بهذه الطريقة ..”
قالتها حياة بعناد لترد مي ببرود :-
” إذا الخلل في عقلك .. يبدو إن الغباء أصابه فجأة او لم يعد يعمل .. توقف عن العمل يعني ..”
” هل تسخرين مني يا مي ..؟!”
قالتها حياة بحنق لترد مي ببرود :-
” انا أتحدث بصراحة مطلقة ودون تزويق كما اعتدنا أن نفعل دائما يا حياة … انظري الي يوما ما كنت رافضة لهذه الزيجة وكنت خائفة عليك من نديم .. لم أتوقع يوما أن يحدث العكس .. انا حقا أتعاطف معه .. كان الله في عونه عليك يا حياة ..”
همت حياة بالرد لكنها توقفت وهي تسمع صوت الباب يفتح فهتفت بسرعة :-
” سأرد عليك فيما بعد .. سأذهب الآن .. يبدو انه عاد .. ”
ثم أغلقت الهاتف ورمته على السرير تركض خارج الغرفة لتجده بالفعل داخل الشقة فتتوقف مكانها ليتوقف بدوره مكانه مواجها لها ..
لحظات وسار جانبها متجاهلا إياها فهمت بنداؤه وسؤاله عن حاله لكنها شعرت بلسانها ينعقد بقوة ويرفض النطق بأي حرف ..
شعرت بعجز شديد وألم قوي فعادت الى غرفتها لتجلس على سريرها وهي تحتضن جسدها بين ذراعيه تبكي مجددا دون بحرقة ..!!
……………………………………………………..
في صباح اليوم التالي
دلفت ليلى الى المقهى الذي اتفقت على رؤية غالية به ..
وجدت غالية في انتظارها فتقدمت نحوها بملامح باردة وألقت التحية ببرود قبل أن تجلس أمامها ..
تنحنحت غالية تهتف بتساؤل :-
” كيف حالك يا ليلى ..؟!”
ردت ليلى بإقتضاب :-
” بخير ، أخبريني ماذا هناك ..؟! وما الشيء الذي يخصني وهو لديك …؟!”
تنحنت غالية وقالت :-
” من الواضح كم غاضبة مني ..”
هتفت ليلى بجدية :-
” ألا يحق لي ..؟؟”
ردت غالية بخجل :-
” يحق لك أكثر من هذا بكثير .. مهما فعلت لن ألومك ..”
قاطعتها ليلى :-
” من فضلك توقفي .. لا داعي لإن نتحدث في مواضيع انتهت تماما …”
” ولكن يؤلمني حقا أن نصبح هكذا .. كالغرباء بعدما كنا …”
قاطعتها ليلى بتجهم :-
” انتم السبب في هذا .. اذا كنتِ تريدين لوم احد فلومي نفسك يا ابنة خالتي …”
” اعلم واعترف بخطأي وأعتذر منك ..”
ردت ليلى بقوة :-
” اعتذارك جاء متأخرا كثيرا يا غالية .. متأخرا لدرجة إن لا طعم له ولا أهميه …”
” أعلم ولكنني سأعتذر وكلي آمل أن يأتي يوم وتسامحيني فيه ..”
” اسامحك ..؟!”
رددتها ليلى بعدم تصديق قبل ان تهتف بمرارة :-
” بعد كل ما فعلتموه بي …”
أدمعت عينا غالية فأخذت ليلى نفسا عميقا وهي تقول :-
” أخبريني ما لديك من فضلك فأنا لدي عمل ينتظرني في الشركة..”
” حسنا سأتحدث ..”
قالتها غالية بجدية قبل ان تفتح حقيبتها وتخرج منها ظرفا تعطيه إياه ..
” ما هذا ..؟!”
سألتها ليلى بتردد لتهتف غالية بجدية :-
” رسالة من نديم .. طلب مني أن أعطيك إياها ..”
نظرت ليلى الى الرسالة ثم الى غالية بعدم استيعاب بينما نهضت غالية من مكانها وقالت :-
” هذه الرسالة أمانة أوصلتها إليك .. هذا لن يكون اللقاء الأخير بيننا .. سأسعى دائما لإصلاح ما أفسدته …”
تأملت ليلى الظرف بعد مغادرة غالية فمدت أناملها التي بدأت بالإرتجاف نحوه ..
ما إن لمست الظرف حتى شعرت بقلبها يخفق بقوة ..
أغمضت عينيها للحظات وهي تقبض على الظرف بكفها قبل أن تفتحه وهي تأخذ نفسا عميقا ثم ترسم الثبات على ملامحها وهي تفتح الظرف وتخرج تلك الورقة منه حيث تبدأ في قراءة المكتوب داخلها والذي كتبه لها حبيب عمرها بخطه المنمق والذي تحفظه عن ظهر قلب :-
( لقد ترددت كثيرا قبل كتابة هذه الرسالة .. ترددت كثيرا يا ليلى .. لم يكن من عادتي التردد يوما .. دائما كانت قراراتي واضحة ثابتة .. لكن حقا التردد بات يصاحبني منذ فترة طويلة وانا اليوم حتى آخر لحظة ترددت في كتابة هذه الرسالة لكنني أعلم جيدا إنني يجب أن أكتب لك .. أحتاج أن أكتب لك .. هناك كلام كثير داخلي نحوك لن تكفيه ورقة ولا عدة اوراق ..
ليلى .. ذلك الاسم الذي صاحبني منذ سنوات ..
كنت حلم الصبا والمراهقة .. الحب اول .. اول حب واول دقة قلب .. اول فتاة خفق لها قلبي .. كنت الأولى في كل شيء .. لطالما كنت أرى نفسي محظوظا بك فأنت جميلة كالبدر تملكين رقيا وإحتراما لا يمتلكه سوى القليل .. انت كنت نجمعة لامعة يا ليلى .. كنت أميره بحق .. لا تشبهين الأميرات بجمالك فقط بل تشبهيهن في كل شيء .. في أناقتك ورقيك .. في طريقك كلامك حتى نبرة صوتك كانت مختلفة …
لقد إحترقت بحبك يا ليلى .. إحترقت لسنوات بين جدران ذلك السجن .. كل يوم كان يمر علي كالجحيم …
كلما أتخيلك معه أشعر بنار حارقة داخل قلبي وظلام يبتلعني تدريجيا .. السنوات تمر وناري لا تنطفي وألم قلي لا يقل بل يزداد …
حقدت عليك … اعترف بذلك .. لقد تألمت بسببك .. تألمت أكثر من ألمي على سجني ظلما وفقداني سمعتي وشهادتي ودمار مستقبلي ..
انت كنت الشيء الوحيد المتبقى لي في الخارج لذا بفقدانك فقدت أي أمل لدي في هذا الحياة ..
الله يشهد كم عانيت لسنوات وانا محبوس بين جدران ذلك السجن ..
كم تعذبت وكم حاربت حبي لك فأنا رغم نقمتي وحقدي عليك كنت أعلم إن حبك ما زال محفورا داخلي ..
قررت أن أحارب مشاعري نحوك وأهزمها ..
قررت أن أقتل أي شعور داخلي نحوك حتى لو قتلت معه روحي وقلبي ومشاعري وهذا ما حدث ..
لقد مات قلبي يا ليلى .. مات قلبي في تلك الحرب التي خضتها ضد مشاعري نحوك فخرجت من ذلك السجن رجلا ميت القلب خاليا الوفاض فاقدا للروح ..
منذ أن علمت الحقيقة واكتشفت تضحيتك وما فعلته تغير كل شيء ..
بدأت احداث الماضي تسير أمام عيني كشريط سينمائي كلما تتقدم أحداثه كلما ألعن نفسي وغبائي ..
في تلك اللحظة التي سمعت بها الحقيقة شعرت بهزة عميقة داخلي .. هزة لا يمكنني نسيانها .. شيء ما لا يمكنني وصفه .. كخنجر طعن قلبي دون رحمة او ربما اسوء …
أعلم إن تضحيتك أكبر من أن يردها أي شيء .. أكبر من أن تتساوى بأي تضحية .. أعلم كل هذا مثلما أعلم جيدا إنني مهما فعلت لن أستطيع أن أرد لكِ ولو جزءا بسيطا من تضحيتك .. الله وحده يعلم كم أحببتكِ وكم كانت مكانتك مميزة عندي .. يوما ما انتِ كنت أكبر أحلامي .. لكن القدر سار بنا في طريق مختلفة تماما .. عشقنا بعضنا حد الجنون ثم إفترقنا بقوة مؤلمة .. ألوم نفسي كل يوم لإنني لم أسمعك وألوم نفسي كل يوم لإنني صدقت كذبتكِ .. أعترف بكل آسف إنني إخترت الهرب من مجرد التفكير في سبب تخليكِ عني وهذا كان أكبر اخطائي الذي لن أغفره لنفسي مهما حدث ..
ليلى آسف على كل شيء .. آسف على خذلاني لكِ مرارا وآسف على الكثير من الأشياء التي أعجز عن وصفها ..
أنت تعلمين كم عشقتك بل وكم تعذبت في بعدك …
الحياة اختارت لنا طرقا مختلفة .. يصعب علي قولها .. لكن هذه إرادة القدر الذي إختار أن يفرقنا منذ سنوات …
لو كان الأمر بيدي لما تخليت بل حاربت بكل قوتي .. صدقيني .. لكن كل شيء تغير .. انا لم أعد كالسابق وكذلك انتِ .. وهناك أخرى باتت تشكل ركنا أساسيا في حياتي و مستقبلي .. أخرى لا أستطيع التخلي عنها مهما حدث .. أخرى ربما لن أعشقها كما عشقتكِ ولن تمتلكِ قلبي مثلك لكن رغم كل هذا فكرة إنفصالي عنها تبدو مرعبة جدا بالنسبة لي لذا فأنا أتشبث بها بكل قوتي لأبني حياتي القادمة معها … ربما لو عاد بي الزمن الى الوراء ما كنت لأدخلها حياتي .. ما كنت لأضعها في دوامتي التي لا تنتهي .. لكن نفس القدر الذي فرقني عنكِ جمعني بها هي في وقت كنت محاطا بظلماتي …
ربما لو حدث ذلك ولم تكن هي موجودة كان يمكنني العودة او ربما حينها لن أعود أيضا .. صدقيني لا أعرف .. مشاعري مشتتة وروحي تائهة وظلمات عميقة تحيط قلبي لا خلاص لي منها على ما يبدو ..
في نهاية رسالتي أريدك أن تتأكدي إنني أحبتك من أعماق قلبي وإنه لو عاد بي الزمن الى الوراء لأخترت أن أقع في حبك مجددا ..
سامحيني يا ليلى ..
أعلم إن ذلك صعب لكنني أرجو السماح …
الوداع .. الوداع يا ليلى .. الوداع يا حب العمر وغصة القلب ووجع الروح …)
أغلقت الرسالة ودموعها تغرق وجنتيها فتعتصر الورقة بكفها ودموعها تتساقط على وجنتيها بغزارة …

…………………………………………………………….
هبطت هايدي درجات السلم عندما وجدت والدتها تجلس امام التلفاز تتابع احد البرامج عندما قالت ما إن رأتها :-
” تعالي يا هايدي …”
تقدمت هايدي نحوها بملامح جامدة قليلا وهي التي تعيش في حالة من القلق وعدم التصديق منذ تلك المواجهة التي جمعتها مع أختها وإعتراف نانسي لها بالحقيقة المرة ..
” نعم ماما ، ماذا هناك ..؟!”
قالتها وهي تجلس على الكنبة أمامها بتعب لتجيب والدتها بتساؤل هي الأخرى :-
” أخبريني ماذا فعلت ..؟! هل تحدثت مع أختك ..؟! متى ستعود الى المنزل ..؟!”
صمتت هايدي ولم ترد لتتسائل والدتها مجددا :-
” لماذا لا تجيبين ..؟! متى ستعود ..؟! لا يجوز بقائها في الفندق …”
ردت هايدي بصوت خافت قليلا :-
” ستعود عندما توافقين على زواجها من صلاح …”
” لن أوافق مهما حدث .. هل تفهمين ..؟! ”
قالتها تهاني بقوة وهي تضيف بحزم :-
” أخبريها إنني أرفض هذه الزيجة رفضا قاطعا كما أخبريها أن تكف عن تصرفاتها الصبيانية وتعود الى المنزل ..”
” يا ماما الأمر لا يمكن حله بهذه الطريقة .. نانسي لم تعد صغيرة وهي تحب صلاح وتريده ..”
قالتها هايدي محاولة إقناعها لترد تهاني بعدن تصديق :-
” أنت واعية حقا … واعية لما تتفوهين به .. ألا تعرفين صلاح ذلك ..؟! سمعته تسبقه اساسا .. شاب فاشل مستستهر ما زال يأخذ مصروفه من والدته ..”
قالت هايدي بعقلانية :-
” اشترطي عليه أن يعمل وأن يعتمد على نفسه ..”
” ولم سأفعل ذلك من الأساس ..؟! هل أنا مجنونة كي أمنح ابنتي لشاب مثله ..؟! انا حتى سمعت إنه متعدد العلاقات النسائية ..”
ردت هايدي بنفاذ صبر :-
” ابنتك تريده .. ماذا نفعل ..؟! هي اختارت .. دعيها تتحمل مسؤولية إختيارها ..”
رفضت تهاني بقوة :-
” والله لا يحدث ابدا .. هل انا مجنونة ..؟! اذا كانت هي لا تدرك مصلحتها فأنا سأجبرها على ذلك ..”
توقفت عن حديثها وهي تسمع جرس الباب فنهضت هايدي وهي تقول :-
” سأفتح الباب ..”
ثم سارت نحو الباب وهي تتمتم :-
” لو تعلمين الحقيقة المرة لزوجتها إليه بنفسك واليوم ايضا ..”
فتحت الباب لتجد نانسي أمامها فهتفت بدهشة :-
” نانسي ، ماذا تفعلين هنا ..؟!”
ردت نانسي وهي تتخطاها متقدمة الى الداخل :-
” أتيت لرؤية ماما .. ”
ثم اتجهت نحو والدتها التي نهضت من مكانها تردد بفرحة ظنا منها إنها عادت الى المنزل :-
” نانسي حبيبتي .. وأخيرا عدت الى منزلك ..”
ردت نانسي بجدية :-
” سأعود عندما توافقين على قرار زواجي من صلاح وتستقبلين عائلته التي ستأتي لخطبتي …”
” هذا لن يحدث سوى في أحلامك ..”
قالتها تهاني بنبرة قاطعة لترد نانسي بقوة :-
” انت تعلمين إنني في عمر يسمح لي بالزواج دون إذنك او إذن أي أحد لكنني لا أريد أن أضعك وأضع نفسي بل أضعكم جميعا في موقف كهذا ..”
” ابنتي ، هل تريدين تدمير نفسك ..؟! تدمير مستقبلك ..؟! هل تعرفين صلاح هذا جيدا ..؟! هل تدركين كم هو مستهتر ..؟! فاشل ولا يفعل شيئا سوى السهر ومصاحبة الفتيات ..”
قالتها تهاني بجدية لترد نانسي بثبات :-
” انا أعرف صلاح منذ سنوات .. صلاح ليس سيئا الى هذا الحد .. صدقيني انا اعرفه مسبقا كصديقة ..”
أضافت بحشرجة :-
” والآن كحبيبة …”
تنهدت ثم قالت :-
” ربما هو يلهو دائما .. عابث ايضا لكنه رجل بحق وقد أثبت رجولته في مواقف عديدة ..”
” متى بدأت علاقتكما ..؟! متى أحببته ..؟!”
سألتها تهاني بعدم استيعاب لترد نانسي :-
” منذ اشهر .. يعني بدأ الإعجاب بيننا ثم تطورت العلاقة …”
توقفت عن حديثها وهي تتبادل النظرات مع أختها لتقول والدتها :-
” انظري إلي .. هل الأمر يتعلق بإبن عمه ..؟! هل تحاولين التقرب منه بهذه الطريقة ..؟!”
هتفت نانسي بعدم تصديق لتفكيرها وكيف إنحدر بها الى هناك :-
” هل تستوعبين ما تقولينه يا ماما ..؟! انت تظنين إنني أتزوج من رجل كي أكون قريبة من رجل آخر …؟!”
ردت تهاني بإيجاب :-
” نعم ، الأمر لا يحتاج الى تفكير .. سنوات وانتِ لم تخرجي ذلك الشاب من رأسك والآن بعدما تزوج قررت ان تقتربي منه من خلال زواجك من ابن عمه .. ”
” انا .. انا يا ماما أفكر هكذا .. هل ترينني إنسانة رخيصة الى هذا الحد ..؟!”
قالتها نانسي بغضب وإنفعال لترد تهاني بضيق :-
” هذا الشيء الوحيد المنطقي بالنسبة لي .. لا يوجد سبب سوى هذا يدفعك للزواج منه .. الحب وما تقولينه مجرد كلام فارغ ..”
” ليس كلاما فارغا ..”
قالتها نانسي بقوة ودموع القهر تكونت داخل عينيها لتضيف بملامح متشنجة :-
” لن أسامحكِ أبدا على تفكيرك بهذه الطريقة بي .. لن أغفر لكِ هذا أبدا .. ”
أضافت وهي تأخذ نفسا عميقا :-
” وليكن بعلمك سأتزوج صلاح .. شئت أم أبيت سأتزوجه ..؟!”
لم تنتظر سماع كلمة أخرى حيث انسحبت خارج المكان لتهتف هايدي بوالدتها :-
” لماذا فعلت هذا ..؟! كيف تقولين لها شيء كهذا ..؟! انا لا أصدق حقا ..”
زفرت تهاني أنفاسها بتعب وهي تجلس على الكنبة بينما تحركت هايدي خلف أختها بسرعة ..
اما في الخارج اخرجت نانسي هاتفها وهي تغالب دموعها حيث اتصلت بصلاح الذي أجابها بعد لحظات مرحبا فقالت بسرعة :-
” صلاح ماما لن توافق على زواجنا مهما حدث .. سنتزوج دون موافقتها ..”
جاءها صوت صلاح محاولا تهدئتها :-
” اهدئي اولا وأخبريني ماذا حدث ..؟!”
صاحت باكية :-
” لن اهدأ .. لا تقول لي اهدئي .. انت أخبرتني إنك ستتزوجني .. لذا سنتزوج دون موافقة والدتي .. هي ترفض هذه الزيجة ونحن لسنا مجبورين على التوسل بها كي توافق ..”
” نانسي الأمور لا يمكن ان تحل بهذه الطريقة ..”
صاحت بعصبية :-
” اذا كنت تريد التراجع فأخبرني ..”
قاطعها بغضب :-
” ما هذا الهراء ..؟! انظري انتِ عصبية الآن وتتفوهين بكلام دون وعي منك .. اهدئي ونتحدث لاحقا ..”
أغلقت الهاتف بعصبية حيث وجدت هايدي تقف أمامها لتهتف بضياع ودموعها هطلت على وجنتيها :-
” ماذا سأفعل ..؟! اخبريني يا هايدي .. كيف سأتصرف ..؟!”
اكملت تتوسلها :
” ارجوك ساعديني .. انت من تعرفين الحقيقة .. ارجوك ساعديني وجدي لي حلا فأنا عاجزة عن التفكير ..”
قالت هايدي بجدية :-
” اهدئي .. التوتر لن ينفعك ..”
صمتت قليلا ثم قالت بعد لحظات بحسم :-
” ربما هناك حلا ..”
” حل ماذا ..؟!”
سألتها نانسي بلهفة لترد هايدي بجدية :-
” سنذهب الى عمي أشرف ونطلب منه التدخل وإذا أصرت والدتي على رفضها سيخطبك صلاح منه .. لا حل آخر أمامنا .. ”
” عمي أشرف ..”
رددتها نانسي بدهشة لتهتف هايدي بثبات :-
” نعم ، هو عمنا وكبيرنا بعد والدنا ..”
” وماما ..؟!”
سألتها نانسي بقلق لترد هايدي مدعية الثبات :-
” ستغضب بالطبع فهي لا تحب عمي لكن لا حل آخر أمامنا .. لا يوجد غيره نلجأ إليه …”
تبادلتا الشقيقتان النظرات بقلق قبل أن تطلب هايدي من أختها أن تنتظرها للحظات حيث ستغير ملابسها سريعا وتذهب معها الى منزل عمهما ..
…………………………………………………………….
وقفت الأختان امام باب منزل عمهما تتطلعان اليه بتردد قبل ان تحسم هايدي أمرها وتضغط على جرس الباب لتفتح لهما الخادمة الباب فتسألها هايدي :-
” عمي أشرف موجود ..”
ردت الخادمة وهي تومأ برأسها :-
” نعم ، تفضلا ..”
دلفتا الى الداخل حيث تقدمت بهما الخادمة نحو غرفة استقبال الضيوف قبل أن تسألهما عما تحبان ان تشربان فقالت هايدي بسرعة :-
” شكرا ، اريد رؤية عمي فقط .. من فضلك أخبريه بوجودنا …”
اتجهت الخادمة لتخبر أشرف بقدوم الفتاتين بينما نظرت هايدي الى أختها التي يظهر عليها التوتر فقالت بجدية :-
” كما اتفقنا .. سأتحدث انا وانت قولي ما اتفقنا عليه ..”
اومأت نانسي برأسها وسألت :-
” ماذا لو رفض هو الآخر ..؟!”
” لا أظن ذلك .. عمي اشرف رجل متفهم .. لا تقلقي .. ”
قالتها هايدي محاولة طمأنتها عندما تقدم اشرف بعد لحظات نحويهما وهو يردد بإبتسامة واسعة :-
” نانسي وهايدي …”
نهضت الفتاتان حيث سارع يعناقهما بحرارة جعلت نانسي لا إراديا تتذكر والدها فجرفها الحنين إليه ..
جلس عمهما على الكرسي المقابل لهما مرددا :-
” لم أصدق عندما أخبرتني الخادمة إنكما هنا .. ”
هتفت هايدي بحرج :-
” نعلم إننا مقصرون قي حقك يا عمي .. يعني لا نزورك سوى قليلا ..”
قاطعها أشرف بتفهم :-
” لا بأس يا حبيبتي .. انا أعلم إن لديكما مشاغل أنتما أيضا .. لكنني حقا فرحت بهذه الزيارة ..”
هتف مشيرا الى نانسي :-
” كيف حالك يا نانسي ..؟! طمئنيني عنك ..”
ردت نانسي بنبرة خافتة :-
” بخير يا عمي الحمد لله ..”
ابتسم لها ثم أشار الى هايدي هذه المرة :-
” وانتِ يا هايدي .. كيف حالك وكيف حال والدتك وأخيك ..؟!”
ردت هايدي وهي تبتسم بهدوء :-
” انا بخير .. ماما ايضا بخير وكرم كذلك .. ”
” الحمد لله ..”
تمتم بها قبل أن يجد التردد واضح على ملامح الفتاتين فقال بجدية :-
” من الواضح إن هناك سببا للزيارة .. تحدثا يا فتيات ..لا داعي للتردد ..”
قالت هايدي بجدية :-
” في الحقيقة نعم يا عمي هناك .. مشكلة تخص نانسي ونحن نحتاجك .. لا يوجد غيرك يمكننا اللجوء إليه ..”
” بالطبع يا ابنتي .. انا دائما جانبكما .. أخبريني ماذا هناك ..؟!”
أضاف وهو يشير الى نانسي :-
” ما مشكلتك يا نانسي ..؟!”
همت نانسي بالتحدث لكن قدوم الخادمة التي أتت راكضة وهي تهتف بسعادة :-
” لقد جاء نضال بك يا اشرف بك ..”
نهض اشرف من مكانه مرددا بدهشة :-
” نضال عاد .. لم يخبرني إنه سيعود …”
” نعم لقد وصل قبل لحظات .. هو في الخارج ..”
نظر اشرف الى الفتاتين فقال بجدية :-
” ما رأيكما أن تأتيا معي لرؤية نضال اولا ثم نكمل حديثنا بعدها ..”
قالت هايدي بسرعة :-
” اذهب انت اولا يا عمي ونحن سنلحقك …”
خرج اشرف من المكان بينما هتفت نانسي بضجر :-
” ما هذا الحظ .. ألم يأتِ سوى في هذا التوقيت تحديدا ..؟!”
اما في الخارج فقد خرج أشرف يستقبل ابنه بسعادة ليجد الجمود واضحا على ملامحه …
تقدم نحوه قائلا :-
” نضال .. حمد لله على سلامتك .. ما هذه الزيارة المفاجئة ..؟!”
ثم احتضنه ليعانقه نضال بطريقة أشعرته إن هناك شيء ما حدث خاصة إنه لم يكن يخطط للعودة الى البلاد قبل عدة أشهر ..
“هل انت بخير …؟!”
سأله والده بعدما ابتعد عنه ليصمت نضال دون إجابة لكن تجهم ملامحه أوضح إن هناك مشكلة حدثت معه ..
هم بالتحدث لكن مجيء زوجته والتي تفاجئت بوجد نضال هي الأخرى فرحبت به بسرعة ليرد نضال تحيتها بفتور ..
هتفت أحلام بزوجها :-
” الغداء جاهز .. هل نجهز الطاولة الآن ..”
رد اشرف بجدية :-
” جهزيه .. صحيح هايدي ونانسي في غرفة الضيوف .. اذهبي إليهما وانا سأتبعك …”
” حسنا بالطبع ..”
قالتها أحلام وهي تتجه نحو غرفة الضيوف لتحية الفتاتين بينما عاد اشرف ينظر الى ابنه ويقول :-
” من الواضح إن هناك شيء ما .. دعنا نتناول طعام الغداء اولا ثم أتحدث مع إبنتي عمك فهما الآخريتين لديهما مشكلة يريدان مني حلها ..”
قال نضال بتفهم :-
” لا بأس يا بابا .. اساسا ليس هناك ما يمكن قوله .. انا فقط احتجت الى العودة لا أكثر ..”
” أعلم إن هناك شيء ما وسأعرفه لكن لنتناول الغداء ثم نفهم مشكلة ابنتي عمك اولا …”
سارا سويا نحو صالة الضيوف حيث تبادل نضال التحية مع نانسي وهايدي قبل ان تهبط حنين التي تفاجئت بوجود أخيها فرحبت به وكذلك بإبنتي عمها قبل أن يتجه الجميع الى غرفة الطعام لتناول الغداء ..
بعد الانتهاء من تناول الطعام جلستا هايدي ونانسي مع عمهما ونضال حيث سأل اشرف الفتاتين :-
” حسنا أخبراني الآن .. ماذا هناك ..؟!”
أضاف وهو يشير الى نضال :-
” نضال ابن عمكما ولا أظن إن لديكما مانع بالتحدث أمامه …”
هم نضال بالنهوض وهو يقول :-
” ربما هناك موضوع خاص يا أبي يريدانك به .. ”
قالت نانسي بجدية :-
” توقف نضال … الموضوع ليس سريا .. سيعرفه الجميع عاجلا آم أجلا ..”
نظرت الى اختها التي تحدثت قائلة :-
” هناك شاب يريد التقدم لخطبة نانسي ..”
ظهرت السعادة على وجه العم وهو يتسائل :-
” حقا ..؟! مبارك يا ابنتي .. من هو..؟! ”
ردت نانسي بحذر :-
” صلاح الخولي يا عمي .. ”
أضافت تذكره :-
” من عائلة الخولي .. زوج ابنة زوجتك يكون ابن عمه ..”
” نعم تذكرت ، إنهم عائلة محترمة ومعروفة ولهم إسمهم و مكانتهم .. ”
أضاف يتسائل :-
” ولكنكما قلتما إن هناك مشكلة ..؟! ”
قالت هايدي :-
” نعم يا عمي .. ماما ترفض هذه الزيجة .. ترفضها رفضا قاطعا ..”
عقد العم حاجبيه متسائلا بإستغراب :-
” ولماذا ترفضها رفضا قاطعا …؟!”
ردت هايدي بحذر :-
” يعني تقول إنه شاب لا يناسب نانسي .. يعني عابث قليلا ولا يوجد لديه عمل حاليا ويعتمد على ثروة عائلته ..،”
” هل هو خريج جامعي ..؟!”
سأل أشرف لترد نانسي بسرعة :-
” نعم يا عمي .. بالطبع لكنه لا يعمل ..”
” حسنا ، الشاب كي يتزوج يجب أن يكون قادر على تأسيس عائلة .. ”
صمت قليلا ثم قال :-
” هو الآن لا يعمل وهذا امر غير مناسب طبعا ولكن ربما ينوي العمل فعليا بعدما يرتبط بك … طالما يريد خطبتك فهو جاد وبالتالي بالتأكيد ينوي العمل وأظن إنه سيجد عملا يناسبه بسهولة فهو من عائلة كبيرة وثرية ..”
” وهذا ما قلته يا عمي ولكن ماما ترفض الأمر ..”
قالتها نانسي بحزن ليهتف نضال بجدية :-
” يعني والدتك ترفض الأمر فقط بسبب موضوع العمل ..؟! الا يوجد سبب الآخر لهذا الرفض الغريب ..؟!”
ارتبكت ملامح نانسي بينما تحدثت هايدي بسرعة :-
” سنكون صريحتان معك يا عمي .. نانسي وصلاح يحبان بعضيهما .. حسنا صلاح قبل ذلك كان شاب عابث ولكنه الآن يحب نانسي حقا ويريد الزواج منها وتكوين عائلة .. ماما ترفض بسبب سمعته السابقة كونه شاب عابث ولا يعمل لكنها لا تفهم إن الشاب سيتغير بعد ارتباطه ..”
أضافت وهي تشير الى نانسي كاذبة :-
” اساسا هو بدأ العمل بالفعل .. ”
” ماذا يعمل ..؟! هو خريج أي جامعة اساسا ..؟!”
تبادلتا الأختان النظرات قبل ان تهتف نانسي :-
” صلاح خريج كلية ادارة اعمال …”
أضافت هايدي بسرعة تلحقها كي لا تكشف الكذبة :-
” هو بدأ يعمل في مجموعة شركات عائلته التي يديرها أخيه على ما اظن ..”
” جيد .. يعني الشاب بدأ يدرك أهميه وضعه القادم …”
قالها أشرف بتفكير بينما نطقت نانسي بتردد :-
” عمي ، صلاح شاب جيد .. لا أنكر إنه كان يلهو ويعبث قليلا لكنه تغير … هو يحبني حقا واكبر دليل على ذلك انه ينتظر موعدا مني كي يجلب عائلته ويخطبني وحتى بدأ العمل .. ارجوك وافق انت على الاقل .. يعني انت عمي وكبيرنا بعد والدي …”
رد اشرف بجدية وهو يفكر إنها من الواضح تحب الشاب وتريده :-
” حسنا يا نانسي .. انا لا أريد سوى سعادتك يا ابنتي .. من الواضح إنك تريدين الشاب .. ”
تنهد ثم قال :-
” أنا أريد رؤيته والتحدث معه .. دعيه يزورني مبدئيا ..”
” حسنا يا عمي .. سأخبره بذلك ولكن ماذا عن والدتي ..؟!”
رد اشرف بجدية :-
” ليأتي اولا وأتعرف عليه فأنا يجب أن أدرسه جيدا .. في النهاية انا ايضا تهمني مصلحتك وأريد أن أمنحك لرجل أطمئن عليك معه .. دعيه يأتي اولا وبعدها انا سأتصرف مع والدتك ..”
” نحن نشكرك حقا يا عمي ..”
قالتها هايدي ممتنة ليهتف عمها مبتسما :-
” علام تشكرينني يا ابنتي ..؟! هذا واجبي نحويكما ونحو والدكما رحمة الله عليه …”
سيطر الحزن على ملامح نانسي بينما شكرته هايدي وهي تحتضنه لتغادران الفتاتان بعد ذلك فيبقى اشرف مع ابنه حيث سأله :-
” أخبرني ماذا هناك ..؟! مجيئك المفاجئ وملامح وجهك تنطق إن هناك مشكلة ما ومشكلة كبيرة ايضا ..”
هتف نضال بإقتضاب :-
” نعم هناك مشكلة وبسببها تركت كل شيء وأتيت هنا ..”
” بالطبع ستأتي هنا فهذا منزل والدك اي منزلك ولكن ما هذه المشكلة التي جعلتك تأتي هكذا دون أن تتصل بي حتى ..”
رد نضال بنبرة جافة :-
” لقد حدث كل شيء بسرعة .. حجزت التذاكر وجمعت اغراضي وأتيت ..”
أضاف بثبات :-
” انا سأترك كندا يا بابا .. ربما سوف أستقر هنا معك او في نيويورك .. لم أقرر بعد .. لكن الفترة القادمة سأقضيها هنا بكل الأحوال ..”
” أخبرتك إن هذا منزلك … ولكن ما سبب هذا ..؟! انت دائما كنت ترفض ترك كندا .. وكنت ترفض الإبتعاد عن والدتك تحديدا ..”
هتف نضال بغضب حارق :-
” لا تجلب سيرتها .. هي السبب في كل شيء ..”
” والدتك هي السبب … هل تشاجرت معها ..؟!”
سأله والده بدهشة وعدم تصديق ليهز نضال رأسه دون رد فيسأل اشرف بقلق :-
” مالذي حدث يا نضال ..؟! لماذا تشاجرت معها ..؟!”
رد نضال بجدية :-
” لإنها ستتزوج …”
والصدمة كانت من نصيب الأب هذه المرة ..!!
………………………………………….
كانت تجلس في منزل عائلته معه هو وأخته حيث يتبادلان الحديث بعدما انتهيا من تناول العشاء مع باسمة التي قررت الإنسحاب الى غرفتها للإستراحة قليلا ..
كان فراس يتحدث ويمزح وهي تبادله حديثه ومزاحه ومعهما لوجين عندما رن هاتفه فنظر له قبل ان يهتف بجدية وهو ينهض من مكانه :-
” اتصال يخص العمل .. عن إذنكما ..”
ما إن إبتعد عنهما حتى سمعت غالية لوجين تقول :-
” سمعت إنك تجهزين مفاجئة لعيدميلاد فراس ..”
قالت غالية بسرعة :-
” نعم وطلبت من فادي أن تساعداني انت وهو ..”
” بالطبع سنفعل .. لكن هل حددت المكان ..؟!”
ردت غالية بسرعة :-
” نعم ، لقد اخترت احد الفنادق الشهيرة .. ”
” هل ستقيمين حفلا ضخما ..؟!”
سألتها لوجين بتعجب لتبتسم غالية وهي تقول :-
” ليس هكذا .. سأحجز مكانا خاصة وأدعو العائلة والمقربين .. يعني سيكون حفلا صغيرا يضم المقربين فقط والذين يفضلهم فراس لكنه مميز ايضا ..”
” رائع .. ولكن بم سأساعدك انا ..؟!”
سألتها لوجين بجدية لترد غالية :-
” سنتواصل لأجل التجهيزات كي أستشيرك ايضا فيما يفضله فراس وفادي سيساعدنا في اعداد المفاجئة وجلب فراس يوم الحفلة ..”
” انا متحمسة للغاية ..”
قالتها لوجين بسعادة لتهتف غالية بعينين لامعتين :-
” ليس بقدر حماسي ..”
تحدثت لوجين بتردد :-
” في الحقيقة انا اريد منك ان تسامحيني ..”
سألتها غالية بدهشة :-
” علام أسامحك ..؟!”
ردت لوجين بخجل :-
” لإنني كنت ضد زواج فراس منك كما إنني كنت أحاول عدم التواصل معك قدر المستطاع .. في الحقيقة كان ضميري يؤنبني لأجل عهد ..”
” انت تحبينها كثيرا ، أليس كذلك ..؟!”
ابتسمت لوجين وردت :-
” كانت بمثابة أختي الكبيرة .. ”
أضافت بجدية :-
” عندما تعرفت عليك عن قرب أدركت كم إنك مميزة ولطيفة وتمتلكين شخصية رائعة .. انا أحببتك يا غالية واستوعبت ان لا ذنب لك كونك ستكونين زوجة اخي بعد عهد ففهي النهاية هما انفصلا منذ سنوات ..”
” نعم اعلم رغم إنني لم أعلم سبب الإنفصال .. ”
ارتبكت ملامح لوجين فأضافت غالية بترقب :-
” يعني فراس يقول أسبابا غير مقنعة تماما …”
هنفت لوجين وهي تنهض من مكانها :-
” سأنهض وأعد القهوة .. حسنا ..”
ثم اتجهت مسرعة تتابعها غالية بنظراتها عندما وجدت فراس يعود وهو يسألها :-
” اين ذهبت لوجين ..؟!”
ردت بجدية :-
” ستعد القهوة لنا ..”
” قهوة لوجين لا يعلى عليها ..”
ردت مبتسمة بخفة :-
” اعلم لقد جربتها مسبقا …”
انتبه فراس الى الخادمة التي تقدمت نحوه تطلب منه التحدث على إنفراد فتابعته غالية وهي تهمس له ببضع كلمات قبل ان يتحرك خارج المكان ..
انتظرت دقيقتين قبل ان تنهض من مكانها وتتجه حيث اتجه لتجد باب في الحديقة الخلفية فإتجهت نحوها لتجده يقف ويتحدث مع عهد طليقته في الشارع الخارجي قرب الباب ..
اتجهت خلف السور تنظر من فوق إليه وهو يتحدث مع عهد ويبدو إن هناك حديث هام دائر بينهما …
” يليقان ببعضهما كثيرا أليس كذلك ..؟!”
صدح صوته خلفها فشهقت بفزع وهي تستدير لتراه أمامها فيبتسم مرددا بتهكم :-
” مساء الخير ..”
رمقته بنظرات حادة وهي تعاود النظر نحوهما فردد بجدية :-
” اسف لإنني أفزعتك ..”
” لقد اعتدت على هذه التصرفات منك ..”
قالتها بجفاء ليتسائل وهو يقف جانبها يتطلع الى اخيه الذي يقف يتحدث مع عهد وينصت إليها بإهتمام :-
” مالذي يجعلك تقفين وتراقبينهما ..؟! اذا كنت تنتظرين شيئا مما يدور في بالك فلن يحدث شيء كهذا .. عهد محترمة وليست من هذا النوع …”
التفتت نحوه تردد ببرود :-
” حقا ..؟! جيد .. الآن فقط شعرت بالإرتياح ..”
ابتسم بخفة وهو يردد :-
” لكن لا تنكري إنهما يليقان ببعضهما كثيرا ..”
استدارت نحوه تتسائل بغضب مكتوم :-
” انت ماذا تريد بالضبط ..؟!”
رد بلا مبالاة :-
” لا أريد شيئا …”
” انت تحاول إخباري إنهما يحبان بعضيهما .. افهم ذلك .. لكن السؤال المهم ، طالما يحبان بعضيهما فلم تطلقا ..؟!”
أنهت كلماتها وعقدت ذراعيها امام صدرها تنظر اليه بتحفز ليرد هو بجدية :-
” انا لم أجلب سيرة الحب .. قلت إنهما متناسقان فقط …”
” تجاهلت سؤالي كالمعتاد .. كما يفعل الجميع ..”
قالتها بتهكم ليرد ببرود :-
” انا لم أتجاهله يا غالية .. لكن هذا السؤال يجب أن تسأليه الى أصحاب المشكلة نفسها .. إسألي فراس وعهد لمَ تطلقا ..؟! انا لا دخل لي وبالتالي لا أمتلك إجابة لسؤالك ..”
أكمل وهو يتقدم نحوها خطوات قليلة :-
” لكن لماذا أشعر إنك تعرفين الجواب بالفعل وتتعمدين أن تسألي من حولك لغرض محدد …؟!”
” ولم سأفعل ذلك مثلا ..؟!”
سألته بتهكم ليرد بتهكم مماثل :-
” اختبار لنا مثلا ..”
أشاحت وجهها بعيدا عنه بضيق لتجد فراس يتقدم نحوهما وقد غادرت عهد ليتفاجئ بوجودها هنا والجمود يكسو ملامحها ..
” غالية ، ماذا تفعلين هنا ..؟!”
” عن إذنكما ..”
تحرك فادي مبتعدا بينما وقفت غالية أمامه تعقد ذراعيها أمام صدرها وتسأله :-
” لماذا لم تخبرني إنك ستذهب للتحدث مع طليقتك ..؟!”
” عفوا ..؟! لقد أخبرتني الخادمة إن عهد تريدني لأمر ضروري فذهبت لأراها وأفهم ماذا هناك لإن الأمر بالتأكيد يخص تميم …”
” يخص تميم اذا ..؟!”
قالتها بسخرية ليهتف ببرود :-
” صدقي او لا تصدقي لكن انا وعهد لا يجمعنا اي حديث لا يخص تميم ..كل أحاديثنا عنه ..”
” كان يجب أن تخبرني إن عهد في الخارج .. لم تكن ستخسر شيئا ..”
قالتها ببرود قبل أن تضيف بإبتسامة باردة :- ”
“على الأقل كنت سألقي التحية ..”
سأل بضيق :-
” ماذا حدث يا غالية ..؟! ثانيا ألم تقفي وتراقبينا طوال الوقت ..؟! هل وجدت شيئا خاطئا ..؟!”
” وهل سأنتظر حدوث شيء خاطئ ..؟!”
سألته بعصبية قبل ان تكمل :-
“تسألني عما حدث .. حسنا تصرفك خاطئ .. ان تتسحب من المكان وتذهب لرؤية طليقتك بهذه الطريقة شي غير مقبول ابدا ..”
” لم أتسحب يا غالية .. وانتبهي على حديثك معي واختاري كلمات افضل ..”
ردت بتحدي :-
” عندما تنتبه انت على تصرفاتك سأنتبه حينها على حديثي وأنتقي كلماتي بحذر …”
انهت كلماتها واندفعت مبتعدة عنه بحنق ليتأفف بضيق وهو يتبعها بملل ..!
…………………………………………………………
كان يتجه نحو السلم ليصعد الى الطابق العلوي حيث جناحه عندما توقف على صوت والدته تناديه فإلتفت نحوها ليجدها تتقدم نحوه وتقف أمامه تسأله :-
” حبيبي كيف حالك ..؟!”
رد بجدية :-
” بخير .. ”
أضاف يتسائل :-
” هل تودين قول شيء ما ..؟!”
ردت بجدية :-
” كنت أريد التحدث معك بشأن جيلان .. ”
” ما بها ست الحسن والدلال ..؟!”
سأل بنفاذ صبر لتنهره بقوة :-
” ماذا جرى لك يا مهند ..؟! لا تتحدث عنها هكذا ..؟!”
تسائل بضيق خفي :-
” ما بها جيلان ..؟!”
ردت والدته :-
” الدراسة ستبدأ بعد اسبوعين .. تحتاج الى مستلزمات للدراسة وأشياء كهذه ..”
قاطعها بسرعة :-
” حسنا فهمت .. خذيها واشتري لها ما تريد ..”
هتفت والدته بجدية :-
” لماذا لا تأخذها انت ..؟! تشتري لها ما تريد وايضا تذهب بها الى احد اماكن الترفيه .. الفتاة لم تخرج منذ قدومها الى هنا وهي صغيرة وبحاجة للترفيه عن نفسها قليلا ..”
” هل انا فاضي للترفيه عن جيلان هانم يا أمي ..؟!”
هتف بها بضيق لترد والدته بتهكم :-
” ومالذي يشغلك يا حبيب أمك .. انت حتى لا تعمل ..”
أضافت عن قصد :-
” لكن بوجود تلك الحية الصفراء بالطبع ستكون مشغول دائما ولست فاضيا للفتاة المسكينة .. طبعا تلك الحية تستحوذ عليك وتريد أن تكون ملكا لها وحدها ..”
” لقد عدنا مجددا ..”
قالها بنفاذ صبر لترد بتحذير :-
” اولا لا تتحدث معي هكذا .. ثانيا هذه فتاة يتيمة .. راعي الله به .. ترفق بها يا مهند وتذكر أن اليتيم لا يجب أن يُقهر .. الفتاة مسؤولة منك وأمانة عندك وهي طيبة وبريئة جدا ..”
” نعم جدا ..”
قالها بسخرية لم تنتبه لها وهي تسترسل في حديثها :-
” ارجوك يا بني اعتني بها لأجلي ..”
” حسنا ماما .. سأعتني بها .. اعدك بهذا لكن دعيني اصعد الى جناحي كي أعتني بها ..”
انهى كلماته واندفع نحو الطابق العلوي حيث جناحه تاركا والدته تتابعه بحنق قبل ان تدعو له بالهداية ..
دلف الى الداخل وتوجه نحوها ليجدها تنام على السرير بعمق ..
تأمل ملامحها التي تنطق بالبراءة فهتف بينه وبين نفسه :-
” من يرى برائتها لا بمكن تصديق أن تفعل شيئا كهذا …”
بدأ يهزها كي تستسيقط ففتحت عينيها لتقفز بسرعة متراجعة الى الخلف ما إن وجدته امامها …
هتف بقوة وهو يرمي ورقة في وجهها :-
” لقد عرفت اسم المشفى واستطعت بمعرفتي ان أحصل على التقرير الطبي .. كنت تعانين من إنهيار عصبي وآثار لممارسة علاقة ..”
توقف عن حديثه ثم قال :-
” لكن لم يكن هناك دليل واضح على الاغتصاب …”
ابتلعت ريقها تتأمل الورقة التي رماها في حضنها لتتسائل بتردد :-
” ماذا تعني ..؟!”
رد ببرود :-
” يعني التقرير لا يثبت إنك تعرضت للإغتصاب كما أخبرتني ..”
” انا أخبرتك الحقيقة ..”
قالتها بسرعة وهي تصيف :-
” والله كنت مجبرة .. ”
“جيلان ، لو كنت تعرضت للإغتصاب لكتب الأطباء ذلك بوضوح ..”
” لا اعلم … لكنني اخبرتك الحقيقة ..”
نهض من مكانه يقف في وجهها مرددا :-
” ألم تقولي إنك تعرضت للاغتصاب ..؟! ”
ردت بسرعة وخوف :-
” نعم ، ولكنني لا أفهم معنى التقرير وماذا تقصد بالضبط ..”
اغمض عينيه بتعب قبل أن يفتحها ويسألها بسرعة :-
” انظري الي .. هل كنت مخدرة عندما تم الاعتداء عليك ..؟!”
ردت ببراءة :-
” كنت واعية .. لقد حدث ذلك وانا مستيقظة كما فعلت انت …”
تراجع الى الخلف مصعوقا للحظات قبل ان يردد :-
” تقصدين إنك إستلمتي له دون مقاومة ..؟!”
هزت رأسها وهي تخفض عينيها ارضا ليزفر أنفاسه مرددا :-
” الآن فهمت .. ”
هتفت بتردد :-
” بإمكانك أن تسأل عمار عن التقرير .. هو كان معي ويعرف ..”
صاح بها :-
” لا تجلبي سيرة أخيك هذا ابدا ومجددا أحذرك يا جيلان … اياك ثم اياك أن تخبريه بأيا مما حدث .. ”
هزت رأسها بخوف ليتركها ويتجه نحو الحمام بينما ظلت هي منكمشة مكانها بخوف ..
وجدته بعد حوالي عشر دقائق يعود اليها وهو يحمل ورقة بيضاء كبيرة وقلم رصاص ..
نظرت اليه بحذر ليضع الورقة والقلم أمامها وهو يردد :-
” بما إنك تريدين رسم الوجه ..”
صمت قليلا ثم قال بحسم :-
” ارسمي وجه الشاب الذي إبتزك والحقير الآخر الذي إعتدى عليك ..”
…………………………………………….
كانت تجلس داخل غرفتها تتذكر كل ما حدث بينهما حيث الحديث الذي جمعهما ثم عناقها الذي انتهى بقبلة ما زال تشعر بها حتى الآن ..
سمعت صوت طرقات على الباب فسمحت للطارق بالدخول لتجد زوجة أخيها تتقدم نحوها مبتسمة وهي تقول :-
” كيف حالك ..؟!”
ردت بإبتسامة ضعيفة :-
” بخير الحمد لله ..”
” اردت الإطمئنان عليك .. وضعك لا يعجبني في الأيام الأخيرة …”
ابتسمت شيرين تردد :-
” أشكرك يا منى .. انا بخير فقط أمر بفترة اكتئاب اعتيادية ستمر كالعادة..”
” فترة اكتئاب اذا .. وما سبب هذا الإكتئاب ..؟!”
تنهدت شيرين وهي تقول :-
” وكأنك لا تعلمين ..”
هتفت منى تتسائل :-
” هل تحبينه لهذه الدرجة ..؟!”
ردت شيرين ببؤس :-
” منه أحبه ومنه لا أريد قريه …”
” عليك ان تتخذي قرارا حاسما يا شيرين ..”
قالتها منى بجدية لتتسائل شيرين :-
” ماذا افعل يا منى ..؟! رفضته ولكنه متمسك بي ويرفض ان يتركني وشأني ..”
” اذا هو يحبك كما تحبينه ..”
قالتها منى بتفكير لتهز شيرين رأسها بصمت لتتسائل منى مجددا :-
” ألا ترين أي أمل يمكن أن يجمعكما .. ؟! ”
” اخاف يا منى .. اخاف منه .. انت لا تعرفينه جيدا .. ”
قالت منى بسرعة :-
” لكنني علمت ما فعله بأخيه …”
” المشكلة ليست هذه فقط .. عمار معقد جدا ولديه ماضي طويل ..”
” اشرحي لي بإختصار .. ربما يمكنني المساعدة .. لا تنسي إنني طبيبة نفسية ..”
تنهدت شيرين ثم قالت :-
” سأخبرك ..”
بعد حوالي نصف ساعة انتهت شيرين من الحديث عن عمار وماضيه بإختصار قليلا لتصمت منى للحظات قبل ان تهتف :-
” مسكين .. ما حدث بين والده ووالدته دمره تماما … حوله من شخص طبيعي لشخص حاقد ومريض .. ”
” هل تعنين إنه يعاني من مشكلة نفسية .،؟!”
” مشكلة واحدة .. على حسب كلامك وتصرفاته ومقارنة مع ماضيه مبدئيا يمكنني القول إن هذا الشاب او الرجل مليء بالعقد النفسية واكبر دليل على ذلك حبه المبالغ به لوالدته …”
اضافت بجدية :-
” كما انه فقد الحنان والاحتواء منذ الصغر .. افترق عن والدته مبكرا ..”
” وما الحل ..؟!”
سألتها شيرين بجدية لترد منى :-
” لا يمكنني الجزم بشيء .. لكن منطقيا هو يحتاج الى طبيب نفسي .. لكن لا أظن شخص مثله سيفعل ذلك ويتنازل ويخضع للعلاج النفسي الذي سيطهره من شوائب ماضيه العالقة داخله ..”
” اخبرني إنه يريدني .. يريد عائلة واطفال ..”
قالتها شيرين بصوت متحشرج لتهتف منى بحزن وتعاطف :-
” يريد ما فقده طوال حياته .. ”
هزت شيرين رأسها وهي تكتم دموعها لتجذبها منى نحوها تعانقها بصمت قبل ان تسمعان طرقات على باب غرفتها يتبعها دخول وليد ..
ابتعدت شيرين من احضانها ليبتسم وليد وهو يتقدم نحوهما مرددا :-
” ماذا يحدث هنا ..؟!”
اضاف وهو يسأل شيرين :-
” هل انت بخير حبيبتي ..؟!”
هزت شيرين رأسها وهي تمسح وجهها بكفيها دون رد ليشير وليد بعينيه الى منى أن تتركهما فتنهض الأخيرة وتستأذن للخروج ..
جلس وليد امام اخته يقول :-
” إلى متى يا شيرين ..؟! ألا يكفي كل هذا الإكتئاب والإنعزال ..؟! ألم يحن الوقت لتخرجي من قوقعتك …”
” لا تقلق .. انا بخير ..”
“انا اريدك سعيدة يا شيرين .. اريد راحتك وسعادتك ..”
قالها بصدق لتدمع عيناها وهي تردد :-
” اعلم ذلك …”
زفر انفاسه ثم قال :-
” هناك شيء هام ..”
نظرت له ليهتف بتردد:-
” لقد تحدث معي عماد ابن عمك .. تقدم رسميا لخطبتك ..”
هتفت بعدم تصديق :-
” ماذا تقول انت ..؟!”
رد بجدية :-
“عماد تقدم لخطبتك ..،”
اضاف بجدية :-
” لم الدهشة ..؟! اساسا هو خطبك منذ أن كنت في الثامنة عشر من عمرك ورفضته وهاهو الآن يكرر طلبه ..”
أضاف بجدية :-
” عماد رجل بحق .. محترم وخلوق وابن عمنا ..”
” انت موافق عليه اذا ..؟!”
سألته بتأهب ليرد بجدية :-
” في الحقيقة موافق بل سعيد ايضا .. لن أجد من هو افضل منه .. هو الشخص الوحيد الذي يمكنني أن أاتمنه عليكِ والوثوق به ..”
شردت ملامحها كليا ليتأمل شرودها فينهض من مكانه وهو يقول :-
” فكري في كلامي وفي طلبه .. عماد رجل لا يرفض يا شيرين ..”
انسحب خارج المكان بينما بقيت هي لوحدها وأفكارها المتزاحمة لا ترحمها ..
اخيرا سمعت صوت رسالة على هاتفها فجذبته لتجدها رسالة من عمار فتحتها فوجدت صور لهما عندما كانا سويا قبل سنوات ..
ادمعت عينيها وهي ترى تلك الصور وكيف كانت علاقتهما ..
شعرت بقلبها يدق بعنف والحنين يقودها الى الماضي ..
لحظات قليلة ورن هاتفها فأجابته ليأتيه صوتها :-
” ما زلت محتفظا بجميع الصور …”
” كانت ايام جميلة ..”
قالتها بخفوت ليرد :-
” يمكننا إعادتها …”
أضاف بجدية :-
” ألم تحنِ علي بعد ..؟؟”
” عمار ..”
قالتها بتوسل ليهتف :-
” وافقي يا شيرين .. وافقي من فضلك … ”
اكمل بجدية :-
” شيرين انا احتاجك اكثر من اي احد .. وجودك مكمل لحياتي الباردة الجافة ..”
اغمضت عينيها بألم للحظات قبل ان تفتحها ثم في لحظات قليلة كانت تحسم امرها وتقول :-
” انا موافقة يا عمار ..”
…………………………………………………..
خرج من غرفته اخيرا ليجدها تجهز طعام العشاء …
تقدم تحو الثلاجة واخرج منها قنينة مياة باردة وتناولها قبل ان يعيدها الى مكانها ويهم بالتحرك لتهتف به :-
” نديم انتظر ..”
توقف مكانه للحظات ينظر اليها قبل ان يتسائل :-
” نعم ..؟!”
” ألن تقول شيئا ..؟!”
سألته بتردد ليتنهد ثم يقول :-
” سأقول ..”
نظرت له بإنتباه فوجدته يهنف بعد لحظات :-
” معك حق ..”
” ماذا تعني ..؟!”
سألته بريبة ليرد بعد صمت استمر لثواني :-
” لقد فكرت طوال ليلة البارحة بحديثك ووضعنا عموما .. لقد وجدت إن الحق معك وإن كلامك صحيح ..”
بهتت ملامحها بينما أضاف هو بثبات :-
” الإنفصال هو الحل الأمثل لكلينا .. هذه العلاقة لا يمكن أن تستمر .. كلامك كان صحيحا وواقعيا ..”
شعرت بألم حاد في قلبها رغم إن هذا ما أرادته وسعت إليه لكن رغما عنها شعرت بذلك ..
اما هو فصمت يتأمل ملامح وجهها التي جمدت لثواني .. ثواني معدودة قبل أن تعود إليها الحياة فتنطق ببرود :-
” جيد .. إذا نحن منفقان على نفس القرار ولم يتبقَ سوى التنفيذ …”
نظر إليها بعمق لتضيف بقوة :-
” متى سنبدأ إجرائات الطلاق ..؟!”
لم يجبها للحظات وعيناه ما زالتا تسبران أغوارها بينما هي تقاوم للحفاظ على رباطة جأشها وعدم الإنهيار أمامه ..
لقد انتهى الحلم بالفعل .. انتهى قبل أن يبدأ من الأساس ..
سمعته يجيب أخيرا بجدية بعدما أخذ نفسا عميقا :-
” متى ما تريدين .. يمكننا البدء غدا إذا أردت …”
هتفت بقوة :-
” لم لا .. لنبدأ غدا ..”
هم بالتحدث لكنه أخذ يسعل بقوة فهتفت بقلق :-
” نديم ، هل انت مريض ..؟!”
تقدمت نحوه بشكل عفوي فوجدته يهتف بها بحزم :-
” لا تتقدمي ..”
ابتلعت غصتها ثم قالت :-
” ماذا حدث ..؟!”
” لماذا تتقدمين ..؟! أظن إن كل شيء انتهى ..”
تجاهلت كلماته وهي تهتف به :-
” هذا السعال يدل على انفلاونزا .. لقد تسببت بعدوى لك .. ”
رد بلا مبالاة:-
” جيد .. على الأقل سيكون هناك تغيير في حياتي ..”
هم بالتحرك لتهتف مجددا :-
” نديم توقف ..”
التفت نحوها يهتف بنفاذ صبر :-
” ماذا هناك ..؟!”
ردت :-
” انت تسعل بقوة .. يجب أن يراك الطبيب ..”
هتف عن قصد :-
” اهتمي بنفسك يا حياة .. ”
أضاف بجدية :-
” اجرائات الطلاق ستتم بسهولة .. بعدها سأغادر الشقة .. ستبقين هنا وتستمرين في دراستك ..”
” كلا ”
قالتها بحزم قبل ان تصيف :-
” انا من سيغادر الشقة .. ”
” مستحيل ..”
ردت بجدية :-
” هذا قراري النهائي .. بعد الطلاق سأتحمل مسؤولية نفسي .. فحينها لن يكون هناك ما يجمعنا لتتحمل مسؤليتي ..”
” لكنني من جلبتك الى هنا وجعلتك تتركين جامعتك ..”
” حتى لو .. سننفصل وكلا يذهب في طريقه .. انتهى ..”
سألها بسخرية :-
” ومن أين ستدفعين اقساط الجامعة وايجار شقة جديدة ..؟!”
ردت بحشرجة :-
” والدتي ستتكفل بالأمر اطمئن ..”
” ولكن ..”
قاطعتها بقوة :-
” انت تعرف جيدا إنني لا أقبل مساعدة من أحد ..”
شرد رغما عنه في اول لقاء جمعهما وشجاره معها لإنها رفضت ان يدفع تكاليف علاج والدها ..
نظر اليها مجددا ثم قال ببرود :-
” اعتذر لكنني نسيت هذا …”
” جيد .. هذا يعني انك سوف تنساني بسهولة ..”
قالتها عن قصد ليبتسم بتهكم مرددا :-
” هل يزعجك أن أنساكي ..؟!”
اخذت نفسا عميقا ثم قالت :-
” لست أنانية كي أرغب أن تتذكرني طوال الوقت .. فقط أتمنى أن تتذكر بين الحين والآخر إن هناك فتاك اسمها حياة أحبتك بحق … أحبتك لدرجة كبيرة وكل ما تتمناه أن تترك بعد رحيلها آثرا ولو ضئيلا في ذاكرتك ..”
…………………………………………………………
في احدى المستفشيات …
وقفت نانسي تنظر الى التحليل بصدمة .. لقد شكت بالأمر منذ أيام لكنها أنكرت ذلك بشدة حتى قررت أن تحسم الأمر وتأتي وتقوم بالتحليل المعتاد لتنصدم بالنتيجة ..
هي حامل .. تحمل طفل صلاح في احشائها .. مصيبة جديدة وقعت فوق رأسها ..!!
اما في نفس الممر فخرحت تقى من غرفة الطبيب وهي تحمل الورقة بيدها تنظر اليها بسعادة منحية خوفها جانبا ..
لقد تم كل شيء وهاهي تحمل طفلا في احشائها ..
لم يتبق سوى إخبار مهند …
مهند سيعود اليها وزواجهما سيصبح رسميا ..
كل شيء سيحدث كما تريد بعد الآن …
لقد بدأ عهدها أخيرا …

كانت تجلس على سريرها تتطلع أمامها بشرود .. تتذكر كلماته وقراره المفاجئ بالإنسحاب من حياتها ..
قرار لم تتوقعه وترفض ان تصدقه فعمار الخولي لا يتنازل بسهولة ..
بالتأكيد يخطط لشيء ما ..
نهضت من مكانها واتجهت بسرعة نحو الخزانة تغير ملابسها ..
ارتدت ملابسها سريعا ورفعت شعرها ثم هبطت درجات السلم لتجد والدتها تهم بالخروج هي الأخرى ..
سألتها بإهتمام :-
” ستذهبين عند بابا ..؟!”
ردت والدتها :-
” نعم حبيبتي ..”
قالت والدتها تتسائل بإهتمام :-
” وأنت الى أين ستذهبين ..؟!”
ردت كاذبة :-
” سأخرج مع غادة ثم أمر على بابا اطمئن عليه ونعود سويا ..”
” حسنا حبيبتي .. اذهبي واستمعتي قليلا فأنت تبدين مكتئبة للغاية هذه الأيام ..”
ابتسمت مريم دون رد ثم غادرت بسرعة تركب سيارتها وتتجه حيث المكان المحدد ..
بعد مدة كانت تقتحم مكتبه وتضع حقيبتها على الطاولة بضيق قبل ان تجلس على كرسيها بملامح متجهمة للغاية ..
هتف مبتسما بخفة :-
” ماذا حدث ..؟!”
ردت بضيق :-
” ماذا سيحدث أكثر بعد ..؟! ”
هتف بلا مبالاة :-
” ما قاله مجرد كلام .. كلام فقط لا غير ..”
قالت بجدية :-
” قال إنه لم يعد يريدني .. وإنه سوف يؤسس حياة جديدة .. سيتزوج ويكون عائلة .. كل شيء ذهب هباء .. كل مخططاتي فشلت ..”
هتف بنفس الجدية :-
” اهدئي يا مريم .. لا يوجد شيء ذهب هباء كما تقولين ..”
” كيف هذا وجميع ما خططنا له فشل .. ؟! أخبرتك ألا تفعل ذلك .. أنت إستعجلت بتصرفك و ..”
قاطعها ببرود :-
” لم أستعجل اطلاقا .. كل تصرف مني كان محسوبا يا مريم وما زال كذلك …”
” كيف ذلك وهو لم يعد يريدني ..؟!”
صاحت بإنفعال ليرد بقوة :-
” من قال ذلك ..؟! هل صدقتي حقا كلامه ..؟! ألم تفهمي بعد ..؟! إنها لعبة جديدة ..؟! خطة جديدة من خططه التي لا تنتهي …”
” مالذي يجعلك واثقا لهذه الدرجة ..؟!”
” لا أحد يعرف هذا الرجل بقدري .. عمار الخولي داهية بحق. .. يمتلك ذكائا … ذكائا شيطانيا تماما .. هو ماكر جدا ومراوغ جدا ويعرف كيف ينال ما يريده بكل هدوء وتمكن … هل تعلمين ..؟!”
صمت قليلا ثم اضاف :-
” عمار الخولي لا يتوقف عن التفكير والتخطيط والتنفيذ ..يمكنه أن يحل عدة أمور معقدة دفعة واحدة .. وفي الوقت الذي ينفذ به احدى خططه لنيل شيء ما تجدينه قد وضع مئة خطة اخرى لنفس الشيء فيسارع الى تنفيذها ما إن فشلت خطته الاولى… نحن نتعامل مع رجل من نوع مختلف … رجل يستطيع أن يقرأ خداعك له من نظرة خاطفة بعينيك .. عليك أن تدركي حجم ما أنتِ مقبلة عليه وتستوعبي ما ينتظرك ..”
” انا لا افهم .. فسر لي اذا سبب ما قاله وتخليه عني بعد كل كلمات الحب والهيام والتملك التي أغرقني بها ..”
قالتها بنفاذ صبر ليردد بجدية :-
” ابدا ، هو فقط يجهز لأمر مختلف .. لقد أدرك إن الإجبار لا يناسبك … لا يتناسب مع شخصيتك كما إنه يريدك راضية ولست مجبرة .. يريدك طوع يديه .. يريدك أن ترغبيه كما يرغبك لذا فطريقته السابقة لن تجدي نفعا ..”
” اذا وما هي الطريقة التي ستجدي نفعا ..؟!”
ابتسم بخفة واجاب :-
” اسلوب المراوغة .. يبتعد تماما ولفترة .. يراقب من بعيد ويرى ما سيحدث … وفي الوقت المناسب سينفذ خطته القادمة التي لا أستطيع تحديدها لكننا سوف نسبقها بكل الأحوال ..”
” ماذا لو فشلنا ..؟!”
سألته بقلق ليرد :-
” مالذي يجعلك تفكريك بذلك ..؟! حتى الآن كل شيء يسير كما خططنا .. أمر خطفك تم بطريقة مقنعة … لدرجة إنه اقتنع كليا إن بوسي تعمدت خطفك لإيذائه والتقليل من شأنه أمامك .. كل شيء كان محبوكا وأظن إنك رأيت بنفسك كيف صدق كل شيء .. ”
” لا أنكر إنها كانت خطة محبوكة .. وانت لا تنكر إنني كنت سببا أساسيا في نجاحها .
قال بسرعة :-
” بالطبع عزيزتي مريم .. يكفي نجاحك في التمثيلية التي أعددناها .. كنتِ ممثلة بارعة حقا .. وبسببك نجحت الخطة .. لولا تمثيلك حينها وطبعا بمساعدة الرجال ربما كان سيشك بوجود خطأ ما .. تخيلي موقفه لو يدرك إن أمر إختطافك مجرد مسرحية كنتِ أنتِ بطلتها الأولى وانا المخرج ..”
” هذا كله لا يهم .. في النتيجة غايتنا من هذه المسرحية لم تتحقق ..”
قالتها بنفاذ صبر ليرد ببرود :-
” من قال ذلك … ؟! ستتحقق يا مريم ..”
سألت بملل :-
” كيف ..؟! مخططنا كان ان نجعله يظن إن بوسي وراء كل هذا ونمنحه الدليل بالإتفاق مع ذلك الرجل وفي المقابل هو سيثبت لي برائته ويبدأ التقارب بيننا لكنه دمر كل هذا بقرار إبتعاده عني .. انا لا اصدق .. في الوقت الذي كنت أفكر به كيف أقترب منه تدريجيا أخبرني بقراره وأغلق كافة الأبواب في وجهي ..”
” مريم اهدئي ..”
قالها بصرامة ثم اضاف :-
” اساسا نحن سوف نستمر في خطتنا ولكن سوف نغير بعض الأسس التي اتفقنا عليها ..”
” ماذا سنفعل ..؟!”
سألته بإهتمام ليرد بجدية :-
” بعدما حدث وأمر بوسي ..”
قاطعته بجدية :-
” بوسي تلك ، هل تثق بها ..؟! يعني أخشى أن يحدث شيء وتتراجع .. أظن إنها تحبه و ..”
قاطعها بثقة :-
” لا تقلقي ابدا من ناحيتها .. حتى لو كانت تحبه .. حقدها عليه اكبر من حبها بمراحل .. بوسي إمرأة قوية لن تتنازل عن حقها ابدا …”
هزت رأسها بصمت ليهتف مضيفا :-
” المهم ، الخطوة القادمة ستكون عندك …”
” ما المطلوب مني ..؟!”
سألته بحذر ليرد بجدية :-
” بعدما حدث .. وكونك اتهمتِ عمار ظلما وشككتِ به وهو أثبت لك انه بريء فهو إذا يستحق إعتذار …”
” إعتذار ..!!”
رددتها بقليل من الدهشة قبل ان تهمس بإمتعاض :-
” انا اعتذر من عمار .. ”
هتف ببرود:-
” إعصري القليل من الليمون فوق رأسك وإفعليها ..”
تجاهلت حديثه وهي تتسائل مجددا :-
” وماذا سأستفيد من هذا الإعتذار و ..”
قاطعها مجيبا :-
” مبدئيا هذا بداية الطعم .. ستذهبين إليه ولكن ليس الآن .. ستنتظرين مرور ثلاثة ايام كي يفهم إنك ترددتِ قليلا في الإعتذار .. عندما تذهبين ستخبريه إنك أخطأتِ بحقه وتريدين أن تعتذري منه وتشكريه ايضا على إنقاذه لك وطبعا لا داعي أن أخبرك إنك ستظهرين القليل من عدم الرضا عما تتفوهين به .. ستجعلينه يشعر إنك مجبرة على قول ذلك لكنه يستحق .. ”
” بالطبع سأفعل ذلك .. اساسا لا أحتاج للتمثيل لإنني فعلا مجبرة ..”
هتف بجدية :-
” لا يجب ان تخطئي يا مريم .. عمار ليس هينا لذا كوني قوية وجريئة كعادتك .. لا تظهري ناحيته سوى الإمتنان ولا تمنحيه سوى اعتذارا مقتضبا .. وهذه ستكون البداية …”
” هل سوف نستفيد من ذلك ..؟!”
سألته بتعب ليرد بجدية :-
” بالطبع .. وكثيرا ايضا .. طبعا هو سوف يظهر لك البرود وعدم الاكتراث لكن صدقيني في داخله سيفرح .. سيتولد أمل داخله ناحيتك ..”
” أخبرتك إنه سيتزوج … أي أمل بالله عليك ..؟!”
” مع إنتي أشك بذلك ولكن حتى لو تزوج هذا لا علاقة له بك .. عمار الخولي يعشقك منذ سنوات وكان يعيش مع بوسي .. يعني هو رجل يفصل بين نساؤه عموما ..”
أضاف يتسائل ملاحظا عبوس وجهها :-
” ماذا أخبرك بالضبط عن هذه الزيجة ..؟!”
ردت بتذكر :-
” قال إنها فتاة كان يحبها سابقا .. انفصلا وهكذا وسافرت ثم عادت والتقت به فقرر أن يتزوجها لإنه اكتشف انه ما زال يحبها ..”
” هل لديك علم عنها ..؟! يعني من تلك الفتاة ..؟!”
صمت قليلا ثم هتف بعد تفكير :-
” لا يعقل .. هل يقصد شيرين ..؟!”
عقدت حاحبيها تتسائل :-
” شيرين من ..؟!”
هتف بسرعة :-
” شيرين عزام .. تلك الفتاة كانت حبيبته عندما كان في بداية العشرينات .. جمعتهما قصة حب لكنها انتهت وشيرين بعدها تزوجت وسافرت …”
” بالتأكيد هي إذا ، انت لا تعرف غيرها .. صحيح ..؟!”
رد بجدية :-
” انا اعرف شيرين وقصة حبه معها ثم زواجه من ليلى بعدها واخيرا انت وبالطبع علاقته ببوسي ..”
نظرت له بتركيز فقال :-
” سأبحث في هذا الأمر .. ”
” وانا سأسأل ليلى عن شيرين .. هي صديقتها المقربة وبالتأكيد تعرف عنها معلومات جديدة ..”
” اذا فعلها سيكون مجنونا ..”
قالها هازئا وهو يكمل :-
” ليلى ثم شيرين .. الشيء الوحيد الجيد فيه ذوقه في النساء …”
أكمل وهو يتأملها :-
” مع إنني لا أفهم حتى الآن كيف لم تتحرك مشاعره نحو اختك بكل جمالها بينما عشقك انت .. لا اقصد شيئا .. انت ايضا جميلة ولكن اختك شيء آخر ..”
هتفت بإمتعاض :-
” أشكرك على صراحتك السخيفة يا بك ..”
نهضت من مكانها تجذب حقيبتها وتهم بالمغادرة ليردد ضاحكا :-
” لا تتضايقي .. انت ايضا جميلة ..”
التفتت نحوه تردد بثقة :-
” اعلم ذلك ولا حاجة لإن تخبرني به لإنني أثق بنفسي وبجمالي ..”
” حسنا لا تنسي اتفاقنا ..”
قالها وهو يضحك بخفك لتغادر مكتبه بغيظ فيردد مبتسما :-
” مجنونة وشرسة وجميلة ايضا ..”
اكمل بشرود :-
” ولكن حقا أختها شيء اخير .. وكأنها جاءت من عصر الأميرات القدامى .. ليلى ..!!”
……………………………………………………..
كانت تجلس على سريرها تحتضن جسدها داخل ذراعيها ودموعها تغرق وجنتيها بصمت ..
منذ أن قرأت رسالته وهي لا تتوقف عن البكاء .. البكاء بسبب شعور الوجع الذي غزا قلبها والحسرة التي ملأت روحها ..
حسرة على حب قوي كهذا انتهى بسبب ظروف القدر والحسرة على سنوات من عمرها ضاعت هباء ..
سنوات قضت اولها تعيش اجمل قصة حب مع رجل وقضت آخرها تعاني لأجله ..!!
توقفت عن بكائها وهي تسمع صوت طرقات على باب غرفتها فسارعت تمسح دموعها وهي تنهض من مكانها حيث سمعت صوت الخادمة تنادي عليها ..
فتحت جزء صغير من الباب تهتف بتساؤل دون ان تري وجهها للخادمة :-
” ماذا هناك ..؟!”
ردت الخادمة :-
” زاهر بك في الأسفل جاء لتوديع فاتن هانم .. فاتن هانم طلبت مني تبليغك ..”
” حسنا سآتي بعد قليل …”
قالتها بجدية ثم اغلقت الباب في وجهها ..
اتجهت نحو السرير تجلس عليه مجددا تضع وجهها بين كفيها ..!
ظلت شاردة للحظات قبل ان تنهض من مكانها بتعب لتغيير ملابسها لكن قبلها غسلت وجهها جيدا كي تخفي آثار البكاء …
ارتدت ملابسها ثم رفعت شعرها عاليا واتجه ت حيث الطابق السفلي ..
دلفت الى صالة الجلوس لتجد زاهر مع والدتها حيث نهض لتحيتها بينما والدتها تهتف :-
” زاهر سيسافر الليلة بعد منتصف الليل وجاء لتوديعنا .. ”
ابتسمت بضعف وهي تقول بينما تمد كفها نحو كفه :-
” تصل بالسلامة ان شاءالله ..”
لاحظ ملامحها المتعبة فهم بسؤالها لكن قدوم مريم قاطعه فتقدمت نحوه بينما سألتها والدتها :-
” اين كنت يا مريم ..؟! على اساس إنك ستأتين عند والدك للمشفى ونعود سويا ..؟!”
ردت مريم بتعب :-
” إنشغلت مع غادة قليلا ..”
ثم سارعت تحتضن زاهر وهي تردد :-
” كيف حالك ..؟! اشتقت اليك ..”
ردد بجدية :-
” انا بخير .. واشتقت اليك اكثر ..”
اضاف وهو يبعدها عنه ويتسائل :-
” كيف حالك انت ..؟!”
ردت تبتسم بخفوت :-
” بخير الحمد لله ..”
قال بجدية :-
” جئت لتوديعكم .. سأسافر الليلة ..”
هتفت مريم بدهشة :-
” بهذه السرعة ..؟!”
رد بجدية :-
” يجب أن أذهب .. هناك الكثير من الأعمال تنتظرني هناك ..”
هزت رأسها بتفهم بينما اتجه زاهر نحو خالته يودعها وهو يقول :-
” اتمنى لعمي أحمد الشفاء العاجل وسعيد جدا بمغادرته المشفى بعد الغد ..”
ودعته فاتن وهي تخبره أن يأتي الى البلاد بإستمرار ..
هتف يشير الى ليلى :-
” هل توصليني الى الخارج ..؟!”
ردت بإبتسامة حزينة :-
” بالطبع تفضل ..”
سارت جانبه حيث خرجا من المنزل متجهان نحو الباب الخارجي فوقف أمامها يسألها :-
” هل حدث شيء ما معك ..؟! تبدين في وضع مزري ..”
” هل الأمر واضح علي لهذه الدرجة ..؟!”
سألته بألم خفي ليرد بجدية :-
” انظري الى وجهك وستعلمين … وجهك شاحب تماما وملامحك كئيبة وآثار البكاء ما زالت تظهر على وجهك ..”
هتفت بعد لحظات صمت قصيرة :-
” حدثت بعض الأشياء .. يعني ضايقتني …”
” ماذا حدث ..؟!”
سألها بإهتمام لتحتقن عيناها بالدموع وهي ترد :-
” ليس مهما .. يعني عادي .. اعتدت على الاحداث السلبية …”
سارعت تمسح دمعة خائنة تسللت من عينيها فهتف بقلق :-
” يبدو الأمر مقلقا للغاية وانت تتألمين بصمت ..”
نظرت الى وجهه بصمت للحظات قبل ان تنفجر في البكاء وهي تردد :-
” لم يحدث شيء يا زاهر .. لم يحدث شيء سوى ان خطيبي السابق وحبيبي لسنوات طويلة وابن خالتي قرر ان يودعني برسالة فتحت كل جروحي التي جاهدت لتضميدها …”
“رسالة ..؟! ماذا كتب لك ..؟!”
سألها بضيق قبل أن يضيف بحنق :-
” هل كتب شيئا ضايقك .. هل أزعجك بحديثه ..؟!”
قالت باكية:-
” لقد قتلني مجددا .. المشكلة إنه لم يكتب اي شيء يسيءلي .. على العكس تماما .. لقد أخبرني كم احبني … احبني بحق .. اخبرني انه نادم على تصرفه معي .. وإن تضحيتي لا تقدر بثمن .. ”
أضافت وهي تكتم شهقاتها من خلال يدها التي وضعتها على شفتيها :-
” يقول إنني غصة القلب ووجع الروح .. ”
هطلت دموعها بحرارة لتكمل من بين شهقاتها :-
” يخبرني أيضا عن أخرى لا يمكنه التخلي عنها .. اخرى ارتبطت حياته بها ولم يعد بإستطاعته البقاء بدونها .. اخرى ربما لن يحبها كما عشقني ولكنه يريدها ..”
همست تضحك بمرارة :
” هل ترى ..؟! انا حتى أحفظ الرسالة عن ظهر قلب …”
” ليلى ..”
قالها بخفوت لتهمس بضعف :-
” لا تقل شيئا .. منذ الصباح وانا لم أستطع تخطي تلك الرسالة .. كانت رسالة الوداع .. وداع اخير .. ورغم إنني نهيت كل شيء بقراري قبل قراره لكن رغما عني تألمت ..”
أضاف بصوت مبحوح :-
” هل تعلم أين المشكلة ..؟! إنني حقا لا أعرف سبب تألمي لهذا الحد .. انا بالفعل ادركت إننا انتهينا ولا أمل للعودة بيننا .. لم اثرت بي رسالته الى هذا الحد ..؟! ربما لإنني بالفعل لا أستطيع ان اغفر له .. لا يمكنني تجاوز ذنبه في حقي ام …”
صمتت قليلا ثم همست :-
” أم إنني في داخلي ما زلت اتمنى عودتنا رغم انكاري لهذا ظاهريا ..؟! انا لا اعلم السبب الفعلي ولكن اذا كانت رغبتي في عودتنا قائمة ولو كان الأمل الداخلي لم يمت تماما كما اعتقدت فحينها سأكون عدت الى نقطة الصفر … حيث اللاشيء ..”
” اهدئي يا ليلى .. انا يؤلمني حقا ان اراك هكذا …”
مسحت دموعها بقوة لكنها عادت تبكي مرغمة فلم يشعر بنفسه سوى وهو يجذبها نحو احضانه لتنهار باكية وهي تردد :
” اريد أن أنساه .. أريد حقا ذلك .. أريده خارج قلبي .. كيف أفعل ذلك ..؟! كيف أتخطاه ..،؟!”
بعد مدة من الزمن ابتعدت من بين احضانه وقد هدأت مشاعرها قليلا لتتأمله للحظات قبل أن تشكره بإمتنان ..
” لا شكر على واجب .. المهم ان تكوني بخير ومتى ما احتجتني انا هنا .. ”
ابتسمت تردد :-
” انت رائع حقا .. انا محظوظة بوجودك ..”
ابتسم بهدوء ثم قال بجدية :-
” كان بودي البقاء معك .. لكن علي المغادرة الآن …”
ظهر الألم في عينيها وهي تردد بصوت خافت :-
” بالطبع … تفضل …”
سارت معه نحو الباب الخارجي فوقف امامها يودعها متمتما :-
” اراك مجددا وانت بحال افضل ..”
هتفت بضعف :-
” ان شاءالله ..”
هم بالتحرك خارج المكان نحو سيارته عندما توقف على صوتها يناديه فإلتفت نحوها بتساؤل ليتفاجئ بنظراتها تحاوطه وهي تهتف بعينين دامعتين ونبرة مرتجفة :-
” هل يمكنك أن تبقى معي .. لا تسافر .. لا تتركني .. انا أحتاجك حقا ..”
……………………………………………………

نظرت إليه بصمت للحظات ..
صمت بدا فيه عقلها يحاول أن يستوعب ما يتفوه به ..
ماذا ترسم ..؟!
الوجه الذي هربت منه لشهور ..؟!
الوجه التي كلما تذكرته شعرت برغبة شديدة في الصراخ والبكاء بل كانت تتمنى لو تموت كلما تتذكره وتتذكر فعلته الشنيعة في حقها ..؟!
ألا يستوعب إنها لا تريد التذكر..؟!
ترفض مجرد التفكير بالأمر …؟!
ألا يفهم إنها إختارت أن تعيش في دوامتها الخاصة حيث الهروب من تلك الحادثة وذكرياتها وتجاهلها تماما ..؟!
ورغم كل محاولاتها ما زال الألم ينهش قلبها وروحها دون رحمة ..
ما زالت الكوابيس تلاحقها ..
ما زال كل شيء كما هو ولم يتغير ..!!
” انت لا يمكن ..”
همست بها بنبرة متلعثمة ثم توقفت ولم تستطع الإكمال ..
لسانها عاجز عن النطق بكلمة واحدة ..
” إرسمي ..”
قالها بإصرار وهو يشير الى الورقة أمامها لتهز رأسها نفيا وهي تهمس بنبرة مرتجفة :-
” لا يمكنني .. لا أستطيع …”
صاح بقوة أرعبتها :-
” قلت إرسمي ..”
تراجعت الى الخلف حيث إرتطم ظهرها بالسرير خلفها فإحتضنت جسدها داخل ذراعيها تردد بصوت مرتعب :-
” لا يمكنني .. لا أريد ..”
تقدم نحوها وجذبها من ذراعها يردد بقسوة ظهرت في ملامح وجهه ونبرة صوته :-
” يكفي .. لا أستطيع التحمل أكثر من هذا .. توقفي عن تصرفاتك الغبية هذه … سترسمين وجه ذلك الرجل .. سترسمينه حالا ..”
هزت رأسها نفيا بإستمرار بينما كفه ما زال يعتصر ذراعها ليضيف بحزم أكبر:-
” ماذا تظنين نفسك فاعلة ..؟! هل تظنين إنك بتصرفاتك هذه سوف تنالين شفقتي وعطفي ..؟! لا تحلمي بهذا .. خطيئتك ستعاقبين عليها بالشكل الذي تستحقينه ..!!”
أكمل وهو يقبض هذه المرة على ذراعيها الإثنين بكفيها يهتف والوجه بالوجه والعين بالعين :-
” ستعاقبين كما يجب … كما سأعاقب كل من نال من شرفك .. والآن إرسمي حالا وجه ذلك الحقير .. انت بالطبع تتذكرينه ..”
” لا أريد التذكر .. لا أريد ..”
قالتها بتوسل باكي ليصرخ بصرامة :-
” قلت سترسمين ..”
هتفت بتوسل :-
” ارجوك .. لا تفعل بي هذا ..”
اخذ يهزها بقوة وهو يردد بغضب ولا وعي :-
” ماذا أغفر ..؟! خسارتك لشرفك … ؟! فضيحتك هذه ..؟! إستسلامك لذلك الحقير دون أدنى مقاومة ..؟! مقابلتك رجل لا تعرفينه سوى من الانترنت ..؟! ماذا أغفر يا حلوة ..؟! أغفر غبائك أم إنعدام أخلاقك وتربيتك ..؟! سذاجتك ام جرئتك .. ؟! ”
كان يهزها بعنف مخيف ويتحدث بنبرة مخيفة اكثر ليصرخ أخيرا بنفاذ صبر وهو يدفعها الى الخلف بقوة شديدة فيرتطم ظهرها مجددا بالسرير خلفها ولكن هذه المرة بقوة شديدة جعلتها تشعر بألم شديد يقسم ظهرها الى نصفين :-
” توقفي عن بكائك اللعين يا هذه …”
أخفضت وجهها تبكي بدموع صامتة وظهرها يؤلمها بقوة بينما هو يقف أمامها ينظر لها بأنفاس لاهثة وملامح متشنجة كليا ..
اخذ يمسح على وجهه وهو يتمتم بشتائم لم تسمع معظمها قبلا فبقيت على وضعيتها تلك حيث وجهها منخفض نحو الأسفل ودموعها تغرق وجنتيها ..
قال اخيرا وهو يشير لها بكفه :-
” عاندي اكثر .. لكن تأكدي كلما عاندتني كلما ضاعفت من غضبي منك ومن عقابي لك ..”
انهى كلماته واندفع خارج الجناح لترفع وجهها أخيرا فتظهر عينيها الحمراوين تتأمل خروجه وصوت الباب العالي بعدما أغلقه خلفه بإنفعال ..!!
حاولت النهوض من مكانها فشعرت في ألم شديد في ظهرها ..
توقفت هن حركتها للحظات لكنها عادت ونهضت من مكانها بعدما تحاملت على نفسها وسارت متجهة نحو الحمام ..
دلفت الى الحمام ووقفت امام المغسلة تستند بكفيها فوق حافتها تتجاهل ألم ظهرها الذي بدأ يخف بالفعل ..
نظرت الى وجهها الأحمر من شدة البكاء وآثار الدموع الملتصقة على وجنتيها ..!!
شعرت بمرارة شديدة .. شعرت بالذل .. بالقهر والعذاب ..
الى متى ستعاني ..؟! الى متى ستتحمل كل هذا الذل والقهر ..؟! الى متى ستظل تعيش حياة بائسة كهذه ..؟!
الى متى ستظل تحترق بنار خطيئتها ..؟! ماضيها يلاحقها وخطيئتها تخنقها دون رحمة …
أغمضت عينيها بقوة وعادت بذاكرتها الى الخلف .. تحديدا منذ سنوات قليلا .. قبل وفاة والدتها .. حيث كانت تعيش في كنف والديها .. كانت مدللتهما الصغيرة .. كانت قطعة من روحهما كما يخبرانها ويشعرانها دوما .. لقد بدأ جحيمها برحيل والدتها ..
كل شيء تغير بعدها .. كانت طفلة ربما لكنها تتذكر تفاصيل كثيرة ..، تفاصيل لا تنسى .. رحيل والدتها كان البداية .. حيث من بعدها كل شيء تغير .. الظلام ملأ حياتها والبرودة سيطرت على محيطها .. والدها لم يعد كما عرفته .. تغير كثيرا .. حتى اهتمامه بها كان بدافع الواجب ليس إلا .. لا تفهم حتى الآن ما ذنبها ..؟!
هي ايضا فقدت والدتها …!! هي ايضا تدمرت حياتها وخسرت اقرب شخص لروحها واكثر من تحتاج وجوده جانبها ..
منذ ذلك اليوم وتلك الطفلة الصغيرة تعاني ..
تتعايش مع الوضع وتبتسم وتمرح لكن داخلها ألم خفي .. ألم مصحوب بحسرة لا نهاية لها ..
أب لم يعد يهتم كالسابق وأخ لا تراه سوى مرات نادرة فهو لا يطيق والدها ولا يتفق معه ووالدها كذلك ..!!
عاشت حياة مشتتة لا يوجد بها احد سوى مربيتها …
حتى صديقاتها كانوا قليلات جدا فهي لم تكن اجتماعية ابدل بل كانت شديدة الخجل والنعومة .. هادئة للغاية ..
ورغم ذلك اعتادت .. اعتادت على هذه الحياة الرتيبة .. أخفت آلمها لسنوات .. تجاهلت حاجتها الشديدة لوالدتها الراحلة …
سارت حياتها هكذا بشكل رتيب بارد حتى اتى اليوى الذي فقدت فيه والدها ..
وهنا أدركت كم كان وجوده فارقا في حياتها …
كم كانت تعيش في نعيم لا تدرك مقداره ..
فوالدها رغم كل شيء كان سندها …
كان حاميها ..!!
وبخسارته فقدت مصدر الأمان والحماية لها ..!!
حتى عمار الذي ظنت إنه سيعوضها عن والدها لم يفعل ذلك بل على العكس تجاهلها كشيء غير مرغوب به …
تركها في شقة وحيدة مع مربيتها دون أن يسأل عنها حتى مكتفيا بتلك الأموال التي يغرقها بها ..
قتلتها الوحدة والإهمال …
قتلتها قسوته معها ..
والنتيجة كانت ضياعها ..
خسارتها لشرفها ..
دمار حياتها ..
وليت الأمر انتهى هنا وليت عمار توقف عند هنا ..
عمار لم يكتف بما جرى لها بسبب اهماله …
عمار ألقى بها هنا مع رجل لا إحساس عنده ..
مع رجل قاسي ومجنون ..!!
هاهي مجددا تدفع ثمن أنانية أخيها …
ثمن رغبته في التخلي عن مسؤوليته …
هي بإختصار شخص غير مرغوب به ..
لا أحد يحبها حقا ..
والدتها لو كانت أحبتها ما كانت لتتركها ووالدها ما كان ليهملها لسنوات ثم يرحل فجأة وعمار ما كان ليرميها هنا مع رجل كمهند ..
فتحت عينيها اخيرا وشفتيها ترتجفان تماما حتى أطلقت صرخة قوية من حنجرتها يتبعها بكاء شديد يمزق القلب …!!
ظلت تبكي على حالها وهي تستند بكفيها على طرف المغسلة ..
تبكي كل شيء …
تبكي وتبكي دون توقف …
حتى وقعت عينيها على ذلك الموس .. موس حلاقته …
تذكرت في تلك اللحظة ذلك المسلسل الذي شاهدته ..
بطلته التي كانت تعاني بدورها والتي قررت الانتحار بقطع شرايينها وبالفعل ماتت .. رحلت بعيدا عن كل من تسبب بإيذائها …
جذبت الموس بأنامل مرتجفة ثم فتحت الغطاء الشفاف المحيط به ..
تأملت شفرته الحادة بعينين تائهتين ..
هل تفعلها ..؟! هل تقتل نفسها ..؟! هل تخسر حياتها ..؟!
ضحكت بمرارة وهي تفكر إنها لا تمتلك حياة من الأساس لتخسرها …!!
أغمضت عينيها وأخذت نفسا عميقا قبل أن تفتحها مجددا وهي تنظر الى الشفرة الحادة فتهمس بينها وبين نفسها :-
” لطالما كنتِ جبانة ومتخاذلة ..!!”
أضاف بنفس الهمس :-
” كوني شجاعة لمرة واحدة في حياتك وإفعليها …”
توقفت عن حديثها لتبدأ بتقريب الموس من رسغها ..
وفي هذه الاثناء كان مهند قد عاد الى الجناح ليأخذ سترته فوجد الجناح خاليا …
بحث عنها بعينيه فلم يجد فقرر تجاهل الامر عندما دلف الى الحمام لقضاء حاجته فإنصدم بها هنا وإنصدم اكثر بما تنوي فعله ..
“ماذا تفعلين ..؟!”
صرخ بها بعدم استيعاب لترفع وجهها نحوه فتظهر ملامحها المرتجفة بشدة ..
” ماذا تفعلين يا جيلان ..؟!”
كررها بقوة اكبر وهو يهم بالتقدم نحوها فوجدتها تهتف بسرعة:-
” لا تقترب …”
” جيلان ارمي الموس فورا .. ”
هزت رأسها نفيا برفض والدموع عادت تغزو عينيها فهمس بترجي :-
” ارميها من فضلك .. هذه ليست لعبة .. لا تتصرفي بغباء ..”
” لا أريد .. و على العكس تماما .. إنها المرة الاولى التي أتصرف بها بشكل صحيح ..”
” ماذا تقولين انت ..؟!”
قالها بحذر وهو يحاول الإقتراب منها لكنها صرخت :-
” لا تقترب .. ”
رفعت الموس بكفها نحو الاعلى تهتف ببكاء :-
” اذا حاولت الإقتراب مني ..”
صمتت ولم تستطع الإستمرار بينما وقف هو مكانه بخوف من أن تفعل بنفسها شيئا اذا ما إقترب منها وهي بهذه الحالة من التطرف والجنون ..
” جيلان ..”
همس بها بصوت خافت لكنها تجاهلته وهي تخفض الموس حيث يدها مجددا ..
” توقفي ..”
صرخ بها بصوت جهوري بينما تضع هي موس الحلاقة على رسغها تهمس ببكاء :-
” لا اريد .. ”
” توقفي يا جيلان .. ارجوك توقفي .. انت لا تدركين حجم ما تفعلينه ..”
قالها مهند برجاء لتهمس بوجع :-
” انا اريد الموت .. انتظرته طويلا ولم يأتِ .. لذا سأذهب أنا اليه …”
اكملت وهي تحرك شفرة الموس حادة فوق رسغها بقوة بعدما أغمضت عينيها :-
” وأخيرا سأذهب الى بابا وماما ..”
بينما دوى صراخ مهند مخترقا جدران الجناح :-
” لاااااااا…..”
سقط الموس من يدها اخيرا بعدما قطعت شرايينها بينما تقدم مهند نحوها يصيح وهو يلتقط جسدها :-
” ماذا فعلت ايتها الغبية ..؟! ماذا فعلت ..؟!”
سقطت بين ذراعيه وهي ترتجف خوفا بينما اخذ هو يصيح بأعلى صوته للحظات قبل أن يحملها بين ذراعيه ويهبط بها درجات السلم وهي ما زالت مستيقظة بين أحضانه ..
هبط بها درجات السلم ليجد راغب وراجي في وجهه فيصرخ الأخير بعدم استيعاب :-
” ماذا حدث ..؟!”
هتف مهند بسرعة :-
” ستموت يا راجي .. قطعت شرايينها ..”
” ماذا تقول انت ..؟!”
صاح راغب بعدم تصديق بينما تقدم راجي بسرعة يهتف به :-
” لنذهب الى المشفى حالا وانا سأحاول إسعافها اثناء الطريق ..”
ركض الأخوين خارجا متجاهلين بقية افراد العائلة الذين جائوا على اصواتهم فسألت زهرة بصوت مرتجف :-
” ماذا حدث ..؟! ما بها جيلان ..؟!”
رد راغب بعينين مشتعلتين وغضب مخيف :-
” والله سأقتله .. سأقتل ابنك الحقير هذه المرك دون تردد ..”
ثم اندفع خارجا يلحق بهما بينما شعرت زهرة بالدوار فسارعت همسة تسندها وهي ما زالت تشعر بالدهشة مما يحدث والخوف الشديد على جيلان ..!!
……………………………………………………………..
اغلق هاتفه معها وهو يبتسم بإنتصار ..
انتصار ناله بشكل أسرع مما يتخيل ..
انتصار جديد يضاف الى سجل انتصاراته التي لا تنتهي ..
شيرين ليست انتصارا عاديا فهو كان يسعى إليها منذ مدة … وهاهو ينال حقه بها مجددا الذي صاع سابقا دون حق ..
ابتسم مرددا بينه وبين نفسه :-
” وأخيرا يا شيرين .. وأخيرا ستكونين لي وملكي ..”
اضافت فخورا بنفسه :-
” احسنت يا عمار .. لقد نجحت مجددا .. لقد ربحت الرهان كالعادة ..”
أضاف وهو يجلس على الكنبة بإسترخاء يرتشف من مشروبه :-
” لو كنت أعلم إن كلامي ذلك وتصرفاتي ستغير رأيها بهذه السهولة لكنت قمت بتلك التمثيلية منذ زمن ..!!”
ضحك بإستمتاع وهو يرتشف من مشروبه مجددا …
بعد مدة قصيرة سمع صوت الجرس يرن فنهض وفتح الباب ليجد تقى امامه فردد :-
” اهلا ..”
دلفت الى الداخل بكامل أناقتها وهي تحمل ظرفا عريضا في يدها ….
سارت نحو صالة الجلوس يتبعها هو عندما توقفت في منتصف الصالة تخبره بإبتسامة سعيدة :-
” يمكنك أن تبارك لي .. ”
وضعت الظرف على الطاولة تهتف فرحة :-
” أصبحت حامل بحق …”
ابتسم بشكل مريب لم تنتبه له وهو يردد :-
” رائع … ”
اضاف بخبث خفي :-
” سيكون خبر حملك كالصاعقة فوق رأس افراد عائلة الهاشمي ..”
همست بجدية :-
” لا يمكنني تخيل ردة فعلهم خاصة راغب .. في الحقيقة داخلي خوف شديد رغم فرحتي من قرب تحقيق هدفي ..”
تقدم نحوها بسرعة يردد :-
” كلا يا تقى ..إياك ان تخافي .. القادم يحتاج الى شجاعة كبيرة منك .. انت لم تنتهِ سوى من اول خطوة وأمامك خطوات عديدة قادمة ..”
هتفت بجدية :-
” المهم، متى سنخبر مهند بالحمل …؟!”
رد بنفس الجدية :-
” بعد ثلاثة اسابيع …”
” هل يمكن أن يشك ..؟!”
سألته بقلق ليبتسم بخفة :-
” ألم يقضي معك بعض الليالي في الأيام السابقة ..؟!” اومأت برأسها ليردد بخفة :-
” جيد ، اين المشكلة اذا ..؟! ام إنه كان يأخذ إحتياطاته ..؟!”
ردت بسرعة :-
” كلا ولكنه يخبرني دائما أن أخذ احتياطاتي ..”
صمتت ولم تكمد ليبتسم ضاحكا :-
” يبدو إنه بالفعل كان ينوي التخلص من وجودك في حياته عاجلا ام اجلا ..”
كسى الغضب ملامحها وهي تهتف :-
” مهند يحبني لكن وضعنا الحالي لا يناسبه وجود اطفاد ابدا ..”
اكملت مغيرة الموضوع :-
” على العموم انا سأخبره ان الحمل حدث في تلك الليلة ..”
رد بسرعة :-
” لا تكوني غبية .. لا تحددي اي ليلة …”
” كيف يعني ..؟!”
سألته بعدم فهم ليرد ببساطة :-
” أخبريه ان الحمل حدث …”
” ربما يشك بالأمر ..”
قالتها بقلق ليرد ببرود :-
” حينها أخبريه إنك تعمدت فعل ذلك خوفا من فقدانه ..”
” هل تمزح ..؟! سأخبره بكل صراحة إنني تعمدت الحمل منه ..؟!!”
قالتها بإستنكار ليردد بتهكم :-
” هو سيفهم ذلك دون أن تخبريه ..”
” يا إلهي .. أشعر إنني تورطت …”
رد بجدية :-
” لا تقولي هذا .. هذه الطريقة الوحيدة لإعتراف عائلة الهاشمي بك كزوجة … أم إنك تريدين أن تبقي زوجته سرا وبعقد عرفي لا يعترف به إثنان من الشارع ..”
صمتت ولم ترد ليهتف بجدية :-
” هذا الحل الوحيد أمامك كي تضمني إمتلاك مهند للأبد ولا تنسي إنني معك وجانبك …”
” لا تنسى إنني يجب أن أتخلص من هذا الطفل بعد مدة قصيرة …”
” اتركي هذا الأمر لي ..،”
سألته بعدم فهم :-
” ماذا تعني ..؟! هل تخطط لشيء ما ..؟!”
رد بنظرة ماكرة :-
” عزيزتي ، علينا ان نستفيد من كل خطوة نخطيها .. وامر إجهاضك سوف نستفيد منه كثيرا ..”
” كيف ..؟!”
سألته بحيرة ليرد مبتسما بخفة :-
” سنجعل مهند يظن إن الأمر مدبر .. يعني إجهاضك كان بسبب أحدهم ..”
” ومن هذا الشخص الذي سأتهمه بشيء كهذا ..؟!”
سألته بحذر ليرد بجدية :-
” نحن لن نتهم .. سنحن سنرتب الأمر بطريقة تثبت تورط ذلك الشخص … ”
” هل تقصد نفس الشخص الذي أفكر فيه ..؟!”
سألته بتردد ليرد بإبتسامة خافتة :-
” ومن غيره ..؟! اكثر شخص تكرهينه .. عدونا المشترك .. راغب الهاشمي ..”
قالت بسرعة :-
” انا لا يمكنني العبث مع راغب الهاشمي تحديدا .. إنه رجل ليس هينا ابدا ..”
رد بثقة :-
” بجانبك عمار الخولي يا هذه .. بوجودي يمكنك العبث مع الشيطان نفسه ..”
زمت شفتيها بعدم رضا ليهتف ببرود :-
” يمكنم الرحيل الآن .. لقد تحدثنا بما فيه الكفاية ..”
” نعم تحدثنا ولكننا نسينا اهم شيء .. متى سأخبر مهند بأمر الحمل …؟!”
سألته بإهتمام ليرد :-
” ليس الآن .. انتظري بضعة ايام .. سأحدد اليوم والطريقة المناسبة لتفجير هذه القنبلة ….”
هتفت بإمتعاض :-
” اتمنى ألا تتسبب بدمار حياتي عكس ما تدعي ..”
ضحك مرددا بإستخفاف :-
” على أساس إن حياتك ليست مدمرة بالفعل …”
منحته نظرات حانقة قبل ان تحمل حقيبتها وتتجه خارج الشقة ليغمغم ببرود :-
” جميلة ومتفجرة الأنوثة لكن دمها ثقيل .. مملة حقا ..”
…………………………………………………………..
كان يستند على الحائط يعقد ذراعيه أمام صدره ويهز قدمه بتوتر شديد …
امامه يقف أخيه يتأمله بنظرات مليئة بالتوعد رغم قلقه على ابنة عمه وعلى الجانب تجلس همسة بجانب زهرة التي أخذت تدعي دون توقف للفتاة المسكينة ..
مر الوقت بطيء للغاية عليهم والخوف ينهشهم عندما خرج الطبيب من غرفة العمليات يتبعه راجي الذي حظر العملية كونه طبيب ايضا ..
ركض الجميع نحوه يسألونه عن وضعها بينما تقدم مهند خطوتين فقط وتوقف يستمع الى جوابه :-
” الحمد لله .. استطعنا إنقاذها .. من الجيد إنكم أتيتم بها فورا الى هنا .. ستصبح بخير ان شاءالله لكن الليلة ستبقى تحت الملاحظة وغدا يتم نقلها الى غرفة عادية ..”
شكره الجميع وشعروا بالراحة قليلا عندما أشار راجي الى راغب وهو يربت على كتف والدته :-
” ألن نخبر أخيها ..؟!”
تبادل راغب النظرات مع مهند الذي التزم الصمت بينما هتفت زهرة بسرعة :-
” بالطبع سنخبره .. لا يمكن أن نخفي شيئا كهذا .. هو أخوها ويجب أن يعلم بما حدث ..”
تمتم راغب بغضب مكتوم :-
” يجب أن نتحمل تصرفاته الهوجاء الآن …”
هتف راجي بجدية :-
” سأتصل به انا وأتحدث معه .. أعطني رقمه …”
منحه راغب هاتفه بعدما فتح رقمه السري ثم اشار الى مهند وهو يتجه خارج المكان :-
” اتبعني …”
نظرت زهرة الى ابنها بمرارة فأشاح بوجهه بضيق وهو يتبع أخيه ..
بينما همست زهرة لراجي :-
” اتصل بأخيها ثم إذهب خلف أخويك .. أخشى أن يتشاجرا …”
خرجا الى الحديقة ليقف راغب مواجها لأخيه الذي أخذ يقابل نظراته الباردة بصمت قبل ان يتفاجئ بلكمة شديدة من أخيه ..
تماسك مهند وتحامل على جسده كي لا يسقط ارضا ثم اخذ يمسح الدماء التي خرجت من جانب فمه بأنامله عندما صاح راغب وهو يقبض على ياقة قميصة :-
” فتاة صغيرة مراهقة لم تستطع الحفاظ عليها .. جعلتها تنتحر أيها الغبي ..؟!”
اكمل وهو يلكمه مجددا :-
” مالذي فعلته بها كي تنتحر ..؟! كم أذيتها ..؟! أخبرني ..”
عاد مهند يمسح فمه مجددا وهو ينظر إليه بقوة دون رد ليتقدم راغب نحوه يهتف بنبرة بدت كالجحيم :-
” حذرتك مرارا .. وثقت بك .. أخبرتك أن تعتني بها .. ألا تؤذيها .. منحتك ثقتي يا هذا .. أوصيتك كثيرا وحذرتك كثيرا وانت ماذا فعلت .. ماذا فعلت أيها الحقير .. ؟! ”
صرخ مهند اخيرا :-
” لإنني حقير .. ألست انا كذلك .. ؟! انت بنفسك قلتها .. لماذا تفاجئت إذا ..؟!”
اخذ يلهث بقوة قبل ان يضيف بتحدي :-
” نعم انا نذل و حقير .. دمرت الفتاة وجعلتها تنتحر بسبب جبروتي وحقارتي معها .. ماذا ستفعل لي ..؟! هل ستطلقها مني ..؟! هيا طلقها .. هل تظن إنني سأتوسلك كي لا تفعل ..؟! هل تظن إنني سأرجوك أن تبقى على ذمتي …؟!”
اضاف ضاحكا بسخرية :-
” لكنك لن تفعل .. لن تطلب مني ذلك .. لإنه بإختصار لا يوجد امامك سواي .. انا فقط الشخص المناسب .. مع إنني واقعيا لست مناسب اطلاقا .. انت تعرفني وتعرف طباعي ومع هذا اخترتني زوجا لها .. اخترتني دون أن تفكر بالفتاة .. تحسابني على ماذا وانت كل ما فكرت به كيف تستغل وضع الفتاة لأجل الحصول على الشركة من جهة والسيطرة علي من جهة ثانية ..؟!”
انهى كلماته ليجدا راجي يتقدم نحويهما وهو يتسائل بقلق :-
” ماذا حدث ..؟!”
تأمل وجه مهند بكدماته الواضحة للعيان بينما راغب يقف يرمي مهند بنظرات حارقة ..
” لماذا ضربته يا راغب ..؟!”
سأله راجي بتأنيب ثم إستدار نحو مهند يسأله :-
” ماذا حدث بينكما ..؟!”
وعندما لم يجد ردا صاح بنفاذ صبر :-
” لماذا لا تتحدثان ..؟!”
رد مهند ببرود :-
” ضربني لإنني شخص حقير ونذل .. لإنني كتلة من القذارة .. أليس كذلك يا راغب ..؟!”
سأل اخيرا وهو يرمقه بنظراته المتهكمة فيمنحه راغب نظرات حارقة فيهتف مهند مضيفا بتحدي :-
” اذا كنت رجلا فأجب على حديثي الأخير قبل وصول راجي ..”
انهى كلماته وهم بالتحرك ليتفاجئ براغب ينقض عليه يضربه مرددا :-
” انا رجلا غضبا عنك .. انت آخر من يتحدث عن الرجولة … أيها الحقير .. ”
اندفع راجي نحو راغب يبعده عن مهند مرددا :-
” ماذا جرى لكما ..؟! توقفا حالا .. لستما صغيرين لتتصرفا هكذا كما إن هناك فتاة في الداخل وضعها حرج على ما أظن …”
” سأحاسبك على كل ما تفوهت به .. لكن لأطمئن على الفتاة المسكينة اولا ..”
قالها راغب بتوعد وراجي يقبض على ذراعه ليعدل مهند ياقة قميصه وهو يردد بإستفزاز :-
” سأنتظرك حينها لكن الآن اسمح لي بالعودة الى الداخل فيجب أن أبقى بجانب زوجتي ..”
ثم تحرك ببرود عائدا الى الداخل تاركا راغب يكاد ينفجر من شدة الغضب وراجي يحاول تهدئته ..
دلف مهند الى الداخل متجها حيث توجد جيلان ليجد والدته وهمسة هناك فتنتفض زهرة من مكانها ما إن رأته وهي تصيح برعب :-
” ماذا حدث ..؟! من الذي فعل بك هذا ..؟!”
” ابنك المحترم ..”
قالها بإقتضاب وهو يتجه نحو احد الكراسي ويجلس عليه بتعب بينما نظرت زهرة الى همسة بقلق لتهتف همسة بجدية :-
” اهدئي قليلا يا خالتي .. كل شيء سيصبح بخير ..”
رددت زهرة بألم :-
” كيف سيكون كل شيء بخير ..؟! جيلان وما حدث معها والآن ولداي يتشاجران … يا إلهي ماذا سيحدث بعد ..؟!”
انتبها الى راغب وراجي اللذين تقدما لتتسائل زهرة بغضب :-
” مالذي حدث ..؟! كيف تتشاجران ..؟!”
تجاهل راغب سؤالها بينما أشار راجي له :-
” خذ ماما وهمسة وغادروا يا راغب .. انا سأبقى هنا مع مهند ..”
هتف راغب بجدية :-
” كيف أغادر وعمار الخولي سيأتي بعد قليل ..؟! لا يمكنني ترككما لوحديكما معه ..”
” لماذا ..؟! هل نحن صغيران ..؟!”
سأله مهند بتهكم ليلتفت له مرددا بتحذير :-
” اخرس ولا تتحدث بحرف واحد ..”
نهض مهند من مكانه مرددا بتحدي :-
” لن أخرس وانت خذ زوجتك وماما وغادروا هيا .. عمار الخولي أعرف التصرف معه .. لا تقلق أبدا …”
وقف راجي بينهما يهتف بصرامة :-
” يكفي حقا .. نحن في مشفى ولا مكان للشجار فيها .. ”
ثم رمق الاثنان بنظرات قوية محذرة ليعاود مهند الجلوس مكانه بتأفف ..
لحظات قليلة ووجدوا عمار الخولي يصل إليهم بملامح تنذر بالشر …
اندفع نحو مهند يمسكه من ياقة قميصه يلكمه عدة مرات وهو يدفعه نحو الحائط بينما راجي وراغب يحاولات ابعاده وزهرة تصرخ بهلع …
بالكاد جذبه راغب وراجي من الخلف بعيدا عن أخيهما فأخذ عمار يصرخ بأعلى صوته :-
” سأقتلك .. قسما بربي سأقتلك .. كيف تفعل بهذا ..؟! ”
أضاف وهو يرفع كفه في وجهه مرددا بغضب حارق :-
” سأقتلك بيدي هاتين .. ستدفع ثمن ما حدث لأختي …”
” اهدأ من فضلك يا عمار …”
التفت عمار نحو راغب يصرخ به :-
” هل هذا ما اتفقنا عليه ..؟! هل هذا وعدك لي ..؟! اختي ستموت بسببكم وسبب أخيك … ”
” جيلان بخير .. وغدا ستخرج الى غرفة عادية وتستيقظ ايضا ..”
قالها راجي محاولا تهدئته ليندفع عمار يصيح :-
” اين الطبيب .. اريد رؤيته ..”
قال راجي بجدية :-
” انا طبيب وأخبرك وضعها …”
رد عمار ببرود :-
” اريد طبيبا بحق … لا أريد طبيبا من عائلة الهاشمي …”
ثم هم بالتحرك متجها يسأل عن الطبيب لكنه عاد ينظر الى مهند قبل أن يشير إليه بتوعد :-
” سأعود مجددا .. انتظرني ….”
…………………………………………………………….
خرج من غرفته ليجدها تجلس على الكنبة تدري بتركيز شديد …
مر جانبها وهو يهم بالمغادرة ليتوقف على ندائها فيلتفت نحوها بتساؤل ..
نهضت من مكانها وتقدمت نحوه تتسائل :-
” هل ستخرج الليلة ايضا ..؟!”
رد بصوت عادي :
” نعم ، هل هناك مشكلة ..؟!”
سألته بإهتمام :-
” هل ما زلت تسعل ..، ؟!”
رد بلا مبالاة :-
” كلا ، انا بخير ..”
قالت بجديةُ:-
” نديم انا لا احب هذا ..”
” مالذي لا تحبينه ..؟!”
سألها بعدم فهم لترد بجدية :-
” يعني نحن قررنا الإنفصال ولكن تصرفاتك لا أحبها .. ألا يمكننا أن نتعامل بلطف اكبر …”
” حقا ..؟! ونكون صديقين مقربين بعد الطلاق ..؟!”
بدت نبرته ساخرة فقالت بجدية:-
” ولم لا ..؟!”
ردد بقوة :-
” وتعطيني النصائح والدعم الذي احتاجه حينها ..”
” يسعدني ذلك ..”
قالتها ببساطة مغيظة ليرد بحنق :-
” هل انت مجنونة يا حياة ..؟! انا لا أفهمك حقا .. لا مانع ان نكون صديقين ولا مانع من تبادل النصائح والدعم لكن كل هذا سيكون له مليون مانع عندما نكون زوجين ..”
” هل تلومني لإنني أحاول حماية قلبي …؟!”
سألته بيأس ليرد بقوة :-
” جيد .. وانا أيضا أحاول حماية روحي التي تتشبث بك بقوة لذا إسمحي لي بذلك فأنا لم يعد بمقدروي تحمل المزيد من الخسارات ..”
” ما زال امامك فرصة ..”
“كانت هناك فرصة بالفعل .. معك وبوجودك .. لكن كالعادة .. ضاعت فجأة ..”
بدا مخذولا منها فهمست بتوسل :-
” نديم لا تفعل ..”
قاطعها بقوة :-
” انت لا تفعلي .. سأجهز اوراق الطلاق خلال ايام فكوني مستعدة …”
ثم خرج بعدها متجها الى احد البارات حيث تناول القليل من المشروب ..
بعد عدة ساعات شعر بالتعب فنهض متجها الى الحمامات حيث غسل وجهه عدة مرات محاولا استعادة وعيه …!
خرج بعد مدة بملامح واجمة ليجدها في وجهه فيهتف بعدم تصديق :-
” ماذا تفعلين انت ..؟!”
ردت ضاحكة وهي تدحن سيجارتها :-
” اشتقت لك ..”
” هل وجودك هنا صدفة ..؟!”
سألها بجدية لترد بصراحة :-
” جئت خصيصا لأجلك .. بعدما راقبتك البارحة وعرفت مكان إقامتك ..”
رمقها بحنق واتجه عائدا نحو البار لتلحق به وتجلس جانبه تطلب من النادل احد المشروبات الكحولية القوية ..
بدأت تتناول المشروب وتثرثر معه دون ان يوليها انتباها ..
هم بالنهوض فقبضت على ذراعه تهمس :-
” ماذا حدث ..؟! لا تنهض من فضلك .. ”
ابعد ذراعها عنه مرددا بحنق :-
” ابتعدي عني ..”
ثم نهض من مكانه لتلحق به بسرعة بعدما وضعت الحساب وهي تنادي عليه :-
” يا هذا .. انتظر …”
توقف في مكانه يزفر انفاسه بقوة قبل ان يستدير نحوها مرددا :-
” اسمعيني جيدا .. ابتعدي طريقك وإلا سأبلغ عنك الشرطة .. هل فهمت ..؟!”
سألته بإبتسامة واسعة :-
” ما اسمك ..؟!”
تأملها بعدم استيعاب قبل ان يضرب كف بكف وهو يردد :-
” انت بالفعل مجنونة ..”
سار نحو الشارع الأمامي ليستأجر سيارة عندما وقفت بجانبه تردد :-
” يمكنني أيصالك بسيارتي …”
” الا تفهمين …؟! اخبرتك إنني لا أريد ..”
صاح بها بعصبية لترد بإستفزاز :-
” كلا لا افهم .. تدلل كما تريد .. لكنك ستخضع في النهاية ….”
“أخبرتك إنني لست كالرجال الذين تعرفينهم ..؟!”
قالها وهو يهم بالعبور نحو الجانب الاخر لتلحقه وتجذبه توقفه بالقرب من الرصيف تتسائل :-
” حقا ..؟! ألم تؤثر بك قبلتي الاولى ..؟! هل تحاول اقناعي بذلك ..؟!”
” لم أتأثر ابدا ..”
قالها بتحدي لتهتف بتحدي مماثل :-
” لنجرب الثانية اذا ..”
ثم سارعت تجذب شفتيه تقابله فلم يجد نفسه سوى يدفعها بعيدا عنه بكل قوة ممكنة وقد استفزته بشدة فعلتها .. دفعها نحو الشارع بنفس الوقت التي كانت هناك سيارة قادمة اتجاهها بسرعة فدوى صوت اصطدام جعله يصرخ لا اراديا …

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!