روايات

رواية غوثهم الفصل الثاني والسبعون 72 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل الثاني والسبعون 72 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل الثاني والسبعون

رواية غوثهم البارت الثاني والسبعون

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة الثانية والسبعون

“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل الثاني والسبعون”
“يــا صـبـر أيـوب”
_____________________
ربي قد فاض منكَ الكُرم ولازلت عاصيًا
وأنا أنادي ولا يسمع المناداة غيرك يا سامعًا..
لبيكَ وإن لم أكن موجودًا في رحابك
لكني أحبك وأعلم أن حُبك في القلب ساكنًا..
أدعوك أن تنتشلني مني فإني لنفسي ظالمًا
وأدعو بهمس الدعاء المنعدم لكن القلب لازال طائعًا..
_”غَـــوثْ”.
__________________________________
_لقد أتيتُ من أقصىٰ المدينة غريبًا عن الجميع
وليس لي من الأماكن ماله أنا أنتمي..
وكانت تسكنني الكُربة ويُرافقني
الخوف وأبحث عن ملجأٍ فيه أحتمي..
وكنتُ أحسبني بين الطُرقات شريدًا في مجرةٍ صغيرة
ولم أعلم أن كل الطُرقات تقودني إليكِ لتصبحي عالمي..
عالمي الصغير الذي غدوتُ آمنًا بداخلهِ، وأقولها بكل فخرٍ أنا لكِ أنتِ من بين الجميع أنتمي، وأطلب منكِ الوصال وإن كان عليكِ بالوصل ذنبٍ، فأزيديه بالحُب وإن كان إثمًا وآثمي.
<“خيلٌ بميدان المعركة، مثل جندي بساحة الحرب”>
في الخارج وقف “سـامي” يتحدث في الهاتف مع “ماكسيم” والآخر يُملي عليه أوامره كما أعتاد ثم أضاف بتهكنٍ كعادته يبلغه بالقنبلة الجديدة الذي كان يستمع إليها الأخر بفتورٍ:
_على العموم علشان أنا بحبك وأنتَ بتسمع كلامي أنا محضرلك مفاجآة حلوة يا “سامي” وهي إن “يـوسف” لقى أهله اللي خبيتهم أنتَ و “عاصم” عنه ومش بس كدا، دا كمان لقى أخته وجوزها، مين بقى يا ترى؟ جوزها “أيـوب” ابن “عبدالقادر العطار” حبيبك ولا أقول عدوك اللدود؟.
أراد أن يكون سببًا في نشر الخراب للأسف أجاد ذلك وهو يتحدث بهذا التهكن والخبث اللاذي تقطرا من أحرف كلماته وقد ارتسمت البسمة الخبيثة على شفتيها عند إنفجار “سامي” في أذنه يهتف بنبرةٍ عالية:
_أنتَ بتقول إيه يا “ماكسيم” ؟؟ أكيد بتهزر صح؟.
زادت وتيرة ضحكاته وأنفاسه المتعالية وهو يستمع لنبرة “سامي” التي أوضحت رُعبه وطريقة إلقائه للسؤالِ وأضاف من جديد بأسلوبٍ ساخرٍ صبغه بطريقةٍ درامية:
_لأ، لأ يا “سامي” أنا قولت إنك مفتح، زي ما بيقولوا كدا إن عينك وسط راسك، بس واضح إن “يـوسف” ذكي لدرجة متخليش حد منكم يشك فيه أصلًا، أنا مبهور بيه والله.
أغلق الهاتف بعد حديثه وسحب الكأس الموجود بجوار يرتشف منه باستمتاعٍ مُتلذذًا، بينما “سامي” كانت الأرض تميد به في محله، ضربته الصاعقة وبهت وجهه وهو يحرك رأسه نفيًا وكأنه يُكذب الحديث لمن لا يراه من الأساس، حقيقة صدمته في محلهِ وخشى أن يلج للداخل يجده أمامه، خشى كل شيءٍ حتى أتت سيارة “عـاصم” تتوقف خلفه والسائق يضغط على بوق السيارة يطلق الزامور عاليًا وقد انتبه له “سامي” الذي حاول حفظ ماء وجهه وهو يتلفت لـ “عاصم” الذي أمسك كف “مادلين” وترجل من السيارة بها..
دقائق قليلة مرت تبعها دخول “عاصم” بزوجته صاحبة الحفل التي توجهت إليها الأنظار، إمرأة في بداية عقدها الرابع، تمتاز بجمال مُلفت، طولها الفارع وجسدها الممشوق، خصلاتها البُنية الطويلة المموجة من نهايتها، جسدها الممشوق المناسب تمامًا لطولها، وقد ازدادت سرقتها للأنظار حينما جاورت “عـاصم الراوي”..
إبان ذلك كانت “عـهد” تقف بجوار زوجها الذي لازال يتمسك بخصرها يضمها إليه بوضعٍ جعلها تتعجب من فعله، لا تعلم إن كان يحميها هي أم يحتمي هو بها !! في الأغلب هو يحتمي بها من شيءٍ لم تعلمه، وقد ازدادت حدة نظراته نحو عمه الذي دلف المكان لتتقابل النظرات من جديد في تحدٍ سافرٍ.
حينها رفعت “عـهد” رأسها نحو أذنه تهمس له بنبرةٍ خافتة حتى لا ينتبه إليها البقية:
_هو دا عمك؟ دا الراجل المفتري؟.
حرك رأسه نحوها بنظرةٍ عابرة ثم عاد من جديد يطالع موضع وقوف عمه ثم هتف بنبرةٍ هادئة يسخر على عمهِ بقولهِ بعدما زفر مُطولًا:
_آه هو دا، شوفتي كاريزما إزاي؟.
عادت بأنظارها من جديد له تتفحص هيئة عمه، الغريب أن هيئته تشبه هيئة “يـوسف” في الوقار الظاهر خارجيًا، نفس الهدوء ورزانة العقل وثبات الشخصية التي تتمتع بالهيبة الطاغية، الغريب حقًا هو ما يحمله بداخل قلبه يواريه خلف هذه الهيبة، كما أن ملامحه كانت حادة مقتضبة واتضح أنه غالبًا يبتسم عند الضرورة، أنهت تفحصها له وقد انقبض قلبها فور وقع عيني “سـامي” عليها، فبدت نظرته لها مُخيفة كأنه يود الفتك بها، ودون أن تنتبه لنفسها تلقائيًا تحرك كفها يقبض على ذراع “يـوسف” تتلمس منه الأمان.
أما “يـوسف” فأخفض كفه يشبكه بكفها وحرك عينيه نحو “سامي” ورفع أحد حاجبيه وكأنه في حالة تأهبٍ وكأنه يحذره بعينيه ليشيح “سامي” بوجهه للجهة الأخرى مُتحاشيًا النظر للأخر الذي فتك به وأخترقه بنظراتهِ وقد وقف “نـادر” بعيدًا عن الجميع يضع كلا كفيه في جيبي بنطاله حتى جاورته “شـهد” التي تمسكت بذراعه وهي تسأله بتعجبٍ:
_مالك يا “نـادر” ؟؟ واقف بعيد ليه؟.
ألقت السؤال وهي تنتظر منه الجواب لتجده يزفر بقوةٍ ثم هتف بنبرةٍ حاول وضعها داخل إطار الهدوء لتخرج رغمًا عنه منفعلة:
_مصدع شوية، مستني بس “مادلين” تدخل هي وخالو بعدها نقف جنبهم، تحبي تقفي ولا تروحي لصحابك؟.
حركت رأسها نحو مجموعة فتيات تربطها بهن علاقة صداقة قديمة جعلتها تزفر في وجهه ثم تحركت نحو الفتيات تتركه بمفرده وقبل أن يختلي بنفسه من جديد وجد “عاصم” يرفع صوته مناديًا عليه لكي يجاوره كما عادتهما، بالطبع لكي يُعاند “يـوسف” وليس إلا..
أما عن “يـوسف” نفسه فابتسم بتهكمٍ من زاوية فمه حينما تأكد من فعل عمه الذي تعمد أن يقم له لكي فقط يعرفه حجمه هنا، يؤكد له بصورةٍ غير مُباشرة أنه لم ولن يكون ابنًا لهذه العائلة، بل كُتِبَ عليه أن يكون مثل الحارس الذي يبيت ليله يطالع القصر الذي يقوم بحراستهِ وفي الأساس هو مالك القصر ولم يملك فقط سوى النظر له من بعيدٍ.
دقائق أخرى مرت على الجميع وقد أتت “رهف” تجاور “عـهد” التي اطمئنت برؤيتها، صحيح لم تجمعهما علاقة وطيدة وقوية، لكن القلوب على نقائها تلتقي وقد قرر “يـوسف” أن يراوغ الأخرى كعادتهِ بقولهِ:
_خير؟ سايبة شغلك ليه وجاية هنا تتدلعي؟.
رفعت أحد حاجبيها وهي تقول بتهكمٍ ردًا على سخريتهِ:
_دا على أساس إنك جاي تحضر ماجستير في تقطيع التورتة؟ سايب شغلك وجاي ليه؟ خليني ساكتة أحسن علشان مراتك اللي واقفة دي، مش نقصاك.
أتت “فـاتن” ترحب بـ “عـهد” ومعها “لوزا” والدة “رهـف” التي عانقتها بحماسٍ بالغٍ وظلت ترحب بها وبحضورها وكأنها بداخل أرضها، ثم هتفت بنبرةٍ مختنقة من فرط حماسها:
_دا إيه السكر والعسل دا ؟ صحيح “رهـف” قالتلي إنك جوهرة بس متخيلتش أرتاحلك كدا، طلع بيعرف ينقي.
ابتسم “يـوسف” لها ثم رفع كفه يضعه بخصر زوجته يقربها منه أكثر تحت نظرات الخجل من عينيها وهي تتوسله أن يَكُف عما يفعل لتجده لثم وجنتها أمام الجميع بقبلةٍ مُطولة أذابت جسدها من فرط الخجل لتجده يهتف بعدها بنبرةٍ هادئة وكأنه لم يفعل أي شيءٍ:
_ومش أي نقاوة، نقاوة على الغالي.
كانت “شـهد” تتابعه بنظراتها ولم تعلم لما تآكل قلبها من فرط الحزن، لوهلةٍ كانت تظن نفسها محل “عـهد” وهي تجاوره وهو يتمسك بها ويتم التعارف على مُحبيه وهي تبتسم لهن بخجلٍ وقد جالت بخاطرها فكرة تعلم هي أثرها لذا توجهت حتى تقوم بتنفيذها حينما لمع الخبث في نظراتها فورًا لكن نظرات “يـوسف” لوهلةٍ مرت عليها حينما لاحظ تمعنها فيه وانشغال زوجها مع خالهِ وقد تجاهلها تمامًا وعاد بنظراته يبحث عن “عُـدي” الذي وقف بجوار زملائه الجُدد حتى لا يثير الشكوك نحو علاقته بهم.
__________________________________
<“بعض القلوب تحوي السموم”>
“غنوا وبلوا الشربات
وافرحوا دا العمر ساعات..
هيصوا وأرقصوا يلا
عقبال عندكم يا بنات”
صدح صوت هذه الكلمات عاليًا في واحدٍ من أحد المحال التجارية الخاصة بجهاز العروسين، مكان يتكدس بالناس والفتيات والأُسر الكثيرة بمختلف فئات المجتمع، تجد أبًا لتوهِ حصل على مُرتبه وأتى ليقوم بتجهيز فتاته، وتجد أمًا مع ابنتيها تنتقي لهما من بين شتى المنتجات بمختلف أنواعها، والعديد والعديد من الناسِ سواء الطبقة المتوسطة أو الكادحة التي تشرأب برأسها لتطالع مستقبل أفضل من خلال زيجة الفتاة تحت المسمى العام “سُترة البنت جنة”، في زماننا هذا أضحى الزواج بتكاليفهِ هو النعيم بعينه.
أوقف “أيـوب” سيارته التي يجاوره بها “تَـيام” وفي الخلف تجلس والدته “نجلاء” و شقيقتها الكُبرى “نيفين” ومعهما “آيـات” التي برغم سعادتها مثل غيرها من الفتيات في هذه المُناسبة السعيدة وهي تشارك خطيبها مقتنيات بيتهما، إلا أن وجود الأمرأتين معها أقلقها، لكنها حاولت أن تُنحي خوفها جانبًا وتمنت أن تشاركها الفتيات هذا الموقف أو حتى “نِـهال” التي تتميز بالقوة..
جاورها “أيـوب” وأمسك كف هذه الصغيرة التي كانت مثل القطة التائهة في ليلةٍ مُمطرة لتلتحد أسفل بناية عتيقة تستشعر دفئها، وقد لاحظ “تَـيام” تهامس خالته وأمه ليضغط على جفونهِ ثم زفر مُطولًا، يحاول أن يبقى بصورة الابن المُطيع المُهذب قبل أن ينفجر في والدتهِ، لكنه تذكر أنه هنا مع “ملاكه” التي ظن قربها مُستحيلًا، وسرعان ما زاحمت البسمة وجهه حينما تلاقت نظراتهما سويًا وهي تحثه ببسمتها ليحرك رأسه موافقًا لها بتروٍ.
وقف “أيـوب” ينتقي مع شقيقته ويشاركها هذه اللحظة بمحبة كُبرى، لقد تربت على يديهِ منذ صغرها وقد وقع نظرها على أحد الأطقم الزجاجية المكون من عدة الأنواع باللون الأسود تزينه زهور ذهبية اللون صغيرة في أطراف الصحون، كان الطقم رقيقًا ليجعلها تهتف بنبرةٍ حماسية:
_بس يا “أيـوب” !! حلو أوي، رقيق زي اللي كنت بوريهولك، حلو صح؟
حرك رأسه موافقًا ثم أشار مبتسمًا نحو “تَـيام” وهو يقول بنبرةٍ هادئة ليوجهها من خلال هذا الفعل:
_هو حلو أوي بس مش أنا اللي هاكل فيه، الأستاذ “تَـيام” تعالى شوف يا غالي علشان الصيني دا عليك، إحنا واحد وأنتَ واحد.
أقترب “تَـيام” يطالع ما تتطلع إليه هي وسألها بنبرةٍ هادئة بعدما ابتسم لها:
_عاجبك يا “آيـات”؟.
حركت رأسها موافقةً بخجلٍ لتتدخل خالته وهي تقول بنبرةٍ متهكمة لم تعجب أيًا من الواقفين بتدخلها في الأمر:
_غالي أوي، آخرته هيتحط في النيش، خليكِ عملية يا حبيبتي وهاتي حاجة شعبية كدا تعيش للاستخدام مش حاجة غالية زي دي، تتركن، وفري فلوسها في حاجة تانية.
تبدلت ملامحها في ثوانٍ من الحماس الشديد إلى الفتور وقد انطفأ وهج ملامحها المتوردة وشعرت بالخجل من فعلها لتضيف بنبرةٍ خافتة تؤيد حديث الأخرى:
_أيوة صح، حضرتك معاكِ حق.
وزع “أيـوب” نظراته بين الواقفين ليجد شقيقته تبتسم من جديد وهي تقول بنبرةٍ أتضح عليها أنها ترسم مرحًا يُعرف بالكذبِ:
_خلاص مفيش مشاكل، نشوف حاجة تانية.
أيدها “أيـوب” هو الأخر فيما أراد “تَـيام” أن يعارضها لكن قبل أن تتحرك رفع صوته يهتف بنبرةٍ جامدة:
_مفيش حاجة تانية يا “آيـات”، هتجيبي الطقم اللي عجبك زي ماهو، أنا قولت للحج كلمة مش هرجع فيها، يلا.
رفعت عينيها لأخيها تستشيره لتجده يحرك رأسه موافقًا وقد تدخلت “نيفين” وهي تقول بتهكمٍ تقصد إهانته:
_هو إيه أصله دا؟ مش المفروض انكوا أول مرة تنزلوا؟ يعني متعرفوش في الحاجات دي كتير، بعدين لامؤاخذة يعني الفلوس اللي معاك على القد، أمسك إيدك شوية علشان تعرف تجيب اللي عليك كله، لسه نجف وسخان وسجاد وستاير.
حقًا أثارت غضبه وأحرجته أمام خطيبته وشقيقها حتى وإن كان صديقه، من الأساس هو لم يعرض عليها المجيء، بل والدته التي أخبرتها سرًا لتتفاجيء بها تأتي حتى تشاركهم فرحتهم أو تفرض نفسها عليهم، لكن “أيـوب” ما إن رآى نظرات رفيقه المُحرج منهم رفع صوته نسبيًا وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
_وهو راجل مسئول كفاية ويقدر يحسب لنفسه دا أولًا، ثانيًا الحمد لله أختي عينها مليانة كفاية وعندها جهازها كامل، بس علشان “تَـيام” راجل حابب يشارك في الجهاز حتى لو باللي يقدر عليه، في النهاية هما أحرار مع بعض، وأنا واثق إن “تَـيام” مرتب أموره كلها.
صدق من ألقى عليه لقب “الغَـوثْ” لقد وقف مُغيثًا له ينقذه من عائلتهِ ومن نظرات خالته التي ترمقه بشررٍ، كانت تلوي شدقها بحنقٍ وهي ترى نفسها خارج إطار التحكم وخاصةً أن “نجلاء” صمتت وهي ترى ملامح “آيات” التي بدا عليها الحزن، فحتى وإن كان فعل ما يُرضيها لكن حماس البداية فَلَّ عنها وبدأت تنتقي مع أخيها وخطيبها من جديد وهي تعرض المنتجات على “نجلاء” حتى تراها وتشاركها الفرحة..
وقف “أيـوب” يشعر بالضيق لأجل شقيقته، هي دومًا تشعر بالحزن لأجل غياب أمها في مثل هذه المواقف التي تتطلب وجودها معها، وقد رآها في عيني شقيقته التي طَلَّ الحزن في نظراتها لكنه وقف هاديء الملامح كما هو وراقب شقيقته التي بدأ الحماس يعود لها شيئًا فشيءٍ ثم ابتسم لها وهي تخيره بين واحدٍ من الأجهزة لكي يوميء موافقًا فيما ظلت “نيفين” تحاول إدخال نفسها دون أي وجه حق.
__________________________________
<“لقد دقت ساعة الصفر، القنبلة موقوتة”>
الأضواء بدأت تخفت بالتدريج ليتبعها أخرى هادئة بالتزامن مع الموسيقى الرومانسية التي تم اختيارها لرقصة “عاصم” مع زوجتهِ التي ضحكت له بسعادةٍ ثم شبكت كفها بكفه والأخر رفعته تضعه على كتفهِ وهي تسأله بنبرةٍ ضاحكة:
_أوعى تكون زهقت مني بقى وحابب تغير فتقوم مطلقني.
ضحك لها “عـاصم” وقال بنبرةٍ هادئة وهو يطالع ملامحها بأعين مُحبة وصادقة ترمقها بكل حُبٍ:
_مستحيل، أنتِ عارفة إني بحبك.
ضحكت بغرورٍ ثم هتفت بدلالٍ عليه تقصد مراوغته:
_متأكدة إنك بتحبني، ودا غرور في نفسي.
لثم جبينها أمام الجميع لتخجل هي من حركتهِ، فيما فرغ فاه “عـهد” من أثر الصدمة ليبتسم “يـوسف” بسخريةٍ ثم هتف في أذنها بنبرةٍ خافتة وهو يراقب نظراتها المصوبة نحو الزوجين:
_شوفتي جبروته دا كله؟ هي الوحيدة اللي تقدر عليه.
سألته “عـهد” بلهفةٍ حينما أدركت أنه فهم سبب نظراتها:
_هو بيحبها بجد؟.
حرك عينيه نحو عمه الذي يرقص برفقة زوجته ثم عاد لها من جديد يطالعها وهتف بثقةٍ وهو يزهو بنفسهِ:
_محدش حب بجد قدي.
ابتسمت بخجلٍ له فيما حرك رأسه قليلًا نحوها ليقطع لحظة هيامها هذه صوت فتاةٍ أتى من على قربٍ تقول بدهشةٍ:
_مش معقول !! “يـوسف” يخرب عقلك وحشتني.
حركت “عـهد” رأسها نحو الفتاة بسرعةٍ كبرى ترفع أحد حاجبيها في تأهبٍ لعراكٍ صريحٍ وقد أقتربت الفتاة بعدما تخطت “عـهد” وهي تندفع نحو “يـوسف” الذي أوقفها بحدة نظراته وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
_أهلًا يا “صافي” أخبارك إيه؟.
حركت كتفيها وهي تقول بتلقائيةٍ كاذبة:
_مبسوطة علشان شوفتك أكيد، أخبارك إيه؟.
مرر عينيه على “عـهد” التي احتقن وجهها وبدت كأنها تود الفتك به وبالفتاة أيضًا وقد أقتربت منهم “رهـف” ترحب بالفتاة وهي تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذة لتقول الفتاة بسعادةٍ بالغة وهي تتجاهل عن عمدٍ وقوف “عـهد”:
_البنات هيفرحوا أوي لما يعرفوا إنك هنا..
قالت جملتها والتفتت للفتيات صديقات “شـهد” وهي تشير لهن بالإقتراب وتنادي عليهن بحماسٍ حتى أقتربت الفتيات ترحب به بذهولٍ زائفٍ، من الأساس كانت معرفته بهن سطحية بسبب علاقته بـ “شـهد” لم يعرف من أين أتى كل هذا الحماس لكنه فهم أن الحية قامت ببخ سُمها لكي ينتشر بسرعةٍ مهولة، لذا لم يرحب بأي منهن فقط إبتسامة باهتة لم تصل لعينيهِ وإماءة خفيفة بالرأسِ لتقول إحداهن بتعجبٍ:
_مش معقول !! إيه يا “يـوسف” اتغيرت، إحنا مش كنا صحاب كلنا في نادي واحد؟ نسيت أيام زمان؟ فرحانين إنك رجعت والله، وترجع شقاوة زمان.
قام بثني لسانه داخل فمهِ بحركةٍ سريعة كعلامة تدل على الإدراك ثم سحب “عـهد” من جديد تلتصق به مرة أخرىٰ حينما لمح “شـهد” بين الفتيات وهتف بنبرةٍ هادئة لم تنفك عنها الثقة التي لم ولن تلق بغيرهِ:
_الحقيقة لو قصدك على حياة العك اللي كنت فيها، فهي خلاص راحت لحالها وطلقتها بالتلاتة، أصلي اتجوزت خلاص، وقبل ما حد فيكم يسأل فأحب أقولكم إن قبل كدا مكانش فارق معايا حد ولا يخصني حد، دلوقتي عندي مراتي يعني من حقي أخاف عليها، علشان او أي حد مهما كان هو مين رفع عينه فيها، هصفيهم.
أحرجهن بكل سلاسة دون أن يكبد نفسه عناء الانشغال بهن، لقد علم مُسبقًا أن “شـهد” هي السبب الأساسي لذا قرر أن يراسلها بصورةٍ غير مُباشرة هي وصديقاتها _المُبجلات الجميلات_ بسخريةٍ بالطبع ثم رفع كفه يحاوط زوجته التي تجمدت من فعله وحديثه لتجده يضيف بثباتٍ وهو يشير برأسه خلف الفتيات:
_نورتوا يا بنات، صحابكوا الباقيين مستنيينكم.
تحركت الفتيات من أمامه بإحراجٍ بالغٍ وقد ارتسمت البسمة على وجه “عـهد” التي لم تفهم سبب سعادتها وفخرها بحديثهٍ وكيف استرد لها حقها منهن ومن “شـهد” التي وقفت بجوار زوجها تراقب “يـوسف” بجوار “عـهد” التي سألته بسخريةٍ:
_المفروض أقلبها غم عليك، صح؟.
حرك رأسه نفيًا ثم أضاف بثباتٍ بالغٍ كأنه المجني عليه:
_إطلاقًا، علشان حقك رجع وقتي ومفيش واحدة قدرت تزعلك، بدليل إنهم حتى مرموش عليكِ السلام يعني جايين ليهم هدف محددينه، بس محسوبك قارح وعارف إزاي يرجع للعقرب لدغته من تاني.
ابتسمت بيأسٍ له لتجد بقية أفراد العائلة تقترب منهما وعلى رأسهم “عاصم” الذي وقف أمامها يهتف بنبرةٍ هادئة دون أن يبالي بها:
_مساء الخير.
توترت أمامه وهتفت بتلعثمٍ:
_مسـ..مساء النور.
أتى “سامي” من خلفهم يحاول التخفي من “يـوسف” خشيةً أن يقع في مأذقٍ بسبب الخوف الظاهر عليهِ وقد تجاهله “يـوسف” عن عمدٍ وتعمد أن ينظر لـ “نـادر” الذي لأول مرةٍ يطالعه بهذه الطريقة، نظرة غريبة لم يفهمها “يـوسف” ولم يكترث بها، وقد أرادت “شـهد” أن تُضفي طابع الودية على الحديث وهي تقول:
_وأنتَ بقى يا “يـوسف” اتعرفت على “عهد” فين؟.
كانت متطفلة أكثر من كونها مستفسرة، ألقت السؤال وهي تنتظر جوابًا عاديًا يُرضي فضولها ورغبتها في الشعور بالأفضلية على غريمتها، لكنه ابتسم وهو يقول بهدوءٍ نبع عن صدقهِ:
_الحقيقة إنه القدر، خلى الطُرق تتقابل علشان ألاقيها أو ألاقي نفسي عندها، والحقيقة إني لقيت نفسي فعلًا معاها، علشان هي من مكان محدش يتوقعه أصلًا.
نظرت “فـاتن” إلى “مادلين” التي بادلتها خوف نظراتها بمثيله تمامًا وهي تحرك كتفيها بحيرةٍ دون أن ينتبه لحركتها هذه وقد اندفعت “شـهد” بفضولها من جديد وهي تسأله بنبرةٍ متباينة المشاعر بين الخوف والترقب:
_ليه منين أصلًا؟.
تم إلقاء السؤال أمامه والأعين تتطلع للمزيد وكأنها حالة حربٍ تُقام في الميدان ويتم جَرَّ القائد إليها، لكن القائد يدري خبايا الغُرماء فهتف بانتصارٍ بعدما لمعت عيناه ببريقٍ خاص وظهرت عليه التسلية:
_من حارة “العطار”، اتعرفت عليها هناك.
ألقى الكلمة أمامهم ولم ينتظر أو يغير ما تفوه به، بل راقب نظراتهم بنفس البريق الذي أرضاه تمامًا عند تأكده من الخوف الظاهر عليهم ليضع سبابتيه بجوار بعضهما في وضعٍ مُلاصقٍ وأضاف بخبثٍ حاد لم تنفك عنه الثقة ولا تفارقه القوة:
_تحديدًا بقى جارة الحج “عبدالقادر العطار”.
إذا كنت تظنه الخصم الضعيف، إذًا أنتَ الضعيف وإذا كنت تحسبه وسطهم هينًا، فهو ليس ببسيطٍ مثل سذاجة تفكير البعض، هو صاحب المسرح باللعبة ومالك الخيوط بأكملها، وبدلًا من أن يكون مجرد ضيف شرف بالمسرحية، هو دائمًا صاحب الطلة المُميزة ودور البطولة، وقد أتت ثمار فعله بوضوحٍ وتثبتت جميع النظرات عليه وتجمدت أطرافهم وخاصةً “عـاصم” الذي أرخى قبضته عن كوب المياه لتسقط منه على الطاولة وتتناثر القطرات التي طالت الجميع..
حينها اقترب منه “يـوسف” يسحب المحارم الورقية ثم بادر بمسح حِلتهِ بطريقةٍ مصطنعة ثم رفع نفسه مُجددًا يهمس له بنبرةٍ أقرب لهسهسة الفحيح الذي يخرج من الأفعى:
_الحج “عبدالقادر العطار” ابن خالتك اللي أنتَ رميت أمي وأختي في الشارع وهو شال مسئوليتهم من بعدك، إن شاء الله تتشل قريب وأنا هشيلك بأيدي يا “عـاصم”.
ابتعد للخلف سنتيمترات قليلة لكي يتسنى له رؤية وجه عمه الذي بُهتِت ملامحه وكأنه ضمن عداد الموتىٰ لا شك في ذلك ثم أقترب من جديد يُضيف بنفس الهمس المُخيف:
_هشيلك وأرميك في الشارع برضه زي مارمتني.
عاد للخلف من جديد يبتسم بشرٍ غريبٍ أرعبهم، نظرته كانت جديدة كُليًا وكانت خليطًا بين الانتقام والثأر وبين الإنتصار والفخر، وقد أخرج من جيب سترته علبة مخملية يقدمها لصاحبة الحفل وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_كل سنة وأنتِ طيبة يا “مادلين” عقبال مليون سنة دا مموتيش بجلطة على أيد الحبايب.
طالعته بعتابٍ وحركت رأسها نحو عمته التي حاولت أن تبلل شفتيها بخوفٍ من القادم وقد صرخ حلقها من الجفاف حتى تحطب تمامًا، تعلم أن اللحظات القادمة حتمًا ستكون ساحقة عليهم، وقد حل عليهم الصمت وظلت النظرات هي التي تتحدث، وقد وقف “سـامي” أمامه يشعر بإرتجافة غريبة في جسدهِ، نظرات “يـوسف” أرعدته صريعًا، لقد سبق وقال أن “يـوسف” مريض نفسي، والآن سيتراقص على أوتار الإضطراب بذاته.
أقترب “يـوسف” من “سـامي” قبل أن يرحل ومال على أذنه يهتف بخبثٍ بنبرةٍ أقرب للهمس:
_قول طاسة كدا.
رفع “سامي” عينيه نحوه بخوفٍ حقيقي وهو يعلم أن هذه السخرية ما يتوارىٰ خلفها أكثر خطورة من الطوفان ليضيف الأخر بمكرٍ وهو يضحك:
_متخافش أنا مؤدب مش هقولها، مش هجيب سيرة حد خصوصًا لو كان زي ماما كدا، أظن يعني أنتَ فاهم اللي فيها، ابن “تماسي” بقى، قابل يا “سـامي” علشان اللي جاي هفرمك فيه.
أنهى جملته ثم اعتدل من جديد بجسدٍ مشدودٍ وقوامٍ ممشوقٍ ثم شبك كفه بكف زوجته التي وقفت أمام الجميع حائرةً من فعلهٍ وتجزم بكل إصرارٍ أنها رآت منه النسخة الأصعب التي تجلت في نظراتهِ الحادة وضغطه على كفها دون أن ينتبه لنفسه ثم أشار لـ “عُـدي” خفيةً حتى يتبعه ثم خرج بزوجته بعدما ألقى القنبلة وسط جلستهم وخرج مرفوع الرأس مثل خيلٍ دلف الميدان وسط السيوف الحادة لتنتهي المعركة بانتصارهِ عليهم جميعًا وهو الناجي الوحيد…
__________________________________
<“الليل لم يَدُم طويلًا بل تعقبه الضُحىٰ”>
_”يا شمس يا منورة غيبي، وكفاية ضيك يا حبيبي
يا شمس يا منورة غيبي وكفاية ضيك يا حبيبي
وودي يا ليالي وجيبي، ولا ألاقي زيك يا حبيبي
عُمرك يا دُنيا ماتخلي بي، طول ماهو ساكن في جُليبي
عشقاه وداب في دباديبي مكتوبي هو ونصيبي..”
قاد السيارة الخاصة به من بعد اللقاء الذي أحياه من جديد ورد بداخله الروح ليفيق أكثر حيوية من ذلك الجسد الذي كان خاليًا من كل ما تعنيه الحياة، وقد فتح هاتفه الحديث أخيرًا ليجدها قامت بنشر هذا الفيديو لتوها بهذه الكلمات، من غيرها؟ هي “ضُـحى” صاحبة الحياة كما يُلقبها، فتاة لم تعرفها الانطوائية ذات يومٍ، بل يخشاها الرُهاب الإجتماعي، أبتسم بحماسٍ حينما وقع بصره على تعليقٍ لها في نفس منشور الفيديو حينما كتبت بمزاحٍ:
_هما إزاي مباعوش الكلمات دي علاج؟.
ابتسم مرةٍ أخرى وعاد يستمع للكلمات وللحق هو كان أنانيًا بدرجةٍ كبرىٰ جعلته يأخذ الكلمات لنفسهِ، أخذها كإشارةٍ منها وقد ازدادت أكثر حينما أتى المقطع الثاني:
_”أنا اللي ليل عمري غدر بي..
أول ما شوفته الهوا دار بي،
أنا اللي ليل عمري غدر بي..
أول ما شوفته الهوا دار بي،
وقلبه طار واختار دربي..
شالني في عينيه واتغندر بي
قولنا سوى يا جراح طيبي…”
حتمًا ستطيب الجراح وحتمًا تنتظره معها حياة أخرى أصبح ينتظرها بكامل طاقته، لقد أزاح الكابوس الأول من طريقه، هي أصبحت تعرفه وتعلم ظروفه وأصبحت على درايةٍ كافية، من الآن لن يصبح بنفس صورة الحقير الوضيع الذي دلف حياتها رغمًا عنها ثم فاجئها بحقيقته، ضحك ما إن أدرك ذلك واتسعت ضحكته أكثر والآن أضحىٰ ينتظرها وينتظر الضُحىٰ…
أوقف السيارة في فناء البيت ثم ركض منها مهرولًا نحو رفيقه، ركض بلهفةٍ ليجد الأخر في انتظاره وهو يقول بلهفةٍ:
_جت، جت يا “قـمر” يارتني كنت صدقتك.
صهلل الخيل كأنه يرد عليه وحرك رأسه للجهةِ الأخرى، فاقترب “إسماعيل” منه يمسح على رأسهِ وهو يقول بنبرةٍ هادئة بعدما ابتسم بحالمية:
_جت وطلعت أصيلة، قولتلك حاسس إنها زينا، هي غبية في رد فعلها ومطرقعة شويتين بس أكيد هي مش ندلة، القلب الدافي بيحس بدفا صاحبه، وأنا قلبي اختار قلبها هي يصاحبه، أنا فرحان، فرحان وحاسس إني عاوز أطير معاك دلوقتي..
قال جملته قم إمتطى الخيل بمهارةٍ بعدما حرر قيده ثم مال عليه يهتف بنبرةٍ عالية نبعت عن حماسهِ ولذة مشاعره التي تعزف بداخل قلبهِ مقطوعة موسيقية نادرة الانسجام لتكون النتيجة ارتخاء الأعصاب تمامًا، وقد ترك نفسه مع الخيل الذي بدأ الركض بكل قوةٍ يشارك رفيقه الفرحة، يسير به وسط الليل وهو يضرب بحوافرهِ في الرمال التي اُستثارت من محلها لتشكل نقعًا بفعل الحوافر، ثم يثار بشكلٍ أكبر ليصل للرياح ليكون من بعدها عُجاجًا بفعل الهواء.
لوحة فنية عبارة عن فتى يشبه العصفور مكسور الجناحين يحاول أن يرفرف بهما، ليأتيه رفيقه يمسك به ويعلمه كيف يطير، والآن هو في مرحلة التعلم فقط وعن قريب سيطير..
بالأعلى تحديدًا ببناية “إيـهاب” التي يقطن بها كان على غير العادة، لقد وصلته الأخبار من ذويه أن شقيقه قابل “ضُـحى” واطمئن عليه ليرتخي جسده تمامًا وهو يعود للخلف على مقعد الطاولة، لقد شعر بفرحة غريبة تغمره وكأن هو السعيد بهذه المناسبة وليس شقيقه، زفر مُطولًا ثم سحب سترته يرتديها وأغلق السحاب وهو يرفع صوته بنبرةٍ عالية يقول:
_”سـمارة” أنا نازل خمسة وراجع تاني.
خرجت له من الممر المؤدي للغرف وقالت بلامبالاةٍ:
_وإيه الجديد، مع السلامة.
زاوى مابين حاجبيهِ بتعجبٍ منها ثم قرر أن يتجاهلها كُليًا وقال بنبرةٍ هادئة:
_طب أنا أخري تحت وراجعلك تاني نشوف حل في بوزك الفقر اللي مبيتفكش دا، استنيني ها.
التفتت له تتبختر أمامه بدلالٍ وهي تضرب بقدمها التي ترتدي بها السوار “خُلخال” فضي اللون الأرض عن عمدٍ وهتفت بلامبالاةٍ دون أن تكترث به:
_عادي، طول عمري مستنية، كدا كدا أخرك هنا.
تركته ودلفت من جديد ليضيق جفونه بشكٍ ثم زفر مُطولًا وتوجه نحو الباب يفتحه وخرج من الشقة لتنظر في أثره هي بخيبة أملٍ، تعلم أنه يود الإلحاح لكي يتحرك ويعبر لها عن مشاعره ويلقي عليها الحديث المعسول، لكن هي يتوجب عليها أن تذكره؟ لما لم يفعلها هو من نفسه؟ لما لم يعبر عن مشاعره ويشاركها ما يفكر به؟ لقد أصبح رجلًا مصريًا كما عامة الشعب، تدور بهم عجلة الحياة والعمل والضغط، لكن هي؟ هي إطار بمفردها لن تكتمل صورته من دونها..
نزل “إيـهاب” لمحل شقيقه الذي عاد من جديد بخيلهِ إلى الإسطبل لكي يضعه في مكانهِ وقد عاود من جديد الخروج ليجد شقيقه في انتظاره وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_حمدًا لله على السلامة، اتأخرت ليه؟.
أقترب منه “إسماعيل” يهتف بارتباكٍ ملحوظٍ:
_هو بصراحة كان فيه مشوار مهم، يعني خلصته وجيت، بعدين يعني أنا تمام أوي متقلقش كدا عليا، إيه اللي منزلك دلوقتي ؟ الساعة داخلة على ١١ يا “إيـهاب”.
ابتسم “إيـهاب” له بعينيه وهتف بثباتٍ يخبره بصدقٍ:
_جيت علشان أشوفك وأنتَ فرحان كدا، أصلك مش هتخبي عليا، بقالك ١١ يوم مشيلني الهم، ولا إحنا في الحزن مدعيين وفي الفرح منسيين؟ قابلتها صح؟.
لم يقدر على الكذب أو حتى إخفاء لمعة عينيه التي شارفت على الوهج مثل الضوء، لذا انفرجت شفتاه عن بعضهما ببسمةٍ وحرك رأسه موافقًا وقد سأله الأخر باهتمامٍ:
_وأنتَ لما شوفتها جيت مبسوط؟.
هز رأسه مومئًا بشدة لكي يضحك له “إيـهاب” ثم أقترب منه يلثم جبينه وهتف بعدها وهو يطالع عينيه:
_مبروك يا حوكشة، ربنا يسعدك.
ضحك “إسـماعيل” وحينما كاد أن يتحرك “إيـهاب” هتف الأخر بلهفةٍ يطلب منه آخر ما توقعه في هذه اللحظة حينما هتف “إسماعيل” بلهفةٍ:
_”إيـهاب” !! ينفع أنام في حضنك النهاردة؟.
طالعه مستنكرًا بشدة غريبة جعلت “إسـماعيل” يقول بنبرةٍ هادئة مفسرًا سبب حديثه:
_أنا عاوز أنام النهاردة وأنا فرحان ومتطمن، أنا جاي فرحان، نفسي أنام متطمن زي ما كنت بنام في حضنك زمان.
هتف بنبرةٍ خافتة لم تصل لشقيقه:
_أنا كنت عامل حسابي على حضن تاني خالص، حبكت يا “إسـماعيل”؟؟!..
سأله “إسـماعيل” بتعجبٍ عن صمتهِ ليبتسم الأخر له نافيًا بذلك ظنون أخيه ثم أقترب منه يضع ذراعه على كتف أخيه ليسيرا معًا نحو الداخل تحديدًا بغرفة “إسماعيل” الذي بدل ثيابه بالمرحاض الخاص بغرفتهِ وخلع “إيـهاب” سترته وتمدد على الفراش، لتمر دقائق قليلة تلاها اقتراب “إسماعيل” منه وقد ضمه “إيـهاب” بين ذراعيه ومسح على ظهره وهو يهتف بسخريةٍ:
_أحكيلك حدوتة ياض؟.
ضحك “إسماعيل” رغمًا عنه ونفى ذلك برأسهِ وقد بدأ “إيـهاب” يمسح على ظهرهِ وهو يتذكر عدة ذكريات مؤلمة فتكت به وآلمته، ذكريات مرت عليه وعلى شقيقه وسبحان الخالق كتب لهما منها النجاة، ابتسم بسخريةٍ وهتف يمازح شقيقه بقولهِ:
_أخر مرة نمت في حضني باين كانت وأنتَ في ثانوية عامة، أنا مش ناسي ساعتها قالوا النتيجة بعد الضهر وهوب الفجر كانت الفضيحة بجلاجل، ساعتها نمت الليلة كلها في حضني مش عاوز تسيبني من خوفك، وسبحان الله جيبت أكتر ما كان نفسك، ودخلت الكلية اللي عاوزها، وأنا كنت هموت من خوفي على زعلك.
ابتسم “إسـماعيل” ورفع رأسه يغمض عينًا ويفتح الأخرىٰ وهو يسأله بتهكنٍ كأنه يقرر ما يستجوب عنه:
_هو أنا من غيرك كنت هعمل إيه؟ من أول ما بدأت رجلي تشيلني كدا لحد دلوقتي، أكيد كان زماني ميت صح؟ أو على الأقل مسجون، أكيد كانت هتبقى نهاية بشعة أوي.
انفلتت ضحكة خافتة من بين شفتي “إيـهاب” تبعها بقوله القوي الذي لم يترك نفسه لسُلطة المشاعر حينما هتف:
_ولا بشعة ولا حاجة، أنا معاك أهو وربنا كتبلنا عمر تاني نكون فيه مع بعض كل واحد يقوي التاني، علشان كدا أنا هنا معاك وأنتَ هنا معايا، علشان أنا برضه بسأل نفسي كل يوم من غير “إسماعيل” كنت هعيش إزاي؟ أكيد كنت هبقى لوحدي وأنا بكره أكون لوحدي، نام يلا.
أغمض “إسماعيل” جفونه وملامحه لازالت مُنبسطة تمامًا وهو يستسلم لسلطة النوم فيما ضمه أخوه بداخل عناقه يحميه مثلما يحمي الأب صغاره، ضمه في كنفهِ وهو يتذكر صوت صراخه في صغر عمرهِ حينما كان يستغيث به هاتفًا:
_يا “إيــهاب”..
زفر “إيـهاب” بقوةٍ وأغمض جفنيه يضغط عليهم ثم فتح عينيه بتروٍ وظل يمسح على ظهر أخيه وتذكر حديث الشيخ أن تُتلى عليه آيات القرآن الكريم وبرغم تذكره لقصار السور استعان بها وهو يمسح على ظهره ورأسه حتى نام هو الأخر وكان ضاممًا شقيقه بذراعيه القويين والآن فقط أدرك حاجته لهذا العناق وقد يكون أكثر من أخيه.
__________________________________
<“خيلٌ جامحٌ يركض بساحة القتال”>
خيبة الأمل مثل الرقع على الدفوف تَدُق فجأةً..
هكذا دقت خيبة الأمل فوق رؤوس عائلة “الراوي”، لقد عادوا للبيت من جديد يجرون أذيال الخيبة بعدما كشف “يـوسف” له عن نفسه، دلف “عاصم” غرفته يحل أزرار قميصه الذي قبض على عنقه، وظل يتذكر النظرة نفسها وحديثه ونبرته وكيف قتله محله دون أي سلاحٍ يذكر..
أما “سـامي” فوقف في حديقة البيت مثل المتلقي عصا غليظة فوق رأسه، لازال أثر الحديق عالقًا برأسهِ، ولازال يخشى القادم، لكنه يود أن يعرف ما حدث لذا ترك محله ما إن أدرك حجم الكارثة التي وقعوا فيها ثم تحرك نحو غرفة “عاصم” يطرق بابها بقوةٍ حتى خرج له الأخر يرمقع بنظراتٍ نارية جعلت الأخر يرفع صوته قائلًا بانفعالٍ:
_تقدر تقولي هنعمل إيه في الكارثة دي يا “عـاصم” ؟ عرف كل حاجة خلاص، وصل لأمه وأخته ومش بس كدا، دا حط أيده في أيد “عبدالقادر العطار” يعني بقى قطر هيدوسنا كلنا، مين اللي فتح علينا النار دي.
كان الأخر في أوج صدمته، لم يخرج منها ولم ينفك عنه التيه والخدر، ألجمته الصدمة وأوقفته محله أمام الأخر بعينين جامدتين وهتف بنبرةٍ رغم هدوئها خرجت مرعبة:
_”فـاتن” !! هي اللي قالتله؟.
كان يسأل أو يلقي تخمينه مما جعل “سامي” يلتقط اسمها لتتحفز حواسه على الفور واشتدت ملامحه بقسوةٍ ليغير اتجاهه نحو غرفة الأخرى التي جلست برفقة ابنها و “مادلين” في غرفتها وقد انتبهت لدخول “سامي” الغرفة يسألها هادرًا من بين أسنانه:
_أنتِ اللي قولتيله يا “فـاتن” !! انطقي !!.
حركت رأسها نفيًا بخوفٍ من هيئته وقد تذكرت كيف مرت عليهما الأيام وهي تتلقى منه الضربات وتعلم أنه لو أراد سيضربها أمام الجميع وقبل أن يقترب منها وقف “نـادر” أمامه يتحدث من بين أسنانه بغيظٍ:
_عندك يا بابا !! رايح فين؟.
طالعه “سامي” مستنكرًا حديثهٍ بغرابةٍ وكذلك تعجب “عـاصم” الذي وجده يقف أمامهما ثم التفت لها يقول بنبرةٍ هادئة بعدما رفع كفه يمسح على كفها:
_محدش هيقرب منك وأنا هنا، متخافيش.
ابتسمت له من بين دموعها وتمسكت به بذراعها وهي تتوسله أن يبقى معها وقد هتف هو بإصرارٍ جليٍ من جديدٍ بعدما عاد لهما يرمقهما بغيظٍ:
_اللي قالت ماتت وراحت عند ربنا، تيتة الله يرحمها، خلصت نفسها بدري بدري علشان كدا روحها مطلعتش غير في حضوره، غير كدا محدش ليه حاجة تاني، وأمي محدش ليه دعوة بيها، أنا هنا ومستحيل هخلي حد منكم يقرب منها تاني، إذا كان دا حصل قبل كدا، فأنا مش هقبل بيه، برة اتفضلوا.
هدر فيهما بنبرةٍ عالية جعلت “سامي” على وشك أن يثور في وجه ابنه يفتك به لكن “عـاصم” تدخل وسحبه من ذراعه وهو يعلم كيف تتم الأمور بحنكةٍ أخرى وكأنه استعاد ثباته من جديد وما إن فرغ عليهما المكان هتف “عـاصم” من بين أسنانه بغيظٍ:
_سيبك من كل الهبل دا، لو كنا حاطين في دماغنا حاجة بمقام قيراط، “يـوسف” دلوقتي حاطط قصادها ٢٤ قيراط، لو فاكرها هتمشي بالهمجية دي تبقى عبيط، خلينا نشوف أخرتها إيه.
سكت الأخر مذعنًا له بكذبٍ لأنه من المؤكد سيسلك طريقًا غير ذلك يوصله لمرادهِ، يعلم أن طريقه مع “ماكسيم” لذا عليه أن يقدم فروض الولاء والطاعة لـ “عاصم” ويخرج سمه ليتعاون مع صاحب الجنسية الأخرى لكي يعاونه، حسنًا لقد فجر القنبلة في أرضهم وفل بنفسهِ مُعافى تمامًا.
__________________________________
<“اليوم الجديد بحياة جديدة، نبدأها الآن”>
في صبيحة اليوم الموالي..
في شقة بسيطة مكونة من ثلاثة غُـرف بأثاثٍ قديمٍ بعض الشيء لكنها هادئة ودافئة، لم يعلم لما اطمئن بداخلها وشعر بالأمان حقًا، لقد قرر أن ينهي عمله تمامًا ويبدأ بداية تليق به كونه هنا من ساكني حارة “العطار” وكونه معالجًا نفسيًا، لذا جلس “مُـنذر” يحاول أن يفعل أي شيءٍ في التعامل هنا برفقة أهل الحارة، وعليه أن يهتم بعملهِ، لحظة جموح غريبة رفعت قدر طموحه ليفكر بكل حماسٍ في مستقبله..
دقائق مرت عليه وهو يجلس محله أمام الشرفة دون أن يدخلها لتصله طرقات فوق باب الشقة جعلته يترك محله ثم ذهب يفتح الباب ليجد أمامه “أيـوب” الذي وقف أمام مبتسم الوجه ثم هتف بنبرةٍ هادئة:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ابتسم له “مُـنذر” وهو يقول بنفس الهدوء:
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أؤمر.
_الأمر لله وحده، أنا جيت أتطمن عليك وجيبتلك حاجات للشقة أكيد المكان فاضي عليك يعني، أتمنى لو احتاجت حاجة متتكسفش مني، أنا أخوك هنا وأنتَ أمانة في رقبتي، ولو عاوز حاجة رقبتي سدادة ليك.
اطمئن “مُـنذر” بطريقة غريبة جعلته يحرك رأسه موافقًا وهتف بارتخاءٍ واضحٍ عليه وعلى نبرته:
_يبقى كتر ألف خيرك، على العموم متقلقش أنا لسه باخد على الشقة بس بعدها هاخد على الحارة وأهلها، وأكيد يعني لو احتاجت حاجة هاجيلك أنتَ أو “يـوسف”، بس أتمنى إنك متضايقش من وجودي.
ابتسم له “أيـوب” ثم دلف الشقة يضع فيها الحقائب البلاستيكية ثم التفت للأخر يهتف من جديد بقولهِ وكأنما انتبه لتوهِ:
_آه صحيح “يـوسف” كان طالع معايا، بس جاتله فرصة من دهب مقدرش يقولها لأ، علشان كدا ممكن يجيلك كمان شوية، شوف كدا محتاج حاجة تاني؟ أو تحب حاجة معينة نجيبها علشانك؟ اللي يهمنا راحتك.
رد عليه بأدبٍ ينفي حاجته لأي شيءٍ وقد رحل “أيـوب” بعدما أخذ رقمه لكي يتواصل معه ويطمئن عليه، ثم نزل للأسفل ليبتسم رغمًا عنه حينما وجد “يـوسف” يهتف في وجه “وجـدي” عم “عـهد” بقولهِ منفعلًا:
_يمين بالله، لو فكرت تقرب منه ولا من الشقة أنا هفصل راسك عن جسمك، وحركة تأجير الشقة عديتها بمزاجي علشان هي قالتلي مش عاوزة مشاكل مع أشكال ملهاش لازمة، أديني حذرت، وياويلك لو كترت..
رمقه “وجـدي” بخوفٍ منه فيما التفت “يـوسف” على الفور وواجه “أيـوب” وهو يسأله بهدوءٍ يتنافى مع انفعاله السابق:
_ها !! خلصت ؟.
أومأ موافقًا فيما التفت هو من جديد يهدد “وجـدي” بنظراتهِ قبل أن يتحرك مع “أيـوب” الذي أخبره بنبرةٍ هادئة يستفسر منه:
_برضه مش عاوزة تقولي ليه عرفت عيلتك؟ على ما أظن دا مكانش وقته يا “يـوسف” لسه كل حاجة مكركبة، أظن دا كان قرار متهور شوية؟ ولا أنتَ قاصده يا “يـوسف”؟.
ازدرد “يـوسف” لُعابه ووقف عن السير يهتف بنبرةٍ منزعجة من كثرة التفكير:
_صدقني يا “أيـوب” مش بإيدي، “نـادر” عرف واللي زي “نـادر” دا عيل صغير مسحوب من لسانه، كلمتين حلوين من مراته تخليه يبخ ليها بكل حاجة عنده، أنا معنديش استعداد أكون تحت رحمته هو وهي، وغير كدا خليني معاك للآخر، هخبي لحد إمتى؟ مسيرهم يعرفوا، خليني أفوق بقى شوية واللي ليه حاجة عند التاني ياخدها.
ربت “أيـوب” على كتفه وهو يحثه بقوله:
_توكل على الله، وربك يكرمك باللي نفسك فيه، وأكيد يعني أنتَ مش لوحدك، أنا معاك وفي ضهرك وورانا “عبدالقادر العطار” وقبله إحنا في رعاية الله ومعيته، طالما نويت خلاص ربنا يعينك ويرزقك القوة وينصرك.
ابتسم له “يـوسف” بامتنانٍ ثم تحرك معه عائدًا كلًا منهما إلى بيتهِ من جديد، لم يعلم لما شعر”يـوسف” بالخوف بعد عودته فوجد نفسه يهاتف “أيـوب” ويخبره بما فعله، بدا مثل الطفل الصغير الذي أجرم ويود سماع نصيحة من أحد الأفراد الكبار وقد أعطاه “أيوب” ما تمناه حينما هدأه بالأمسِ ووقف معه.
في بيت “العطار”
جلست هذه الفتاة الرقيقة تتذكر يوم أمسٍ كيف قابلت العديد والعديد من التفاصيل الخاصة بشخصية “تَـيام” بخلاف خفة ظله وبخلاف تفانيه الشديد في العمل إلا أنها رأت بعينيها تفاصيل أخرى كانت متخفية عن عينيها مثل قوة شخصيته ومثل شهامته، كرم خصاله، لاحظت أنه للأسف عنيد بدرجةٍ كبرىٰ ويصر على مايريد، وقد حمدت ربها أنها فتاة مسالمة وإلا أمام قوة عناده من المؤكد لن تستمر هذه العلاقة..
عاد الضيق يرتسم عليها مع انقباضة قلب خفيفة بسبب موقف خالته التي تطفلت على فرحتهما وكيف كانت تحاول والدته أن توقفها عند حدودها، لكن للأسف هذه المرأة حدودها غير متناهية، علمت “آيـات” أن هذه العلاقة لم تكن بقدر السهولة التي ظنتها هي، بل هي أصعب لذا زفرت بقوةٍ تستغفر ربها وقد أتت لها “نِـهال” التي حملت “إيـاد” برغم ثقل جسده إلا أنه حينما شاكسها حملته هكذا لتضحك معه وهو يجلس بين ذراعيها وهي تضمه ثم انتبهت لملامح “آيات” وسألتها بتعجبٍ من طيلة شرودها:
_مالك يا سكر؟ فيه عروسة تكشر كدا؟.
ابتسمت لها “آيـات” ثم قالت بتوترٍ:
_بصي !! أنا هقولك علشان بحبك وواثقة إنك هتسمعيني وتفهميني، إمبارح كنت متحمسة أوي بس بعد كدا أنا أنطفيت، بقى كل همي أروح وخلاص، بصي يا ستي…
بدأت تسرد عليها موقف خالة “تَـيام” ووالدته وكيف تدخلت الأولى في حياتهما بصورةٍ ملحوظة وكيف كانت تلقي تعليقاتها على كل شيءٍ بطريقةٍ سخيفة، بل والأدهى من كل ذلك أنها ترفض غالبًا كل شيءٍ تطلبه “آيات” دون سببٍ معينٍ لذلك، وقد أنهت الحديث بخيبة أملٍ ارتسمت على ملامحها لتقول “نِـهال” بنبرةٍ جامدة:
_معلش يعني وخطيبك يجيبها ليه؟.
اندفعت “آيـات” تدافع عنه بقولها:
_لأ والله، هو مجابهاش، هو بس قال لمامته ومامته عرفتها علشان مش بتخبي حاجة عن أخواتها، حتى هو فضل يحلف لـ “أيـوب” امبارح قد كدا، أنا بس اللي مزعلني إني مش بعرف أرد، ولا بعرف أحرج حد، يعني لو كل مرة الوضع هيكون كدا، أنا هتخنق.
ابتسمت “نِـهال” بشرٍ وهي تضيف بخبثٍ حاد:
_وليه يا حبيبي تتخنقي؟ أنا روحت فين يعني؟ هاجي معاكِ وأخد “إيـاد” حبيب ماما كمان واللي يزعلك نزعله هو كمان، بعدين سيبك منهم وقومي افرحي بحاجتك وشوفي ناقصك إيه وعندك إيه، سيبك منها، أنا معاكِ.
ابتسمت لها “آيـات” ثم أرسلت لها قبلة هوائية وتحركت من محلها نحو الداخل فيما ضمت “إيـاد” بذراعيها وهي تسأله بنبرةٍ هادئة:
_حبيب ماما مش ناوي يذاكر؟.
تصنع الأخر النوم بطريقةٍ أضحكتها لكنها أمام دلاله المُحبب لقلبها لم ترفض مزاحهِ بل ضمته أكثر وهي توافقه الرأي بقولها:
_على رأيك اللي اتعلموا خدوا إيه يعني؟.
فتح عينيه بسرعةٍ كبرى وهو يهتف بمرحٍ ردًا عليها:
_شوفتي بقى إنك ست عسل؟ خدي بوسة يا ماما.
ضمته بكلا ذراعيها من جديد ولثمت هي جبينه، هي تحتويه بالذراعين وهو يضمها بالقلب، لقد حقًا شارف على النوم وغلق عينيه بين ذراعيها وهي ترحب بذلك، بل تسعد في رعايتها به، حقًا تواجه في بعض اللحظات صعوبة في التفاهم معه وفي تقدير مشاعره، لكنها ترحب بكل ما يصدر عنه، خاصةً إذا كانت حالته النفسية هي أهم ما يشغلها..
دلف “أيـهم” البيت كعادته في وسط اليوم ليجدها في الحديقة تحتضن صغيره وهي شاردة في ملامحهِ وهي تبتسم وتمرر كفها على خصلاته وهي تبعدها عن جبينهِ وقد وقف هو يتابعها بأعين محبة تتطلع إليها خِلسةً كمراهقٍ يتهرب لرؤية حبيبته سرًا، يحب كل ما يصدر عنها من انفعالات ومن مرحٍ ومن ضحكاتٍ ومن قوة يليها الضعف وهي تشاركه أحزانها، دلفت بسكونها تسكن فيهم وتملأ سكنهم بالسكونِ..
لم يمنع قدميه أن يتقرب منها من الخلف ثم لثم وجنتها بحركةٍ مباغتة جعلت وجهها يحمر بشدة من فعله فيما قال هو بنبرةٍ هادئة:
_لو أنا راجل غبي هقولك جيت آكل لقمة وماشي تاني، بس علشان أنا “Gentle man” جيت أشوفك وأشوف الواد ابن الفراك دا.
ضحكت له ثم سألته بسخريةٍ:
_طب يا عم الـ Gentle، خير؟.
حرك رأسه نفيًا ثم أرخى جسده على المقعد وهو يقول بنبرةٍ هادئة تمامًا:
_ولا أي حاجة كفاية إنك قاعدة معايا بخير أنتِ و “إيـاد”
ابتسمت له بفرحةٍ طفقت تعلن عن نفسها عليها فورًا فيما تحرك هو ولثم جبينها من جديد وتحرك نحو الداخل لتستشعر هي ضربات قلبها بعد حركته هذه وهي تقول بنبرةٍ خافتة:
_خسارة كبيرة إنك جيت متأخر ليا.
ضمت الصغير من جديد لها تعدل ذراعه ثم انتبهت لملامح الصغير التي تشبه ملامح أبيه فابتسمت من جديد وهي تلعب بوجنتيه أثناء نومهِ، لطالما كانت حركتها المفضلة دومًا تحبها مع أي صغيرٍ تراه، وهذا الصغير أصبح حقها أخيرًا
__________________________________
<“أخبار سارة أتت لكَ، أغتنمها جيدًا”>
جلست هذه المتبلدة من المشاعر تمسك هاتفها تلعب بهذا التطبيق العام الذي يشبه غرفة من غرف التعارف الإلكترونية، لقد تعرفت على أصدقاءٍ جُدد هنا وأصبحت تلعب معهم كل يومٍ وبكل طاقةٍ وشغفٍ، لوهلةٍ تظنها مجرد فتاة طائشة لم تبلغ العشرين من عمرها، لكنها تدهشك حينما تعلم أنها أمٌ لطفلٍ صغيرٍ حرمته هي منها..
كانت تضحك بصخبٍ عند تعثر صديقتها في اللعب ليصدح الصوت من الفتاة بسبة نابية من بين شفتيها لتمر أمها من جورها تلوي فمها يمنةً ويسرىٰ بتهكمٍ، فهذه أصبحت حياة ابنتها منذ الإنفصال، اللعب الكترونيًا، والخروج مع صديقاتها، وشراء كل ما تريد، عاشت رفاه‍ية غريبة على نمط بيئتها، لكنها تطلعت بأعين طامعة.
صدح صوت جرس الباب لتأتي زوجة خالها إلى زيارتهم بعد علمها بخبر إصابتها، وقد دلفت المرأة بجسدها الممتليء وهي تقول بنبرةٍ منهكة من صعود الدرج:
_آه، والله ياختي كنت هاجي من بدري أشوفها، ياكش بس هس رُكبتي بتنقح عليا تخليني أقول جا ياناس جاي، طمنيني عليكي يا حبيبتي كويسة؟.
أتت لها “أماني” بكوب المياه وناولته لها وهي تقول بتهكنٍ بعدما لوت فمها بسخطٍ:
_كويسة يا مرات خالي، أنتِ إيه أخبارك؟ والبنات عاملين إيه؟.
لوحت لها المرأة بكفها وهي تقول بنبرةٍ سوقية تعبر بها عن ضجرها منهن:
_قطعوا وقُطعت سيرتهم بلا غم، ياختي العيال دي حاجة تقرف، جوزت زي ماجوزتش، وكبرت زي ماكبرتش، المهم ألف سلامة عليكي يا حبيبتي، رجلك كويسة دلوقتي؟.
أومأت لها موافقةً لتضيف الأخرى بتحسرٍ:
_ياختي الله يسامحه اللي كان السبب، صحيح طليقك هو اللي عمل كدا؟ سمعت ياختي تراتيش كلام من الناس إن هو اللي عملها، علشان تبعدي عن ابنه أبصر بعدما اتجوز باين، ؟ قال يا “أماني”؟؟.
سألتها بنفس اللكنة الشعبية لتقول الأخرى بضجرٍ:
_محدش قال حاجة يا مرات خالي، دا توك توك معدي خبطني عادي، بعدين ياريت الناس تخف كلام شوية، وتخليها في حالها، إحنا اتطلقنا وخلاص مفيش بيننا نصيب.
هتفت زوجة خالها بخبثٍ بالغٍ في حروفها:
_ياختي أحسن برضه وشوفي حالك زيه، طب ما متجوز واحدة زي القمر، باين عليها بنت عز، وطلعنا نعرفها، بنت الحج “شلبي”، مطلقة برضه بس دي يعيني مبتخلفش، شكله طليقك بقى حبها.
وقع الحديث وقع الصاعقة على “أماني” التي تركت هاتفها بعدما تصنعت الانشغال به لتهرب من غوغاء زوجة خالها التي رآت الصدمة واضحة عليها، بعدما كانت الأخرى تتكبر عليهم بسبب نسبها وإختلاطها بعائلة “العطار”، وقد احتقن وجهها وبدت كأنها تلقت صفعات على وجنتيها وهي تتنفس بحدةٍ تحت نظرات التشفي من الأخرى.
__________________________________
<“أقرب الأقربون كرهوا الفرح لنا”>
لقد بدات بكل جدية تحضر ضوابط خطبتها بعدما أخبرها “بيشوي” بذلك، لقد بدأت مع شقيقتها في انتقاء الفستان واختيار كافة الأشياء اللازمة لهذه المناسبة ومعهما والدتهما التي بدأت تعمل بحماسٍ حتى خرج “جابر” الذي رآى وضعهن وهتف بتهكمٍ:
_خلاص بكلمة منه البيت كله هيمشي؟ أنا لسه موافقتش أكيد دا بس مو الضغط عليا وأنهم مش ساكتين لكن لو عليا والله مش موافق ولا حتى راضي وبأمانة الواد دا مش بتاع جد وهييجي يوم تلاقي نفسك فيه بتعيطي علشان حبتيه.
زفرت “مهرائيل” بقوةٍ ثم انتفضت وهي تقول بنبرةٍ أقرب للصراخ بعدما انفجرت في وجهه:
_دا علشان أنتَ مصمم تشوفه كدا، مصمم تقلل منه لأي سبب علشان اللي حصل زمان، بس “بيشوي” مش كدا، والظلم كله إنك تتحكم فيا لدرجة تخليك تجبرني على جوازة أنتَ عارف إن مفيش أي خلاص منها، طالما بقى مفيش خلاص يبقى “بيشوي” مش حد غيره، علشان أنا لو فضلت من هنا لآخر يوم في عمري عانس، أهون عندي من إن اسمي يكون على اسم حد تاني غيره هو.
تطلعت إليها “مارينا” بحيرةٍ لتجد النظرات بينهما أشبه بالنيران المُضرمة، كلاهما يتحدى الأخر بنظراتهِ ليعلن هو هزيمته راحلًا من الشقة بأكملها لتجلس هي باكيةً على الأريكة حتى أقتربت منها شقيقتها تضمها إليها، فيما نظرت أمهما في أثره بغيظٍ وقد فشلت كل محاولاتها في إثنائه عن كرهه لهذا الشاب، لكنه من الواضح أنه يريد التعثر معه وحينها بكل تأكيدٍ سيقوم بدهسهِ.
__________________________________
<“الآمن بجوار أمنهِ يسكن ويأمن”>
لم يعلم لما قادته الطرق إلى هنا برفقة شقيقها؟ لقد قرر أن يذهب إلى بيتهِ لكن ثمة شيءٍ دعاه للذهاب إليها، وقد وجد الحُجة القوية وهي أن يراقب دفترها بنفسهِ، لقد جلس على سطح البيت ينتظرها حتى أتت له من جديد تمسك أطباق الحلويات الشهيرة “أم علي”، كانت في فرط حماسها وهي تراه يدقق فيما فعلت وكيف التزمت الفترة السابقة بالكثير من الطاعات التي حاولت أن تتخذها عادات دون أن تنقطع عنها…
ابتسم بعينيهِ ثم أقترب يخطف قبلة من إحدى وجنتيها وهو يقول بنبرةٍ هادئة بعدها بعد رؤيته لخجلها:
_اللهم بارك، ربنا يحفظك يا “قـمر”.
سألته بحماسٍ بالغٍ وهي تترقب جوابه:
_بجد !! يعني أنا فيه أكون زيك؟.
ابتسم وهو يجاوبها بنبرةٍ حنونة وقد رفع كفه يمسد وجنتها وهو يخفي الخصلات التي ظهرت من أسفل الحجاب:
_وأحسن مني كمان، متنسيش إنك هتكوني سبب يدخلني الجنة، ومتنسيش إنك زوجة صالحة وبنت شاطرة أوي وبتساعدي والدتك، وأخت حنينة على اخواتك التلاتة، وصاحبة جدعة، وأكيد فيكِ كتير لسه محدش شافه، أنا بقى شوفت كل حاجة، وفهمت أنتِ إيه، علشان كدا أنا فخور إنك بتحاولي، وفرحان بيكِ أوي.
تحديدًا هذا ما كانت تود سماعه، كانت تود أن يُثني عليها ويخبرها بطريقةٍ حنونة أنه يفخر بها، تود أن تشعر بنفس حديث والدها، للحق هي تود أن تكون معه بداخل بيته لترى منه كل الجوانب، لكنها الآن تطمع فقط أن تظل آمنة بجوارهِ، وقد صدمته حينما وضعت رأسها على فخذه وهي تطلب منه بخجلٍ حاولت إخفائه:
_طبطب عليا كدا يا “أيـوب”.
رفع كفه يربت على ظهرها فورًا ليجدها تغمض جفونها وهي تتنفس الصعداء ثم هتفت بنبرةٍ هادئة وكأنها تخشى من شيءْ مجهولٍ:
_يا رب تفضل معايا علطول.
تعجب من جملتها لكنه لم يبالي بها كثيرًا لذا ظل يمسح على ظهرها برأسهل وهو يقرأ لها آيات الذِكر الحكيم، وهي ساكنة وآمنة ومطمئنة هنا بقربهِ..
بالأسفل كان “يـوسف” برفقة “عـهد” التي لازالت تحت أثر صدمتها أمسًا بعد تفجيره للقنبلة في وجه أفراد العائلة وقد سكتت عن الحديث حتى لا تزعجه، وحينما سألها اليوم عن سبب نظراتها جاوبته بجمودٍ وهي تقول:
_علشان اتهورت يا “يـوسف”، محسبتش حساب إن هم ممكن يأذوك تاني، معملوش حساب لدا وأنتَ عيل صغير، هيعملوا حساب وأنتَ راجل كبير ملو هدومك؟ أنا من ساعة ماشوفت نظراتهم ليك وأنا مرعوبة، خايفة عليك أوي.
ابتسم بعينيهِ وهو يسألها باهتمامٍ:
_يعني خوف عليا مش زعل مني؟.
فهمت أنه يشير إلى موقف الأمس فقالت بنبرةٍ هادئة بعض الشيء تحاول من خلالها التمسك بحبال الثقة:
_قصدك على العرايس اللعبة بتاعة إمبارح؟ ولا شغلوني أصلًا، أنا واثقة في نفسي جدًا وواثقة إنك مستحيل تلاقي زيي تاني وعدي يومك معايا يا “يـوسف” بقى.
ضحك على تحولها المفاجيء ثم أشار لها حتى تسبقه نحو الأعلى يجلس برفقة “أيـوب” وشقيقته وخلفهم صعدت “غالية” وجلسوا معًا يشاكسون “وعـد” ليقطع جلستهم هذه قدوم آخر من يتوقع قدومه وهو يقول بنبرةٍ هادئة حينما ولج لهم:
_مساء الخير؟.
التفت “يـوسف” لصاحب الصوت وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
_”نـادر” !! بتعمل إيه هنا؟.
تحرك “نـادر” نحو “غالية” وهو لا يُصدق عينيه، لا يصدق أنه يراها بعد كل هذه الأعوام، هذه المرأة الطيبة التي كانت دومًا تعامله كما تعامل صغيرها ولم تفرق بينهما وبين “عُـدي” حتى، وقف أمامها بعينين ترقرق بهما الدمع وقد انتبه لـ “قـمر” التي حاولت أن تختبيء بـ “أيـوب” فخرج الحديث رغمًا عن “نادر” وهو يسألها بصدمةٍ نبعت عن شوقه لهما:
_أنت “قـمر” !! صح ؟ أنا “نـادر” ابن عمتك، أكيد مش فكراني بس كنا بنلعب مع بعض كتير، وكنتي عرفاني باللعب…
رفعت عينيها نحو أخيها ثم زوجها الذي تحفزت ملامحه بشدة وما إن أقترب “نادر” لكي يسلم عليها أوقفه “أيـوب” وهو يقول بنبرةٍ جامدة بطريقةٍ لم تشابه أسلوبه المهذب:
_رايح فين يا كابتن ؟ دلوقتي موجود جوزها ولو كترت هيلعب في وشك، أنتَ مين ؟؟.
حرك رأسه نحوهم جميعًا لتتلاقى نظراته بنظرات “يـوسف” الذي تنفس بحدة وصدره أخذ يعلو ويهبط بعنفٍ وكأنه يتجهز لمعركةٍ على وشك النشوب.
_________________________________
<“إذا أردت أن تعرفنا، تصنع أنك لا تعرفنا”>
خرج من مسقط رأسهِ ومكانه منذ فترةٍ بعيدة لأول مرةٍ، خرج بمفرده يتولى هو مهمة قيادة السيارة لنفسهِ دون أبنائه أو أحد الصبية الخاصين به وبالعمل معه، أراد أن ينهي هذا الشيء ويعلن عن نفسه، وقد أوقف السيارة أخيرًا وترجل منها وقف أمام الباب يطلب من الحارس أن يدخل وقد أرشده إلى الداخل ووقف في إنتظار أهل البيت وهو يولي الدرج ظهره…
وقف يراقب المكان بعينيه لا يصدق أن هذا البيت يرجع لهذه العائلة، لكنه سرعان ما سخر من الأمر، فهل بعد كل ما فعلوه يعيشون في بيتٍ أقل من ذلك؟ بالطبع لا، لذا ظل مكانه ثابتًا حتى أتى “عـاصم” من خلفه يسأله بحيرةٍ من زيارة مجهول الهوية:
_أيوة يا حضرة؟ أنتَ مين؟.
ابتسم الأخر بسخريةٍ والتفت له يقول بتهكمٍ:
_إيه يا ابن خالتي؟ مش عارفني؟.
صُعِقَ “عـاصم” من جديد وهتف بذهولٍ بعدما رآه أمامه بعد كل هذه السنوات وكأنها مرت بالأمسِ عليهم جميعًا:
_مش معقول !! “عبدالقادر العطار”.
ابتسم الأخر بسخريةٍ وهو يشمله بنظرة متفحصة أعربت عن إشمئزازه وكرهه لذلك الماثل أمامه، يكرهه ويكره حتى أحرف اسمه، لكن النصيب حكم بهذا اللقاء، وتوجب عليه أن ينفذ كل ما كُتِبَ عليه..
_____________________
لا تنسوا الدعاء لإخواننا وتذكروا أن الدعاء هو السلاح الوحيد، لا تنسوا أهل فلسطين وسوريا والسودان واليمن ولبنان وكل بقاع الأرض العربية.
__________________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى