رواية جحر الشيطان الفصل الثاني 2 بقلم ندى ممدوح
رواية جحر الشيطان الجزء الثاني
رواية جحر الشيطان البارت الثاني
رواية جحر الشيطان الحلقة الثانية
“ما زال للعشق بقية”
عوضني يا الله على كل ما ألَم بيّ بمنزلةً في الفردوس الأعلى، ورؤية الحبيب المصطفى والشرب من كوثره، اللهم إن كان بلاءً فـ أغفر لي يا غافر الذنب وأعفو عني وتب عليّ يا تواب يا رحيم، وإن كان ابتلاءً فذني وذدني ستجدني صابرة حامدة شاكرة لا اعصي لك امرًا وبشرني بِــ “وبشر الصابرين” يا رحمن يا رحيم.
نزل الخبر على قلب أسماء نزول الصاعقة، وقع منها الهاتف وهي تهب واقفة في صدمة، لم تستعب ما سمعته للتو، ربما خُيل لها ما سمعت؟!
تنفست في عمق، وعشرات الاسئله تتزاحم في ذهنها، وإذا بها تشهق باكيةً في لوعة وقد تملكها الخوف والقلق وكاد أن يمزق أوردتها، أندفعت خارج مكتبها لتنصدم في والدها الذى كان آتيًا إليها، تسائل يوسف وهو يمسك بمنكبيها مزعورًا :
– في ايه مالك؟! حصل حاجة؟ اهدي اهدي وقوليلي في ايه؟
بأنفاس متقطعة وصوتٌ متهدج غمغمت أسماء باكية:
– الـ…. العيال اتخفطوا يا بابا كلهم.
همت أن تسقط أرضً فلحق بها يوسف وهو يضمها إلى صدره قائلاً برفق :
– اهدي يا حبيبتي مفيش حاجه خير بإذن الله، بس تماسكِ كدا، عشان نروح للمار، وبلاش تقولي لحد، عرفتي إزاي الأول؟!
كابدت أسماء وجع فؤادها ورفعت رأسها إليه هامسة في شهقات متقطعة :
– المُدرسة كلمتني… وهي اللي قالتلي.
قصت عليه كل ما أخبرتها به المُدرسة، فأغمض يوسف عينيه في بطئ وهو يقول :
– تمام، تمام.
فتح جفنيه وقال في ثقة ليبثها بالأمان :
– العيال هيرجعوا، أطمني.
ثم أمسك بكفها وغادرا مبتغيًا لمار، وقال :
– يلا نروح للمار وهي هتحل الموضوع أنا متأكد.
استقلا السيارة و وصلا إلى مكتب لمار ودخلا لديها ليخبرها يوسف بما قالته أسماء، فـ تلقت لمار الخبر في صدمة، وهن فؤادها، وتملك القلق من روحها، وجلست مطرقة الرأس تستعب ما علمته للتو، في حين أسند يوسف رأسه إلى الجدار، يدعوا الله أن تمر تلك النكبه بسلام وتنزاح هذه الغمة بخيرٍ وسلامة، لم تكف عينين أسماء من تدفق الدمع، فُتح الباب ودخل ياسين ببسمةً سُرعان ما تلاشت وهو يرَ أخته تذرف الدمع بغزارة، فدنا منها على عجل وهو يقول في لهفة :
– أسماء… مالك يا حبيبتي؟ بتعيطي ليه؟!.
استوت أسماء واقفة وارتمت في حضنه بنشيج مزق قلبه، فردد ياسين بصره في والده ولمار وهو يهز رأسه وتتسائل عينيه عن ما بها، فـ أنتزع يوسف بسمةٌ من الآمه وقال ليطمئنة :
– مفيش حاجة خير بإذن الله، اقعد واحكيلك عشان تسمعني بهداوة.
أمتثل ياسين لوالده وجلس منصتًا له في أهتمام، وراح يوسف يسرد عليه ما أخبرته به أسماء، فـ ضغط ياسين على أسنانه وقد أدراك أن هناك أمرًا جلل وقرر في نفسه أن يذهب لهذهِ المُدرسة، علها تكون قد رأت احدى الخاطفين، او في جعبتها رسالةً ما تركها إحداهم؟
مسح ياسين على وجهه في قلق ونهض قائمًا وهو يقول :
– قومي تعالي أوصلك البيت وبلاش تقولي لحد حاجة.
أغمضت أسماء عينين تذرفًا الدمع وهي تهز رأسها نفيًا، وقالت :
– انا مش هتحرك من هنا قبل العيال ما ترجع.
هُنا ورفعت لمار رأسها قائلة في بحة لا تقبل النقاش :
– قوم يا يوسف روح أنت وبنتك قعدتكم مفيش منها فايدة، أنا هتصرف و وجود أسماء هنا هيقلقني.
ألتفتت إليها أسماء قائلة في عصبية :
– أمشي إزاي من غير عيالي، ومش عارفه هما فين ولا بيعملوا فيهم اي ؟
تنفست لمار في حرارة، ونهضت وهي تكبح ما يعتمل صدرها من غضب تجاه من أخذ أحفادها، وأقتربت من أسماء في تمهل، ومالت عليها هامسة وهي تمسك بكفيها في ثقة :
– أسماء … أنتِ واثقة فيا؟
رفعت أسماء عينين يغشاهما الدمع وهزت رأسها مؤكدة وهي تردف في صوتٍ متهدج:
– ايوه.
ضمت لمار وجهها بين كفيها وهي تقول في تأكيد :
– قومي روحي مع أبوكِ، وتأكدي أني مش هرجع البيت إلا والعيال معايا، اطمني وعد مني هيناموا في حضنك أنهاردة، وأنا قد كلمتِ.
شُعاعٌ أمل غزا قلب أسماء ليشرق وجهها بنور الأمل مهلالًا، وأومأت برأسها على يقين أن عمتها طالما وعدت ستوفى، وسيعودون أطفالها لحضنها في طرفة عين.
نهضت لتغادر مع يوسف الذى ضم كتفها إليه وأنصرفا، في حين إتسعت عيني لمار بشرارةٌ من الغضب وألتفتت إلى ياسين، وهمت بالحديث إلا إنه كان يدري ما ستوكُله به فـ ردد في ثقه :
– أنا رايح أقابل المُدرسة، وهبعتلك عثمان وأنس و ورد.
تبسمت لمار في ثقة وهي تؤشر له بعينيها تطمئنة مهمًا كان فهو أبٌ، و وحيدته لا يعلم عنها شيء.
غادر ياسين صافقًا الباب خلفه واوقدت النيران في قلبه، بينما جلست لمار خلف مكتبها في ذهن طوحن في التفكير، ليخترق سكونها إشعار رسالة على هاتفها، لتلتقط الهاتف وتقرأ فحوى الرسالة الذى كان مضمونها :
” أزيك يا بنت الشرقاوي؟ يارب تكونِ بخير؟، متقلقيش العيال مش هيجرالهم حاجة امممم ممكن أروى بس عشان حابب أحرق قلب بنتك وجوزها، اممم لسه بفكر أأزيكِ في مين؟! ولكن أطمنك هيرجعولك كلهم بس متفكريش أن دي بداية الأنتقام تؤ تؤ تؤ دي متجيش حاجة قبل الجحيم اللي هعيشك فيه دا إذا كان ليكِ عمر طبعاً، ولو موتِ بردوا أنتقامي هيفضل، أوعدك أني هدمرك، وهدمر عيلتك كلها وهخليكم تكلوا في بعض واللي منك هيكون عدوك، رسالتي مجرد بداية للنهاية، متحاوليش تبحثِ عني لأنك مستحيل تعرفيني ولا تشوفيني،أنا قريب وتلميذك كمان وتعلمت منك إزاي أكون عفريت أنتقم وأقتص حقي من غير ما حد يشوفني،أنتِ علمتيني مقفش غير للحق بس للأسف علمتِ الشخص الغلط،لأني معرفش يعني ايه حق، واللي مقدرتش أعمله في الأول وفشلت فيه وعد لو آخر نفس فيا هعمله وهنتقم وأنتظري قريب هديتي “.
أعادة.” لمار ” قِراءة الرسالة مرارًا وتكرارًا، علا وجيب قلبها من الغضب، ودت لو كان أمامها مُرسل الرسالة لكانت أحرقته في أرضه،
هيهات أن ظن أن بأمكانه التوغل داخل أواصر عائلتها وتفكيكها، هيهات أن جعلته يعيش بالأساس.
وبقى سؤال محير يدور كـ الرحىّ في قرارتها؟
من ذا قد يكون؟ من يريد الأنتقام منها لتلك الدرجة؟
أن يكون عدوك أمامك حينها ستطمئن، ولكن أن تقاتل من لا تراه عيناك، ولا تدري متى تأتيك الطعنة في اي وقت وزمن ومِن مَن شيءٌ صعب يوهن الأعصاب.
هذه الرسالة الغامضة من وراءها، وما الجدوى منها، ماذا يريد؟
طرق طارق منتشلًا آياها من دوامة تفكيرها التي ظنت أنها لن تحور منه، أبعدت وجهها عن كفيها تستطلع الآتي الذي لم يكن إلا عثمان الذي ردد وهو يخطو نحوها في غضب :
– مبن اللي خطف العيال؟ وإزاي ده يحصل؟ أفتراض حصل لهم حاجة…..
بترت كلماته قرع لمار على المكتب وهي تهب واقفه صارخةً فيه :
– اسكت أياك اسمع صوتك … دلوقتي بس عرفت أن ليك عيال؟!
كنت فين لما كانوا بيسألوا عنك؟! يدوروا عليك وأنت ولا هنا؟! كنـــــت فين من حياتهم؟
لُجم عثمان و وقف كـ الصنم جاثمًا في أرضه، رفرف بأهدابه قليلًا قبل أن يجلس واضعًا وجهه بين كفيه محاولًا كبح وجعه الذى أذداد عسرًا، فـ رق قلب لمار ودنت منه قائلة في ثقة :
– العيال هيرجعوا يا عثمان، فوق كدا لنفسك مش عايزة حد يشوفك بالضعف ده.
رفع عثمان رأسه إليها هاممًا بالحديث ألا أن طُرق الباب لتدخل منه ورد هادئة وهي تلقي السلام، ثم جلست تلتقط أنفاسها، فقلبت لمار بصرها في حيرة من أمرها وتسائلت بمكنون فؤادها :
– ورد؟! مالك هادية كدا ولا كأن عيالك أتخطفوا.
تمتمت ورد في ثقة :
– تقلقيش هقولك إزاي نوصلهم وبعدين أخاف إزاي خديجة مع العيال أصلاً.
رفعت لمار حاجبها في دهش، فـ إذا بـ عثمان يقول :
– المهم هنعرف نوصلهم إزاي؟
أومأت ورد لتصفح في هدوء وهي تسرد عليهما :
– من لما حصل وحاولوا يخطفوا خالد بسبب احدى القضايا اللي كنت ماسكها ونجي الحمد لله قررت أني هحط جهز تعقب في شنطهم.
تبسمت لمار في فخر وهي تربت على كتفها وبدأوا بتعقب المكان ليتأهبوا للذهاب على أتم أستعداد لأي مواجهة.
💐اللَّهُمَّ أنَْتَ رَبيِّ لَا إلِهََ إلَِّا أنَتَ، خَلَقْتنَيِ وَأنََا عَبدُْكَ، وَأنََا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ. 💐
قطع ياسين الرواق دالفًا إلى غرفة مدير المدرسة الذى كان في إنتظاره، وجه ياسين دون كلمة سؤاله للمُدرسة التي كانت مطرقة في خزى وحزن على الصغار الذين أنتشوا منهم عنوة :
– لو سمحتِ قولي ليّ لو تعرفي أي حاجة عن الخاطفين ؟
– شفتِ حد منهم؟ او سابوا اي رسالة؟
انكبت المُدرسة مجهشه في البكاء، وقالت :
– لا، معرفش اي حاجة ولكن سابوا ورقة فيها رقم تلفون! وطلبوا مني أسلمه لحد من أهل العيال
لمعة عينا ياسين في أمل وهو يقول في لهفة مادًا يده :
– تمام جداً، فين الرقم؟
دست يدها بحقيبة كتفها مُخرجة الورقة، ليتناولها منها ياسين ناظرًا في تمعن للرقم مليًا، قبل أن يتساءل في اهتمام :
– ممكن حضرتك بس تحكي لي بالتفصيل أيه اللي حصل؟
أومأت المُدرسة، و شرعتٍ في قص ما حدث، فما أن فرغت حتى أنصرف ياسين صاعدًا سيارته مدونًا الرقم في هاتفة مُجريًا أتصال على الرقم والذى كان دوليًا، أنتظر قليلاً حتى هتف هاتف مُرحبًا :
– ياسين الشرقاوي، كيف حالك يا رفيق طمئني؟ آه يا عزيزي أعلم أنك لست بخير، وكيف لك أن تكون بخير و وحيدتك في جحري الآن.
أنهى جملته مقهقها في إنطلاق، ليصيح ياسين صارخًا بأفزع الشتائم :
– أنت مين يا ابن الـ********، اياك تقرب من حد من العيال ولا تمس شعرة منهم أقسم بالله أدفنك في أرضك من غير رحمة.
جز المجهول على أسنانه قائلًا في غيظ بيّن :
– لن أأذي أحد ألا أبنتك، والذى لم أستطع أخذه فيما مضى سأتخذه عاجلاً أم أجلاً.
ولا ترهق نفسك في البحث عني لأنه من المستحيل أن تعرفني أو تجدني.
شرارة من الغضب كانت تنطلق من عينا ياسين الذي يتنفس في سرعة جنونية ثم صاح فيه وهو يضرب مقود السيارة بقبضته :
– بنتي أياك تقرب منها لو راجل فعلاً واجهني يا كلب و متبقش جبان.
أنهى المجهول المحادثة بعدما قال في تحذير يشُبه التهديد :
– احذر يا هذا، وانتبه جيدًا لزوجتك فـ أنا لن أترك أنتقامي ومن اليوم لن تستتب الأمور أبدًا ولن تكون على سجيتها مجدًدًا سأقلِب حياتكم جحيم.
صرخ ياسين ما أن رَ أغلاق الهاتف، كان على شفا الانهيار ولكنه ضرب بقبضته عدت مرات على المقود، ليزفر ويستنشق الهواء مرارًا قبل أن يرن بأذنة تحذيره على سجى، ليسرع في الاتصال عليها، بقلبٍ يخفق في لهفة، سكن روعه ما أن آتاه صوتها الحاني القلق :
– ياسين!! أروى…
قاطعها ياسين هامسًا في خفوت وقد سكن وجيب قلبه واضطراب نفسه :
– قلب ياسين… متقلقيش أروى هترجع وهتنام في حضنك أنهاردة أطمني.
– ردت سجى في ثقة واطمئنان :
– أنا واثقة فيك يا ياسين خلي بالك من نفسك ومتأكدة أنك هترجع أروى والعيال كلهم أنهاردة، دعواتِ معاكم.
أغلق معها منطلقًا بسياراته إلى وجهته.
🥀”رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ”. 🥀
تجلسان بافئدة مكلومة قلقة، يكاد الخوف يأكل شغافها، من حين لآخر يصدر صوتٍ بكاء يقطع نياط القلب في مكمنة، من قلبٌ أرهقه التفكير، أنتحبت “أسماء” قائلة في لوعة :
– يا ترى عيالي هيرجعوا تاني لحضني؟
هشوفهم تاني ولا مش هشوفهم؟
يا ترى بيعملوا اي فيهم دلوقتي؟
في حين كانت “سجى” ساكنة تمامًا لا يرقأ لعينيها دمع ولا يصدر لها صوت، تُناجي الرحمن بفؤادها، تضم أسماء لصدرها وتربت على كتفها برفق، وتبثها بكلمات مطمئنة ما بين الحين والآخر :
– هيرجعوا بإذن الله، ربنا مش هيأزينا أبدًا فيهم، أبشري يا حبيبتي.
أقبلت مكة ساكنة لا تدمع ولا تتحدث، مُستسلمة كُليًا لكل شيء، وجلست بجانبهم واضعة يدها أسفل خدها وقد غشاها الصمت كأنها في واديٍ آخر.
🌷 لا حول ولا قوة إلا بالله 🌷
في آوان ذلك كانَ الصغار جميعًا يفترشون الأرض في إحدى الغرف، فُتح الباب فجأة بكف رجل ملثم يقف جانبًا مفسحًا الطريق لـ خديجة التي كانت حذره من أن يدنوا منها أحد، فما أن وقع بصرها على الصغار، سقط فؤادها من مكمنة وهي تهرع نحوهم في فزعٍ محاولة إفاقتهم ودموعها تنسابت في خوف.
تباعًا حاولت إفاقتهم واحدٍ تلو الآخر تدعوا الله أن يكونوا بخير.
رفرف مُعاذ بأهدابه وهو يستشعر صوتًا قريب ينادي عليه، وقع بصره على خديجة سُرعان ما أطبق جفنية مرة آخرى مستحضرًا ما مر عليه منذُ قليل، ثم استوى صارخًا وهو منفجرًا في البكاء، لتضمه خديجة إلى صدرها هامسة وهي تحاول تهدئته :
– اهدئ يا معاذ … اهدئ يا حبيبي أنا جنبك أهو.
خبئ معاذ رأسه بها، محاولًا طرد أفكار عقله التي أعترته وهمس من بين بكائة :
– أنا خايف اوي يا خديجة، مين دول؟ وفين أختي لمياء وملك ومالك وخالد واروى وحمزة انا شفتهم وهما بيخدروهم.
مسحت خديجة برفق على خصلاته هامسة في قلق :
– “متخافش هما هنا، وهيكونوا بخير”
ثُم تساءلت في تذكر وهي تنظر له:
– “معاذ هما خدروكم ولا ايه؟”
أومأ معاذ برأسه تباعًا وهو ينتفض قائلاً :
– “لازم نصحيهم، هحاول أفوق حمزة”
توجه نظره لـ حمزة المسجى بجواره وراح يلطم على وجهه مناديًا حتى أفاق، وتناوب على البقية هو وخديجة حتى أفاقوا جميعًا.
• تناهى لهم وقع أقدام قريبة فنهضت خديجة تاركة أروى جانبًا متوجها نحو الباب، ودنت بأذنها لترهف السمع فـ إذا بصوت رجل يأتيها قائلاً وعلى ما يبدو أنه يتحدث بالهاتف :
-” أنا دي هعرفها إزاي يا بيه؟
صمت قليلاً بدا إنه يستمع للطرف الآخر، ثم ردد في ثبات :
-” تمام يا بيه هي أصغرهم أسمها أروى، أبعت الصورة يا بيه واترك الباقي عليٌ وانا هحل الموضوع ده “
سكت لـ هنيهة ثم تابع :
-” هستنى يا بيه لحد الصورة ما توصلي، سلام”
حدقت عينا خديجة في زهول وهي تغط فمها بكفها في عدم استيعاب وتلقائيًا زاغ بصرها نحو أروى التي يظهر عليها التعب على سماتها، فطرفت بعينيها قليلاً قبل أن تتوجه لهم جالسة بجوارهم، فتسائل حمزة في ضيق وهو ينظر لـ خديجة :
— وبعدين هنعمل ايه؟ هنخرج من هنا إزاي”
تبسمت خديجة وهي تغمض عينيها في صمت تام، تستحضر روحًا صدفة ألقاها لها القدر، لتكون له سببٍ لهدايته، ويكون سببًا في نجاتها، ترحمت عليه وطيفة يمر ملقيًا الأمل في فؤادها، لتفتح عينيها ناظرةً للصغار وهي تضم أروى التي بدا أنها تختنق وتتنفس بصعوبة وهمست :
– تعرفوا اني اتخطفت قبل كدا؟!
تجلت الصدمة على وجوه الصغار، فـ بادر خالد متسائلًا في تعجب :
– بجد يا خديجة؟
أومأت خديجة قائلة :
– ايوة، اتخطفت وكنت وحدي بس مكنتش خايفة! عارفين ليه؟
تساءل الصغار جميعًا في صوتٍ واحد :
– ليه؟
تبسمت خديجة قائلة في هدوء :
– عشان كنت عارفه أن ربنا معايا وهينجيني.
تساءل حمزة في رفق :
– ومخفتيش!؟
-خوفت طبعًا، مخافش إزاي؟! بس كان عندي امل وحسن ظن في ربنا انه هينجيني وحتى لو كان خلاص بيني وبين الموت خطوة كنت هثق ان ربنا هينجيني، ولو موت فـ ده نصيبي وكل نفسٍ ذائقة الموت، والروح امانة ربنا متى شاء اخذها، وكمان كنت واثقة أن لمار هتنقذني.
تبسموا الصغار وصبوا جام أهتمامهم على خديجة وقد تبدد خوفهم وتربعوا في أريحية، وقال معاذ مقترحًا، ليتناسوا ما هم به :
– اي رأيك تحكيلنا عن معاذ بن جبل، لأن أسمي على أسمه.
اومأت خديجة مرحبة وقد راق لها اقتراحة، فبدأت تقص عليهم قائلة:
-معاذ بن جبل أعلم الناس بالحلال والحرام…
قاطعها مالك في تساءل :
– حقًا هل كان يعلم الحلال والحرام جيدًا؟
أشتملته خديجة بنبرة دافئة، وتنهدت في حبور متابعة في هيام متناسية ما هم فيهِ :
– مُعاذ بن جبل؟ جبل من العلم هو ذاك الراجل إنه إمام العلماء يقدمهم يوم القيامة بدرجة، فـ عن عُمر _رضي الله عنه_قال: لو أدركت معاذًا، ثم وليته، ثم لقيت ربي، فقال: من استخلفت على أمة محمد؟ لقُلت: سمعت نبيك وعبدك يقول: يأتي معاذ بن جبل بين يدي العلماء، برتوة.
رددت خديجة بصرها بينهم مُدركة :
– رتوة! أيّ بدرجة او خطوة مسافة.
ثم حدقت في الفراغ مرددة وقد شملتها البهجة، وأغدق عليها السكون، وغمرها الأشتياق، وقالت بنبرة تفيض حبٌ :
– وقال أيضًا عنه عُمر _رضي الله عنه _”عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ”.
وقد كان من الأربعة الذين جمعوان القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ عنه القرآن، فـ عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا القرآن من أربعة: من مسعود وأبي، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة “
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “نعم الرجل معاذ بن جبل”
وعن عاصم بن حميد السكوني أن معاذ بن جبل لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج يوصيه، ومعاذ راكب، ورسول الله يمشي تحت راحته، فلما فرغ قال: يا معاذ، إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك تمر بمسجدي هذا وقبري، فبكى معاذ خشعًا لفراق رسول الله.
وقد كان رسولنا يحب معاذ وأعلمه بذلك.
صاح “معاذ” مقاطعًا خديجة بعينين أمتلأتَ تلألأٌ وغبطة :
– حقًا يا خديجة، أخبره الحبيب بأنه يحبه؟
أومأت خديجة في بسمة مُشرقة على وجهها المضيء وقالت:
– نعم، فـ عن معاذ قال: لقيني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا معاذ والله إني لأحبك في الله.
قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله وأنا والله أحبك.
فقال له رسول الله: “أفلا أعلمك كلمات تقولهن دبر” أي بعد”كل صلاة: قُل اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
وعن ابن مسعود: إن معاذ بن جبل كان أمةً قانتًا لله حنيفًا، فقيل إن إبراهيم كان أمةً قانتًا لله حنيفًا، فقال ما نسيت هل تدري ما الأمة وما القانت؟ فقلت: الله أعلم، فقال: الأمة الذي يعلم الخير، والقانت المطيع لله عز وجل وللرسول، وكان معاذ بن جبل يعلم الناس الخير وكان مطيعًا لله عز وجل ورسوله.
صمتت خديجة لوهلة مطرقة الرأس، مترقرقة الدمع في عينيها، ثمة حزن خيم على فؤادها، حزنّ عظيم مفعم بالتعجب والعظمة، ألا وهو صبر معاذ على أبتلاءه.
سُئلت ملك وهي تضع كفها على منكب خديجة جاذبه أنتباهها مائلة نحوها تنظر إلى وجهها المطرق بأعيُن قلقة :
– خديجة!! لماذا سكتِ ما بكِ أنتِ بخير؟
تنفست خديجة في عمق ورفعت رأسها نحوها تهزها مطمئنة إياها وقالت :
– الحديث عن معاذ لا يكفى لأيام وسنين، وكيف نكف عن أحديث من اخبره حبيبنا انه يحبه، هنيئًا لمعاذ محبة الحبيب،وأما عن مرضه فأنه كان محبٌ للبلاء، لما يعلم ما فيه من عظم الثواب ورضا رب العالمين،
فـعن عبد الله بن رافع قال لما أصيب أبو عبيدة في طاعون عمواس استخلف على الناس معاذ بن جبل واشتد الوجع فقال الناس لمعاذ ادع الله أن يرفع عنا هذا الرجز فقال إنه ليس برجز ولكنه دعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم وشهادة يختص الله بها من يشاء من عباده منكم، أيها الناس أربع خلال من استطاع منكم أن لا يدركه شيء منها فلا يدركه شيء منها، قالوا وما هن قال يأتي زمان يظهر فيه الباطل ويصبح الرجل على دين ويمسي على آخر، ويقول الرجل والله لا أدري علام أنا؟ لا يعيش على بصيرة ولا يموت على بصيرة، ويعطى الرجل من المال مال الله على أن يتكلم بكلام الزور الذي يسخط الله، اللهم آت آل معاذ نصيبهم الأوفى من هذه الرحمة، فطعن ابناه فقال: كيف تجدانكما؟ قالا: يا أبانا {الحق من ربك فلا تكونن من الممترين} قال: وأنا ستجداني إن شاء الله من الصابرين، ثم طعنت امرأتاه فهلكتا وطعن هو في إبهامه فجعل يقبلها، ويقول: اللهم إنها صغيرة فبارك فيها فإنك تبارك في الصغيرة حتى هلك.
رددت خديجة بصرها فيهم وقالت منهية الحديث:
– كفاية كدا خلونا نفكر هنعمل ايه، وبإذن الله لو لينا عمر هكملكم قصة معاذ وهحكيلكم زهده وروعه عن الدنيا.
قطب حمزة بضيق وقال :
– لا يا خديجة كملي.
فكرت خديجة قليلاً ثم تبسمت قائلة :
– طيب، لقد جاء في كتاب صفة الصفوة لابن الجوزي أن معاذ بن جبل لما حضره الموت دعا “اللهم إني قد كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك، إنك لتعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكري الأنهار ولا لغرس الأشجار ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر”
وقد قال ايضًا “مرحبًا بالموت حبيب جاء على فاقه”
تنفست خديجة مغلقة العينين وهمهمت غارقة في بحر الحنين، لربما بذكراهما ترتوي أشتياقها لهم :
– بِذكراهم تطيب القلوب، وتحلق في سماء السكينة، وتحيا في رحاب الرسول، عسى الحنين أن يُروى من ينبوع أريجهم.
🌺لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين 🌺
بعينين مشخصتين بسقف الغرفة كانت ترقد وعد على الفراش، بذراعان مسترخيان بجوارها فَقِدان الحركة، وقدمين عاجزتين ممدتين، وروحًا تستشعر أنها تنسحب من مكمنها رويدًا رويدًا، لا تقو على الصراخ، ولا أن تستغيثُ بأحد كأن لسانها قد عقد، وما تبقي منها إلا عينان مفتحتان، ونفسٌ يدخل ويخرج من رئتيها، أم جسدها فـ سلامًا عليه تحت الثرى مأسُرًا.
وفي إحدى أركان الغرفة، ساجدٌ رحيم للرحمن يُناجية بفؤادٍ مكلومٌ جار عليه الزمن ودُهس، يبكِ كـ طفلاً صغير فقد وطنه، وصوت نشجيه يمزق القلوب الحية لتندثر تحت التراب، وخاطب الرحمن بصوتًا يملؤه الرجاء ، يُناديه بكل ذرة حب بداخله، أن يُعيدها إليه، أن يعرف ما بها، لقد أكد الأطباء أنها سليمة لا يوجد عِلة بها بتاتًا، ريشةً هو تتقاذفها الأطباء بما يحلو لهم فكل طبيب يشخصها بما يشاء، تائهًا هو ولا غير الله يهدي له السبيل وينجيها، هو المستغيث من كل كربٌ وبليه، لن يتركها هكذا سيفعل كل ما بوسعه حتمًا.
فرغ من صلاته، ولم يبرح مكانه وكأن مصلاه منبعًا لراحة قلبه المكلوم، وترميمًا لروحه المشيعة بجوار زوجته، ألقى نظرةٌ إليها وأغمض عينيه في قوة، لا يريد رؤيتها هكذا جثة فقط لا حياة بها، ورفع كفيه مناجيًا الرحمن ألا بذكره تنجلى الهموم مهما عظمت؟
ويحيّ الأفئدة علها تحيا، بلى هو كذلك، فـ الرحمن لا يرد راجيًا. الرحيم يسمع ويعلم ويرَ وسيداويه، وسيستجيب له ويكشف ما بها من ضر، ليصبر فقط وينتظر فرج الرحمن وعوضه الذى لا نظير له.
فاق من مناجاته على عاصم الذى أرتمى في حضنه هامسًا في نبرة باكية:
– هي ماما زعلانة منى يا بابا؟ هي مش هتكلمني تاني؟ طب أنا عملت اي؟
ضمه رحيم إلى صدره وران على قلبه الوجع، وأغمض عينيه كلا تهطل دموعه، وقال في صوتٍ ضعيف :
– لا يا حبيبي ماما بتحبك وبتحبك اوي كمان فوق ما تتخيل، وأنت كل حاجة عندها.
ثم قال مستدركًا متذكرًا :
– مش ماما مكنتش بتنام إلا وأنت جنبها؟ وكمان لما بتتعب تفضل سهرانة جنبك؟ وبتتألم لألمك؟
صب الصغير جام تركيزه في حديث والده وأومأ برأسه مؤكدًا، ليتابع رحيم وعيناه تلقائيًا تتحول إلى جسد وعد :
– ماما دلوقتي تعبانة، تعبانة اوي، أدعيلها وخليك جنبها زي هي ما كانت بتعمل لما أنت بتتعب، وقريب اوي هتخف وترجع لك.
مسح رحيم على خصلات أبنه الذى ضمه وهو يقول :
– حاضر يا بابا، هفضل جنبها عشان تخف بسرعة وتقوم تلعب معايا وتجهزني للمدرسة وتأكلني بأيدها وتعلمني إزاي أدافع عن نفسي.
أكد رحيم وهو يقبل رأسه :
– هتقوم بإذن الله وهتعملك كل اللي أنت عاوزه.
🌼سبحان الله و الحمد لله و الله أكبر ولا إله إلا الله 🌼
تم رصد المكان الذي خُطف فيهِ الصغار، أُرسلت لمار قوة في قيادة ياسين وعثمان، وبقت هي في المكتب تنتظر ما سيحدث وما سيتم، وما سيترتب على كل ذلك؟ تكاد تجن من يكن لها كل هذا البغض؟
من مُرسل الرسالة، وعلى ما ينوي؟ يا ليته أمامها، أو تعرفه أو له آثر، حتى الرقم الذي أُرسل به الرسالة أستعلمت عنه دون جدوى، هي الآن وسط حريقٌ لا تدري كيف النجاةً منها، وكيف أندلعت من الأساس، وتخشى أن يأتي هذا الإعصار فيكتسح كل شيء ويطمسه طمسًا، ولا تدري مِن مَن وكيف ومتى ستأتيها الطعنة، أخبرها ياسين بمضمون محادثة هذا المجهول، فـ أستبانت أن ذاك المجهول يريد الأنتقام وبالتحديد من أبنتها سجى وياسين ومنها، وعلى ما يبدوا أنه على دارية بها وهي أيضًا، سُفرت أنه عدوٌ قديم تعرفه عز المعرفة، هذا ما أستنتجته من حديثه المبهم.
تنهدت وهي تتقلب في الحيرة، ورجعت بظهرها لظهر المقعد مسندة رأسها تنظر للسقف في شرود تفكير جم يلتهمها ألتهامًا.
وصل ياسين قريبًا من المخزن الذي محتجزة فيه الأطفال، أقترب ليفحص في نظرة سريعة ثغرات المكان ومخارجة، وعاد للقوة مجددًا معطيًا لهم إشارة في تعقبه بعدما أوصاهم وشجعهم ببعض الكلمات والتحذيرات.
رفع ياسين مسدسه و تحرك بحرص وجميع الجنود من خلفة يسيرون على نفس النهج من الحرص والحذر، يترصد لأي حركة مفاجأة من العدو، أستمر سير القوات المسلحة على حذر تام، حتى وقفوا في كلا الجانبين من باب المصنع فئة برفقة ياسين والآخرى عثمان، أشار لهم بالتوقف وخبئ السلاح خلف ظهره، وإذا بهِ يقف امام الباب طارقًا عليه، ما هي ألا دقائق وكان يُفتح وقبل أن يلفظ الرجل بكلمة، كانت رصاصة ياسين تخترق جسده ليقع جُثةٌ هامدة، أشار بيده على الهجوم فأندفع سيل الرجال للداخل كان صوت إطلاق النار يصمُ الأذان، كـ حربٌ أندلعت تحرق كل ما يُقابلها، نشبت الحريق ولا يمكن إطفاءها ألبتة.
أندفع ياسين يبحث عن الصغار بقلبٌ يكاد يخرج من مكمنة رعبًا، يطلق دون تأني على من يقابله فيصيبه قتيلًا، ويسقط على أثرها جثةٌ هامدة، آنذاك كان باقي الجنود أنهوا على من تبقى من الرجال، صُدم ياسين إذ لم يجد أي آثر لصغاره، ولكن وجد شيئًا آخر، أقترب عثمان منه مُهدئًا آياه وهو يقول في جمود:
– ياسين المجرم دا طالبك بالأسم، عشان كدا محدش قرب منه…
حملق ياسين في الرجل وقد أشتعل أتون النار في قلبه أنقض عليه يهيل له اللكمات دون رحمة، وهو يصرخ في جنون :
– العيال فين انطق، وربنا ما هرحمك….
أبعده عثمان عنه في صعوبة، وهو يقول :
– يا ياسين سييه شوف الأول هيقول اي، العيال في ايدهم دلوقتي ممكن يعملوا فيهم اي حاجة.
أبتعد ياسين عنه، موليًا ظهره للجميع يلتقط انفاسه اللاهثة، يمسح براحته رأسه نازلًا بها إلى وجهه، ثُم ألتفتت له قائلًا :
– العيال فين.؟
نهض الشاب في تثاقل وهو يأخذ أنفاسه بصعوبة التي على شفا التلاشي، ثُم أخرج من جيبه ورقةً مطوية مد يده بها له، تناولها ياسين في حيرة وتعلقت كل الأنظار فيه بترقب كان على وشك قراءتها حينما دوى صوت أطلاف النار، ليرفع ياسين رأسه محملقًا في صدمة للشاب الذي اهداه الورقة جثة هامدة على الأرض إذ أطلق الرصاص على نفسه مصيبًا رأسه.
أعاد ياسين النظر إلى الورقة، وأنتقلت عيناه بين حروفها التي كادت أن تصيبه بالشلل فقد كان فحواها :
-” ماذا؟! هل فكرت أني لن أعلم بأجهزة المراقبة في حوزة الصغار!؟ غبي يا ياسين لقد فاق عقلي توقعك يا بن الشرقاوي، يؤسفني أنك لم تجد شيئًا، ولن تجد يا هذا إلى اللقاء، ولكن لا تقلق ربما عما قريب يرق قلبي لأعيدهم من يدري وربما لأ أيضًا “
جز ياسين على أسنانة وهو يكور قبضة يده على الورقة، ليأخذها منه عثمان قراءً ما بها في غضب، ولم يلبسوا إذ غادروا.
💮 سبحان الله العظيم وبحمده💮
في مكانٍٍ آخر بالتحديد خارج مصر في تركيا، لم يكن الأمر عاديًا، منزلًا كبير لا تدري بدايته من نهايته، ذات آساس فخم، وألوان هادئة، حديقة رائعة منتشرة بها أزهارٌ شتى، تحيي ألوانها الأفئدة وتبدد ظلمتها، مُحاط بأسوار عظيم شامخ، ورِجلاٌ جمة تنتشر خارجة وداخلة برشاشات في أيديهم، من يرآهم يدب الرعب بأوصاله، ولظن أن الحرب ستقوم لا محالة، في الردهة كان يجلس في هيبة حوله الرجال في انتظار إشارة منه وأمامه يجلس آخر منكمشًا في نفسه، يُكاد يشيب من فرط خوفة ومع ذلك يبدوا ثابتًا، تحدث الرجل وهو يجلس على مقعدة في رزانة :
– لقد تم ما أردته وأكثر! الآن ستدلني بكل المعلومات عن مصر.
مال للأمام مشيرًا له في تحذير عينيه تبث الرعب في الوجدان :
– ولا تنسى أنا فقدت عملت ذلك من أجل ما فعله المرحوم والدك معي وإذ فعلت ما لا يروق ليّ أنتَ أعلم ما سأفعله.
أرتعد جسده ولا ارديًا تذكر حينما جاء لأول مرة، لقد رَ ما جعله يود لو تنشق الأرض وتبتلعه قبل أن يطأ بقدمية في هذا الجحيم.
كان يدخل من البوابة الحديدية برفقة الرجال وإذ به يقف مصدومًا حينما رَ شاب في عمر العشرين في لمحة عين يخرج نصل حاد ويلقية بأحترافية وعن بعد في عنق احدى الرجال لتفصل رأسه عن جسده، وتبسم الشاب الذى تناثرت الدماء عليه وهو يقبل نحوه ملتقطًا نصله الحاد من الأرض، وقال مرحبًا :
– أوه هذه أول مرة يشرفنا فيها مصريًا في بيتنا.
أذرد لعابه في خوف، هل هذا حقًا قد ذبح أنسانًا توًا؟
ما باله يتبسم باريحية وكأن شيئًا لم يكن.
فاق من شروده في الجثمان المجسى ارضً على صوت الشاب الذي قال وكأنه قرأ ما يفكر به :
– يا رفيق لا تشغل بالك كان يستحق ذلك.
أستدار برأسه للجثمان، وقال في صوتًا گ الفحيح :
– هذا جزء الخائن، لقد وثقت به وطعني لذلك أخذت حقي.
عاد ببصصره له مرة آخرى مصافحًا آياه في بسمةً مُتسعة :
– أراس جومالي يا هذا، وأنت؟
_فاق من شروده على صوت اراس المقبل ملثمًا كف والده جومالي في أحترام جم :
– لا تنسى يا هذا لولا أن حذرتك بشارة الترقب لم تكن لتنجح.
أنهى جملته وهو يلقي بنفسه على الأريكة فاردًا ذراعية على ظهرها في أسترخا، ليومأ الرجل المصري تباعًا في خوف :
– أجل، أجل لولاك لما كانت خطتي نجحت.
هُنا وصاح السيد جومالي في حسم وهو ينهض:
– أنتهى النقاش عليَّ المغادرة، سيصلك أسمك الجديد ويوم عميلتك حينما يحين الأمر، تفضل.
أشار له بكفه لينصرف، فوقف ولا يكاد يصدق، كشخص قد تم نجاتة من الشنق أنفًا، هرول مسرعًا.
ليلتفت أراس إلى والده وهو يدلك رقبته قائلًا :
– هذا الرجل لا يروق ليّ، لماذا تفعل عداوة مع مصر نحن لا نريد ذلك، ألا يكفى ما نحن فيه؟
تحدث والده في برود وهو يغادر :
– أنا أفعل ما شئت يا بُني، ليس لك شأن في هذا.
تنهد أراس وهو يميل للأمام واضعًا وجهه بين كفية في هم :
– وما الذي ليّ شأن فيه يا أبي، حياتي وقد أنهيتها حينما أدخلتني في هذا العالم الذى كُنت مجبورًا عليه قسرًا، لقد جعلت اخي يتركنا ويرحل ماذا تريد ان تفعل بنا أكثر من ذلك، سامحك الله.
تنهد في ألم وهو يلتفت لمن هتف له محادثًا آياه وهو ينحني مقدمًا له الحاسوب :
– سيدي … كل ما طلبته قد نُفذ، وأتضح أنه يخططف صغار بينهما فتاة تكبرهما سننًا، كما أنهم احفاد لمار.
نظر له أراس في تعجب ودهش، فـ اومأ الشاب بعينية متابعًا:
– لمار الشرقاوي أكيد تعلم من تكون؟!
جذب أراس منه الحاسوب وهو ينهض منصرفًا دون كلمة، مرتقيًا الدرج شبه راكضًا، ليقطع الرواق في خطوات سريعة، حتى ولج إلى غرفته جالسًا على فراشه، مربعًا قدمه اليسرى أسفله والآخرى متدلاه، ونقر عدة نقرات على الحاسوب قبل أن تظهر له صورة خديجة والصغار من حولها يكادوا يلتصقون بها على قدميها أروى الشبه متغيبة، تمسح على رأسها في حنو، وفي صوتٍ رخيم يسلب الألباب كانت تتلو خديجة آيات القرآن الكريم، فستمرت عينية عليها، لم يشعر بدمعه الذي أنساب لا إرديًا يهوى هويًا إلى وجنته، وخفق قلبه متأثرًا، وقد فعل صوتها المرتلًا الأفاعيل في نفسه، رويدًا رويدًا لم يشعر بنحيبه الذي علا.، وفي حركة سريعة كان يغلق الحاسوب في عنف، ملقيًا آياه عرض الحائط ليقع متناثرة شظاياه، وازاح دمعه في قوة وهو يتنفس في سرعة وكأن ثمة وحشًا يلاحقة، عيناها التي لم يرَ غيرهما لم تبرح مخيلته، صوتها قد بث الراحة لفؤاده لدقائق، هل بكى؟ أحقًا بكى؟
هل لشيطان مثله ان يبكي؟
هل رق قلبه لوهلة؟
ألا يذبح ويقتل ويفعل ما لا يخطر بقلب بشر أن يبكي لسماعه القرآن؟ مجرم مثله فُقد قلبه الرحمة وأنتزعت لا يحق له ذلك!
كان ما زال على حاله، الدقائق تمر دون أن يشعر بها، كأنه في عالم آخر، عينية تأبى أن تُنزل دمعها الذى يترقرق بها، قد تقرحت عينيه، وقر صوتها المرتل بالقرآن في قلبه، لا يشعر بأنفاسه التي تخرج في صعوبة وسرعة وكأنه في سباق، وما بين كل ذلك على حين غرة شقت بسمة خبيثة محياه، لينهض مغادرًا الغرفة، نازلًا للطابق السفلي في تعجل، خارجًا من المنزل، متوجهًا صوب مجموعة من الرجل، وقبل أن يصل إليهم كان احدهما يقترب منه شبه راكضًا، هامسًا في تلعثم من نظرة الغضب بعينية :
– أراس أنت بخير؟
لم يجيب على سؤاله وأنما قال في نبرة حادة لا تخلو من الهدوء:
– نجيب … أرسل رسالة إلى المخابرات المصرية بعنوان الصغار.
عقد “نجيب” حاجبيه في تعجب، وما هم بتحريك شفتية حتى قاطعة “أراس” قائلًا وهو يوليه ظهره مغادرًا:
– أفعل ما أخبرتك به، وأياك أن يعلم أحد بهذا!
عاد للمنزل مجددًا أخذًا معطفة مرتديًا آياه وهو يخرج من المنزل، ليتبعة رجُلاٍ ما أن شعر بهم حتى زفر في ملل و وقف قائلًا لهم :
– لا أحد يأتي وراءي!
طأطأ الرجلاٍ رؤسهما في صمت، فتنفس في ضيق وهو يسير في سرعة وهم خلفه، لاحظ خلو الطرق من المارة، ليحادثهم بعينين تدور في زهول للطريق الخالي :
– أين الجميع يا بُني؟ لماذا لا أرَ أحد؟!
نظر الرجُلاٍ لبعضهما قبل أن يجيب احداهما :
– ثمة مُبارة اليوم ولا بُد أن الجميع هُنالك يا أخي.
تبسم “أراس” بإتساع وأستمتاع وهو يغير طريقة نحو ساحة المبارة، وجد بالفعل جميع الرجال هنالك شبابٍ وكبار، ما أن أبصروه حتى وقف الجميع مُفسحون له الطريق، ومنهم من أقترب مصافحًا أياه في حماس خلع معطفة ليضعه جانبًا وأنضم لأحدى الفرق من الشباب، وأذاد لهيب الحماسة في وجوده، صياح عال وقهقهات عالية دارت، كان يريد أن ينسى لو قليلًا ما يمر به، ولكن حتى أن تناسى لبعض الوقت فهو سيعود مجددًا لتلك الحياة التي يبغضها، لا محالة للفرار من هذا الطريق، لقد وقع فيه ولا يمكن أن يخرج، تلك الحفرة عميقة للغاية وقد ألتهمته ألتهامًا هو هالك لا محالة لا يوجد نجاة مهما طال عمره.
🌹 اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد 🌹
وصل للمار رسالة بمكان الصغار، كان مضمون الرسالة مبهم، من يساعدها وكيف على علم بكل ذلك، لم يكن ثمة وقت لتشغل بالها بمثل هذه الأفكار، كان عليها أن تنقذ الصغار، وستعود للتفكير على مهل فيما بعد، أرسلت قوة مرة آخرى برفقة ياسين وعثمان، ولكن تلك المرة كان المكان بعيد جدًا بالتحديد في الجبل، جلس الصغار مفترشون الأرض في احدى الكهوف، كان قد حل الليل، لم يدروا كم الوقت، ينتظرون ما سيحل عليهم من هؤلاء المجرمين، لا يدروا لماذا نقلوهم إلى هذا المكان المخيف، كان يغشاهما الصمت، أما إذا ذاد الخوف بفؤاد خديجة أسرعت لمناجاة ربها تتلو ما تحفظ من القرآن ليؤنسهم، حتى أخترق سمعهم صوت إطلاق النار فنهضوا في خوف جميعًا، وعلى عجل كانت تضمهم كـ الحصن المنيع، عيناها متعلقة على مدخل الدخول، ربما كان الموت قريبًا، صراخ الصغار كان ممزوج بصوت إطلاق النار الذي كان كـ وابل من المطر، وبغاتهم دخول احد الرجال مسلحًا لتبتعد خديجة بالصغار للخلف حتى التصقوا بالجدار، أنطلق الرجل صوب خديجة يود أنتشال أروى من بين يديها ألا أنها احتضنتها بكل قوتها صارخة فيه أن يبتعد، دلف ياسين ليبصر الأمر واطلق رصاصة أصابة قدم الرجل، فركض الصغار ناحية ياسين بينما جذب الرجل ملك، والقى السلاح من يده وأستل نصلًا من جيبة، مبتسمًا في نبرة متهكمة قائلًا وهو يضغط بالسكين على عنق ملك التي تبكي في خوف :
-سيب السلاح من أيدك ولا هقتلها.
اومأ ياسين وقد بلغ الخوف ذروته في قلبه، بدأ ينزل في حذر ليترك السلاح أرضً بينما يمناه يرفعها في وجه الرجل كأنه هكذا يمنعه عن أزيتها، تمتم ياسين في تمهل :
– سيبها أنا سبت السلاح، هتكسب اي دي طفلة؟! سيبها وأوعدك هساعدك تاخد حكم مخفف.
نظر في عين ملك التي ترجوه بنظراتها أن ينقذها، في حين تسلل حمزة في حذر أثناء أنشغال الرجل مع ياسين، وسار خلفه وباغته في ضربة في قدمة أدت إلى تقهقر ولا ارديًا كان السكين يسبب جرحًا عميقًا في عنق ملك، أسرع ياسين إليه ممسكًا بذراعه يهيل إليه اللكمات والضرب المبرح، لتسقط ملك أثر ذلك من على ذراع الرجل على وجهها تسبب في شج جبينها، لتشهق خديجة في فزع واضعة يمناها على شفتاها وعيناها معلقة على نظر ملك التي غابت عن الوعي، في حين ظلت أروى تتشنج وتصرخ حينما رآت الدماء تسيل من ملك، بالخارج تم القبض على الرجال ليكتشف عثمان نفق تحت الأرض ممتلأ بالسلاح، بسبب مداهمة الشرطة على غفلة من أمرهم لم تسنح لهم فرصة فرار أو موارات شيئًا.
ما قد يُصيب مالك؟
من ذاك المجهول المصري؟ وما عداوته معهم؟
لماذا يريد أذيت ياسين بالتحديد؟
لماذا ساعدهم أراس وما الفائدة من ذلك؟
أنتظروا أحداث نار قادمة من جحر الشيطان.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية جحر الشيطان)