رواية حان الوصال الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم أمل نصر
رواية حان الوصال الجزء الخامس والعشرون
رواية حان الوصال البارت الخامس والعشرون
رواية حان الوصال الحلقة الخامسة والعشرون
لم أكن أبدًا مخيرًا
ولم أملك الارادة للتغير
أجبرتني قوة ما على فعل ما لا أطيق، وما لا أريد
كم حاولت التنصل والهروب ولم أتمكن
ربما كان خوف، وربما كان سوء تقدير، وربما كانت مراعاة لشيء عزيز!
ولكن في النهاية كنت انا الخاسر الأكبر
تلك الخسارة التي استمرت معي حتى حينما وجدتها،
اخترت الفوز بها في الظلام، ليتضح لي ان معارك الابطال لا تصلح إلا في ضوء النهار.
#رياض_الحكيم
#بنت_الجنوب
❈-❈-❈
داخل غرفته، استيقظ من نومه العميق مجفلًا على صوت المرأة التي نادرًا ما تدخل اليه، رغم طول عشرتها لأهل المنزل، تلهث في ندائها عليه بما يظهر الامر الجلل:
– رياض يا بني، قوم الله يرضى عنك، قومي يا حبيبي شوفي المصيبة اللي شكلها هتحط على دماغنا لو ملحقتاش، استر يارب .
اعتدل بجذعه لوح بكفه امامها متسائلًا بصوت متحشرج، وملامح اصابها الجزع:
– في ايه؟ ايه اللي حصل؟
ردت نبوية تستند على قائم السرير واضعة يدها على موضع قلبها تجيبه بصوت متقطع:
– نجوان هانم يا بني، لا موجودة في اوضتها ولا في أي حتة، دولابها مفتوح، وشكلها لبست هدوم الخروج، وخرجت مع نفسها.
تمتم بانفعال ينهض منتفضًا
– مع نفسها ازاي يعني؟ انتي بتقولي ايه؟
لم تعد تتحمل المرأة التي ظهر عليها الاعياء لتسقط جالسة على الفراش :
– والله ما اعرف، انا تعبانة اصلا من امبارح ، والهانم والدتك محدش بيعرف اللي في دماغها ، حتى بعد ما خفت، انا رجلي مش شايلاني والله، ومش حمل ادور تاتي عليها، روح انت يا بني، واسأل الحراس يمكن حد فيهم لمحها، انا لفيت البيت كله مع الخدم حتى البدروم، مسبناش حتة.
أظلمت ملامحه بغضب مخيف، كم ود ان يصب غضبه بها بتهمة الاهمال، ولكن هيئتها هي ما اجبرته للتغاضي، اشفاقا عليها، ليتناول هاتفه متجهًا نحو الخارج متمتمًا:
– هروح ادور انا كمان وانتي كلمي عم علي يروحك ، ترتاحي، أكيد هنلاقيها، هتكون راحت فين يعني؟
❈-❈-❈
والى بهجة التي كانت تنظف مع اخوتها المحل الجديد في مواصلة للتنظيم وفعل الأفضل، في هذا الوقت المبكر من الصباح، استغلالًا للعطلة الاسبوعية لها من العمل .
وفي ظل انهماكها في العمل اتاها اتصاله، حتى انها تحركت تبتعد عن اشقائها، حتة اجفلها بسؤاله، ليخرج صوتها بهلع:
– لأ مجاتش عندي والله……. يا نهار ابيض، يعني كمان مش موجودة عندكم في الفيلا؟! مال هتكون راحت فين بس؟……. طيب ، طيب انا جاية حالا عشان اطمن عليها بنفسي .
انهت معه المكالمة لتتحرك نحو حجابها ترتديه على الفور، ف التف اشقائها حولها بالأسئلة الفضولية:
– مين يا بهجة اللي ضاعت؟ وانتي رايحة فين دلوقتى؟
اجابتها بملامح ارتسم عليها الزعر:
– نجوان هانم، بيقولوا مش عارفينها راحت فين؟ انا رايحة اطمن عليها بنفسي، مش هقدر اقعد واستنى .
وما همت بأن تتحرك ، حتى تشبثت بها عائشة:
– انا كمان هروح معاكي، لازم اطمن على نوجة بنفسي.
اعترضت بهجة رغم الشفقة التي اصابت قلبها حينما رأت حزنها شقيقتها ورعبها :
– مينفعش يا عائشة، حد فيكم يفهمها الله يخليكم
توجهت بالاخيرة نحو شقيقيها الاخران، فتحركت على الفور الصغيرة التي سالت عيناها بالدموع:
– روحي يا بهجة واحنا هنبقى نتابع معاكي اول باول.
سمعت منها لتتحرك نحو الذهاب، وفور ان امسكت بمنقبض الباب حتى التفت اليها تطمئنها:
– خير ان شاء الله، طمني قلبك يا عائشة، نجوان دلوقتي غير بتاعة زمان، اكيد خرجت وهي محددة وجهتها كويس اوي، بس انتي قولي يارب
– يارب
تمتم الثلاثة وعائشة خرجت منها بالدموع.
اما عن بهجة والتي اتخذت طريقها على الفور نحو منزله، لتصل بعد اقل من ربع الساعة، لتتفاجأ به، على وشك ان يستقل سيارته، وفور ان ابصرها بعيناه توقف ينتظرها حتى أتت اليه، تسأله بلهفة:
– عرفتو مكانها؟
زفر يرد بصوت مختنق:
– اركبي يا بهجة، انا رايح اجيبها
– ليه؟ هي راحت فين طيب؟
عبس بصجر ليدلف الى السيارة يأمرها:
– بقولك اركبي يا بهجة ولا عايزة تستني هنا براحتك .
قالها وهم بإشعال محرك السيارة، لتنضم هي على الفور بجواره، فينطلق سريعًا للخروج من المنزل والذهاب الى وجهته، ثم قال
– الحراس الاغبية، شافوها بتخرج بالعربية ومحدش فيهم قدر يمنعها، لولا انا عملت اتصالاتي بإدارة المرور مكنتش ابدا هعرف هي راحت فين؟
– فين يعني؟ طمني الله يخليك
سألته للمرة الثانية، بعد وقت من الصمت التزمت به بصعوبة، لتتفاجأ بامتقاع ملامحه، يزفر بعنف وبهيئة لا تبشر بخير
❈-❈-❈
بداخل ذلك القصر العظيم
خرجت من غرفتها تتعكز على عصاها، بخطوات بطيئة وتيدة ، نظرا لمجموعة الامراض التي اضاعت صحتها،
تبحث بعيناها يمينًا ويسارًا حتى وجدتها امامها، جالسة بهيئتها الفاتنة ، مصففة شعرها الحريري ترتدي ملابسها الراقية، تذكرها بهيئتها الطبيعية من قبل سنوات مضت ، وكأن العمر لم يمر عليها ولم يترك اثرن كما فعل معها.
وصلت اليها لتردد بدهشة:
– معقول! دا انتي فعلا يا نجوان، انا مصدقتش البنت الشغالة لما قالتلي عن هويتك
ابتسامة باهتة اعتلت محياها ، لتعقب على قولها:
– لا صدقي يا بهيرة، انا خلاص رجعت للدنيا، ولحقي منها.
شددت بالاخيرة عن قصد، لتقطب بهيرة وهي تجلس عل الكرسي المقابل لها مرددة:
– دي شيء يسعدني اكيد، انك ترجعي وتكلميني زي ما بكلمك كدة، من غير ما تكشي في نفسك ولا تخافي، بصراحة منظرك كان مزري اوي طول السنين اللي فاتت .
لم تتغير، هي شقيقتها بطبيعتها القاسية، والغير مبالية لن تتغير أبدًا، هذا ما طرأ بعقل نجوان اثناء حديث الأخرى، ليأتي الرد منها بسخرية:
– ياااي تلاقي منظري كان بشع، شعر منعكش بقى وتصرفات مجانين،
زمت بهيرة فمها بضيق واضح، فطريقتها ف الحديث، لم تعجبها، تذكرها بالشخصية القديمة وعنادها الدائم معها، فتباغتها بقولها:
– خدتي قصر بابا وعايزة تعمليه مقر لجمعياتك والمنظر الاجتماعي المقرف بتاعك ليه يا بهيرة؟
– منظر اجتماعي مقرف!
تمتمت بها المذكورة بعدم تصديق تردف:
– الظاهر ان عقلك لسة مخفش كويس يا نجوان، ايه الوصف المستفز ده؟ شوفتيني بعمل حاجة مخلة؟ ثم كمان تعالي هنا، مين اللي قالك الكلام ده من اصله؟
ابتسامة جانبية لاحت بطرف ثغرها تجيبها بغضب مكتوم:
– انا مش مستنية حد .يقولي، لأني روحت بنفسي وشوفت الشغل في قصر المرحوم بابا، الورث ما بيني وما يينك، ولا اليافطة المحطوطة في جمب لوحدها في الجنينة ، لجمعيات الواجهة الاجتماعية الزائفة،
بدون فايدة حقيقية للبشر، بتستغلي ظروفي الصحية يا بهيرة وتورثيني بالحيا
زفرت الاخيرة لتطرق بعصاها على الأرض الصلبة بعنف:
،-،وقفي شوية بقى واديني فرصة اكلمك، ثم كمان انتي مالك بيه؟ هو انتي كنتي عايزاني افصل سيباه كدة مهجور والغربان تعيش فيه، انا عملت كدة اجدده وارممه، وارجع العهد القديم لشوكت باشا ، ولا انتي بابا كان ايه في زمانه؟
– انا مش فاكرة غير واحدة بس يا بهيرة، جمعيات البر والتقوى بتاعتك تقدري تنفذيها في اي مكان من املاك المرحوم جوزك، او تشتري انتي في الحتة اللي تعجبك، لكن تستغلي انتي اسم بابا، عشان تفتخري بأصلك قدام الناس وتحسسبهم دايما انك أعلى منهم، دا لا يمكن هسمح بيه.
اشتدت التعابير المجعدة، وقد لاخ الغضب جليًا عليها، ليصدر ردها بدهشة لا تخلو من استخفاف:
– ايه القوة دي يا نجوان؟ اللي يسمعك كدة، ميصدقش ان دي الست اللي طار عقلها لسنين فاتت عشان صدمة اتعرضت لها من حب عمرها…..
– واديكي عرفتي بنجوان الجديدة.
صاحت بها مقاطعة بحدة، تفاجأها بحزمها ، كي توقفها
عن الاستمرار في بث سمومها
فدلف على الصوت رياض يدخل بخطواته السريعة والمتلهقة نحو والدته:
– ايه اللي حصل؟ صوتك عالي ليه يا ماما؟
تلقفت بهيرة مجيئه كالنجدة لها:
– رياض حبيبي تعالى شوف والدتك، بتتعصب على سبب تافه، باينها لسة تعبانة…
– مش تعبانة يا بهيرة، انا خلاص خفيت ورجعتلك.
هدرت بها بتحدي واتفعال جعل تلك التي دلفت خلفه ، تتقدم نحوها بقلق:
– براحة على نفسك يا نجوان هانم، العصبية مش كويسة عشانك.
انتبهت بهيرة لتلك التي اقتربت من شقيقتها، تربت على يدها وتهادنها بحنان امتصت به غضبها، في إشارة واضحة لمعزة هذه الفتاة اليها وبإزدراء واضح طالعتها من أعلى لأسفل مضيقة عينيها، وكأنها تستعيد برأسها المواصفات التي ذكرتها امامها قبل ذلك لورا، لتتفوه بالاسم وكأنها تسألها:
– انتي بهجة؟!
– ايوة انا بهجة.
ردت تجيبها بدهشة بالغة تتبادل النظرات معه ومع نجوان التي تحفزت بريبة تحولت لغضب مع قول شقيقتها:
– الجليسة الجديدة اللي سمعت عنها…..
توجهت بأبصارها نحو رياض تخاطبه بتوبيخ:
– ودي صفتها ايه دي عشان تجيبها بيتي؟ لورا راحت فين؟ ولا نبوية حتى؟
أجفلت بهجة لفظاظة المرأة المتكبرة، حتى انها لم تستوعب جيدا إلا بعد الصيحة العالية التي صدرت من نجوان في ظاهرة لاول مرة تراها بها منذ شفائها، تسبق ابنها:
– وهي جاية عشان تضايف عندك ، دي جاية عشاني انا، يا صاحبة الزوق العالي، يا هانم يا بنت الأصول.
كان هذا قولها، ليضيف هو بعروق منتفضة، ضاغطًا بصعوبة على الا ينفجر:
– ع العموم احنا اسفين يا بهيرة هانم لو أزعجناكي، انا جاي اساسا عشان اخد والدتي، وهنمشي على طول، ياللا يا ماما .
نهضت نجوان استجابة له، لتشرع بالذهاب مع بهجة التي مازالت تلفها الصدمة، ف أتى قول الأخرى تلطف مع الوحيد الذي يهمها امره:
– رياض…… أكيد انت عارف بغلاوتك عندي، بس لازم تقدر موقفي يا حبيبي، ما هو مش معقول كل من هب ودب نسيبه يدخل حياتنا وياخد علينا، دي آخرها كانت استنت في الجنينة…….
– كفاية يا بهيرة هانم.
صرخ بها، يقاطعها بحدة ، ليأتي دور بهجة هذه المرة، في رد على عدائية المرأة نحوها:
– اسفة يا هانم لو وسخت لك القصر المعظم، وليكي عليا بيتك ده مخطهوش تاني .
– حقيقي انتي انسانة بشعة وعمرك ما هتتغيري؟
كان هذا رد نجوان ، لتقابلها الأخرى بابتسامة مقيتة تذكرها بجرحها القديم دون ذرة رحمة.
– وانتي عايزة تكرري قصة نريمان من تاني .
تردد الاسم بأسماعها ، لتهتز بوقفتها وكأن مطرقة ضربت رأسها، بمشهد جعل الاثنان يتوجسان خيفة عليها ومنها ايضا، حتى ثارت، تنوي الهجوم عليها وبصوت كالصراخ :
– وانتي معندكيش قلب، وعايزة الكل يبقى زيك، عشان ملقتيش اللي يحبك يا بهيرة، حتى جوزك…..
كانت تتقدم نحوها بهياج، وكأنها تريد الانقضاض عليها ، لولا بهجة وولدها الذان شكلا حاجزًا امامها، يمنعاها من الاقتراب منها، وهي تواصل:
– جوزك يا بهيرة اللي اتلخبط ما بينا في اول زيارة لبيتنا واهله مكلمينه عنك، لما شافني انا كان عايز يغير رأيه….. ومن يوميها وانتي بتكرهيني يا بهيرة عشان عمره ما حبك…… فضلتي دايمًا حطاني السبب، مع انك لو حاولتي وكنتي انسانة طبيعية زينا كان اكيد حبك، لكن انتي انسانة متكبرة، فضلتي تعامليه من برجلك العاجي لحد ما طق ومات منك……
قطعت حينما رأت تأثير الكلمات عليها، وقد تغضنت ملامح الأخرى بأسى، حتى ارتعشت ثغرها الذي تزمه كخط رفيع، وغامت العينين القاستين بدموع نادرة، لتشفق هي وترتخي ذراعيها فتردف بحزن وأسف:
– وجعتك صح، عشان تجربي وتدوقي من نفس الكاس يمكن تحسي زي بقية البشر …… مع اني منظش….
تقطعت الكلمات الاخيرة لتصمت بعدها وتقع مغشي عليها بين ذراعي ابنها الذي لحق بها قبل ان تصل الى الارض ، فصرخت بهجة بجزع:
– نجوان هانم .
❈-❈-❈
طرق على باب غرفتها، بعدما استأذن من والديها الذان تقبلا الأمر بترحيب تام، ليأتي الاَن دوره، ويدفع الباب بخفة بعدما سمع صوتها الناعم تناديه بإسمه:
– ادخل يا شادي .
دلف اليها ليجدها تنهض عن سجادة الصلاة، تضع المصحف الكبير على حامله، فتوقف هو يتأملها، وقد اضفى الاسدال بألوانه الزاهية بهاءًا على البشرة التي اصبح يعود اليها لونها الطبيعي، وينقشع عنها اللون الباهت،
مطرقة رأسها بخجل، ترفض رفع ابصارها نحوه، بعدما عاد اليها وعيها وعرفت من احاديث والدتها الأشياء التي كانت تقوم بها على غير ارادتها.
كم ود ضمها الاَن بين ذراعيه بقوة، حتى يسمع بصوت طقطقة العظام بين يديه، علٌه يخفف شيئًا من شوقه اليها، ولكن لابد من الصبر.
– عاملة ايه النهاردة يا صبا؟
سأل وأقدامه تخطو للأقتراب منها على تردد، لتأتي إجابتها بصوت خفيض:
– الحمد لله، يوم عن يوم، بتحسن اكتر.
ابتلغ يستجدي من الله الثبات امام رقتها وجمال هيئتها تلك ، مواصلا حديث روتيني:
– ااه لسة ماشية على تعليمات الشيخ، وبتنفذيها؟
اجابته بحماس هذه المرة:
– ايوة والله، وكمان مداومة على قراءة القرآن على طول، مش بس ع السور اللي نبه عليها الشيخ، انا كل ما ازود احس بارتياح اكتر .
سألها بقلق :
– طب ووجع البطن لسة برضوا ولالا
– لا الحمد لله
تمتمت بها سريعًا لتردف:
– لدرجة احيانا مش بصدج نفسي وانا باكل وبشرب طبيعي، وبنام طبيعي وبصحى طبيعي، الحاجات دي كلها كنت محرومة منها ، بس الحمد لله.
ردد خلفها بارتياح متعاظم وعيناه للسماء:
– الحمد لله، الحمد لله.
تطلعت اليه بتساؤول، اثار فضوله للإستفسار :
– ايه بتبصيلي كدة ليه؟
ردت تجيبه بحرج؛
– اصلك متكلمتش ولا جولت تعالي يا صبا….. يعني عشان ارجع بيتي.
اسعده عبارتها الاخيرة، وهي تخبره بها بنبرة عادية، دون قصد منها، ليجيب ابتسامة شملها الاضطراب:
– انتي مش محتاجه دعوة يا صبا للرجوع لبيتك، انا بس سايبك تخفي من غير ضغط، دا غير اني قاصد ااجل رجعتك
– زي ما نبهت ان محدش يجيب سيرة عن العمل واني ربنا نجاني لما انفك عني
قالتها بفراستها التي يعلمها عنها ، والتي لطالما اثارت اعجابه بها، ليوضح لها عن السبب الحقيقي:
– كدة احسن يا صبا، عشان اقدر اكشف اللي عملها، ما لو انا اهملت او سكت عن حقي، هيكررها تاني، وانا لا يمكن اكرر غلطتي.
❈-❈-❈
دلف الى داخل الوكالة التي هادئة الحركة فيها في هذا الوقت من الصباح الباكر، عائدًا من سفرته بعد اسبوع لم يكمله رغم تخطيطه المسبق في اخذ إجازة شهر عسل كامل او ع الاقل اسبوعين، وسوف يختلق الحجج في تبرير غيابه بعد ذلك ، ولكن ما حدث…..
– ايه ده انت وصلت يا بابا، حمد ع السلامة، انت رجعت امتى من سفرك؟
خرج السؤال من ابنه سامر بعدما انتبه الى وجوده، اثناء ما كان يراجع على عدد من دفاتر البيع والصرف
فجاء رد خميس بصوت كالغمغمة:
– ركبتي عربيتي خمسة الصبح يا خويا، عشان اوصل على ميعادي، ما انا عارف الهم اللي مستنيني
تعجب سامر من هذه اللهجة المتذمرة، ولكنه تغاضى انزاح بجسده عن مقعد المكتب، ليجلس خميس محله، وانتقل هو للكرسي المقابل للمكتب يتحدث بفضول:
– وعلى كدة بقى خلصت كل الطلبيات اللي كنا عايزينها مع التجار؟
– طلبيات ايه؟
هم ان يتمتم بها، لكن سرعان ما استفاق متذكرًا، السبب الذي تحجج للسفر من اجله الى خارج المحافظة:
– ااا طبعا خلصت واتفقت وكلها كام يوم وتوصل العربيات ع المخازن.
– طب كويس، بس انت قولت ان احتمال تتأخر لأسبوعين لو شبط فيك قريبك يقعدك عنده.
قالها سامر غافلا عن وجه والده الذي احتقن بالغيظ لتذكيره بالخيبة وجد نفسه عالقًا بها، لينفجر بع بعدم احتمال:
– يا خويا قولت ولا زفت، ما هو كان مجرد افتراض، لكن انا حسيت نفسي مش مرتاح، مقبلتش ابلط عند الناس ، فهمت بقى؟ قوم ياللا شوف شغلك ولا رص البضائع، دماغي قد كدة مش حمل كلام منك، قوم ياللا .
اجفل سامر من صيحته، لينهض على الفور، مذعنًا لأمره، رغم تعجبه من هذا الغضب الغير مبرر، ليرجع في الاخير ان الإجهاد الجسدي هو السبب.
اما عن خميس، ازدادت ملامحه بؤسًا، يستعيد برأسه ما صار في الايام الماضية.
منذ بداية زواجه، وبعد ان دفع المهر الغالي، وتم عقد قرانه على تلك الجميلة والتي كاد ان يطير من السعادة، يستعجل الوقت الى لحظة امتلاكها بعد خروج الجميع من الغرفة، رجل الدين واعمامها عيد وسعيد وزوجاتهم، فلم يتبقى سوى هو وهي.
(( حبيبتي يا صفصف، هاتي بوسة من الخدود اللي عاملة زي التفاح بالقشطة دي.
افلتت تبعد عن متنازل يديه تردد بدلال:
– لااا مينفعش.
– لأ ليه بس انتي هتغلبيني من أولها؟
ردد بها باعتراض يهم بالمحاولة مرة أخرى ، ولكنها اوقفته تلوح بكفيها امامه وبضحكة صاخبة بميوعة:
– يا راجل اهدى شوية……. امي هتدخل علينا وهيبقى منظرك مسخرة…..
سمع منها ليتجمد محله يعترض:
– وامك تدخل ليه ان شاء الله؟ هي ممشيتش مع عمك عيد وسعيد ولا ناوية تدخل معانا ؟
شقهة بمرح صدرت منها لتغمغم ردا على وقاحته::
– يا نيلك راجل، دا كلام برضو.
تحولت للجديد تردف وهي تنهض لتتجه نحو باب الغرفة:
– لسة الليلة قدامنا طويلة اعقل اتقل كدة، امي هتعرفك ع الولاد وهتنزل تاخدهم للدور التحتاني على طول ، عشان يخلالنا الجو
عادت اليه ابتسامته، فيتابعها بأدب تنادي على والدتها كي تأتي :
– هاتي الولاد وتعالي ياما، عشان يسلموا على عمو.
التفت في الاخيرة نحوه بابتسامة مغوة جعلت يسبهل في التطلع اليها حتى دلفت والدتها اولا تمسك طفلين صغيرين في عمر الثالثة والخامسة، فتح لهم ذراعيه فور رؤيتهم:
– حبايب قلبي ، تعالو يا ولاد.
تناولهم منها يقبلهم على الوجنتين ويضع اصغرهم على حجره ويداعب الاخر :
– يا حلاوتكم يا قطاقيطكم، حلوين اوي يا صفاء شبهك.
قال الاخيرة وراسه ارتفعت اليها ليصدم بطفلين اخرين، ولكن في عمر اكبر يقارب الثمانية والعاشرة، وقبل ان يسأل وجدها تقدمهم اليه:
– عزمي وحسين، ادخلو يا ولاد سلمو على عمي .
دلفو الطفلان يصافحانه، ليبطالعهم بدهشة، حتى اصبحت صاعقة حينما دلف الطفل الخامس او بالأصح المراهق ، والتي قدمته صفاء بأسم:
– ودا بقى بشير ابني البكري، خمستاشر سنة، يعني راجلي وضي عيني من جوا يا خميس ، سلم على عمه يا ولا .
وقبل ان يقترب الفتى صاح بها ينفض عن عقله الغفلة:
– استني هنا، هو انتي مش قولتي ان معاكي عيلين بس؟
ضحكت ببساطة تجيبه:
– يوه هو انت فهمت ايه؟ انا قصدي عيلين من الراجل التالت ، اما بشير دا من اول بختي، لكن حسين وعزمي من الراجل التاني
ارتفعت اصابعه الثلاثة امامه يردد بصدمة:
– انتي اتجوزتي تلت مرات قبلي يا صفصف؟ يعني الراجل الرابع في حياتك؟
– لا الخامس، حكم اول واحد كنت عيلة صغيرة وملحقتش اخلف منه .
بصوت ذهب منه فرد اصابعه الخمسة امام عينيها ، لتؤكد هي للمرة الثانية:
– ايوة خمسة وفيها ايه يعني؟ خدي العيال واطلعي بيهم ياما .
سمعت منها والدتها لتسحب الاطفال الصغار وتخرج معاها البقية، لتسارع صفاء في طمأنته:
– مالك يا خميس وشك اصفر كدة ليه؟ انا مش عايزك تقلق من حاجة خالص، العيال هينزلو يباتوا تحت مع امي، وانا وانت هنهيص في الدور دا لوحدنا، ايه رأيك بقى؟ اصحى بقى يا خمسينو الليلة ليلتنا .
استطاعت بدلالها ان تسحبه لحالته الاولي ، ليتحول الى طفل صغير معها، ويقضي ليلته متنعمًا بجمالها، ثم اذا اتى الصباح وانقشع الظلام، خرج الى المطبخ يفتح البراد كي يشرب، أو يصبر نفسه بشيء يأكله قبل الافطا، ليجده خاليًا الا من المياه، لا يوجد طعام ولا يوجد أي شي مما أتى به، حتى اذا صرخ بها يسأل اين ذهب الطعام وجدها تبلغه ببساطة.
– الولاد يا خميس، تلاقيهم جاعوا وطلعو ياكلوا ، دي حاجة مستهلة نباهة.
– يا نهار اسود، التلاجة كانت مليانة، فاكهة ومعلبات وفراخ ولحمة، كل دا راح فين؟ ثم كمان هما ازاي يطلعو كدة ويدخلو الشقة من غير خشا ولا حيا، افرضي… افرضي….
– افرض ايه، بلا حسرة.
قالتها لتلوي ثغرها باستخفاف وسخرية مبطنة، لتزيد من ارباكه:
– بلاش يبقى ظنك سو يا خميس، الحكاية مش مستاهلة اصلا القلق، ابعت لنا على دليفري، وشخشخ جيوبك شوية عشان ناكل احنا كمان، مش هم من كله.
وعلى هذا المنوال، استمر عدد من الايام في هذه الدائرة كلما اتى بطعام اختفى بسرعة البرق، ليلتزم بابتياع غيره، فلا يحق له الاعتراض، مقابل الدقاق التي يقضيها معها يدفع الاف الجنيهات، حتى انه اضاع حق البضاعة المتفق عليها مع التجار أكملها ليسحب نفسه اليوم من الساعة الخامسة صباحًا ويسافر قبل ان يستقيظ احد منهم ويتعرض للسانها اللازع ان اخبرها بخلاء جيوبه من المال.
فيجلس الاَن واضعًا يده على وجنته، ينعي حظه العاثر ، يتحسر على المال الذي ذهب مقابل لحظات معدودة حتى لم يعد يشعر لها بطعم الاَن.
❈-❈-❈
خارج غرفة الكشف ، يقطع الطرقة ذهابا وايابا بدون هوادة، يموت من القلق على الاولى، ويعصره الحزن على الثانية، لقد شهد بنفسه اليوم على اهانتها، وعجز لسانه عن الرد في ان يخبر خالته المتعجرفة بصفتها اليه، هي زوجته نعم زوجته، ولكنه لم ينطق بها، نعم نعم لم يجرؤ على النطق بها، لأسباب هو يعلمها، وهي ايضا تعلمها، إذن لماذا الغضب؟ لماذا هذه النيران التي تشتعل بداخله رغم؟ لماذا؟
سقط بثقله على احدى مقاعد الانتظار، يمسح بكفيه على صفحة وجهه، يزفر انفاس عالية وقوية، لم يعد يعلم بما يريد، وما كان يسير عليه قبل ذلك، لقد تغيرت خطته منذ ان رأها ، غيرت خطته وغيرت نهجه وغيرته هو نفسه…… لقد أصبح ضعيفًا، وهذا ما كان يخشاه دائمًا.
انتبه لخروج احدى الممرضات من الغرفة، وما هم ان يوقفها، حتى وقعت عينيه على المدعوة لورا ووالدتها، بخطواتها المسرعة نحوه:
– رياض، طنط حصلها ايه؟
– نجوان مالها يا بني؟
اضطر للرد على المرأة متجنبا النظر الى الأخرى:
– دلوقتي نطمن يا طنط، انتو سمعتو منين؟
– طنت بهيرة اتصلت بينا وبلغتنا، دي قلقانة اوي عليها وحزينة .
في رد صامت لها، التف بأعين تقدح شررًا، يحجم نفسه بصعوبة عن الانفجار بها، فإن كانت تظنه غافلا عن سبب العداء المباشر من بهيرة نحو بهجة والتحامل عليها من قبل رؤيتها….. فهي واهمة.
– مدام نجوان فاقت يا رياض باشا
كان هذا صوت الممرضة والتي اتت تخبره ليتحرك على الفور ويدلف اليها، ومن خلفه لورا ووالدتها، والتي بادرت الجميع تهرول نحوها وبصدق غلقه الصدق:
– حبيبتي يا نجوان، حمد على سلامتك يا قلبي، هو انتي بجد رجعتلنا، انا مش مصدقة عيني.
تبسمت الاخيرة لها بضعف، وبيدها التي اللتصقت بها ابرة المحلول، تقبلت مصافحتها، لتوميء برأسها تظهر استجابة للمرأة، التي صارت تذرف الدموع، بلوعة اشتياق الأصدقاء ، الشيء الذي انبت الامل في قلب ابنتها لتستغل بصوت واضح تريد لفت انتباهها:
– حبيبتي يا طنت نجوان، انا كمان وحشتيني اوي، ووحشتني قعداتك مع ماما، انتوا اكتر من الأصحاب.
لتنقل بنظرها نحو رياض الذي لم يعد مهتما بشيء بعد الاطمئنان على والدته، سوى التركيز مع هذه الجميلة والتي ما ان خرجت من الغرفة بجمودها وتجاهلها لها، حتى خرج هو الاخر وتبعها
– بهجة استني رايحة فين؟
هتف يوقفها بوسط الرواق ، يغلق باب الغرفة خرج منها ، لتلتف اليه تجيبه بلهجة عادية تمامًا:
– رايحة حمام السيدات
اقترب ليصبح امامها مباشرة يتمعن النظر بها جيدا وتلك الصفحة المغلفة لملامحها ، يريد ان يستشف منها أي شيء:
– طب انا عايزة اسألك الاول، انتي كويسة؟
اهتزت رأسها تدعي عدم الفهم :
– وانا هيكون مالي يعني؟ نجوان هانم هي اللي وقعت من طولها وتعبت مش انا .
علم انها ترواغه، وهذه إشارة تزيد من توتره، ليسرع في الدخول مباشرة فيما يريد الوصول اليه:
– انا بتكلم عن تصرف بهيرة معاكي، بلاش نلف وندور على بعض، هي كانت قليلة الزوق معاكي و……
– وعديمة الاحساس، ايه تاني يعني؟
قاطعته بها، لتردف المزيد للتوضيح:
– واحدة بالصفات دي حتى مرحمتش اختها اللي راجعة للحياة من تاني بعد غياب سنين، من غير ما تراعي انتكاسة ترجعها للأسوء هتوقع منها ايه مثلا؟
إجابة نموذجية اظهرت ثباتًا منقطع النظير، لتستطرد على نفس المنهج، امام التشتت الذي اعتلى ملامحه:
– على فكرة وقفتنا كدة في نص الطرقة شكلها مش حلو……..، عن اذنك بقى اروح حمامي، وانت ادخل اطمن على مدام نجوان، حتى مينفعش الناس لوحدهم، لورا هانم ووالدتها.
قالتها وتحركت على الفور، تتركه متجمدًا محله ينظر في اثرها بانشداه.
أما هي وفور ان وصلت لمرحاض السيدات، تغلق الباب عليها لتختلي بنفسها عن الجميع ، بعد وقت طويل من التماسك، ارتمت بثقلها تستند على حافة المغسلة ، تتنفس سريعًا، بصدر يصعد ويهبط بقوة، حتى اطلقت العنان لدموعها المحبوسة تتساقط دون توقف، لتكتم بقبضتها على فمها، تمنع الصوت من الخروج
الم الإهانة ليس بالهين، وما زاد عليه هو ان كل هذا كان امامه، سبب علُتها ومن بيده شفائها، كان بيده ايقاف المرأة بكلمة واحدة ، ومع ذلك لم يجرؤ
ولكن لما الحزن، اليس ما بينهم كان اتفاق، ليتها ما تم وما فعلت من الاساس، فما زادها القرب إلا وجعًا
❈-❈-❈
وفي قسم الشرطة، وبالتحديد داخل غرفة الضابط عصام والذي خرج منها مهرولًا على غير العادة والهاتف بيده:
– اوعي تتحرك من مكانك ، عينك عليه، انا جاي حالا دلوقتي.
لفت ابصار رئيسه أمين، والذي كان في طريقه اليه، ليهتف مناديًا باسمه:
– عصام انت رايح فين؟ عصااام
لم يلتفت اليه المذكور، حتى اوقف هو احد الزملاء يسأله:
– مدحت متعرفش عصام رايح على فين؟
– لا والله ما اعرف، بس اكيد طلعة مهمة يعني، مدام خارج بالشكل ده، ربنا يوفقه يارب.
اومأ له امين بصرفه بنظرة من عيناه، ليتوقف بزفر بقلق، مرددًا بما جال برأسه:
– ربنا يستر .
❈-❈-❈
والى مكان اخر
حيث كان مندمجًا في التفتيش داخل اغراض والده، بعدما وصل الى المنزل، في لحظة خاطفة متخفيًا ، يستغل غياب الرجل في هذا الوقت داخل وكالة العطارة خاصته، وبنساعدة والدته على غير اردتها ورغم توبيخها له:
– يا واد كفاية اللي خدته من درج الكمودينو، ابويا هيطين عيشتي يا ابراهيم
بأعين يكسوها الحمار، رفع رأسه عن الدرج الصغير الذي كان منهمكًا في محاولات فتحه بإحدى الادوات القاسية، يأمرها مبررًا فعله:
– هاتي ياما اي حاجة من المطبخ افتح بيها وبلاش كلامك الخايب ده ، ما هو ضعفك دا اللي خلاه ينفش ريشه علينا ويمنع عني اي قرش وانا في عز ازمتي، اقطع دراعي ان ما كان الدرج المقفول ده فيه مصيبة غير الفلوس، مدام مخبي المفتاح عنك وانتي مراته….
بنوع من التردد وقد اثار فضولها وحرك شيطان رأسها في المعرفة:
– برضو يا ابراهيم، ممكن كدة يغضب عليك اكتر، دا انا كنت ناوية ابعتله يجي يشوفك بعد ما فرحت قلبي بطلتك، يمكن قلبه يحن يا بني ويساعدك .
اصدر صوت شخير من فمه، ليردد بعنجهية رافضًا:
– وانا بقى مش عايز مساعدة ولا شحاتة منو، انا هاخد حقي من حبابي عنيه، ولا انتي فاكراني عامل المجهود كله، وجايلك متخفي زي الحرامية عشان اخد الرضا السامي من الباشا اللي بقى راميني من طول دراعه، وديني لاحصره على فلوسه عشان يمنعها عني تاني، روح هاتي سكين من المطبخ ولا مرزبة حتى، ياللا بسرعة.
صاح الاخيرة بحزم جعلها تذعن مجبرة لرغبته، لتتحرك على الفور نحو المطبخ رغم تذمرها ورفضها، ولكنها وما ان وصلت لداخل المطبخ حتى تفاجأت بدفع الباب بقوة جعلتها تخرج مهرولة لتفاجأ بهذا الضابط زوج الملعونة ابنة اختها يدلف بدون استئذان امرًا رجاله:
– خشوا دورو عليه وهاتوه حالا.
صرخت سميرة بأعلى صوتها من اجل نجدة ابنها وفي اعتراض صاخب على هجومه:
– يا مصيبتك السودة يا سميرة، هي حصلت كمان تهجموا ع البيوت من غير استئذان، هي دي اخلاقك يا حكومة، يا ناس تعالو شوفو يا ناس .
كانت تقصد من بفعلها الشوشرة والتشتيت وهو ما نجحت به الى حد ما تمنع الرجل من الدلوف نحو جهة القابع به، وهي غرفة نوم زوجها التي كان يبحث بها ابنها،
حاول عصام السيطرة على غضبه حتى لا يتهور على المرأة التي تتصرف بحماقة قادرة على أذية نفسها واذيته في عمله، ليهدر بها حازمًا:
– وسعي يا ست خلي الراجل يشوف شغله ، ولا ناخدك انتي مكانك ابنك احسن
صرخت تفرد ذراعيها الاثنان امامهم:
– اعملوها، اعمولها ما انتو قادرين، انا بقى مش هسكت وهجرسكم، عشان تنفضحوا قدام العالم يا ظلمة، يا ناااس حد يحوش الظلمة دول، داخلين على واحدة ست في بيتها لوحدها وعايزين يتهجموا عليها.
– يخربيتك، انتي اتجننتي يا ست انتي؟ ايه الهبل ده؟
صرخ بها عصام ، قبل ان يحسم برفع السلاح بوجهها هادرًا:
– ابعدي يا ست انتي من وشي بدل ، ما اخلي الامين يسحبك في ايده ، بتهمة مقاومة السلطة ابعدي بقولك.
ولكن وما انهى تهديده، حتى وصله صوت دبدبة فوف رأسه، واحد رجاله يصرخ :
– اللحق يا عصام باشا، الواد ابراهيم طلع فوق السطح .
ما كاد ينهي جملته حتى تحرك الاخير راكضًا بسرعة، يصعد الثلاث الدرجات بخطوة واحدة حتى وصل الى السطح، الشي، الوحيد التي ظهر امامه، وهو طرف قميص الاخر وهو يلقي بنفسه من احدى الجهات الاربع للمنزل، ركض عصام ليستكشف الامر، ليفاجأ بهبوط هذا الملعون على كوم كبير من الرمل، لينضم مع احد المجرمين امثاله خلف دراجة نارية ممسوحة الارقام، طارت به بسرعة البرق ، وكأنه كان على استعداد لذلك.
زفر عصام يتمام السباب والشتائم، متوعدًا في الاخيرة على القبض عليه في اقرب وقت، ولن يضيع الفرصة المرة القادمة .
❈-❈-❈
عودة الى المشفى
وقد جففت دموعها واغتسلت لتبدو في هيئتها العادية امام نجوان التي انتبهت اليها فور عودتها لتشير اليها بكفها كي تقترب امام السيدة وتلك المتعجرفة التي التقطتها فرصة للمشاركة وادعاء المؤازرة، رغم تململها، وحنقها المتزايد من تجاهل الاثنان لها.
رياض الذي لم يترك هاتفه اما بتلقي المكالمات، او الانشغال به ، اما نجوان فتلك حكاية وحدها، المرأة التي تطالعها بنظرات غامضة طوال الوقت، تصبح في منتهى الوداعة مع والدتها، او تلك الملعونة التي فتحت مدت لها ذراعها تدعوها للجلوس بجوارها وكأنها من باقي اسرتها.
– تعالي يا بهجة اقعدي جمبي
اقتربت ملبية الدعوة لتسحب الكرسي وتقربه اليها، ولكن الأخرى فاجأتها تشير بجانبها على الفراش الطبي .
– تعالي هنا يا بهجة.
هنا خرج صوت لورا فاقدة السيطرة على انفعالها:
– تقعد فين يا طنت؟ انتي عايزاها تتحشر جمبك ع السرير.
اافحمتها بفظاظة:
– اه انا قابلة.
ابتعلت لورا حرجها تنقل بنظرات ذاهلة نحو والدتها ورياض الذي اذعن لرغبتها بتفهم، رغم تعجبه الشديد من أفعالها:
– اقعدي جمبها يا بهجة، مدام هي عايزة كدة .
استجابت الاخيرة، لتصعد وتندس معها تحت الغطاء، جالسة بحذر، لتزيد من قربها نجوان وتضع رأسها على حجرها، مما اثار فضول والدة لورا للاستفسار:
– واضح انك بتعزي بهجة اوي، ولا شكلها حلت محل نبوية؟
تبسمت نجوان باسترخاء، وقد ساهمت اصابع بهجة والتي تخللت خصلاتها الحريرية بتدليك لطيف، في تهدئتها، لتخبر المرأة بثقة:
– نبوية حبيبيتي طبعا، دا متربية معايا في نفس البيت يا صفية، انما بهجة دي….
نقلت بنظرها نحو لورا بتحدي قبل ان ترسو على ابنها بنوع من الغضب المكتوم تردف:
– تبقي بنتي اللي مخلفتهاش، يعني اللي يزعلها يزعلني.
وصلت الرسالة، هذا ما استقر بداخله، فكلماتها الحادة كانت بقصد واضح له ولبهجة ايضًا التي غامت عيناها بابتسامة بدمعة تحتجزها بصعوبة، لتقبل رأسها بامتنان جلي ، زاد من حنق الأخرى، حتى صارت تغلي من الداخل، وعيناها تتابعه، تتمنى اي رد فعل منه يثلج صدرها بالاعتراض على هذه المهزلة ،
ولكنها الاخر لم يفعل، وقد اكتسى وجهه بشيء من حزن لم تفهمه، حتى قرر الانسحاب ، يستأذن الذهاب:
– طب انا هخرج اشوف الدكتور المسؤول عن حالتك، خليه يصرح لينا بالخروج عشان نروح .
قالها وتحرك نحو مخرج الغرفة، وما هم بفتح الباب ، حتى تفاجأ باندفاغه فجأة ودلوف اخر شخص يتمنى رؤيته في هذا الوقت.
– مساء الخير….. نجوان هانم ايه اللي حصلك بس؟
على الفور اعتدلت تستقبله بلهفة:
– دكتور عصام، اتفضل انا محتاجاك اوي .
– لا الف سلامة عليكي يا هانم، انتي تؤمري.
ردد بها متجها نخوها الى الداخل، ولكن الاَخر اوقفه،
– استنى عندك ، انت عرفت منين؟ ومين اللي بلغك اساسا.
تطلع الطبيب هشام الى قبضته على رسغ يده بقوة بتعجب، وتولت نجوان الرد:
– انا اللي بلغت الدكتور يتصل بيه؟ هو الوحيد اللي يعرف حالتي اكتر من اي حد
اهتزت رأسه بتشنج وغيظ يكتمه بتعاظم:
– يعني هو الوحيد اللي يعرف، هي المستشفى الطويلة العريضة، معقولة مفيهاش دكتور بيفهم، عشان….. عشان نزعج الدكتور ونخضه على حضرتك
تبسم المذكور بسماجة ينزع قبضته عنه، يرد. باستفزاز له:
– مفيش ازعاج طبعا، دي مدام نجوان دي عشرة عمر .
دلف يتبختر امامه يلقى التحية على السيدات ثم على بهجة التي تبسمت رغمًا عنها:
– اهلا بالهوانم اللي نورور المستشفى بطلتهم، وانتي بهجة عاملة ايه النهاردة يقى؟
ردت تجيبه بشيء رغم النظرات الحادة من الاخر لها، يحركها مكر الانثى التي تلتقط الفرصة في رد حقها:
– تمام يا دكتور، ربنا يخليك ع السؤال .
توسعت ابتسامة المذكور ليأخذ مقعده نحو الجهة التي تجلس بها بهجة، ليأخذه الحماس في ممارسة دوره الطبي، وإلقاء على الأسئلة على المريضة التي كانت تجيبه باستفاضة، وتستحيب لمزاحه، وكأنها تستمتع باحتراق الاخر امامها، والذي اصبح امامها كأسد محتجز في قفصه ، شاعرًا بالعجز امام صلفها المتعمد، غير ابها بهيئته امام المرأتين ، والدة التي كانت تستغرب افعاله، ولورا نفسها الي كانت لا تقل عنه احتراقًا، بهذه الغيرة المكشوف امامها
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حان الوصال)